المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (5)
المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم(5)
(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ)
إعداد/ وليد نور
البشارات بالنبي الكريم في التوراة
ونبدأ بذكر البشارات التي وردت في نصوص التوراة والتي يؤمن بها اليهود والنصارى، وتعرف اليوم باسم "العهد القديم".
البشارة الأولى:
جاء في سفر التثنية 18 ( 17-22 ): (قال لي الربُّ: قد أحسَنوا فيما تكلَّموا، أقيمُ لهم نبياً من وسَطِ إخوَتِهم مثلَك، وأجعلُ كلامي في فمِه، فيكلِّمُهم بكلِّ ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمعُ لكلامي الذي يتكلمُ به باسمي، أنا أطالبُه.
وأما النبيُّ الذي يطغى فيتكلَّم باسمي كلاماً لم أوصِهِ أن يتكلَّمَ به، أو الذي يتكلمُ باسمِ آلهةٍ أخرى، فيموت ذلك النبيُّ، وإن قلتَ في قلبكَ: كيفَ نعرفُ الكلامَ الذي لم يتكلمْ به الربُّ؟ فما تكلمَ به النبيُّ باسمِ الربِّ، ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلامُ الذي لم يتكلمْ به الرب، بل بطغيانٍ تكلَّم به النبي، فلا تخفْ منه).
وهذا النص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، والتي نستطيع من خلالها معرفة من يكون، ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء، وهو عيسى عليه السلام، لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ لا دليل عند النصارى على تخصيصه بالمسيح، بينما يظهر في النص عند تحليله أدلة كثر تشهد بأن المقصود به هو نبينا صلى الله عليه وسلم، ولقد أفاض الشيخ الجليل "أحمد ديدات" رحمه الله في دراسة هذا النص في مناقشة مع أحد القساوسة الذين يرون أن المبشَر به في هذا النص هو عيسي عليه السلام، ونلخص فيما يلي دراسة الشيخ ديدات لهذا النص مع بعض الإضافات الهامة:
أ- "مثلك":
جاء في البشارة "أقيم لهم من وسط أخوتهم نبيًا مثلك"، وأول نقطة لدراسة هذا النص هي المقارنة بين مشابهة نبي الله عيسي عليه السلام لموسى عليه السلام ومشابهة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام، لنرى أيهما أولى أن ينطبق عليه وصف "مثلك".
- يعتقد النصارى أن عيسي عليه السلام إلهًا وابن للإله، وهو بذلك لا يشابه موسى عليه السلام.
- بمقتضى عقيدة النصارى أيضاً أن عيسى عليه السلام جاء ومات من أجل خطايا العالم، ولكن موسى لم يكن ليموت من أجل خطايا العالم، فعيسى لا يشابه موسى عليهما السلام.
- بينما يتشابه موسى ومحمد عليهما السلام من وجوه كثيرة، فقد ولد الاثنان ولادة عادية بطريقة طبيعية من أم وأب، ولكن عيسي عليه السلام ولد من أم دون أب وذلك بمعجزة ربانية.
- تزوج موسى ومحمد عليهما السلام وأقاما حياة أسرية، وذلك على خلاف عيسى عليه السلام الذي لم يتزوج حتى رفعه الله عز وجل إليه.
- جاء رسول الله وموسى عليهما السلام بشريعة جديدة وأحكام جديدة، بينما جاء عيسي عليه السلام مكملاً لشريعة موسى عليه السلام، جاء في إنجيل متي (5/17): "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء, ما جئت لأنقض بل لأكمل".
- توفى الله عز وجل محمد وموسى عليهما السلام وفاة طبيعية، ولكن عيسي عليه السلام رفعه الله عز وجل إليه وسوف ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، كما يعتقد النصارى أن عيسي عليه السلام مات شر ميتة وذلك بقتله على الصليب.
ويتضح من هذه المقارنة أن عيسى عليه السلام ليس مثل موسى عليه السلام، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه بموسى عليه السلام وهو الذي ينطبق عليه وصف "مثلك"، ويؤكد ذلك أيضًا أن التوراة نفسها نصت على أنه لن يأتِ في بني إسرائيل نبي مثل موسى عليه السلام، فقد جاء في سفر التثنية (34/10): "ولا يقوم أيضاً نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله".
ب- "من وسط إخوتهم":
يقول النص:" أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك"، والتركيز على هذه الكلمات يؤكد أن المراد في هذا النص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالخطاب موجه إلى موسى عليه السلام وشعبه الذين هم "بنو إسرائيل" وعندما يقول "إخوتهم" فهو يعني بذلك "إخوة" بني إسرائيل وبالتأكيد ليس "بني إسرائيل" والذي منهم عيسي بن مريم عليه السلام، لذلك فإن "من وسط إخوتهم" لا تنطبق على عيسي عليه السلام، لأنه ينتمي إلى من يخاطبهم النص، أما "أخوة" بني إسرائيل، فهم العرب أبناء إسماعيل عليه السلام، فقد كان لإبراهيم الخليل عليه السلام ولدان هما إسماعيل وإسحاق, وأبناء إسماعيل هم العرب وأبناء إسحاق هم اليهود, ومحمد صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل عليه السلام بينما عيسي عليه السلام فهو من نسل إسحاق بني إسرائيل, وبهذا ينطبق الوصف على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وليس على غيره.
ومن الجيد أن نشير هنا إلى أنه من المعهود في التوراة إطلاق لفظ "الأخ" على ابن العم، ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل: « أنتم مارون بتخم إخوتكم بنو عيسو » التثنية 2/4 وبنو عيسو بن إسحاق هم أبناء عمومة لبني إسرائيل، وهذا يؤكد أن النبي المقصود في هذا النص هو محمد صلى الله عليه وسلم.
ت- "وأجعل كلامي في فمه":
تستأنف النبوءة قولها: "وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به"، وبذلك نستنتج أن من صفات هذا النبي المبشَر به أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي، يغاير ما جاء الأنبياء قبله من صحف مكتوبة، وقد كان المسيح عليه السلام قارئاً كما جاء في إنجيل لوقا (4/16-18).
يقول الشيخ أحمد ديدات معلقًا على هذا النص مخاطباً القس فان هيردن: أنت تشاهد عندما أسألك أيها القس أن تفتح التوراة على سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر, والعدد الثامن عشر, في البداية، وإذا ما طلبت منك أن تقرأ, وإذا ما قرأت, هل أجعل كلامي في فمك؟.
أجاب القس: لا.
فقال أحمد ديدات: ولكن إذا أردت أن أعلمك لغة باللسان العربي، تلك اللغة التي لا تعلم عنها شيئاً, فإذا ما طلبت منك أن تقرأ أو تتلو القراءة عني فيما أنطق به على سبيل المثال (هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) [سورة الإخلاص]، أليس هكذا أضع هذه الكلمات التي لم تسمع عنها من قبل عن لسان أجنبي التي تنطق بها الآن في فمك؟.
وافق القس قائلاً: بالحق إنه هكذا.
قلت (أحمد ديدات) وبأسلوب مشابه في تنزيل القرآن كان جبريل يجعل كلام الله في فم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحياً فنزل به جبريل على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون من المرسلين.
ث- "يكلمهم بكل ما أوصيه به":
ومن علامات هذا النبي المنتظر أنه يتمكن من بلاغ كامل دينه، فهو "يكلمهم بكل ما أوصيه به"، وهو ما ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينطبق على عيسي عليه السلام، فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، بينما رُفع عيسي عليه السلام ولديه الكثير مما يود أن يبلغه إلى تلاميذه، لكنه لم يتمكن من بلاغه، لكنه بشرهم بالقادم الذي سيخبرهم بكل الحق، لأنه النبي الذي تكمل رسالته، ولا يحول دون بلاغها قتله أو إيذاء قومه، جاء في إنجيل يوحنا (16/12-13): "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به".
ج- "ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه":
يستفاد من هذا النص أن النبي المنتظر التي تبشر بها البشارة هو نبي واجب السمع والطاعة، ومن عصاه أو خالفه فإنه متعرض لعقوبة الله عزوجل، وهو ما ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث انتقم الله من كل من كذبه من مشركي العرب والعجم، وأما عيسي عليه السلام فلم يكن له هذه القوة وتلك المنعة، ولم يتوعد حتى قاتليه، فكيف بأولئك الذين لم يسمعوا كلامه.
ح- "فما تكلمَ به النبيُّ باسمِ الربِّ، ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلامُ الذي لم يتكلمْ به الرب":
تصف هذه الجملة النبي المنتظر بأنه يخبر بأمور غيبية أوحى الله عزوجل إليه بشأنه، ووقوع الأمور الغيبية المستقبلية هو دليل آخر على صدق النبي المنتظر، وهذا الأمر هو ما يصدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما سنذكر بعض أمثلة منه عند الحديث عن دلائل نبوته ومعجزاته والذي منها الإخبار عن الأمور المستقبلية.
وهكذا يظهر أن النبي الذي تنبأ عنه موسى عليه السلام لا تتحقق أوصافه في عيسي عليه الصلاة والسلام، إنما تتحقق في خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
يتبع ....
البشارة الثانية: نبوءة موسى عليه السلام
المصدر:-
http://nosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid=2743