الشَّيْطَان يعظ!
تراثُ المسلمين ومخطوطاتهم ليست وثائق مهمة وفقط، ولكنها دينهم الذي به صلاح دنياهم وأُخْراهم، فهي الماضي والحاضر والمستقبل لدى المسلمين.
بهذا الإيجاز ينبغي لنا أن نفهم ((قضية التراث الإسلامي))، ونقف على أبعادها..
فليس حقًّا مكتسبًا ولا إرثًا متوارثًا لكلِّ البشرية، وإنما هو ميراث المسلمين وحدهم دون غيرهم، وحقُّ المسلمين وحدهم، لا يُنازعهم فيه منازع.
لأنه دينهم؛ فهو حقّهم..
هم الذين قاموا به قديمًا، تدوينًا وحفظًا ورعايةً وترميمًا حتى وصل إلينا، وهم الذين وضعوا قواعد العناية به، فألَّفوا في علوم الجرح والتعديل، وتكلموا على ما يلحق ذاكرة حامل ((التراث = الدين)) من ((وهم، وغفلةٍ، ونسيانٍ))، وما يلحق البصر من ((تصحيفٍ وتحريفٍ))، وما يلحق اليد من ((أساليب الكتابة)).
كما تكلموا عن أصول حفظ النُّسَخِ الحديثية، والمخطوطات التراثية، فتكلموا على ((السماع، والإجازة)) وغيرها من ((أساليب التَّحَمُّل والرواية))، والتفتوا إلى أصحاب الأعذار الذين يحملون العلم، فكتبوا في ((كتب الضرير)) وكيفية حفظها ورعايتها والعناية بها، ومتى تحصل الثقة بها؟ ومتى تهتز الثقة بها؟
هم الذين وضعوا قواعد ((الإملاء والاستملاء)) على حد عبارة السمعاني في عنوان كتابه ((أدب الإملاء والاستملاء))، فجمعوا أصول ((الراوي والسامع)) وكتبوا ((الكفاية)) في كل فنون ((التوثيق والتدقيق))، حتى صاروا هم وحدهم أصحاب ((مناهج التوثيق والتأريخ)).
وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا لا تُفَرِّق بين ((البعرة والبقرة)) ولا تعرف شيئًا عن كَتَبَةِ ((التوارة والإنجيل))، ولا أين وكيف كُتِبَا؟ ولا ما زاده الْكَتَبَة من عندهم، وما زاده غيرهم..إلخ.
في الوقت الذي كانت ولا زالت أوروبا تحيا هذا الواقع الغريب على العقل والعلم، كان المسلمون ولا زالوا ينعمون بأسس ((التوثيق))، لكافة المعارف والعلوم، وقد شَرَّفَهم الله عز وجل واختصهم من بين أمم الأرض بشرف بقاء الإسناد، كابرًا عن كابرٍ، نروي به كتبنا وديننا، قرآنًا وسنةً، ولدى المسلمين الآن من هذه الأسانيد الشيء الكثير بحمد الله عز وجل، يَرْون بها دينهم، قرآنًا وسنةً.
وقد حرص المسلمون على طول تاريخهم الطويل على الذَّوْد عن حياض تراثهم العريق ضد أخطاء الذهن الناتجة عن الوهم والنسيان، أو المتعمَّدة الناتجة عن الكذب والوضع، كما حرصوا على حمايته من النفوس الخبيثة الشريرة، فحذروا من ((ورَّاقين السوء)) خونة النَّسْخ والكتابة، الذين يُدْخِلون في الكتب ما ليس منها، وأبعدوهم وهجروهم، كما حذَّروا من أمثالهم في الرواة وغيرهم..
واحتاطوا لتراثهم أشد الحيطة فتكلموا عن طريقة حفظه ومدارسته، حتى وصل الحال بالكلام عن ((طي الورقة)) أثناء القراءة والمطالعة كما يفعله الناس هذه الأيام، فذكر أئمتنا الكرام ذلك في كتبهم، وطالبوا القارئ بأن يكتب ((بلغ)) ليعرف الموضع الذي وصل إليه، قارئًا كان أو معارضًا، أو مدقِّقًا، وحَذَّروه من ((طي جزء من أعلى الورقة)) حفاظًا على ورقة المخطوط، وخشية ضياع أو طمس بعض الكلمات في الجزء ((المطوي)).
وتكلموا عن طريقة الضرب على الكلام، وذكروا الشّق واللحق وغيرها من المصطلحات الدالة على تفوُّقِ المسلمين في فنون التوثيق والتدقيق، وعنايتهم العظيمة بتراثهم العريق.
بل وصلت بهم العناية والدقة إلى الكلام عن الحبر المستخدم في الكتابة، وكيفية الوقوف من خلاله على أمورٍ مؤثِّرةٍ في التعريف بالمخطوط مثلاً، فذكروا ضرورة النظر في الحبر المكتوبة به النسخة، فإِنِ اختلف الحبر، أو صار طريًّا أو حديثًا في موضعٍ عن باقي المواضع استنكروا ذلك ورفضوه وعارضوه، إلا أن تقوم قرينةٌ ويثبت برهانٌ ساطعٌ على سبب هذه المشكلة، فإن لم يثبت لديهم دليل القبول فالرفض سبيلهم، صيانةً للتراث العظيم.
بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من هذا فتكلموا على طريق ((بري القلم)) (البوصة) أو (الريشة) وطريقة الإمساك بها!!
فوصلنا تراثُنا رغم كل العوادي التي صادفته وكأنَّه اليوم يُكْتَب، لم يُزَد في كتب الإسلام ما ليس منها، كلا؛ ولم ينقص منها.
فما أَلَّفَه البخاري نحن نعرفه، وما ألَّفَه مسلمٌ لدينا أخباره، وهكذا..
نعرف تراثنا، كما نعرف أولادنا، بل أشد؛ لأنه ديننا..
فالتراث هو دين المسلمين، والمخطوطات هي كتب المسلمين، فهي ديننا وكتبنا، ونحن أعلم وأحق بها من غيرنا؛ لأنَّنا أهلها وأصحابها، ونحن وحدنا من يعلم ما بداخلها ويتقن التعامل معه، كما وأن المسلمين وحدهم هم الذين يرضاهم التراث للعناية به دون غيرهم؛ لأنهم أصحابه، وبينهم أُلْفة وصِلة يستحيل على الدنيا بأسرها أَنْ تقطعها!!
وانظر تلك الممسوخات التي أخرجها المستشرقون باسم ((التحقيق)) مقارنة بتلك الطبعات النورانية التي أخرجها أئمة التحقيق لدى المسلمين، لتقف بنفسك على الصِّلة الوثيقة بين التراث وأهله وأصحابه، وتَأَبِّيه على الخروج بأيدي غير أبنائه وأصحابه، مهما فعل غيرهم وحاول!!
نعم؛ لكل قاعدة شواذ، ولا ننكر أن بعض شباب المسلمين الآن ربما أخرج نسخة نرفضها شكلا ومضمونًا، كما يرفضها التراث نفسه؛ لعجلة مُخْرِجها، وعدم دقَّته وعنايته في إخراجها بالشكل اللائق بها، حسب قواعد التحقيق والتوثيق للنصوص، غير أن الشَّاذ لا عبرة به في كلام العقلاء عند التنظير، وإنما نتكلم عن الأصل العام، والغالب على واقع المسلمين، كما نتكلم على الغالب من واقع المستشرقين.
لأنَّا لا نُنْكِر أبدًا أن نرى شيئًا (وإن كان نادرًا) قد أخرجه المستشرقون وربما قارب من درجة القبول، وبعض هذا النادر أيضًا قد نظر فيه المحققون المسلمون وخرج بأعينهم، وغالبًا ما ترى ذلك في مقدمات المستشرقين على ما أخرجوه، يقدمون الشكر لمن نظر في الكتاب من علماء المسلمين على نظره وتحقيق مشكلاته..إلخ، وهذا مشهور ومعروف.
ومع هذا فنحن لا نتكلم على هذا النادر، ولا يؤثِّر على كلامنا أبدًا أن يخرج منه شاذٌّ؛ لأن الشاذ والنادر لا عبرة به في التَّنْظير، كما هو مُقَرَّرٌ ومعلومٌ لدى عقلاء البشر.
ولينظر في إخراج المستشرق الألماني
د.موراني لكتاب ((الجامع)) لابن وهبٍ رحمة الله عليه، ليرى العجب العجاب مِمَّن يدَّعِي العلم والتحقيق، ويزعم الخبرة بالمخطوطات وسبر أغوار التراث الإسلامي (الذي لم يدرسه حق دراسته أصلا، كما بينتُ مرارًا!).
تَتَبَّع الكاتب الأستاذ ((خالد بن عمر الفقيه الغامدي)) بعض ما وقع من تصحيفات في تحقيق المستشرق المشار إليه ((ميكلوش موراني)) لكتاب ((الجامع)) لابن وهبٍ، ونشر الأستاذ ((خالد)) قائمةً طويلةً من الأخطاء، التي رآها في الكتاب، وبعض هذه الأخطاء يُلْقِي باللائمة على المستشرق المذكور، إما لجهله بقراءة نص المخطوط، أو لجهله بأساليب التحقيق وطرق توثيق النصوص، حتى وصل به الحال أن يُغَيِّر النص الشهير في ديننا من غير وجهٍ: ((بشاهدي عدلٍ)) إلى ((بشاهدٍ في عدل)) و((مستترًا بشجرة)) إلى ((مستترًا بسجدة))!! وهذا وغيره قد ذكره الأستاذ ((خالد)) في مقاله بهذا الخصوص، في ((ملتقى الحديث)):
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...3%DA+%E6%E5%C8
ونقتصر هنا على الإشارة إليه فقط، وليراجع من شاء ما ذكره الأستاذ ((خالد بن عمر)) في موضعه،
ولعلي أن أُفْرِدَ موضوعًا آخر إن شاء الله عز وجل في بيان تخاليط هذا المستشرق في تحقيقه لكتب ابن وهبٍ التي نشرها، ولنترك هذا الآن لحينه.
على أَنَّ بعض أخطاء المستشرقين تكون متعمَّدة أحيانًا، وتظهر أصابع التعمُّد فيها من غير وجهٍ، ومن ذلك مثلاً ما بات مشهورًا من نشرهم المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي منزوعًا منه ما يخص الجهاد من أحاديث!! فما معنى أن يؤلِّف هؤلاء كتابًا ثم ينزعوا أحاديث الجهاد فلا يذكروها فيه؟!
أليس هذا عبثًا وخيانةً للتراث، تستحق الحجر عليهم وردع أمثالهم من التعرُّض للتراث ثانيةً، سواء كان صنيعهم هذا مُتَعَمَّدًا، أم وقع على سبيل السهو والجهل؟!
والكتاب مشهورٌ متداولٌ لا يصعب على القراء الكرام مراجعته والرؤية بأنفسِهم..
وبناءً على:
ـ كون التراث هو دين المسلمين.
ـ والجهود المضنية التي بذلها المسلمون في صيانة تراثهم وحمايته قديمًا وحديثًا.
ـ وجهل المستشرقين وعبثهم وخيانتهم لهذا التراث الذي وصلهم عن طريق السلب والسرقة والنهب.
بناءً على هذا وغيره كان من حقِّ المسلمين أن يعلنوها صراحةً ((بكل قوةٍ وصرامة بمنع الكفَّار (المستشرقين) من التعرُّضِ لحقِّنا التراثي المورود لنا بحكم الإسلام ، ورفع أيديهم الغاصبة عنه)) على حَدِّ عبارةِ د.بكر بن عبد الله أبي زيد حفظه الله في رسالته ((الرقابة على التراث)).
وإِنْ تعجب فاعجب من اعتراض السارق على صيحة المسروق وصرخته بحفظ حقِّه!!
فيأتي المستشرق الألماني
موراني ليعلق على كلام الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد حفظه الله المذكور في رسالته؛ فيقول موراني:
((من الغريب أنه ليست هناك ملاحظات على ما كتبه الشيخ بكر))..إلخ. [ويراجع كلام الشيخ بكر أبي زيد حفظه الله، مع تعليق موراني وردي عليه في ملتقى أهل الحديث على هذا الرابط]:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...136#post219136
يستنكر موراني أن يصرخ المسروق المسلوب لاسترجاع حقّه!!
بل ويزيد موراني فيؤَكِّد في موضعٍ آخر على ما هو أكبر وأَمَرّ من استنكار صراخ المسلوب المسروق؛
فيقول موراني في كلامٍ له في ((شبكة أهل التفسير)) ما نصه:
((مجرّد مودتي تجاه هذا التراث دفعتني منذ مدة , حيث رأيت اليأس الكبير الذي أحاط بالمخطوطات في المكتبات المختلفة , الى القول انّ Napoleon قد ارتكب خطأ فاحشا عندما نقل كثيرا من الآثار المصرية القديمة الى فرنسا وأهمل تلك المخطوطات ! ولو نقلها أو كثيرا منها الى باريس لكانت كل ورقة منها في تداول الجميع ولم تضع أو *لم يختف * منها شيء كما حدث ذلك أخيرا عندما انتقلت دار الكتب المصرية من مكانها القديم في رملة بلاق الى مكانه الحديث.....والله المستعان !
الـدكتور م . مــورانـي
مستشرق . كلية الآداب . جامعة بون . ألمانيا))أهـhttp://www.tafsir.net/vb/showthread...15&page=5&pp=15
لقد أضحى نسيان نابليون لهذه المخطوطات في مصر، وعدم حمله وسرقته لها ((خطأً فاحشًا))!!
((خطأٌ فاحش)) أن لا يُسْرَق تراث المسلمين!!
أما إذا صرخَ المسلمون: ارفعوا أيها السُّرَّاق الخونة أيديكم عن تراثنا؛ فقد وقع المسلمون فيما هو ((غريب))!! لأنه ليس من حقِّهِم!!
آهٍ يا قراء لا تظلموا السارق المسكين، فما دفعه للحث على السرقة إلا كما يقول موراني:
((مودتي تجاه هذا التراث))!!
السرقة بدافع المودة!!
هل هذا عيب يا قراء؟
أتَرَوْن في السرقة بدافع المودة والمحبة عيبًا؟!
ألم أقل لكم أيها القراء الكرام آنفًا: ليكن الله معكم حال القراءة وليكن معي حال الكتابة؟!!
السارق الآثم الجاني يدعو للسرقة بصفاقة وقلة حياء ثم يستنكر ويستغرب من صراخ المسروق!!
وبعدها يأتي من يبيح السرقة ويشجِّعَ عليها ليقول لنا: ((مودة))!!
ولا بأس بإعطاء المسروق المسلوب ((حقنة بنجٍ)) ((مخَدِّرةً)) فيشتكي السارق حال التراث وما وصل إليه لدى المسروق، ويزعم أنه سيعتني به وسيرعاه حقَّ رعايتهِ، وبعد أن يسرق يرجع للمسلوب المسروق فيقول له كما قال موراني في لقاء ((شبكة التفسير)) بهhttp://www.qudsnet.com/mynews/modules.php?name=News&file=article&sid=%205900
بعد تهذيبه وتنقيحه ونشره على الشبكة ما نصه:
((وأما ما أوصي أنا طالب العلم المسلم فإِنَّني أُذكِّرُ كُلَّ ذي عِلْمٍ بالحرص على حفظ كتب التراث في الدراسات القرآنية خاصةً والتراثية عامة ، وهي كنوزٌ ونوادر لم تر نورَ الشمس إلى الآن ، بل ما تزال مُختبئةً على رفوف المكتبات. وهي في حاجة إلى طلابٍ نبهاء يتصدون لتحقيقها ، وإخراجها للناس ، وفي هذا وفاء لمؤلفيها الذين بذلوا في تأليفها وقتاً وجهداً كبيراً. فشُدّوا الرِّحالَ إلى هذه الأماكنِ قَدْرَ الاستطاعةِ ، وابذلوا في ذلك ما يستحقه من التعب والمال ، فكأَنَّهُ صار فرضاً عليكم ولن يقوم به أحدٌ نيابةً عنكم ، ومَنْ يَرَ تلكَ النوادرَ والكنوز المخبئة يفهمُ حقيقةَ المثل القائل: في الزوايا خبايا))أهـ
وهنا يقول بعض المسروقين المسلوبين معتذرًا عن نشرِه لقاء شبكة التفسير بموراني في ((ملتقى الحديث)) أيضًا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...3%DA+%E6%E5%C8
واعترض بعض الأفاضل الفطناء أدام الله توفيقهم وبارك فيهم، فاعتذر الكاتب الأستاذ ((أبو وكيع الغمري وفقه الله)) وقال ما نصه: ((و لمزيد توضيح موقفي = أَزِيْد , فأقول: إنه مما دفعني لارفاق هذا الموضوع هنا = كلمتان قرأتهما في ايجابات الدكتور موراني .. و هما :
الأولى :
) وأما ما أوصي أنا طالب العلم المسلم فإِنَّني أُذكِّرُ كُلَّ ذي عِلْمٍ بالحرص على حفظ كتب التراث في الدراسات القرآنية خاصةً والتراثية عامة ، وهي كنوزٌ ونوادر لم تر نورَ الشمس إلى الآن ، بل ما تزال مُختبئةً على رفوف المكتبات. وهي في حاجة إلى طلابٍ نبهاء يتصدون لتحقيقها ، وإخراجها للناس ، وفي هذا وفاء لمؤلفيها الذين بذلوا في تأليفها وقتاً وجهداً كبيراً. فشُدّوا الرِّحالَ إلى هذه الأماكنِ قَدْرَ الاستطاعةِ ، وابذلوا في ذلك ما يستحقه من التعب والمال ، فكأَنَّهُ صار فرضاً عليكم ولن يقوم به أحدٌ نيابةً عنكم ، ومَنْ يَرَ تلكَ النوادرَ والكنوز المخبئة يفهمُ حقيقةَ المثل القائل: في الزوايا خبايا).
الثانية :
(تعرفت على وفاء هؤلاء الذين صحبتهم في القاهرة ، حيث جئت زائراً لهم بعد اثني عشر عاماً ، وعندما دخلت السكة في الحارة التي كنت أتجول فيها يومياً قام التاجر الفلاني من كرسيه ، وقام الآخر ، والثالث ورحبوا بي ، وسلَّموا عليَّ باسمي وهو بلا شك غريب عليهم لأنه اسم (خَواجة) ، و سلُّموا عليَّ كأَنني فارقتُهم بالأمس. فهنا أخاطبكم جَميعاً : مَنْ يبحث عن هذا الكرمِ وهذا الوفاءِ في المجتمع الغربي فإنه يبحث عنه بلا جدوى !)) انتهى.
لقد سَرَتِ ((الحقنة)) في جسد المسروق المسلوب!!
فظنَّ المسروق المسلوب صاحب الحقّ في غفلةٍ عن مكر السارق وكيده ودهائه أن السارق قد أصبح إيجابيًّا ينصح مخلصًا مشفقًا على التراث!!
وحين يجد السارق فرصةً سانحةً للصيد في ((الماء العكر)) يتقدَّم وينفث سمومه فورًا، ولا ينسَ أن يغلفها بغلاف الخوف على التراث!!
نشر بعض الناس كتاب ((السنة)) لعبد الله بن الإمام أحمد رحمة الله عليهما لكنه قد أسقط فصلاً كاملاً منه، وأشار لهذا في مقدمة الكتاب، لكنَّ ثائرة الغيورين على التراث لم تهدأ، رغم إشارة الناشر لحذفه هذا الفصل من الكتاب، فكأَنَّه اختصره، ولكن كان عليه أن يكتب على طرة الكتاب الخارجية: ((اختصار))، لأنه لا يُقْبَل من كائنٍ مهما كان أن ينشر كتابًا ويُسْقِط منه حرفًا واحدًا عامدًا مُتَعَمِّدًا لذلك، إلا أن يختصر الكتاب، وينشره باسمٍ صريحٍ دالٍّ على الاختصار، فهذا شأنٌ آخر.
لكنَّ أحد الذين نشروا كتاب ((السنة)) لعبد الله بن أحمد رحمهما الله قد اجتهد في إسقاط فصلٍ من الكتاب، وأشار إلى ذلك في المقدمة، ومع هذا لم يرضَ الغيورون على التراث بصنيعه هذا، رغم وجود الفصل والحمد لله في باقي طبعات الكتاب، ولهم الحق في هذا كله؛ فللتراث حرمة لا تقل عن حرمة المال والعرض، ولا يصح تجاوز حدود هذه الحرمة مهما كان، إلا بشاهد ذلك وبَيِّنَته، كالنصِّ الواضح الصريح على الاختصار، والإعلان عن ذلك على طرة الكتاب، وعنوانه الأصلي.
وهنا كتب موراني ليقول ما نصه: ((هذا الاحترام لكبار أئمتكم شيء منشود .
غير أنّ لب المسألة ما زال قائما : هل أسقط بابا تاما من الكتاب عمدا أم لا ؟
وهذا السؤال لا علاقة له باحترام الأئمة على الاطلاق .
ان كان حذف بابا من الكتاب ( مهما كان الكتاب ومهما كان الباب) فهذا عبث بالتراث , ومن هنا: مرفوض .
هذا للتوضيح قبل أن يكثر الكلام .
موراني))انتهى كلام موراني في ((ملتقى أهل الحديث)):
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...6&page=1&pp=40
ويقول في نفس الموضع هناك أيضًا: ((الى من يهمه هذا الأمر ذو خطورة :
لم يبتعد أحد من الموضوع الأصلي . نحن بصدد الأمانة عند التحقيق للكتاب واخراجه كما أصر على ذلك الشيخ محمود خليل المحترم .
هنا نناقش امر ادخال الأشكال الى النص ومسألة ذكر ما وضع الناسخ من الاشكال في نسخته أو لم يضعه , وهناك يأتينا الخبر عن حذف باب كامل من كتاب ما .
فكيف يواجه المرء هذا الأمر ؟ يتعمق في الموضوع الأصلي المرحّب به من ناحية ويتجاهل الموضوع الآخر تجاهلا من ناحية أخرى , ربما للمصلحة الشرعية أيضا ؟
لقد كانت السيرة النبوية لابن هشام بين يديّ في احدى مكتبات السلفية في المشرق , لقد حذفت منها (الاسرايئليات) كلها . بغير تنبيه الى حذفها .
موراني))انتهى كلامه.
ويقترح موراني في نفس الموضع:
((نشر الفصل ( الباب) المحذوف في الملتقى نصا محققا أو مصورا من المخطوط))أهـ
ويكرر هذا الاقتراح، ويقول بعد قليل هناك ما نصه:
((عند تحقيق كتاب , أيا كان , ليس حذف ولا اسقاط . هذا عبث بالتراث وعدم احترام مؤلف الكتاب .
في تأريخ أوروبا كثيرا ما أحرقت الكتب بالنار لأسباب دينية وسياسية . فقال أحد كبار المفكرين وهو من الضحايا الذين أحرقت كتبهم :
احراق الكتاب ليس بردّ على الكتاب .
وهكذا الحذف والاسقاط .
موراني))انتهى كلامه.
ويقول بعده بقليل أيضًا:
((لم يكن في نيتي القول انّ هذا الحذف احراق .
اذ الحذف ليس بمثابة الاحراق في طبيعة الحال . حقا قلت أنت : المخطوط موجود .
كل ما يهم هنا : لا يجوز مهما كانت الظروف والأحوال أن يحذف السطر من كتاب ما عند تحقيقه واخراجه , فلا مبرر لهذا الفعل مهما كان فاعله ومرتبته في العلوم .
هذا يهم فقط . فكم من طلبة العلم لا يعرفون هذا المخطوط الكامل ؟ وكم منهم يجد سبيلا اليه ؟ وكم من طلبة العلم يجد سبيلا الى التحقيق الأول للكتاب ؟
فلذلك جئت بالاقتراح المذكور أن يوضع النص المحذوف في الملتقى))انتهى كلامه.
ويرجع ليقول:
((فما هذا التراجع والتوضيح الجديد ؟
انطلق هذا الرابط أن فلان قد حذف من الكتاب فصلا كاملا . وأجاب على هذا الخبر الشيخ محمود خليل كما هو معلوم .
سؤالي : هل نشر الشيخ فلان كتاب السنة تحت هذا العنوان ؟
وحذف منه فصلا أم لم يحذف ؟
هل كتب أنه يحقق (ينشر) من الكتاب مقتطفات فقط أم لم يكتب هذا تنبيها ؟
في النهاية وبعد هذا الكلام الطويل سنصل الى أن الشيخ فلان لم يحقق شيئا ولم ينشر شيئا . والى أنّ الكلام الطويل حول هذا الأمر لا أساس له .......
يا للعجب ...... وكل ذلك للمصلحة الشرعية .... على حساب التراث ؟
مهما كان الأمر : لا يجوز نشر كتاب بحذف سطر واحد منه .
وأنا شخصيا أنضم الى رأي الشيخ محمود خليل وفقه الله بتقديري لما قام به من نشر التراث))انتهى كلامه.
ويختم موراني مداخلاته في الموضوع المذكور هناك بما نصه: ((لقد أصبحت الصورة الآن كاملة
والدفاع عن المحقق الحاذف قويا وباصرار
وقيل في بداية هذا الرابط أن الحذف قد تم للمصلحة الشرعية . وعلّقت عليه ان ذلك تم على حساب التراث . لانّ كل سطر ما تبقّى من القدماء فهو تراث ولا يجوز العبث به مهما كانت مرتبة فاعله العلمية .
بين يدينا الآن الجزء المحذوف بفضل مريم محمد حسن جزاها الله كل خير .
ان نشر المحقق الحاذف فصلا أو فصولا ما قبل هذه الفقرات وفصلا أو فصولا ما بعد هذه الفقرات فان ذلك حذف بعينه فلا مبرر له .
كما أشار اليه الاستاذ خليل محمود : لو جاء هذا العمل الشنيع من صنعة المستشرقين لكانت الضجة كبيرة لم يسبق لها مثيل .
لقد وصلت أنا شخصيا الى بغيتي , أي الى قراءة الفقرات المحذوفة ودراستها
(فلا تقل: الى قراءة ودراسة الفقرات المحذوفة ) .
أما من يدافع عن الحذف والحاذف فليدافع عنهما مشكورا ومن يذمهما فليذمهما مشكورا أضا , فلكلّ نصيبه))انتهى كلام موراني.
وهناك بطبيعة الحال سيشكر المسروق المسلوب سارقه!! نظرًا لما أبداه السارق من غيرةٍ على التراث لا مثيل لها!! وسيصفه بعضهم بالفاضل،
إلى أن جاءت المداخلة رقم (41) من نفس الموضوع السابق فقالت الكاتبة ((مريم محمد حسن)) هناك ما نصه:
((شكرا للدكتور موراني ، هذا الرجل الذي لم يتزحزح عن موقفه رغم كثرة الكلام ، وسأل سؤالا قاطعًا طوال هذا الحوار : هل حُذف الفصل ، أم لا ، وكيف ، ولماذا))أهـ
هكذا يُشْكَرُ الخائنُ حين يلبس لباسًا غير لباسه، ويختفي خلف صورةٍ أخرى لا تمت له بصلةٍ!!
فلا هو بالذي ترك التراث لأهله يقومون بواجبه وحقِّه كما ينبغي أن يكون؛ لأنهم وحدهم الذين يقدرون على فهمه..
كلا؛ ولا هو بالذي ترك المسروق المسلوب يصرخ ألمًا على ما سُلِبَ وسُرِق منه..
لكنَّه أَبَى إلا أن يُخَدِّر المسروق ليشكره!!
نعم؛ يسرق ويستنكر ويستغرب ويتعجب من المسروق، ويتحايل حتى يشكره المسروق المسلوب على قيامه بدور الشريف في مسرحيةٍ هزلية أخرجها وقام ببطولتها ((السارق)) نفسه!!
خاصةً وأنه بكى واشتكى في مكانٍ، غير الذي سرقَ أو دعا للسرقة فيه! فكيف سيعلم المسلوب المسروق بما يجري خلف ((الكواليس))؟! هكذا خَيَّلَ الشيطان للسارق وزَيَّنَ له! ربما!
((مسرحية مورانية)) رائعة الإخراج والموسيقى التصويرية والديكور وجائزة الأوسكار للممثل البطل...
كل هذا من أجل التراث!!
((ثورة مورانية)) عارمة من أجل التراث!!
كلا؛ بل كل سطرٍ من سطور التراث!!
الموضوع في نظر موراني مهمٌّ، غاية الأهمية، يكتبه إلى من يهمه الأمر!!
أما كونه مهم فهو كذلك..
لكن انتظروا أيها القارئ ((موراني ليس قديسًا ولا راهبًا))!! [إن جاز التعبير].
نعم؛ ليس قديسًا ولا راهبًا؛ فهو الذي كتب مشجعًا على السرقة..
كلا؛ بل هو الذي أخفى بعض التراث وخان وخدع!!
نعم أيها القراء الكرام هو الذي خان وخدع وزوَّر الحقائق!!
نعم أيها القراء: هو الذي أخفى ورقةً لا سطرًا!!
وما أدراك ما هذا السطر؟
إنه سطرٌ مؤثِّرٌ في التعريف بكتابٍ هامٍّ من كتب المسلمين كما سيتضح لكم من ((المسرحية المورانية)) الآتية...
فانتقلوا معي إلى......