المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام الدين حامد
أفعال العباد نوعان :
الأول : أفعال لا اختيار لهم فيها ، كمثل خفقان القلب و حركة الأمعاء و ما شابه ، فهذه لا يخالف ذو عقل أن العبد لا اختيار له فيها ، لكن الكفار ينسبون حدوث هذه الأفعال إلى الطبيعة الصماء أو الصدفة التي قلما تتكرر أو لا شيء ، أما المسلمون فيقولون عن هذه الأمور أنها أثر لفعل الله عز و جل .. و هنا يعرف الجميع أيهما هو الصواب فإن الحق واضح و الطريق لائح و المنادي صائح !!
النوع الثاني من أفعال العباد : و هو ما يحدث باختيار العبد ، كأن يأكل و يشرب و يؤمن و يكفر و ما شابه ذلك ، فهذه الأفعال أفردتُ لبيانها موضوعًا مستقلًا :
أفعال العباد الاختيارية .. جواب سؤال ..
و من أراد أن يتابع هنا فيُقال له : الفعل من العبد كالولد من الأب .. الولد لا يكون إلا بعد مباشرة الأب و إرادته .. الولد مخلوقٌ لله لا للأب ..
فمن جمع في ذهنه حقيقة أن الأب يُنسب إليه الولد و يكون مسؤولًا عنه و حقيقة أن الله عز و جل خلق الولد و أباه ؛ فليس بعسير عليه أن يفهم أن العبد يفعل الفعل باختياره فينسب إليه و يكون مسؤولًا عنه و الله عز و جل خلق هذا الفعل .
"
وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ "
و هنا يأتي السؤال : هل العبد يستطيع تغيير ما علمه الله و كتبه قبل خلق الخلق ؟؟!
من يريد أن يغير شيئًا فعليه أن يعلم هذا الذي كتبه الله قبل خلق الخلق حتى يغيره .. و من هنا تنقسم الأمور المكتوبة إلى قسمين :
الأمور التي علم العبد ما كتب الله عليه فيها كالأمور التي مضت من حياته : فلا يستطيع العبد تغييرها حتى إن علمها ، و لو كان المرء ملحدًا و سألناه : هل تستطيع تغيير يوم مولدك مثلًا ؟!! لأجاب بالنفي .
الأمور التي لم يعلم العبد ما كتب الله عليه فيها كالأمور المستقبلية مثلًا :
هذه الأمور لا يستطيع العبد تغييرها لأنه لا يعلم ما كُتب عليه حتى يغيره .. و لذا لما احتجّ الكفار بأن الله كتب عليهم أنهم يكونون كفارًا مشركين رد الله عز و جل عليهم هذه الحجة الباطلة بكونهم لا علم لهم بما كتبه الله عليهم حتى يدعوا أنهم لا يستطيعون تغييره :
( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ).
فهذا وجه في الرد على السؤال و هو : أن الذي يسأل عن التغيير لا يعلم ما كُتب عليه أصلًا حتى يغيره ..
و الوجه الثاني - و الوجوه كثيرة - للرد : قال السعدي رحمه الله (
الله تعالى لم يجبر العباد على أفعالهم، بل جعل أفعالهم تبعا لاختيارهم، فإن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا كفوا. وهذا أمر مشاهد لا ينكره إلا من كابر، وأنكر المحسوسات، فإن كل أحد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية، وإن كان الجميع داخلا في مشيئة الله، ومندرجا تحت إرادته. ) .
فالله عز و جل كتب الأفعال الاختيارية بعلمه ما سيختاره العبد ، و
كون الاختيار معلومًا لا يعني أنه غير موجود ..
هنا يسأل الملحد : فكيف يكون الاختيار موجودًا و قد كان معلومًا من الله عز و جل ؟؟
فنقول : استغرابك هذا منبعه أنك تقيس علم الله عز و جل على علمك ، و المسلمون بل العقلاء كلهم يعرفون أن علم الله عز و جل غير علم العبد ، و المسلمون بل العقلاء كلهم يعرفون أن عدم معرفة كيفية علم الله لا يعني عدم وجود هذا العلم . ) .
Bookmarks