مدائن صالح
زاهي حواس
هناك العديد من المواقع الأثرية الموجودة في العالم العربي لا يعرف عنها العامة الكثير، بل أعتقد أن بعض هذه المواقع تفوق في أهميتها العديد من الأماكن المعروفة، بل وتزيد في أهميتها عن بعض ما تم اختياره في مسابقة عجائب الدنيا السبع. وبالمملكة العربية السعودية العديد من المواقع الأثرية المهمة والتي ترجع لعصور ما قبل الإسلام ومنها على سبيل المثال مدائن صالح. مما لا شك فيه أن طريق التجارة القديم بين مكة وبلاد الشام هو أحد أهم المعابر الحضارية القديمة لما لعبه من دور حضاري عظيم بنقل التأثيرات الحضارية من بلاد الشام إلى اليمن، ومنها إلى هضبة الحبشة بأفريقيا (اثيوبيا حالياً)، وبهذا كان هناك تواصل حضاري بين هذه البلاد والحضارات المختلفة.
وعلى امتداد هذا الطريق الذي يقع بمحاذاة الساحل الشرقي للبحر الأحمر ازدهرت دويلات ومدن كان لها طابعها الحضاري الخاص. إن هذه المواقع لا تزال تحتاج إلى الكثير من أعمال الكشف الأثري المنظم مع وجود مشروع لدراسة وحماية هذه الآثار التي اعتقد أنها ستقدم الكثير إلى تاريخ المملكة العربية السعودية قبل بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم). وأهم هذه المواقع كما ذكرنا المعروف باسم «مدائن صالح» نسبة إلى نبي الله صالح، ويقع بوادي فسيح يسمى (وادي القرى)، كان هذا الوادي بمثابة الجنة، حيث التربة الخصبة وتوافر المياه العذبة والطبيعة الخلابة التي جعلت الوادي وما يقوم به من قرى محطة رئيسية لقوافل التجارة القديمة.
وفي مدائن صالح توجد العديد من الأطلال والأماكن التي تنسب إلى ما ورد فى القصص القرآني مثل ذلك الجبل الذي ينسب إلى المكان الذي خرجت منه الناقة، وكانت إحدى المعجزات التي أرسلها المولى عز وجل إلى قوم صالح، ثم هناك المكان الذي يقال ان القوم كانوا يشربون فيه من لبن هذه الناقة، وموقع يقال إن القوم عقروا الناقة به. على أن أهم ما يميز المنطقة هي تلك الجبانة الشاسعة وواجهاتها التي لا تزال في حالة رائعة من الحفظ وهي مقابر منقورة في الصخر الطبيعي، ولها واجهات متعددة المستويات تنتهي من أعلى بما يمثل درجات السلم، ويزين الواجهة أشكال لحيوانات خرافية مجنحة تمثل رموزاً لمعبودات ذلك العصر، والذي ينسب عادة إلى الأنباط على أن مدائن صالح تقوم كمثال حي إلى ما تحتاجه المملكة العربية السعودية من مشروع متكامل لتسجيل ودراسة آثار المملكة وعمل خريطة أثرية لجميع المناطق الأثرية بها. هذه الخريطة سوف تساعد كثيراً في تنظيم عمليات البحث والاستكشاف عن آثار المملكة وبتالي وضع مشروع متكامل للحفاظ عليها وصيانتها. وبالمملكة خبرات وعقول قادرة على القيام بهذا المشروع خير قيام. والمجلس الأعلى للآثار بمصر على أتم الاستعداد لعمل شراكة تكون نواة فيما بعد لمشروع كبير يضم جميع البلدان العربية، وبالتنسيق مع جمعية الأثريين العرب، وذلك لعمل خريطة أثرية واحدة للوطن العربي توضع عليها جميع المناطق الأثرية على اختلاف الحقب التاريخية التي تنتمي إليها هذه المواقع، واستخدام أحدث تقنيات التكنولوجيا الحديثة لتسجيل هذه المناطق وعمل قاعدة بيانات «Data Base» لآثار الوطن العربي يساعد على صيانة وحماية مواقعنا الأثرية.
إن ما تتعرض له بلدان وطننا من حروب وصراعات تهدد تراثنا الحضاري تدعونا إلى الإسراع فى تسجيل هذا التراث باعتباره تراثا إنسانيا لا يجوز التعدي عليه بأي شكل من الأشكال باعتباره ذاكرة الوطن. وكلنا مسؤولون عن الحفاظ على ذلك التراث وحفظه للأجيال القادمة كخطوة على طريق حفظ هويتنا وميراثنا الحضاري
http://www.asharqalawsat.com/leader....&issueno=10474
Bookmarks