صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 38

الموضوع: حفظ الله السنة النبوية / من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية

  1. #1

    افتراضي حفظ الله السنة النبوية / من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية

    حفظ الله السنة النبوية / من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية

    ----------------------------------

    الاعتقاد في حفظ السنة.. من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية
    أ. د. جعفر شيخ إدريس


    إن قوة الإسلام التي ما تزال سبباً في سرعة انتشاره وإقبال رواد الحق إليه، إنما هي في قوة الحق الهادي الذي يرونه بادياً على محياه. وهو حق يتضافر على إبرازه الوحيان: كتاب الله المنزل وسنة رسوله المبينة، ولا بقاء له بأحدهما دون الآخر. ففتنة التشكيك في السنة مقصد عظيم من مقاصد الذين يسعون جاهدين لتقويض هذا الدين وإيقاف احتلاله لقلوب كانت تعشش فيها معتقدات باطلة وهرطقات فارغة. لكن المؤسف أن الأدوات التي تستخدم لنشر هذه الفتنة هي ألسنة وعقول إسلامية قد تكون حسنة النوايا. ولذلك فإنها تلجأ في نشر فتنتها إلى استعمال حجج دينية. فالسنة المحمدية تُنكر تارة بدعوى أنه لا حاجة إليها مع وجود القرآن الكريم، وتارة بدعوى أن كثيراً من الأحاديث ـ حتى ما شهد له جهابذة العلماء بصحة السند ـ يتنافى مع ما تقرره بعض آيات القرآن الكريم، أو ما يقتضيه العقل السليم، وتارة بأن الله ـ تعالى ـ إنما تكفل بحفظ القرآن الكريم ولم يَعِدْ بتكفله بحفظ السنة المطهرة. وحديثنا في هذا المقال منحصر في هذه الدعوى الأخيرة؛ لأن أصحابها يقولون إنهم ليسوا ممن ينكر السنة، وإنما هم من الذين يشكون في ثبوتها كلها. ولذلك فإنهم يعطون أنفسهم حق النظر فيها والحكم عليها بأهوائهم (لا أقول بعقولهم)، فما رأوه موافقاً للكتاب قبلوه، وما رأوه مخالفاً له أنكروه مهما كانت قوة سنده، وسواء كان في الصحيحين أو في غيرهما.

    نقول لهؤلاء وغيرهم: إن على كل من يؤمن بأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، وأنه مرسل إلى الناس كافة إلى قيام الساعة، أن يعلم أن من لوازم هذا الإيمان الاعتقاد في حفظ السنة. عليه أن يعتقد هذا سواء علم كيف حفظت أو لم يعلم، وسواء كان من العلماء أو من العامة. لماذا؟
    يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
    ومع أن المعنى الشائع لكلمة الذكر في هذه الآية أنه القرآن الكريم؛ فقد قال بعض العلماء إنها تشمل السنة أيضاً. والذي أريد بيانه هنا أنه حتى لو لم تكن كلمة الذكر شاملة للسنة، إلا أنها تستلزمها.
    كيف؟ إن كلمة الذكر تدل على أن المحفوظ ليس مجرد كلمات أو نصوص يمكن أن تبقى مصونة في متحف من المتاحف الأثرية؛ وذلك لأن حفظ الذكر يقتضي فهم المعنى؛ لأن الكلام لا يكون ذكراً إلا إذا فُهم. وهل يفهم القرآن الكريم حتى فهماً أولياً إلا إذا عرفت لغته. وقد قال ـ تعالى ـ: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]. {إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
    فالقرآن إذن لا يُعقل معناه ولا يُفهم إلا إذا فهمت اللغة العربية؛ فحفظه يستلزم حفظها. وهذا هو الذي حدث بحمد الله تعالى وفضله. فاللغة العربية حُفظت كما لم تحفظ لغة غيرها، فما زالت الملايين من الناس تتحدث بها وتكتب، وما زالوا يتذوقون أدبها، وما زال التعمق فيها أمرا ميسوراً. وقد استخدم الله ـ تعالى ـ لهذا الحفظ رجالاً حباهم بجمع ألفاظها، وحفظ نحوها وصرفها، وجمع شعرها ونثرها. لكن الكتاب المحفوظ نفسه كان أهم سبب في حفظها لقراءة المؤمنين المستمرة له ودراستهم لتفسيره وتمعنهم في بلاغته وإعجازه.
    وقال الله ـ سبحانه وتعالى ـ مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
    ولحكمةٍ ما استعمل الله كلمة الذكر هنا كما استعملها في الآية الكريمة التي هي موضع دراستنا. فكما أن الذكر لا يُفهم إلا بفهم لغته، فإنه لا يتبين إلا ببيان الرسول له؛ فحفظ الذكر يستلزم لا جرم حفظ بيانه.
    إن واحداً من عامة عقلاء البشر لا يكتب كتاباً يقول إنه لا يُفهم فهماً كاملاً إلا بالحواشي المصاحبة له، ثم ينشر الكتاب من غير تلك الحواشي. فكيف يُظن بالحكيم العليم أن يرسل رسولاً تكون مهمته أن يبين كتابه، ثم يحفظ الكتاب ولا يحفظ ذلك البيان؟
    والله ـ سبحانه وتعالى ـ يشير في أكثر من أربعين موضعاً في كتابه إلى سنَّة رسوله، فيأمر باتباعه وعدم تقديم كلام بشر على كلامه، ويبين ضرورة هذا الاتباع وفضله، وأنه أمر يقتضيه حب المؤمن لربه، ويحذر ـ سبحانه ـ من مخالفة هذه السنة. يذكر كل هذا في مثل قوله ـ سبحانه ـ: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] .
    {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
    { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].
    {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
    هل يتصور عاقل يقدر ربه حق قدره أن يشير في أمثال هذه الآيات إلى معدوم بالنسبة لمن هم في عصورنا هذه المتأخرة؟
    كيف يكون الناس في عهده -صلى الله عليه وسلم- بحاجة إلى سنته وهم الذين نزل القرآن الكريم بلغتهم، ولا نكون نحن بحاجة إليها؟
    كيف يشير إلى معدوم بالنسبة لنا وقد أرسل رسوله -صلى الله عليه وسلم- للناس كافة إلى قيام الساعة وجعله خاتما لأنبيائه؟
    وإذا كان ـ سبحانه وتعالى ـ يعلم أن حاجتنا إليها عظيمة؛ فكيف يتصور أن لا يحفظها لنا وينعم علينا بهدايتها كما أنعم على الذين من قبلنا؟
    إن القول بعدم حفظ السنة له خبيء من أبطل الباطل هو أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- إنما أرسل لمعاصريه. وخبيء آخر هو أن الكفار كانوا محقين في إنكارهم لإرسال الرسل وفي زعمهم بأن كل واحد منهم مؤهل لأن يؤتى مثل ما أوتي رسل الله.
    بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً } [المدثر: 52]
    كيف يشك إنسان في حفظ السنة ثم يشهد بلسانه بأن محمداً رسول الله؟ ما ذا تعني هذه الشهادة بالنسبة له؟ إنه لا فرق في واقع الأمر بين إنكار السنة وإنكار حفظها؛ فكلا الأمرين يؤدي إلى عدم الاهتداء بها.
    والاعتقاد في حفظ السنة من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية؛ لأن المؤمن بهذه الرسالة يسأل الله ـ تعالى ـ في كل ركعة من ركعات صلاته الواجبة والنافلة في كل يوم أن يهديه إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. ومن ذا الذي يدخل في من أنعم الله عليهم إن لم يدخل فيهم جهابذة العلماء الفضلاء الأتقياء الذين أفنوا أعمارهم في جمع السنة وحفظها وتفتيشها ودراستها والعمل بها؟ كيف يدعو إنسان ربه أن يهديه إلى صراط الذين أنعم الله عليهم، ثم يعرض عن علماء السنة هؤلاء أو يتعالى عليهم ظاناً أنه أعلم منهم أو أعقل أو أذكى أو أحرص على دين الله؟ كلاَّ؛ بل إن المؤمن الصادق ليقول لنفسه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90].
    إنه لا بديل عن سلوك صراط هؤلاء إلا سلوك طريق المغضوب عليهم من الذين عرفوا الحق وأنكروه، أو سلوك طريق الضالين الذين عبدوا الله بأهوائهم وتخرصاتهم، فلم يكونوا من الذين هداهم الله ولا من أولي الألباب.
    وإنه لمن تمام حفظ الذكر العظيم أن يكون بين المسلمين دائماً علماء يستهدون بهداهم في معرفة هذا الذكر، ويسالونهم ويستفتونهم. وإنه لمن أعظم ما يتميز به هؤلاء العلماء الهداة هو معرفة سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"[1].
    إن بداية عموم الضلال أن يذهب من على وجه الارض أمثال هؤلاء العلماء، فيذهب بذهابهم العلم بكتاب الله ـ تعالى ـ مع وجود نصوصه:"إن الله ـ تعالى ـ لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا"[2].
    وحين يحدث هذا لا تبقى من فائدة في وجود النص القرآني؛ لأنه لا يكون آنذاك ذِكْراً؛ ولهذا فإن الله ـ تعالى ـ يرفعه إليه، ثم يأذن بقيام الساعة.


    ---------------------------------

    [1] البخاري، حديث 3368، ومسلم، حديث 3544

    [2] البخاري، حديث 98.

  2. #2

    افتراضي

    السنة النبوية

    شبهات أعداء السنة

    الاستغناء عن السنة بالقرآن مخالف للقرآن



    حجج علماء السنة في الرد عليهم

    جل أحكام الفقه مرجعها السنة


    ومع ذلك ابتليت أمتنا ـ قديما وحديثا ـ بفئة قليلة العدة، ضعيفة العدة، قصيرة العرفان، طويلة اللسان، زعموا أننا في غير حاجة إلى السنة، وأن القرآن يغنينا عنها، وأنه وحده مصدر الدين كله، عقائده وشرائعه، ومفاهيمه وقيمه، وأخلاقه وآدابه.

    شبهات أعداء السنة:

    واستندوا فيما زعموا ـ ككل صاحب بدعة وضلالة ـ إلى شبهات حسبوها أدلة، وهي مردودة عليهم بحجج أهل العلم التي لا تخلو الأرض منهم.

    استدل الذين يزعمون أنهم أهل القرآن وأنصاره بما يلي:

    1.قول الله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء).

    2. أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ولم يتكفل بحفظ السنة.

    3. أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للقرآن كتابا يكتبونه منذ نزل به جبريل عرفوا باسم "كتاب الوحي"، ولم يجعل ذلك للسنة، بل صح عنه قوله: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن".

    4. أن السنة من أجل ذلك دخلها المنكر والموضوع، وما لا أصل له من الحديث، فضلا عن الضعيف والواهي وما لا يصلح للاحتجاج به، واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد في الإمكان التمييز بين ما يصح وما لا يصح.

    حجج علماء السنة في الرد عليهم:

    وهذه الشبهات كلها لا تصمد أمام التمحيص العلمي، وكلها مردودة.

    * القرآن يبين القواعد، والسنة تفصل الأحكام:

    1. أما قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، فالمراد بهذه "الكلية": ما يتعلق بالأصول والقواعد الكلية التي يقوم عليها بنيان الدين في عقيدته وشريعته، ومن هذه الأصول: أن الرسول مبين لما نزل إليه، وبعبارة أخرى: أن السنة مبينة للقرآن: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم).

    ولم يفهم أحد ـ في الأولين ولا الآخرين ـ أن التبيان القرآني تبيان تفصيلي، وإلا فإن العبادة الأولى، والفريضة اليومية، والشعيرة الكبرى في الإسلام (الصلاة) لا يوجد في القرآن أي تفصيل لها: لا عددها، ولا مواقيتها، ولا ركعاتها، ولا كيفياتها، ولا تفاصيل شروطها وأركانها، وكلها عرف بالسنة، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة.

    * حفظ الله للقرآن يستلزم حفظ السنة:

    2. أن قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) يدل على حفظ القرآن بدلالة المطابقة، ويدل على حفظ السنة المبينة للقرآن بدلالة التضمين، فإن حفظ المبين يتضمن ويستلزم حفظ ما يبينه، لأن هذا من جملة الحفظ. كما بين ذلك الإمام الشاطبي رضي الله عنه.

    فالحفظ له مظهران: مظهر مادي وهو حفظ الألفاظ والعبارات أن تنسى أو تحذف أو تبدل. ومظهر معنوي، وهو حفظ المعاني أن تحرف أو تمسخ وتشوه.

    والكتب السماوية السابقة لم يتكفل الله بحفظها، واستحفظها أهلها، فلم يحفظوها، فتعرضت لنوعين من التحريف: التحريف اللفظي بتبديل الألفاظ بأخرى أو إسقاطها، والتحريف المعنوي بتأويلها بما يبعدها عن مراد الله تعالى منها.

    وقد حفظ الله القرآن من كلا التحريفين، وكان البيان النبوي بالسنة من تمام حفظ الله تعالى لكتابه، وتصديقا لوعده بذلك حين قال: (ثم إن علينا بيانه).

    ولقد أثبت التاريخ العلمي للمسلمين صدق ذلك، وحفظ الله تعالى سنة نبيه، كما حفظ كتابه الكريم.

    وقام في كل عصر حراس أيقاظ، يحملون علم النبوة، وميراث الرسالة، يورثونه للأجيال، مشاعل تضيء، ومعالم تهدي، تصديقا لتلك النبوءة المحمدية، والبشارة المصطفوية: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".

    * أطوار تدوين السنة:

    3. صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للسنة كتابا يكتبونها كالقرآن، بل نهى عن كتابة غير القرآن في أول الأمر، لتتوفر الهمم على كتابة القرآن، لقلة الكاتبين، وقلة مواد الكتابة وتنوعها، وعسرها، وخشية اختلاط القرآن بغيره. ولكنه كتب أشياء مهمة لتبلغ عنه وتنفذ، مثل كتبه في الصدقات والديات وغيرها، وأذن لبعض الصحابة أن يكتبوا، مثل عبد الله بن عمرو وغيره. وحث على تبليغ الأحاديث لمن لم يسمعها بدقة وأمانة، وجاء في ذلك حديثه المستفيض، بل المتواتر عند بعض العلماء: "نضر الله امرءا سمع مقالتي، فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع"، وفي رواية: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".

    ومن الثابت بيقين لدى الباحثين المتخصصين اليوم: أن تدوين السنة لم يبدأ في رأس المائة الأولى للهجرة، كما قيل يوما، بل إن للتدوين أطورا بدأت منذ عصر النبوة، ونمت بعد ذلك في عصر الصحابة فمن بعدهم، كما دلت على ذلك الدراسات العلمية الموضوعية.

    * جهود علماء الأمة في خدمة السنة وتنقيتها:

    4. من المؤكد أن هناك من كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدين لدوافعشتى، فاستحقوا أن يتبوءوا مقعدهم بين عيني جهنم، ولا غرو، فهناك من افتروا الكذب على الله ذاته، ومن قال: أوحي إلي ولم يوح إليه شيء! ولكن من المؤكد أن علماء الأمة وصيارفة السنة، تصدوا لهؤلاء الدجالين، وكشفوا أستارهم، وفضحوا زيفهم، وقد قيل للإمام عبد بن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة!

    ولقد عاش لها الجهابذة النقاد بالفعل، وطاردوها كما يطارد الخبراء النقود الزائفة في الأسواق، فقد تروج لدى بعض العوام، وتمر من يد إلى يد ثانية في غفلة عن الأعين الساهرة، ثم لا تلبث أن تضبط وينكشف زيفها وغشها.

    وضع علماء الحديث القواعد الضابطة، ورفعوا المنارات الهادية، وأسسوا علوم الحديث ومصطلحه، واشترطوا لقبول الحديث شروطا أشرنا إليها من قبل. وهو ما لم تفعله أمة سبقت لحفظ تراث نبيها من الضياع أو التزوير.

    وما قيل من أن الصحيح قد التبس بالضعيف، والحابل اختلط بالنابل، فهو ادعاء من لم يغص في بحار هذا العلم الشريف، ولم يسبر أغواره، ولم يطلع على الجهود الضخمة التي بذلتها عقول كبيرة، وملكات عالية، ومواهب خارقة، نذرت نفسها لخدمته وتجليته والدفاع عنه. فأسسوا علوم الرجال والطبقات والتواريخ، للثقات والمقبولين، وللضعفاء والمجروحين، وصنفوا في نحو تسعين علما ابتكروها عرفت باسم "علوم الحديث"، وكانت هي للحديث بمثابة "الأصول" للفقه. وأفردوا الصحيح من غيره، وعنوا بأحاديث الأحكام، وألفوا في الأحاديث الواهية والموضوعة. وكذلك في علل الأحاديث ونقدها.

    إن التاريخ لم يسجل لأمة في حفظ تراث نبيها ما سجل لهذه الأمة الخاتمة. ووجود أحاديث زائفة لا يجعلنا نلقى الأحاديث كلها في سلة المهملات. هل يقول عاقل بإلغاء النقود السليمة وتحريم التعامل بها، أو اعتبارها عديمة القيمة، لأن هناك من المزورين من زيفوا بعض العملات، وروجوه لدى بعض الغافلين؟!

    الاستغناء عن السنة بالقرآن مخالف القرآن:

    ثم إن الذين يزعمون الاستغناء عن السنة بالقرآن يخالفون ـ أول ما يخالفون ـ القرآن ذاته مخالفة صريحة.

    فالقرآن يأمر بطاعة الرسول، بجوار طاعة الله تعالى، وذلك في عدد من الآيات الكريمة.

    بل اعتبر القرآن الكريم طاعة لله تعالى، كما اعتبر بيعته بيعة لله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله).

    وهذه بعض الآيات الآمرة بطاعة الرسول مع طاعة الله:

    (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن توليتم فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين).

    (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون).

    (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا).

    ولو كانت طاعة الرسول تعني اتباع القرآن وحده، لم هناك معنى لعطف الأمر بطاعته على طاعة الله تعالى، إذ العطف يقتضي المغايرة، وقد طلب الطاعة ـ في غير موضع ـ لكل منهما. فأفاد أن لكل منهما طاعة مستقلة.

    وللعلامة ابن القيم كلام جيد في معنى الآية التي ذكرناها من سورة النساء.

    جل أحكام الفقه مرجعها السنة:

    والحق الذي لا مراء فيه: أن جل الأحكام ـ التي يدور عليها الفقه في شتى المذاهب المعتبرة ـ قد ثبت بالسنة.

    ومن طالع كتب الفقه تبين له ذلك بكل جلاء! ولو حذفنا السنن، وما تفرع عليها واستنبط منها من تراثنا الفقهي، ما بقي عندنا فقه يذكر!!

    ولهذا كان مبحث "السنة" ـ باعتبارها الدليل التالي للقرآن ـ في جميع كتب أصول الفقه، ولدى جميع المذاهب المعتبرة مبحثا إضافيا طويل الذيول، يتناول حجيتها وثبوتها وشروط قبولها، ودلالتها، وأقسامها، إلى غير ذلك مما لا يخفى على الدارسين.

    وهذا ـ كما قلت ـ ينطبق على جميع المذاهب، من مذهب داود وابن حزم الظاهري المنكرين للقياس والتعليل، إلى أبي حنيفة وأصحابه الذين يعرفون باسم "مدرسة الرأي" في تاريخ الفقه الإسلامي.

  3. #3

    افتراضي

    ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن هارون ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏حريز ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي ‏ ‏عن ‏ ‏المقدام بن معدي كرب الكندي ‏ ‏قال ‏
    ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه لا يوشك رجل ‏ ‏ينثني ‏ ‏شبعانا على ‏ ‏أريكته ‏ ‏يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ‏ ‏ناب من السباع ألا ولا ‏ ‏لقطة ‏ ‏من مال ‏ ‏معاهد ‏ ‏إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن ‏ ‏يقروهم ‏ ‏فإن لم ‏ ‏يقروهم ‏ ‏فلهم أن ‏ ‏يعقبوهم ‏ ‏بمثل ‏ ‏قراهم ‏ مسند أحمد

    لقد حفظ الله تعالى السنة مع القرآن فالذي نقل لنا القرآن هم الصحابة الذين نقلوا لنا الحديث الشريف و قد استدل أئمة المحدثين و الاصوليين كالشافعي و الصنعاني و غيرهما قد استدلوا على حفظ الله تعالى لحديث نبيه صلى الله عليه وسلم من الضياع بقوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون) الحجر 9
    ووجه الإستدلال في هذه الآية أن الذكر لفظ عام يشمل نوعين من الوحي و هما الوحي المتلو و هو القرآن الكريم و الوحي غير المتلو و هو الحديث النبوي كما قال تعالى ( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) النجم 3-4 و كما قال صلى الله عليه وسلم ( أوتيت القرآن و مثله معه ) يعني السنة و الحق أن الله تعالى حفظ حديث نبيه صلى الله عيه وسلم كما حفظ كلامه سبحانه حفظه بأن سخر علماء الإسلام الذين عملوا وبذلوا الجهد و افنوا اعمارهم في حفظ الحديث و تمحيصه فوضعوا علم مصطلح الحديث الذي يمثل أدق منهج علمي عرف في تاريخ العلوم الإنسانية على الإطلاق وبقواعده سبروا منهج روايات السنن أسانيد ومتونا و ميزوا الصحيح من السقيم كما عرفوا الأحفظ فالأحفظ من الرواة فكانت الراواية و الدراية تسيران جنبا الي جنب وكما يقال
    الحق ما شهد به الأعداء وهذا ما شهد به أهل الإنصاف من غير المسلمين حتى قال " مرجليوث " : " ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم "
    بذل المحدثون جهوداً مضنية في مقاومة الوضع والافتراء على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من ثمار هذه الجهود نشوء مصطلح الحديث وعلومه التي وضعت القواعد والأصول لتصحيح الأخبار ونقدها نقداً علمياً ، حتى عُدّت هذه القواعد من أصح قواعد البحث العلمي المتعلق بتوثيق الأخبار والنصوص ، وهي ميزة لا توجد في تراث أي أمة من أمم الأرض كلها ، بل حتى ولا في كتبهم المقدسة .إن منهج النقد عند المحدثين يعد بحق مفخرة من مفاخر هذه الأمة من جهة السبق أولا ، ومن جهة الشمولية والموضوعية ودقة النتائج ثانياً ، وهذا ما شهد به أهل الإنصاف من غير المسلمين حتى قال " مرجليوث " : " ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم " ، وقد ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية وهو كتاب مصطلح التاريخ لمؤلفه النصراني " أسد رستم " ، اعتمد فيه على قواعد علم الحديث ، واعترف بأنها طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات ، وقال بعد أن ذكر وجوب التحقق من عدالة الراوي ، والأمانة في خبره : " ومما يذكر مع فريد الإعجاب والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في هذا الباب ، وإليك بعض ما جاء في مصنفاتهم نورده بحرفه وحذافيره تنويهاً بتدقيقهم العلمي ، اعترافاً بفضلهم على التاريخ " ثم أخذ ينقل نصوصاً عن بعض أئمة هذا الشأن .

  4. #4

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قتيبة مشاهدة المشاركة
    حفظ الله السنة النبوية / من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية

    ----------------------------------

    الاعتقاد في حفظ السنة.. من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية
    أ. د. جعفر شيخ إدريس


    إن قوة الإسلام التي ما تزال سبباً في سرعة انتشاره وإقبال رواد الحق إليه، إنما هي في قوة الحق الهادي الذي يرونه بادياً على محياه. وهو حق يتضافر على إبرازه الوحيان: كتاب الله المنزل وسنة رسوله المبينة، ولا بقاء له بأحدهما دون الآخر. ففتنة التشكيك في السنة مقصد عظيم من مقاصد الذين يسعون جاهدين لتقويض هذا الدين وإيقاف احتلاله لقلوب كانت تعشش فيها معتقدات باطلة وهرطقات فارغة. لكن المؤسف أن الأدوات التي تستخدم لنشر هذه الفتنة هي ألسنة وعقول إسلامية قد تكون حسنة النوايا. ولذلك فإنها تلجأ في نشر فتنتها إلى استعمال حجج دينية. فالسنة المحمدية تُنكر تارة بدعوى أنه لا حاجة إليها مع وجود القرآن الكريم، وتارة بدعوى أن كثيراً من الأحاديث ـ حتى ما شهد له جهابذة العلماء بصحة السند ـ يتنافى مع ما تقرره بعض آيات القرآن الكريم، أو ما يقتضيه العقل السليم، وتارة بأن الله ـ تعالى ـ إنما تكفل بحفظ القرآن الكريم ولم يَعِدْ بتكفله بحفظ السنة المطهرة. وحديثنا في هذا المقال منحصر في هذه الدعوى الأخيرة؛ لأن أصحابها يقولون إنهم ليسوا ممن ينكر السنة، وإنما هم من الذين يشكون في ثبوتها كلها. ولذلك فإنهم يعطون أنفسهم حق النظر فيها والحكم عليها بأهوائهم (لا أقول بعقولهم)، فما رأوه موافقاً للكتاب قبلوه، وما رأوه مخالفاً له أنكروه مهما كانت قوة سنده، وسواء كان في الصحيحين أو في غيرهما.

    نقول لهؤلاء وغيرهم: إن على كل من يؤمن بأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، وأنه مرسل إلى الناس كافة إلى قيام الساعة، أن يعلم أن من لوازم هذا الإيمان الاعتقاد في حفظ السنة. عليه أن يعتقد هذا سواء علم كيف حفظت أو لم يعلم، وسواء كان من العلماء أو من العامة. لماذا؟
    يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
    ومع أن المعنى الشائع لكلمة الذكر في هذه الآية أنه القرآن الكريم؛ فقد قال بعض العلماء إنها تشمل السنة أيضاً. والذي أريد بيانه هنا أنه حتى لو لم تكن كلمة الذكر شاملة للسنة، إلا أنها تستلزمها.
    كيف؟ إن كلمة الذكر تدل على أن المحفوظ ليس مجرد كلمات أو نصوص يمكن أن تبقى مصونة في متحف من المتاحف الأثرية؛ وذلك لأن حفظ الذكر يقتضي فهم المعنى؛ لأن الكلام لا يكون ذكراً إلا إذا فُهم. وهل يفهم القرآن الكريم حتى فهماً أولياً إلا إذا عرفت لغته. وقد قال ـ تعالى ـ: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]. {إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
    فالقرآن إذن لا يُعقل معناه ولا يُفهم إلا إذا فهمت اللغة العربية؛ فحفظه يستلزم حفظها. وهذا هو الذي حدث بحمد الله تعالى وفضله. فاللغة العربية حُفظت كما لم تحفظ لغة غيرها، فما زالت الملايين من الناس تتحدث بها وتكتب، وما زالوا يتذوقون أدبها، وما زال التعمق فيها أمرا ميسوراً. وقد استخدم الله ـ تعالى ـ لهذا الحفظ رجالاً حباهم بجمع ألفاظها، وحفظ نحوها وصرفها، وجمع شعرها ونثرها. لكن الكتاب المحفوظ نفسه كان أهم سبب في حفظها لقراءة المؤمنين المستمرة له ودراستهم لتفسيره وتمعنهم في بلاغته وإعجازه.
    وقال الله ـ سبحانه وتعالى ـ مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
    ولحكمةٍ ما استعمل الله كلمة الذكر هنا كما استعملها في الآية الكريمة التي هي موضع دراستنا. فكما أن الذكر لا يُفهم إلا بفهم لغته، فإنه لا يتبين إلا ببيان الرسول له؛ فحفظ الذكر يستلزم لا جرم حفظ بيانه.
    إن واحداً من عامة عقلاء البشر لا يكتب كتاباً يقول إنه لا يُفهم فهماً كاملاً إلا بالحواشي المصاحبة له، ثم ينشر الكتاب من غير تلك الحواشي. فكيف يُظن بالحكيم العليم أن يرسل رسولاً تكون مهمته أن يبين كتابه، ثم يحفظ الكتاب ولا يحفظ ذلك البيان؟
    والله ـ سبحانه وتعالى ـ يشير في أكثر من أربعين موضعاً في كتابه إلى سنَّة رسوله، فيأمر باتباعه وعدم تقديم كلام بشر على كلامه، ويبين ضرورة هذا الاتباع وفضله، وأنه أمر يقتضيه حب المؤمن لربه، ويحذر ـ سبحانه ـ من مخالفة هذه السنة. يذكر كل هذا في مثل قوله ـ سبحانه ـ: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] .
    {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
    { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].
    {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
    هل يتصور عاقل يقدر ربه حق قدره أن يشير في أمثال هذه الآيات إلى معدوم بالنسبة لمن هم في عصورنا هذه المتأخرة؟
    كيف يكون الناس في عهده -صلى الله عليه وسلم- بحاجة إلى سنته وهم الذين نزل القرآن الكريم بلغتهم، ولا نكون نحن بحاجة إليها؟
    كيف يشير إلى معدوم بالنسبة لنا وقد أرسل رسوله -صلى الله عليه وسلم- للناس كافة إلى قيام الساعة وجعله خاتما لأنبيائه؟
    وإذا كان ـ سبحانه وتعالى ـ يعلم أن حاجتنا إليها عظيمة؛ فكيف يتصور أن لا يحفظها لنا وينعم علينا بهدايتها كما أنعم على الذين من قبلنا؟
    إن القول بعدم حفظ السنة له خبيء من أبطل الباطل هو أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- إنما أرسل لمعاصريه. وخبيء آخر هو أن الكفار كانوا محقين في إنكارهم لإرسال الرسل وفي زعمهم بأن كل واحد منهم مؤهل لأن يؤتى مثل ما أوتي رسل الله.
    بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً } [المدثر: 52]
    كيف يشك إنسان في حفظ السنة ثم يشهد بلسانه بأن محمداً رسول الله؟ ما ذا تعني هذه الشهادة بالنسبة له؟ إنه لا فرق في واقع الأمر بين إنكار السنة وإنكار حفظها؛ فكلا الأمرين يؤدي إلى عدم الاهتداء بها.
    والاعتقاد في حفظ السنة من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية؛ لأن المؤمن بهذه الرسالة يسأل الله ـ تعالى ـ في كل ركعة من ركعات صلاته الواجبة والنافلة في كل يوم أن يهديه إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. ومن ذا الذي يدخل في من أنعم الله عليهم إن لم يدخل فيهم جهابذة العلماء الفضلاء الأتقياء الذين أفنوا أعمارهم في جمع السنة وحفظها وتفتيشها ودراستها والعمل بها؟ كيف يدعو إنسان ربه أن يهديه إلى صراط الذين أنعم الله عليهم، ثم يعرض عن علماء السنة هؤلاء أو يتعالى عليهم ظاناً أنه أعلم منهم أو أعقل أو أذكى أو أحرص على دين الله؟ كلاَّ؛ بل إن المؤمن الصادق ليقول لنفسه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90].
    إنه لا بديل عن سلوك صراط هؤلاء إلا سلوك طريق المغضوب عليهم من الذين عرفوا الحق وأنكروه، أو سلوك طريق الضالين الذين عبدوا الله بأهوائهم وتخرصاتهم، فلم يكونوا من الذين هداهم الله ولا من أولي الألباب.
    وإنه لمن تمام حفظ الذكر العظيم أن يكون بين المسلمين دائماً علماء يستهدون بهداهم في معرفة هذا الذكر، ويسالونهم ويستفتونهم. وإنه لمن أعظم ما يتميز به هؤلاء العلماء الهداة هو معرفة سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"[1].
    إن بداية عموم الضلال أن يذهب من على وجه الارض أمثال هؤلاء العلماء، فيذهب بذهابهم العلم بكتاب الله ـ تعالى ـ مع وجود نصوصه:"إن الله ـ تعالى ـ لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا"[2].
    وحين يحدث هذا لا تبقى من فائدة في وجود النص القرآني؛ لأنه لا يكون آنذاك ذِكْراً؛ ولهذا فإن الله ـ تعالى ـ يرفعه إليه، ثم يأذن بقيام الساعة.


    ---------------------------------

    [1] البخاري، حديث 3368، ومسلم، حديث 3544

    [2] البخاري، حديث 98.


    أنا لا اريد ان اناقشكم في معنى الذكر انه يتضمن السنة

    ماذا تعني هذه الجمل

    أن يعلم أن من لوازم هذا الإيمان الاعتقاد في حفظ السنة


    فكيف يُظن بالحكيم العليم أن يرسل رسولاً تكون مهمته أن يبين كتابه، ثم يحفظ الكتاب ولا يحفظ ذلك البيان؟


    كلمات ليس لها أساس من الصحة

    من اين لكم الحق ان تلزموا الناس


    ثم ما ذا تفهمون من اهذه الاية

    وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم

    ماهو البيان والتبيين

    وكيف يكون القران الكريم مبين

    {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }يس69


    وكيف يكون الكتاب مبين

    {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ }الزخرف2


    وكيف يكون الشيطان عدو مبين


    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة168

    وما هو الضلال المبين

    {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }الأنعام74


    وماهو اللسان المبين

    {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }الشعراء195


    وكيف يكون الرسول مبين

    {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ }الزخرف29

    {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ }الدخان13

    وماذا عن البلاء

    {وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ }الدخان33

    وانور المبين

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174


    ثم كيف تكون ايات الله بينات

    {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ }البقرة99

    {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159


    {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185


    {فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة209



    {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }آل عمران86


    {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }الحج16


    وكيف تكون ايات الله ميبنات

    {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }النور34

    {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }النور46

    {رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً }الطلاق11

    هذه بعض الايات للاستشهاد



    قوله سبحانه وتعالى ( ... وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ... )


    إن قوله سبحانه وتعالى ( ... وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ... ) يعني أنا أنزلنا إليك القرآن لتظهره للناس ، بتلاوته عليهم فيسمعونه ، وذلك هو التبيان المذكور في الآية ، وهذا ما سنوضحه أكثر بإذن
    الله .
    إن التبيان المذكور في الآية هو الإظهار الذي عكسه الكتمان ، فعندما يصبح الكتاب عند أي شخص ، سواء كان نبيا أو غير نبي فعليه تبيانه للناس أي بمعنى الإظهار ، وهذه قاعدة عامة في كل من يحمل الكتاب ، فكل من يصبح حاملا للكتاب تنطبق عليه هذه القاعدة ، فعليه أن يبين للناس ما نزل إليهم ، أي يظهر لهم ما أنزل الله عليهم ، والأنبياء هم الأوائل ثم يتبعهم العلماء في ذلك ، ولننظر سويا ماذا قال الله للعلماء ، يقول الله سبحانه( ... إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ... ) أنظر إلى قوله في الآخر ( ... إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ... ) وانظر إلى الكلمة الأخيرة ( وبينوا ) فهؤلاء العلماء لعنوا لماذا ؟ ورفعت عنهم اللعنة لماذا ؟ لعنوا لأنهم يحملون الكتاب وكتموا ما أنزل الله فيه ، وذلك قوله ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) ويرفع عنهم هذا اللعن عندما يقلعون عن الكتمان ويقومون بعكسه أي تبيانه بمعنى إظهاره ، وذلك قوله ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ) وانظر إلى كلمة ( وبينوا ) والتي هي عكس فعلهم السابق والذي ذكره الله بقوله
    ( يكتمون ) فالتبيان في كل من يحمل الكتاب هو الإظهار الذي عكسه الكتمان ، وإليك ما قاله في موطن آخر لعلماء أهل الكتاب وهو نفس ما قيل سابقا ، يقول الرحمان ( ... وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا ... ) فانظر إلى التبيان المذكور في الآية بقوله ( لتبيننه للناس ) وانظر إلى شرح الكلمة في قوله ( ولا تكتمونه ) إذن فالتبيان في من يحمل الكتاب هو عدم الكتمان ، أي الإظهار .

    ــ إن الكتاب هو في حد ذاته مبين ، ومن ذلك قوله سبحانه ( حم والكتاب المبين .. ) فالكتاب مبين يعني بين في ما يريده الله من عباده ، كقوله في إبليس ( ... إن الشيطان للإنسان عدو مبين ... ) أي بين في عداوته وقد أعلن ذلك ، أو كقول إبراهيم لأبيه ( ... إني أراك في ضلال مبين ... ) أي بين الضلالة ، وكذلك قوله سبحانه عن القرآن أنه مبين يعني أنه يبين كل ما يريده الله من عباده من تشريع وغيره ، والكتاب هذا يحمل آيات تبين للناس الطريق الذي يرضاه الله ، فالآيات هي في حد ذاتها بينات كقوله سبحانه (... ولقد أنزلنا إليك آيات بينات .. ) فهي بينات أي تبين ما يريده الله منا من تشريع ، فهي مبينات للتشريع كقوله ( ... لقد أنزلنا آيات مبينات ..) فقوله ( مبينات ) يعني تقوم بوظيفة التبيان ، فالكتاب هو الذي يوجد فيه التبيان للتشريع ، وليس بأن يصنع تشريع ثم يقال للناس هذا هو التبيان ، فالتبيان ما بينه الله للناس في الكتاب ، وليس خارج الكتاب ، وإليك ما يقوله الله وقد تكلم عن هذه النقطة بالذات وبينها ، وكما قلنا أنه أنزل كتابا مبينا ، فقد أنزل تبيانا لهذه النقطة أيضا ، يقول سبحانه ( ... إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ... ) أنظر لهذه الآية جيدا ، وانتبه لما ذكره الله فيها ، وانظر لقوله ( من بعد ما بيناه للناس ) فأين بينه الله للناس ، والجواب يأتينا في الآية : والله يقول لنا
    ( في الكتاب ) أنظر جيدا للآية ( من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ) فالله هو الذي يقول لنا بأن التبيان هو في الكتاب ، فماذا تريدون بعد عبارة كهذه ، والله هو الذي يقول ( ... من بعد ما بيناه للناس في الكتاب .. ) فالأمر واضح ، وقد أنزل مرة أخرى يقول نفس الشيء عن التبيان وبتعبير آخر يقول الله فيه ( ... ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ... ) نفس الكلام وبتوضيح أكثر ، إذن فالتبيان هو في الكتاب ، فكل ما يريده الله منا من تشريع فهو في الكتاب


    ثم قال الله سبحانه وتعالى

    وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }الأحقاف1


    َإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }مريم97


    {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }الشعراء195


    {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }الدخان58



    ـ إن الله أنزل الكتاب بلسان قريش ، وهذا من التبيان أيضا ، فعندما يكون الكتاب يتكلم بلسان القوم يصبح واضحا تماما ، وذلك قوله سبحانه ( ... وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين
    لهم ... ) أي نزول الكتاب بلسان القوم يجعله واضحا أمامهم ، وهذا من التبيان ، وكل من ليس له هذا اللسان لا يمكنه التعامل مع القرآن ، وبقدر ما نجهل لسان قريش بقدر ما يصعب فهم الكتاب ، وتعتبر الأمة الإسلامية كلها أعجمية بالنسبة للسان القرآن ، بما فيها أهل مكة والمدينة ، فلا يوجد لسان القرآن في أي مجتمع كان ، وهذا ما يجعل الناس تتعامل مع لغة هم أعجم عنها ، فلا يمكنهم فهم ما يمليه الكتاب ، وحتى اللغة العربية التي يدرسونها في المدارس فهي تقريبية إلى حد ما ، وليست لغة القرآن ، وليست لغة قريش ، لذا فهي تقرب الفهم أحيانا وتبعده أحيانا أخرى بسبب تغيير المصطلحات عبر الزمان والمكان ، فاللغة الوحيدة التي نفهم بها القرآن هي لغة قريش ، والمصدر الوحيد الذي يحمل هذه اللغة دون أدنى شك هو القرآن نفسه ، ويوجد متفرقات للغة الأصل هنا وهناك في الأوطان العربية دون أن ننسى اللغة المدرسية ، وكل هذه المتفرقات بما فيها اللغة المدرسية يجب تصحيحه على المرجع الأصل الذي هو القرآن ، إذن هناك فارق لغوي بين لسان القرآن ولسان الناس ، وهذا يحدث عائقا لفهم الكتاب ، فعلى الناس أولا أن تقترب من لسان الكتاب ، أي أن يبذل كل مسلم أقصى جهد في تعلم لغة القرآن لكي يفهم ما يقول الله ، وهذا أصل أساس في التبيان ، فقوله سبحانه ( ... وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ... ) يثبت ما نقول من أن اللسان له علاقة مباشرة بالتبيان ، فالله أنزل كل الرسالات بلسان أقوامها من أجل هذا الهدف ،
    التعديل الأخير تم 02-26-2008 الساعة 01:14 PM

  5. #5

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samir1968 مشاهدة المشاركة
    أنا لا اريد ان اناقشكم في معنى الذكر انه يتضمن السنة
    مادمت عاجز عن المناقشة كيف تحشر نفسك في امر جاهل فيه

    ماذا تعني هذه الجمل أن يعلم أن من لوازم هذا الإيمان الاعتقاد في حفظ السنة
    نعم انه من لوازم الايمان

    لكن ما الدليل الذي لديك انه ليس من لوازم الايمان

    فكيف يُظن بالحكيم العليم أن يرسل رسولاً تكون مهمته أن يبين كتابه، ثم يحفظ الكتاب ولا يحفظ ذلك البيان؟
    كلمات ليس لها أساس من الصحة
    من اين لكم الحق ان تلزموا الناس
    وانت نوجه لك السؤال اين لك الحق ان تلزم الناس

    و ما هو الدليل الذي لديك انه لم يحفظ بيانه
    ثم ما ذا تفهمون من اهذه الاية

    وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم

    ماهو البيان والتبيين
    استشهد أعداء السنة المطهرة بعدة آيات ورد بعضها في مداخلات أحدهم والبعض في مصنفاتهم و فهموا أن المراد من الكتاب مثلا فى قوله تعالى[مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] القرآن، ولكن مجموع الآيات التي استشهدوا بها ابتداء ونهاية ، يفيد أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ الذى حوى كل شئ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام كما جاء فى الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضى الله عنهما - قال : سمعت رسول الله يقول : "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال : وعرشه على الماء"

    وهذا هو المناسب لذكر هذه الجملة عقب قوله تعالى : [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ] والمثلية فى الآية ترشح هذا المعنى؛ لأن القرآن الكريم لم ينظم للطير حياة كما نظمها للبشر، وإنما الذى حوى كل شئ للطير والبشر، وتضمن ابتداءً ونهاية للجميع هو اللوح المحفوظ يقول الحافظ ابن كثير : أى الجميع علمهم عند الله، لا ينسى واحداً من جميعها، من رزقه وتدبيره سواء كان برياً أو بحرياً؛ كقوله تعالى: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] أى مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها" والآية نظير قوله تعالى : [ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] وقوله تعالى : [عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]

    وعلى هذا الأساس، ففهم أن المراد بالكتاب فى قوله تعالى : [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] هو القرآن غير دقيق، ويأباه السياق العام للآية وربطها بما قبلها، وبغيرها من الآيات التى فى معناها وسبق ذكرها

    ومن المعلوم بداهة أن الكلمة فى اللغة العربية يكون لها أكثر من معنى، ويتحدد المعنى المراد منها من خلال سياق الكلام الذى وردت فيه، وكلمة "الكتاب" تجئ فى القرآن بمعنى الفرض، والحكم، والقدر فبمعنى القدر قوله تعالى : [وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا]

    يقول الحافظ ابن كثير : أى لا يموت أحد إلا بقدر الله، وحتى يستوفى المدة التى ضربها الله له، ولهذا قال تعالى : [كتاباً مؤجلاً] وكقوله تعالى[وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَاب] وكقوله تعالى : [الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ]

    وبمعنى الفرض قوله تعالى : [الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا] قال ابن عباس أى مفروضاً، والكتاب يأتى فى القرآن الكريم تارة مراداً به اللوح المحفوظ كما سبق وأن بينا، وتارة أخرى يأتى مراداً به القرآن الكريم كما فى قوله تعالى : [الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد ] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة

    ومع هذا فنحن نسلم لكم أن المراد من الكتاب "القرآن"، ولكننا نقول لكم : إن هذا العموم غير تام، بل هو مخصص بقول الله تعالى :[وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ] والذى يجعلنا نذهب إلى تخصيص هذا العام أمران :
    1- لتتفق آيات القرآن ولا تتعارض فى ظاهرها؛ فإن القرآن ملئ بالآيات التى فوض الله نبيه فى شرح أحكامها
    2- إن كثيراً من الأمور الجزئية فى حياة المجتمع تحتاج إلى حكم، وليس فى القرآن إلا قواعده الكلية العامة وعلى هذا فلا بأس أن يكون الكتاب فى الآية الكريمة هو القرآن الكريم

    ونقول لكم : نعم لم يفرط ربنا فى كتابه فى شئ من أمور الدين على سبيل الإجمال، ومن بين ما لم يفرط فى بيانه وتفصيله إجمالاً بيان حجية السنة وجوب اتباعها والرجوع والتحاكم إليها؛ فالقرآن جامع - دون تفريط - كل القواعد الكبرى للشريعة التى تنظم للناس شئون دينهم ودنياهم، والسنة النبوية هى المبينة لجزئياتها وتفاصيلها وهى المنيرة للناس طريق الحياة، وتنسجم هذه الآية مع الآيات الأخرى التى تؤكد بالنص أهمية السنة تجاه ما فى الكتاب من القواعد التى تحتاج إلى تخصيص أو تقييد أو توضيح أو تبيين ... إلخ

    وهنا نأتى للرد على الآيات الأخرى التى استدلوا بها على أن القرآن أنزل مفصلاً وتبياناً لكل شئ، فلا يحتاج بعد هذا البيان إلى السنة المطهرة أما قوله تعالى : [وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا] وقوله تعالى : ٍوَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]

    فالمراد بالتفصيل والبيان هنا : تفصيل وبيان كل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها؛ فالبيان فيها راجع إلى السنة النبوية قال تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] فقاعدة وجوب اتباع الرسول والتحاكم إلى سنته المطهرة من القواعد الكلية المجملة لهذا الدين، وفصلها ربنا فى كتابه العزيز كما فى الآية السابقة وقوله تعالى : [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى[ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]عن ابن مسعود قال : قد بين لنا فى هذا القرآن كل علم وكل شئ وقال مجاهد : كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتى، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال الأوزاعى : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أى بالسنة

    ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعى - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالى الشامل، والأوزاعى يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالى

    ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيانٌ لكل شئ قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالى السابق ولكن الفساد فيما بنوه عليه من الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل وقبل هذه الآية قال تعالى : [وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(38)لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ]

    وقال تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] وقال تعالى :[أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل وسابقة لآية[وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] والثلاث آيات تسند صراحة مهمة البيان والتفصيل إلى النبى صاحب السنة المطهرة، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة - البيان، التى هى من مهام الرسل جميعاً كما قال [أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ] وقال : [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ] ويوقع التناقض بآية [الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]

    إن كل الرافضين لحجية السنة، لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التى تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقروا بلسانهم بهذا النقض أم لا، وتنبهوا إلى ذلك أم لا؟!!

    ويجدر بنا أن نشير إلى نصوص لبعض العلماء تؤكد الذى قلناه فى معنى البيان الوارد فى الآية التى استشهدوا بها يقول الإمام الشاطبي: "تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئى، وحيث جاء جزئياً فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبى ويدل على هذا المعنى - بعد الاستقراء المعتبر - أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب كما سيأتى شرحه إن شاء الله تعالى
    وقد قال الله تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ] وإذا كان الأمر كذلك فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كليات لأن الشريعة تمت بتمام نزوله؛ لقوله تعالى :[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة، وكذا تفاصيل الشريعة من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود، وغير ذلك

    فعلى هذا لا ينبغى فى الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور كلية كما فى شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص عن النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربى لمن حصله يكفى فيما أعوز من ذلك،فبيان الرسول بيان صحيح لا إشكال فى صحته؛لأنه لذلك بعث،قال تعالى: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]ولا خلاف فى هذا البيان النبوى

    ويقول الدكتور إبراهيم محمد الخولى : "التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى قال تعالى :[يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ]، و"التبيين" و "التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن العظيم" عبر عنه فى آية "التبليغ" بهذا اللفظ : "ما أنزل إليك" وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف : "ما نزل إليهم" وبينهما فروق لها دلالتها، مردها إلى الفروق بين الوظيفتين "فالتبليغ" تأدية النص؛ تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير …
    و "التبيين" إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح
    و "التبليغ" مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير : "وأنزلنا إليك" حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبي ، المخاطب

    و "التبيين" : مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به، وبُلَّغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً

    ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "ونزل إليهم" … حيث عدى الفعل "نزل" بـ (إلى) مضافاً إلى الضمير "هم" … أى الناس، وعُدِّى الفعل "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه، وهى توحى بقوة أن رسول الله ، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين، ولعمرى إنه لكذلك…، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى فى نفسه "البيان" و "المبين" معاً، وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين : وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء …، واختلاف الناس فى فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ واختلافهم فى فهم درجات الإصابة، ودركات الخطأ … برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم، ينهض به إمام الموقعين عن رب العالمين

    ويقول الإمام الشافعى : "والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع : فجماع ما أبان الله لخلقه فى كتابه، مما تعبدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه :
    1- منها ما أبانه لخلقه نصاً مثل إجمال فرائضه فى أن عليهم صلاة، وزكاة، وحجاً، وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا، والخمر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء،مع غير ذلك مما بين نصاً "إجمالياً"
    2- ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من فرائضه التى أنزلها فى كتابه عز وجل
    3- ومنها ما سن رسول الله مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله فى كتابه طاعة رسوله ، والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل

    مما سبق من قول الإمامين الشاطبى والشافعى يتأكد ما ذكرناه فى أن المراد من معنى البيان والتفصيل الوارد فى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة المطهرة؛ بيان وتفصيل القرآن لكل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، ومن بين تلك القواعد التى فصلها وبينها ربنا عز وجل؛ وجوب اتباع نبيه، والتحاكم إلى سنته المطهرة، ففى تلك السنة المطهرة إيضاح هذه القواعد وتفصيلها، فجاءت السنة موافقة ومؤكدة للقرآن، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، ومفصله لمجمله، وموضحة لمشكله، ومستقلة بتشريع أحكام دون سابق ذكر لها فى كتاب الله كما سيأتى مفصلاً فى المبحث الثالث

    يقول الإمام الشاطبى : "القرآن فيه بيان كل شئ على ذلك الترتيب المتقدم؛ فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ولا يعوزه منها شئ؛ فهو أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية، والتى منها السنة النبوية، فهى حاصلة فيه فى الجملة، والدليل على ذلك أمور :
    1- منها : النصوص القرآنية، كقوله تعالى : [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] وقوله تعالى : [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] وقوله تعالى : [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] وقوله تعالى: [إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما فى الصدور،ولا يكون شفاء لجميع ما فى الصدور إلا وفيه تبيان كل شئ

    2- ومنها : ما جاء فى الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك كقوله : "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله" وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : لما حضر رسول الله - وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب؛ فقال النبى : "هَلْمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده" فقال عمر : إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، وأشباه هذا مما روى مرفوعاً وموقوفاً بالاقتصار على القرآن فقط

    يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - الاقتصار على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهم؛ ولأن فيه تبيان كل شئ إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبى به لقوله تعالى : [ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ]

    وكلام الحافظ ابن حجر السابق نقله مبتوراً جمال البنا في أحد مؤلفاته فقال : "التمسك بالقرآن والعمل بمقتضاه إشارة إلى قوله : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله" وترك جمال البنا، بيان أن العمل بالقرآن الكريم يقتضى العمل بالسنة المطهرة كما صرح ابن حجر

    وهذا ما فعله أيضاً الدكتور أحمد صبحى منصور فى كتابه "حد الردة" نقل كلام الحافظ بن حجر الذى نقلناه، وبتر منه لفظة النبى فصارت العبارة : "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به" اهـ …

    وفى هذا الجواب الأخير تعلم الجواب عن باقى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة على الاكتفاء بالقرآن، وعدم حجية السنة، للاقتصار على ذكر القرآن فقط، والوصية به كقوله تعالى:[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] وقوله تعالى:[وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّك ] وقوله تعالى : [وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ] وقوله تعالى :[أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ] وقوله تعالى [وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ] وأشباه هذه الآيات الكريمة التى ورد الاقتصار فيها على الوصية بكتاب الله، وما ذلك إلا كما علمنا، أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه فى الشرائع والأحكام واتباعه، والعمل بما فيه عمل بالسنة النبوية المستمدة حجيتها ومصدرتيها التشريعية منه فهى من الوحى الغير متلو، والوحى ذكر، والذكر محفوظ بنص القرآن فى قوله تعالى : [نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] وهذا ما أنكره أعداء السنة ومنهم عبد الجبار وجوابنا عنهم كالتالي :

    مما لا شك فيه أن منشأ هذه الشبهة فى كلمة (الذكر) حيث اقتصر فهم المنكرين لحجية السنة المطهرة على أن المراد بكلمة الذكر فى الآية هو "القرآن الكريم" وحده دون السنة، وأن الضمير فى قوله تعالى "لـه" عائد على القرآن، وأن الآية فيها حصر بتقديم الجار والمجرور وهذا الحصر يفيد عندهم قصر الحفظ على القرآن وحده دون ما عداه

    ونقول رداً على ذلك : إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله ، ويدل على ذلك الكتاب الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، والعقل، والتاريخ

    أولاً : أما الدليل من كتاب الله على تكفل الله بحفظ السنة كما تكفل بحفظ كتابه الكريم :
    1- قوله تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ]، يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد السيد ندا فى الآية الكريمة إخبار من الله تعالى : بأن السنة مبينة للقرآن، وقد تكفل الله بحفظه فى قوله تعالى : [نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] فيلزم من هذا أن يكون قد تكفل أيضاً بحفظ السنة؛ لأن حفظ المبين يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما
    2- وقال تعالى : [عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ] فإنه نص صريح يدل على أن الله قد تكفل بحفظ السنة على وجه الأصالة والاستقلال لا على طريق اللزوم والتتبع؛ لأنه تكفل فيه ببيان القرآن فى قوله تعالى : [ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ] أى بيان القرآن، والبيان كما يكون للنبى يكون لأمته من بعده وهو يكون للنبى بالإيحاء به إليه ليبلغه للناس، وهو المراد فى الآية السابقة : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] وقوله تعالى : [أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] فالسنة النبوية على هذا منزلة من عند الله تعالى (بوحى غير متلو) وفى هذا رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور؛ بأن البيان للذكر لم ينزل مع الذكر (القرآن) وإلا لكان النص على نحو : "وأنزلنا إليك الذكر وبيانه" ويكون البيان للأمة من بعده بحفظ السنة التى بلغهم النبى إياها

    ولو شغب مشاغب بأن هذا الخطاب:"عَلَيْنَا بَيَانَهُ" متوجه إلى الله فقط دون الأمة وإلا قال تعالى:"عليكم بيانه" لما أمكنه هذا الشغب فى قوله تعالى : [عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ] فمن الذى جمع القرآن الكريم؟! الله بذاته المقدسة؟ أم قيض لذلك رجالاً من خلقه وعلى رأسهم من أنزل عليه وصحابته الكرام فمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؟!

    فإن أجاب بالأولى، استغنى بجهله هذا عن مناظرته، وإن أجاب الثانية؛ بطل قوله بأن بيان الكتاب متوجه إلى الله فى كتابه فقط وليس إلى نبيه وإلى الأمة من بعده وفى ذلك رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور بأن حفظ الرجال للسنة يجعلهم يتساوون مع الله فى القدرة بحفظه كتابه ، فتستوى بذلك قدرة الله وقدرة المخلوقين

    يقول فضيلة الدكتور محمد السيد ندا : "فهذان دليلان على أن الله تكفل بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن، وتحقيقاً لهذا الوعد الكريم من الله هيأ الأسباب لحفظها، والذود عن حياضها؛ فأثار فى نفوس المسلمين عوامل المحافظة عليها، والدفاع عنها؛ فكانت موضع اهتمامهم ومحل تقديرهم ورعايتهم منذ أن أشرقت شمسها إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
    3- ويذكر الإمام ابن حزم دليلاً ثالثاً من كتاب الله على تكفله جل علاه بحفظ السنة فى قوله تعالى : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا]

    يقول الإمام ابن حزم : "هذه الآية الكريمة جامعة لجميع الشرائع أولها عن آخرها، وذكرت أصولاً ثلاثة وهى قوله تعالى : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ] فهذا أصل وهو القرآن،ثم قال تعالى:[وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ] فهذا ثان وهو الخبر عن رسول الله ، ثم قال تعالى:[وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ] فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله حكمه، وصح لنا بنص القرآن، أن الأخبار هى أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع، قال تعالى : [فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] والبرهان على أن المراد بهذا الرد؛ إنما هو إلى القرآن،والخبر عن رسول الله ؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا، وإلى كل من يخلق ويركب روحه فى جسده إلى يوم القيامة من الجنة والناس؛ كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق، وقد علمنا علم ضرورة أنه لا سبيل لنا إلى رسول الله وحتى لو شغب مشاغب بأن هذا الخطاب إنما هو متوجه إلى من يمكنه لقاء رسول الله ، لما أمكنه هذا الشغب فى الله ، إذ لا سبيل لأحد إلى مكالمته تعالى؛ فبطل هذا الظن، وصح أن المراد بالرد المذكور فى الآية التى نصصنا إنما هو إلى كلام الله تعالى، وهو القرآن وإلى كلام نبيه المنقول على مرور الدهر إلينا جيلاً بعد جيل، وأيضاً فليس فى الآية المذكورة ذكر للقاء ولا مشافهة أصلاً، ولا دليل عليه، وإنما فيه الأمر بالرد فقط، ومعلوم بالضرورة؛ أن هذا الرد إنما هو تحكيم أوامر الله تعالى وأوامر رسوله دون تكلف تأويل ولا مخالفة ظاهر

    والقرآن والخبر الصحيح بعض من بعض وهما شئ واحد فى أنهما من عند الله تعالى، وحكمها حكم واحد فى باب وجوب الطاعة لهما للآية المذكورة وقوله تعالى : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ(20)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ]

    وكلام النبى كله وحى لقوله تعالى : [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] والوحى ذكر بإجماع الأمة كلها، والذكر محفوظ بالنص قال تعالى : [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]فصح أن كلام رسول الله كله فى الدين وحى من عند الله ؛ لا شك فى ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة فى أن كل وحى نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل فالوحى كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون ألا يضيع منه، وألا يحرفٍ منه شئ، أبداً تحريفاً لا يتأتى البيان ببطلانه، إذ لو جاز غير ذلك؛ لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً، وهذا لا يخطر ببال ذى مسكة عقل، فوجب أن الدين الذى أتانا به محمد عليه الصلاة والسلام محفوظ بتولى الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتى أبداً إلى انقضاء الدنيا قال تعالى : [لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ] فإذا كان ذلك كذلك؛ فبالضرورى نتيقن أنه لا سبيل ألبته إلى ضياع شئ قاله رسول الله فى الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز عند أحد من الناس بيقين، إذ لو جاز ذلك؛ لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله تعالى:[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون] كذباً ووعداً مخلفاً،وهذا لا يقوله مسلم

    فإن قال قائل : "إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده، فهو الذى ضمن تعالى حفظه دون سائر الوحى الذى ليس قرآناً قلنا له وبالله تعالى التوفيق : "هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى : [قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] فصح أنه لا برهان له على دعواه، فليس بصادق فيها، والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه من قرآن أو من سنة وحياً يبين بها القرآن، وأيضاً فإن الله تعالى يقول : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] فصح أنه عليه الصلاة والسلام مأمور ببيان القرآن للناس

    وفى القرآن مجمل كثير؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، ولكن بين لنا رسول الله ، فإذا كان بيانه – عليه الصلاة والسلام – لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه؛ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها، وما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب، ومعاذ الله من هذا

    4- ويذكر الإمام ابن قيم الجوزية : دليلاً رابعاً من كتاب الله على تكفله -جل جلاله- بحفظ السنة فى قوله تعالى : [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا]وقال تعالى : [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ] وقال تعالى : [الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ]
    يقول ابن قيم الجوزية : فنقول لمن جوز أن يكون ما أمر الله به نبيه من بيان شرائع الإسلام غير محفوظ، وأنه يجوز فيه، التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطاً لا يتميز أبداً، أخبرونا عن إكمال الله تعالى لنا ديننا، ورضاه الإسلام لنا ديناً، ومنعه من قبول كل دين سوى الإسلام أكل ذلك باق علينا ولنا وإلى يوم القيامة؟ أم إنما كان ذلك للصحابة فقط؟ أولا للصحابة ولا لنا؟ ولابد من أحد هذه الوجوه

    فإن قالوا : لا للصحابة ولا لنا؛ كان قائل هذا القول كافراً لتكذيبه الله جهاراً، وهذا لا يقوله مسلم0 وإن قالوا : بل كل ذلك لنا وعلينا وإلى يوم القيامة؛ صاروا إلى قولنا ضرورةً، وصح أن شرائع الإسلام كلها كاملة والنعمة بذلك علينا تامة
    وهذا برهان ضرورى وقاطع على أن كل ما قاله رسول الله فى الدين، وفى بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به ما ليس منه أبداً

    وإن قالوا : بل كان ذلك للصحابة فقط، قالوا : الباطل، وخصصوا خطاب الله بدعوى كاذبة، إذ خطابه تعالى بالآيات الكريمة التى ذكرها عموم لكل مسلم فى الأبد، ولزمهم مع هذه العظيمة أن دين الإسلام غير كامل عندنا، والله تعالى رضى لنا منه ما لم يحفظه علينا وألزمنا منه ما لا ندرى أين نجده، وافترض علينا اتباع ما كذبه الزنادقة0 ووضعوه على لسان رسوله ، أو وهم فيه الواهمون مما لم يقله نبيهم - وهذا بيقين ليس هو دين الإسلام، بل هو إبطال لدين الإسلام جهاراً، ولو كان هذا - ومعاذ الله أن يكون - لكان ديننا؛ كدين اليهود والنصارى الذين أخبر الله تعالى أنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا : هذا من عند الله، وما هو من عند الله

    ونحن قد أيقنا بأن الله تعالى هو الصادق فى قوله : [فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وأنه تعالى قد هدانا للحق، فصح يقيناً أن كل ما قاله رسول الله ، هدانا الله تعالى له، وأنه حق مقطوع به حفظه الله تعالى، وقد قال تعالى :[فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا]

    وقال تعالى : [تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ] فلو جاز أن يكون ما نقله الثقات الذين افترض الله علينا قبول نقلهم والعمل به والقول بأنه سنة الله وبيان نبيه يمكن فى شئ منه التحويل أو التبديل؛ لكان إخبار الله تعالى بأنه لا يوجد لها تبديل ولا تحويل كذباً، وهذا لا يجيزه مسلم أصلاً؛ فصح يقيناً لا شك فيه أن كل سنة سنها الله لرسوله، وسنها رسوله لأمته، لا يمكن فى شئ منها تبديل ولا تحويل أبداً، وهذا يوجب أن نقل الثقات فى الدين؛ يوجب العلم بأنه حق كما هو من عند الله ]

    ثانياً : أما الدليل من السنة النبوية الصحيحة على تكفل الله بحفظ سنة نبيه قوله عليه الصلاة والسلام "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" وقوله "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتى، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"

    ففى هذه الأحاديث وغيرها - مما سيأتى غدا يخبر النبى ؛ أن له سنة مطهرة تركها لأمته، وحثهم على التمسك بها، والعض عليها بالنواجذ؛ ففى اتباعها الهداية، وفى تركها الغواية، فلو كانت سنته المطهرة غير محفوظة، أو يمكن أن يلحقها التحريف والتبديل؛ فلا يتميز صحيحها من سقيمها، ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده، فيكون قوله مخالفٌ للواقع، وهذا محال فى حقه فأمره بالتمسك بها، يدل على أنها ستكون محفوظة تأكيداً لقوله تعالى : [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] فدل ذلك على إخبار بالغيب صادق فى الواقع

    ثالثاً : الدليل العقلى على تكفل رب العزة بحفظ سنة نبيه :
    يقول الدكتور رءوف شلبى : "ليس بلازم فى الاحتمالات العقلية أن يكون المراد من الذكر القرآن الكريم وحده، لأمرين :
    1- أنه لو كان المراد من الذكر القرآن الكريم وحده؛ لصرح المولى به باللفظ، كما صرح به فى كثير من الموضوعات كما فى قوله تعالى : [إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] وقوله تعالى : [هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ] وقوله تعالى : [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ]
    2- لو كان المراد بالذكر القرآن لعبر عنه بالضمير إنا نحن نزلناه إذ افتتاح السورة فيه نص وذكر للقرآن[تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُبِينٍ] والتعبير بالضمير فى نظر اللغة أجود؛ لأن العلم فى المرتبة الثانية من الضمير، إذ هو أعرف المعارف، وهو عمل يتفق مع منزلة القرآن، وتعتمده الصناعة الإعرابية

    وإذن : فليس بالحتم أمام فهم العقل أن يكون المراد من الذكر هو القرآن فقط دون غيره، بل إن تفسير الذكر بالقرآن فقط احتمال بعيد فى نظر العقل؛ لعدم وجود مرشح لهذا التفسير يقوى على مواجهة الأمرين السالفين اللذين يقويان بالمنزلة والعرف النحوي

    وإنه لأقرب من هذا التفسير أحد الاحتمالين :
    الأول : أن يكون المراد من الذكر الرسالة والشرف الذى استحقه الرسول واتصف به بنزول النبوة والقرآن عليه، ويقوى عندنا هذا الاحتمال أمام نظر العقل افتتاحة سورة "الحجر" حيث صورت مقالات الكافرين المعتدين على النبوة بأوصاف مفتراه ذكرها رب العزة فى كتابه حكاية على لسانهم[وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6)لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7)مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ(8)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]

    فالآيتان الأوليان تصوران اتهامات الكافرين الكاذبة، والآيتان التاليتان ترد على هذه الاتهامات، وتعد بحفظ الرسالة والشرف الذى نزل على رسول الله

    ويرشح لهذا الاحتمال قوله تعالى : [وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ] فعود الضمير فى الآية "إنـه" على ما ذكر قبلاً فى قوله تعالى : [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ] دليل على أن التصريح به مراد الشرف، لا سيما ومن قبل ذلك قال تعالى : [وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ] فذكر القرآن بالنص أولاً، وذكره بالوحى ثانياً، ووصف ذلك بأنه ذكر للنبى ولقومه، مما يقوى الاحتمال العقلى، أن المراد من الذكر فى سورة الحجر هو الرسالة والشرف

    الثانى : أن يكون المراد من الذكر الشريعة مطلقاً، ويرشح لهذا الاحتمال ما تناولته السورة بعد الآية التى معنا فى ذكر موقف الأمم السابقة مع رسلهم، يقول الله تعالى : [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ]

    والأنبياء يكلفون الأمم بالشرائع، والشريعة : كتاب الله وسنة نبيه ، والذى يستعرض حالات الأمم مع الأنبياء يقف أن محاجاة الكافرين مع الرسل، تدور كلها حول التكليف الذى مصدره ما ينزله الله بالوحى المعبر عنهما بالكتاب والسنة؛ فالسنة ليست من المسائل الخاصة بالنبى ، كما سنبينه فى المبحث الثالث إن شاء الله تعالى

    وتكون الآية التى معنا قد نبهت على أمر خطير : هو أنه إذا كان الأمر فى الأمم السالفة ينتهى إلى إلغاء الشريعة بعد معارك عنيفة بين الرسل وأممهم؛ فإن هذه الشريعة قرآناً وسنة سيحفظها رب العزة إلى قيام الساعة من كيد أعدائه وأعداء دينه كما وعد فى قوله تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]

    وعلى ذلك فإن الذكر فى الآية مراد به الشريعة، ويكون الضمير فى قوله "لـه" عائد على الشريعة بمصدريها الأساسين القرآن الكريم، والسنة المطهرة
    قلت : ومما يرشح لهذا الاحتمال الثانى : تفسير الإمام الشاطبى للحفظ المضمون فى الآية الكريمة؛ بأنه حفظ أصول الشريعة وفروعها فيقول : "من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو ملح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه0 فهذه ثلاثة أقسام :
    القسم الأول : هو الأصل والمعتمد، والذى عليه مدار الطلب، وإليه تنتهى مقاصد الراسخين وذلك ما كان قطيعاً أو راجعاً إلى أصل قطعى والشريعة المباركة المحمدية منزلة على هذا الوجه، ولذلك كانت محفوظة فى أصولها وفروعها؛ كما قال الله تعالى :[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]؛ لأنها ترجع إلى حفظ المقاصد التى بها يكون صلاح الدارين : وهى الضروريات والحاجيات، والتحسينات وما هو مكمل لها ومتمم لأطرافها وهى أصول الشريعة، وقد قام البرهان القطعى على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها، فلا إشكال فى أنها علم أصل، راسخ الأساس، ثابت الأركان

    يقول الدكتور رءوف شلبى : "لكن بقى أن يقال : كيف يعود الضمير على القرآن والسنة معاً، ولم يذكر إلا القرآن وحده؟ ولكننا نجد فى القرآن الكريم نفسه استعمالاً للضمير استناداً على ما يفهم من السياق، و مدلولات الحديث، يشهد لهذا قوله تعالى : [إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا] فتلك صفات الحور العين مع أنه لم يجر لهم ذكر فى قسم أصحاب اليمين فى سورة الواقعة، ولكن السياق العام للسورة وما ذكر فى الأقسام السابقة يجعل الذهن يدرك أن الضمير عائد على أمر مفهوم الفحوى والسياق والأسلوب

    كذلك يقوى هذه الشهادة فى استعمال القرآن الضمير على ما يستند على الأسلوب النحوى، قوله تعالى : [فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ] ففى قوله : "تـوارت" ضمير فاعل يعود على الشمس مع أنه لم يجر لها ذكر فى السورة بالنص، ولكن السياق العام يجعل الذهن يدرك أن الضمير عائد على الشمس0 وما معنا فى آية الحجر من هذا القبيل والكل استعمال قرآنى تزكيه اللغة، ويقويه الإعراب القرآنى، فليس هناك وجه للاعتراض، وعليه يسلم تفسير الذكر بالشريعة قرآناً وسنة

    قلـت : وفيما سبق رد على ما زعمه كذباً الدكتور إسماعيل منصور بأنه : "لو كانت السنة من الذكر الذى نزله الله تعالى؛ للزم بيان ذلك الحكم صراحة، ولما صح إبهامه حتى يأتى من باب التأويل "الفاسد" الذى لا يصح بأى حال! فضلاً عن أن الذكر قد ورد صراحة فى القرآن الكريم، ليدل على أنه القرآن الكريم وحده دون منازع - كما فى قوله تعالى : [وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ] وقوله تعالى : [ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ] وغير ذلك من الآيات التى استدل بها على أن الذكر هو القرآن الكريم وحده

    ونسلم لكم أيها المعاندون لحجية السنة أن المراد بالذكر؛ هو القرآن الكريم وحده، وأن الضمير فى قوله تعالى : "لـه" عائد على القرآن المراد منه الذكر، ولكن الحصر الذى تستدلون به على أن السنة النبوية لم تدخل فى دائرة الحفظ لقصره على القرآن فقط، وترتبون على هذا الحصر عدم صحة الاحتجاج بالسنة، وأنها ليست مصدراً من مصادر التشريع

    هذا الحصر ليس حصراً حقيقياً؛ بل هو حصر إدعائى، والدليل على ذلك؛ أن رب العزة قد حفظ أشياء كثيرة مما عداه منها :
    1- حفظه جل جلاله للسماوات والأرض أن تزولا كما قال تعالى[إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا]
    2- حفظه جل جلاله لنبيه من القتل كما قال : [وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس] وإذا فسدت حقيقة القصر؛ فقد فسد المترتب عليها : وهو عدم الاعتراف بحجية السنة المطهرة

    يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق : "والحصر الإضافى بالنسبة إلى شئ مخصوص، يحتاج إلى دليل وقرينة على هذا الشئ المخصوص، ولا دليل عليه سواء أكان سنة أم غيرها

    فتقديم الجار والمجرور ليس للحصر، وإنما هو لمناسبة رؤوس الآى بل:لو كان فى الآية حصر إضافى بالنسبة إلى شئ مخصوص: لما جاز أن يكون هذا الشئ هو السنة؛ لأن حفظ القرآن متوقف على حفظها،ومستلزم له بما أنها حصنه الحصين،ودرعه المتين، وحارسه الأمين، وشارحه المبين؛ تفصل مجمله، وتفسر مشكله، وتوضح مبهمه، وتقيد مطلقه، وتبسط مختصره، وتدفع عنه عبث العابثين، ولهو اللاهين، وتأويلهم إ ياه على حسب أهوائهم وأغراضهم، وما يمليه عليهم رؤساؤهم وشياطينهم فحفظها من أسباب حفظه، وصيانتها صيانة له

    ولقد حفظها الله تعالى كما حفظ القرآن فلم يذهب منها - ولله الحمد - شئ على الأمة؛ وإن لم يستوعبها كل فرد على حدة"

    رابعاً : الدليل التاريخى على تكفله جل جلاله بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن الكريم :
    أنه لو تتبع أعداء الإسلام الحوادث والتاريخ، وتتبعوا السيرة النبوية العطرة؛ لظهر لهم بكل جلاء ووضوح وبما لا يدع مجالاً للشك؛ أن سنة المصطفى نالت من العناية والاهتمام لدى المسلمين ما لم تنله سيرة أى عظيم من العظماء، ولا بطل من الأبطال، ولا رئيس من الرؤساء، ولا ملك من الملوك0 ذلك أن رسول الله  فى واقع الأمر ليس إنساناً عادياً، ولا رسولاً عادياً، ولا قائداً يشبه فى أخلاقه وصفاته الإنسانية أحداً، "فهو أفق وحده لا يدانيه أفق" ولذلك كان هو الأسوة، وهو النبراس المضئ

    أدرك هذه الحقيقة أصحابه وتابعوهم، والمسلمون من بعدهم فعكفوا على نقل، وتدوين وحفظ، وتطبيق كل ما صدر عن رسول الله من قول، أو فعل، أو تقرير، حتى الحركات والسكنات، وبالجملـة0 نقلت حياته برمتها وكلياتها وجزئياتها فى عباداته ومعاملاته، فى سلمه وحربه، وفى نومه ويقظته، فى أدق الأمور، وفيما نعده من أسرار حياتنا كمعاشرته، إلى غير ذلك بصورة لم تحظ بها سيرة أحد غيره من البشر

    وهذا يمثل إشارة قوية إلى أن الله تكفل بحفظ هذه السنة بما هيأ لها من رجال أفنوا أعمارهم فى ضبطها والسهر عليها، وتدوينها، وحفظها، وشرحها، وتمييز صحيحها من سقيمها؛ فنقشوها فى صفحات قلوبهم الأمينة، وفى كتبهم الواعية، فكان تكفله بحفظ كتابه فى قوله تعالى :[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] يشمل السنة النبوية حيث قيض الله لها من الرواة الثقات والأئمة الأعلام، ما قيض لكتابه العزيز من ثقات كل قرن، وإلى أن يرث الأرض ومن عليها

    ولولا إرادة المولى بحفظها، لاندثرت مع تعاقب الدهور لكثرة ما وجه إليها من طعون، ولكثرة ما صادفت من أعداء أضمروا لها شراً، وأرادوا بها سوءاً، فجعلهم الله الأخسرين بما قيض لها من الرجال الأوفياء فى كل عصر، وفى كل جيل، وفى كل مكان

    http://www.eltwhed.com/vb/showpost.p...8&postcount=34
    التعديل الأخير تم 02-26-2008 الساعة 02:25 PM

  6. #6

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قتيبة مشاهدة المشاركة
    مادمت عاجز عن المناقشة كيف تحشر نفسك في امر جاهل فيه



    نعم انه من لوازم الايمان

    لكن ما الدليل الذي لديك انه ليس من لوازم الايمان


    وانت نوجه لك السؤال اين لك الحق ان تلزم الناس

    و ما هو الدليل الذي لديك انه لم يحفظ بيانه


    استشهد أعداء السنة المطهرة بعدة آيات ورد بعضها في مداخلات أحدهم والبعض في مصنفاتهم و فهموا أن المراد من الكتاب مثلا فى قوله تعالى[مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] القرآن، ولكن مجموع الآيات التي استشهدوا بها ابتداء ونهاية ، يفيد أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ الذى حوى كل شئ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام كما جاء فى الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضى الله عنهما - قال : سمعت رسول الله يقول : "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال : وعرشه على الماء"

    وهذا هو المناسب لذكر هذه الجملة عقب قوله تعالى : [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ] والمثلية فى الآية ترشح هذا المعنى؛ لأن القرآن الكريم لم ينظم للطير حياة كما نظمها للبشر، وإنما الذى حوى كل شئ للطير والبشر، وتضمن ابتداءً ونهاية للجميع هو اللوح المحفوظ يقول الحافظ ابن كثير : أى الجميع علمهم عند الله، لا ينسى واحداً من جميعها، من رزقه وتدبيره سواء كان برياً أو بحرياً؛ كقوله تعالى: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] أى مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها" والآية نظير قوله تعالى : [ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] وقوله تعالى : [عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]

    وعلى هذا الأساس، ففهم أن المراد بالكتاب فى قوله تعالى : [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] هو القرآن غير دقيق، ويأباه السياق العام للآية وربطها بما قبلها، وبغيرها من الآيات التى فى معناها وسبق ذكرها

    ومن المعلوم بداهة أن الكلمة فى اللغة العربية يكون لها أكثر من معنى، ويتحدد المعنى المراد منها من خلال سياق الكلام الذى وردت فيه، وكلمة "الكتاب" تجئ فى القرآن بمعنى الفرض، والحكم، والقدر فبمعنى القدر قوله تعالى : [وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا]

    يقول الحافظ ابن كثير : أى لا يموت أحد إلا بقدر الله، وحتى يستوفى المدة التى ضربها الله له، ولهذا قال تعالى : [كتاباً مؤجلاً] وكقوله تعالى[وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَاب] وكقوله تعالى : [الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ]

    وبمعنى الفرض قوله تعالى : [الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا] قال ابن عباس أى مفروضاً، والكتاب يأتى فى القرآن الكريم تارة مراداً به اللوح المحفوظ كما سبق وأن بينا، وتارة أخرى يأتى مراداً به القرآن الكريم كما فى قوله تعالى : [الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد ] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة

    ومع هذا فنحن نسلم لكم أن المراد من الكتاب "القرآن"، ولكننا نقول لكم : إن هذا العموم غير تام، بل هو مخصص بقول الله تعالى :[وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ] والذى يجعلنا نذهب إلى تخصيص هذا العام أمران :
    1- لتتفق آيات القرآن ولا تتعارض فى ظاهرها؛ فإن القرآن ملئ بالآيات التى فوض الله نبيه فى شرح أحكامها
    2- إن كثيراً من الأمور الجزئية فى حياة المجتمع تحتاج إلى حكم، وليس فى القرآن إلا قواعده الكلية العامة وعلى هذا فلا بأس أن يكون الكتاب فى الآية الكريمة هو القرآن الكريم

    ونقول لكم : نعم لم يفرط ربنا فى كتابه فى شئ من أمور الدين على سبيل الإجمال، ومن بين ما لم يفرط فى بيانه وتفصيله إجمالاً بيان حجية السنة وجوب اتباعها والرجوع والتحاكم إليها؛ فالقرآن جامع - دون تفريط - كل القواعد الكبرى للشريعة التى تنظم للناس شئون دينهم ودنياهم، والسنة النبوية هى المبينة لجزئياتها وتفاصيلها وهى المنيرة للناس طريق الحياة، وتنسجم هذه الآية مع الآيات الأخرى التى تؤكد بالنص أهمية السنة تجاه ما فى الكتاب من القواعد التى تحتاج إلى تخصيص أو تقييد أو توضيح أو تبيين ... إلخ

    وهنا نأتى للرد على الآيات الأخرى التى استدلوا بها على أن القرآن أنزل مفصلاً وتبياناً لكل شئ، فلا يحتاج بعد هذا البيان إلى السنة المطهرة أما قوله تعالى : [وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا] وقوله تعالى : ٍوَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]

    فالمراد بالتفصيل والبيان هنا : تفصيل وبيان كل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها؛ فالبيان فيها راجع إلى السنة النبوية قال تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] فقاعدة وجوب اتباع الرسول والتحاكم إلى سنته المطهرة من القواعد الكلية المجملة لهذا الدين، وفصلها ربنا فى كتابه العزيز كما فى الآية السابقة وقوله تعالى : [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى[ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]عن ابن مسعود قال : قد بين لنا فى هذا القرآن كل علم وكل شئ وقال مجاهد : كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتى، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال الأوزاعى : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أى بالسنة

    ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعى - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالى الشامل، والأوزاعى يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالى

    ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيانٌ لكل شئ قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالى السابق ولكن الفساد فيما بنوه عليه من الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل وقبل هذه الآية قال تعالى : [وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(38)لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ]

    وقال تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] وقال تعالى :[أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل وسابقة لآية[وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] والثلاث آيات تسند صراحة مهمة البيان والتفصيل إلى النبى صاحب السنة المطهرة، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة - البيان، التى هى من مهام الرسل جميعاً كما قال [أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ] وقال : [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ] ويوقع التناقض بآية [الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]

    إن كل الرافضين لحجية السنة، لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التى تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقروا بلسانهم بهذا النقض أم لا، وتنبهوا إلى ذلك أم لا؟!!

    ويجدر بنا أن نشير إلى نصوص لبعض العلماء تؤكد الذى قلناه فى معنى البيان الوارد فى الآية التى استشهدوا بها يقول الإمام الشاطبي: "تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئى، وحيث جاء جزئياً فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبى ويدل على هذا المعنى - بعد الاستقراء المعتبر - أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب كما سيأتى شرحه إن شاء الله تعالى
    وقد قال الله تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ] وإذا كان الأمر كذلك فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كليات لأن الشريعة تمت بتمام نزوله؛ لقوله تعالى :[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة، وكذا تفاصيل الشريعة من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود، وغير ذلك

    فعلى هذا لا ينبغى فى الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور كلية كما فى شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص عن النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربى لمن حصله يكفى فيما أعوز من ذلك،فبيان الرسول بيان صحيح لا إشكال فى صحته؛لأنه لذلك بعث،قال تعالى: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]ولا خلاف فى هذا البيان النبوى

    ويقول الدكتور إبراهيم محمد الخولى : "التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى قال تعالى :[يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ]، و"التبيين" و "التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن العظيم" عبر عنه فى آية "التبليغ" بهذا اللفظ : "ما أنزل إليك" وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف : "ما نزل إليهم" وبينهما فروق لها دلالتها، مردها إلى الفروق بين الوظيفتين "فالتبليغ" تأدية النص؛ تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير …
    و "التبيين" إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح
    و "التبليغ" مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير : "وأنزلنا إليك" حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبي ، المخاطب

    و "التبيين" : مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به، وبُلَّغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً

    ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "ونزل إليهم" … حيث عدى الفعل "نزل" بـ (إلى) مضافاً إلى الضمير "هم" … أى الناس، وعُدِّى الفعل "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه، وهى توحى بقوة أن رسول الله ، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين، ولعمرى إنه لكذلك…، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى فى نفسه "البيان" و "المبين" معاً، وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين : وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء …، واختلاف الناس فى فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ واختلافهم فى فهم درجات الإصابة، ودركات الخطأ … برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم، ينهض به إمام الموقعين عن رب العالمين

    ويقول الإمام الشافعى : "والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع : فجماع ما أبان الله لخلقه فى كتابه، مما تعبدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه :
    1- منها ما أبانه لخلقه نصاً مثل إجمال فرائضه فى أن عليهم صلاة، وزكاة، وحجاً، وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا، والخمر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء،مع غير ذلك مما بين نصاً "إجمالياً"
    2- ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من فرائضه التى أنزلها فى كتابه عز وجل
    3- ومنها ما سن رسول الله مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله فى كتابه طاعة رسوله ، والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل

    مما سبق من قول الإمامين الشاطبى والشافعى يتأكد ما ذكرناه فى أن المراد من معنى البيان والتفصيل الوارد فى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة المطهرة؛ بيان وتفصيل القرآن لكل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، ومن بين تلك القواعد التى فصلها وبينها ربنا عز وجل؛ وجوب اتباع نبيه، والتحاكم إلى سنته المطهرة، ففى تلك السنة المطهرة إيضاح هذه القواعد وتفصيلها، فجاءت السنة موافقة ومؤكدة للقرآن، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، ومفصله لمجمله، وموضحة لمشكله، ومستقلة بتشريع أحكام دون سابق ذكر لها فى كتاب الله كما سيأتى مفصلاً فى المبحث الثالث

    يقول الإمام الشاطبى : "القرآن فيه بيان كل شئ على ذلك الترتيب المتقدم؛ فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ولا يعوزه منها شئ؛ فهو أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية، والتى منها السنة النبوية، فهى حاصلة فيه فى الجملة، والدليل على ذلك أمور :
    1- منها : النصوص القرآنية، كقوله تعالى : [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] وقوله تعالى : [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] وقوله تعالى : [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] وقوله تعالى: [إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما فى الصدور،ولا يكون شفاء لجميع ما فى الصدور إلا وفيه تبيان كل شئ

    2- ومنها : ما جاء فى الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك كقوله : "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله" وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : لما حضر رسول الله - وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب؛ فقال النبى : "هَلْمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده" فقال عمر : إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، وأشباه هذا مما روى مرفوعاً وموقوفاً بالاقتصار على القرآن فقط

    يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - الاقتصار على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهم؛ ولأن فيه تبيان كل شئ إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبى به لقوله تعالى : [ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ]

    وكلام الحافظ ابن حجر السابق نقله مبتوراً جمال البنا في أحد مؤلفاته فقال : "التمسك بالقرآن والعمل بمقتضاه إشارة إلى قوله : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله" وترك جمال البنا، بيان أن العمل بالقرآن الكريم يقتضى العمل بالسنة المطهرة كما صرح ابن حجر

    وهذا ما فعله أيضاً الدكتور أحمد صبحى منصور فى كتابه "حد الردة" نقل كلام الحافظ بن حجر الذى نقلناه، وبتر منه لفظة النبى فصارت العبارة : "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به" اهـ …

    وفى هذا الجواب الأخير تعلم الجواب عن باقى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة على الاكتفاء بالقرآن، وعدم حجية السنة، للاقتصار على ذكر القرآن فقط، والوصية به كقوله تعالى:[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] وقوله تعالى:[وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّك ] وقوله تعالى : [وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ] وقوله تعالى :[أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ] وقوله تعالى [وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ] وأشباه هذه الآيات الكريمة التى ورد الاقتصار فيها على الوصية بكتاب الله، وما ذلك إلا كما علمنا، أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه فى الشرائع والأحكام واتباعه، والعمل بما فيه عمل بالسنة النبوية المستمدة حجيتها ومصدرتيها التشريعية منه فهى من الوحى الغير متلو، والوحى ذكر، والذكر محفوظ بنص القرآن فى قوله تعالى : [نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] وهذا ما أنكره أعداء السنة ومنهم عبد الجبار وجوابنا عنهم كالتالي :

    مما لا شك فيه أن منشأ هذه الشبهة فى كلمة (الذكر) حيث اقتصر فهم المنكرين لحجية السنة المطهرة على أن المراد بكلمة الذكر فى الآية هو "القرآن الكريم" وحده دون السنة، وأن الضمير فى قوله تعالى "لـه" عائد على القرآن، وأن الآية فيها حصر بتقديم الجار والمجرور وهذا الحصر يفيد عندهم قصر الحفظ على القرآن وحده دون ما عداه

    ونقول رداً على ذلك : إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله ، ويدل على ذلك الكتاب الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، والعقل، والتاريخ

    أولاً : أما الدليل من كتاب الله على تكفل الله بحفظ السنة كما تكفل بحفظ كتابه الكريم :
    1- قوله تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ]، يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد السيد ندا فى الآية الكريمة إخبار من الله تعالى : بأن السنة مبينة للقرآن، وقد تكفل الله بحفظه فى قوله تعالى : [نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] فيلزم من هذا أن يكون قد تكفل أيضاً بحفظ السنة؛ لأن حفظ المبين يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما
    2- وقال تعالى : [عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ] فإنه نص صريح يدل على أن الله قد تكفل بحفظ السنة على وجه الأصالة والاستقلال لا على طريق اللزوم والتتبع؛ لأنه تكفل فيه ببيان القرآن فى قوله تعالى : [ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ] أى بيان القرآن، والبيان كما يكون للنبى يكون لأمته من بعده وهو يكون للنبى بالإيحاء به إليه ليبلغه للناس، وهو المراد فى الآية السابقة : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] وقوله تعالى : [أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] فالسنة النبوية على هذا منزلة من عند الله تعالى (بوحى غير متلو) وفى هذا رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور؛ بأن البيان للذكر لم ينزل مع الذكر (القرآن) وإلا لكان النص على نحو : "وأنزلنا إليك الذكر وبيانه" ويكون البيان للأمة من بعده بحفظ السنة التى بلغهم النبى إياها

    ولو شغب مشاغب بأن هذا الخطاب:"عَلَيْنَا بَيَانَهُ" متوجه إلى الله فقط دون الأمة وإلا قال تعالى:"عليكم بيانه" لما أمكنه هذا الشغب فى قوله تعالى : [عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ] فمن الذى جمع القرآن الكريم؟! الله بذاته المقدسة؟ أم قيض لذلك رجالاً من خلقه وعلى رأسهم من أنزل عليه وصحابته الكرام فمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؟!

    فإن أجاب بالأولى، استغنى بجهله هذا عن مناظرته، وإن أجاب الثانية؛ بطل قوله بأن بيان الكتاب متوجه إلى الله فى كتابه فقط وليس إلى نبيه وإلى الأمة من بعده وفى ذلك رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور بأن حفظ الرجال للسنة يجعلهم يتساوون مع الله فى القدرة بحفظه كتابه ، فتستوى بذلك قدرة الله وقدرة المخلوقين

    يقول فضيلة الدكتور محمد السيد ندا : "فهذان دليلان على أن الله تكفل بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن، وتحقيقاً لهذا الوعد الكريم من الله هيأ الأسباب لحفظها، والذود عن حياضها؛ فأثار فى نفوس المسلمين عوامل المحافظة عليها، والدفاع عنها؛ فكانت موضع اهتمامهم ومحل تقديرهم ورعايتهم منذ أن أشرقت شمسها إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
    3- ويذكر الإمام ابن حزم دليلاً ثالثاً من كتاب الله على تكفله جل علاه بحفظ السنة فى قوله تعالى : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا]

    يقول الإمام ابن حزم : "هذه الآية الكريمة جامعة لجميع الشرائع أولها عن آخرها، وذكرت أصولاً ثلاثة وهى قوله تعالى : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ] فهذا أصل وهو القرآن،ثم قال تعالى:[وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ] فهذا ثان وهو الخبر عن رسول الله ، ثم قال تعالى:[وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ] فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله حكمه، وصح لنا بنص القرآن، أن الأخبار هى أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع، قال تعالى : [فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] والبرهان على أن المراد بهذا الرد؛ إنما هو إلى القرآن،والخبر عن رسول الله ؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا، وإلى كل من يخلق ويركب روحه فى جسده إلى يوم القيامة من الجنة والناس؛ كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق، وقد علمنا علم ضرورة أنه لا سبيل لنا إلى رسول الله وحتى لو شغب مشاغب بأن هذا الخطاب إنما هو متوجه إلى من يمكنه لقاء رسول الله ، لما أمكنه هذا الشغب فى الله ، إذ لا سبيل لأحد إلى مكالمته تعالى؛ فبطل هذا الظن، وصح أن المراد بالرد المذكور فى الآية التى نصصنا إنما هو إلى كلام الله تعالى، وهو القرآن وإلى كلام نبيه المنقول على مرور الدهر إلينا جيلاً بعد جيل، وأيضاً فليس فى الآية المذكورة ذكر للقاء ولا مشافهة أصلاً، ولا دليل عليه، وإنما فيه الأمر بالرد فقط، ومعلوم بالضرورة؛ أن هذا الرد إنما هو تحكيم أوامر الله تعالى وأوامر رسوله دون تكلف تأويل ولا مخالفة ظاهر

    والقرآن والخبر الصحيح بعض من بعض وهما شئ واحد فى أنهما من عند الله تعالى، وحكمها حكم واحد فى باب وجوب الطاعة لهما للآية المذكورة وقوله تعالى : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ(20)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ]

    وكلام النبى كله وحى لقوله تعالى : [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] والوحى ذكر بإجماع الأمة كلها، والذكر محفوظ بالنص قال تعالى : [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]فصح أن كلام رسول الله كله فى الدين وحى من عند الله ؛ لا شك فى ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة فى أن كل وحى نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل فالوحى كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون ألا يضيع منه، وألا يحرفٍ منه شئ، أبداً تحريفاً لا يتأتى البيان ببطلانه، إذ لو جاز غير ذلك؛ لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً، وهذا لا يخطر ببال ذى مسكة عقل، فوجب أن الدين الذى أتانا به محمد عليه الصلاة والسلام محفوظ بتولى الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتى أبداً إلى انقضاء الدنيا قال تعالى : [لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ] فإذا كان ذلك كذلك؛ فبالضرورى نتيقن أنه لا سبيل ألبته إلى ضياع شئ قاله رسول الله فى الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز عند أحد من الناس بيقين، إذ لو جاز ذلك؛ لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله تعالى:[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون] كذباً ووعداً مخلفاً،وهذا لا يقوله مسلم

    فإن قال قائل : "إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده، فهو الذى ضمن تعالى حفظه دون سائر الوحى الذى ليس قرآناً قلنا له وبالله تعالى التوفيق : "هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى : [قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] فصح أنه لا برهان له على دعواه، فليس بصادق فيها، والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه من قرآن أو من سنة وحياً يبين بها القرآن، وأيضاً فإن الله تعالى يقول : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] فصح أنه عليه الصلاة والسلام مأمور ببيان القرآن للناس

    وفى القرآن مجمل كثير؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، ولكن بين لنا رسول الله ، فإذا كان بيانه – عليه الصلاة والسلام – لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه؛ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها، وما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب، ومعاذ الله من هذا

    4- ويذكر الإمام ابن قيم الجوزية : دليلاً رابعاً من كتاب الله على تكفله -جل جلاله- بحفظ السنة فى قوله تعالى : [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا]وقال تعالى : [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ] وقال تعالى : [الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ]
    يقول ابن قيم الجوزية : فنقول لمن جوز أن يكون ما أمر الله به نبيه من بيان شرائع الإسلام غير محفوظ، وأنه يجوز فيه، التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطاً لا يتميز أبداً، أخبرونا عن إكمال الله تعالى لنا ديننا، ورضاه الإسلام لنا ديناً، ومنعه من قبول كل دين سوى الإسلام أكل ذلك باق علينا ولنا وإلى يوم القيامة؟ أم إنما كان ذلك للصحابة فقط؟ أولا للصحابة ولا لنا؟ ولابد من أحد هذه الوجوه

    فإن قالوا : لا للصحابة ولا لنا؛ كان قائل هذا القول كافراً لتكذيبه الله جهاراً، وهذا لا يقوله مسلم0 وإن قالوا : بل كل ذلك لنا وعلينا وإلى يوم القيامة؛ صاروا إلى قولنا ضرورةً، وصح أن شرائع الإسلام كلها كاملة والنعمة بذلك علينا تامة
    وهذا برهان ضرورى وقاطع على أن كل ما قاله رسول الله فى الدين، وفى بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به ما ليس منه أبداً

    وإن قالوا : بل كان ذلك للصحابة فقط، قالوا : الباطل، وخصصوا خطاب الله بدعوى كاذبة، إذ خطابه تعالى بالآيات الكريمة التى ذكرها عموم لكل مسلم فى الأبد، ولزمهم مع هذه العظيمة أن دين الإسلام غير كامل عندنا، والله تعالى رضى لنا منه ما لم يحفظه علينا وألزمنا منه ما لا ندرى أين نجده، وافترض علينا اتباع ما كذبه الزنادقة0 ووضعوه على لسان رسوله ، أو وهم فيه الواهمون مما لم يقله نبيهم - وهذا بيقين ليس هو دين الإسلام، بل هو إبطال لدين الإسلام جهاراً، ولو كان هذا - ومعاذ الله أن يكون - لكان ديننا؛ كدين اليهود والنصارى الذين أخبر الله تعالى أنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا : هذا من عند الله، وما هو من عند الله

    ونحن قد أيقنا بأن الله تعالى هو الصادق فى قوله : [فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وأنه تعالى قد هدانا للحق، فصح يقيناً أن كل ما قاله رسول الله ، هدانا الله تعالى له، وأنه حق مقطوع به حفظه الله تعالى، وقد قال تعالى :[فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا]

    وقال تعالى : [تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ] فلو جاز أن يكون ما نقله الثقات الذين افترض الله علينا قبول نقلهم والعمل به والقول بأنه سنة الله وبيان نبيه يمكن فى شئ منه التحويل أو التبديل؛ لكان إخبار الله تعالى بأنه لا يوجد لها تبديل ولا تحويل كذباً، وهذا لا يجيزه مسلم أصلاً؛ فصح يقيناً لا شك فيه أن كل سنة سنها الله لرسوله، وسنها رسوله لأمته، لا يمكن فى شئ منها تبديل ولا تحويل أبداً، وهذا يوجب أن نقل الثقات فى الدين؛ يوجب العلم بأنه حق كما هو من عند الله ]

    ثانياً : أما الدليل من السنة النبوية الصحيحة على تكفل الله بحفظ سنة نبيه قوله عليه الصلاة والسلام "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" وقوله "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتى، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"

    ففى هذه الأحاديث وغيرها - مما سيأتى غدا يخبر النبى ؛ أن له سنة مطهرة تركها لأمته، وحثهم على التمسك بها، والعض عليها بالنواجذ؛ ففى اتباعها الهداية، وفى تركها الغواية، فلو كانت سنته المطهرة غير محفوظة، أو يمكن أن يلحقها التحريف والتبديل؛ فلا يتميز صحيحها من سقيمها، ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده، فيكون قوله مخالفٌ للواقع، وهذا محال فى حقه فأمره بالتمسك بها، يدل على أنها ستكون محفوظة تأكيداً لقوله تعالى : [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] فدل ذلك على إخبار بالغيب صادق فى الواقع

    ثالثاً : الدليل العقلى على تكفل رب العزة بحفظ سنة نبيه :
    يقول الدكتور رءوف شلبى : "ليس بلازم فى الاحتمالات العقلية أن يكون المراد من الذكر القرآن الكريم وحده، لأمرين :
    1- أنه لو كان المراد من الذكر القرآن الكريم وحده؛ لصرح المولى به باللفظ، كما صرح به فى كثير من الموضوعات كما فى قوله تعالى : [إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] وقوله تعالى : [هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ] وقوله تعالى : [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ]
    2- لو كان المراد بالذكر القرآن لعبر عنه بالضمير إنا نحن نزلناه إذ افتتاح السورة فيه نص وذكر للقرآن[تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُبِينٍ] والتعبير بالضمير فى نظر اللغة أجود؛ لأن العلم فى المرتبة الثانية من الضمير، إذ هو أعرف المعارف، وهو عمل يتفق مع منزلة القرآن، وتعتمده الصناعة الإعرابية

    وإذن : فليس بالحتم أمام فهم العقل أن يكون المراد من الذكر هو القرآن فقط دون غيره، بل إن تفسير الذكر بالقرآن فقط احتمال بعيد فى نظر العقل؛ لعدم وجود مرشح لهذا التفسير يقوى على مواجهة الأمرين السالفين اللذين يقويان بالمنزلة والعرف النحوي

    وإنه لأقرب من هذا التفسير أحد الاحتمالين :
    الأول : أن يكون المراد من الذكر الرسالة والشرف الذى استحقه الرسول واتصف به بنزول النبوة والقرآن عليه، ويقوى عندنا هذا الاحتمال أمام نظر العقل افتتاحة سورة "الحجر" حيث صورت مقالات الكافرين المعتدين على النبوة بأوصاف مفتراه ذكرها رب العزة فى كتابه حكاية على لسانهم[وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6)لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7)مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ(8)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]

    فالآيتان الأوليان تصوران اتهامات الكافرين الكاذبة، والآيتان التاليتان ترد على هذه الاتهامات، وتعد بحفظ الرسالة والشرف الذى نزل على رسول الله

    ويرشح لهذا الاحتمال قوله تعالى : [وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ] فعود الضمير فى الآية "إنـه" على ما ذكر قبلاً فى قوله تعالى : [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ] دليل على أن التصريح به مراد الشرف، لا سيما ومن قبل ذلك قال تعالى : [وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ] فذكر القرآن بالنص أولاً، وذكره بالوحى ثانياً، ووصف ذلك بأنه ذكر للنبى ولقومه، مما يقوى الاحتمال العقلى، أن المراد من الذكر فى سورة الحجر هو الرسالة والشرف

    الثانى : أن يكون المراد من الذكر الشريعة مطلقاً، ويرشح لهذا الاحتمال ما تناولته السورة بعد الآية التى معنا فى ذكر موقف الأمم السابقة مع رسلهم، يقول الله تعالى : [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ]

    والأنبياء يكلفون الأمم بالشرائع، والشريعة : كتاب الله وسنة نبيه ، والذى يستعرض حالات الأمم مع الأنبياء يقف أن محاجاة الكافرين مع الرسل، تدور كلها حول التكليف الذى مصدره ما ينزله الله بالوحى المعبر عنهما بالكتاب والسنة؛ فالسنة ليست من المسائل الخاصة بالنبى ، كما سنبينه فى المبحث الثالث إن شاء الله تعالى

    وتكون الآية التى معنا قد نبهت على أمر خطير : هو أنه إذا كان الأمر فى الأمم السالفة ينتهى إلى إلغاء الشريعة بعد معارك عنيفة بين الرسل وأممهم؛ فإن هذه الشريعة قرآناً وسنة سيحفظها رب العزة إلى قيام الساعة من كيد أعدائه وأعداء دينه كما وعد فى قوله تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]

    وعلى ذلك فإن الذكر فى الآية مراد به الشريعة، ويكون الضمير فى قوله "لـه" عائد على الشريعة بمصدريها الأساسين القرآن الكريم، والسنة المطهرة
    قلت : ومما يرشح لهذا الاحتمال الثانى : تفسير الإمام الشاطبى للحفظ المضمون فى الآية الكريمة؛ بأنه حفظ أصول الشريعة وفروعها فيقول : "من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو ملح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه0 فهذه ثلاثة أقسام :
    القسم الأول : هو الأصل والمعتمد، والذى عليه مدار الطلب، وإليه تنتهى مقاصد الراسخين وذلك ما كان قطيعاً أو راجعاً إلى أصل قطعى والشريعة المباركة المحمدية منزلة على هذا الوجه، ولذلك كانت محفوظة فى أصولها وفروعها؛ كما قال الله تعالى :[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]؛ لأنها ترجع إلى حفظ المقاصد التى بها يكون صلاح الدارين : وهى الضروريات والحاجيات، والتحسينات وما هو مكمل لها ومتمم لأطرافها وهى أصول الشريعة، وقد قام البرهان القطعى على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها، فلا إشكال فى أنها علم أصل، راسخ الأساس، ثابت الأركان

    يقول الدكتور رءوف شلبى : "لكن بقى أن يقال : كيف يعود الضمير على القرآن والسنة معاً، ولم يذكر إلا القرآن وحده؟ ولكننا نجد فى القرآن الكريم نفسه استعمالاً للضمير استناداً على ما يفهم من السياق، و مدلولات الحديث، يشهد لهذا قوله تعالى : [إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا] فتلك صفات الحور العين مع أنه لم يجر لهم ذكر فى قسم أصحاب اليمين فى سورة الواقعة، ولكن السياق العام للسورة وما ذكر فى الأقسام السابقة يجعل الذهن يدرك أن الضمير عائد على أمر مفهوم الفحوى والسياق والأسلوب

    كذلك يقوى هذه الشهادة فى استعمال القرآن الضمير على ما يستند على الأسلوب النحوى، قوله تعالى : [فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ] ففى قوله : "تـوارت" ضمير فاعل يعود على الشمس مع أنه لم يجر لها ذكر فى السورة بالنص، ولكن السياق العام يجعل الذهن يدرك أن الضمير عائد على الشمس0 وما معنا فى آية الحجر من هذا القبيل والكل استعمال قرآنى تزكيه اللغة، ويقويه الإعراب القرآنى، فليس هناك وجه للاعتراض، وعليه يسلم تفسير الذكر بالشريعة قرآناً وسنة

    قلـت : وفيما سبق رد على ما زعمه كذباً الدكتور إسماعيل منصور بأنه : "لو كانت السنة من الذكر الذى نزله الله تعالى؛ للزم بيان ذلك الحكم صراحة، ولما صح إبهامه حتى يأتى من باب التأويل "الفاسد" الذى لا يصح بأى حال! فضلاً عن أن الذكر قد ورد صراحة فى القرآن الكريم، ليدل على أنه القرآن الكريم وحده دون منازع - كما فى قوله تعالى : [وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ] وقوله تعالى : [ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ] وغير ذلك من الآيات التى استدل بها على أن الذكر هو القرآن الكريم وحده

    ونسلم لكم أيها المعاندون لحجية السنة أن المراد بالذكر؛ هو القرآن الكريم وحده، وأن الضمير فى قوله تعالى : "لـه" عائد على القرآن المراد منه الذكر، ولكن الحصر الذى تستدلون به على أن السنة النبوية لم تدخل فى دائرة الحفظ لقصره على القرآن فقط، وترتبون على هذا الحصر عدم صحة الاحتجاج بالسنة، وأنها ليست مصدراً من مصادر التشريع

    هذا الحصر ليس حصراً حقيقياً؛ بل هو حصر إدعائى، والدليل على ذلك؛ أن رب العزة قد حفظ أشياء كثيرة مما عداه منها :
    1- حفظه جل جلاله للسماوات والأرض أن تزولا كما قال تعالى[إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا]
    2- حفظه جل جلاله لنبيه من القتل كما قال : [وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس] وإذا فسدت حقيقة القصر؛ فقد فسد المترتب عليها : وهو عدم الاعتراف بحجية السنة المطهرة

    يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق : "والحصر الإضافى بالنسبة إلى شئ مخصوص، يحتاج إلى دليل وقرينة على هذا الشئ المخصوص، ولا دليل عليه سواء أكان سنة أم غيرها

    فتقديم الجار والمجرور ليس للحصر، وإنما هو لمناسبة رؤوس الآى بل:لو كان فى الآية حصر إضافى بالنسبة إلى شئ مخصوص: لما جاز أن يكون هذا الشئ هو السنة؛ لأن حفظ القرآن متوقف على حفظها،ومستلزم له بما أنها حصنه الحصين،ودرعه المتين، وحارسه الأمين، وشارحه المبين؛ تفصل مجمله، وتفسر مشكله، وتوضح مبهمه، وتقيد مطلقه، وتبسط مختصره، وتدفع عنه عبث العابثين، ولهو اللاهين، وتأويلهم إ ياه على حسب أهوائهم وأغراضهم، وما يمليه عليهم رؤساؤهم وشياطينهم فحفظها من أسباب حفظه، وصيانتها صيانة له

    ولقد حفظها الله تعالى كما حفظ القرآن فلم يذهب منها - ولله الحمد - شئ على الأمة؛ وإن لم يستوعبها كل فرد على حدة"

    رابعاً : الدليل التاريخى على تكفله جل جلاله بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن الكريم :
    أنه لو تتبع أعداء الإسلام الحوادث والتاريخ، وتتبعوا السيرة النبوية العطرة؛ لظهر لهم بكل جلاء ووضوح وبما لا يدع مجالاً للشك؛ أن سنة المصطفى نالت من العناية والاهتمام لدى المسلمين ما لم تنله سيرة أى عظيم من العظماء، ولا بطل من الأبطال، ولا رئيس من الرؤساء، ولا ملك من الملوك0 ذلك أن رسول الله  فى واقع الأمر ليس إنساناً عادياً، ولا رسولاً عادياً، ولا قائداً يشبه فى أخلاقه وصفاته الإنسانية أحداً، "فهو أفق وحده لا يدانيه أفق" ولذلك كان هو الأسوة، وهو النبراس المضئ

    أدرك هذه الحقيقة أصحابه وتابعوهم، والمسلمون من بعدهم فعكفوا على نقل، وتدوين وحفظ، وتطبيق كل ما صدر عن رسول الله من قول، أو فعل، أو تقرير، حتى الحركات والسكنات، وبالجملـة0 نقلت حياته برمتها وكلياتها وجزئياتها فى عباداته ومعاملاته، فى سلمه وحربه، وفى نومه ويقظته، فى أدق الأمور، وفيما نعده من أسرار حياتنا كمعاشرته، إلى غير ذلك بصورة لم تحظ بها سيرة أحد غيره من البشر

    وهذا يمثل إشارة قوية إلى أن الله تكفل بحفظ هذه السنة بما هيأ لها من رجال أفنوا أعمارهم فى ضبطها والسهر عليها، وتدوينها، وحفظها، وشرحها، وتمييز صحيحها من سقيمها؛ فنقشوها فى صفحات قلوبهم الأمينة، وفى كتبهم الواعية، فكان تكفله بحفظ كتابه فى قوله تعالى :[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] يشمل السنة النبوية حيث قيض الله لها من الرواة الثقات والأئمة الأعلام، ما قيض لكتابه العزيز من ثقات كل قرن، وإلى أن يرث الأرض ومن عليها

    ولولا إرادة المولى بحفظها، لاندثرت مع تعاقب الدهور لكثرة ما وجه إليها من طعون، ولكثرة ما صادفت من أعداء أضمروا لها شراً، وأرادوا بها سوءاً، فجعلهم الله الأخسرين بما قيض لها من الرجال الأوفياء فى كل عصر، وفى كل جيل، وفى كل مكان

    http://www.eltwhed.com/vb/showpost.p...8&postcount=34

    يا أخي انا لست عاجزا عن الرد ولكن الكلام عن الذكر ليس في محله الان

    واما قولي على كلمة الزام

    فهذا مانقلته انت ..... في حالة ان كنت تقرا ما تنقل!!!!!!


    من لوازم الايمان!!!!!!

    فانا علقت وقلت من الذي الزم من


    والواضح انك لم تقرا ما كتبت عن البيان


    تحياتي
    التعديل الأخير تم 02-26-2008 الساعة 04:39 PM

  7. #7

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samir1968 مشاهدة المشاركة
    يا أخي انا لست عاجزا عن الرد ولكن الكلام عن الذكر ليس في محله الان
    كيف ليس محله وهو ماطرح في مجال حفظ الله للسنة
    واما قولي على كلمة الزامفهذا مانقلته انت ..... في حالة ان كنت تقرا ما تنقل!!!!!!من لوازم الايمان!!!!!!فانا علقت وقلت من الذي الزم من
    وانا رددت عليك لكي تبين ما الدليل الذي لديك انه ليس من لوازم الايمان
    والواضح انك لم تقرا ما كتبت عن البيان
    قرات ما كتبت و لهذا رددت عليك
    و اسألك

    ما الدليل الذي لديك انه ليس من لوازم الايمان

    ما هو الدليل الذي لديك انه لم يحفظ بيانه


    تحياتي
    التعديل الأخير تم 02-26-2008 الساعة 05:05 PM

  8. #8

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قتيبة مشاهدة المشاركة
    كيف ليس محله وهو ماطرح في مجال حفظ الله للسنة

    وانا رددت عليك لكي تبين ما الدليل الذي لديك انه ليس من لوازم الايمان

    قرات ما كتبت و لهذا رددت عليك
    و اسألك

    ما الدليل الذي لديك انه ليس من لوازم الايمان

    ما هو الدليل الذي لديك انه لم يحفظ بيانه


    تحياتي

    ماذا تعني بحفظ بيانه

    هل تقصد بيانه أي سنته!!!!!


    ماذا تعني بحفظ السنة من لوازم الايمان

    ثم ماذا تعني بالسنه

    هل تعني بها ما عرفها علماء الاسول

    أم علماء الفقه

    أم علماء الاحاديث

    أم علماء ........


    وكلهم أكيد اختلفوا في مفهوم السنة وتعريفها


    هل تعني السنة ام الاحاديث المروية عن الرسول في الكتب

    وضح سؤالك جيدا


    تحياتي
    التعديل الأخير تم 02-26-2008 الساعة 05:19 PM

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    5,513
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samir1968 مشاهدة المشاركة
    ماذا تعني هذه الجملة
    أن يعلم أن من لوازم هذا الإيمان الاعتقاد في حفظ السنة
    هذه الجملة تعني انه من صحة ومن كمال الايمان الاعتقاد في حفظ الله للسنة
    لماذا ؟
    لاننا نريد ان يكون كتاب الله الذي هو قران كريم يتعبد بتلاوته والذي هو دستور دولو وأمة الاسلام ان مفهوما بكل كلمة فيه من جميع من يقرأه ويتلوه
    وطبعا لا نريد كتابا مثل كتاب النصارى لا يفهمه من يقرأه واذا سئلوا عن معنى جملة في كتابهم قالوا هي الغاز لا يمكن فهمها
    فالسنة هي المبينة لكثير مما جاء في كتاب الله , وكلام رسول الله طبعا هو أصح ما يبين ويفسر كلام الله
    اعطيك مثالا واحدا ليتبين لك حقيقة معنى هذه الجملة
    عندما نزل قوله تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون
    شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! أينا لم يلبس ايمانه بظلم؟
    فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - مبينا المعنى لهم - : انه ليس بذلك، ألا تسمعوا الى قول لقمان: يا بني لا تشرك بالله انّ الشرك لظلم عظيم؟
    (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ..إن الشرك لظلم عظيم ) 13 سورة لقمان
    فالظلم الوارد في قوله تعالى هنا هو الشرك بالله تعالى والعياذ بالله.

    فلذلك لا يجوز ولا يمكن ان يُظن بالحكيم العليم أن يرسل رسولاً تكون مهمته أن يبين كتابه، ثم يحفظ الكتاب ولا يحفظ ذلك البيان
    استمع الى قول الله تعالى
    [ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ]( القيامة : 17-19 )
    فيكون بيانه بكلام الله ..وبكلام رسول الله الذي هو السنة
    فهذه الآية الكريمة دليل على أن الله عز وجل قد تكفل أيضاً بحفظ السنة ؛ لأن حفظ المُبيَّن يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما


    ما ذا تفهمون من هذه الاية وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم
    ماهو البيان والتبيين
    البيان والتبيين هو التوضيح والتفسير والشرح
    وفي القرآن الكريم آيات مجملة .. فتولت السنة المطهرة بيان وتفصيل ذلك الاجمال
    فبيانه عليه الصلاة والسلام لذلك المجمل مهم والا فاننا لا ندري صحيح مراد الله تعالى منها .. ومعنى ذلك ان بيانه عليه الصلاة والسلام محفوظ كذلك
    وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم
    فمن مهمات رسول الله ان يبلغ القرآن وان يبين القرآن

    وكيف يكون القران الكريم مبين {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }يس69
    نعم .. وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ .. فالقرآن مبين في ذاته .. ولكن اذا وجد أي أمر يحتاج لحكم.. فإما أن تجده مفصلاً في القرآن الكريم أو في السنة الشريفة
    فالقرآن لا يغني عن السنة



    إن قوله سبحانه وتعالى ( ... وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ... ) يعني أنا أنزلنا إليك القرآن لتظهره للناس ، بتلاوته عليهم فيسمعونه ، وذلك هو التبيان المذكور في الآية
    بتلاوته عليهم فيسمعونه ، وذلك هو التبيان المذكور في الآية ..
    وهذا هو وخلاص !!؟؟ يعني يفهموه على كيفهم او كل واحد منهم يفهمه على كيفه ؟؟!!!
    لا طبعا
    فمجرد تلاوته عليهم ليسمعونه يسمى تبليغهم ايات وكلام الله بتلاوته وتسميعه لهم
    ولكن اذا سمعوا اية نزلت تحتاج الى بيان فعليك ان تبين لهم معنى هذه الاية التي نزلت
    فمن مهمات رسول الله ان يبلغ القرآن وان يبين القرآن
    وقد اعطيتك مثالا على ذلك
    وايضا حتى لا يخوض اي واحد في المراد من اية من ايات الله المنزلة عليه والتي تم تبليغها اليه
    فالصحيح انه سياخذ ببيان رسول الله لها .. فهي انزلت عليه .. وعليه تبليغها للناس وعليه ايضا بيان معانيها والمراد منها
    فالامر ليس سبهللة

    إن التبيان المذكور في الآية هو الإظهار الذي عكسه الكتمان
    ليس التبيين هنا معناه الإظهار وعدم الكتمان
    بل الكتمان هو عكس التبليغ
    فالكتمان غير معقول من نبي مرسل ومهمته الاساسية هي تبليغ كلمات وتعاليم وايات الله للناس
    والكتمان غير معقول من رسول الله ومهمته الاساسية هي تبليغ كلمات وتعاليم وايات الله للناس لانها هي دليل صدق نبوته .. فهل يعقل ان يكتم دليل صدق نبوته المعجز !! لا طبعا
    فالكتمان غير وارد في في حق رسول الله ولا حتى في حق رسل الله جميعهم عليهم السلام .. فهم يحملون رسالة الله لتبليغها للناس
    استمع الى قوله تعالى :
    (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ)سورة إبراهيم آية : 52
    طيب
    بلغوا الناس واسمعوهم كلام الله
    فهل انتهت مهمة الرسول بذلك ؟
    لا طبعا
    عليه ان يبين لهم المطلوب والمراد منها وكذلك كيف يتم القيام بهذا المطلوب
    فمثلا :
    يقول الله تعالى :
    " ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى اهلها "
    نعم ..
    والاية واضحة ومرادها واضح

    لكن انا عندي امانة لواحد من الناس وسرقت او ضاعت مني او تلفت عندي .. فما العمل هنا .. وكيف سأؤدي له الامانة ؟؟ ومتى يكون الضمان وتضمين يد الأمانة وما هو االضمان وهل الضمان يكون بالقيمة ام بالمثلية ؟؟؟ وما هي نتيجة خيانة الأمانة ؟؟؟؟
    هنا ياتي دور رسول الله في البيان .. لان الاية لم تذكر ذلك .. ونجد ان السنة النبوية فصلت القول في هذه الاحكام ..
    وكذلك القول في الزكاة وانواعها ونصاب كل نوع ونسبة الاداء في كل نوع
    وهكذا

    ثم الان يوجد خمر يسمونه بيرة لكنه خمر خفيف لا يسكر شرب كاس منه ..
    قد ياتي واحد ويقول لنا البيرة ليست حراما ..
    نقول ليش يا اخي
    يقول لان علة تحريم الخمرة هي الاسكار وهذه لا يسكر شرب القليل منها
    نقول له لا ..
    ولا اجتهاد في مورد النص
    وقد ورد النص وهو يقول : ما اسكر كثيره فقليله حرام "
    فها هي بعض فوائد ومهام السنة النبوية الشريفة



    قوله سبحانه ( ... وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ... ) يثبت ما نقول من أن اللسان له علاقة مباشرة بالتبيان ، فالله أنزل كل الرسالات بلسان أقوامها من أجل هذا الهدف
    اللغة .. نعم
    ولكن اللغة ليست كافية في جميع الاحوال
    فانه يوجد المترادفات .. أو الأشباه والنظائر ، وهي الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى
    وليس المطلوب هو معرفة معاني هذه المترادفات فقط, بل المطلوب ايضا هو معرفة أيّه هو هذا المعنى المطلوب من معاني هذه المترادفات والتفرقة بين معاني المترادفات لفهم المراد في الاية

    ثم هناك انواع كثيرة من معاني المفردات .. فهناك المعنى الحقيقي والمعنى المجازي والمعنى الشرعي لبعض المفردات .. فكيف نميز متى ناخذ بالمعنى الحقيقي ومتى ناخذ بالمعنى المجازي ومتى ناخذ بالمعنى الشرعي ..
    فمجرد معرفة اللغة واصولها وقواعدها ليس كاف .. فاختلاف العبارات يوجب اختلاف المعاني ... وقد يحدث التباس في بعض المفاهيم بين لفظين متقاربين في المعنى بسبب عدم ملاحظة فروق الدلالة على الذات أو الصفات، أو الخصوصية والشمول، أو التباين ..
    وهنا يلزم الرجوع الى السنة لانها هي التي تحدد هنا ايها هو المعنى المقصود والمراد منها
    طبعا يوجد ايات تبين المعنى المراد في ايات اخرى غيرها ..
    وكذلك هناك السنن التي نرجع اليها لتبين لنا المعنى المقصود منها اذا لم يبينها القران في اياته التي تذكرها
    فلا غنى لنا عن السنة لفهم القران الفهم الصحيح
    للحق وجه واحد
    ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
    "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"

  10. #10

    افتراضي

    samir1968
    ماذا تعني بحفظ بيانه هل تقصد بيانه أي سنته!!!!!
    وهل لديك دليل ان ليس بيانه سنته

    ماذا تعني بحفظ السنة من لوازم الايمان
    الاجابة موجودة في الموضوع لوكنت قرأت الموضوع


    ثم ماذا تعني بالسنه هل تعني بها ما عرفها علماء الاسول أم علماء الفقه

    أم علماء الاحاديث أم علماء ........وكلهم أكيد اختلفوا في مفهوم السنة وتعريفها

    هات الدليل انهم اختلفوا في تعريف السنة مع ذكر تعريفاتهم المختلفة

    هل تعني السنة ام الاحاديث المروية عن الرسول في الكتب
    ما هو الفرق لديك بين السنة و الاحاديث مع الدليل

    وضح اجابتك جيدا



    تحياتي
    التعديل الأخير تم 02-26-2008 الساعة 06:09 PM

  11. #11

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناصر التوحيد مشاهدة المشاركة
    هذه الجملة تعني انه من صحة ومن كمال الايمان الاعتقاد في حفظ الله للسنة
    لماذا ؟
    لاننا نريد ان يكون كتاب الله الذي هو قران كريم يتعبد بتلاوته والذي هو دستور دولو وأمة الاسلام ان مفهوما بكل كلمة فيه من جميع من يقرأه ويتلوه
    وطبعا لا نريد كتابا مثل كتاب النصارى لا يفهمه من يقرأه واذا سئلوا عن معنى جملة في كتابهم قالوا هي الغاز لا يمكن فهمها
    فالسنة هي المبينة لكثير مما جاء في كتاب الله , وكلام رسول الله طبعا هو أصح ما يبين ويفسر كلام الله
    اعطيك مثالا واحدا ليتبين لك حقيقة معنى هذه الجملة
    عندما نزل قوله تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون
    شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! أينا لم يلبس ايمانه بظلم؟
    فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - مبينا المعنى لهم - : انه ليس بذلك، ألا تسمعوا الى قول لقمان: يا بني لا تشرك بالله انّ الشرك لظلم عظيم؟
    (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ..إن الشرك لظلم عظيم ) 13 سورة لقمان
    فالظلم الوارد في قوله تعالى هنا هو الشرك بالله تعالى والعياذ بالله.

    فلذلك لا يجوز ولا يمكن ان يُظن بالحكيم العليم أن يرسل رسولاً تكون مهمته أن يبين كتابه، ثم يحفظ الكتاب ولا يحفظ ذلك البيان
    استمع الى قول الله تعالى
    [ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ]( القيامة : 17-19 )
    فيكون بيانه بكلام الله ..وبكلام رسول الله الذي هو السنة
    فهذه الآية الكريمة دليل على أن الله عز وجل قد تكفل أيضاً بحفظ السنة ؛ لأن حفظ المُبيَّن يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما



    البيان والتبيين هو التوضيح والتفسير والشرح
    وفي القرآن الكريم آيات مجملة .. فتولت السنة المطهرة بيان وتفصيل ذلك الاجمال
    فبيانه عليه الصلاة والسلام لذلك المجمل مهم والا فاننا لا ندري صحيح مراد الله تعالى منها .. ومعنى ذلك ان بيانه عليه الصلاة والسلام محفوظ كذلك
    وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم
    فمن مهمات رسول الله ان يبلغ القرآن وان يبين القرآن


    نعم .. وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ .. فالقرآن مبين في ذاته .. ولكن اذا وجد أي أمر يحتاج لحكم.. فإما أن تجده مفصلاً في القرآن الكريم أو في السنة الشريفة
    فالقرآن لا يغني عن السنة




    بتلاوته عليهم فيسمعونه ، وذلك هو التبيان المذكور في الآية ..
    وهذا هو وخلاص !!؟؟ يعني يفهموه على كيفهم او كل واحد منهم يفهمه على كيفه ؟؟!!!
    لا طبعا
    فمجرد تلاوته عليهم ليسمعونه يسمى تبليغهم ايات وكلام الله بتلاوته وتسميعه لهم
    ولكن اذا سمعوا اية نزلت تحتاج الى بيان فعليك ان تبين لهم معنى هذه الاية التي نزلت
    فمن مهمات رسول الله ان يبلغ القرآن وان يبين القرآن
    وقد اعطيتك مثالا على ذلك
    وايضا حتى لا يخوض اي واحد في المراد من اية من ايات الله المنزلة عليه والتي تم تبليغها اليه
    فالصحيح انه سياخذ ببيان رسول الله لها .. فهي انزلت عليه .. وعليه تبليغها للناس وعليه ايضا بيان معانيها والمراد منها
    فالامر ليس سبهللة


    ليس التبيين هنا معناه الإظهار وعدم الكتمان
    بل الكتمان هو عكس التبليغ
    فالكتمان غير معقول من نبي مرسل ومهمته الاساسية هي تبليغ كلمات وتعاليم وايات الله للناس
    والكتمان غير معقول من رسول الله ومهمته الاساسية هي تبليغ كلمات وتعاليم وايات الله للناس لانها هي دليل صدق نبوته .. فهل يعقل ان يكتم دليل صدق نبوته المعجز !! لا طبعا
    فالكتمان غير وارد في في حق رسول الله ولا حتى في حق رسل الله جميعهم عليهم السلام .. فهم يحملون رسالة الله لتبليغها للناس
    استمع الى قوله تعالى :
    (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ)سورة إبراهيم آية : 52
    طيب
    بلغوا الناس واسمعوهم كلام الله
    فهل انتهت مهمة الرسول بذلك ؟
    لا طبعا
    عليه ان يبين لهم المطلوب والمراد منها وكذلك كيف يتم القيام بهذا المطلوب
    فمثلا :
    يقول الله تعالى :
    " ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى اهلها "
    نعم ..
    والاية واضحة ومرادها واضح

    لكن انا عندي امانة لواحد من الناس وسرقت او ضاعت مني او تلفت عندي .. فما العمل هنا .. وكيف سأؤدي له الامانة ؟؟ ومتى يكون الضمان وتضمين يد الأمانة وما هو االضمان وهل الضمان يكون بالقيمة ام بالمثلية ؟؟؟ وما هي نتيجة خيانة الأمانة ؟؟؟؟
    هنا ياتي دور رسول الله في البيان .. لان الاية لم تذكر ذلك .. ونجد ان السنة النبوية فصلت القول في هذه الاحكام ..
    وكذلك القول في الزكاة وانواعها ونصاب كل نوع ونسبة الاداء في كل نوع
    وهكذا

    ثم الان يوجد خمر يسمونه بيرة لكنه خمر خفيف لا يسكر شرب كاس منه ..
    قد ياتي واحد ويقول لنا البيرة ليست حراما ..
    نقول ليش يا اخي
    يقول لان علة تحريم الخمرة هي الاسكار وهذه لا يسكر شرب القليل منها
    نقول له لا ..
    ولا اجتهاد في مورد النص
    وقد ورد النص وهو يقول : ما اسكر كثيره فقليله حرام "
    فها هي بعض فوائد ومهام السنة النبوية الشريفة




    اللغة .. نعم
    ولكن اللغة ليست كافية في جميع الاحوال
    فانه يوجد المترادفات .. أو الأشباه والنظائر ، وهي الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى
    وليس المطلوب هو معرفة معاني هذه المترادفات فقط, بل المطلوب ايضا هو معرفة أيّه هو هذا المعنى المطلوب من معاني هذه المترادفات والتفرقة بين معاني المترادفات لفهم المراد في الاية

    ثم هناك انواع كثيرة من معاني المفردات .. فهناك المعنى الحقيقي والمعنى المجازي والمعنى الشرعي لبعض المفردات .. فكيف نميز متى ناخذ بالمعنى الحقيقي ومتى ناخذ بالمعنى المجازي ومتى ناخذ بالمعنى الشرعي ..
    فمجرد معرفة اللغة واصولها وقواعدها ليس كاف .. فاختلاف العبارات يوجب اختلاف المعاني ... وقد يحدث التباس في بعض المفاهيم بين لفظين متقاربين في المعنى بسبب عدم ملاحظة فروق الدلالة على الذات أو الصفات، أو الخصوصية والشمول، أو التباين ..
    وهنا يلزم الرجوع الى السنة لانها هي التي تحدد هنا ايها هو المعنى المقصود والمراد منها
    طبعا يوجد ايات تبين المعنى المراد في ايات اخرى غيرها ..
    وكذلك هناك السنن التي نرجع اليها لتبين لنا المعنى المقصود منها اذا لم يبينها القران في اياته التي تذكرها
    فلا غنى لنا عن السنة لفهم القران الفهم الصحيح



    أخي المحترم ناصر التوحيد


    البيان لغة:


    والبيان لغة : اسم مصدر بين إذا أظهر , يقال : بين بيانا وتبيانا , ك كلم يكلم كلاما , وتكليما , قال ابن فورك في كتابه : مشتق من البين , وهو الفراق , شبه البيان به , لأنه يوضح الشيء , ويزيل إشكاله . وقال أبو بكر الرازي : سمي بيانا لانفصاله مما يلتبس به من المعاني , ويشكل من أجله . وأما في الاصطلاح : فيطلق على الدال على المراد بخطاب ثم يستقل بإفادته , ويطلق ويراد به الدليل على المراد , ويطلق على فعل المبين . ولأجل إطلاقه على المعاني الثلاثة اختلفوا في تفسيره بالنظر إليها , فلاحظ الصيرفي فعل المبين , فقال : البيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز [ ص: 89 ] التجلي . وقال القاضي في ( مختصر التقريب ) : وهذا ما ارتضاه من خاض في الأصول من أصحاب الشافعي . وقال القاضي أبو الطيب الطبري : إنه الصحيح عندنا , لأن كل ما كان إيضاحا لمعنى وإظهارا له , فهو بيان له . واعترضه ابن السمعاني بأن لفظ البيان أظهر من لفظ إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي . وللصيرفي منع ذلك . ونقض أيضا بالنصوص الواردة في الحكم المبتدأ من غير سبق إشكال , فإنه ربما ورد من الله تعالى بيان لم يخطر ببال أحد . ويخرج منه بيان المعدوم , فإنه لا يقال عليه شيء , وبيان المعلم لمن لا يفهم عنه لقصوره . ولعله يمنع تسمية ما كان ظاهرا ابتداء بيانا . وقال الغزالي : هذا الحد لفرع من البيان , وهو بيان المجمل خاصة , والبيان يكون فيه وفي غيره . ا هـ . ولاحظ القاضي , وإمام الحرمين , والغزالي , والآمدي , والإمام الرازي , وأكثر المعتزلة كأبي هاشم , وأبي الحسين : أنه الدليل فحدوه بأنه الدليل الموصل بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب . ا هـ . ولاحظ أبو عبد الله البصري أنه نفس العلم أو الظن الحاصل من الدليل , فحده بأنه تبيين الشيء , فهو والبيان عنده واحد . كذا قاله الهندي تبعا للغزالي . وحكى أبو الحسين عنه أنه العلم الحادث , لأن البيان هو ما به يتبين الشيء , والذي به تبين هو العلم الحادث . قال : ولهذا لا يوصف الله سبحانه بأنه مبين , لما كان علمه لذاته لا بعلم حادث . [ ص: 90 ] وقال العبدري بعد حكاية المذاهب : الصواب أن البيان هو مجموع هذه الأمور الثلاثة , فعلى هذا يكون حده : أنه انتقال ما في نفس المعلم إلى نفس المتعلم بواسطة الدليل . لكن الاصطلاح إنما وقع على ما رسم به القاضي , وذلك أن الدليل هو أقوى الأمور الثلاثة , وأكثرها حظا من إفادة البيان والمبين . وقال الماوردي : الذي عليه جمهور الفقهاء أن البيان إظهار المراد بالكلام الذي لا يفهم منه المراد إلا به . قال ابن السمعاني : وهذا الحد أحسن الحدود , ويرد عليه ما أورده هو على الصيرفي , أعني الوارد ابتداء من غير سبق إجمال . وقال شمس الأئمة السرخسي من الحنفية في كتابه : اختلف أصحابنا في معنى البيان , فقال أكثرهم : هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب منفصلا عما يستر به . وقال بعضهم : هو ظهور المراد للمخاطب , والعلم بالأمر الذي حصل له عند الخطاب . قال : وهو اختيار أصحاب الشافعي , لأن الرجل يقول : " بان هذا المعنى " أي ظهر . والأصح الأول أي الإظهار . ا هـ . وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : قال أصحابنا في البيان : إنه الإفهام بأي لفظ كان . وقال أبو بكر الدقاق : إنه العلم الذي يتبين به المعلوم , حكاه القاضي أبو الطيب . وذكر الشافعي في " الرسالة " : أن البيان اسم جامع لأمور متفقة الأصول متشعبة الفروع , وأقل ما فيه أنه بيان لمن نزل القرآن بلسانه , فاعترض عليه أبو بكر بن داود , وقال : البيان أبين من التفسير الذي فسره به . [ ص: 91 ] قال القاضي أبو الطيب : وهذا لا يصح , لأن الشافعي لم يقصد حد البيان وتفسير معناه , وإنما قصد به أن البيان اسم عام جامع لأنواع مختلفة من البيان , وهي متفقة في أن اسم البيان يقع عليها , ومختلفة في مراتبها , فبعضها أجلى وأبين من بعض , لأن منه ما يدرك معناه من غير تدبر وتفكر , ومنه ما يحتاج إلى دليل , ولهذا قال عليه السلام : { إن من البيان لسحرا } فأخبر أن بعض البيان أبلغ من بعض , وهذا كالخطاب بالنص والعموم والظاهر , ودليل الخطاب , ونحوه , فجميع ذلك بيان . وإن اختلفت مراتبها فيه . ا هـ . وكذا قال الصيرفي , وابن فورك : مراد الشافعي أن اسم البيان يقع على الجنس , ويقع تحته أنواع مختلفة المراتب في الجلاء والخفاء . وقال أبو بكر القفال : أراد أنه وإن حصل من وجوه , فكل ذلك يجتمع في أنه يعود إلى الكتاب ويستفاد منه . حكاه سليم الرازي في تقريبه " . وقال أبو الحسين في " المعتمد " : هذا ليس بحد , وإنما هو وصف للبيان بأنه يجمعه أمر جامع , وهو أنه سنة أهل اللغة , أنه يتشعب إلى أقسام كثيرة , فإن حد بأنه بيان لمن نزل القرآن بلغته كان قد حد البيان بأنه بيان , وذلك حد الشيء بنفسه , وإن كان قد حد البيان العام , فإنه يخرج منه الأدلة العقلية , وإن حد البيان الخاص الذي يتعارفه الفقهاء , فإنه يدخل فيه الكلام المبتدأ إذا عرف به المراد كالعموم , والخصوص وغيرهما . .



    سوف اقوم بتوضيح كلمة البيان في القرأن الكريم


    مسألة البيان في القرآن الحكيم .

    فالقضية المثارة في سياق آيات سورة النحل ، لا علاقة لها بأحوال المسلمين على الإطلاق . لأن بيان الرسول هذا : " لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ " ، جاء جزءا من مهمته الخاصة بالرد على شبهات أهل الكتاب ، وبيان ما اختلفوا فيه ، وكشف حقيقة أمرهم . وبرهان ذلك سياق الآيات التي سبقت هذه الآية ، والتي وردت فيها أيضا كلمة " لِيُبَيِّنَ " مؤكدة لهذا المعنى . يقول الله تعالى في سورة النحل :
    ] وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] 38[ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ ] 39 [
    وكما وردت هذه الكلمة أيضا بحروفها " لِتُبَيِّنَ " في الآية 64 من نفس السورة مؤكدة أيضا لهذا المعنى ، فيقول الله تعالى :
    ]وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
    ] 64 [
    وتدبر قول الله تعالى في ختام الآية 44 من سورة النحل : " وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " .

    قول الله تعالى في سورة النحل :
    ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 43] [ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 44]

    هذا الختام المناسب لدعوة المـُختلفين إلى أن يُعملوا عُقولهم ويرجعوا إلى رشدهم .

    فقوله تعالى : " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ " : أي للناس الذين جاء ذكر خبرهم ، وقضيتهم في سياق هذه الآية ، وهم أهل الكتاب والمشركون ، وهم الذين ذكرتهم الآية 64 من نفس السورة المشار إليها سابقا . وقوله تعالى : " مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ " يقتضي أن اسم الموصول ( ما ) وصلته
    ( نزل) غير الذكر المنزل المتقدم في قوله تعالى : " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ " . إذ لو كانا شيئا واحدا لاقتضى ظاهر السياق أن يكون : " لتبينه للناس" ، وليس " لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ " .
    إذاً فيكون المعنى : أنزلنا إليك القرآن ليبين لهؤلاء المختلفين حقيقة ما نُزِّل إليهم ، وما هم فيه مختلفون . فلا دليل في هذه الآية ، ولا حجة على الإطلاق لهؤلاء الذين يعتبرونها دليلا على حجية سُنة مذاهبهم ، و سُنة تفرقهم تلك التي يّدعون أنها سُنة الرسول المبينة والمكملة للقرآن
    إن الخطاب القرآني في الآية ليس للمُسلمين ، والذكر المنزل فيها جاء مُبينا لغيره مما نُزٍِّل على الناس من رسالات سابقة . أى إن رسول الله محمدًا جاء يُظهر لأهل الكتاب ، بالوحي القرآني والذكر الحكيم ، ما أخفوه وما حرَّفوه . وهكذا يُبطل الله تعالى حُجج المـُختلفين المـُعاندين الكافرين ، بتذكيرهم بحقيقة حالهم ويكشف ما أخفوه وحرَّفوه ، إذ يجعل من مُهمة رسوله بيان ذلك .
    يقول الله تعالى في سورة المائدة :
    ] يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ] 15 [ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] 16 [ *
    تدبر قول الله تعالى في نفس السورة :
    ]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] 19 [ *
    لقد وردت كلمة البيان في القرآن الكريم بمعنى الإظهار، أي إظهار الحكم إظهار الخبر، إظهار الحق ، كل حسب السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة . فالمعنى العام لكلمة " البيان " في القرآن الكريم هو إلقاء الضوء على شئ موجود أصلا ، ولكنه كان خفيا غير ظاهر للناس ، فيظهره الله تعالى
    ( مصدر البيان) لهم . تدبر قول الله تعالى في سورة القيامة :
    ]لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ] 16 [ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ] 17 [ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ] 18 [ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ] 19 [
    إن معنى كلمة " البيان " في القرآن ليس التفسير بالمأثور المنسوب إلى رسول الله . لذلك لا يصح لمسلم أن يفهم قول الله تعالى : " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ " بمعنى ثم إن على رسولنا تفسيره . لأن هذا الفهم ، كما ذكرنا من قبل ، يتعارض مع الإعجاز القرآني الذي تحدى الله تعالى به أهل اللسان العربي . فليس من المعقول أن يتحدى الله تعالى أهل اللسان العربي بآية معجزة لا يفهمونها إلا إذا فسرها لهم الرسول !!. إن سياق الآيات جاء يعكس حالة رسول الله ، وقت تلقيه الوحي القرآني ، وقلقه من أن يتفلت منه جزء ، فجاء سياق الآيات يُطمئنه ، ويُؤكد له أن الله تعالى جامع كتابه ، ومُظهر آياته ، ومُبين المـُجمل منها بآيات أُخرى مُفصلة ، وعاصمه من الناس حتى يُبلغ رسالة ربه .
    تدبر قول الله تعالى في سورة المائدة :
    ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ] [67 *
    إن سياق آيات سورة القيامة يتحدث عن بيان القرآن كله : " جَمْعَهُ " " قُرْآنَهُ " " بَيَانَهُ " ، فهل بين ( فسر) رسول الله  القرآن كله كلمة كلمة ، وآية آية ، ليكون بذلك قد بلغ رسالة ربه كاملة غير منقوصة إذا كان حقا ( تفسيره) للقرآن جزءا من رسالته ، وأين هذا التفسير المـُـثْبِتُ لهذا الادعاء ؟ إن واقع تراث الفرق والمذاهب الإسلامية في التفسير عبر منظومة التواصل المعرفي ، يُثبت بطلان هذا الإدعاء . إن دعوة خاتم النبيين محمد  ، ورسالته العالمية الخاتمة ، جاءت بَيِّنَة في ذاتها مُبِينَة لغيرها . فهي ليست في حاجة إلى من يبينها .
    تدبر قول الله تعالى في سورة الدخان :
    حم ] 1[ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ 2] [ *
    وتدبر قول الله تعالى في سورة النمل :
    ]طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ] 1 [هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ] 2 [ *
    وتدبر قول الله تعالى في سورة الدخان :
    ] أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ] 13 [ *
    تدبر، لتقف على حقيقة معنى قول الله تعالى : " لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ "
    [ الآية 44 من سورة النحل] .
    إن القرآن الكريم مستغن بذاته عن تفسير البشر له فبيانه قائم بذاته إلى يوم الدين ، ولننظر إلى مفهوم " البيان القرآني" في بعض آيات الذكر الحكيم من سورة البقرة ، فمثلا عن أحكام الخمر والميسر وأحكام اليتامى ، يقول الله تعالى :
    ] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ] 219[ *
    تدبر : " كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ " وتدبر الخاتمة : " لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " .
    فمنهج التفكر والتعقل والتدبر هو البيان القرآني .
    ويقول الله تعالى عن نكاح المشركين والمشركات :
    ] وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ] 221 [ *
    تدبر : " وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ " وتدبر الخاتمة : " لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ "
    لتعلم أن منهج المذاكرة والتَّذَكُر والتَّذْكِير ، هو البيان القرآني .
    وعن المحيض وإتيان النساء وأحكام الطلاق يقول الله تعالى :
    ] وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ] 222 [ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ] 223 [ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 224] [ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ] 225[ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ] 226 [ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ] 227[ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ ] 228 [ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ] 229[ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ] 230 [ *
    تدبر : " تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا " ثم قوله بعدها : " وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا " ، ثم يختم الآية بقوله " لقوم يعلمون" فعلم الشريعة الحق هو ما قام على البيان القرآني . وفى ختام أحكام الطلاق ومتعة المتوفى عنها زوجها يقول الله تعالى :
    ]كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ] 242 [ *
    وتدبر الخاتمة : " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " لتعلم أن نطاق عمل العقل في الشريعة الإسلامية العالمية الخاتمة هو البيان القرآني .
    وفى سورة المائدة يقول الله تعالى مخاطبا المؤمنين ، وآمرا لهم بطاعته وطاعة رسوله :
    ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] 90 [ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ] 91 [ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ] 92[ *
    تدبر : " فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ " وارتباطه بأمر طاعته . مما يُؤكد أن النص الإلهي الذي أمر الله تعالى المؤمنين في عصر الرسالة بطاعة الرسول فيه هو النص:
    القرآني المبين . من أجل ذلك كان التولي عن رسول الله ومعصيته في عصر الرسالة كُفر صريح بالله تعالى .

    *******



    بيان


    عقوبة الزنا في القرآن الكريم

    يقول الله تعالى في سورة النور :
    ]سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ] 1 [ *
    تدبر : " وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِنَاتٌ " ، ثم يأتي بعدها مباشرة بوصف فعل الزنا مطلقا :
    " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي " ، ثم يأتي بعده مباشرة بالعقوبة أيضا مطلقة ، وذلك بنص قطعي لا شبهة في فهمه " مِئَةَ جَلْدَةٍ " .
    وأسأل : علي أي أساس ، بعد هذا البيان ، قسم علماء السلف الزنا إلى زنا مُحصن وزنا غير مُحصن ، وجعلوا عُقوبة المـُحصن الرجم ، وعقوبة غير المحصن الجلد ؟! .
    هل فوض الله عز وجل رسوله أن يستقل بهذا التشريع عن تشريع القرآن ، فيأتي القرآن بالعقوبة المخففة الجلد ، وتأتي السنة بالعقوبة المغلظة القتل ضمن أحكام السنة المبينة للقرآن التي يكفر من ينكرها ؟!!.
    أما بالنسبة لعقوبة الزنا فالقرآن الحكيم لم يفرق بين محصن وغير محصن فقد جاء بعقوبة واحدة هي الجلد ، بل وقد أشار إلى أن عقوبة الإحصان هي جلد أيضا وذلك بعد ثلاث آيات فقط من بيان عقوبة مُطلق الزنا .
    تدبر قول الله تعالى :
    ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ] 6[ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ] 7 [ وَيَدْرَؤُاُْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ] 8[ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ] 9 [ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ آية من ] 10 [ .
    والمتدبر لهذه الآيات يعلم أن عُقوبة الزنا للمرأة المتزوجة ، أي المـُحصنة هي الجلد وليس الرَّجم . فالآيات جاءت تبين أحكام اللعان ، فالزوجة التي اعترفت بارتكابها الفاحشة ، وأقرت باتهام زوجها لها وجبت عليها عُقوبة الزنا ، التى وصفتها الآية بالعذاب ، يقول الله تعالى : " وَيَدْرَؤاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ " . لقد وصف الله تعالى العقوبة بالعذاب ، وجاءت كلمة العذاب معرفة بأل العهدية أي العذاب المعهود ، أي السابق تعريفه والمشار إليه في قوله تعالى : " وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ " ، مشيرا بذلك إلى عقوبة الجلد . إذاً فعقوبة المرأة المتزوجة التي رماها زوجها بالزنا ، واعترفت بذلك ، هي الجلد . ولم يفرق الله تعالى بين مُحصن وغير مُحصن في عقوبة الزنا ، ولا يُمكن أن يخالف رسول الله ربه في حكمه . لقد تميزت سورة النور بهذه المقدمة :
    سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .
    وأرى أن الله تعالى ، في إطار علمه المـُطلق ، قد خص سورة النور بهذه المقدمة المـُحكمة لاحتواء هذه السورة على أمهات الأحكام المنظمة للعلاقات الاجتماعية والزوجية على وجه الخصوص . وما يتعلق منها بالفواحش وعقوبة الزنا ، فبينت هذه المقدمة أن أحـكام الشريعة لا تخرج عن آيات الذكر الحكيم المنزلة على رسول الله الخاتم ، والتي منها أن الأمة المـُحصنة ، أي المـُتزوجة إذا زنت فعليها نصف عقوبة الحرة المتزوجة ، يقول الله في سورة النساء :
    ] وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ25] [
    فقوله تعالى : " فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" يُحدد عقوبة الأمة بنصف العذاب ، وهذا يعني أن الله تعالى يلفت النظر إلى أن هذه العقوبة التي هي عذاب وليست موتا ، قد بينها عز وجل في موضع آخر من كتابه ، وهي عقوبة الجلد المشار إليها في أول سورة النور ، والذي يفهم منه أن عقوبة الأمة المتزوجة أي المحصنة : خمسون جلدة . لقد فرق الله تعالى بين العذاب والقتل في أكثر من موضع في القرآن الكريم كي يغلق باب التحريف أمام المتعدين على حدوده ، وحتى لا يدعي مُدع أن العذاب يُمكن أن يكون أيضا قتلا ، أو ما يؤول إلي القتل ، ليحمل كلمة العذاب في الآية معنى القتل أيضا لتصبح بذلك عُقوبة الرَّجم ، الموروثة عن اليهود ، ضمن شريعة المسلمين . لقد فرق القرآن الحكيم بين العذاب والقتل في مُحكم التنزيل .
    يقول الله تعالى في سورة النمل :
    ] لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ] 21 [ *
    وتدبر قول الله تعالى في سورة يس :
    ]قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ] 18 [ *
    فالعذاب لا يكون إلا للنفس الواعية ، حيث الإحساس بالألم ، لذلك كان وعيد جهنم عذابا ، تتبدل فيه الجلود ، وليس موتا . تدبر قول الله في سورة النساء :
    ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ] 56 [ *

    " فاجلدوا" ، وبيان الأدوات الواجب استخدامها في ذلك حتى لا يصل العذاب إلى إماتة ، أما أن تأتي السنة لتقول " فارجموا" ، فهذا ليس ببيان وإنما هو تشريع لحكم جديد وعقوبة مختلفة تماما عما أمر الله تعالى به في كتابه .
    .
    ألا يكفينا البيان القرآني هذا ؟!!.
    إننا إذا تدبرنا من أول سورة النساء ، مرورا بالمحرمات من النساء وعقوبة الأمة الزانية ، وجدنا الله تعالى يقول في نهاية هذه الأحكام :
    ]يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] 26 [ *
    ولقد جاءت نهاية آيات أحكام اللعان ، ورمي المحصنات بالزنى في سورة النور بقول الله تعالى :
    ]وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] 18 [ *


    ألا يكفينا بيان الله تعالى لشريعته في كتابه ؟!!.


    =======================



    ومما يؤكد أن الله تعالى وحده هو مصدر هذا البيان ، وأن البيان في القرآن معناه :
    "" إظهار حكم الله تعالى للناس ""
    أدلة قرآنية كثيرة جدا منها :
    قول الله تعالى في سورة البقرة :
    ]أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
    ] 187 [ *
    تدبر : " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ " ، وتدبر الخاتمة : " لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " .
    فتقوى الله في اتباع بيانه القرآني .
    ويقول الله تعالى :
    ] مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] 261 [ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ] 262 [ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ] 263 [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ] [264 وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ] 265[ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ] 266 [ *
    تدبر :
    " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ " .
    وتدبر الخاتمة :
    " لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ "
    فإعمال العقل والتفكر يقوم على البيان القرآني .
    ويقول الله في سورة آل عمران :
    ]وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ] 103 [ *


    تدبر :
    "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِه "
    وتدبر الخاتمة :
    " لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "
    فالهداية في البيان القرآني ،
    وتدبر قول الله تعالى :
    ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ] 118 [ *
    تدبر :
    " قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ "
    . إن المسلم العاقل هو الذي يعلم أن الله تعالى قد بين أصول شريعته في كتابه الحكيم : " إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ " .


    وتدبر قول الله تعالى في سورة النساء :
    ]يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] 176 [ *
    تدبر:
    " يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ "
    ، لقد بين الله للمسلمين أحكام كتابه حتى لا يضلوا الطريق ، فهل فهم المسلمون ذلك ؟ ! .
    وتدبر قول الله في سورة المائدة :
    ]لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] 89 [ *
    تدبر :
    " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ "
    ، ثم انظر الخاتمة :
    " لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "
    . فهل شكر المسلمون ربهم على نعمة هذا البيان القرآني ؟! .


    وتدبر هذه المجموعة من الآيات من سورة النور :

    ] الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ] [2 الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ] [3 3 وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ] 4 [ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ] 5[ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ] 6[ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ ] 7 [ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ] 8[ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ] 9[ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ] 10[ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] 11[ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ] 12[ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ
    ] 13[ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] 14[ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ] 15 [ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ] 16 [ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ] 17 [ *
    ثم تدبر قول الله تعالى في ختام هذه المجموعة من الآيات :
    ]وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ]18[ *
    ويقول الله تعالى في نفس السورة :
    ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 58] [ [وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] 59[ *
    تدبر : " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ " ثم بعدها : " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ " .
    ويقول الله تعالى :
    ]وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ]60 [ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ] 61[ *
    تدبر :
    " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ "
    ثم تدبر ما بعدها :
    " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون "


    الخلاصة



    الخلاصة عن كلمة البيان.
    يُؤكد القرآن الكريم أن الله تعالى وحده هو مصدر هذا البيان ، وأن البيان في القرآن معناه إظهار حُـكم الله تعالى للناس كما جاء فى كتاب الله


    {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159
    التعديل الأخير تم 02-26-2008 الساعة 11:53 PM

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    5,513
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    انت نفسك نقلت التعاريف لمعنى " البيان "
    وقلت في هذا النقل ما يلي :

    قال ابن فورك في كتابه : مشتق من البين وهو الفراق , شبه البيان به , لأنه يوضح الشيء ويزيل إشكاله .


    وأما في الاصطلاح : فيطلق على الدال على المراد بخطاب ثم يستقل بإفادته .
    وقال القاضي أبو الطيب الطبري : إنه الصحيح عندنا , لأن كل ما كان إيضاحا لمعنى وإظهارا له , فهو بيان له .
    ايش قال يا samir1968 ؟
    قال : إيضاحا لمعنى وإظهارا له , فهو بيان له
    فالإظهار يكون للمعنى وليس كما تدعي مجرد إظهار النص فقط ... -أو كما تدعي مجرد قراءته -
    كمان مرة ..
    فالإظهار يكون للمعنى وليس كما تدعي بمجرد أظهار النص فقط ... -أو كما تدعي مجرد قراءته -


    واعترضه ابن السمعاني .. وللصيرفي منع ذلك ...
    ليش يا samir1968 ؟
    لانه :
    فإنه ربما ورد من الله تعالى بيان لم يخطر ببال أحد .
    شو قال يا samir1968 ؟
    قال : ربما ورد من الله تعالى بيان لم يخطر ببال أحد
    وشو تقدر تفهم من هذا الكلام ؟؟
    اقول لك انا ..
    ان مجرد التلاوة او القراءة ليست بيانا ..
    وان مجرد الإظهار لا يعتبر من البيان الكامل والتوضيح التام
    فيجب ان يرد كلام آخر من الله تعالى .. وطبعا يجوز ان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليبين ويوضح المراد من النص
    وطبعا يأتي ويرد هذا البيان اما مع نفس النص الاول .. أو مستقلا عنه ..ولا مانع طبعا من الاستقلال عنه ..

    طيب .واسمع هذا التعليل والتعريف ايضا .. وافهم ما يقوله .. فهو ينسف قولك نسفا وجعله هباء وغثاء ..

    ولعله يمنع تسمية ما كان ظاهرا ابتداء بيانا .
    سامع ماذا قال ؟
    قال : يمنع تسمية ما كان ظاهرا ابتداء بيانا
    فاهمها لوحدك أم أوضحها وابينها لك ؟
    وفاهم معناها أم أوضحه وابينه لك ؟
    لانه الظاهر ابتداء وان كان هو مبين كنص .. الا انه لا يكون بيانا ..فلا يسمى بيانا .. الا اذا جاء بيانا مرافقا او مستقلا يبين ويوضح ويفسر ويشرح ويفصل هذا المبين على الاجمال


    وقال الغزالي : هذا الحد لفرع من البيان , وهو بيان المجمل خاصة , والبيان يكون فيه وفي غيره . ا هـ .
    سامع ماذا قال الغزالي ؟؟
    وقال الغزالي : هذا الحد لفرع من البيان , وهو بيان المجمل خاصة , والبيان يكون فيه وفي غيره
    سامع وفاهم ؟!!
    ألووووو يا سمير ..
    سامع وفاهم ؟!!
    يقول لك الغزالي : هذا فيما يخص فرعا واحدا من البيان , وهو بيان المجمل خاصة , والبيان يكون فيه وفي غيره
    نعم
    فانواع البيان عديدة
    منها تفصيل الاجمال
    ومنها الزيادة على الاجمال بما يمكن من فهمه وتوضيحه وكماله فهما وحكما
    ومنها تخصيص العام
    وما الى ذلك مما هو مذكور في كتب الاصول

    واذا لم تقهم بعد معنى البيان .. فاسمع معي مما نقلته انت التالي :
    ولاحظ القاضي , وإمام الحرمين , والغزالي , والآمدي , والإمام الرازي , وأكثر المعتزلة كأبي هاشم , وأبي الحسين : أنه الدليل فحدوه بأنه الدليل الموصل بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب . ا هـ .
    الدليل
    ايش الدليل ؟
    الدليل الموصل بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب
    يعني الدليل الموصل الى فهم المراد منه
    والدليل قد يكون من القران نفسه وقد يكون من غير القران .. كي نفهم معنى ومراد النص الظاهر لنا .

    وخذ ايضا هذا
    وح
    كى أبو الحسين عنه أنه العلم الحادث , لأن البيان هو ما به يتبين الشيء , والذي به تبين هو العلم الحادث .
    بل وهذا ايضا :
    قال : ولهذا لا يوصف الله سبحانه بأنه مبين , لما كان علمه لذاته لا بعلم حادث . [ ص: 90 ]
    طيب .. نسمع اكثر واكثر ..

    وقال شمس الأئمة السرخسي من الحنفية في كتابه : اختلف أصحابنا في معنى البيان , فقال أكثرهم : هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب منفصلا عما يستر به . وقال بعضهم : هو ظهور المراد للمخاطب , والعلم بالأمر الذي حصل له عند الخطاب .
    قال : هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب
    فالمعنى بحاجة الى ايضاح ..ولا يمكن فهم المعنى بمجرد إظهار النص

    وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : قال أصحابنا في البيان : إنه الإفهام بأي لفظ كان .
    الإفهام .. تعرف معنى الإفهام ؟؟
    هو التوضيح الزائد والمستمر واستعمال الدليل حتى يتحقق الفهم الكامل والصحيح


    قال القاضي أبو الطيب : ... البيان اسم عام جامع لأنواع مختلفة من البيان , وهي متفقة في أن اسم البيان يقع عليها , ومختلفة في مراتبها , فبعضها أجلى وأبين من بعض , لأن منه ما يدرك معناه من غير تدبر وتفكر , ومنه ما يحتاج إلى دليل ... وهذا كالخطاب بالنص والعموم والظاهر , ودليل الخطاب ونحوه , فجميع ذلك بيان ..وإن اختلفت مراتبها فيه . ا هـ .
    ولي متابعة لكلامك الاخر في مداخلتك هذه .. خاصة افتراؤك لحد الزنا
    للحق وجه واحد
    ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
    "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    5,513
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samir1968 مشاهدة المشاركة

    سوف اقوم بتوضيح كلمة البيان في القرأن الكريم

    هل ظل كلام بعد الكلام السابق اعلاه !!!!؟؟؟؟؟
    ما ظل اي كلام
    صح
    ماشي
    طيب
    نكمل الان بقية مداخلتك
    للحق وجه واحد
    ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
    "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    5,513
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samir1968 مشاهدة المشاركة
    مما يُؤكد أن النص الإلهي الذي أمر الله تعالى المؤمنين في عصر الرسالة بطاعة الرسول فيه هو النص: القرآني المبين .
    وهل يدعي اي واحد ان القرآن الكريم خلا من توضيح وبيان الكثير من المسائل والاحكام بالتفصيل !!!!!
    لا
    لكن ايضا هناك في القرآن الكريم مسائل واحكام جاءت مجملة وهي بحاجة الى التفصيل ..
    فمن وما الذي يفصلها حتى تكون واضحة وشاملة وكاملة ؟
    طبعا هو رسول الله وسنة رسول الله ..
    فحجية السنة امر لا جدال فيه ومحسوم ومنتهي


    من أجل ذلك كان التولي عن رسول الله ومعصيته في عصر الرسالة كُفر صريح بالله تعالى .
    من أجل ذلك ومن أجل غير ذلك ايضا - كما نعلم جميعنا نحن الملتزمين باصول الدين كلها - كان التولي عن رسول الله ومعصيته في عصر الرسالة وفي ما بعد عصر الرسالة كُفر صريح
    للحق وجه واحد
    ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
    "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    5,513
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samir1968 مشاهدة المشاركة
    بيان عقوبة الزنا في القرآن الكريم
    يقول الله تعالى في سورة النور : ]سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ] 1 [ * تدبر : " وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِنَاتٌ " ، ثم يأتي بعدها مباشرة بوصف فعل الزنا مطلقا : " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي " ، ثم يأتي بعده مباشرة بالعقوبة أيضا مطلقة ، وذلك بنص قطعي لا شبهة في فهمه " مِئَةَ جَلْدَةٍ " .
    وأسأل : علي أي أساس ، بعد هذا البيان ، قسم علماء السلف الزنا إلى زنا مُحصن وزنا غير مُحصن ، وجعلوا عُقوبة المـُحصن الرجم ، وعقوبة غير المحصن الجلد ؟!
    يوجد عدة أسس وأصول ومصادر طبعا
    طيب نبدأ بالعقل يا سمير ..
    هل الزاني المحصن المتزوج مثل الزاني الاعزب !؟
    وهل من الحق ومن العدل ومن الاصول ان تتساوى عقوبتهما ؟!!
    طبعا لا
    طيب
    هل الشيخ الزاني المتزوج المحصن مثل الزاني الاعزب ؟!
    وهل من الحق ومن العدل ومن الاصول ان تتساوى عقوبتهما ؟!!
    طبعا لا

    لذلك اختلف الحد واختلفت العقوبة
    الزاني الاعزب عقوبته الجلد
    يقول الله تعالى: (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )


    الزاني المتزوج المحصن الشاب عقوبته الرجم حتى الموت والزاني الشيخ المتزوج المحصن عقوبته الرجم حتى الموت - كالشاب المتزوج مع انه لا يستحي من شيبته ولا يعرف للسن وقارا -

    وقد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ، في أخبار تشبه التواتر، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ففي الصحيحين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ]

    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله فقال الخصم الاخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل! قال:"إن ابني كان عسيفاً (أي أجيراً) على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله .. فرجمت. .

    ورجم الزاني المحصن لا خلاف فيه بين أهل العلم، وقد روى البخاري ومسلم أن رجلاً من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنحى لشقه الذي أعرض، فشهد على نفسه أربع شهادات فدعاه فقال: "هل بك جنون؟ هل أحصنت"؟. قال: نعم. فأمر به أن يرجم بالمصلى.

    وحد الرجم بالنسبة للزاني المحصن ثابت بكتاب الله تعالى أيضاً كما في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً. فقد نزلت اية الرجم، حيث كانت مما يتلى من القران (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها.

    ورد في صحيحي البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه اية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد اية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأ بها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم).


    وقد خفف الله الحد على البكر وشدده على المحصن. وعلة التخفيف على البكر هي علة التشديد على المحصن، فالشريعة الإسلامية تقوم على الفضيلة وتحرص على الأخلاق والأعراض والأنساب من التلوث والاختلاط، وتوجب على الإنسان أن يجاهد شهوته ولا يستجيب لها إلا من طريق الحلال وهو الزواج، كما توجب عليه إذا بلغ الباءة أن يتزوج حتى لا يعرض نفسه للفتنة أو يحملها ما لا تطيق، فإذا لم يتزوج وغلبته على عقله وعزيمته الشهوة فعقابه أن يجلد مائة جلدة ويغرب سنة، وشفيعه في هذه العقوبة الخفيفة تأخيره في الزواج الذي أدى إلى الجريمة. أما إذا تزوج فأحصن ثم أتى الجريمة فعقوبته الرجم لأن الإحصان يسد الباب على الجريمة، ولأن الشريعة لم تجعل له بعد الإحصان سبيلاً إلى الجريمة. فلم تجعل الزواج أبدياً حتى لا يقع في الخطيئة أحد الزوجين إذا فسد ما بينهما، وأباحت للزوجة أن تطلب الطلاق للغيبة والمرض والضرر والإعسار وأباحت للزوج الطلاق في كل وقت، وأحلت له أن يتزوج أكثر من واحدة على أن يعدل بينهن، وبهذا فتحت الشريعة للمحصن أبواب الحلال، وأغلقت دونه باب الحرام. فكان عدلاً –وقد انقطعت الأسباب التي تدعو للجريمة من ناحية العقل والطبع- أن تنقطع المعاذير التي تدعو لتخفيف العقاب، وأن يؤخذ المحصن بعقوبة الاستئصال التي لا يصلح غيرها لما استعصى على الإصلاح.


    هل فوض الله عز وجل رسوله أن يستقل بهذا التشريع عن تشريع القرآن ، فيأتي القرآن بالعقوبة المخففة الجلد ، وتأتي السنة بالعقوبة المغلظة القتل ضمن أحكام السنة المبينة للقرآن التي يكفر من ينكرها ؟!!.
    لا خلاف في ذلك
    ولا خلاف بان رسول الله مبلغ موحى اليه وعليه ان يبلغ كل ما يوحي اليه
    وهي ليست مجرد تفويض .. بل هي أمر وطلب من الله الى رسوله ..فالرسول مامور بذلك التبليغ وببيان ذلك التفصيل
    ولهذا جاءت هذه التفصيلات لهذه الوقائع والحالات كما يريدها الله لانها هي احكام الله
    وليس لاحد ان يشرع الا الله فقط

    كما أن الحدود كفارات .. اي أن الحدود زواجر وجوابر ..
    لحديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه.

    وقبل ان اتركك تعال معي لنضحك سويا على القانون الفرنسى الذي يقول بعدم المساواة في العقوبة بين زنا الزوجة حيث تعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وفقا لنص المادة (274) في حين يعاقب الزوج الزاني بالحبس الذي لا يزيد على ستة شهور وفقاً لنص المادة (277) .
    ثانياً: منح القانون زوج المرأة الزانية حق وقف تنفيذ العقوبة الصادرة ضد زوجته الزانية وذلك برضائه معاشرتها لها كما كانت وفقاً لنص المادة (274) ولم يمنح القانون زوجة الزاني هذا الحق
    ثالثاً : قرر القانون عقاب الزوج على جريمة الزنا بشرط خاص وهو أن يقع الزنا في منزل الزوجية فقط في حين تعاقب الزوجة الزانية على جريمة الزنا إذا وقع في أي مكان .
    وهذا هو شرط التطبيق فى القانون الفرنسى


    ومثله القانون الإنجليزي الذي يستثني الزوج من العقاب ويشترط لايقاع العقوبة عليه وقوع الزنا منه في نطاق المعيشة المشتركة بين الزوجين



    والان والى اللقاء
    التعديل الأخير تم 02-27-2008 الساعة 04:50 AM
    للحق وجه واحد
    ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
    "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. السنة النبوية وحيٌ من الله (سلسلة)
    بواسطة الفرصة الأخيرة في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 03-06-2018, 09:56 PM
  2. نعم السنة النبوية وحي من الله سبحانه
    بواسطة قتيبة في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 03-06-2018, 09:41 PM
  3. الاعتقاد في حفظ السنة.. من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية
    بواسطة فؤاد في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-21-2008, 11:19 AM
  4. الاعتقاد في حفظ السنة.. من لوازم الإيمان بالرسالة المحمدية.. د.جعفر شيخ إدريس
    بواسطة الفرصة الأخيرة في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-26-2006, 01:37 AM
  5. السنة النبوية وحيٌ من الله
    بواسطة الفرصة الأخيرة في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-15-2006, 11:16 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء