إلى الله المشتكى

دأبت الأقلام الجائرة الحائرة.. على هواية جديدة "مفيدة" ، يشعرون فيها بمتعة لا نظير لها ..
بإستعراض ألسنتهم التى يملكونها.. ألسنة حداد أشحة على الخير حين يكون الكلام على أخطاء المسملين وتجاوزاتهم.. يتحدثون عن واقع لا يفهمونه ولا يعلمون عنه شيئا إلا من خلال وسائل الإعلام ، وقد جلس كلٌ منهم منتفخا منتبرا ، ممسكا بالكلينيكس فى يد ، والقلم المسموم فى يده الأخرى.. يبكى تارة على ضحايا الروس الأبرياء.. وقتلى الأمريكان الأتقياء.. وذبح الرهائن الفضلاء.. وحين يشتد بهم الهم والغم ، ويصل نحيبهم إلى نقطة الغليان.. يشمر أحدهم عن ساعد الجد.. ويكتب سما زعافا لا ترياق له.. يطعن فيه ظهور إخوانه المدحورين ، وينتهك أعراضهم بلسانه المشقوق.. ويسخر من آلامهم.. ويسبح فى دمائهم "بأقسى" سرعة للحصول على المركز الأول فى قتلهم أحياءا وأمواتا..

لن أذكّركم بقتلانا الذين –ربما- لم تعلموا عنهم شيئا.. أو سمعتم عنهم.. أيضا من خلال الإعلام
ولن أطلب منكم أن تحتفظوا باليسير من الكلينيكس الفاخر.. لرثاء أطفال المسملين
ولن أجبركم على "الإحساس" بقضايانا التى جعلت الكافر ينطق بعدالتها ويرجم أهله وإخوانه الظلمة من أجلها..
ولن أطلب منكم أن "تتفهموا" ما الذى يشعر به أخ مسلم لكم ، كل ذنبه أنه فى إبتلاء عظيم وفتنة كبيرة جعلته لا يفكر بعقله إبتداءا ، وإنما بخليط من الغضب والحزن والأسى واليأس والمرارة والضياع.. (معذرة.. أحاسيس لم يمر بها أحد من معاليكم من قبل.. وشكرا لوسائل العلم الحديث التى مكنتنا من الإحتفاظ بدرجة حرارة واحدة "للشعور" على مدار العام !!)

لم نر هاهنا من كتب عن مدن أبُيدت عن بكرة أبيها ، وإنما رأينا من يحفظ قائمة أسماء القتلى فى بيسلان وباذنجان.. وأعمار الهلكى فى برجى التجارة الأمريكيين.. لم نر هذه الأقلام إنتفضت كالتى قرصها حنش مذبب ، حزنا و غضبة لأهالى جنين والفلوجة ونابلس وقندوز وقلعة جاهنجى ورفح والرمادى وتلعفر وغزة ، الذين رمتهم طائرات "الأتقياء" ، الذين يجدون لهم بواكى تحت كل حجر ، رمتهم الطائرات بالورود والرياحين فإنفجرت أمعاءهم طربا وفرحا.. وطارت أشلاؤهم وأكباد أطفالهم فى الهواء فرقصوا لها رقصة المذبوح..

يا من تمسكون أقلاما يملؤها المداد الرخيص..
هل سكنت يوما فى كومة من الصفيح الصدئ.. هل إغتصب أحدهم يوما أمك وأختك وإمرأتك أمام عينيك.. هل قام بالتحقيق معك مجموعة من الذين تبكى أطفالهم وهم ينتهكون رجولتك وآدميتك.. هل قتل أحدهم طفلك الذى تعلق به فؤادك ونما فى جدران قلبك فلما مات تقطعت أوصالك عليه كمدا.. هل عطشت يوما ولم تجد الماء لشهور طويلة فعمدت إلى مياه المجارى والمستنقعات لتشرب منه وتروى ظمأك.. هل قتلك الخوف وعصر قلبك الرعب وأنت تحتضن أطفالك.. تسكن العراء وتتنفس غبار بيتك الذى هدموه فوق رأسك.. هل كنت يوما كذلك؟

لا تحدثوننا بدم بارد سمج عن خطأ المظلوم الملكوم الذى فقد كل شئ ولم يبق له أى شئ.. وتقولون له من علياءكم المكيفة.. أنت لا تمثل الإسلام.. وأنت جاهل إرهابى.. لتقتلوه مرات ومرات كما فعل به أعداؤه.. ولئن أخطأ المسلم تحت هذه الوطأة الرهيبة.. ودافع عن بقاءه وبقاء أولاده وأهله بأى ثمن.. فماذا فعلتم أنتم إلا مصمصة الشفاة ولومهم على "تهورهم" بكتاباتكم "الشيك"

كلما سمعتُ أحدَهم "يندب" ويقيم مجالس "اللطم" على مصطبة "المناحة" تكاد الرأس تنفجر ألما وغما..
يتصيدون مع أعداءنا الزلات والهفوات لأقوام لو أخرج أحدهم غضبه الذى يكتمه فى قلبه لأحرق الأرض بمن عليها..
ويقولون "لا ماهكذا يكون الإسلام.. هل الجهاد بقتل الأطفال ؟؟!!"

يا سبحان الله.. يا سبحان الله
فلقتم رؤوسنا وأعطبتم حواسنا بهراءكم أخزاكم الله..
وهل المقصود أطفال الروس "وحدهم"
وهل المصون عرضه ودمه سيدنا الأمريكى والفرنسى والنيبالى والبريطانى "وحدهم"
تُشحذ الهمم.. وتُشحن الأقلام بالبطاريات "المشبوهة".. وتقام المظاهرات والمناسبات والسرادقات..
إحتجاجا على رهط يسير ينتمون لفيلق الأسياد.. قُتل أو خُطف أو حتى مات على الخازوق
ومن يموتون "بالدوزن".. ومن تُدفن أشلاؤهم بالبلدوزارات لكثرتهم.. لا حبيب لهم

وإذا قلنا لكم ذلك.. تقولوا بأعصاب لا حياة فيها "نعلم أن المسلمون مضطهدون ومظلومو ولكن.."
هكذا.. تمر ألسنتكم سريعا على محل الجرح الذى ينزف دما وقيحا لعشرات السنين ، ليعبر حاجز المعقول ويقفز فوق آلامنا ، ليهبط بخفة وبراعة على آهات الأعداء "الشرفاء"

يا ناس..
هل إذا إجتمعت علي إخوانكم كل قوى الشر تقتّل فيهم وفى أبناءهم وأهلهم وكل من يحبون وكل من يعرفون.. وأصبح لا هم لهم سوى إستئصال وجودهم من التاريخ ومصادرة كل ما يملكون من كرامة وحق فى الحياة.. ما المطلوب من هؤلاء يا عباد الله.. أن يكونوا "بشرا" فى الوقت الذى يتعامل فيه الناس "كلهم" معهم على أنهم أرخص من دود الأرض.. هل المطلوب منهم أن يبحث كل منهم بداخله عن "إنسانية" أو بقايا "شفقة" لأناس دمروا فيه كل شئ.. فما أبقوا لديه إلا حطاما إنسانيا..

هل تريدون ممن لا يملك أملا فى غد يستطيع فيه أن يشرب ماءا نظيفا وينعم برؤية أطفاله بلا خوف أن تكون هذه هى نظرته الأخيرة لهم ، فى الوقت الذى تخلى عنهم كل الناس وباعوا قضيتهم فى المزاد العلنى لمن يدفع "أقل".. فقط ليتخلصوا من "صداعهم" الذى لا أسبرين له..
أتطلبون من مثل هذا أن "يفكر"..

أيها الناس.. من تتحدثون عنهم عباد ضعفاء أثقلتهم الأتراح وذبح حناجرهم النواح..
لا يفقهون من دينهم إلا الذى علموه.. أما باقى الدين وأحكامه فما رأينا أحدا منكم سافر إليهم ليسكن معهم ويفقههم فى دينهم ويشرب معهم من بول أسيادهم.. ويعيش معهم لحظات الهلع.. ثم بعد ذلك له أن يسألهم عن العلم الذى علمهم إياه.. أم تظنون أنكم ترسلون لهم رسائل التفقه فى الدين عبر رسائلكم على النت ، من خلال هذه المقالات الجائرة الظالمة.. التى لا تحترم لهم أدنى قدر من الحقوق.. فضلا عن مساندتهم..
تفعلون تماما كما يفعل الأعداء.. إذا أخطأ "أحد" المسلمين.. "فالكل" بلا إستثناء مدان.. مقطوعة رأسه.. مهدور دمه

يا قومنا.. إن لم يكن لكم حاجة فى الدعاء للمسلمين "المظلومين" بالغيب
وإن لم يكن لكم رغبة فى الحديث عن آلامنا وهمومنا
وإن لم يكن لكم ميلا لنقل مأساة أطفالنا التى تقتل فى فصول الدراسة ، ونساءنا التى تبعثرت أشلاؤها فى الشوارع بفعل الصواريخ اللطيفة "الغير مقصودة" لأعداءنا الأتقياء
فلا أقل من الصمت.. لا نطلب منكم أكثر من ذلك
فلا نريد أن نسمع منكم عن نحيب الأمهات الروسيات على أطفالهم..
ولا نريد أن نسمع منكم عن حزن الأمهات الأمريكيات على ذبيحها "البرئ"
ولا نريد أن نسمع منكم عن حكم الشرع فى قتل السائق والأجير والحقير وكل من حمل لعدونا شربة ماء فى بلادنا المغتصبة..
فآراؤكم لاتثير فينا إلا كل غضب وحنق

ورب صمت أفضل لكم من حديث لا يجلب إلا اللعنات

هذا وبالله التوفيق
مفروس