بسم الله الرحمن الرحيم

عوز الليبرالية-للأستاذ: رشدان بن سالم الرومي

المطالبون بتطبيق الليبرالية لا يعون مدى استحالة تطبيقها حسب الصورة التي يعلنونها ولأبسط الصورة بشكل أكبر أسأل هذا السؤال :
هل توجد دولة على وجه الأرض تطبق النظام الليبرالي المزعوم بحذافيره .
طبعا الإجابة ستكون لا وبكل وضوح لأن الليبرالية ذلك النظام المصطنع من قبل البشر لم يتمكن من وضع القواعد والنظم والقوانين التي تنظم الحياة البشرية بشتى مضامينها وفروعها .
وهي كذلك لم تستطع أن تضع معاييرا للتصرفات النبيلة والتصرفات الخاطئة كذلك فالمثلية الجنسية على سبيل المثال لا الحصر يراها البعض حرية شخصية لا يحق للآخرين منعها أو تقييدها بينما يرى الآخرون أنها تجاوز أخلاقي خطير وخروج عن الفطرة السليمة .
القتل الرحيم أيضا يصلح كمثال دقيق ومتكرر على أن المنهج الليبرالي لم يتمكن إلى الآن ولن يتمكن حسب اعتقادي الشخصي من وضعه في الخانة التي توضح طبيعته أكان فعلا إجراميا يستحق فاعله العقوبة أو أنه تصرف ينم عن الرحمة والشفقة بحال مريض فتك به المرض .
كل الدساتير في هذه المعمورة بلا أي استثناء استقت العديد من قوانينها وتشريعاتها من الديانات المختلفة السماوية والأرضية وكذلك المناهج الفكرية بتنوعها كالفكر الشيوعي والفكر الرأس مالي وغير ذلك من مناهج فكرية مختلفة على مر العصور .

يجدر بمن يطالب بتطبيق النظام الليبرالي في الحكم أن يكون منصفا مع نفسه ومع غيره ويبرهن على خلاف ما نقوله وهو أن النظام الليبرالي نظام غير مستقل بذاته وغير قائم بنفسه استقى جل مبادئه من الشرائع السماوية والشرائع الأرضية ولا يستطيع أن يأتي ببديل ناجح وعملي وفعال سالم من العيوب والنواقص .

وأبسط رد على من يزعم أن الأمم المتقدمة والمتحضرة هي في الحقيقة أمم تتبنى المنهج الليبرالي في السياسة هو أنه بمجرد القيام ببحث سريع وعشوائي بين مواد دستور أي دولة متقدمة من النواحي الحضارية نجد موادا وشرائعا وتنظيمات اقتبست من الشرائع السماوية أو الأرضية أو كلتيهما معا .

هذا دليل حي وصريح وواضح على أن الليبرالية مستحيلة التطبيق على أرض الواقع بسبب فقرها وعجزها وعوزها الفكري الشديد .

فالليبرالية المطلقة ضرب من الخيال لا أقل ولا أكثر

وفكر ركيك وضعيف بركاكة الفكر الليبرالي الذي استمد مبادئا وقيما كثيرة من الديانات لا سيما السماوية منها لا يعتبره الحصفاء فكر رصين متين قادر على مواجهة التحديات والصعوبات المختلفة .

كذلك الظروف السائدة في تلك العصور السحيقة والموغلة في القدم من سيطرة رجال الكنيسة والذين جسدوا ما يصطلح عليه ( الدولة الدينية ) وممارساتهم القمعية التي أسموها ( التطهيرية ) بتواطئ الأنظمة الحاكمة آنذاك والذين رأوا في أولئك الأحبار والرهبان خير معين ليسهل لهم نيل مآربهم التوسعية باسم الدين وطاعة الرب جعلت من النظام الليبرالي والنظام الديموقراطي بديلا ناجحا جدا عن هذه الأنظمة الملكية الإستبدادية الشمولية المتسلطة .
أما ما يخص عالمنا العربي وكذلك العالم الإسلامي فالوضع مختلف جدا فكما نعلم علما يقينيا أن ما يناسبني ليس بالضرورة أن يناسب غيري .
هذه الرقعة من العالم عاشت قرونا عديدة ضاربة في العمق والقدم لدرجة تحول من معرفة عددها بدقة وهي غارقة في التشرذم والتشاحن والتنافس والصراع وضياع الحقوق وامتهان الكثير من الطبقات وممارسة التعسف مع المرأة بأشد ما يكون .

وفي أشد ما يكون عليه هؤلاء من الضعف والجهل وقلة الحيلة وانعدام السيطرة حتى على ما تظاهروا بالسيطرة عليه ( خذوا حادثة أصحاب الفيل كمثال حي ) حتى ظهر في هذه الأمة المفككة والمتناحرة ما وحد صفوفها وأبرز مجدها وعزز جندها .
ظهر الدين الإسلامي الخالد الذي أحيى الله به قلوبا ميتة واستيقظت بسببه همما نائمة وجعل من أولئك الرعاة الحفاة الضعفاء عبدة الأصنام وأكلة الميتة قادة نجباء ومقاتلين أشداء ومفكرين وأدباء وعلماء .

وبفترة زمنية قياسية تمكن المسلمون من بسط قوتهم وتثبيت نفوذهم وجعل غيرهم من الأمم يفكرون مليا ومليا قبل التصدي لهم ومحاولة عرقلتهم .
وبسبب الإبتعاد عن تعاليم الإسلام السماوية وهجرانها كتب لهذه الأمة مجددا الذل والهوان ورجعت أمة لا يحسب لها أي حساب وليس لها أي وزن أو قيمة تذكر.

وبدأ الإستعمار بعدته وعتاده في بسط نفوذه وإحكام سيطرته لا سيما وهو يعرف جيدا أن أولئك الضعفاء سينتهي ضعفهم حالما يعودون إلى رشدهم وتعاليم دينهم فشرع في السيطرة والإستبداد ونهب الثروات واالإمكانيات حتى يجعل من هذه البقعة التي تقع في قلب العالم القديم بقعة تزخر بالجهل والتخلف والأمية والتناحر والخيانات .



خريطة العالم ( العالم القديم باللون الأخضر )
وعندما تصدى لهذه الهيمنة مجموعة من المخلصين الذين فضلوا باطن الأرض على ظاهرها عندما يكونون آخر الركب بدل أوله وبدأ المستعمرون بتكبد الخسائر الفادحة ومواجهة مقاومة باسلة متناهية في الشراسة والبطولة من شتى أنحاء هذه اليقعة رأوا أن بخروجهم مع ذرهم بذور الفتنة والخيانة والإختلاف أفضل بكثير من البقاء وتلقي الضربات العشوائية من ها هنا وها هناك ووجدوا لهم عملاء من جلدة الأباة في قمة الإخلاص والتفاني والقدرة مارسوا وطبقوا ما أراده المستعمرون وزيادة.

فخرج المستعمرون وكلهم ثقة على أن الأوضاع آخذة في الإنحدار أكثر وأكثر بفضل أولئك الذين خانوا الأمانة وظلموا بني جلدتهم من أجل تلبية رغبات ساداتهم .

واستطاعوا مع شديد الأسف بل وبإقتدار ووضعوا لكل صعوبة واجهتهم حلا نافعا لها

فالبلاد الشامية على سبيل المثل تمكنوا من تقسيمها تقسيما مدروسا بدقة وأناة وسلطوا على إحدى أقطارها ( سورية ) أقلية طائفية تنتمي إلى المذهب الشيعي تدعى النصيرية وحدث ذلك بعد سلسلة من التصعيدات والتوترات والثورات والإنقلابات لتتمكن هذه الطائفة التي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من تعداد الشعب السوري لا تتجاوز أصابع اليدين من بسط نفوذها وبإحكام وكان ذلك عن طريق تولي أبناء هذه الطائفة مناصب متفاوتة في الجيش وسيطرتهم على الأسلحة بمختلف أنواعها وإعطائها الضوء الأخضر للقيام بما أوكلوا إليه بعد التخلص من الكثير من المنافسين وتقييد الكثير منهم .

فجعلوا من لم يردهم الشعب للبلاد حكاما وأعيانا وهم من أقل الفئات الطائفية فيه ومكنوهم من كل وسائل القوة والسطوة و الإستبداد وتبنوا عقيدة علمانية بعثية لا يقرها الغالبية من أبناء هذا الشعب المتدين بالفطرة وكل ذلك بالإرغام وفي نفس الوقت استغل أولئك الماكرون قلة عدد هذه الزمرة الظالمة للمساومة وتحسبا لتبدل الحال ولسان حالهم يقول : إن عارضتم رغباتنا تخلينا عنكم ليقوم بنو جلتدكم بتصفية الحسابات معكم والقضاء عليكم دون أي صعوبة .

إن الغالبية العظمى من ساكني العالم الإسلامي لا ترغب عن الحكم الإسلامي بديلا ونتائج الإنتخابات في الجزائر والتي تلتها الأعمال الإجرامية من قبل الحكومة المدعومة من قبل الفرنسيين والعنف المتبادل الذي تلاها دليل واضح . وتزايد أصوات الإسلاميين في البرلمانات الإسلامية على الرغم من محاربة الحكومات الصريحة لها دليل آخر والممارسات الظالمة التي قام بها العلمانيون العرب من الحكام تحديدا تجاه الإسلاميين دليل غيره والأدلة تطول وتطول .

كل ما سبق ذكره وتفصيله يبين وبوضوح أن المسلمين عانوا الأمرين من الأعداء الخارجيين ومن الأعداء الداخليين .كذلك
وبتطبيق القواعد الديمقراطية ( أبسطها ) في الإقتراع مثلا وأخذها بالحسبان يتبين للجميع أن المد الإسلامي على ما يواجهه من صعوبات وعقاب إلا أنه هو المتسيد وبلا منازع فهذه الأمة تضعف وتمرض ولكنها لن تموت

يجب على الجميع إدراك ذلك جيدا