النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مسلمة الدار ومسلمة الاختيار

  1. افتراضي مسلمة الدار ومسلمة الاختيار

    يحق لكل مسلم أن يشك في إسلامه حينما يسمع أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يخشى على نفسه النفاق ويسأل حذيفة : أستحلفك بالله هل عدني رسول الله من المنافقين ؟

    إنَّ النفاق يعني الاقتصار على إظهار الإسلام وعدم تمكينه باطناً ، فيشمل من أبطن الكفر قاصداً ، ومن لم يقصد إبطانه ممن هو مسلم لا إرادياً .

    المسلم اللاإرادي هو ذلك الذي تلقى إسلامه من مجتمع الناس الذين حوله ، ولم يتعمق في فهم الإسلام وأصوله ، بل لو كان مولوداً عند يهود لكان يهودياً ، ولو ولد بين هندوس لأصبح هندوسيا ، فالدين عنده موروث ، وَجَد آباءه على أمة فقال : إني على آثارهم مقتدٍ .

    إنَّ التعليم اللاإرادي واجب الحصول ، لا يمكن لإنسان أن لا يتقبله أو أن لا يخضع له ، إلا أن يعيش وحيداً ، ولكن الممكن و الواجب تمييز الدين بطريقة الدليل وليس بطريقة الفرض الاجتماعي .

    والواجب أيضاً : أن لا يسلم المرء لذلك التعليم ، بل يميزه بالآلة التي تكمن مسؤوليته فيها ، عقله الذي سيُسأل عنه ولن يُسأل عن عقول الناس .

    لقد كانت الرقابة الاجتماعية آفة خطيرة ، وداء عضال ، لا يكاد يسلم منها بشر ، وهي عندما تتعلق بأمر الدين أكثر خطراً ، وأعظم ضرراً ، بل وأخوف ما خافه نبي الإسلام ، وخير الأنام ، على صحبه الكرام ، حينما قال لهم - صلوات ربي وسلامه عليه - : ( ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدجال ؟ الرياء ) أو كما قال .

    إنَّ عملية ( الدين بالوراثة ) عملية تذهب قيمة الدين ، بل وتهدمه مع مرور الزمن ، وهي عملية ثابتة الحدوث بالنصوص الشرعية ، وأقوال سلف الأمة .

    في ظلها يختلط أمر الدين بإحداث المحدثين ، وشرك المشركين ، وكفر الكافرين ، فلا يزال الله يبعث على رأس كل مائة سنة للأمة من يجدد دينها ، ولا يزال في كل خلف مَن يحمل العلم مِن عدوله ، ينفون عنه تأويل المتأولين ، وانتحال المبطلين ، وتحريف الغالين .

    فرقُ مابين التدين بالعقل والدليل ، والتدين بالإرث والتأثير فرق السماء عن الأرض !

    إنَّ مُسلمَ الدار ( وهو المتدين بتأثير المجتمع ) قد لا تنقصه حمية لدينه ، ولا إخلاص لعقيدته ، ولا استعداد لسفك دمه في سبيلها ، ولكنه لا يعلم كيف كانت ؟ ولا يدري كيف صحت ؟ ولا يمتلك الدليل عليها ، وليس مستعداً للتخلي عن ما ثبت عنده مما ليس منها ، فترى كثيراً من المنتسبين للإسلام ، لا يتركون بدعهم التي ورثوها على أنها من الدين وليست منه في شيء ، ولا يسلمون لما يصح من الأدلة مما يعارض ما ألفوه ، بل يعملون التأويل على أشده ، ويشتغلون بالتحريف ، ويختلط عندهم كلام الله ورسوله بكلام الأحبار والرهبان الذين اتخذوهم أرباباً من دون الله .

    بخلاف مُسلم الاختيار ( وهو الذي بنى إسلامه على الدليل والبرهان ) فهو لا يألوا جهداً في نكير البدعة ، ولا يدخر قوة في حرب الزيادة و النقص في دين الله ، بل ويفهم دينه وفق مراد الله ، و يستلهم ذلك من عقله الذي وهبه الله له ، ولا يرى لغير الله ورسوله عصمة ، ولا يعطي لغيرهما تسليماً وانقياداً .

    إنَّ الأول يجتمع فيه من سوء الخلق ما هو نتاج لعقيدته التي لا يدري كيف اعتقدها ، والثاني حسن الأخلاق نتيجة العقيدة السليمة المبنية على التبصر ، وكما قال الغزالي : ( الأخلاق رشح المعارف )

    وكما قال صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كانت فيه إحداهن كانت فيه خصلة من نفاق ومن كن فيه كان منافقاً خالصاً : إذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر ) أو كما قال .

    لقد كانت عبادة التفكر - التي هي السبيل للاعتقاد الاختياري - من أجلِّ العبادات وأعظمها ، ولقد كثر خطاب الله تعالى في القرآن المنادي بها بما يدل على أهميتها ، تفكرٌ في الآيات الكونية ونظام العالم البديع ، وعجائبه الكثيرة ، و المخلوقات العظيمة ، والجمال ، والدقة ، كل ذلك يدلك على أمرين : وجود الموجد لها ، ويدلك على صفاته من :
    القوة التي انتجت هذا الملكوت وحوته وسيطرت عليه وخضع لها ، والقدرة الكاملة ، والقيومية ، و العلم ، والإحاطة ، و الحكمة ، والعظمة ، وكمال الخبرة .. الخ ، و تفكرٌ في الآيات الشرعية : وهذا التفكر يفيدك الاستفادة من مقاصدها ، ويعطيك اليقين بها مما تراه من جمالها و كمالها ما لا يُرى إلا بالتفكر !

    قال ابن أبي العزّ في شرح العقيدة الطحاوية :

    " وهذه حال كثير من الناس من الذين وُلدوا على الإسلام ، يتّبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب ، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة ، بل هو من مسلمة الدار ، لا مسلمة الاختيار ، وهذا إذا قيل له في قبره : من ربك ؟ قال : هاه هاه ، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته .
    فليتأمل اللبيب هذا المحل ، ولينصح لنفسه ، وليقم لله ، ولينظر من أي الفريقين هو ، والله الموفق "
    ج/ 1 صـ : 379

    أقسم - غير حانث - أنه لا يكاد يسلم من هذا الخطر أحد منا ، فمقل ومستكثر ، وليس تشكيكاً في دينكم ، إن هي إلا دعوة لتدبر الدين وتأمل العقيدة .


  2. #2

    افتراضي

    لكن ينبغي التنبه إلى أن الدار المسلمة معروضة فيها أدلة الإسلام ظاهرة براهينه في أصل الدين وإن خفيت بعض السنة فيها أو كثير منها لغلبة البدع ، فلا يكون حالهم كحال من كان في دار الكفر في التقليد وعدم الدليل، ودار الإسلام قد تكون دار سنة أو دار بدعة بحسب غلبة الحق فيها .

    فلا بد من مراعاة مثل هذه الفروق .

  3. افتراضي

    أخي ناصر الشريعة .
    جزاك الله خيراً

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الاختيار والتكليف
    بواسطة المنافق في المنتدى قسم الاستراحة والمقترحات والإعلانات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-07-2011, 01:53 AM
  2. تأملات حول مسألة الاختيار د/ ياسر برهامى
    بواسطة خادم السنة في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-26-2010, 12:49 AM
  3. سؤال: هل الاختيار شيء وجودي ؟
    بواسطة حيادي في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-11-2010, 12:45 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء