أين الخلل ، و لماذا وُجد ضلال و إلحاد بين المسلمين !!
هذا مقال متصل بآخر لي كتبته هنا في المنتدى مع ردود لإخوة فضلاء تحت عنوان ''سأل سائل : كيف يوجد في دين من عند الله شبهات ؟''
و أرجو أن يكون له فائدة و يكون تبصرة للهداة و لكثير من الشباب المهتدي المتسرع و المتحمس جدا.
أقول : كثير منا ينظر إلى الجانب المملوء من الكأس، نعم نعم أكيد الإسلام هو الحق و هو دين عظيم و له دعاة كثيرون يملأون الشاشات و صفحات الأنترنت كما أنه ينتشر في الغرب اليوم و بعد أحداث 11 سبتمبر على نطاق واسع و هو بالفعل أسرع انشارا من الأديان الأخرى لكن كيف و لماذا ؟ و ماذا عنا نحن العرب المسلمين الأصليين ؟ ما مدى وعي أمتنا بهذا الدين العظيم و التزامنا به ؟ و لماذا رغم كل هذا تأخر قيام الخلافة الإسلامية الحقة حتى الآن بل لم تقم حتى بعض بوادرها في رقعة من الأرض تكون مثالا يحتذى ؟ و لم يكن من سبيل لنصرة إخواننا في العراق و لا في الشام و لا في مصر أو بورما.
نعم حقيقة الإسلام نعرفها نحن المثقفين الإسلاميين جيدا و نعيها نحن طلبة العلم الشرعي وعيا كاملا تاما لأننا اطلعنا عليها و درسنا و بحثنا عن الحقيقة و خالطت بشاشة الإيمان قلوبنا و ذقنا طعم الإيمان حتى في فترة قريبة يمكن تسميتها بجاهلية القرن العشرين.
تقول جاهلية القرن العشرين ؟ نعم كانت هناك جاهلية ، و هؤلاء الشباب التائه في دروب الضلالة و الإلحاد و اللادينية و غيرها من مخلفاتها ، و هذه الشبهات الهدامة و الافتراءات حول الإسلام التي تملأ رؤوسهم و أحالت الواضحات عندهم إلى غوامض ، و جعلت كتاب الله مهجورا و سنة نبيه غريبة و جعلت الأنظمة الحاكمة و الطغم العلمانية تطغى و تستأسد في بلاد الإسلام من آثارها و نتائجها ، و هذا الهوان الذي أصابنا و تبعية المغلوب للغالب و هو الغرب الضال و فرض سيطرته الشاملة علينا من ويلاتها !!!
كانت هناك جاهلية بالفعل قد لا يتخيلها بعض شباب اليوم، حين كانت المساجد حتى حدود سنة 2000 شبه خالية من الشباب الملتزم و لا تكاد تجد فيها ملتحيا و قابضا في الصلاة على صدره ، و بالكاد تجد صفين أو ثلاث ، و لا تكاد تجد عقيدة صحيحة أو سُنّة واحدة مُتّبعة أو خُلقا إسلاميا داخل المسجد أو خارجه إلا كما يجد الحريص على الدنيا قطعة ذهب، ناهيك عن المؤسسات التعليمية و القنوات الفضائية و التي كانت كلها رسمية تخدم الأنظمة ، حتى بدا الإسلام الحق غريبا بين أهله ، و أصبح يشار إلى كل مسلم متدين بأسوء الألقاب ، و لم يكن ثمة حجاب بَلْه نقاب. بل الأسوء انتشار الأفكار الهدامة و استئسادها على الرأي العام العربي و الإسلامي، و إن كان هناك قائمون على الدعوة أكفاء من أمثال الزنداني و الغزالي و القرضاوي و كشك و أحمد ديدات و ابن باز و ابن عثيمين و الألباني و تلامذته و محمود الصواف و عائض القرني و غيرهم ممن حملوا المنار لكن حملوه فيما يشبه ليلا حالك السواد و قل من الأمة حينذاك من يهتدي إلى مؤلفاتهم و محاضراتهم ، و قد سعد الشرق بهم أكثر من الغرب، خاصة أنه في الغرب عندنا كان الإسلام الحق شبه محارب ، فلماذا تدعون إلى الإسلام فالبلد مالكي و يحكمه أمير المؤمنين و عقيدته أشعرية و من أراد التدين فعليه بالطرق و الزوايا، و يُتّهم كلُّ داع إلى السنة بالبدعة و الدعوة إلى دين جديد خاصة إذا ظهر بمظهرها. فجُفّفت منابع الدعوة بل حورب العلم الشرعي جملة و تفصيلا فهو لا يُدَرّس و لا يُمَكّن لدعاته من التواصل مع الشباب عبر أية وسيلة. و الأسوء هو استهداف السياسات لعقليات الشعوب و النخب المثقفة حتى لا تقرأ كتابا بل سطرا فكانت المناهج التعليمية تسير باتجاه تبليد الشعوب و ما نسميه عندنا تكليخ الشعوب و التمكين للأمية و محاربة اللغة العربية التي هي منطلق فهم الدين، و التمكين للغات الأخرى و الثقافات الأخرى أن تغزو بلادنا غزوا ممنهجا.
الفكرة و الشاهد من كلامي هذا هو الأثر الذي خلفته هذه السياسات و الأوضاع على الشعوب أو أكثر الشعوب العربية و الإسلامية. حتى حالت بينها و بين إقرأ و حتى إذا قرأت لم تقرأ ما ينفعها.
و هذه الوضعية التي وصفتها لك أيها القارئ الكريم و التي عشتها شخصيا و عاشها ألوف من الشباب مثلي جاء وصفها بشكل أدق في ترجمة أحد عباقرة الفكر الإسلامي السني السلفي و أحد المفسرين للقرآن الكريم في العصر الحديث و هو المحدث علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله، يقول المترجم له يحكي عن عصر المؤلف و الذي عاش في أواخر فترة الحكم العثماني ما بين 1866م و 1914م:
عصر المؤلف :
عاش القاسمي معظم حياته في أشد أيام الظلم والظلام. فقد ولد ونظام الحكم المطلق قائم في الدولة العثمانية، فالحريات بجميع أنواعها مفقودة، والأقلام مغلولة، والأحرار مطاردون، والدستور معلق، وأعوان السلطان مبثوثون في كل مكان، والجاسوسية تفتك بالأبرياء، والعدالة تكاد تكون مفقودة لفساد النظام القضائي، وشراء مراكز القضاء.
في هذا الجو السياسي الخانق عاش القاسمي معظم حياته.
أما الحياة الثقافية في ولاية سورية فكانت أشبه بالمفقودة، فلا مدارس، ولا معاهد، ولا جامعات، واعتماد القلة من الناس على الكتاتيب وحلقات الجوامع والدروس الخاصة في البيوت. جهل مطبق فرضته الدولة على الناس، ليعيشوا في جوّ من الظلام والغباء، وليسهل على حكامها ومستغليها اضطراد الأمور في مسلك من الظلم والبطش والخنوع.
وكان حال الحياة الدينية نتيجة طبيعية للحياة الثقافية: جمود على القديم، وكتب صفراء يتداولها الطلاب، ومتون كثيرا ما يحفظونها من غير فهم، وحواش وتعليقات تزيد في اضطراب عقول الطلاب. وتقليد أعمى غلت معه العقول، حتى كتب الحديث ما كانت تقرأ على الأغلب إلا للتبرك، أما كتب التفسير فممتنعة عن الخاصة بله العامة.
وحسب الرجل أن يقرأ بعض كتب الفقه، ليعتمّ ويقال إنه عالم. وكتب اللغة والنحو والصرف والأدب يقرؤها بعض الطلاب على أنها أداة لفهم الكتاب والسنّة.
وقد كانت الطرق في ذلك العصر في أوج انتشارها، يعتنقها بعض رجال الدين، ويجمعون العامة حولهم، ويشغلونهم عن العمل النافع لإقامة المجتمع الإسلامي الصالح. وقد تعددت هذه الطرق تعدد الأحزاب السياسية، وقامت بين زعمائها خصومات واتهامات لا يكاد يصدقها العقل.
أما حقيقة الدعوة الإسلامية وأهدافها السامية، فلم يكن أحد من رجال الدين عارفا بها، أو مهتما بنشرها.
والحياة الاجتماعية كانت كذلك مفقودة، إذ لم يعرف الناس أي نوع من أنواع الاجتماع إلا في الولائم وصلاة الجمعة، والسهرات التي كان يسميها أهل الشام (الدّور) . فلا ندوات ثقافية، ولا جمعيات إصلاحية، وحتى ولا جمعيات خيرية.
والمرأة التي هي نصف المجتمع غائبة، فليس لها في خدمته إلا نصيب قعيد البيت.
في هذا الجو الخانق العجيب، المتخلف في جميع مرافق الحياة، نشأ القاسمي. فكان كالطائر المغني في غير سربه، غريبا عن أهل الزمان، ولعل هذا كله كان أدعى لإقدامه، والقناعة برسالته، وضرورة العمل لها، والسعي لنشرها، لا يبالي في ذلك تكفيرا، ولا محاكمة ولا حبسا.
فثبت لهذه المحن كلها، وأكثر منها، كالطود الراسخ، لا يزعزع يقينه وعيد، ولا تهديد، ولا تكفير، ولا حبس. لا تزيده الأيام إلا قوة وعزيمة. انتهى
أعتقد أن هذا كان هو الحال الغالب على الأمة خلال فترة القرن العشرين لذا أسميها بجاهلية القرن العشرين كما أسماها محمد قطب رحمه الله ، و هذه الصحوة الشبابية التي نراها اليوم هي بالفعل تبشر بخير كثير لكن يجب أن لا ننسى أبدا أنها نشأت على أنقاض خلفها شر كثير كثير لا يعرفه كثير من الشباب الملتزم اليوم الذين ولدوا في الثمانينيات أو مع بداية التسعينيات.
و بالعودة إلى أكبر شؤم خلفتته تلك الشرور فهو الحيلولة بين الأمة و بين القراءة، و هذه لوحدها كارثة ستحول دون معرفة كثيرين بحقائق الإسلام الصافية و ستوقعهم في كثير من الشبهات و الضلالات ، و هذا بخلاف الغرب و الشباب الغربي المتعطش لمعرفة الحقيقة من خلال القراءة الغزيرة و هي السبب المباشر لانتشار الإسلام هناك أسرع مما نتصور خاصة بعد الأحداث العالمية الأخيرة ، فشبابنا يضل و شبابهم يهتدي ، و في هذا كتب أحد الإخوة في ''ملتقى أهل الحديث'' مقالا مطولا ضمنه عدة مقالات و بحوث حول أمية الأمة العربية و أنها أمة لا تقرأ. و هو قد يدعوك للتشاؤم و أفضل أنك لا تقرأه و أن تبقى متفائلا.
(( العرب لا يقرأون !! )) ... ما مدى صحة هذه المقولة في واقعنا المعاصر ؟!!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم
لكن لا تقلقوا و لا تتشائموا : ففي هذا الحديث كما قال العلماء بشارة بنصرة الإسلام بعد غربته الثانية آخذين ذلك من التشبيه في قوله صلى الله عليه وسلم "وسيعود غريباً كما بدأ " فكما كان بعد الغربة الأولى عز للمسلمين وانتشار للإسلام فكذا سيكون له بعد الغربة الثانية نصر وانتشار.
http://store1.up-00.com/2016-02/1454970160881.jpg