و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
الأخت الفاضلة و الأستاذة الكريمة " نصرة الإسلام " :
المسألة الأولى : هل الكافر يجب عليه البحث في أمر النبي صلى الله عليه و سلم و إن لم يسمع به ؟
لا .
قال صلى الله عليه و سلم (( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )) .
قال النووي رحمه الله ( في مفهومه دلالة على أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور وهذا جارٍ على ما تقدم في الأصول أنه لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح والله أعلم) .
المسألة الثانية : هل الكافر يجب عليه البحث في أمر النبي صلى الله عليه و سلم إن سمع به ؟
نعم .
قال صلى الله عليه و سلم (( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )) .
المسألة الثالثة : مثال افتراضي و آخر واقعي :
مثال افتراضي (1) :
لو لم يكن نبينا صلى الله عليه و سلم هو خاتم المرسلين .. و جاء شخص و قال إنه مرسل من عند الله .. فما هو عذرك حينها في عدم البحث في أمره ؟؟
هل ستقولين : إني متأكدة من ديني ؟؟
فهذا ليس بعذر لأن أحدًا لم يقل إن إيمانك بالرسول الجديد يعني ضرورة كفرك بالنبي محمد صلى الله عليه و سلم .
مثال واقعي (2) :
حين يكون معلومًا من ديننا – ضرورةً – أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم خاتم المرسلين لا نبي بعده .. و أتى بعده شخص و قال إنه مرسل من عند الله .. فهنا يصح ألّا أبحث في أمره لأني متأكد من ديني ..
فهل نرى أن اليهودي و النصراني ألصق بالمثال الافتراضي (1) أم بالمثال الواقعي (2) ؟؟
هما – يقينًا – ألصق بالمثال الأول بل هم من أهله و هو واقع في حقهم لا افتراض ، لذا لا يصح قياس حالهم على حالنا بحجة أنهم متأكدين من دينهم ..
فإن كان اليهود و النصارى لا يقولون بأن شريعتهم هي آخر الشرائع ..
و إن كان إرسال الله للرسل بعد اليهودية و النصرانية أمرًا ممكنًا عقلًا ..
فإنّ سماع اليهودي أو النصراني بمن يزعم أنه نبي كفيل بأن يجعله يبحث في أمره ، فإن بحث و عرف فبها ، و إن بحث و لم يستطع الوصول للحق فعذره عند ربه .
المسألة الرابعة : مثالان آخران :
المثال الأول لتوضيح الجانب العقلي :
طبيب دارس للطب الحديث ، عرف بوجود نوع من الطب يعتمد على تدليك القدم بحجة أن كل عضو في الجسم له جزء يمثله في القدم ، فلم يهتم بالبحث في أمر هذا الطب المزعوم .. هل يستطيع أحد أن يلومه ؟؟
لكن لو فرضنا أن هذا الطبيب كان عنده علم أن هناك نوع من الطب سيكون له أثر بالغ في شفاء الأمراض و هذا النوع سيتم اكتشافه في المستقبل ، فعندها لو كان طبيبًا يحرص على المرضى بحق لبادر بالبحث في شأن كل طبٍّ يسمع به و لو كان طب تدليك الأقدام ، لكن لا يلام على عدم البحث إلا إن سمع به .
المثال الثاني لتوضيح الجانب العاطفي :
فلان فوجئ بأن علانًا يدعي أنه أخوه ، فلم يبالِ به و لم يبحث في أمره ، ذلك أنه يثق في والديه و أنهما لم يخبراه يومًا أن هناك أخٌ له قد تاه منهم أو شيئًا كهذا ..
لكن لو فرضنا أن فلانًا هذا كان أبوه أخبره أن هناك أخًا له تاهَ عنه في صغره ، و أتاه شخص و قال له " علان الكذاب الدعيّ يقول إنه أخوك " ، فهل ترين لهذا الـ " فلان " عذرًا إن لم يبحث في أمر هذا الـ " علان " بنفسه ؟؟
بعد هذين المثالين : أَيَكْسُلُ النصراني عن البحث في أمر النبي صلى الله عليه و سلم حين يسمع به و هو معذور أم و هو لا يبالي ؟!
المسألة الخامسة : هل نشترط لصحة ديننا تحريف دينهم ؟؟ و هل نشترط لإلزامهم بديننا معرفتهم ببطلان دينهم ؟؟
لا .. لا نشترط ذلك أبدًا .. بل لو كان دينهم و كتابهم سليمًا لكان يلزمهم الإيمان برسول الله صلى الله عليه و سلم .. و يكفينا فصلًا و بيانًا قوله صلى الله عليه و سلم (لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي ) .
المسألة السادسة : هل السماع الذي يلزم الكافر البحث بعده هو سماع الخير وحده أم مطلق السماع بالنبي صلى الله عليه و سلم ؟؟
هل نتوقع حين نقول للكافر " الإسلام دين عظيم " " محمد صلى الله عليه و سلم شخصية فريدة لم يجُد الزمان بمثلها " ، هل نتوقع منه أن يُسلِم بمجرد سماعه هذا الكلام ؟؟
غالبًا لن يُسلم إلا بعد البحث في صدق هذا الكلام .. فهل هذا البحث يلزمه بعد سماع الخير الذي سمعه أم لا ؟؟
الظاهر من كلامك أختنا الفاضلة أنك ترين أن البحث يلزمه بسماعه هذا الخير عن الإسلام ، لكنه قد يعترض و يقول : لا يلزمني هذا البحث لأن هذا الكلام صدر من مسلم و شيءٌ متوقع أن يثني المسلم على الإسلام .
فكيف يكون جوابك عليه أيتها الفاضلة ؟؟
أما القائلون بلزوم البحث بعد السماع سماع الخير أو الشر فيجيبونه :كما أن سماع الخير عن الإسلام يأتي من المسلمين بشكل متوقع ، فكذا سماع الشر عن الإسلام يأتي من غير المسلمين بشكل متوقع ، و حيث إنك في كلتا الحالتين لا يوجد عندك ما ينفي إمكانية بعث الله تعالى للرسول محمد صلى الله عليه و سلم فإنه يلزمك البحث لتعرف الطريق التي ترضي ربك ، و إن أبيت البحث فهذا دليل على لا مبالاتك برضا ربك و معرفة الطريق الذي يرضيه تعالى .
و كذا يقولون :لا يتصور أن الكفار في مكة كانوا ينشرون عن النبي صلى الله عليه و سلم الخير ، و رغم ذلك فكان العرب يأتون النبي صلى الله عليه و سلم للوقوف على الخبر بأنفسهم ، و لم يمنعهم سماعهم الشر عن البحث لأنه شيءٌ متوقعٌ بادي الرأي.
المسألة السابعة : قال ابن عباس رضي الله عنهما :
(حدثني أبو سفيان من فيه إلى فيّ قال : انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل - قال وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل - قال :
فقال هرقل " هل ها هنا أحدٌ من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ "
فقالوا : نعم .
قال : فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه .
فقال : أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان فقلت : أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه فقال " قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه" .
قال أبو سفيان : وايم الله لولا أن يؤثروا علي الكذب لكذبت .
ثم قال لترجمانه : سله كيف حسبه فيكم ؟ ، قال : قلت هو فينا ذو حسب .
قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ ، قال : قلت لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ ، قلت : لا .
قال : أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ ، قال : قلت بل ضعفاؤهم .
قال : يزيدون أو ينقصون ؟ قال : قلت لا بل يزيدون .
قال : هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ ، قال : قلت لا .
قال : فهل قاتلتموه ؟ ، قال : قلت نعم .
قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ ، قال : قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالًا يصيب منا ونصيب منه .
قال : فهل يغدر ؟ ، قال : قلت لا ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها - قال والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه . " أي لم يستطيع أبو سفيان أن يدخل في شيء من الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا في هذه الكلمة ذلك أنه يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يخون العهد " .
قال : فهل قال هذا القول أحد قبله ؟ ، قلت : لا .
ثم قال لترجمانه : قل له إني سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها ، وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت أن لا فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله ، وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب ، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ، وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله فزعمت أن لا فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله .
قال ثم قال : بم يأمركم ؟ ، قال : قلت يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف .
قال : إن يك ما تقول فيه حقًّا فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي .
قال ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }.
فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا ، قال : فقلت لأصحابي حين خرجنا لقد أمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام) .
فبعد قراءة هذا الحديث الجم الفوائد ، أري السبب الرئيس لبحث هرقل في أمر النبي صلى الله عليه و سلم يتمثل في أمرين :
- علمه بمن يزعم أنه نبي من عند الله و هذا علمه من رسالة رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .
- علمه بأن هناك نبيًّا يأتي رغم أنه لم يكن يتوقعه من العرب و هذا قوله " وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم ".
فإن كان البحث و الإسلام لزم هرقل بوصول الرسالة إليه فكذلك كل يهودي و نصراني يعلم أن هناك نبي يأتي أو لا يمتنع عنده أن هناك نبي يأتي ، و يعلم أن هناك من يزعم أنه نبي ، عليه أن يبحث في أمره كما بحث هرقل وسط القساوسة و المشركين و وصل للحق .
المسألة الثامنة : الرد على كلامك أختنا الفاضلة :
(#هل سعى الكافر للوصول الى الحق واجب عليه ؟؟ فتفضلت بالاجابة قائلا : نعم لان دينه يخبره بهذا .)
هناك تفريق بين كافر سمع برسول الله صلى الله عليه و سلم و كافر لم يسمع به " المسألة الأولى و الثانية " .
تقولين بارك الله فيك (أعرف ان اصل التوراة و الانحيل اللذين انزلا من عند الله تعالى غير محرفين و يبشران بقدوم النبى , و لكنهما حرفا و لاشك ان من ذلك التحريف محو النصوص المبشرة بقدوم النبى .
- فكيف نقول ان دينه يخبره بذلك فى حين ان كتابه الذى بين يديه الآن محرف ؟؟
و ذلك مع اعترافى بانى قرأت - فى منتدى حراس العقيدة - بعض النصوص من التوراة و الانجيل التى تبشر بقدوم النبى , غير انهم يقولون ان مصادر تلك النصوص غير معترف بها و لا مسلم بصحتها عندهم و استشهادنا بها باطل .)
1- لو لم يكن عندهم إلا أنهم لا يقولون بختم النبوة أو الشرائع بشريعتهم لكفى ، لأننا نقول لهم : حيث كنتم تؤمنون بإمكانية بعث الله لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم فما يدفعكم عن البحث في أمره إلا عدم الاكتراث أو اللامبالاة ؟؟ فكيف :
2- و أنتم لا تؤمنون بإمكانية ذلك فقط ، بل عندكم البشارة بنبي يأتي ؟؟ فكيف :
3- و مواصفات هذا النبي في كتبكم موافقة لصفات النبي محمد صلى الله عليه و سلم ؟؟
4- أما قولهم إن المصادر غير صحيحة فغير صحيح لأن المصادر هي التوراة و الإنجيل التي بين أيدينا ، و قولهم إن النصوص غير معترف بها فغير صحيح لأن هذه النصوص موجودة في التوراة و الإنجيل ، و قولهم الاستشهاد بها باطل فمردود عليهم بعد البيان العلمي لصحة الاستدلال بها و من عاند فلا حيلة معه .
تقولين رفع الله قدرك (- أليس معنى كون تبليغ الاسلام واجبا على المسلمين هو انه حق اصيل للكافر؟؟و بمعنى آخر :- أليس من حق ذلك الكافر - الذي لم يبحث عن الحق نتيجة المعلومات المغلوطة الحاصلة بسبب تقصير المسلمين فى تبليغ رسالتهم - أن يقول لله يوم القيامة أن المسلمين لم يبلغوني دينك ؟؟
إذا كانت الإجابة نعم , فبها و نعمت .
و اذا كانت الاجابة لا :....... )
لكني أيتها الكريمة أرى السؤال لا يمثل محل النقاش بيننا .
أنتِ بارك الله فيك تفترضين شخصًا سمع عن الإسلام سمعًا مغلوطًا ، فالسؤال :
هل هذا الشخص بحث و اعتذر بكونه لم يستطع الوصول للحق بسبب تقصير المسلمين ؟؟
أم هو لم يبحث أصلًا و اعتذر بكونه سمع سمعًا مغلوطًا ؟؟
إن كنتِ ترين أنه يحق له الاعتذار بتقصير المسلمين بعد أن بحث و لم يستطع معرفة الحق ، فإني معك في ذلك ، و أنت بالتالي معي في أنه لا يحق له الاعتذار إلا بعد أن يبحث .
و إن كنت ترين أنه يحق له الاعتذار بأنه سمع سمعًا مغلوطًا و كان هذا السمع حجته في عدم البحث ، فإني لست معك في ذلك لأن سماع الانتقاص من الإسلام ممن لا يدين بالإسلام أمر متوقع لا يصح أن يكون مانعًا من البحث – كمثال الأخوين " فلان " و " علان " .
و لتوضيح الأمر :
جورج سمع عمن يقول إنه نبي و سمع ما لا يليق عنه من خلال رجال الكنيسة المجاورة لبيته .
جورج يعرف أنه من الممكن أن يبعث الله نبيًّا بعد المسيح عليه السلام بغض النظر عن اعتقاده في المسيح .
هنا جورج قرر ألا يبحث عن أمر الإسلام مكتفيًا بأقوال رجال الكنيسة المجاورة ، و عندما يعتذر يوم القيامة سيعتذر بتقصيره في البحث لما سمعه من رجال الكنيسة فهو لم يسأل المسلمين أصلًا .
أما لو بحث جورج و قرر سؤال المسلمين فلم يجد مجيبًا و لم يستطع الوصول إلى أحد يبلغه الحق أو مصدر يقف عليه بنفسه ، عندها يعتذر يوم القيامة بأن المسلمين قصروا .
لذا فقولك أختنا " أليس من حق ذلك الكافر - الذي لم يبحث عن الحق نتيجة المعلومات المغلوطة الحاصلة بسبب تقصير المسلمين فى تبليغ رسالتهم - أن يقول لله يوم القيامة أن المسلمين لم يبلغوني دينك ؟؟ " فلا يصح أن يعتذر بتقصير المسلمين و هو أصلًا لم يبحث .
و لو جعلنا السؤال (أليس من حق ذلك الكافر - الذي لم يبحث عن الحق نتيجة المعلومات الصحيحة القليلة بسبب تقصير المسلمين فى تبليغ رسالتهم - أن يقول لله يوم القيامة أن المسلمين لم يبلغوني دينك ؟؟ ) فكذا لا يصح أن يعتذر بتقصير المسلمين و هو أصلًا لم يبحث.
تقولين بارك الله فيك (فلماذا سعى النبى فى تبليغ الرسالة الى ملوك فارس و الروم و اليمن ... الخ بعد ان انتصر الاسلام و قويت شوكة المسلمين ؟؟؟
لماذا لم يقل انهم قد بلغهم انتصار المسلمين و ظهور الاسلام فلأجلس انا هنا و هم عليهم ان يأتوا و يبحثوا عن الحق ؟؟؟
و اذا كان تبليغ المسلمين لرسالتهم او عدمه لن يقدم او يؤخر فى مسألة ايمان الافراد او كفرهم - باعتبار ان كل فرد عليه البحث عن الحق بنفسه - فما فائدة امر المسلمين بنشر الاسلام و الدعوة الى التوحيد عن طريق الجهاد ؟؟؟ فالمسلمون ينوبون عن النبى فى تبليغ الرسالة , فماذا فعلوا ؟؟؟
فرطوا فى المهمة الموكلة اليهم و قالوا يجب على الكافر ان يبحث عن الحق .... فى عكس ما فعل النبى تماما .)
أختنا الكريمة ..
قولك " كل فرد عليه البحث عن الحق بنفسه " فلم أقل هذا مطلقًا هكذا ، بل هناك فرق بين من سمع بوجود الحق في دينٍ ما ، و بين من لم يسمع بهذا الدين أصلًا .
و لا أرى أني يتعذر علي الجمع بين ما تقولين من وجوب الجهاد و نشر الإسلام و مراسلة الكفار و رد الشبهات و دفع الباطل و بين ما أقول من أن الكافر إن سمع بالإسلام فعليه بالبحث ، و على المسلمين تيسير سبيل البحث له ، و ينشرون العلم و يقفون في كل منبر و ميدان يدعون الناس إلى دين الله الذي اصطفاه لهم .
الأخت الكريمة ..
لنفرض كافرًا جلس في بيته و سمع من خلال الرائي – أي التلفاز – أن هناك دينًا يسمى الإسلام و أتباعه يرون أنفسهم أهل الجنة ، و هم رجعيون متخلفون ، ثم طرق بابه طارق و قال " نحن مسلمون نريد أن نبين لك حقيقة ديننا " .
هل نقول يلزمه أن يسمع منهم أم لا ؟؟
لو اتبعنا كلامك أختنا الكريمة لما كان يلزمه البحث أصلًا و لكان من حقه ألا يفتح لهم الباب لأنه غير مطالب بهذا البحث و هذا السماع .
لكني أرى أنه يلزمه أن يسمع منهم .
فنقول للمسلمين قفوا بالأبواب و علموا الناس بربكم و دينكم و نقول للكفار الذين سمعوا بالإسلام افتحوا الأبواب .
المسلم يقوم و ينذر ، و يدعو و يجاهد ، و يثابر و يصابر ، و يزيل الصعاب في طريق الباحثين عن الحق ، و لا يألو جهدًا و لا يدخر وُسعًا في بيان هذا الحق .
الكافر يسمع بالإسلام فيسأل ، فإن تعذرت عليه المعرفة فله عذره عند ربه ، أما أن نقول إنه لا يطالب بالبحث ابتداءً فيحق له حينئذٍ أن يغلق على نفسه باب بيته و يمنع المسلمين من الكلام معه بحجة أنه لا يلزمه البحث و لا تلزمه المعرفة بذاك الإسلام الذي سمع عنه .
تقولين أختنا (فحينما اربط بين الامرين ( سعى الكافر للحق و سعى المسلمين لتبليغ الرسالة ) فانما اقصد ان وصول الكافر للحق يتم باجتماع الامرين معا بحيث اذا فقد احدهما اصبح من العدل لا ان اقول ان يُعفى عن الكافر فتكون الجنة مصيره حتما , و لكن اقول ان تكون له فرصة اهل الفترة .
مع الاخذ فى الاعتبار ان كون ذلك الكافر من اهل الفترة ليس بالامر الهين ابدا , اذ انه قد ينجح او يفشل فى الامتحان .)
و أنا لم أنكر قط واجب المسلمين في تبليغ الرسالة ، بل عندما أطالب من سمع بالإسلام بالبحث و السؤال ، أطالب المسلمين من الناحية الأخرى بأن يوفروا له الجواب .
أن نقر بواجب المسلمين في تبليغ الرسالة لا يعني ألا نطالب الكافر بالبحث في أمر الدين الذي سمع به ، و مطالبتنا له بذلك لا تعني أننا لا نقول إنه لا يُعذر عند الله إن لم يستطع الوصول للحق .
فإن كان له العذر يوم القيامة فإنه يكلف بحسب ما رأى من الجنة و النار و بعث و القبر ، فيكلف بأمر يليق برؤيته هذه العظائم .. فكان تكليفه في محله و ليس في ذلك ظلم له .
تقولين بارك الله فيك (يؤلمنى هو فكرة المساواة بين من وصله الاسلام صحيحا فجحده و كفر , و بين من وصله الاسلام مشوها فكفر .)
كيف يصل الإسلام صحيحًا له ؟؟
أيكفي في وصوله أن يعلم أنه دين جميل ؟؟
أبو ذر رضي الله عنه لما جاءه أخوه أنيس و قال له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم " رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا ما هو بالشعر " قال له أبو ذر " ما شفيتني مما أردت " و ذهب بنفسه و سمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم .
فما معنى وصول الإسلام صحيحًا ؟؟ أليس القدر الكافي من الوصول الصحيح الذي يجعل المرء يعتنق الإسلام قدرًا نسبيًّا يختلف باختلاف الأشخاص ؟؟
إن كان كذلك فإن المسألة فيها جانبٌ يُطالب فيه الكافر بالبحث حتى يقف على ما يكفيه و يشفي غليله ، و لا نرضى منه بقوله إن مدح الإسلام أمر متوقع من المسلمين ، بل نرضى منه بالبحث عن الأدلة ، فبالمثل أختنا لا نرضى منه بقوله إنه امتنع عن البحث لأنه سمع الأغاليط عن الإسلام ، لأن ذم الإسلام أمر متوقع من غير المسلمين ، بل نرضى منه بالبحث عن الأدلة .
فإن بحث و تعذر عليه البحث فإنه الله عدل لا يظلم أحدًا ، و لن يعذب أحدًا و له عليه – سبحانه – حجة أو عنده معذرة تكفيه .
Bookmarks