لماذا إستوردت لنا بلداننا ثقافة الشارع ( الهيب هوب ) ؟!
لماذا إستوردت لنا بلداننا ثقافة الشارع ( الهيب هوب ) ؟!
ولد في غيطوهات هارليم, و نشأ و ترعرع بين أزقتها و حواريها, و تعلم لغته و كلامه الساقط منها. رجال العصابات قدوته و رموز الجريمة نبراسه, المال ضالته و السبل هامشية عنده, و الخمر و المخدرات سمته و الحياة التفسخية نمطه, جعل من المجون ثورة و من البطالة مبدءا و الثرثرة الفارغة سلاحا, شمر عن سواعد اللسان في الثرثرة عوض تشمير سواعد الجد و العمل. تخرج لاحقا من سجون كاليفورنيا, حيث تعلم عادته السيئة في السراويل المتدنية, لأن السجانين كانوا يمنعون عليهم أحزمة السراويل لإستخدامهم لها في تصفية بعضهم البعض, و إنتشر مرتحلا بين أصقاع أمريكا في صفوف رواد الشوارع, و أصبح فيما بعد سلعة رائجة في صفوف المراهقين و أبناء الأقليات, لما يحمل من غموض و جاذبية بلغته الخاصة المتدنية, و بزيه البهلواني, و فكره الإستهلاكي ( إن وجد له فكر أصلا ), و حركاته الاستعراضية, و رقصاته المجذوبة. لتتنبه له آجلا الرأسمالية الأمريكية, بعائدات ألبوماته و كليباته و الدعايات الضمنية, و تحتكر صناعة مواضيعه الساقطة, و طبعها بالماركات العالمية من السيارات الفارهة مرورا بالأحذية و الملابس الرياضية إلى أصناف الخمور, و تصديره بعد ذلك إلى باقي دول المعمور.
إنه الهيب هوب بموسيقاه الروتينية و كلامه الساقط المسمى بالراب, و أنواعه متعددة من الغنغاستا إلى الهاردكور, و برقصاته البهلوانية المجذوبة على رأسها البريك دانس, و بثقافة تشويه المنظر العام المسماة غرافيتي.
هذا هو الهيب هوب.
لكن أن تستورد لنا بلداننا ثقافة الشارع و نمط عيش أوباش أزقة نيويورك و لوس أنجلس, و تقيم لها المهرجانات و الدعايات المجانية, و أن تفتح لها الباب على مصراعيه في وسائل الإعلام, و تشجع الجيل الناشئ على إعتناق هذه الثقافة بين قوسين...فعفوا !!! فهذا كرم لم نألفه في القوم في الإهتمام بطموحات الشباب و مشاكلهم...فماذا جد حتى نجد كل هذا السخاء و كرم ضيافة ثقافة لقيطة متلقفة من شوارع الولايات المنحلة الأمريكية ؟!
ربما هو تحفيز للمراهقين المهووسين بالرموز الساقطة لهذه الموسيقى من التوباك إلى بي جي على الشغب, ثم الهدر المدرسي مستقبلا...و بالتالي تجنب عناء إعتصامات و إضرابات أصحاب الشواهد العليا العاطلين عن العمل.
و ربما هي حقن تخديرية للشباب, للإنغماس في عالم البطالة بكل إفتخار, و سلوك درب الإنحراف بكل إعتزاز, و الإقبال على المخدرات بكل إبتهاج...و الفرار عند رؤية كل شرطي بكل إذلال.
و ربما لخلق قطيعة بيننا و بين هويتنا, لا من حيث الدين, و لا من حيث المظهر و الزي, و لا من حيث اللغة...و مزيد من التيه في التغريب و التبعية, و التقليد الأعمى و المبصر و الكسيح أيضا.
ربما, و ربما...و إحتمالات عديدة واردة.
فبرأيك أخي, لماذا إستوردت لنا بلداننا ثقافة الشارع ( الهيب هوب ) ؟!