النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: منهجية التعامل مع أحاديث الطب النبوي

  1. افتراضي منهجية التعامل مع أحاديث الطب النبوي

    هذا مثال تطبيقي على كيفية تربية القرآن الكريم للمسلم على التفكير النقدي الحر ...

    وعدم تقديس المسلمين لشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله..

    وخضوع كل ذلك للنقد العلمي المنهجي الصحيح..

    ولبيان أننا ندور مع الحق حيث دار

    ونختلف عن كثير من الضالين !!


    أقدم بين يديكم هذا البحث الذي أعده الدكتور محمد سليمان الأشقر ـ أطال الله في عمره ونفع به.

    مع التنويه بأن فضيلة الدكتور من المعروفين في بلاد الشام والخليج بأنه أصحاب الفكر السلفي بل ومن المتشددين جداً .


    إليكم جزءاً من بحثه الطويل في ..

    مدى الاحتجاج بالأحاديث النبوية في الشؤون الطبية والعلاجية

    المقصود بالطب النبوي: الأحاديث الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل تتعلق بالطب، من علاج ودواء ووقاية ونحوها.
    لكن ثمة سؤال بالغ الأهمية لا يلتفت إليه كثيرون وهو: هل كل هذه الأحاديث في الأمور الدنيوية عامة، وفي الطب خاصة ولو صحّت: تعتبر حجة يجب الأخذ بها واعتبارها وحيًا؟

    مقدمة:
    الأصل في أقوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته أنها حجة شرعية على عباد الله، إن ثبتت بطريق صحيح. وقد تكفل ببيان ذلك والاستدلال له علم أصول الفقه. وهذا واضح كل الوضوح فيما كان من ذلك مبيِّنًا لأمور الدين، كالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وكالأحاديث المبينة لأحكام الله تعالى من الحلال والحرام والفرائض وأنواع التعبدات والمعاملات وغيرها من أمور الشريعة.

    أما الأمور الدنيوية، فهل يلزم أن تكون اعتماداته وأقواله صلى الله عليه وسلم فيها مطابقة للواقع بمقتضى نبوته، أو أن هذا أمر لا صلة له بمنصب النبوة؟
    اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:

    المذهب الأول
    أنه صلى الله عليه وسلم معصوم من خطأ الاعتقاد في أمور الدنيا، بل كل ما يعتقده في ذلك مطابق للواقع، وكذلك ما يقوله ويخبر به. ولم نجد أحدا من قدماء الأصوليين صرح بمثل هذا المذهب. ولكنه لازم لمن جعل جميع أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم حجة حتى في الطبيات والزراعة ونحوها. وهو لازم أيضا لمن صحح منهم أن تقريره صلى الله عليه وسلم لمخبرٍ عن أمر دنيوي يدل على صحة ذلك الخبر، كما فعل السبكي وأيده المحلي والبناني.
    وابن القيم في كتابه (الطب النبوي) يذهب إلى حجية أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم في الطب. وقال: "طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل". ويظهر أن هذه طريقة المحدثين.
    المذهب الثاني
    أنه لا يجب أن يكون اعتقاده صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا مطابقا للواقع، بل قد يقع الخطأ في ذلك الاعتقاد قليلا أو كثيرا، بل قد يصيب غيره حيث يخطئ هو صلى الله عليه وسلم.
    قالوا: وليس في ذلك حطّ من منصبه العظيم الذي أكرمه الله به؛ لأن منصب النبوة مُنصب على العلم بالأمور الدينية: من الاعتقاد في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومن الأمور الشرعية. أما إن اعتقد أن فلانا مظلوم فإذا هو ظالم، أو أن دواء معينا يشفي من مرض معين، فإذا هو لا يشفي منه، أو أن تدبيرا زراعيا أو تجاريا أو صناعيا يؤدي إلى هدف معين، فإذا هو لا يؤدي إليه، أو يؤدي إلى عكسه، أو أن تدبيرا عسكريا أو إداريا سينتج مصلحة معينة، أو يدفع ضررا معينا، فإذا هو لا يفعل، فإن ذلك الاعتقاد لا دخل له بالنبوة، بل هو يعتقده من حيث هو إنسان، له تجاربه الشخصية، وتأثراته بما سبق من الحوادث، وما سمع أو رأى من غيره؛ مما أدى إلى نتائج معينة. فكل ذلك يؤدي إلى أن يعتقد كما يعتقد غيره من البشر، ثم قد ينكشف الغطاء فإذا الأمر على خلاف ما ظن أو اعتقد.

    وقد صرح بأصل هذا المذهب، دون تفاصيله: القاضي عياض، والقاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي والشيخ محمد أبو زهرة.
    ودل ظاهر حديث "أنتم أعلم بشؤون دنياكم": أنه صلى الله عليه وسلم كغيره من الناس في ذلك، بل فيه التصريح بأن أصحاب الخبرة في صنائعهم وتجاراتهم وزراعاتهم قد يكونون أعلم منه بدقائقها.

    ويحتج لهذا المذهب بأدلة، منها:

    أولا: حديث تأبير النخل في صحيح مسلم
    " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فإذا هم يأبرون النخل يلقحون النخل- فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه. قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا. فتركوه، فنفضت، فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر". وشبيه به قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر، فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب".

    ثانيا: إن النبي قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي. ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار".


    واختار د. محمد سليمان الأشقر المذهب القائل بأن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله الدنيوية ليست تشريعًا، واستدل لذلك بالأدلة الآتية:
    1. قوله تعالى : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي " وقوله: " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا "، وقد تكرر التأكيد على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم. بخلاف أمور الشريعة، فإن كلامه فيها لا يستقر فيه خطأ، كما هو ثابت في علم أصول الفقه.
    فالأصل استمرار حاله في أمور الدنيا كما كان قبل النبوة، لما لم يدل على انتقاله عن ذلك دليل. وقد أكدت السنة النبوية ما بينه القرآن من ذلك. كما يأتي.
    2. قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر، فإذا أمرتكم بأمر دينكم فاقبلوه، وإذا أمرتكم بشيء من دنياكم فإنما أنا بشر"، وفي رواية "أنتم أعلم بدنياكم".

    وبهذا الحديث، برواياته المختلفة، يؤصل النبي صلى الله عليه وسلم أصلا عظيما في الشريعة، ويبينه لنا، ويشعرنا بأن بعض أفراد الأمة قد يكونون أحيانا أعلم منه صلى الله عليه وسلم بما يتقنونه من أمور الدنيا، والمقصود أهل الخبرة في كل فن وصناعة، وأنه لا داعي شرعا لالتفاتهم إلى ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا كما يلتفتون إلى قول غيره من الناس.
    3. إن الحباب بن المنذر، قال في سياق غزوة بدر: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي.
    وقالت عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره. فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فينعتون له الأنعات، وكنت أعالجها له".
    ابن خلدون: الطب المنقول في الشرعيات ليس من الوحي في شيء. وإنما هو أمر كان عاديا للعرب .. فإنما بُعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره.
    وممن صرح بهذه القاعدة بصفتها العامة، من الأصوليين القدامى القاضي عبد الجبار. وصرح بها حديثا الشيخ ولي الله الدهلوي، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ عبد الجليل عيسى، والشيخ فتحي عثمان.
    قال ابن خلدون: "الطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل (يعني طب البادية المبني على تجارب قاصرة) ليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديا للعرب، ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجِبِلَّة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع. فقال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم). قال: فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه".

    قال القاضي عياض: " فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها: يجوز عليه صلى الله عليه وسلم فيها ما ذكرناه [أي الخطأ]، إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جربها وشغل نفسه بها، والنبي صلى الله عليه وسلم مشحون القلب بمعرفة الربوبية، ملآن الجوانح بعلوم الشريعة، مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية. ولكن هذا إنما يكون في بعض الأمور ويجوز في النادر وفيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة".

    وبين شاه ولي الله الدهلوي أن علوم النبي على قسمين: أحدهما ما سبيله سبيل تبليغ الرسالة والآخر: ما ليس من باب تبليغ الرسالة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر" وقوله في قصة تأبير النخل.. قال: ومنه الطب.

    وقال الشيخ محمد أبو زهرة في شأن حديث تأبير النخل: "الحديث يتعلق بالصناعات وفنون الزراعة، وتثمير الأشجار، فهل يتصور أن النبي يمكن أن يكون حجة وذا خبرة في فنون الزراعة والتجارة، وصناعة الزجاج والجلود، ونسج الأقطان والحرير، وغير ذلك مما يتعلق بالمهن المختلفة!؟".


    والأمور الدنيوية التي هذا سبيلها، ووردت فيها أحاديث نبوية، هي على ثلاثة أنواع:

    النوع الأول
    الأمور الغائبة عنه صلى الله عليه وسلم مما شأنه أن يعرفه من رآه أو سمع به، ولا يعرفه الإنسان المعتاد بمجرد الفكر، كمعرفة ما في بيت مغلق، أو معرفة ما يجري في مكان بعيد من أرض الله. فهذا من علم الغيب، لا يعلمه إلا الله، لقوله تعالى: (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ)، وقوله: (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) فلا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك إلا بطرق المعرفة المعتادة، ما لم يخبرنا أن الله أطلعه عليه وأوحى إليه به.
    النوع الثاني
    أمور البشر وأسرارهم، وما في قلوبهم، وما عملوا في حال غيبتهم، فلا يُعلمُ النبيُّ قال ذلك بغير إطلاع خاص من الله تعالى، كما أطلعه على حال بعض المنافقين. ثم قد يعتقد الشيء من ذلك الذي لم يوحَ إليه به على غير ما هو عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي...".
    وكان صلى الله عليه وسلم يُجري أحكامه على الظاهر وموجب غلبة الظن، بالشاهدين، أو يمين الحالف، أو مراعاة الأشبه، أو معرفة القرائن. ولو شاء الله لأطلعه على سرائر عباده ومخبآت ضمائر أمته، ولكنه غيّب عنه ذلك.
    النوع الثالث
    ما يدخل من أمور الدنيا ضمن ما يسمى العلوم البحتة والعلوم التطبيقية، وهي ما يفعله الإنسان بقصد تحصيل نفع في البدن أو المال، له أو لغيره، أو دفع ضرر كذلك، أو يدبر تدبيرا في شأنه خاصة، أو شؤون المسلمين عامة، لغرض التوصل إلى جلب نفع أو دفع ضرر.


    ويشمل هذا النوع الأضرب التالية:
    الضرب الأول: الأمور الطبية، فقد تناول النبي صلى الله عليه وسلم، أو أعطى غيره، أو وصف له، أطعمة وأشربة متنوعة على سبيل حفظ الصحة، أو لدرء أمراض معينة، كألبان الإبل وأبوالها. وكذلك تعاطى أو أعطى أنواعا مختلفة من العلاج.
    الضرب الثاني: شؤون الزراعة.
    الضرب الثالث: الصناعة.
    الضرب الرابع: التجارة.
    الضرب الخامس: أنواع أخرى من المكاسب كرعي الغنم، أو العمل للغير بأجر.
    الضرب السادس: مثل التدابير الفنية التي اتخذها صلى الله عليه وسلم في الحرب، من استعمال المجانيق والسيوف والرماح والسهام، وتربية الخيل للقتال، وحفر الخنادق، وترتيب الجيوش وتدريبها.
    الضرب السابع: مثل التدابير التي اتخذها صلى الله عليه وسلم في الإدارة المدنية، من اتخاذ الولاة والكتاب والحراس والحجاب والسفراء، وكذلك الأعلام والشعارات، والمرافق من الطرق والحصون وغيرها.
    فهذه الأضرب وأمثالها قد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من أفرادها، ونقل إلينا أشياء من ذلك.


    والنظر في الأحكام التي يمكن أن تدل عليها مثل تلك الأحاديث من ثلاثة أوجه:
    الوجه الأول
    أصل الطب والزراعة والصناعة والتجارة والقصد إلى تحصيل المكاسب، والسعي لتحقيق التدابير المدنية والعسكرية المناسبة، ونحو ذلك: تعتبر أقواله صلى الله عليه وسلم في ذلك حجة يجب اعتقادها واتباعها، ويستفاد من الأحاديث القولية والفعلية في ذلك إباحته، وأنه لا يخالف العقيدة ولا الشريعة. وقد يرتقي إلى درجة الاستحباب أو الوجوب، بحسب الأحوال الداعية إليه ودلالة نطقه في ذلك.
    وفي الحديث إشارة إلى ذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"، فهذا في الصناعة، وقال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين يوم القيامة"، فهذا في التجارة، وورد في الزراعة وغيرها أحاديث أخرى، وتأتي الأحاديث التي تأمر بالتطبيب والعلاج.
    الوجه الثاني
    إرشادات وتوجيهات شرعية في ممارسة تلك الأعمال، كتجنب البول وقضاء الحاجة تحت الشجر المثمر، ووجوب إحسان الذبح، وتحديد الشفرة لئلا يتعذب الحيوان المذبوح، وإمكانية استعمال المنجنيق في الحرب، وتجنب قتل النساء والأطفال فيها، ونحو ذلك، فهذا شرع يؤخذ كما يؤخذ غيره من الشرع في العبادات ونحوها.
    الوجه الثالث
    الأمر الذي عمله بخصوصه، هو مباح له، وقد يكون مستحبًّا له، أو واجبا عليه، لاعتقاده صلى الله عليه وسلم أنه هو المؤدي إلى غرض مستحب أو واجب.
    أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله المبنية في الأصل على التجارب الشخصية: ليست حجة، ولا يلزم الأخذ بها.
    ولكن هل يكون حكم مثله بالنسبة إلينا كذلك؟ كما لو شرب دواء معينا لعلاج مرض معين، فهل يستحب لنا شرب ذلك الدواء لذلك المرض مثلا، أو يجب، بل هل يباح بناء على ذلك أم لا؟ هذا ينبني على القاعدة التي سبق تحريرها، وقد رجحنا فيها قول من قال من العلماء: إن أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله في ذلك الباب ليست حجة، ولا يلزم الأخذ بها، بل هي أقوال وأفعال مبنية في الأصل على التجارب الشخصية للنبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو بشر، وما قد سمع به من أهل التجربة والمعرفة.


    ونبه د. محمد الأشقر هنا إلى أنه إذا نص القرآن على أمر دنيوي فهو حق لا مرية فيه؛ لأنه من الله تعالى الذي لا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض. فإذا كان الحديث النبوي في الشؤون الدنيوية استجابة لإرشادات القرآن التي تتعلق بذلك الأمر، فيكون الفعل بيانا أو امتثالا للقرآن، ويحمل على الشرعي. ولعل خير مثال على ذلك شربه صلى الله عليه وسلم العسل للتداوي، فإن ذلك تطبيق لقوله تعالى: (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ). وشبيه بذلك ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه فعله عن وحي من الله تعالى.
    كما نبه الأشقر إلى أمر آخر وهو أنه إذا تردد الفعل بين أن يكون دنيويا أو دينيا، حمل على الديني؛ لأنه الأكثر من أفعاله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.


    الأحاديث الواردة في شأن الطب والعلاج

    بعد تأصيل القواعد العامة التي ذكرت، والتي تصدق على جميع الأحاديث النبوية المتعلقة بالشؤون الدنيوية المختلفة، نخص بالكلام الأحاديث الواردة في الشؤون الطبية بالذات، بتطبيق القواعد السابقة عليها فنقول:
    إن الأحاديث المذكورة نوعان رئيسيان:
    أولهما ما يعتبر شرعا يتبع، ويعمل به، كسائر الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في شؤون الاعتقادات والعبادات والمعاملات والأحكام المختلفة التكليفية والوضعية.
    والآخر : ما لا يعتبر شرعا، ولا يلزم العمل به، وسبيله سبيل الشؤون الدنيوية التي تقدم بيانها، يعتبر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيها كقول سائر الناس:

    وإليكم التفصيل ..

    أولاً: ما هو شرع من أحاديث الطب:
    النوع الأول: وهو ما ورد من الأحاديث في الطب ويعتبر شرعا يتبع، يشمل فئات:

    الفئة الأولى:
    أ- ما كان من الأحاديث الواردة في حكم أصل العمل بالطب والمعالجات وتناول الأدوية. فهذا النوع شرع يتبع. وقد وردت في أصل العمل بالطب أحاديث منها: حديث الأمر بالتداوي، وأن الله تعالى ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، غير داء واحد، اختلفت الأحاديث في تعيينه، ففي بعضها: هو الهَرَم، وفي بعضها: هو الموت.
    ومثلها الأحاديث التي تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مرض يتداوى، وربما سأل الأطباء عن دواء مرضه، وكانت وفود العرب تصف له الأدوية، فكانت عائشة رضي الله عنها تعالج له تلك الأدوية أي تمزجها وتهيئها، ومن ثم كان لها علم بالطب.
    ب- ومنها حديث أبي رمثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لطبيب: "الله الطبيب، بل أنت رفيق، طبيبها الذي خلقها" رواه أبو داود. هذا الحديث إقرار للعمل بالطب. وفيه التنبيه إلى قوى البرء المركبة في البدن الإنساني في أصل خلقته، وأن مهمة الطبيب الرفق بالمريض لإتاحة الفرصة لهذه القوى كي تعمل عملها.

    الفئة الثانية: أحاديث فيها توجيهات شرعية متعلقة بعملية التداوي وشؤون المرضى:
    أ- من ذلك حديث البخاري عن الصحابية ربيع بنت معوذ، قالت: "كنا نغزو مع رسول الله حتى نسقي القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة". ففيه جواز مداواة المرأة للجرحى من الرجال.
    ب- ومنها أحاديث الأمر بعيادة المريض، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعودهم، حتى "إن غلامًا يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: أسلم. فأسلم"، وكان إذا عاد المريض ربما وضع يده على جبهته، ومسح على صدره وبطنه، ودعا له. نقل البخاري أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عندما زار سعدًا. وربما رقى المريض. ففي صحيح البخاري من حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا، أو أُتي إليه به قال: "أذهب البأس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا".
    ج- ومنها حديث النهي عن التداوي بالمحرمات: كحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يتداوى بها فقال: "إنها ليست بدواء ولكنها داء" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي. وكحديث: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" رواه عبد الرزاق والطبراني مرفوعا. ورواه الحاكم عن ابن مسعود موقوفا.

    (((( فهذه الأحاديث هي من قبيل الشرع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ناط الحكم بمعنى شرعي، وهو التحريم، فما كان من المواد محرما لم يجز التداوي به. ولا يعني هذا أنه لا يجوز استعماله عند الضرورة، مع عدم وجود دواء آخر غير الدواء المحرم، بل إن الضرورة تبيح المحظور. )))

    الفئة الثالثة: أحاديث أبطلت أنواعا من المعالجات كانت سائدة في الجاهلية، تنافي صحة الاعتقاد الإيماني؛ لأنها ليست أسبابا حقيقية للشفاء:

    أ- منها "أن عبد الله الجهني الصحابي رضي الله عنه خرج به خراج، فقيل له: ألا تعلق عليه خرزا؟ فقال: لو علمت أن نفسي تكون فيه ما علقته. ثم قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهانا عنه" رواه ابن جرير وصححه.
    ب- ومنها قوله: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك". رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديث ابن مسعود. ومثله حديث: "من علق تميمة فقد أشرك". والمراد بالرقى الرقى المجهولة، وما كانت الاستعاذة فيها بغير الله تعالى، بخلاف الرقية بالفاتحة والمعوذتين والأدعية المشروعة. والمراد بالتمائم الأحجبة التي تعلق على الأطفال والبيوت والسيارات ونحو ذلك، يزعم الجهلة أنها ترد العين، أو تمنع المرض والحوادث. والتولة شيء كانوا يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها.

    الفئة الرابعة: أحاديث أمرت بأدوية ومعالجات ربطتها بأحكام تعبدية وشعائر دينية

    أ- من ذلك حديث أحمد والنسائي عن عائشة مرفوعا: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"، وفي صحيح البخاري أيضا "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة".
    ب- أحاديث الاسترقاء، منها ما في صحيح البخاري من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ(قل هو الله أحد) والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده.
    ج- ومنها أحاديث الدعاء للمريض، كقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب الناس، أذهب الباس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما".
    د- ومنها حديث "داووا مرضاكم بالصدقة".

    الفئة الخامسة: أحاديث مبنية على النص القرآني:

    فمن ذلك أحاديث التداوي بالعسل.

    الفئة السادسة: أحاديث فيها ذكر أدوية أو معالجات يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه علمها بطريق الوحي، أو إخبار الملائكة، أو أن الله يحبها، أو يكرهها، ونحو ذلك.

    وإنما كان هذا النوع من الأدوية صحيحا ومشروعا لأنه منسوب إلى الله تعالى أو ملائكته. فمن ذلك أحاديث الأمر بالتداوي وأصل العمل بالطب.
    ولا بد لاعتبار الأحاديث التي ضمت هذه الفئة الأخيرة حجةً في باب الطب: من أحد أمرين:

    الأول: أن يكون الحديث على درجة عالية من الصحة؛ لأن تطبيقه على الأجسام الإنسانية قد يكون فيه ضرر كبير، فإن وقع الضرر فلا يكون للطبيب عذر أن يتبين كون العلاج مبنيا على حديث صحيح ظاهرا لكنه في الحقيقة موهوم أو مكذوب. ولذا أقترح أن لا يعتبر حجة من الناحية الطبية الصرفة حديث ما لم يكن ثابتا على سبيل القطع، وهو الحديث المتواتر، أو على شبه القطع، وهو ما ورد من طريقين على الأقل، منفصلين، من أول السند إلى آخره، بحيث يعرف أنه لم ينفرد برواية الحديث راو واحد في أي طبقة من طبقات السند، حتى لو كان صحابيا.
    الآخر. أن يخضع مضمون الحديث للتجارب الطبية تحت نظر الاختصاصيين. فإن ثبتت صلاحيته كفى، وتكون التجارب هي الحجة في ذلك.

    ثانياً: ما لا حجة فيه من أحاديث الطب:

    وهي سائر الأحاديث النبوية الواردة في الطب والعلاج، (( وليس فيها ما يشعر أنها من قبل الله تعالى، أو أنها من قبيل الشرع.))

    وقد وضح من القواعد المذكورة سابقا أن هذا النوع من الأحاديث ليس من قبيل التشريع. ونحن نذكر جملة من تلك الأحاديث على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر:


    1. فمنها حديث مقدام بن معد يكرب عند أحمد والترمذي مرفوعا: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وتلث لنفسه".
    2. ومنها أحاديث الحجامة، كما تقدم في الفئة السادسة من النوع الأول، إن لم يصح الحديث بأن الملائكة أمروا النبي صلى الله عليه وسلم بها.
    3. ومنها حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا عند أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود "من تصبّح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر".
    4. ومنها حديث ابن عباس مرفوعا، عند أحمد والبخاري ومسلم: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء".
    5. ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا عند أحمد والترمذي "العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم، والكمأة من المن، وفيها شفاء للعين"، وروى نصفه الثاني البخاري ومسلم وأحمد والنسائي مرفوعا من حديث سعيد بن زيد.
    6. وحديث أبي هريرة مرفوعا عند أحمد والبخاري ومسلم، ومثله عند أحمد عن عائشة، وعند ابن ماجه عن عمر مرفوعا: "في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام" والسام الموت.
    7. ومنها حديث أحمد والبخاري وأبي داود عن أبي هريرة مرفوعا: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء
    8. ومنها الأحاديث الواردة في العدوى:
    منها حديث أبي هريرة عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا صفر ولا هامة".
    9. ومنها أحاديث الطاعون، كحديث أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن عوف عند البخاري "إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها" رواه مسلم.
    10. ومنها حديث عند الإمام أحمد مرفوعا: "إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء".


    فهذه الأحاديث المذكورة في هذا النوع الثاني، ونحوها من الأحاديث التي تدخل في صلب الأمور الطبية والعلاجية، لا ينبغي أن تؤخذ حجة الطب والعلاج، بل مرجع ذلك إلى أهل الطب، فهم أهل الاختصاص في ذلك. وقد يتبين في شيء من هذه الأحاديث الخطأ من الناحية الطبية الصرفة.

    وكما قال القاضي عياض: ليست في ذلك محطة ولا نقيصة، لأنها أمور اعتيادية يعرفها من جربها.

    الدكتور محمد سليمان الأشقر

    باختصار وتصرف عن :
    http://www.islamset.com/arabic/ahip/...wi/ashkar.html

    ===========
    ==========


    وهكذا يتبين لكم إخوتي منهجية التفكير الحر عند المسلمين..
    وخضوع كل نصوصهم للنقد العلمي الحقيقي ...

    وأن المسلمون يتبعون الحق حيث كان ..

    نعم النبي بشر .. له أفكاره وعاداته ...

    قال للمسلمين : صلوا كما رأيتموني أصلي.
    وفي الحج : خذوا عني مناسككم.

    ولم يقل : تاجروا كما كنت أتاجر.
    ولم يقل: ازرعوا كما رأيتموني أزرع.


    المسلمون لا يعبدون شخصيات وصلوا بها مرتبة الآلهة أو أنصاف الآلهة.

    كما لم يحطوا من منزلتهم بحيث ينسبون إليهم التصرف بأفعال لا يقوم بها أخس الناس.


    فهم أمة الوسط.

    والله أكبر ولله الحمد
    أسئلة في الإعجاز البياني للدكتور فاضل السامرائي
    http://www.islamiyyat.com/lamasat-index.htm

    شبهات حول القرآن الكريم ونقدها

    http://55a.net/firas/arabic/index.ph...ect_page=rodod

  2. افتراضي

    قد يكون كلام الشيخ فيه شيء من وجهة النظر....


    سوى الأمثلة التي ذكرها.....


    فإن كثيرا منها فيه ما يدل على معرفتها عن طريق الغيب....

    وهي: حديث الذبابة (واضح جدا ) والطاعون....والحبة السوداء

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. منهجية قراءة أحاديث الفتن
    بواسطة بحب دينى في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-07-2014, 04:15 AM
  2. منهجية التعامل مع الشبهات وقواعد دحضها
    بواسطة حمادة في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-28-2012, 11:52 PM
  3. منهجية التعامل مع الشبهات وقواعد دحضها
    بواسطة فخر الدين المناظر في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-16-2009, 01:49 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء