أسأل الله تبارك وتعالى أن يشرك صدرك وينير قلبك ويصلح شأنك كله ويرشدك إلى كل خير ويصرف عنك كل سوء ..
البعض فعلا يستشكل كيف يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء، ويحسب أن هذا تحكم محض ..
لكن الحقيقة أن إرادة الله تبارك وتعالى ليست إرادة عبثية ولا تحكم محض..
بل هي مبنية على علمه المطلق وحكمته الواسعة غير المحدودة..
فهي إرادة عليمة حكيمة إن صح التعبير..
والله عندما يريد أن يضل عبدًا ما، فهذا يكون لما سبق في علمه من كون هذا العبد يحب الضلال ويسعى فيه ويأخذ بأسبابه..
فيكون إضلال الله لمن يستحق الإضلال وليس على سبيل التحكم المحض ..
ولهذا قال تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وقال: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}
وقال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}
وقال: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ}
وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}
وقال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}
إذن الموضوع ليس أن الله طالبك بالإيمان ثم سلبك القدرة على الإيمان أو أمرك بالطاعة ثم منعك السبيل إليها، كما يقول البعض: كيف يأمرنا بأمر ثم يحول بيننا وبينه ويعاقبنا عليه وقد منعنا من فعله وكيف يكلفنا بأمر لا قدرة لنا عليه وهل هذا إلا بمثابة من أمر عبده بالدخول من باب ثم سد عليه الباب سدا محكما لا يمكنه الدخول معه البتة ثم عاقبه أشد العقوبة على عدم الدخول وبمنزلة من أمره بالمشي إلى مكان ثم قيده بقيد لا يمكنه معه نقل قدمه ثم أخذ يعاقبه على ترك المشي.
لا طبعا!!
فإن ربنا أمرك بالدخول من الباب وأنت الذي ترفض، مرة واتنين وثلاثة، فلما كان الأمر كذلك، أغلق الباب وحرمك من دخول الباب! وهذا هو مقتضى الحكمة وما يفعله حتى العقلاء من البشر، وهي سنة كونية، بل وأخروية ..
ألا تقرأ في القرآن: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) سورة القلم
هذه هي عقوبة تارك الصلاة الذي كان يدعى إلى الصلاة في الدنيا فيأبى!
{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} ..
وهذه في الحقيقة سنة كونية: الكفر في البداية يكون قرارًا صعبًا، ثم تركب الزحليقة (كما في تعبيرنا المصري العامي)، أي: تنزلق إلى المستنقع ..
كذلك مدمن المخدرات في البداية يكون تعاطي الهيروين هو قراره بإرادته الكاملة، ثم جرعة بعد جرعة تضعف هذه الإرادة حتى يفقدها تماما ..
كذلك مدمن الخمر، ومدمن التدخين، ومدمن الإباحية!
لكن رغم هذا يرسل الله للغارق في الكفر أو الذنوب رسائل، لعله يتذكر أو يخشى!
لهذا نقول إذا وجدت نفسك بعيدًا عن الله، فاعلم أن هذا عقوبة من الله لخبث نفسك وميلك للمعاصي، فأدرك نفسك وأصلحها وطهرها حتى تكون محلاً لهداية الله وعونه، وربنا لو وجد منك صلاحا، فسوف يهديك ..
والله يرسل لك رسائل:
ألا ترى أن مدمن الإباحية في ذروة انغماسه في اللذة قد يقف مع نفسه للحظات ويقول: ما هذا الذي أفعله؟!!
أو مدمن التدخين أحيانًا يقف مع نفسه ويقول: ما نهاية هذا الذي أفعله بنفسي؟!! ..
هدى الله أقواما من الكفار لم نكن نتصور هدايتهم مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الله بن أبي السرح ومعاوية بن أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل، وهؤلاء حسن إسلامهم ولهم بعد إسلامهم أعمال عظام ساد بها الإسلام في الأرض ..
لماذا هداهم وختم مثلا على قلوب أبي جهل وأبي لهب؟ لأن الله علم أنهم يستحقون الهداية ويستأهلونها بينما كان غيرهم لا يستحقونها بكفرهم وطغيانهم ..
هؤلاء في لحظة صدق مع النفس، عرفوا الحق واتبعوه، بينما غيرهم أعرض بجانيه وأعطى ظهره لرسالة الله ..
كذلك أنت اجتهد من نفسك لتكون محلا لهداية الله لا محلا للإضلال ، فأفعال الله ليست ظلما ولا تحكما محضا، بل عن حكمة وعدل!