الفتوحات الإسلامية دفاع عن النفس ونشر للإسلام
إن حركة الفتح الإسلامي تلك الحركة المباركة التي شهدها العالم في القرنين السابع والثامن الميلاديين لم تكن نابعة من أفكار شخصية وطموحات ذاتية لبعض القادة أو محاولات تُبذل من أجل إنشاء إمبراطوريات مترامية الأطراف غايتها إخضاع الشعوب لسطوتها وسلطانها كما هو الحال لدى الرومان والبيزنطيين والفرس وغيرهم من الشعوب والمعتقدات التي سبقت الإسلام وإنما جاءت من وحي القرآن الكريم وتعاليم السنة النبوية المشرفة، لأن الإسلام هو مزيج من العقائد والمبادئ والمُثُل العليا، يهدف إلى هداية البشرية إلى صراط الله المستقيم فهو دعوة إنسانية يجب أن تتجاوز حدود شبة الجزيرة العربية لتنطلق إلى آفاق أرحب لتعُم كافة أرجاء المعمورة لِتُحدث تغييرات إيجابية في حياة الشعوب ومعتقداتها، فعقيدة الإسلام لم تأت لتحل عُقَداً وأزماتٍ ذاتية متصلة بالفرد والأسرة والطائفة والجماعة والقبيلة فحسب فتكون بذلك محصورة الأفق مقتصرة على جوانب ضيقة من النفس البشرية وإنما جاءت بمفهوم أوسع وألق جديد أنار كل جوانب الروح وحلّق بها بعيداً عن الجمود والانزواء في حيز ضيق فلم ير المسلمون بأن هذه المبادئ التي أرستها العقيدة الإسلامية من إحقاق الحق وإذابة الفوارق بين الطبقات وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وغيرها من المبادئ التي كانت كل الأمم المستضعفة ترنو إليها بأبصارها وقلوبها علّها تسعد بها، فالكل باعتناق الإسلام متساوون في الحقوق والواجبات أن تظل حبيسة بيوتهم أو خيامهم أو أن يحتفظوا بها لدى بعض العقائد التي سبقت الإسلام. فكان لابد لهذا الفتح الإسلامي من أن تصحبه في مراحله الأولى حركات مد وجزر باعثها ما يعتمل في نفسيات المجتمع من تشبث بالقديم المعتاد، وإقبال على الجديد الطارئ، وفي خلال هذه الفترة، قد تجنح الأطراف المتنازعة فيه إلى السلاح، يدفعها التحمس للفكرة التي تتفتق، فإذا نحن أسأنا إلى طبيعة الإسلام السمحة، التي تأمر: "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" ويقرر : أن " لا إكراه في دين" وغيرها من الآيات ذهبنا نبحث عن علل وأسباب، نصنعها نحن ونفترض وجودها حيث لا علل ولا أسباب1 .
فلا جدال في أن الدعوة الإسلامية بدأت بالإقناع والموعظة الحسنة. غير أن انتشار الإسلام واتساع نطاقه وأرضيته استوجب من الحكمة والمنطق السياسي أن يصاحبه في فرض للجهاد والقتال في سبيل الله دفاعًٌ عن النفس وتثبيت سلطان الدولة أو لمنع فتنة المؤمن عن دينه حيث قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" .سورة البقرة.
وقوله تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" .سورة البقرة.
ومن هنا تبلورت فلسفة الجهاد في ضمير وفعل الإنسان المسلم بأن له في الدنيا مجداً وعزاً وفي الآخرة نعيماً وسعادة، فكان المجد والسعادة في الدنيا والآخرة معاً على أن "الدنيا مجاز للآخرة ولكنه مجاز حي، والآخرة على أنها ثواب الدنيا وصورتها في ميزان العدالة ولكنها صورة خالدة"2. ومن هنا تتجلى وتتضح فكرة وفلسفة الفتح في الإسلام والتي لا تبعد كثيراً عن فلسفة الجهاد بصياغته لهذه الحركة ونظرته القريبة والبعيدة لها بالتفاته إلى الدنيا وكيفية العيش فيها بعزة وسعادة وإلى الاعتقاد الراسخ بأن السعادة الأبدية في الحياة الآخرة. وتجدر الإشارة هنا إلى مسألة هامة خاض فيها كثير من الخائفين وخاصة كتاب الغرب بأن الإسلام نُشر بحد السيف وللرد على هذا الأمر يتضح من ظاهرة اتساع المد العربي في القرنين السابع والثامن الميلاديين أن صاحبته ظاهرة كبيرة تعتبر أهم السمات المميزة للعصور الوسطى ألا وهي انتشار الإسلام في البلاد المفتوحة، فساد بذلك ظن كبير بأن الإسلام نُشر بحد السيف وهذا خطأ تاريخي فادح تفنده الوقائع والأحداث التاريخية لأن الإسلام دين عقيدة ومبادئ ومثل عليا لا يمكن أن ينمو وينتشر بالقوة أو الإكراه، فالقناعة والاقتناع أمران حث عليهما الإسلام في كثير من الآيات، فلم يثبت في معظم فتوحات الدولة الإسلامية أن أكره شخص على اعتناق الإسلام، فليس من المعقول أن يدعو دين إلى عدم الإكراه في اعتناق الدين ثم يفعل ما يخالف ذلك، إضافة إلى انتشار الإسلام في كثير من البقاع كجزر الهند الشرقية والهند والصين وإفريقيا الوسطى وشرق إفريقيا لم يكن عن طريق الفتوحات أو الحروب وإنما عن طريق الدعاة والتجار، لذا يصبح من التعسف وعدم الحيادية والإنصاف أن نقرن بين التوسع العربي عن طريق الفتح الحربي ومقتضيات الحكم والسياسة وانتشار الإسلام في البلاد المفتوحة.