سماعيٌّ من البداية حتى النهاية
سَـمَــاعِــيٌّ
مِن البدايةِ إلى النهايةِ
روى الإمام البخاري رحمه في ((صحيحه)) (4679) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ؛ وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ـ وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ ـ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. انتهى.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الحديث: ((إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ)).
وفي هذا فوائد ثلاثة:
الأولى: إقرار أبي بكرٍ وزيد رضي الله عنهما لقول عمر المذكور، فهذا إجماعٌ من إجماعات الشيخين أبي بكرٍ وعمر، ثم موافقة باقي الصحابة لهما على فعلهما، وعدم إنكاره؛ تدل على إجماع الصحابة الكرام رضي الله عنهم على هذا الأمر.
الثانية: خشية عمر رضي الله عنه من كثرة قتل القُرَّاء والتي سينتج عنه لو حصل: (أن يذهب كثيرٌ من القرآن)؛ تعني بكل إيجاز أن لم يذهب حرفٌ من القرآن حتى هذه اللحظة التي كان الثلاثة (أبو بكر، وعمر، وزيد رضي الله عنهم يتباحثون في جمع القرآن)، فحتى هذه اللحظة لم يذهب حرف من القرآن، لكن عمر رضي الله عنه يخشى أن يضيع كثيرٌ من القرآن إذا استحرَّ القتل، أو كَثُر القتل في صفوف القُرَّاء في كل معركة من معارك المسلمين، فيرى عمر رضي الله عنه ضرورة جمع القرآن الآن والقرآء متوافرون متواجدون قبلهم أن يُقْتلوا في معارك المسلمين، وبهذا يضيع كثيرٌ من القرآن بمقتل من يحفظه، فلابد إِذن من البدء على الفور في جمع القرآن..
وإذا لم يكن قد ذهب حرفٌ من القرآن حتى اللحظة المذكورة بإجماعهم؛ ثم بَدَءَ الجمعُ مباشرة ولله الحمد، فهذا بإيجاز يعني أَنَّه لم يذهب حرفٌ واحدٌ من القرآن الكريم أبدًا ولله الحمد..
الثالثة: لكن رويدًا يا أمير المؤمنين أبا حفصٍ العظيم رضي الله عنك وعن أولادك وذريتك وأحبابك، وحشرنا الله معك في جنات النعيم في صحبة نبينا صلى الله عليه وسلم..
رويدًا أبا حفصٍ، ودعني أسألك لأتعلَّمَ منك يا مَنْ أنعم الله عليَّ بحبِّكَ: لماذا تخشى ضياع القرآن بموت القراء؟
هل لأن الجزيرة العربية أو المدينة قد خلتْ ممن يُحْسِن القراءة إلا هؤلاء القراء؟ فتخشى إن قُتِلوا أن لا تجد قارئًا أو كاتبًا يجيد القراءة والكتابة؟
أرجوك أبا حفصٍ سامحني على غبائي في سؤالي..
أرجوك أبا حفصٍ أن تسامحني، وليشفع لي عندك حُبّي للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وسائر الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
أنا ما سألتُك أبا حفصٍ لأعترضَ؛ كلا..
وما سألتُك أبا حفصٍ لجهلي بالإجابة؛ كلا..
وكيف أجهلها وأنا ابنُ الإسلام؟! وتلميذكم؟
إنما سألتُكم ليعلم السامع جواب ما أريد..
يلزم من ضياع القرآن بمقتل القرآء: أن يكون القراء هم المصدر الأساسي في نقل القرآن لا غير، وقد وافق أبو بكرٍ وعمر وجميع الصحابة على هذا الذي قاله أبو حفص عمر رضي الله عنه.
فالقراء هم مصدر التلقّي الوحيد للقرآن، لا غير، ولو كان مصدر التلقِّي هو الصُّحُف أو الكتابة: لما هَمَّ ذلك عمر، ولا غيره من الصحابة.
أعلمتَ أبا حفصٍ رضي الله عنك أنني أفهم قصدك وما ترمي إليه..
نعم أبا حفصٍ: أَعْلَمُ أنك ترسل رسالة لمثلي؛ كأنك تقول فيها: المصدر الوحيد في نقل القرآن هو السماع لا الكتابة، ولذلك فأنتَ تخشى من موت الحفظة الذين يحفظونه كما أُنْزِل، فلابد من جمع القرآن من هؤلاء الحفظة بنفس الطريقة التي حفظوه بها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان الاعتماد في نقل القرآن على الصحف لم يكن ثمة ما يدعو للانزعاج من مقتل القرآء والحفظة.
وما يضرهم أن يُقتل القرآء جميعًا إِنْ كان القرآن محفوظًا لديهم في صحفٍ خاصةٍ به؟!
فدل هذا على أن نقل القرآن وروايته على القراء (السماع) لا على الكتابة (الصُّحُف).
ـ وفي ((صحيح مسلم)) (2865) من حديثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ.. فذكر حديثًا طويلاً، وفيه يقول سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ))
يقول الإمام النووي في ((شرح صحيح مسلم)): ((أَمَّا قَوْله تَعَالَى [يعني في الحديث القدسي]: (لَا يَغْسِلهُ الْمَاء) فَمَعْنَاهُ : مَحْفُوظ فِي الصُّدُور, لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ الذَّهَاب, بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرّ الْأَزْمَان. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: (تَقْرَأهُ نَائِمًا وَيَقْظَان) فَقَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ يَكُون مَحْفُوظًا لَك فِي حَالَتَيْ النَّوْم وَالْيَقَظَة, وَقِيلَ : تَقْرَأهُ فِي يُسْر وَسُهُولَة)).
لا تأخذوا القرآن من مُصْحَفِيٍّ
لا تأخذوا القرآنَ مِنْ مُصْحَفِيٍّ
وبناء على ما سبق، فقد أَرَسَلَها أئمتُنا الكرام رضي الله عنهم قاعدةً أصيلةً حَمَلَتْها الركبان إلى جميع الأقطار؛ لتقول لهم:
((لا تأخذوا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ، ولا العلم (أو الحديث) عن صُحُفِيٍّ)).
فقطع أئمتُنا بذلك كل طُرق الاعتماد في نقل القرآن على الكتابة والمصاحف، وتركوا الباب مفتوحًا أمام السماع والأسانيد لا غير..
ـ فَعَن سليمان بن موسى أَنَّه قال: ((لا تأخذوا الحديثَ عن الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآنَ على الْمُصْحَفِيِّين)) [((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (2/31)، و((المحدث الفاصل)) للرامهُرْمزي (211)].
ـ وقال سعيد بن عبد العزيز: ((لا تأخذوا العلم عن صُحُفِيٍّ، ولا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ)) [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/31].
ـ ويقول الوليد بن مسلم: ((لا تأخذوا العلم من الصُّحُفيِّين ولا تقرءوا القرآن على الْمُصَحَفِيِّين؛ إلا مِمَّن سمعه مِن الرجال وقرأَ على الرجال)) [((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (63/292)، و((تهذيب الكمال)) للمزي (31/98)].
ـ ويقول السخاوي في ((فتح المغيث)) (2/262): ((والأخذ للأسماء والألفاظ من أفواههم - أي العلماء بذلك، الضابطين له ممن أخذه أيضًا عمن تقدم من شيوخه وهلم جرَّا- لا من بطون الكتب والصُّحُف من غير تدريب المشايخ: أَدْفَع للتَّصحيف، وأَسْلَم من التبديل والتحريف....
وقد روينا عن سليمان بن موسى أنه قال: كان يقال: لا تأخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم من صحفي.
وقال ثور بن يزيد: لا يفتي الناس صحفي ولا يقرئهم مصحفي.
وقد استدل بعضهم بقول عمران -لما حَدَّث بحديثٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال له بشير بن كعب: إن في الحكمة كذا-: أُحَدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن الصحف؟
وروينا في مسند الدارمي عن الأوزاعي أنه قال: ما زال هذا العلم في الرجال حتى وقع في الصحف فوقع عند غير أهله))أهـ
ـ ويقول الصنعاني في ((توضيح الأفكار)) (2/394): ((ويقال: لا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيٍّ ولا العلم من صُحُفِيٍّ)).
ومما حكاه الصنعانيُّ في ذلك: قول القائل:
((والعلم إِنْ فاتَه إسنادُ مُسْنِدِه ... كالبيتِ ليس له سقْفٌ ولا طُنُب))
والطُّنُب حبلٌ يُشَدّ به البيت، فكأنه بيتٌ لا عماد له ولا سقف.
ليست بأول خصالكم ولا آخرها!!
ليست بأول خصالكم ولا آخرها!!
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موراني مرة واحدة
لا تسعد بالمتابعة , يا (المستشار) ,
حديثك لا يقلقني لأنه يخرج من الموضوع الأصلي أذ هو هراء وتكرار لما سبق منه الكلام
فمن هنا أرفض الاشارات الى (التجاملات) من جانبك .
قأقول : عليكم أن تستمروا في هذا الحوار (الذي ليس حوارا) تحت عنوان آخر وليس تحت اسمي .
كما طلبت ذلك من المشرفين في هذا المنتدى (العلمي)
حتى هذه الساعة لم يقدر د.موراني على إثبات دعواه في أن الموضوع لا صلة له به، أو أنه هراء كما يزعم!!
وليست هذه بالمرة الأولى التي يعجز فيها د.موراني عن إقامة دعواه، والدفاع عنها، وإيراد الأدلة عليها..
فهو كغيره من المستشرقين يقولون ما لا يعرفون، ويرددون ما يُمْلَى عليهم بكرةً وأصيلاً، دون فهم لمحتواه، أو دراية بما ينطقون!!
وإنما يحاولون التشويش والتشكيك لا أكثر!!
ولعل من المناسب هنا أن نعيد على القراء مؤهلات د.موراني التي يتكلم على أساسها، وقد ذكرها هو نفسه في لقاء شبكة أهل التفسير به، وهاكم النص من كلامه في لقائه المذكور في ثوبه الأخير بعد نشره في موقع http://www.qudsnet.com/mynews/modules.php?name=News&file=article&sid=%205900 ]((قدس نت))[/URL]
حيث يقول د.موراني:
((د.موراني : قضيتُ ثلاثةً وأربعين عاماً في هذه الدراسات ، منها عشرة أعوام طالباً في الجامعات، ولم أنقطع عن الدراسة إلا عامين فقط . وقد كانت بداية الدراسة صعبةً ؛ إذ كانت هذه الحضارةُ غريبةً عليَّ ، كما كانت المعايير الدينية غريبةً أيضاً ، إلى جانب صعوبة دراسة اللغة. وقد تغيرت الأحوال عند لقائي الأول والمباشر بهذه الحضارة ، وبهذا المجتمع الآخر أثناء إقامتي الأولى في مصر.
لم أبحث عن العلم والدرس في كلية الآداب في جامعة القاهرة ، بل أردت أن أقترب من هذا المجتمع اقتراباً مباشراً ؛ لكي أفهم طريقة تفكير الناس ولكي أفكر كما يفكرون.لم أحضر المحاضرات في الكلية إلا من حينٍ إلى آخر ، وقضيتُ أغلبَ أوقاتي في جوار الأزهر مع تجار خان الخليلي ، وقضيت معهم الأيام من الصباح حتى ما بعد العصر. وكانت لهذه اللقاءات المتواصلة ثمراتها من ناحيتين:
أولا: فهمتُ لهجة الناس ، وأصبحتُ ملازماً لهم في الحديث اليومي.
ثانياً: تعرفت على وفاء هؤلاء الذين صحبتهم في القاهرة ، حيث جئت زائراً لهم بعد اثني عشر عاماً ، وعندما دخلت السكة في الحارة التي كنت أتجول فيها يومياً قام التاجر الفلاني من كرسيه ، وقام الآخر ، والثالث ورحبوا بي ، وسلَّموا عليَّ باسمي وهو بلا شك غريب عليهم لأنه اسم (خَواجة) ، و سلُّموا عليَّ كأَنني فارقتُهم بالأمس. فهنا أخاطبكم جَميعاً : مَنْ يبحث عن هذا الكرمِ وهذا الوفاءِ في المجتمع الغربي فإنه يبحث عنه بلا جدوى !
هكذا كان اللقاء الجديد ليس مع التجار فحسب بل ببعض طلبة الأزهر أيضاً الذين التقيت بهم في مناسباتٍ عديدة ، حتى أصبحتُ ضيفاً دائماً أيام الجمعة لحضور الخطبة في رحاب الأزهر الشريف حيث سَمحَ لي الخطيبُ حينذاك أَنْ أستمع إلى الخطبةِ ، وأنا أنتظره في مكتبه أثناءَ الصلاة.
وهناك تعرفتُ على فئاتٍ أخرى من الناس لم أستطع أن أعرفهم في كلية الآداب في الجامعة. وهنا لم يجر الحديثُ حول التأريخ كما جرى في الكلية ، بل حول الحديث النبوي وفهمه أولاً ، وبعد ذلك عن التفسير وعلومه.
وأصبح من الضروري أن أدخل المكتبة الأزهرية لكي أطلب مخطوطاً في قاعة محمد عبده لقراءته أو للنظر فيه لأول مرة في حياتي عام 1968م ،كانت هذه الخطوات الأولى اقتراباً من هذهِ الحضارةِ ، وهذا المجتمع المُسْلِم , وهي تجاربُ لا تُدَرَّسُ في الكليات.
أَمَّا الشِّعْرُ فلم يكن لي اهتمامٌ به ، غير أنَّ أستاذي في جامعةِ بون كان متخصصاً في الشعر الأندلسي ، وقد عَذَّبنا به ، وبتراجم الشعراءِ ، وقرأنا عليه الشعر بغير رغبة فيه. وهكذا الأمرُ في الشعر بصورةٍ عامةٍ لا أجدُ ميلاً وتسليةً في قراءته حتى الشعر الكلاسيكي الأوروبي)). انتهى كلامه.
فهذه هي مؤهلات د.موراني كما يراها القراء في كلامه:
جاء ليدرس، فلم يحضر الدراسة، ولم يذهب للكلية إلا من آنٍ لآخر، ثم هو قد حوَّلَ إقامته بالقاهرة إلى نزهة يتعرف فيها على اللهجة العامية المصرية، ووفاء أولاد البلد كما يقال في مصر..
وبناءً على هذه المؤهلات الرائعة!! والعظيمة!! والتي لا تكاد توجد لدى أحدٍ من علماء العصر، بل ولا العصور السابقة!! قد صار د.موراني مؤهلاً للكلام على ديننا!!
فأين الدراسة؟ وأين العلم الأكاديمي؟ وأين؟ وأين؟ ومائة أين؟!!
من أراد الجواب فليذهب لتجار خان الخليلي الذين أحبهم د.موراني لعله يجد عندهم جوابًا ما!! لأن مثل هذه الصورة التي يذكرها د.موراني لا نعرفها عندنا إلا في فشلة الطلبة الذين يفرون من دراستهم لقلة فهمهم أو تعسرهم الدراسي!!
فمثلهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا..
وما علمنا مستشرقًا يفقه شيئًا في ديننا ولا حتى في دينه!!
وما علمناهم إلا أبواقًا للسياسة أو الكنيسة أو التنصير أو الاحتلالات وهلم جرَّا؟!!
فمثل هؤلاء لا علم عندهم ببحثٍ أو أدلةٍ!!
وأمامنا المثال الحي الآن في د.موراني، وعجزه المستمر عن إقامة دعواه أو الدفاع عنها علانية، في الوقت الذي يجادل فيها على الخاص أو مع الجمهور كما عبر أحد الأفاضل في التعليق على هذا الموضوع.
ومع هذا يوجه د.موراني حديثه إلىَّ فيقول:
اقتباس:
حديثك لا يقلقني..
وأنا أسأل القراء الكرام: هل سبق أَنْ قلتُ له: إن حديثي يقلقه؟!!
لم يسبق لي ذلك أبدًا، فلماذا بدأ هو بذلك؟!
ومن هنا يفهم القراء معنى هذه الكلمة التي تحتوي فعلاً على قلقٍ بالغٍ جدًا لديه، على قاعدة: يكاد المريب يقول خذوني!!
على كل حالٍ لابد من رصد الدروس المستفادة من كلام د.موراني السابق هنا، وهي كالتالي:
الأول: أن المعايير الدينية كان لها أثرها على الدراسة والبحث، كما هو واضح في كلام د.موراني المذكور..
الثاني: أنه لم يدرس ديننا دراسةً أكاديمية، ولم يتعرف عليه من خلال دراسته على أهله، وإنما كون معلوماته من خلال مصادره المتمثلة في الباعة المتجولين، أو الباعة الثابتين في خان الخليلي، وزعم أنه فهم ديننا وحضارتنا من خلال اللهجة العامية المصرية..
ثم هو لم يذهب للكلية إلا من آنٍ لآخر!!
ومع كل هذا؛ دخل الأزهر، واطلع على المخطوطات، وفعل وفعل..
لقد صار باحثًا وهو لم يدرس شيئًا بعدُ على أهله!!
وإنها لإحدى الكُبَر!!
ولنا عودةٌ ولقاءٌ إن شاء الله تعالى ذلك ويسره.
قفوا لينصح لكم إبليس!! ويُصَفِّق موراني!!
قفوا لينصح لكم إبليس!!
ويُصَفِّق موراني!!
ذهب فرعون يقول لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29].
وكانوا يرون ما لدى فرعون من بهرج زائفٍ، وما يتحلَّى به من دعاوى فارغة، لكنهم لم يدركوا فراغ دعوته بعدُ، ولا استمعوا نصيحة الصادق نبي الله موسى عليه السلام حين أظهر لهم حقيقة فرعون الخاوية، ووهاء دعوته وخطته الفرعونية، فكانوا كما ذكر الله عز وجل عنهم وعن فرعونهم: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ [51] أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ [52] فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [53] فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:51 - 54].
نعم؛ أطاعوه؛ لأنهم يرونه ملكهم وعظيمهم..
وقد اجتهد منذ الصباح في تزوير الحقيقة لهم، وإظهار الباطل بلباس الحق..
ثم هو قدَّمَ لدعوته الفارغة بمقدماتٍ ساعدته في إقامة حجته وإظهار دعوته ولو كانت فارغة!!
وهنا صَفَّقَ الجمهور الأكثر فراغًا من الخطيب!!
دائمًا ما يقول الناس عند وقوع المتشابهات من الأحداث: التاريخ يُعيد نفسَه بنفسِه..
لكن لا زال صديق العمر يقول لي دائمًا: علَّمنا التاريخ أن لا نستفيد من التاريخ!!
وصدَقَ صاحبي!!
نرجع للمستشرق جولدزيهر، ونمر على نولدكه وشفالي وجون جلكورايست ونختم بموراني..
ونسأل: ماذا قَدَّمَ لنا هؤلاء؟
لا شيء سوى الخلط و((عجين الفلاحة))!!
لكن كان لابد من وضع المقدِّمات الطويلة لهم، التي تساعد على ترويجهم في صفوف المسلمين، كأصحاب فكْر أو حمَلَة علمٍ..
ولذا كان لابد من كتبٍ تُكتب، وتُطبع وتُنْشر باسم الدراسات حول الإسلام أو حول القرآن، أو مشاريع مبدعة!! لم تظهر من قبلُ مثل الترتيب الزمني للقرآن الذي أبدعه (ويل) واعتمده (نولدكة) وافتخر به (موراني)!!
ولماذا؟
لتنفذ أقوالهم في صفوف المسلمين، ويُسمع لهم ويطاع!!
وفي هذا الصدد يقول موراني في لقاء شبكة التفسير معه (بعد تعديله ونشره في موقع قدس نت): ((أمَّا Weill فهو مِمَّن قام بوصف تأريخ فجر الإسلام وعصر النبوة وبعده لأول مرةٍ في تاريخ الاستشراق وفقاً لما كان لديه من النصوص العربية وأغلبها من المخطوطات.
كان هذا العمل من الخطوات الأولى في القرن التاسع عشر في الطريق الطويل والشاق للتعرف على الحضارة الإسلامية وعلى تاريخ الشعوب الإسلامية على المستوى الأكاديمي في الجامعات الألمانية. أما كتابا ويل:
Historical-Critical Introduction to the Koran Mohammed the Prophet, his Life and Teaching
فقد كانا وليدي عصره فلا يذكران اليوم في الدراسات الاستشراقية غير أَنَّ هذا المستشرق قد اعتمد في كتابه على مصادر مثل (السيرة الحلبية) و(تأريخ الخميس) وعلى (السيرة النبوية) لابن هشام التي لم تكن مطبوعة في ذلك الوقت اذ نشره المستشرق Wüstenfeld عام 1858 بترجمة Weill إلى الألمانية.
هذا وقد قام Weill بدراسات في السور المكية وبترتيبها ترتيباً تأريخياً حسب نزولها ووفقاً لمضمونها. وقد تبنى نولدكه N?ldeke هذا الترتيب وجعله أساساً لدراساته حول تأريخ القرآن .
واليوم لا يكاد الباحث يجد ذكراً لِما أَلَّفه Weill في هذه الميادين ، في حين ما يزال نولدكه يُعتبَر حتى اليوم من كبار المستشرقين المتخصصين في العلوم القرآنية. ولم يكن اقترابُ نولدكه من القرآن اقتراباً مضاداً للوحي , بل قام بدراسات تحليلية ومنطقية ولغوية للنص نفسه وأشار إلى ما جاء في النص القرآني من المزايا اللغوية والخصائص. كما أشار إلى بعض الظواهر اللغوية التي لا تتماشى –برأيه -مع قواعد اللغة المسلّم بها ؛ نظراً لمعرفتهِ باللغات الساميَّةِ الأُخرى (العِبرْانية , السيريانية , الحبشية ، واليمنية القديمِة). وقد كتب في موضوع الألفاظ المُعرَّبة التي دخلت لغة القرآن ، وما الذي تغيّر معناه من المصطلحات المعرّبة فيه .
إلى جانب كتابه في (تأريخ القرآن) الذي أكملَه تلاميذهُ بعد وفاته.وهناك دراسة له لم تُترجم بعدُ إلى العربيةِ حَسب علمي إلى يومِنا هذا , وهيَ (القرآن والعربية) التي يشرح فيها الأسلوب اللغويَّ للقرآنِ وبلاغتهِ شرحاً دقيقاً.
ونظراً للأَهميَّةِ الكُبرْى لدراسات نولدكه في هذا الميدان العظيم حَولِ لغةِ القرآن وتاريخ توثيقه فإنَّه لم يَزَلْ يحتلُّ محَلاً بارزاً في الدراسات القرآنية في الاستشراق المعاصر.
وأَمَّا بحث Buhl حول تحريف القرآنِ ، فلم أَجدِ المصدرَ المذكور إلى الآن ؛ لأَنَّ ما بأيدينا هو دائرة المعارف الإسلامية الجديدة ، وليس فيها هذا.
أَما المستشرق المجريُّ جولدزيهر Goldziher الذي دَرس في لابزيج وبرلين فإِنَّه اشتهر بعدة دراساتٍ حول العلومِ الإسلامية ،منها كتابه المذكور (اتجاهاتٌ في التفسير الإسلامي) الذي تُرجم إلى اللغةِ العربية فيما بعدُ ، أَمَّا الترجمةُ نفسها ففيها - كما سمعتُ في عدة مناسباتٍ - أخطاءٌ كثيرةٌ تعودُ إلى عدم فهم النص ، حتى العنوان لا يتمشى مع المقصود ؛ لأَنَّ جولدزيهير لم يتحدث عن مذاهب في التفسير , بل عن اتجاهات فكرية (=Tendencies) .
لأولِ مرةٍ في تأريخ الاستشراق أبرزَ هذا المستشرقُ الاتجاهاتِ المختلفةَ حسب التيارات الفكرية والسياسيةِ لدى المفسرين عبرَ العُصور التي عاشوا فيها ، وكان اقترابهُ من القرآنِ ، ومنهجُه في البحثِ غَير اقترابِ نولدكه منه ، إذ هذا الأخيرُ تناولَ النصَّ مِن وجهةِ نظرِ اللغويين ، أَمَّا جولدزيهير فرَكَّزَ في أبحاثهِ حول القرآن والحديثِ على الأفكارِ المرويةِ في كتب القدماءِ ، وأَبرزَ منها تفسيرَ الطبريِّ ، واعتبره أعظمَ كتبِ التفسيرِ ، وأَهمها في التراث الإسلامى مُشيراً إلى أهميةِ منهجيةِ مُؤلفهِ ، الذي أَلَّف هذا الكتابَ تفسيراً بالمأثورِ ، وجمَع فيه عِدة رواياتٍ لتفسير آيةٍ واحدةٍ. فلذلك كان كتابه حول اتجاهات التفسير مِنْ أَهَمِّ المصادرِ ، ونقطةَ الانطلاق لطلبة العلم في دراساتهم القرآنية)) انتهت القصة بحذافيرها كما يحكيها المستشرق الألماني د.موراني.
فانظر أيها القارئ الكريم إلى تلك المقدِّمات الطويلة لهؤلاء جميعًا، والتي تُرَسِّخ في أذهان الناس أنهم حملة علم، ورجال حضارة..
وبعد هذه المقدمات الطويلة لن يبحث أحدٌ خلفهم لينظر هل رتب (ويل) القرآن ترتيبًا زمنيًا من عندياته؟ أم أنه سرقه من ابن شهاب الزهري الإمام المسلم رحمة الله عليه؟ وابن شهاب هو فارس هذا الميدان، وقد طُبِع كتابه؟!
كما لن يقارن أحدٌ بعد هذه المقدمات الطويلة بين ما ذكره ابن شهاب، وما ذكره هذا الـ (ويل)، واعتمده الـ (نولدكه)، وافتخر به الـ (موراني)، لينظر ما سرقوه من ابن شهاب الزهري كعادة المستشرقين في سرقة كلام المسلمين ونِسْبَتِه لأنفسهم، كما ينظر فيما زادوه على ابن شهاب، وحقيقة ذلك وفائدته؟!
كما لن يبحث أحدٌ عن غايتهم من هذه الدراسة المبنية على الترتيب الزمني للقرآن؟ هل تقوم على الاستفادة من معرفة زمن النزول في الناسخ والمنسوخ مثلا كما هو عند علماء المسلمين؟ أم أن الغاية من الترتيب الزمني للقرآن عند المستشرقين تنطلق من زاوية اعتقاد أن الترتيب الحالي للمصحف ليس توقيفيًّا، أو ليس وحيًا، وأنه بالإمكان تغييره ولو جزئيًّا على حدِّ عباراتهم السقيمة؟!!
كما لن يبحث أحد في دراسات نولدكه صاحبة الأهمية الكبرى في نظر د.موراني المصَفِّق لها، في الوقت الذي يقول نولدكه نفسه عن كتابه عن القرآن بأنه اشتمل على (حماقات صبيانية)!! ويتكلم عن الضعف وعدم التحرير في المادة، وأشياء عديدة جعلتْ بعض الكُتَّاب يرى أن نولدكه يتبرَّأ من كتابه صاحب (الأهمية الكبرى) في نظر د.موراني؟!!
لكن لا بأس أن تكون الحماقات الصبيانية في نظر مؤلفها نولدكه لها (أهمية كبرى) في نظر د.موراني!! لأن د.موراني يظن أن أحدًا من الناس لن يقرأ، ولن يُتابع ولن يفتِّش، على حدِّ ما روَّجَ لهم إعلامهم أن العرب لا يقرأون، وكذب إعلامهم!
لقد ظن إبليس أن أحدًا من الناس لن يبحث خلف أعوانه بعد هذه المقدمات الطويلة التي روَّج بها لهم، أو أُتِيحت لهم..
هكذا ظن إبليس الأول، وهكذا افتخرتْ به سراياه وأتباعه!
ولابد هنا من رصد ملاحظة مهمة جدًا، وهي أنه يستحيل في عقلِ القارئ قط أن يصدق أن إبليس وأعوانه قد كتبوا وفعلوا كل هذا المنشور لهم ولم تقع أعينهم على كلمة حقٍّ هنا أو هناك تخالف ما كتبوه!!
فلماذا أخفوها؟
ولماذا لم يظهروا الحق؟
ولماذا تتابع هؤلاء على العناية بالقرآن خاصة؟
بل ومن زاوية الثبوت خاصة؟
ونحن نرى كلامهم حول مخطوطات المصحف، أو تاريخ القرآن، أو تدوين القرآن...إلخ.
فلماذا تتابعوا على الكلام في جهة الثبوت خاصة دون غيرها من الجهات؟
نعم؛ تكلموا عن بعض القضايا الأخرى التي لا تتصل بإسناد ومخطوطات المصحف من باب إخفاء الغرض الأساسي لهم لا أكثر!
هنا لا يقولنَّ قائلٌ: لم يروا هذه الأبحاث المخالفة لأقوالهم، أو أنهم جهلة لم يفهموها..
ومع هذا نقول: لا بأس أن يعترف موراني وأمثاله بجهلهم العريض فهو أخف الأمرين بالنسبة لهم!!
فإما الجهل، وإما التزوير والتزييف للحقائق وقصد التشكيك للمسلمين في دينهم..
وبعبارة أخرى وجيزة: إما أن تكون جاهلاً أو تكون مبشِّرًا نصرانيًا يغرق في سلك المشككين للمسلمين في دينهم!! بكل ما يحمله ذلك من خيانةٍ للبحث العلمي ولشرف ومصداقية الكلمة!!
وقد سبق إثبات الثاني بدلائله بحمد الله تعالى..
حتى لا يقولنَّ قائلٌ: فعل المستشرقون وفعلوا لأجل هذا الدين ولأجل التراث!!
كلا؛ بل فعلوا بحثًا عن الشُّبَه والمواطن التي يمكنهم من خلالها التشكيك في ثوابت الإسلام!!
كلا؛ بل فعلوا ليقدِّموا الإسلام لأقوامهم من يهود ونصارى وغيرهم مشوَّهًا محكومًا عليه بالرفض والإعدام، ليصرفوا شعوبهم عن الإيمان، وليقفوا دون دخول شعوبهم في الإسلام إذا رأوه على حقيقته الطاهرة الصافية النَّقِيَّة!!
وانظر إلى خياناتهم المتكررة للبحث العلمي والتراث في الوقت الذي يتشدقون فيه بحفظ التراث؟!!
فانظر مثلاً في كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) وكيف حذفوا منه عمدًا أحاديث الجهاد مثلا؟!!
فهل هذه هي أمانة وشرف ومصداقية الكلمة التي يريدونها للقراء؟
ومن تلك الخطط الإبليسية التي استخدمها هؤلاء: صرف النقاش إلى غير ساحته اللائقة به!! وبعبارة أخرى: اختراع قضايا وهمية لا توجد ثم إثارة الزوابع حولها وصرف المسلمين للمحاورة فيها بعيدًا عن الهدف الأساسي لهؤلاء الجواسيس!!
ولا تستغرب أيها القارئ الكريم من وصفهم بالجاسوسية، فهذا ملفٌ آخر سيأتي فتحه بدلائله بإذن الله تعالى في مناسبة أخرى..
والمهم لنا هنا هو التنبيه على اختراعهم لقضايا وهمية ثم صرف النقاش إليها للتعمية على الغرض الأساسي..
وفي قضيتنا القائمة الآن مع د.موراني مثال حيٌّ لهذا..
حيث تكلم الرجل على مخطوطات المصحف، ووجه سهام الإهانة للقرآن الكريم من هذه الزاوية، علمًا بأن الأصل في نقل القرآن السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف..
وقد مضى بيانه، ويأتي ما يؤكده أيضًا في وقتٍ لاحقٍ إن شاء الله تعالى..
لكن أراد موراني أن ينقل حلبة النقاش إلى قضية مخطوطات المصحف؛ لأن المنتصر فيها مهزوم ولاشك.
نعم؛ المنتصر في حلبة المخطوطات مهزومٌ؛ ولذا يريد أن ينقلنا إلى هناك، ليصرفنا عن القضية الأصل في نقل القرآن: ((السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف))!!
ويستحيل في عقلٍ يعي شيئًا من نور الفهم أن يصدق جهل د.موراني بهذه القضية، في الوقت الذي حقق فيه بعض كتب التفسير، بما يستلزمه ذلك من الاطلاع على كتب التفسير والقراءات التي كَثُرَ فيها الكلام عن اعتماد السماع والحفظ في نقل القرآن بدلا من الكتابة والمصاحف!!
وانظروا أيها القراء الكرام كيف أفزعه الكلام عن هذه القضية فجاء محاولا التشكيك والتشويش، فردد لنا كلمته المشهورة: (هراء) وبذل لنا شيئًا من معهود لسانه، ثم انصرف؟!!
ألأنها ستهدم له تعب السنين وسفر الأيام والليالي بحثًا عن مُؤَكِّدٍ لشُبْهَة أسلافه القائمة على قضية المخطوطات؟!
أم لأنها ستهدم عشرات السنين منذ أن بدأت شُبهتهم وإلى الآن؟
نعم يمكنك أيها القارئ المسلم الكريم أن تقول لكافة المواقع التي على الشبكة، ولكافة المستشرقين قديمًا وحديثًا، ممن قاموا وناموا على رعاية شبهة الدراسة المقارنة بين الأصول الخطية للمصحف، بغرض ((تحقيق القرآن))!! يمكنك أيها المسلم الكريم أن تقول لهم جميعًا: ((الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف))، فتهدم لهم سنين التعب والكد والبحث عن الشُّبْهَة ورعايتها حتى استفحلتْ!!
نعم تهدمها وأنت تحتسي كوبًا من الشاي، غير مكترثٍ بما يقولونه، ولا ما يفصلونه في شُبْهتهم البالية!!
فإن أصروا على مضايقتك، فأنتَ تعرف ما يمكنك فعله بهم بعد ذلك!!
ولا حرج علينا حين نكرر قول الأستاذ سيد قطب رحمة الله عليه حين قال: ((ألا مَن للأقزام بِمَنْ يقنعهم أنهم ليسوا بعدُ إلا الأقزام))!!