النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الإسلام البراجماتى .. وأخطاء فى التسويق !

  1. افتراضي الإسلام البراجماتى .. وأخطاء فى التسويق !


    حين نتحدث عن "الإسلام" كـ "دين" يسعى فى كل جوانبه لتهيئة المجتمع نحو قبول ملزم لأحكامه ، فإننا نفترض فى المتلقى مطلباً عقدياً يؤمن بحتمية تفعيل مثل هذه الأحكام وضرورة تصدرها كمنهج شامل لحياته وصلاح مجتمعه ، حتى وإن تعارضت بعض تلك الأحكام مع حجم المعلومات المتاحة لتفسيرها ، أو لخفاء الحكمة الظاهرة لتشريعها ، فإننا مطالبون بتحويلها لمنهج شامل للحياة ، لأن المحور الأساسى للديانة هو تحقيق العبودية التامة للشارع الحكيم والإنقياد الخالص لأحكام الدين ، دون مصادرة لحتمية التجديد والمواكبة لمستجدات الأمور من منظور واقعى ، لكننا مكلفون فى النهاية بتحقيق الهدف من تطبيق أحكام الإسلام الدينية فى كافة المناحى ، على أساس الإرتباط الوثيق بين العمل الدنيوى والجزاء الآخروى ، والإسلام بهذا المفهوم قد يتوافق مع بعض القوانين الإنسانية للحكم فى مفهوم "الإلزام" و "تحقيق المصلحة" ، لكنه بكل تأكيد لا يتقاطع مع تلك المناهج الوضعية الحاكمة فى جزئية هامة ، وهى قابلية التمحيص العقلى أو النقد الفكرى ، ولا يمكننا أن نمرر عليه مقصلة العقل البشرى لتقييم كلياته وأصوله ، كما لا يمكننا كذلك أن نخضعه لمبدأ : القبول السلمى للأحكام التى يجيزها العقل والرفض العملى لما خرج عن حيز الإستيعاب !

    الإشكالية تبدو واضحة حين تتحول مبادئ الحكم فى الإسلام إلى منهج براجماتى نفعى قائم على مفهوم شاذ على تعاليمه وهو مفهوم : تحقيق المصلحة بمفهومها الشامل دون تقييد ، وذلك حين أفرط الكثيرون فى مفهوم "المصلحة" فقيدوا بها أحكام الدين ، وحولوا تلك المصلحة إلى أصل من أصول التشريع يدور مع تفاصيل أحكامه حيثما دارت ، تابعاً لها لا متبوعاً ، حتى روج البعض لمقولة مغلوطة تقول : أنه حيثما وُجدت المصلحة فثم حكم الله ! والحقيقة أن المصلحة تكمن فى تطبيق الحكم حتى وإن بدا ذلك معارضاً لمصلحة الناس وأهوائهم وما تهواه أنفسهم ، وكم من أحكام التشريع تدخل تحت طائلة القاعدة العامة : وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم !

    والمتدبر لهذا المفهوم الغريب يجد أنه سياق جديد مستحدث ، أراد القائلون به أن يقدموا المصلحة كشرط على وجود الأحكام وحكمة تشريعها ، والتأكيد على تبعيتها المطلقة لشرط حصول المنفعة المحسوسة ، وربما بالغوا فى التقييد فجعلوا التعلق بالمنفعة العاجلة تحديداً وغض الطرف عن الآجل منها واعتباره خارج الحسابات ، والأخطر من ذلك فى حملة التصعيد المنهجى التى ارتقت منابر الوعظ وتصدرت عناوين الإعلام الإسلامى هو تبديل الأحكام فى مجموعها لتصبح -اصطلاحياً- مجرد سلة من المصالح ، وتحويل العلاقة بين الشارع الخالق والعبد المخلوق إلى علاقة نفعية بحتة ، قائمة على مصلحة العبد الدنيوية وما تتطلبه من معايير متغيرة ترتبط بحاجة العبد وأحواله ، فلا يمكن تطبيقها ابتداءً إلا من بعد أن تحدد فيها عين المصلحة وحجمها ، فإن تبدلت المنافع وتغيرت المصالح فإن من توابع ذلك -من خلال المفهوم البراجماتى- أن يتبدل التشريع ويتغير ، أو يصل فى أحسن حالاته إلى تأويل باهت لا يبقى على أصل التشريع ولا يجعل له أثراً فى المجتمع.

    ولذلك نرى ونسمع عن مناهج جديدة للدعاة والمتصدرين لواجهة العمل الإسلامى يقررونها فى رؤوس الناس بكثرة التكرار ، ويتنطعون فى تلقينها لعامة المسلمين باختراع جملة من المنافع والمصالح التى ستترتب على إلتزام العبد بها ، فيرتبط الذهن بالنفع والمصلحة وينفصل عن حقيقة أن محض تحقيق الحكم هو عين الهدف المراد ! وكثيراً ما نرى أن "الإختراع" بات وسيلة مناسبة لتسويق بعض التعاليم والأحكام الشرعية ، إذ تُخترع للأحكام بعض المنافع ، وكأن كل فصل من فصول التشريع صار معطلاً إلا إن صاحَبه تأويل براجماتى يعود بالنفع الدنيوى قبل الآخروى على العبد.

    ولأن المنهج البراجماتى يقوم على صنعة التسويق ، فقد وقع الكثيرون من الدعاة والمتصدرون لدعوة الإسلام فى هذه الفخاخ المنهجية ، وبات كل منهم يسوق للحكم الإسلامى من خلال هذا السياق النفعى ولكن من منطلقات متعددة ، فمنهم الغافل الذى قد يخفى عليه مثل هذا الخلل الأصولى ، إما بسذاجة مفرطة أو بسبب الحرص الزائد على دعوة المسلمين لأحكام الشريعة ، وقد يصدر هذا الأمر من بعض المنظرين الإسلاميين بمنهجية منظمة تهدف إلى تغيير الصورة النمطية للإسلام كمصدر للحكم والتشريع فى المجتمع ، واخراجه من التابو التقليدى المترسخ فى أذهان الكثيرين من الرافضين لمرجعية الدين فى المجتمعات الإسلامية ، من أنه سلطة إلهية دينية اقصائية لا مجال فيها لتعدد الآراء وتلزم الناس بما لا يفهموه ، حرصاً من نفسه على "تلميع" الإسلام وتحويله لسلعة تلقى القبول ، فيقوم بربطه بالمنافع والمصالح التى هى لغة العصر ولا يفهم العالم سواها ، وهى الأساس الوحيد الذى تقوم عليه صناعات العالم الحر فى مجالات الحكم المدنى والإقتصاد والسياسة.

    وقد يروج بعضهم للإسلام البراجماتى النفعى من منظور مؤامراتى بهدف تفريغه من محتواه وتحويله لنظام حاكم غير ملزم لا يحظى بالشمولية فى تناوله لكل قضايا المجتمع ، وبعد تفريغه من صبغته الدينية لا تعترف السلطة المجتمعية بالجزاء الآخروى كوسيلة من وسائل الإلزام وتقييد الناس بأحكامه ، فيصبح المنهج الإسلامى مجرد "إيديولوجية" من جملة الإيديولوجيات التى تعج بها أسواق العالم ومعارضه المفتوحة أرضاً وسماءً ، لانتقاء الأمثل والأجدر بتطبيقه كنظام حاكم للمجتمعات.

    بكل أسف نحن لازلنا نقف عند عتبة متأخرة فى طريق العودة إلى الحكم الإسلامى الصحيح ، فالدعوة إلى تطبيق الشريعة قد تم ربطها من خلال حرفية إعلامية مزورة بمجموعة من السلبيات والتجارب الفاشلة فى القديم والحديث ، ارتبطت نفسياً وذهنياً بصورة نمطية عن الحكم الإسلامى ، لا تدعو إلا للقمع والترويع والمصادرة ، قد تقلصت فيها السلطات المدنية لحساب الإستبداد. ويعمد المنتقدون للحكم الدينى الإسلامى إلى سلة التاريخ فيستعيدون بانتقائية متطرفة بعض المواقف والأحداث الخاطئة يدلون بها على "فشل" الإسلام كنظام حاكم ، متناسين بجهل أو تزوير متعمد أن تلك الحوادث طرأت على نظام شامل متقن ولم تكن أصلاً ، وأنها تحسب فى عمومها وتفاصيلها على أهواء الأفراد وتقصير الشخوص ، ولا يمكن ربطها تحت أى منهجية علمية محايدة إلى أصل لاتشريع ولا إلى آلية تطبيقه النزيهة !

    الحقيقة تشهد أننا لازلنا ندعو للإسلام بين أظهر المسلمين ! وهى حالة لم يشهد لها التاريخ الإسلامى مثيلاً ، إذ أن تاريخ المسلمين قد تلازمت حوادثه وأحواله مع شوكة قوية للإسلام وأهله ، لم ير الناسُ فيه الإسلام على مقصلة الأعداء والمنافقين ينحرونه ويبترون أطرافه بحسب الأهواء ، وإنما كان الإسلام عزيزاً فعزت سلطاته ، وسما فوق الأهواء فاتسعت رقعة حكمه. نحن بحاجة للترويج للحكم الإسلامى فى ديار المسلمين على أساسه الدينى المحكم ، والذى يعطيه التميز والتفرد فى استخلاص الأحكام وارتباطها بالجزاء الآخروى وآلية تطبيقها على أرض الواقع بحيادية و داعٍ أعلى لشيوع العدل بين الخلائق ، ويلازم ذلك ضرورة التخلص من التأثير السلبى -الذى صار منهجياً- لمفاهيم المنفعة والتسويق والتلميع لأحكام الإسلام ، لأن من شأن ذلك الأسلوب أن يمسخ الصورة العامة للحكم الدينى ويحولها لمجرد مجموعة من المنافع والمصالح تحكمها العادة والقبول وقد يرفضها الهوى والذائقة الشخصية.

    مفروس

  2. افتراضي

    الفلسفة / الفكر البراجماتى له أوجه عديدة من الناحية الفكرية الفلسفيه كنشأة ، وتعددت المعانى فى تطبيقاته على الأمور العلمية والعقدية ، وليس من الصواب ربط الفكر البراجماتى بمعنى المصلحة فحسب ، لأن هناك أوجه أخرى تضيف معان فكرية جديدة للممارسة ، خاصة فى مجال المعرفة والتعامل مع مفهوم "الحقائق" وعلاقتها بالـ "واقع" !
    لذلك : الخلل الذى أردت التنويه لوجوده بين أدبيات ومواعظ بعض الدعاة ليس معنياً فقط بمفهوم المصلحة .. أو استصحاب المنافع عند تطبيق الأحكام الشرعية ، فالاستصحاب للمصلحة يعبر عنه معناه الإصطلاحى من كونه مصلحة هامشية وليست اصلاً ، ولا خلاف حول هذا القدر من توصيف المصلحة ، بل حديثى عن تأصيل منهجى شاذ يربط الأحكام الشرعية لا بأصولها الثابتة ولكن بقابلية التطبيق ، استناداً لحجم المنفعة والمصلحة التى تترتب على ذلك ، ومن خلال التعامل مع الواقع كمحدد رئيسى ، وبموجب هذا الخلل تبدلت الأهداف ، فبعد أن كان الهدف الأول والأصلى هو تطبيق الحكم فى حد ذاته بصرف النظر عن الواقع ولا قياس الأثر بحجم القبول ، وهى الآفة التى تكاد تكون قد ترسخت فى مواعظ الكثيرين وأفكارهم العملية عن نصرة الإسلام و المسلمين ! صار الهدف الأصلى متعدداً متشعباً يدور حول محور واحد متعدد الأسماء : مجرد "البقاء كإيديولوجية عقدية" .. أو "التواجد المقبول على الساحة الدولية" أو .. "التلميع" !!

    تغير المفاهيم أدى بالبعض إلى رؤية غريبة لعرض الإسلام ووسائل تفعيل أحكامه ، تأثرت كثيراً بحجم المصادرة والقمع والدناءة التى تعيشها الأمم الإسلامية الآن ، مما أدى لتولد نمط دعوى جديد يتبنى -ربما دون أن يشعر- قيم ومبادئ البراجماتيزم الذى شاع وصار من أصول السياسة / الإقتصاد/ العلم التجريبى فى كل مسارات الدنيا ، وأود التركيز على نقطتين فى هذا الفكر الشاذ ومدى تاثيرهما على الإسلام كدين :

    1- تعريف الحقائق : وأنها تلك المعارف التى تتشكل حسب واقع كل انسان / ايديولوجية / مجتمع بالأدوات التى تنفعه وتساعده على تحقيق وجوده وعوامل بقاءه ، فالحقيقة متغيرة غير ثابتة ليس لها مرجعية يمكن سحبها على الجميع ، وليس من اللازم أن تكون الحقيقة المعرفية صالحة لجلب المنافع والمصالح ، وإنما الأهم هو مجموعة العوامل التى تؤثر فى بقاء المجتمع أو الفرد ، تتبدل وتتغير بحسب المصلحة والمنفعة المرجوة ، وهى الفكرة الفلسفية الأصلية لقصة التطور وأصل الأنواع لدارون.

    وحين يرتبط هذا التسطيح والتخصيص المخل بأصول المعرفة والتى تحدد فيما بعد مصادر التشريع والحكم المجتمعى ، فإننا بصدد نظام متكامل يقوم على تأصيل العوامل الخاصة بكل فرد أو مجتمع وتحويلها لمرجعية خاصة به إن كانت تحقق له المنفعة المحسوسة التى تعينه على البقاء. أما التمسك بالمراجع المعرفية الثابتة -كالدين الإلهى- فهذا يتعارض مع الفكر البراجماتى الذى يغير الحقائق حسب النفعية الحالية.

    وهذا هو عين الخلل الموجود فى أفكار بعض الدعاة المعاصرين ، الذين يضخمون الفروقات بين الواقع والحقائق ، ثم يعطلون الأحكام أو يأولونها لثقتهم باتحالة الجمع بين الحكم الشرعى والواقع ، فيرفضون هدف التطبيق كهدف وحيد !
    فلا شك أن الأصل ثابت عند الجميع فى مرجعية القرءان والسنة وما أجمع عليه سلف العلماء !
    ولكن التعامل مع المتغيرات الحادثة قد انفصل عن الثابت فى أمرين :
    فى توصيفه الصحيح وفى قابليته واستحقاقه للحكم !

    فالشق الأول -وهو ثبات المرجعية- صار من قبيل الدعوى المكررة والتى تصلح كمقدمة أو ديباجة لا أثر لها فى ما يأتى بعدها ، إلا لتهيئة المستمع لحالة من القبول التلقائى لتفصيل الحكم لأن مصدره من المرجعية المقبولة ، فحين يقول الواعظ "قال الله وروسوله" فهذه تهيئة تذكره بمرجعية الدين الثابتة ، ثم بعد هذه النقطة يحدث الإنفصال ، وتبدأ ترجمة الواقع فى ضوء جديد ، فالمرحلة اللاحقة فى التوصيف : تخضع لمفهوم الواقع والموائمة وما ترفضه المسميات الحاضرة والشرائع الدولية والتقاليد الأممية !

    وهو حق أريد به باطل (هذا فى أحسن حالات احسان الظن بقائله) .. لأن التبرير المنطقى الذى يسوقونه لهذه الشروط تجده مكرراً فى مصطلحات لها سلف عند المتقدمين مثل "فقه الواقع" .. "وأحكام الممكن والمتاح" .. "الموائمة" ، وهى كما ذكرت توصيفات لها أصول فى الثابت الدينى ، لكن حال اسقاطها على الحوادث والمستجدات تنفصل تماماً من رباطها الاصلى ، وتستخدم مظلة قفز من فكر فلسفى غريب ، يصف الحوادث بأنها لا تخضع للحقائق فى تطبيقها ولكن لما تمليه المصلحة المعينة على البقاء والاستمرار !

    وفى المفهوم الإسلامى الجديد : تتعدد المصالح والمنافع بحسب التيار والإتجاه الذى يعبر عنها ، فمن "مصلحة دولية" إلى "جهل العامة" إلى "عدم القدرة" و "عدم توافر الأدوات" إلى الدعوة للـ "تركيز على النهضة الشاملة للأمة" .. واخيراً "توسيع دائرة المعوقات المانعة من التحضر والتقدم" .. لتشمل قائمة حظر الأحكام الشرعية -لعدم الموائمة- أموراً كثيرة بدءً بالمظاهر العامة للإسلام وانتهاءً بذروة سنامه !!

    2- القيمة الحقيقية لأى مرجعية لا ترتبط بقيمتها المعرفية أو الفكرية ، حتى وإن كنا نؤمن أنها الصواب ، ولكن قيمتها بقدرتها على إحداث الأثر المطلوب بشكل جيد وإضافة مكسب أو منفعة جديدة. وهذا مفهوم معاكس تماماً لمقاصد الشريعة والغاية من أحكامها ، والمتفحص لهذا الفارق يعلم أن هذا الإنفصال بين الهدف كفكرة والهدف كآلة ، قد تؤدى لمنفعة فى رفض تطبيقه ، انفصال لم يطبقه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى بادئ الدعوة ، بل كان تحقيق الفكرة هو الهدف والغاية ، والقياس المنفصل لحجم المصلحة لم يعقد له الرسول الكريم أى قيمة ، بل كان أول ما يدعو الناس إليه هو الأصعب على نفوسهم والأكثر مغايرة لأعرافهم والأشق على طبائعهم ، أن يقولوا لا إله إلا الله ، وهى المفهوم المعرفى الأسمى وهى الهدف والغاية ، والغاية هنا فى تفعيلها وليست الغاية فى تقدير حجم المصالح المترتبة على هذا التفعيل ، ولو كان الأمر كذلك لكانت الدعوة إلى التوحيد هى آخر ما يدعو إليه الناس !

    وهذا هو عين الخلل فى واقع اليوم .. فالدعوى تقول :
    نحن نؤمن بالمعرفة الأصلية المتمثلة فى مصادر الشرع وحقيقتها التى لا يتطرق إليها الشك
    ولكن القيمة الحقيقية تكمن فى عواقب التطبيق وآلياته وحجم النفع العائد على أصل "الإسلام"
    وبريقه وصورته كميادين جديدة للجهاد .. أو أحد توابعه كالـ "الدعوة" .. "التعايش" .. ألخ !

    الأهداف التى يتحدث عنها الكثيرون فى هذه الأيام ويسعون لتحقيقها على مستوى التطبيق تعددت واختلفت ، وهى فى الاصل لم تكن إلا وسائل وآلات ، وتم تعظيم بعض المصطلحات واعطاءها دور الوسيط الشرطى ، كأن يقول قائل أن الإسلام لن ينتشر فى الأرض ولن يؤمن الناس به إلا (وهنا الشرط) بسلة من الظروف / الموائمات / المتغيرات ، وفى حقيقة الأمر هذه التصورات التى تأتى فى السياق فى شبه اتفاق وتوافق بين القائل والمتلقى ليست بشروط ، وإنما تقييد واقعى ومنفعى ربطه القائل دون دليل ، وتصور قائم على الحس والذائقة الشخصية وآفة الإستحسان التى هى سبب خراب العقول ، ومن هذه الشروط الموضوعة لتسبق تطبيق الأحكام : تلطيف صورة الإسلام .. التودد إلى غير المسلمين .. التدرج مع العصاة والمفرطين .. التعايش المجتمعى مع الآخرين .. ألخ !

    ثم امعاناً فى تأصيل الأوهام تم استحداث بدائل لثوابت الدين التى أمر الشارع بحصولها على هيئتها ، والتى أثبتت حقيقتها وجدارتها على مدار الزمن ، وكانت نتائجها شاهدة على ثبوتها عن طريق الوحى وعن طريق الحس والتجربة التاريخية ، كأمر الجهاد ، والذى جعل الله فيه -بسنة التدافع الكونية وسنة القتال الشرعية- كل أسباب العزة ، وجعل ما سواه من أسباب الهلاك وضياع الهيبة وذهاب الريح والشوكة !!

  3. افتراضي

    نأتى للأمثلة :

    تعطيل الأحكام بات حرفة .. وصناعة تزداد متانتها كلما زاد عدد الكتب التى قرأها المتصدر للفتيا !
    وذلك ليتمكن من تعطيل الحكم بسند من مصادر الدين الأصلية ، وليعلن التزوير باسم الشارع الحكيم !

    خذ مثالاً لذلك عن الجهاد / المقاومة / الإرهاب !
    فالجهاد هو عين صلاح الأمة والفرد والمجتمع ، وهو الدعامة الرئيسية لخلق أمة متكاملة يؤثر ويتاثر كل عضو فيها بالآخرين ، ووسيلة فعالة لانتزاع الهيبة والإحترام من صدور الآخرين ، وسنة كونية لتدافع الأمم ، وشرعية لتكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
    ولم يكن الجهاد يوماً بأنواعه المختلفة محل بحث أو شك أو مراجعة ، بل كان من مكونات الشخصية المسلمة التى تربت على حب الآخرة وكراهية الخزى فى الدنيا ، وخلاف العلماء المحترمين فى مسائل الجهاد كانت حول تقنينه / تنظيمه / ولم تكن يوماً حول مشروعيته وحكمة تفعيله !!

    الإستبدال الذى حدث لمفهوم الجهاد كان بفعل فاعل ، وبسند من "قال الله وقال الرسول" ، لأنها حرفة ومهنة صناعية -وأحياناً تجارية- أن تستخرج من كتب العلم الشرعى دليلاً على كذبك وحجة على تزويرك ! وليس لكل عامى جاهل أن يفعل ذلك لأنه لا يفهم الألف من كوز الذرة فى أبواب الفقه وأصوله.

    والذى يحصل الآن هو تزوير وتعطيل من مفهوم براجماتى لا يتفق مع الشرع ومقاصده
    فهم يثبتون الجهاد كأصل ثابت من مصادر الدين .. وهذا هو الشق المعرفى المثبت الذى لا يختلف عليه أحد ، ثم يتبعون ذلك بقيد المصلحة والمتعلق بشقين كما بينت آنفاً : التوصيف وقابليته واستحقاقه للتطبيق ، فلا يبقى التطبيق كهدف أصلى واجب النفاذ ، وإنما يتحول لمواطن على معبر ايريز ينتظر السماح له بالعبور ، وهذا العبور قد يتحقق إن نجح فى اختبار التوصيف والإستحقاق.

    وفى هذين الشقين تكمن المفاجأة ومنبع التزوير ، فيصبح التلاعب بالتوصيف هو بداية التعطيل للحكم !
    فتوصف على سبيل المثال المقاومات المشروعة والمعروفة بجهاد الدفع :
    بأنها عبث .. ودون إذن .. ومفاسدها أعظم من مصالحها .. وتخالف الأعراف الدولية .. وتعرض المصالح القومية للخطر .. وتجلب الصداع الإقليمى .. وتغير الإنتماءات .. وتهدد الإقتصاد بالإنهيار .. ألخ ، وبناء على ماسبق من التوصيف : فالحالة التى نحن بصددها الآن ليست جهاداً .. انتهت الفتوى !!

    ثم يتبع ذلك التوصيف قابلية الإستحقاق ، فتبنى القابلية على أساس واحد وحيد وهو المقاييس النفعية والمتعلقة بالأدوات (أصلاً) لا مصدر المعرفة (الذى أصبح فرعاً) ، بمعنى أن استحقاقه لا يقوم على العلم بأنه واجب التنفيذ كهدف فى حد ذاته وإنما على حساب المصالح والمفاسد التى تترتب على تفعيله ، ولذلك فقد جاد الزمان علينا بأقوال من قبيل : القتال هلكة محققة ولا ينبغى أن يهلك الإنسان نفسه !!

    وهذا خطأ فاحش وتزوير لا أصل له ، فمطلب الدفع واجب فى حد ذاته حتى وإن كانت المصلحة النفعية معدومة ، وقد يفقد معها الإنسان حياته وماله وأهله ، إلا أنها مطلب لا يتعلق بتوابع أو بقيود المنافع المتحصلة من حدوثه ، والشاهد على ذلك : أنه لم يحدث على مر تاريخ المسلمين أن دخلوا قتالاً وكانوا أكثر من عدوهم عدداً وعتاداً وتجهيزاً أبداً ، إلا فى مرة واحدة وهى يوم حنين .. وقد ذم الله كثرتهم !! .. وكل الآيات التى تحث على القتال تدخل تحت الآية الأم وهى : أنه كتب علينا وهو كره لنا !!! فالهدف تغير .. وتبدل بفعل البراجماتية الشاذة التى عقدت على تفعيل الأحكام الشرعية وصاية لا أصل لها.

    ما السبب فى تبنى هذه المفاهيم ؟
    السبب واحد وله روافد كثيرة .. وهو حب الدنيا وكراهية الموت !
    أما روافده فتجدها معلقة فى المصالح الخاصة ، والديكتاتوريات ، والنظر إلى الدين على أنه من بقايا حقبة الصحراء ، وتقديس الحكام والأهواء ، وكل هذه الروافد تصب بنا فى النهاية إلى هاوية واحدة وهى تعطيل الحكم .. إما بتزوير الواقع أو بالتلاعب فى قابلية الإستحقاق !

    ثم لنا عودة وجزاكم الله خيراً

  4. افتراضي

    تتركز القضية المشبوهة هنا فى ترسيخ مفهوم النقد العقلى لأحكام الشريعة بقصد أو دون قصد !
    فإن وافق الحكم الشرعى مهبطاً ملائما من الهوى / الفهم / قدرة الإدراك لإنسان القرن الواحد والعشرين ، السيد المتطور والمتحضر ، ووعى الحكمة الظاهرة الملائمة لمفاهيم "القرن" ، فيـُقبل الحكم وكفى الله المؤمنين القتال ، ولا حاجة حينها لتأويل أو لإنتحال الحكمة من أفواه المستنيرين ، ولكثرة الإختلافات ، والضروروات التى بات المتفيهقون يعولون عليها لتعميق حيرة المواطنين ، فإننا لا نجد إلا حكما واحداً لا يختلف عليه المسلمون كثيراً : وهى أننا على كوكب يسمى الأرض .. والدليل الشرعى : أن قد ورد ذكره كثيراً فى القرءان !! عدا ذلك فهو مختلف فيه بأثر أو بدليل ، يسمح باستنباط الأحكام الجاهزة والمعلبة والتفصيل بسرعة وجرأة تشبه قدرة الأرانب على التكاثر !

    وإن كان الحكم الشرعى لا يحمل حكمة ظاهرة أو تبرير يفهم منه موقع المصلحة / النفع / المقصد ، فهنا يبدأ الخلق فى بسط مخالبهم وحدّ شفراتهم ، وتأتى الآفة العقلية لتعمل فى الحكم الشرعى حتى مع وجود النص الصريح والبديهيات وما هو معلوم من الدين بالضرورة ، إما بتعطيل مطلق لعدم وضوح المنفعة والمقصد ، والذى يجب عليه هذا المقصد ألا يخرج عن حدود المقبول ، وإما بتأويل مخترع !

    وبين التعطيل والتأويل تكمن الحرفة وتستبين الصنعة ونرى أننا نملك وجهاء مبرزون فى فن الجرافيك الشرعى !! فإن أرادوا تفعيل حكم شاطر اجتاز اختبارات الموائمة والتلفيق بمجموع عال فتُخترع له المنافع وتُعدد له المقاصد وتُفرد له صفحات المصالح ، وإن تعثر الحكم ولم يجد له بينهم متكئاً تسحب رخصته وتفك عجلاته ويُحكم عليه بالبقاء فى دولاب الملك بضع سنين ، إلى أن يمن الله على أحد "المجددين الفضائيين" بتعيين وجه المصلحة فيه وإلا طوته صفحات الزمان !

    حديثى بكل تأكيد لا يتعرض لمطلق المصلحة التى تستصحب / تستحدث/ تنتج من تطبيق الحكم الشرعى ، فهذه ساحة بعيدة تماماً عن مقصدى ، ولا أدرى ما هو سر اجترارها بتأثر أصولى واضح كلما أتينا على ذكر لفظة "مصلحة" !

    ولكى نوضح المقام بتوضيحٍ واضح هذه المرة أكثر توضيحاً من ذى قبل ، سأورد بعض الأمثلة الأخرى والتى تترواح فى درجتها بين المظهر والمخبر .. والإعتقاد والحكم العملى .. والفقه وأصوله ، فالخلل قد وصل لكليات الدين وتفصيلاته .. خذ عندك :

    شعر الحاجب و شعر العانة : فكلاهما شعر .. ومن المفروض ألا يكون توزيعه الجغرافى سبباً لاحداث فتنة طائفية وإثارة النعرات الوطنية ، فالفرق بين وجوب ترك الأول وحلق الثانى لا يستوجب اللعنة إذا فعلت احداهن العكس إن كانت نيتها الصالحة هى مجرد التزين لبعلها !

    الشذوذ وأحكامه : التعريف متعلق بمناط الحكم ، فتحريم الشذوذ لا يعنى أنه غير موجود فى الواقع ، وعلينا أن نستفتى أحدهم فى وحشية الحد الشرعى للفاعل والمفعول فيه ، فاتضح للسائل أن العقوبة لا تتناسب مع الجريمة ، هذا إن كان الفعل جرماً من الأساس ، وروح الدين تقتضى التجديد فى الأحكام خاصة مع الأحكام التى وصلتنا من مصادر ظنية الثبوت ... كالسنة النبوية !!

    أحكام الردة : وهذا موضوع يسأل عنه باستمرار إخواننا المثقفين !!

    الإختلاط : : وقد وصلت منافع ومصالح خروج النسوان من بيوتهن للعمل مع الرجال للحد الذى دفع بعض الطيبين ليفتى بجواز رضاعة الزميل فى العمل إن لم يتناول فطوره فى الصباح !! الإشكالية فى الجو العام الذى تعيشه الفتوى والمتصدرون لها ، وهو التخاذل والتواضع أمام التيارات الجارفة فى المجتمعات !

    الحدود الشرعية : ترفضها الأعراف الدولية .. تمنع النمو الإقتصادى .. تصيب أحبابنا "الآخرين" بحالة من الهلع وتساقط الشعر !

    أهداف العبادات التوقيفية : تخترع الأهداف وتقدر قيمتها بحسب مساحة الخيال التى يملكها المتكلم !
    أهداف الجهاد : يعنى إيه جهاد ؟!
    أنواع الجهاد : يقسم أحدهم بشرف أمه أن جمهور العلماء ، المتقدمين منهم والمتأخرين ، على فتوى رجل واحد ، أنهم لا يعلمون له أنواعاً .. وإنما نوع واحد اسمه الدفاع عن النفس ورد العدوان ، ثم جعلوا له شروطاً تشبه زواج البكر ، يستأمر فيه ولى الأمر وعلامه موافقته الطناش ، أما الرفض فيكون باستراتيجية مختلفة وهى وصف الجهاد بالإرهاب !

    الجهاد كالدنياصورات .. مثبتة أنثروبولوجياً لكنها لم تعد تشترى أى أغراض من سوبر ماركت اليوم !!
    الحكم قائم .. لكن اسقاطه على الأحداث غير ممكن فى الزمن الحالى لأسباب تتعلق بالتستوستيرون !
    وأسهل حديث مزور تلوكه الألسنة أن الزمان قد استدار وأننا نعيش الآن فى العصر المكى بأحكامه وأصوله ، والتى تقضى بتحويل المواطن المسلم إلى حمار لا يغضب ، وإن استنفر لا يرد عن عرضه ولا أرضه ، وإن علقوا نسوانه من أرجلهن على مدافع الدبابات فيكتفى بإرسال الفيديو الذى التقطه لهم بهاتفه الجوال لقناة فوكس الإخبارية ، معلناً رفضه لانتهاكات حقوق الإنسان وليشهر بالأمريكان المجرمين ! وأحمد الله على ذلك وأشكر عظيم منّه ، لأنى قد تواجدت فى العصر المكى ولم أتواجد فى العصر المملوكى وإلا كانت رقبتى معلقة على باب زويله !!

    مفهوم النهضة والحضارة فى الإسلام : يمكن تلخيصه فى كلمتين .. أن الدولة المدنية الأولى قامت ونجحت لأن الصحابة كانوا ليبراليين مستنيرين ، لم يربطوا التوسع والإنتشار فى الأرض بأهداف ميثولوجية بحتة تتعلق بالحور العين وأنهار العسل المصفى ، وإنما سعوا فى الأرض لتحقيق العدل والنهضة والتطور الحضارى الذى يناسب عظمة الإسلام !!

    أما عن الإلزام بالحكم الشرعى من مفهوم الثواب والعقاب الغيبى ، فلا أثر له فى حتمية التفعيل ، ولا يزيد الأحكام إلا غموضاً عند العامة لربطها بمجهول غير معلوم بالحس ، ومن ذلك خُلد قول أحد الشوارعيه الحكماء تعقيباً على قصة البينة والحلف : قالوا للحرامى احلف قال جالك الفرج !!

    هذا الكلام أعلاه ليس فصلاً من مسرحية أمنا الغوله .. ولا منحوتات الإغريق على معابد أثينا ، بل كلام متلفز ورد على ألسنة طويلة مدلدله على سطح المكتب .. أو على السجاد المغطى به سيراميك القاعة الفخمة ، يخاطبون أقواماً مسلمين .. أى ورب الكعبة ، لا يفهمون الفروق الواضحة بين الدين والفلكلور الشعبى !!

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حول مقال الإسلام البراجماتي
    بواسطة محمد رشيد في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-12-2008, 03:25 AM
  2. الإسلام البراجماتى .. وأخطاء فى التسويق !
    بواسطة الفارس مفروس في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 03-04-2008, 02:08 PM
  3. النظرة الاختزالية للمرأة في ظل الواقع البراجماتي المعاصر
    بواسطة muslimah في المنتدى قسم المرأة المسلمة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-08-2006, 02:37 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء