وإياك أخي عبد الحق. نعم إنها نقطة واحدة تجعل البعل المحترم بغلا مبردعا يأكل التبن, وهذه الكوميديا تأسست على تلك النقطة.
عرض للطباعة
وإياك أخي عبد الحق. نعم إنها نقطة واحدة تجعل البعل المحترم بغلا مبردعا يأكل التبن, وهذه الكوميديا تأسست على تلك النقطة.
وفقك الله أنت والأخ محمود المغيربي:)
بارك الله فيكما أخوي فياض وخالد. وربما نحتاج مبيد حشرات في هذا الركن, فقريبا ترون هنا يومية أبي الإلحاد الجديدة: "الذباب قاهر الإلحاد".
49- الذُّباب: قاهر الإلحاد
لو قُدّر لك أن ترى أبا الإلحاد في غرفته هذه الأيام, لأشفقت عليه ولرثيت لحاله, إنه ينام أحيانا ووجهه ملتصق بشاشة الحاسوب, وأصابعه على لوحة المفاتيح, لقد سافرت زوجه عند أهلها لبضعة أيام فبقي لحود وحيدا تحيط به أعقاب السجائر وبقايا البيتزا وقنينات فارغة, صارت مواقع "الجرب والجذام" والخمور والحشرات المنزلية أنيسه الوحيد في هذه الأيام الكئيبة.
سكر صاحبنا ليلة حتى وقع على الأرض وله غطيط, بقي ممددا في الحمام حتى انتصف النهار, بدأ يصحو شيئا فشيئا إذ لم يعد في جسده موضع لذرة نوم واحدة, لكنه لم يستطع حراكا, كان خده الأيمن ملتصقا بالأرض, وعروق رأسه تكاد تنفجر.
تساءل عن سر الرائحة الكريهة التي تملأ المكان, كانت مادة لزجة تلصق وجهه بالأرض كأنها غِراء, أحس بين الفينة والأخرى بوخزات مؤلمة على وجهه وأطرافه.
أخذته إغفاءة خفيفة فرأى نفسه يغرق في مستنقع آسن أخضر اللون كريه الريح, ورأى وحوشا ضارية طائرة تغير عليه وتنهش لحمه. انتبه مذعورا فوجد نفسه يسبح في بركة لزجة من قيئه, ثم أبصر الوحش, إنه الذباب الأزرق, عجبا له من أين جاء؟ قال يخاطب نفسه: فيم العجب؟ لقد قدمت له دعوة عاجلة فلم يتأخر لحظة واحدة عن هذه المأدبة الفاخرة. شعر بالتقزز من حاله, ياله من طريق شاق, طريق التنوير يا أبا الإلحاد! إنه طريق يمر من دهاليز الشك والحيرة والتخبط والقذارة المادية والمعنوية! إن الإلحاد مذهب متعفن يسقى بماء المجاري الفكرية, فيؤدي بالكائنات الداروينية الواعية إلى الارتقاء في الدرجات البهيمية وتسنم المراتب الحيوانية.
بدأ عقله يدور كعادته في حلقات مفرغة كمثل حركة طيران الذباب في غرفته, تساءل: أي شيء يعجب الذباب في هذا القيء المقزز؟ وكيف استطاع هذا الكائن الحقير أن ينتصر في معركة البقاء التي خسرها الديناصور؟ ربما أخطأ الديناصور حيث بالغ في التطور حتى صار بذلك الحجم الهائل, ليته تعلم من ذكاء الذباب الذي قلص حجمه إلى أبعد الحدود وطور مهارات عجيبة في الطيران, إن حجمه الصغير يتيح له سرعة الحركة والمناورة.
نظر أبو الإلحاد إلى نفسه فتعجب من حاله, أليس هو ملك التطور وتاج الإنتخاب الطبيعي فلم لا يستطيع أن يتغلب على الذباب في سرعته وخفته ورشاقته؟ حمل جريدة وطواها جيدا وحاول أن يثبت لنفسه أنه الأصلح داروينيا في هذه الغرفة, حاول أن ينهي حياة المتطفل الأزرق, لكن هيهات, إنه صغير ظريف رشيق, في الحقيقة إنه يستحق أن يطلب منه توقيع "أتوغرام" بدل أن يسحقه. يا له من زميل دارويني خفيف سريع, لكن الديناصور الغبي ظل يأكل وينتفخ حتى صار هدفا سهلا للنيازك المدمرة!
كان الذباب الأزرق لا يكف عن التحليق في علو منخفض, ويحط في كل مرة على ساحل آخر من سواحل القيء الإلحادي, لا بد أنه يبدو له كأنه محيط متلاطم. نظر إليه يطير في حركة لولبية كأنه يؤدي مناورات عسكرية, استلقى على ظهره وقد امتلأ إعجابا من مهارته الخارقة, عجبا لقد منحه التطور كفاءة عجيبة في فن الطيران تبدو أمامها طائرة الأباتشي كأنها لعبة أطفال, إنه يطير في كل اتجاه ممكن ويغير مساره في لمح البصر, قام من مكانه ينظر إليه يغمره الإعجاب, تتبع مساره حتى كاد يفقد توازنه, تبا لقد آلمه عنقه من مجرد النظر إليه, طار في حركة عمودية ثم انقلب فجأة ليحط على السقف.
استمر يحدق في هذه الآلة الداروينية العجيبة حتى شعر بتشنج في عضلات رقبته, جلس إلى مكتبه وهو يتفكر في أمر هذه الحشرة الصغيرة الكبيرة, الحقيرة العظيمة, تساءل: لماذا يشمئز البشر من هذا الفنان البارع؟ ربما لأنهم يحسدونه على مهاراته الداروينية العجيبة؟ نعم إنه الحسد لا شك, فكثيرا ما يقع مثل ذلك بين الأقارب.
تفكر أبو الإلحاد في نفسه:لماذا يلتصق بالأرض إذا كان الطيران بهذا اليسر؟ لماذا لم يهبه التطور على الأقل قدرات بدائية في الطيران, تمنى في قرارة نفسه أن يمن عليه الانتخاب الطبيعي بكروموزوم واحد من كروموزومات الذباب لعل جيلا قادما من سلالته ينعم بهذه الرشاقة والخفة والقدرة على المناورة في الهواء التي يتقنها هذا الفنان الدارويني الطائر.
فجأة خطر له خاطر, فشرع يكتب رسالة إلكترونية:
"عزيزي كريك فينتر
سلام يفوح بعبق الصدفة, وتحية داروينية خالصة من أحد المعجبين المحبين المقيمين بين ظهراني أشد أعداء الملة الإلحادية, وأعتى خصوم النحلة التنويرية وأشد المنكرين للحقائق التطورية, وبعد,
فإني أكتب إلى مقامكم العالي وجنابك السامي في أمر فيه ظهور شمس الإلحاد وطمس خرافة الدين من عقول العباد, واستئصال لمرض الإيمان من كل البلاد, وبلوغ المتنورين غاية الأرب ,وقضاء مبرم على دين العرب, فقد زعموا أن البشر لن يخلقوا ذبابا, وأعلنوا التحدي بذلك منذ نيف وألف عام, فليكن الذباب صنيعتك بعد غزوة الخلية المباركة أيها العالم العلامة, والحبر الفهامة, وأنت لها يا ناصر الإلحاد, ويا قمر التنوير, فشمر عن ساعد الجد, وأسعف ملاحدة الشرق بذباب الخلاص, ذباب واحد تهدم به أعتى ملة, وليتك تسعى في تصميم الذباب الأزرق, أو فليكن أي لون من ألوان الذباب, فإن التحدي يبطل بذلك, وَقَتْكُم الصدفة المهالك.
خادمكم المطيع وجروكم الوفي أبو الإلحاد.
هنا تجدون اليوميات التي اعتنى بها و سجلها الأخ الفاضل محمود المغيربي حفظه الله:
https://www.youtube.com/watch?v=vYGP8rMiyEk
https://www.youtube.com/watch?v=nswf1Cpu7sQ
https://www.youtube.com/watch?v=HvGwyqvxY5M
https://www.youtube.com/watch?v=OAJ4JNa53mY
https://www.youtube.com/watch?v=9atAzcfYzBw
https://www.youtube.com/watch?v=WC5hS3NcbMw
https://www.youtube.com/watch?v=wCgFTLICzyo
https://www.youtube.com/watch?v=Ds1hOGJF8LQ
وأدعوكم إلى دعم قناة الأخ ونشر المقاطع, فإن الملاحدة يشنون حربا شعواء على ديننا ويسخرون كل طاقاتهم في ذلك, فتجد صفحاتهم على الفيسبوك وقنواتهم على اليوتيوب ليس فيها إلا الشتم والكلام البذيء وروادها بالآلاف, فلماذا نمر نحن على قنوات إخواننا فلا نترك حتى كلمة شكر, فضلا عن الاشتراك والدعم, فتعاونوا مع أخيكم, لعل الله أن يُنقذ بكم الشباب التائه الضائع, فإنها يوميات أدبية ساخرة لا شك, لكنها رد للعدوان وتسلية للإخوان.
بارك الله فيكم أخي هشام، وربما تأخذ الحلقة القادمة بعض الوقت حتى أسجلها وآرفعها، لظروف ألمّت بي، وجزاكم الله خيرا..
رائع ..
بارك الله فيك وسلم يديك.
بارك الله فيكم.
يوشك أبو الإلحاد أن يصل إلى نظرية فريدة تشرح سر الخلاف الجذري بين المؤمنين بالله وكتبه ورسله وبين المؤمنين بالمادة والعالم الطبيعي والتطور الدارويني.
لم يبق إلا صياغتها في القالب اللغوي اللائق بها, ثم ترونها هنا قريبا بعنوان: 50 نظرية الأنواع المتوازية
50- نظرية الأنواع المتوازية: البشر وأشباه البشر
ما زال صاحبنا يترَنَّحُ كالسكران على أرجوحة الإلحاد, تتقاذفه عواصف الشك والحيرة, فيصبح ملحدا ويمسي لا أدريا, ويمسي لا أدريا ويصبح لادينيا. تعددت الأسماء والضلال واحد! إنه ينشُد الإستقرار والسكينة والسعادة وهو مُتَلَفِّعٌ بأسمال الإلحاد, فما أشبهه بمن يتقلب طول ليله على جمر ملتهب ثم ينشد النَّوم. إن الإلحاد واللاأدرية واللادينية مَحْرَقَةٌ للرُّوح مزرعة لليأس, إنها جمرات تذيب الأمل وتذهب بريح العقل, لكن الملحد يتسلى بتعداد أسماء ضلاله, لعله يخفف بها رتابة عالمه الكريه. إنه كائن بلا أمل ينتظر الإعدام, ويحاول أن يزين زنزانته الضيقة ببعض المحسنات اللفظية.
أدخل صاحبنا السؤال التالي في موقع البحث غوغل: "كيف تكون ملحدا سعيدا؟" فقرأ قصة ملحدٍ كفر بالقرآن كلِّه إلا آية جزم أنها كلام الخالق, لأنه كان يستشعر معناها في أعماق نفسه, {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } طه: 124, "ضنك" يا لها من كلمة تغني عن آلاف الكتب. خطر له أنه يستطيع أن يكتب سيرته الذاتية في دقيقة واحدة. يكتب كلمة واحدة تمتد على طول صفحات كتاب حياته التعيسة: السيرة الذاتية لأبي الإلحاد: ضنك, ضنك, ضنك....ضنك حتى الموت.
إنَّه يشعر بغَثيان مزمن يلازمه الليلَ والنهار. كان في بداية ضلاله يظن الإلحاد يبدأ بإنكار الخالق وإثبات الوجود المادي, ثم يمر عبر سلالم متدرجة تصل به إلى برج التنوير الآمن, فإذا به يكتشف أن الإلحاد ينتهي حيث يبدأ, ويبدأ حيث ينتهي, إنه حلَقة مفرغة من الإنكار والنفي, هذا كل شيء.
لم يعد يتعاهد هندامه, طال شعره وأظفاره حتى صار أشبه بصعاليك الستينات, لعله يريد بذلك أن يستغرق في وجوده المادي إلى أبعد حد, وكيف يقص ملحد أجزاء من كينونته المادية بدعوى موافقة معايير جمالية رجعية خلفتها الأديان الخرافية في لاوعيه؟ إن الطبيعة جميلة, فلماذا يرفض منها شيئا؟ ثم إن تلك التعاليم الميتافيزيقية المرتبطة بالطهارة والنجاسة دينية المنشإ والجوهر , فهل يتنكر لأصله المادي إرضاء لأوهام متدينين حالمين؟
إن الإلحاد يقذف بصاحبه في دوامة من الإشكالات القاتلة و المعضلات المستعصية, تبدأ بقضية الوجود ولا تنتهي بمعضلة الإنسان, إن الإلحاد لا يفسر أي شيء مطلقا, بل هو نفي للتفسير, ونفي للمعنى. إنه يخدعك ويخاتلك ويحتال عليك حين يوهمك أن صورة العالم المادي هي كل شيء, لكنك قطعا لن تصدق أن الصورة تغني عن المعنى, إنك لن تستطيع أبدا أن تنفك عن إدراكك للرمزية في هذا الوجود.
تفكر صاحبنا في أنه لا يرى العالم المادي إلا عبر عدسات رمزية تأويلية اكتسبها من محيطه الثقافي, تفكر أنه لا يفتأ يبحث عن الرسالة والغاية والمغزى مما تنقله إليه حواسه وعقله, لكنه لم يجد في الكون بأسره أي معنى أو نظام أو إحكام أو غاية. إن المتدينين فقط من يرون تلك الأشياء العجيبة! إنه لا يرى في نفسه وفي العالم من حوله سوى الفوضى والعبث.
لكن ما سرُّ هذا التباين العجيب بين المتدينين والمتنورين؟
تفكر في هذا الأمر طوال الليل, كان يمسك رأسه بكلتا كفيه ويسرح في عالمه الداخلي المضطرب يبحث عن جواب, وصل به الفكر آخر المطاف إلى أن هذه الإزدواجية في نظرة الفريقين للعالم هي منشأ الخلاف بينهما, وأن القضية ليست قضية أدلة ولا علم ولا منطق. إنها أعمق من ذلك بكثير. قال يحدث نفسه: "لأنك إنسان فيفترض أن لا تقنع فقط بالصورة بل..." ثم استطرد: "لكن مهلا: لماذا افترضت دوما أنك إنسان؟ هل نسيت أن دارون قد أزال الغشاوة عن عينيك أيها الحيوان المتطور؟ إنك مجرد حيوان ارتقى درجات سلم التطور الطبيعي." أمسك صاحبنا رأسه بكلتا يديه, كأنما يحاذر أن تتسلل هذه الفكرة العبقرية من أم رأسه, تنهّد وهو يقول: "وجدتها, وجدتها, لقد حللت اللغز." جرى إلى مكتبه, وأخرج كراسة يومياته وشرع يكتب:
"أشرقت في ذهني قبيل لحظات فكرة توشك أن تغير نظرتي لنفسي وللجنس المتنور كافة, إن الخلاف المحتدم بين المتدينين والمتنورين قد يكون انعكاسا لاختلاف جوهري بين الفريقين.
إني أبو الإلحاد أفترض أن الفريقين لا يختلفان فقط في الفكر والتصور, بل في النوع والجوهر, إنهما نوعان مختلفان, إنهما فصيلتان اثنتان, إنهما كائنان متباينان يرى كل منهما العالم وفق مؤهلاته المتأصلة فيه بحكم الأصل والطبيعة والمنشإ. إن الإنسان المخلوق المكرم مُحِقٌّ في اعتقاداته الميتافيزيقية وفي وجود النفخة النورانية التي يحملها بين جنبيه, إنه محق في كلامه عن وطنه الأول, وعن تكليفه الإلهي, وعن النبوات والرسالات, نعم إنه مُحِقٌّ في ذلك كله, كما أن المتنورين أيضا مُحقُّون, إنهم كائنات مادية بلا روح ولا رسالة ولا تكليف, إنهم أشباه بشر لا أقل ولا أكثر, كائنات متطورة بفعل عوامل مادية عشوائية غير عاقلة, تماما كما قرر ذلك الإمام الاكبر أبو الطفرات دارون.
لماذا لم أفكّر في ذلك من قبل؟ بل لماذا لم يخطر ذلك في بال أحد من فطالحة الإلحاد وفلاسفة المادية؟ إنهما نوعان وليسا نوعا واحدا. إن التشابه الظاهري بينهما ليس إلا خدعة تطورية باهرة. لقد سارا جنبا إلى جنب عبر تاريخهما الطويل, وتعلما من بعضهما بعضا حتى حسبا نفسيهما شيئا واحدا. إذن فالخلاف لا وجود له على الحقيقة, لقد كانا طول الوقت على حق, إن كليهما كان يتحدث ويدافع عن الحقيقة التي تتعلق به ككائن مستقل. المعادلة هكذا:
المتدين والملحد يشتركان في الصورة المادية, ثم يختلفان في كل شيء بعد ذلك.
المتدين له مراجع دينية تدل على أنه مخلوق.
الملحد له مراجع علمية تدل على أنه متطور.
المتدين له مطالب روحية يقدمها عند التعارض على المطالب المادية.
الملحد ليس له مطالب روحية, فهو لا يملك روحا.
الحيوان المتطور آلة داروينية مبرمجة تخضع لحتمية العالم المادي الصارمة.
والإنسان المخلوق كائن حر يملك الاختيار لأن ذلك شرط في تكليفه الإلهي الذي هو المغزى الأعظم من وجوده الأرضي.
الحيوان المتطور يتمتع بإدراك هو انعكاس لعمل الدماغ, فهو لا يدرك شيئا سوى العالم المادي.
الإنسان يتميز بالعقل وهو جوهر غير مادي, فبه يدرك عالم الألوهية والروح والجنة والنار وكل المسائل الغيبية.
المتدين الإنسان بن عالم آخر, والملحد الحيوان بن هذا العالم.
الإنسان مخلوق من جسد وروح يتطلع إلى عالم آخر ويحس بظمإ فطري إلى التعبد والتأله, لهذا فهو لا يقنع أبدا بظواهر العالم المادي, بل يسعى دوما إلى تأويلها وفق دلالاتها على معانيها العميقة, ويجتهد في استنتاج الحكمة والمعنى والمغزى الذي تدل عليه.
والملحد الحيوان يسخر من المؤمن الإنسان, ويتندر على نزعته الإيمانية الغيبية, والمؤمن الإنسان يسعى جهده لينقذه من زنزانته المادية الضيقة, لكنه للأسف لا يدرك أنه لا يخاطب أحد بني جنسه, بل يخاطب كينونة مادية صرفة. إن الإنسان المؤمن الذي يدعو الحيوان الملحد إلى الإيمان بالغيب, مثل الذي يقرأ ديوان شعر على قطيع من قردة البابون ويدعوها إلى تذوق ما فيه من جمال!...
فجأة نادته زوجه من غرفة النوم: "لحود, ألم تنم بعد!" قام من مكتبه وذهب إلى فراشه وهو يفكر في سر فشل حياته الأسرية ويتساءل: "تُرى, هل يعقل أن ينجح ارتباط بين إنسان وحيوان؟" شعر بصداع شديد, ورفض أن يتمدد ساعات يستجدي النوم, فبلع حبات منومة سرعان ما قذفت به بعيدا عن هذا العالم.
في الحقيقة افتقدناك يا استاد هشام وافتقدنا اخبار ابو الالحاد لعل سبب الغياب خير
وفي الحقيقة اغلب المختصين في هدا المجال تركوه وتركو شباب غير مختصين (وانا منهم ) يتساطحون مع هؤلاء المرضى النفسيين في الفايسبوك
اعرف ان هدا ممل وهؤلاء القوم لا منطق ولا حجة لهم ولكن كثير ما يحتاج السفيه من يبين له عور فكره فيا استاد هشام نحتاجك في هدا المجال وباقي الاخوة انضمو الينا في مجموعة ورينا نفسك وباقي المجموعات الاسلامية فهدا جهاد يا اخوان فلقد دهب ابو مريم و حسام الدين وعبد الواحد و الطعان وكثير ........................ فلا تدهبو انتم ايضا من له ىدرة وقت فليستغلها في الدعوة لعل الله ان يعتق رقابنا من النار .............فهده دعوة لاساتدتي هنا ابو جعفر و الفلسطيني و قواسمية ومحمد البتحت ومستفيد ومسلم اسود و انمت الدي لم ادكر اسمك
51- الفداء في كنيسة الإلحاد
مضت على صاحبنا أيام داكنة رتيبة, وليال موحشة كئيبة, وهو يترنح في دهاليز الإلحاد المظلمة, يتصنع السرور بالنهار ,ويفترش الأسى بالليل, ولا تكاد عيناه تكتحلان بنوم, حتى تعيده هواجسه إلى عالم اليقظة البغيض إلى نفسه. انقطع زمانا عن الإنترنت إذ لم يعد جدال رفقائه الزنادقة يستهويه.
وضع رأسه على الوسادة في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل لعله يظفر بقسط من الراحة, ظل يتقلب ذات اليمين وذات الشمال حتى يئس من النوم, ويئس النوم منه فأوقد المصباح وحمله حاسوبه إلى حيث أقبية الإلحاد والشك والعناد.
حط الرحال في أحد مواقع الجرب والجذام المنتنة, وما فتئ ينقر هنا وهناك حتى وجد نفسه ضيفا على إمام المذهب الإلحادي ومجدد أساسه, ومحيي هذا الفن بعد اندراسه, ومُقَلم أشواكه ومتعهد أغراسه, القسيس الحبر, والأعجوبة البحر, ريتشارد دونكي.
غاص أبو الإلحاد في العالم الافتراضي حتى شعر أنه جالس في الصف الأمامي وأمامه إمامه. انفرجت أساريره وهو يستمع له ينافح عن الإلحاد بثقة وقوة.
إن الملحد العربي المسكين في حاجة ماسة لأخذ جرعة يومية من أمثال هاته المحاضرات الدونكية, لعلها تخفف عنه ما يلقاه من عنت وشدة في مجتمعه المحافظ بشقيه الأرضي والافتراضي. إنه أشبه شيء بالجبان يقطع نهاره يتلقى الصفع على قفاه, ثم يأوي إلى مخدعه يتفرج على برامج المصارعة.
أغمض صاحبنا عينيه وتخيل نفسه يصول ويجول في مجتمعه بذكاء دونكي ووقاحته ولسانه اللاذع. أحس ببصيص من الأمل في ظهور الملة الإلحادية بين ظهراني الأمة المحمدية, لكن صوتا هادرا انتشله من مستنقع أوهامه انتشالا: الله أكبر الله أكبر...
رفع صوت الحاسوب إلى أقصاه لعله يطغى على صوت الأذان البغيض إلى قلبه. كلما سمع الأذان يئس من تمام هذا الأمر الذي يبشر شيخه بظهوره. إن دونكي يتحدث بثقة لأنه في بيئة انقرضت فيها النصرانية أو كادت, فليأتنا وليرنا كيف يزحزح الملة الإسلامية بمهاراته الخطابية. كيف يطمع عاقل في نشر الإلحاد في أرض يرفع فيها الأذان خمس مرات في اليوم والليلة؟
فتح عينيه وتفكر في شخصية قدوته القسيس دونكي وتساءل: كيف اجتمعت فيه تلك الصفات الفريدة كلها؟
خطر له أن دونكي قد أفاد من علوم الأحياء, فأخذ من كل قريب دارويني أظهر أخلاقه, فلهو عندي أوفى للملة الإلحادية من كلب, وأشرس في حرب الدين من ذئب, وأمكر في جداله من ثعلب, وأزهى في سلوكه من طاووس, وأصبر على باطله من حمار, لكنه شاخ وابيض رأسه, والشيخوخة رسول الموت.
شعر أبو الإلحاد بالهلع, يا للهول! يجب على الزملاء أن يتداركوا الأمر قبل حلول الداهية العظمى, فإن خسارة دونكي لا تعوض, تبا! إن لينين ما زال محنطا منذ قرابة قرن من الزمان, تبا للملة الإلحادية التي لم تصنع شيئا للزميل الأحمر طوال تلك العقود, وماذا يغني عنه أن يكون جيفة نتنة يتفرج عليها السياح؟ كيف عجز عباقرة الملاحدة الأفذاذ عن خداع الموت؟ تبا للتطور الذي تركنا أمام هذه المعضلة التي لا حل لها! يا أيها الزملاء لا تتركوا الموت يخطف القسيس دونكي من بين أظهركم, من أين تأتون بملحد من طينته؟ سارعوا وبادروا فكأني بكم تكتبون غدا نعيه أو بعد غد!
وماذا عنك يا أبا الإلحاد, أنت أيضا تسير إلى الموت وتدنو منه كل ساعة, تفكر هنيهة وقال: لكن موتي ليس كموت دونكي, إنما أنا رجل من عامة الملحدين, لكن دونكي إمام المذهب, وسيد هذه الطائفة, وقدوة كل زنديق...
تحدرت دمعة داروينية حارة على خد أبي الإلحاد, ارتج كيانه, إن عينيه لم تدمعا لشيء منذ دخل نفق الإلحاد, فما الذي دهاه؟ إنه يخشى على الملة الإلحادية أن تموت بموت الإمام المحقق والعلامة المدقق.
فجأة نبت سؤال في رأسه: أكنت تفدي دونكي بحياتك لو كان ذلك ممكنا؟
سأل نفسه مخاتلا: ما الذي يعنيه هذا السؤال؟
فأجاب نفسه: أنت تعلم جيدا ما الذي يعنيه:
أنت أبو الإلحاد, أكنت تمنح حياتك ليحيا دونكي؟
سرت قشعريرة في كيانه, لم يخطر في باله يوما أن يتردد في نصرة ملته, لكن الأمر يختلف تمام الاختلاف حين يتعلق الأمر بوجوده وحياته هو نفسه.
رفض أن يجيب عن السؤال, وفضل المراوغة, عجبا للإنسان يراوغ نفسه!
قال يحدث نفسه: لا يمكن اليوم أن يهب أحد حياته لأحد, فنحن لا نعرف ماهية الحياة...
إنك تعرف جيدا معنى السؤال يا أبا الإلحاد: هب أن دونكي ملقى هناك في مكان ما في جزيرة الضباب, على سرير معدني, وقد أخبره الأطباء أنه بحاجة إلى زراعة قلب أو كبد خلال أيام وإلا نفق كما نفق لينين وستالين وماو وغيرهم من صناديد الإلحاد من قبلهم, أكنت تفدي شيخك بحياتك؟
صمت أبو الإلحاد, وصمت إلحاده, وصمت كل شيء من حوله, ثم انفجر ضاحكا:
كلا ثم كلا, فليذهب دونكي إلى الجحيم, لا أحد ولا شيء في الوجود يستحق أن أموت من أجله, هذه هي الحقيقة, تسلل سؤال إلى رأسه: وأين حبك للإلحاد؟ فعاجل نفسه بالجواب: هذا هو الإلحاد, وكل ما سوى ذلك من كلام عن القيم والأخلاق والمغزى, كل ذلك هواء وهباء لا حقيقة له, كيف خفي علي ذلك كل تلك السنين؟
كلا إنه لم يخف عليك ساعة من نهار, إنك كنت تخادع الناس وتخادع نفسك, أما الحقيقة فإنها أوضح من الشمس, الإلحاد أنك هنا, وحيدا, تعصف رياح الشك والحيرة في تلافيف نفسك, وليس هناك شيء يستحق أن تكترث له, ليس ثمة معنى ولا مغزى لشيء أبدا, فما أعظم نفاق الملاحدة حين يلبسون مسوح الرهبان, ويدبجون المواعظ, ويينمقون الخطب كأنهم قسس في كنيسة, ما أشبههم وهم يحاضرون حول الأخلاق والعدل والفضيلة, بالمومس تخطب عن العفة! لا شيء يهم البتة.
حرك أبو الإلحاد رأسه: نعم, نعم, لا يهم شيء سوى نفسي, وهذا الهراء الفلسفي الذي يعصف في رأسي بالليل والنهار يسرع بانفراط عقد ساعاتي وأيامي, أليست الملذات قوام الحياة المادية؟ ففيم أتعب نفسي وعقلي في معارك دونكيشوطية لا طائل من ورائها؟ فليذهب الإلحاد إلى الجحيم وليمت دونكي كما مات لينين, المهم أن أحيا أنا ولو إلى حين.
لا فض قلمك يا بن الزبير... :):
أوحشتنا عاماً كاملاً لكى تتحفنا بهذه الجوهرة الجديدة !
لا حرمنا الله منك.
و أنت جزاك الله خيرا أخي الكريم مارو, ولعل يوميات بطل الإلحاد العربي تأتيكم تباعا هنا إن شاء الله.