كان أحد الملوك يستمتع بنفاق حاشيته و شعبه ، فخرج عليهم في الاحتفال بذكري تتويجه ، خرج عليهم عاريًا ، فأخذت الحاشية التي تغلغل النفاق إلي خوافيها تمدح الملك و تثني علي جميل ثيابه و عظيم حيائه و مرهف حسه ، و من وراء الحاشية ردد المنافقون من الشعب مثل مقالهم ، و لكن طفلًا نظر إلي الملك و تعجب و قال ببراءة الأطفال ( لكني أري الملك عاريًا !! )
كذلك الحــال !!
الملحد يعرض عورته الفكرية - و الإلحاد عورة فكرية - علي أقرانه ، فيتسارعون إليه زرافاتٍ و وحدانًا ، و يكيلون له الثناء أشكالًا و ألوانًا ، لكني رغم هذا الكلام أقولها ببساطة بعيدًا عن النفاق ( لكني أري الإلحاد عاريًا !! )
أخي المسلم!! يا من رأيت رماد الإلحاد فحسبته نورًا ، سأنزع هذه الأردية الكاذبة التي تحول دون رؤية الفكر الإلحادي و عريه الفاضح ، فخذ عني بعضًا مني .

الرداء الأول : مدح المادحين و كذب المنافقين .
( إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )

أخي المسلم المتردد : اسمع مني و لا تعجل علي !!
يا من اغتر بشيء من كتابات الملاحدة .. اسمع مني .. فلست ممن ينافقك .. إنما أنا لك ناصح أمين .. لو علم القلم خوفي عليك لانفلق .. و لو علم الورق فحوي مقالي لاحترق .
اسمع خطابي للملحد و عهدي بك أنك ستفهم ما وراء الكلام .

أيها الملحد !!
لا تعجل علي حتي لو قلت لك كما قال برنارد شو ( إني لا أجد عقلًا يستحق احتقاره إلا عقل شكسبير )
لا تعجل علي حتي لو قلت لك ( إني أري إلحادك عاريًا !! )

أقول لك : إن هؤلاء الذين يمدحون مقالك ، و يرددون أقوالك ، لو علمت منهم ما أعلم من شأنهم مع أمثالك ، لأحرقت مقالك ، و لنبزت أقوالك ، إذ أثني عليها الكذاب المنافق .
ما مثلهم و مثلك إلا كهذا المجرم الفاتك الذي قال له المنفلوطي :
( شريكك في الجريمة هذا المجتمع الإنساني الفاسد الذي أغراك بها ، و مهد لك السبيل إليها ، فقد كان يسميك شجاعًا إذا قتلت ، و ذكيًّا فطنًا إذا سرقت ، و عالمًا إذا احتلت ، و عاقلًا إذا خدعت ، و كان يهابك هيبته للفاتحين ، و يجلك إجلاله للفاضلين ، و كثيرًا ما كنت تحب أن تري وجهك في مرآته فتراه وجهًا أبيض ناصعًا فتتمني لو دام لك هذا الجمال ، و لو أنه كان يؤثر نصحك ، و يصدقك الحديث عن نفسك ، لمثل لك جريمتك في صورتها الشوهاء ، و هنالك ربما وددت بجدع الأنف لو طواك بطن الأرض عنها ، و حالت المنية بينك و بينها )
هذه حالهم معك ، و تلك حالك معهم !!
ينافقونك و تحب النفاق ، و يداهنونك و تحب المداهنة !!
فاسمع !! لعل كلامي هذا يكون أصدق ما تسمع !!

* بعضهم يمدحك أملًا أن تصير مثله لتحصل له الطمأنينة ، فهو يزخرف لك طريق الإلحاد بخادع الزينة .
إن كنت مسلمًا تعبر عن ترددك مدح فيك الصدق مع الذات ، و طالبك بالسير في هذا الطريق - تحت عينه - علك تجد الهداية !!
إن أعلنت عدم اقتناعك بالإسلام و توجهك للملذات ، طالبك بمزيد من البحث في المذاهب و الأديان علك تجد في إحداها الغاية !!
إن أعلنت لادينيتك و رفضك للترهات ، طالبك بالمزيد لربما تصير مثله في النهاية !!
فإن أعلنت إلحادك ، فمرحي مرحي ، فقد تحقق المراد ، و ما مدحك أولًا و آخرًا إلا لتنضم إليه لتحصل له الطمأنينة !!

علك تسأل : و ماذا تقصد بالطمأنينة ؟
ألا تعرف ؟!!
ألا تدري أن الملحد مهما أظهر من الثقة بكلامه فهو في شك و ريب ؟ و كم تمني لو علم الغيب !!
الملحد دائمًا يسأل " ماذا لو كنت مخطئًا ؟!! " ، تأمل هذا السؤال يدور في خلده بين الفينة و الأخري .
إنه يقول : حياةٌ ثم موتٌ ثم بعثٌ حديث خرافات ، لكن ماذا لو كان بعد الموت بعثٌ و بعد البعث نُحشَر أجمعينَ ؟!
هو يخاف ، فيريد أن يزيد من عدد أقرانه عله يحس الطمأنينة ، و لكن هذا لا ينفعه ، اقرأ قوله تعالي :
( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ )
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( أزواجهم : أشباههم و نظراءهم )

* بعضهم يمدحك لصداقة بينك و بينه ، و لكن لا تظلم نفسك و تصدق هذا المدح الكاذب ، ألم تسمع بنداء من يفعل ذلك يوم القيامة ؟؟
اقرأ قوله تعالي :
( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً )

* بعضهم يظن نفسه الملحد المخضرم ، و أنه في نظر الملاحدة كبيرهم الذي علمهم الكفر ، فيمدح مقالك لترد عليه ( يكفيني تشريف مثلك لمقالي ، فأنت .. و أنت .. )
و هو ما راغ إلي مدحك باليمين ، إلا لينال أضعاف ذلك بالشمال و اليمين .

* بعضهم يمدحك لمحبة بينك و بينه .
إن هواك الذي بقلبي *** صيرني سامعًا مطيعًا .
و هذا المدح الكاذب لا يصدر إلا عن غشاش مخادع .

* بعضهم لا يترك لك مقالًا إلا سجل تقديره و إعجابه ، حتي تطبع اسمه في ذهنك ، و تحفظ له جميل صنعه ، و تحمل في قلبك من الود ما تحمل لمادح مثله ، فإذا أراد التعرف عليك وجد ذلك سهلًا ميسورًا ، و ما مدحك ابتداءً إلا ليلج إليك من هذا الباب ، باب حبك للمادح الكذاب .
لست تنفك راجيًا لوصال *** من حبيب أو راجيًا لنوال .
أي ماء يبقي لوجهك هذا *** بين ذل الهوي و ذل السؤال ؟!

* بعضهم يجد لك مقالًا قد ضمنتَه الأبحاث العلمية ، فيسجل موافقته و رضاه ، و كأنه قرأ و فهم ، و فكر و قدر ، و عن علمٍ حكم ، و ما قرأ إلا تلك الإشارات إلي الأبحاث الموسومة بأنها علمية مع بعض الكلمات الأعجمية ، فقال في نفسه ( إن سجلت التأييد ، فسيقول الناس : ليتنا أوتينا من الفهم مثل هذا الصنديد !! )

* قد يجد مقالك من المسلمين منتقد ، و لم يثنِ عليه أحد ، فيسارع إلي تسجيل الإعجاب ، لا عن اقتناع ، و لكنها إشارة إلي اللبيب ، أن إذا وجدته في مثل حالك ، فبادر بمساندته من باب ( هذه بتلك ) .

* قد يكون مقالك ضد علم من أعلام المسلمين أو عقيدة من عقائدهم ، فإذا وجد ذلك دفعه الحقد علي الإسلام إلي المبادرة بالمديح ، ليس لأنه قرأ مقالك و لكن من باب ( ليس حبًّا في علي ، و لكنْ بغضًا لمعاوية !! )

* بعضهم يمدحك إذا وجد غيره من الملاحدة قد صدقك القول و بين لك أنك افتريت ، فيبادر إلي مدحك لتعلم أن الملاحدة منهم من يمدحك و من يذمك فلا تكره الإلحاد فيهم فتظل علي الإلحاد مثلهم !!

* بعضهم يقنع نفسه أن الذين انتقدوا المقال من ذوي العقليات الرجعية ، فيمدحك ليدفع عن نفسه الشعور بالدونية !!

* بعضهم يمدحك لأنه رأي غيره مدحك ، و كما يقال في المثل ( كلبٌ ينبح لأنه رأي شبحًا ، و ألف كلب ينبحون لنباحه ) ، هذا مثل علي ما أظن من الصين ، يبين لك الموقف واضحًا ، و إن لم أقصد به - في الغالب - الإسقاطات الشخصية .

هذا حال من غرك مدحه ؟
أتريد اختبار صدق المادح ؟
اسأل : أفهمت الفكرة و استوعبت العِبرة ؟
فلابد من ( نعم ، و لم مدحتك إذن ؟!! )
فقل له : فخذ هذا المقال و اعرضه علي المسلمين العالمين و نافح عنه و جادل !!
فستري الفرار المشين !

و مالي أذهب بعيدًا ؟!!
أنت نفسك تصدق هذه الهالة الكاذبة من المدح و تحبها و تسعي إليها و تكتب من أجلها .
سل نفسك : لماذا أسأل الملاحدة عن أمر أشكل علي في الإسلام و لا أسأل عنه طلبة العلم المسلمين فضلًا عن علمائهم ؟
سل نفسك : لماذا أضع ما أزعم أنه " سورة " أعارض بها القرآن عند الملاحدة المستعجمين ، و لا تسعفني الشجاعة لعرضها عند أرباب الفصاحة و البيان ؟!
سل نفسك : كم من كلمة لفظتها أمام الملحد متراخيًا و أنا علي يقين أني لا أستطيع إثباتها مع طفل مسلم ذي علم ؟
سل نفسك : لماذا أناقش علم الأجنة في القرآن و السنة مع الملاحدة و لا أناقشه مع أطباء المسلمين ؟

تدري لماذا ؟
لأنك تبحث عن الضلالة لا الهداية ، الفراغ لا الحقيقة ، تريد المنافقين لشخصك لا المخلصين في نصحك ، تبحث في النفاق عن الراحة ، و لا راحة إلا في الصراحة ، تريد الهزل لا القول الفصل ، تخشي أن :
تري إلحـــادك عاريًا !!

أيها المسلم المتردد الذي اغتررت ببعض كتابات الملحدين : هذا المدح من الأقنعة الزائفة التي تحول دون رؤية الفكر الإلحادي علي حقيقته ، أرجو الله أن أكون وفقت في كشفه و بيان زيفه .

أيها الملحد :
لقد صدرت كلامي بقول خليل الله إبراهيم لقومه ( إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
و آن الأوان لتعلم نهاية هذه المودة ، فاقرأ :
( إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً )
فيوم القيامة :
( الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .