رسالة إلى السموأل :
انتقال سيدنا الإمام الحبر، العالم الأوحد، الرئيس مؤيد الدين، شمس الإسلام، أوحد العصر ملك الحكماء، أدام الله تأييده، و أرغم حسوده، من الملة الإسرائيلية، إلى الملة الإسلامية : إما هوىً و استحسان و عبث، أو عن دليل و برهان.
فأما الهوى و الإستحسان و العبث، فهو ما يقبح بمثله، و لا يليق لمن وصل إلى درجته من العلم، و لا سيما في الإعتقاد و الدين.
و إن قال : إنه بدليل و برهان، و بحث و نظر، فإن كان هذا البحث و النظر بعقل، حدث له فيما بعد، فربما حدث له عقل آخر يريه أن ما عليه الآن باطل.
و إن كان ذلك البحث بالعقل الأول، فهلا كان ذلك البحث، قبل ذلك الوقت ؟ و لعله لو ازداد في البحث و النظر لعلم أن الحق في غير المذهب الذي صار إليه.
و إن قال :
عرفت أن الحق في هذا الدين، بالدليل و البرهان، قلنا : بأي طريق ؟
ثم إنه لا يعلم أحد أن مذهبا أصح من سائر المذاهب، إلا إذا ذهب و استقصى جميع المذاهب، و تأمل جميع ما أصّله أربابها و حججهم.
فإن هو ادعى ذلك، فهو محال لأن عمره لا يكفي لمطالعة جميع ما أصّله سائر أصحاب المذاهب و الأديان. و لعله لو سئل عن حقيقة دين المجوس و الثنوية و البراهمة، لما كان قيّما بعلوم مذهب، و أيضا فإن الملة التي انتقل إليها هي على مذاهب كثيرة، فإلى أيها انتسب و أيها اختار ؟
فإن كان إلى الآن غير منتسب إلى أحدها، فهو إلى الآن غير مسلم.
و إن كان رجح أحد المذاهب، فبأي طريق ؟
إن ادعى البرهان، استحال ذلك، لأنه يلزم منه أن يكون قد اطلع على سائر كلام أصحاب الشافعي، و ابي حنيفة و مالك، و أحمد.
و إن كان قد رجح أحد المذاهب، استحسانا و هوى و تقليدا، فذلك مما لا يليق بالعلماء و الحكماء.
و حينئذ يرتفع عنهم الملك.
و رأي سيدنا الإمام الحبر في تأمل ذلك و الإجابة عنه أعلى.
Bookmarks