اضطرار العقل إلى الإقرار بحكمة الله في خلقه وشرعه ، وكشف مغالطة منكري حكمة الشريعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله ، وعلى آله وصحبه والمقتفين أثره من بعده .
هذا جواب على استشكال معرفة الحكمة في بعض أحكام الشريعة الإسلامية ، وقصور بعض العقول عن درك ذلك ،
وبيان :
أن العقل موجب للإقرار بوجود الله وحكمته .
وأن حكمة الله ثابتة في خلقه وفي شرعه .
وأن ما لا يدرك من حكمة الله في خلقه وشرعه ليس نفيا لوجود الحكمة وإنما هو نفي لبعض شروط معرفتها ألا وهو عدم قصور العقل ونقص إدراكه .
وأن العقل لا يحيط بحكمة الله تعالى لا في خلقه ولا في شرعه ، لكمال حكمة الله تعالى ، ولنقص قدرة المخلوق في عقله كبقية قدراته غير الكاملة .
وأن المعترضين على حكمة التشريع يعمدون إلى مغالطة خبيثة قائمة على تشويه الحقيقة وعزلها عن علاقاتها الضرورية ببقية أحكام الشريعة الكاملة .
وأن الواجب في رد هذه المغالطة مقابلتها بالضد ، ببيان حقيقة المسألة ، وعرضها في إطارها العام المترابط مع بقية الأحكام الشرعية ، وتطبيق ذلك على مثال من مسائل الشريعة الإسلامية التي يشغب عليها الجاهلون بربهم وشرعه.
فحق فيهم وصف الله تعالى لأسلافهم من المكذبين بالحق جهلا بعد أن شهدوا آيات الله تعالى : {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ } .
اضطرار العقل إلى الإيمان بخالقه :
إن ما يجده الإنسان في تأمله لنفسه وللكون من حوله من اضطرار عقله إلى الإيمان بالله عز وجل لهو الحق الذي لا محيص عنه ، فإنه لا يسلم العقل بحقيقة كونية أو نفسية إلا كان استلزامه التسليم بوجود الله وكماله أعظم وأولى ، وإذا أنكر وجود الله وقع في تناقضات عقلية تضحك الثكالى ، كجعل المادة الناقصة غير الحية ولا العاقلة ولا المريدة مصدرا للحياة والعقل والوجود والكمال ، أو جعل العدم الذي ليس بشيء مصدرا لكل وجود وفاعلا لكل المفعولات الكونية ! وهذه كلها مصادمة لأحكام العقل البدهية الضرورية المبنية على استلزام الإحداث والفعل والإيجاد إلى محدث فاعل موجد أكمل من محدثاته وموجوداته ، وامتناع إحالة ذلك إلى ما لا يصح منه إيجاد الكائنات لعدمه أو لنقصه ذاتا وصفاتا ، ومخالفة هذه الضروريات العقلية ما هي إلا وسوسة وجحد للحقائق ، وهذا مرض يصيب الموسوسين في عقولهم ، وهو غير مستغرب منهم ، فكما يصاب العقل بالجنون فإنه يصاب بالفساد عندما يجعل الأوهام والخيالات والوساوس أساسا يحاكم العقل وبدهياته من خلاله .
حكمة الله في خلقه للكون والإنسان تقتضي حكمته في بعث الأنبياء بالحق :
وإذا أقر الإنسان بوجود الله الذي أتقن كل شيء ، وبحكمته التي شملت خلقه ، وعنايته الظاهرة في مخلوقاته ، فقد وجب أن يؤمن بأن حكمة الله كما شملت خلقه فإنها تشمل شرعه ودينه ، فإن الرب الخالق المالك المدبر هو المستحق أن نشكره على نعمه ونعبده وحده دون غيره ، وهذه العبادة يجب أن لا تكون قولا على الله بغير علم ، وكذبا مفترى ،وإنما يجب أن تكون حقا يرضاه الله ويقره ، وهذا ما لا يعرف إلا بخبر منه جل وعلا لعدم استقلالنا بمعرفة ذلك بمداركنا الناقصة ، ولهذا بعث الله الرسل وأنزل الكتب حتى نعبده وحده ونطيع أمره .
إعجاز القرآن الكريم يشار إليه ولا يحاط به ولا تحصر أنواعه :
وقد أيد الله عز وجل رسله وأنبيائه بالآيات والمعجزات التي عليها يؤمن الناس ، فكانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى هذا القرآن الكريم الذي مهما اختلف الناس في وجوه إعجازه فإنهم متفقون على العجز عن الإتيان بمثله ، ومهما كثر القول في تبيين إعجازه وتفصيله إلا أن الحقيقة الكبرى أن الناس بعد كل هذا مجمعون على أن كل ما يعارض به القرآن الكريم باطل منقوض لا يصمد أمام سورة من سوره فضلا عن عشر سور منه ، فكيف بمثل جميع سوره ؟! وأن كل معارضة للقرآن تحمل بطلانها في نفسها وتعلن عجزها بأعلى صوتها ، وتخضع لإعجاز القرآن خضعانا يحير الألباب ويقطع الجدال ويُبهت الذي كفر .
ومن إعجاز القرآن الكريم : أنه لا يمكن حصر وجوه إعجازه حصرا يوقف إعجازه عند حد محدود لنقص معارف الإنسان عن الإحاطة بجميعه ، وأن ما يذكر في إعجاز بعض ما تضمنته سوره من الإخبار بالمغيبات التاريخية والعلمية وحكمة التشريع ونحوها إنما هي غيض من فيض إعجاز تلك السور ، وأما جميع أوجه الإعجاز فلا يحيط بها إلا الله جلّ وعلا .
ولهذا نجد في جانب الإعجاز اللغوي البياني البلاغي في القرآن الكريم أن فصحاء العرب وأئمة البلاغة واللغة في كل عصر ومصر غير مختلفين في عجزهم وعجز العرب قاطبة والإنس والجن من بعدهم عن الإتيان بمثل القرآن الكريم أو سورة منه ، ثم اختلافهم في سر هذا الإعجاز البياني مما يؤكد علو القرآن الكريم عن قدرة البشر على الإتيان بمثله .
ثم هم في تفسير هذه الحقيقة التي يجدون شاهدها في أنفسهم وغيرهم لا يبلغون كنه إعجاز القرآن ولا يحيطون به ، وإنما يشيرون إليه إشارات من بعيد كما يشير الناظر إلى النجم في السماء لا ينكره ثم هو لا يحيط به خبرا ، فالقرآن أعظم من مخلوقات الله جميعا ، لأنه كلام الله غير مخلوق ولا ناقص ، وكلام الله المعجز لا يبلغ الإنسان منتهى إعجازه ولا فـَسْرحقيقته وإنما يخضع لإعجازه مقرا به مذعنا لعظمته وجلاله ، معلنا عجزه عن الإتيان بمثله دون أن يحيط بوجه من وجوه إعجازه فضلا عن جميعها .
صدق النبي صلى الله عليه وسلم يوجب طاعته والتزام الشرع الحكيم :
فمن ثمَّ وجب على الإنسان أن يعبد الله عز وجل وحده وفق ما أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة ، وأن لا ينكر مما في شرعه من الحكمة ما قد اعترف به في خلقه ، فمن أحكم خلقه لا يكون شرعه إلا محكما أيضا ، ولهذا قال الله تعالى : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ، فالخالق لهم هو العالم بحالهم اللطيف الذي لا يخفى عليه منهم شيء الخبير بجميع أمرهم ، فلا صلاح لهم إلا بطاعته والإيمان به ، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }.
الحكمة في أحكام الشريعة الإسلامية إما تفصيلية أو إجمالية ، ودلالة حكمة الخلق على حكمة الشرع:
إن أحكام الشريعة الإسلامية داخلة في إطار الاختبار والابتلاء للإنسان ضمن المجالات التي يختبر الله الإنسان فيها عقديا وفقهيا وسلوكيا ، وقد جعل الله أحكام الشريعة الإسلامية على نوعين :
الأول : نوع يدرك العقل الحكمة منه والعلة في أحكام تفاصيله وجزئياته ، وذلك : كأحكام المعاملات المبنية على مصالح العباد ، والحدود الزاجرة عن الإضرار بالخلق ، والآداب والمكارم والأخلاق التي تسمو بالمجتمعات وتوثق روابط الاجتماع بين أفراده ، والعبادات التي توحد الأمة شعوريا وتسمو بها وتزكي الأنفس وتنمي الضمير الأخلاقي والوازع النفسي ، وأحكام الدولة التي تحفظ مصالح العباد وتمنع الاستبداد وتجعل الحاكم والمحكوم والغني والفقير والكبير والصغير جسدا واحدا في أمة واحدة متناصرة متكافلة يسعى بذمتهم أدناهم ، وينصح بعضهم بعضا فيُسمعُ للناصح ويُخضعُ للحق ، فلا صراع طبقي ولا اضطهاد بشري .
الثاني : نوع يدرك العقل الحكمة منه إجمالا ، كالحكمة من مقادير بعض العبادات وكيفياتها كعدد الركعات في فرائض الصلاة ، فالحكمة الإجمالية منها التعبد بمحض الطاعة لله عز وجل بعد أن شهدت عقولنا وفطرنا حكمته في خلقه وشرعه ، وبعد أن أيقنا أنه حكيم في جميع أحكامه ، وأن طاعتنا له لأنه خالقنا ومالكنا ومدبر جميع أمورنا ، ولأنه الله الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله ، ومن كان كذلك كان العقل قاطعا بأن ما يأمرنا به فيه الخير لنا والصلاح لشأننا في الدنيا والآخرة ، وأن في ما أدركناه من حكمته في خلقه وما ظهر لنا من حكمته في شرعه لشاهدا بوجود الحكمة في سائر ما جهلنا من تفاصيل التعبدات المحضة التي لها حكمة إلا أننا لم نحصل شرط معرفتها لنقص عقولنا عن إدراك جميع حكمة الله تعالى في خلقه وشرعه .
وكما أننا نشهد في مخلوقات الله ما لا نحيط به علما ولا إدراكا لأسراره فكذلك في شرع الله تعالى ما يجوز أن يغيب عنا وجه الحكمة فيه لنقصنا مع وجودها وتحققها ، وهذا يوجب علينا إيماننا بحكمة الله تعالى في جميع خلقه وأمره الشرعي والكوني .
كشف المغالطة في إنكار حكمة الشريعة الإسلامية في أحكامها وتكامل منظومتها :
ثم إذا نظرنا إلى أحكام الشريعة الإسلامية وجدناها على نظام متسق محكم يأخذ بعضه برقاب بعض ، وتتلائم أحكامه حتى تدفع عن جزئياتها كل نقص وذلك بما يجاورها من أحكام وضمانات تمنع وتقي من طروء الفساد على الشريعة الإسلامية .
وبهذا يتبين لنا أن من يجادل في بعض جزئيات الشريعة الإسلامية متهما لها بالاتهامات الباطلة إنما يكمن معظم خلله وفساد رأيه - بعد جهله بحقيقة تلك الجزئية الشرعية - في عزله أحكام الشريعة بعضها عن بعض ، وضيق نظره عن إدراك موضع تلك الجزئية من المنظومة الكلية للشريعة الإسلامية ، ولو أبصر تلك الجزئية في ضوء هذا النظام المتكامل لعلم أن وجودها كمال في التشريع يبعث الإيمان والطمأنينة في نفس الإنسان وعقله وقلبه .
ثم إذا جئنا بعد ذلك إلى بعض المسائل الفقهية التي يشغب بها الجاهلون بربهم حين يذكرونها على غير وجهها ، ويصرفون نظرهم معرضين عن موضعها من منظومة الأحكام الشرعية ، نجد أن تلك المسائل الفقهية شاهدة على كمال التشريع وسموه ، لا على ما ادعوه من الفساد والنقص العائد إلى فساد عقولهم ونقص إدراكهم ، فما علينا حينها إلا أن نذكر ذلك الحكم الشرعي كما هو في الشريعة الإسلامية مع ملاحظة ما يحيط به من أحكام كثيرة تضمن عدم طروء الضرر والفساد على أحكام الشريعة .
وذلك كأن ننظر في موقف الإسلام من الرق ضمن ما يحيط به من الأحكام :
فنلاحظ تحريم الإسلام جميع أسباب الرق في الجاهلية القائمة على استعباد الأحرار بالخطف والغصب والسرقة والمتاجرة فيهم ، وجعل السبب الوحيد المبيح للرق عائدا في الأصل إلى الإبقاء على حياة الأسرى الكفار المحاربين داخل المجتمع الإسلامي مع تحريم ظلمهم أو أذيتهم وإيجاب رزقهم وكسوتهم .
وفي مرحلة الأسر يجب أن نلاحظ أحكام الأسير في الإسلام في تحريم الإضرار به أو أذيته أو العدوان عليه ووجوب احترام إنسانيته ، وإطعامه كما قال تعالى : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّه مِسْكِينَاً وَيَتِيْمَاً وَأَسِيرَاً } وتوفيراللباس الساتر لعورته ، والمأوى الذي يحميه حر النهار وبرد الليل ، ودفع كل ضرر عنه ، ومعاملته بشرف وكرامة ، كما هي الأخلاق الإسلامية الحربية حتى مع ألد الأعداء المعتدين ، وعدم جواز تعذيبه إلا إذا علم أنه يخفي أسرارا حربية مهمة من خلال عمله دون انتهاك عرضه وإنما يكون بالتهديد ثم بالإيلام الذي لا يفسد بدنه أو أن يكون تعذيب أسرى الكفار بسبب تعذيب الكفار لأسرى المسلمين حتى ينزجروا عن ذلك ، وأما ابتداء ذلك فغير جائز في الإسلام .
واسترقاق الأسرى الحربيين من الكفار إنما يكون عندما لا يمكن مفاداة الأسرى الكفار مع دولتهم بأسرى من المسلمين أو الاتفاق على المفاداة المالية ، أو عدم وجود المصلحة من المن عليهم بإطلاق سراحهم دون مقابل إذا كان في ذلك تشجيعا للعدو وجنده على الغدر بالمسلمين أو قتالهم دون رهبة من الأسر وزيادة في منعتهم وإضعافا للمسلمين ، وعدم إباحة الإسلام قتل الأسرى إلا الرجال البالغين منهم لضرورة توجب ذلك في بعض الأسرى وفي بعض الحالات الخاصة كقتل الأسير الذي اشتد ضرره وعدوانه على الإسلام والمسلمين ، أو قتل الكفار لأسرى المسلمين فيرد عليهم بمثله لينزجروا عن ذلك ، والأصل أنهم كانوا مقاتلين محاربين للمسلمين ولو قدروا على قتل المسلمين لقتلوهم.
وحينها يكون الاسترقاق خيرا للأسير من قتله أو بقائه في الأسر بقية عمره، ويكون الرق بدمجه مع المجتمع الإسلامي تحت رعاية واحد منهم وطاعته في المعروف ، مع ما يكفله له الإسلام من حقوق وضمانات وحرية البقاء على عقيدته ودينه وممارسة عباداته في خاصة نفسه ومن على دينه ، وخضوعه لأحكام القانون الإسلامي والتزمه طاعتها مع طاعة سيده الذي لا يظلمه ولا يكلفه ما لا يطيقه . وهنا تكون الفرصة الكاملة له أن يتعرف على الإسلام في مجتمع إسلامي يحكم الشريعة ويلتزم بها ، بعد أن كانت الصورة المشوهة عن الإسلام سببا لقتاله المسلمين ومحاربتهم.
فإذا اختار الإسلام وحسن إسلامه كان له الحق في عتق رقبته من خلال نظام المكاتبة الذي لا يمكن لسيده أن يرفضه ، ويلزمه أن يوافق عليه ولو بضغط القضاء الإسلامي ، واستحق المعونة من بيت المال من أموال الزكاة لينال العتق من سيده بالمكاتبة .
وهناك منافذ أخرى كثيرة لعتق الرقاب غير نظام المكاتبة ، وذلك من خلال نظام الكفارات في الإسلام ، ومن خلال الصدقات حيث حض الإسلام على عتق الرقاب وفكها والنصوص في ذلك كثيرة جدا ، ومن خلال نظام الزكاة التي من مصارفها عتق الرقاب .
فإذا اختار البقاء على الكفر ورفض الإسلام ، فإنه يبقى على الرق مع عدم الإضرار به أو أذيته أو احتقاره ، بل يجب الإحسان إليه وعدم تكليفه ما لا يطيق ولا يجوز ضربه ولا تعذيبه ، وعلى سيده أن يطعمه مما يطعم ويلبسه مما يلبس ، ويوفر له المسكن والمأوى ، ويسمح له بتكوين الأسرة إذا شاء ذلك ، وأن يعالجه إذا مرض ويداويه بما يصلحه ، وأن لا يفرق بينه وبين أسرته .
وله حق الشكوى إلى القضاء إذا أضر به سيده في شيء من ذلك ، حتى أن سيده لو قذفه حق له أن يشكوه عند القضاء فيعزر سيده ويعاقب إلا أن يعفو هو عنه ، وإذا مثل به فإنه يعتق عليه ، كما يقتل الحر بالعبد كما هو القول الراجح الصحيح .
وتخفف عن العبد الحدود كحد الخمر والزنى إلى النصف بخلاف الحر فإنه يعاقب عقابا كاملا غير منقوص .
ويجب عليه أن يطيع سيده فيما لا يضره ولا يشق عليه مما أباحه الله تعالى ، فإذا كلفه بما يشق عليه وجب على سيده أن يعينه بنفسه أو بغيره حتى لا يشق عليه .
وهناك أحكام كثيرة جدا متعلقة باسترقاق الأسير تجعل منزلته في الإسلام أعظم من منزلة أحرار الكفار فضلا عن عبيدهم ، بل قد يكون العبد في الإسلام أغنى من كثير من أحرار المسلمين وله وجاهة ومكانة في المجتمع إما لدينه وعلمه وتقواه ، وإما لصنعته أو منزلته من سيده .
وقد تصل العلاقة بينه وبين سيده من المحبة والإخلاص والمودة والاعتزاز كما بين الأب وابنه والأخ وأخيه أو أشد ، حتى أن أحدهما يفدي الآخر بحياته ، ولا يطيق فراقه ، ويظل يحسن ذكره من بعده ويبكي ذكراه ، وقد يرغب سيده في المن عليه بإعتاقه وهو يأبى ذلك في حياته ، كالجندي مع قائده ، والابن مع والده ، إنما يعد سعادته وحياته ببقائه معه ، وموته بفراقه ، وهذا غريب جدا ، ولولا حدوثه في التاريخ وما حصل عند إلغاء نظام الرق في العالم وما بقي من حسن الذكرى عند كثير من هؤلاء مع أسيادهم لما أمكن تصور وقوعه حقيقة .
جميع مغالطات منكري حكمة الشريعة الإسلامية قائمة على التشويه وتشتيت النظر :
فهذا نموذج من نماذج المسائل الشرعية التي إذا جهلها المرء وغاب عنه موضعها من منظومة أحكام الشريعة الإسلامية لم يدرك سمو الإسلام فيها ، بل دعاه جهله إلى الاعتراض بها على حكمة التشريع وعدالته .
ولو نظرنا في ما يشغب به الجاهلون على الإسلام من بعض جزئيات وفرعيات أحكام المرأة المسلمة ، وأحكام أهل الذمة ، وأحكام الحدود ، وأحكام المرتد ، وأحكام الجهاد ، لوجدنا اعتراضهم اعتراضا جزئيا على أحكام فرعية دون إدراك لحقيقتها ولا لما يحوطها من أحكام كثيرة تمنع طروء الفساد عليها أو حصول الضرر بها .
فما علينا إلا أن نتأمل تلك الجزئية كما هي عليه حقا ، وأن ننظر في موقعها من أحكام الشريعة الإسلامية وسنجد كل ما يتوهم من الأضرار والمفاسد قد اختفى وانمحى ، وبقيت عدالة الإسلام وحكمته ورحمته ظاهرة في كل شيء .
ويجب أن لا تنطلي علينا مغالطة الفصل بين الأحكام الشرعية المترابطة وعزل الأحكام بعضها عن بعض ، وكذلك مغالطة تشويه الحكم بتصويره بغير صورته الحقيقية ، ولا بد من التنبه لذلك ومقابلته بضده ، وإظهار تكامل أحكام الشريعة وعلاقاتها الوثيقة وحكمتها الكلية والجزئية .
والحمد لله على نعمة الإسلام وهداية السنة .