النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: أدلة وجود الله عزوجل - دليل الوجوب - (2/4)

  1. افتراضي أدلة وجود الله عزوجل - دليل الوجوب - (2/4)

    بسم الله الرحمان الرحيم

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا

    هذا هو الجزء الثاني من سلسلة أدلة وجود الله عز وجل، سلسلة أجمع فيها أشهر الأدلة على وجود الله تعالى التي وافقت العقل الصريح والنقل الصحيح

    وأسأل الله تعالى أن ينفع بها إخواننا المسلمين وزملاءنا الملحدين

    والدليل الذي سأخصصه لهذا الموضوه هو دليل الوجوب ويسمى أيضا دليل الإمكان

    وقبل البدأ في الموضوع أحببت أن أضع بين أيديكم أهم النقاط التي سأتطرق لها

    أولا أقسام الأحكام العقلية

    ثانيا إثبات واجب الوجود

    ثالثا دليل بطلان الرجحان بدون مرجح

    رابعا قبسات من أقوال الحكماء في دليل الوجوب

  2. افتراضي

    من اللازم قبل تفصيل القول في دليل الوجوب، الحديث عن أقسام الأحكام العقلية.



    أولا أقسام الأحكام العقلية

    الأحكام العقلية هي جميع الأمور والأشكال المفروضة في الذهن، أي كل ما يتصوره الفكر، وهذه الأحكام لا تخلوا أن تكون واحدة من الأقسام الثلاثة الآتية[1] :



    القسم الأول : ممكن الوجود

    وهو ما يقبل العقل وجوده وعدمه ويسمى أيضا الجائز و الممكن عقلا، وهو نفس تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية حين يقول :«هو الذي يمكن وجوده وعدمه»[2]

    · أمثلة توضيحية :

    1 – البشر موجودون في هذا الكون، لكن وجودهم جائز عقلا إذ أنه من الممكن أن لا نكون موجودين، دل على ذلك الشرع و العقل و العلم .

    2 – عودة الإنسان إلى الحياة بعد موته أمر ممكن لا يمنعه العقل رغم أن الحس و المشاهدة تنفيان هذا الأمر، إلى غير ذلك من الأمثلة.

    ونخرج من هذين المثالين بنتيجة مهمة وهي : أن كل حادث[3]فوجوده و صفاته، وكذلك انعدامه و انعدام صفاته، أمر ممكن عقلا، وليس شيء منها في حكم العقل المجرد بواجب ولا مستحيل.



    القسم الثاني : مستحيل الوجود

    وهو ما يوجب العقل عدمه، ولا يجيز إمكان وجوده في أية حالة من الحالات التي يتصورها الذهن.

    · أمثلة توضيحية

    1 – يستحيل في حكم العقل أن يكون الشيء موجودا و معدوما في نفس الوقت .

    2 – يستحيل أن يكون الجزء من الشيء الواحد أكبر من كل ذلك الشيء .

    3 – يستحيل ترجيح أخد المتساويين تساويا تاما على الآخر من غير مرجِّح.



    القسم الثالث : واجب الوجود

    وهو ما يوجب العقل وجوده، ولا يجيز إمكان انعدامه في أية حالة من الحالات التي يمكن أن يتصورها الذهن.

    · أمثلة توضيحية

    1 – متى كان الكل موجودا وجب عقلا أن يكون جزء هذا الكل موجودا أيضا.

    2 – يجب أن يكون للحادث محدِث قد أحدثه.

    3 – متى وُجد المعلول وجب عقلا أن تكون علته قد وُجدت.

    4 – متى وُجد المسبب وجب عقلا أن يكون سببه قد وُجد.

    5 – متى رجح أحد المتساويين على الآخر، وجب عقلا أن يكون مرجِّحٌ قد رجَّحه.

    6 – وأما واجب الوجود على الإطلاق، فهو وصف ليس له إلا موصوف واحد هو الله جل وعلا.

    فإن جميع الأمور والأشكال المفروضة في الذهن لا تعدو أن تتصف بأحد أوصاف ثلاثة : الوجوب، الاستحالة، الإمكان.

    فما اتصف بالوجوب هو ما يحيل العقل عدمه، وما اتصف بالاستحالة هو ما يحيل العقل وجوده، وما اتصف بالإمكان هو ما لا يحيل العقل وجوده ولا عدمه

    وقد ذكر الشهرستاني نحو هذا الكلام، حيث يقول :« القسمة العقلية حصرت المعلومات في ثلاثة أقسام واجب ومستحيل وممكن فالواجب هو ضروري الوجود بحيث لو قدر عدمه لزم منه محال والمستحيل هو ضروري العدم بحيث لو قدر وجوده لزم منه محال والممكن ما لا ضروري في وجوده ولا عدمه»[4].

    وكل البشر على اختلاف مللهم ومذاهبهم، يقرون بهذا التقسيم، بل حتى الملاحدة أنفسهم، ويبقى موضع النزاع في تعيين واجب الوجود، فمنهم من جعله صنما ومنهم من جعله كوكبا ومنهم من جعله الطبيعة الصماء أو الصدفة العمياء، وأهل الحق أقروا أن واجب الوجود هو صانع العالم الخالق البارئ سبحانه.




    --------------------------

    [1] انظر ضوابط المعرفة لعبد الرحمان حبنكة ص 317

    [2] درء التارض ج 3 ص 99

    [3] المقصود بكل حادث : كل موجود سوى الله تعالى

    [4] نهاية الإقدام – الشهرستاني – المكتبة الشاملة – ص 5

  3. افتراضي

    ثانيا إثبات واجب الوجود :



    بعد بيان أقسام الأحكام العقلية، فإن الموجودات إما أن تكون كلها ممكنة أو كلها واجبة أو منها الممكن والواجب، فأما الأول ممتنع، لأن الممكن وجوده بغيره وليس بنفسه والممكن يسبقه العدم، ومعلوم أن العدم لا يعطينا وجودا من نفسه وهذا معلوم بالضرورة والممكنات لا يترجح وجودها على عدمه إلا بمرجح مغاير لها- وسيتم بيان ذلك لاحقا- والثاني ممتنع أيضا لأنه خلاف المشاهد فالواجب هو الأزلي الأبدي الذي لا يقبل التغير،والعالم له بداية وستكون له نهاية ويقبل التغير[1]، فثبت إذا أن الموجودات تنقسم لممكن الوجود بغيره وواجب الوجود لذاته.

    ولا يكفينا القول بوجود القسمين معا، بل إن الناظر في الموجودات الممكنة لا يجد لها بدا من مُوجد واحد واجب الوجود، وإلا لما كان هناك وجود أصلا، فتبين لنا أن بالإضافة إلى وجود القسمين فإن واجب الوجود لذاته مستغن في وجوده عن كل ما سواه، ووجوده واجب ضروري، لا يجيز إمكان انعدامه العقل ، وأن كل ما عداه فهو ممكن لذاته، مفتقر في وجوده وماهيته إلى إيجاد الواجب لذاته.



    ولبيان ذلك : سأقوم بصياغة قضايا ثم أبني عليها نتيجة، هي ما قررته آنفا

    القضية الأولى : العدم "نقيض الوجود" لا يستطيع أن يوجد لنا شيئا.

    القضية الثانية : العالم حادث أي أنه كان مسبوقا بعدمه.

    القضية الثالثة : المشاهدة والحس والبداهة تؤكد أننا موجودين والعالم كذلك موجود.



    من القضية (1) و (2) نستنتج أن الأصل ليس هو العدم، إذ لو كان كذلك لما كان هناك عالم ولما كنا موجودين حتى نفكر ونكتب بحثا.

    ومن الاستنتاج الأول والقضية الثالثة، ثبت لنا أن الأصل هو موجود ليس قبله عدم، وإذا قلنا أن قبله عدم، سنكرر نفس المقدمتين الأولى والثانية لنخرج بنفس النتيجة، أن الأصل هو موجود ليس قبله عدم أي :أنه "موجود أزلي"، "واجب الوجود" وواجب الوجود هو الله الأول والآخر والظاهر والباطن.

    فتبين لنا إذاً أن الممكنات لابد لها من واجب الوجود لذاته وإلا لكانت الموجودات كلها معدومة، وهو ما أشار إليه ابن تيمية في قوله:« وإذا لم يكن في الوجود واجب لم يوجد شيء، فتكون الموجودات كلها معدومة »[2]، وينقل رحمه الله كلاما للآمدي من كتابه أبكار الأفكار على أن واجب الوجود وجوده لذاته لا لغيره بغلاف الممكن الذي وجوده بغيره، «مذهب أهل الحق من المتشرعين وطوائف الإلهيين القول بوجوب وجود موجود وجوده لذاته لا لغيره، وكل ما سواه فمتوقف في وجوده عليه»[3].




    --------------------------------------------------------------------------------

    [2] درء التعارض ج3 ص 264

    [3] درء التعارض ج 3 ص 89

  4. افتراضي

    ثالثا دليل بطلان الرجحان بدون مرجح :



    الرجحان في اللغة هو الميلان، يُقال رجح الميزان رجحانا أي مال [1].



    ونقول : أن معنى الرجحان بدون مرجح هو تغيير جريان شيء من نسق معين إلى نسق آخر من دون وجود أي مغير أو محول، وهذا معلوم بطلانه و فساده عند جميع العقلاء، ولا بدل لتحويله عن حاله السابقة من مرجح يفرض عليه الوضع الجديد . وحتى العلوم المادية تقر بهذه الحقيقة فإسحاق نيوتن الذي اشتهر بعبقريته في الغرب، يضع قانونا عاما للحركة [2] يثبت ما قرته آنفا.



    وبتطبيق هذه الحقيقة على مسألة وجود الله، واعتمادا على ما أقررته في أقسام الموجودات والأحكام العقلية نقول :

    أن هذا الكون الذي نعيش فيه من نوع الممكن، أي أن فرض عدمه ليس بالمستحيل عقلا،

    حيث نجد أن جزئياته تقبل العدم والوجود، فالأفلاك و الأجرام لم تكن موجودة ثم وُجدت وكذلك كوبنا الأرض و جميع الكائنات، وما يثبت للجزئيات يثبت أيضا للكلي، يقول ابن تيمية:«من المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوان والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم »[3] وهناك شواهد طبيعية كثيرة تثبت أن الكون لم يكن موجودا منذ الأزل، وان له عمرا محدودا، ومعنى ذلك أن كفة العدم كانت إذ ذاك هي الراجحة، وكان الأمر مستمرا على ذلك. ثم إن الأمر انعكس بعدئذ فترجحت كفة الوجود على كفة العدم. فمن البديهيات العقلية أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم الأصل فيه هو العدم، إذ لو كان أصله الوجود لكان واجب الوجود،فلا يكون مع ذلك ممكن الوجود والعدم، لاستحالة التناقض.

    فإذا ثبت أن الكون مسبوق بعدمه، وعلمنا أن العدم لا يعطينا وجودا ولا يؤثر في الوجود، وجب علينا حينئذ التصديق بوجود قوة مؤثرة رجَّحت الوجود على العدم.

    فإذا ادعى أحدهم أن في الكون قوة ذاتية أخرجته للوجود، فمعنى ذلك رجحان كفة الوجود على العدم دون الحاجة لأي عامل أو مرجح أو قوة، وهذا أمر بين بطلانه وفساده لذوي العقول، فكما أنه يستحيل رجحان كفتي الميزان المتساويتين إلا بوجود قوة كانت سببا في هذا الرجحان بل ويزيد الأمر استحالة عند فرض أن الكفة الثقيلة الراجحة طاشت وأصبحت مرجوحة وتهبط الخفيفة رغم خفتها وكل هذا من غير مرجح، فكذلك الشأن بالنسبة للوجود و العدم، فيبطل رجحان الموجود على العدم من غير مرجح.



    ولأَجعل الدليل أكثر وضوحا وبيانا، أقول: لقد بينت في الموضوع السابق أن العالم يطرأ عليه التغير والحدوث والعدم، وكل ما يطرأ عليه التغير والحدوث والعدم فهو ممكن الوجود، وكل ممكن الوجود وجوده بإيجاد غيره أي أنه لم يوجد نفسه وهذا واضح بَيِّن، فغيره من أوجده، واثبات إمكان وجود العالم إما من الطريقة الأعلى أو من الطريق الأسفل، أي إما أن نثبت أن "الكل" ممكن الوجود، والكل متركب من آحاد فثبت أن الآحاد ممكنة أيضا، إذ ما يثبت للكل يثبت للجزء، وإذا انطلقنا من الآحاد وأثبتنا أنها ممكنة، فالكل واجب أن يكون ممكن الوجود، وكل ممكن فهو باعتبار ذاته جائز أن يوجد وجائز أن لا يوجد وإذا ترجح جانب الوجود على العدم احتاج إلى مرجح، والذي رجح الوجود على العدم هو الله سبحانه وتعالى بإرادته ومشيئته.



    يشير الآمدي إلى هذا المعنى موضحا أن ممكن الوجود وجوده وعدمه جائر: «وعند ذلك فإما أن يكون في وجوده مفتقرا إلى مرجح أو غير مفتقر إليه، فإن لم يكن مفتقرا إلى المرجح فقد ترجح أحد الجائزين من غير مرجح، وهو ممتنع. وإن افتقر إلى مرجح فذلك المرجح إما واجب أو ممكن، فإن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فإما أن يقف على موجود هو مبدأ الموجودات غير مفتقر في وجوده إلى غيره، أو يتسلسل الأمر إلى غير النهاية، فإن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فهو ممتنع»[4]،وانظر في الفصل السابق برهان بطلان التسلسل والدور.




    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] لسان العرب ج2 ص 445 مادة رجح
    [2] هذا القانون هو القانون الأول للحركة الذي وضعه نيوتن ونصه : الجسم الساكن يبقى ساكنا ، والجسم المتحرك يبقى متحركا ... ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تؤثر على حالته .
    [3] بغية المرتاد ج 1 ص 430
    [4] نقلا عن درء التعارض ج 3 ص 89 -99

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    إذا اشتكى مسلمٌ في الهندِ أرقني ** وإن بكى مسلمٌ في الصينِ أبكاني ** مصرُ ريحانتي والشامُ نرجستي** و
    المشاركات
    48
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا على الشرح القيم

    وكما ذكرتم
    فالاحكام العقيلة ثلاثة ممكن الوجود
    مستحيل الوجود
    واجب الوجود




    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمر الأنصاري مشاهدة المشاركة
    من اللازم قبل تفصيل القول في دليل الوجوب، الحديث عن أقسام الأحكام العقلية.



    أولا أقسام الأحكام العقلية

    5
    حسبي الله ونعم الوكيل
    http://www.isyoutube.com/musicvideo.php?vid=60c095595

  6. #6

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله

    أود أن أعطي وجهة نظري الشخصية، متقدمة بالشكر لكاتب المقال على جهده الكريم.

    أرى بأن الموضوع معقد ولغته قديمة إلى حد ما، المشكلة بأن الملحدين لا يعترفون أصلا بهذه المرحلة، فهي تنفعنا نحن ولكنها لا تنفعهم، والسبب أن هذه الأساليب باتت قديمة قليلا، نحن نحتاج إلى تجديد في اللغة الفلسفية.

    هم يعتبرون القضية التي بحثت في المقال لا معنى لها، ليس أنها لها معنى ولكنها كاذبة، بل لا معنى لها من الأساس، فهي وإن كان لها صياغة لغوية، إلا أنها لا ترقى لأن تكون قضية لها معنى، وهذه مشكلة عويصة لابد لها من حل.

    الفلاسفة القدماء كابن سينا والفارابي وشيخ الإشراق وصدر الدين الشيرازي وغيرهم، لم يكتبوا بلغة تحرير مواضع الشك مع الملحدين، أو أنهم كتبوا بما يتناسب مع لغة زمانهم، أي أنهم قاموا بدور تاريخي منهجيا، وبقي لنا منهم تراث يحتاج إلى إعادة قراءة وإعادة صياغة. فعلى سبيل المثال، هم لم يبحثوا في القضايا الاستقرائية ومشكلة التعميم فيها، فهذه من المشاكل المنطقية التي إن لم تستقم لها حجة بات من الصعب الاعتماد على نفس المنطق الذي يستخدمه الفيلسوف في استدلاله.

    تحياتي
    ليث

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    إذا اشتكى مسلمٌ في الهندِ أرقني ** وإن بكى مسلمٌ في الصينِ أبكاني ** مصرُ ريحانتي والشامُ نرجستي** و
    المشاركات
    48
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا على الاستدلالات العقلية الصحيحة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمر الأنصاري مشاهدة المشاركة
    ثانيا إثبات واجب الوجود :



    بعد بيان أقسام الأحكام العقلية، فإن الموجودات إما أن تكون كلها ممكنة أو كلها واجبة أو منها الممكن والواجب، فأما الأول ممتنع، لأن الممكن وجوده بغيره وليس بنفسه والممكن يسبقه العدم، ومعلوم أن العدم لا يعطينا وجودا من نفسه وهذا معلوم بالضرورة والممكنات لا يترجح وجودها على عدمه إلا بمرجح مغاير لها- وسيتم بيان ذلك لاحقا- والثاني ممتنع أيضا لأنه خلاف المشاهد فالواجب هو الأزلي الأبدي الذي لا يقبل التغير،والعالم له بداية وستكون له نهاية ويقبل التغير[1]، فثبت إذا أن الموجودات تنقسم لممكن الوجود بغيره وواجب الوجود لذاته.

    ولا يكفينا القول بوجود القسمين معا، بل إن الناظر في الموجودات الممكنة لا يجد لها بدا من مُوجد واحد واجب الوجود، وإلا لما كان هناك وجود أصلا، فتبين لنا أن بالإضافة إلى وجود القسمين فإن واجب الوجود لذاته مستغن في وجوده عن كل ما سواه، ووجوده واجب ضروري، لا يجيز إمكان انعدامه العقل ، وأن كل ما عداه فهو ممكن لذاته، مفتقر في وجوده وماهيته إلى إيجاد الواجب لذاته.



    ولبيان ذلك : سأقوم بصياغة قضايا ثم أبني عليها نتيجة، هي ما قررته آنفا

    القضية الأولى : العدم "نقيض الوجود" لا يستطيع أن يوجد لنا شيئا.

    القضية الثانية : العالم حادث أي أنه كان مسبوقا بعدمه.

    القضية الثالثة : المشاهدة والحس والبداهة تؤكد أننا موجودين والعالم كذلك موجود.



    من القضية (1) و (2) نستنتج أن الأصل ليس هو العدم، إذ لو كان كذلك لما كان هناك عالم ولما كنا موجودين حتى نفكر ونكتب بحثا.

    ومن الاستنتاج الأول والقضية الثالثة، ثبت لنا أن الأصل هو موجود ليس قبله عدم، وإذا قلنا أن قبله عدم، سنكرر نفس المقدمتين الأولى والثانية لنخرج بنفس النتيجة، أن الأصل هو موجود ليس قبله عدم أي :أنه "موجود أزلي"، "واجب الوجود" وواجب الوجود هو الله الأول والآخر والظاهر والباطن.

    فتبين لنا إذاً أن الممكنات لابد لها من واجب الوجود لذاته وإلا لكانت الموجودات كلها معدومة، وهو ما أشار إليه ابن تيمية في قوله:« وإذا لم يكن في الوجود واجب لم يوجد شيء، فتكون الموجودات كلها معدومة »[2]، وينقل رحمه الله كلاما للآمدي من كتابه أبكار الأفكار على أن واجب الوجود وجوده لذاته لا لغيره بغلاف الممكن الذي وجوده بغيره، «مذهب أهل الحق من المتشرعين وطوائف الإلهيين القول بوجوب وجود موجود وجوده لذاته لا لغيره، وكل ما سواه فمتوقف في وجوده عليه»[3].




    --------------------------------------------------------------------------------

    [2] درء التعارض ج3 ص 264

    [3] درء التعارض ج 3 ص 89
    حسبي الله ونعم الوكيل
    http://www.isyoutube.com/musicvideo.php?vid=60c095595

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    إذا اشتكى مسلمٌ في الهندِ أرقني ** وإن بكى مسلمٌ في الصينِ أبكاني ** مصرُ ريحانتي والشامُ نرجستي** و
    المشاركات
    48
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا مرة اخرى على الشرح النافع
    رغم انه صعب نوعا ما لما فيه من عمليات عقلية تحتاج لشدة التركيز

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمر الأنصاري مشاهدة المشاركة
    ثالثا دليل بطلان الرجحان بدون مرجح :



    الرجحان في اللغة هو الميلان، يُقال رجح الميزان رجحانا أي مال [1].



    ونقول : أن معنى الرجحان بدون مرجح هو تغيير جريان شيء من نسق معين إلى نسق آخر من دون وجود أي مغير أو محول، وهذا معلوم بطلانه و فساده عند جميع العقلاء، ولا بدل لتحويله عن حاله السابقة من مرجح يفرض عليه الوضع الجديد . وحتى العلوم المادية تقر بهذه الحقيقة فإسحاق نيوتن الذي اشتهر بعبقريته في الغرب، يضع قانونا عاما للحركة [2] يثبت ما قرته آنفا.



    وبتطبيق هذه الحقيقة على مسألة وجود الله، واعتمادا على ما أقررته في أقسام الموجودات والأحكام العقلية نقول :

    أن هذا الكون الذي نعيش فيه من نوع الممكن، أي أن فرض عدمه ليس بالمستحيل عقلا،

    حيث نجد أن جزئياته تقبل العدم والوجود، فالأفلاك و الأجرام لم تكن موجودة ثم وُجدت وكذلك كوبنا الأرض و جميع الكائنات، وما يثبت للجزئيات يثبت أيضا للكلي، يقول ابن تيمية:«من المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوان والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم »[3] وهناك شواهد طبيعية كثيرة تثبت أن الكون لم يكن موجودا منذ الأزل، وان له عمرا محدودا، ومعنى ذلك أن كفة العدم كانت إذ ذاك هي الراجحة، وكان الأمر مستمرا على ذلك. ثم إن الأمر انعكس بعدئذ فترجحت كفة الوجود على كفة العدم. فمن البديهيات العقلية أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم الأصل فيه هو العدم، إذ لو كان أصله الوجود لكان واجب الوجود،فلا يكون مع ذلك ممكن الوجود والعدم، لاستحالة التناقض.

    فإذا ثبت أن الكون مسبوق بعدمه، وعلمنا أن العدم لا يعطينا وجودا ولا يؤثر في الوجود، وجب علينا حينئذ التصديق بوجود قوة مؤثرة رجَّحت الوجود على العدم.

    فإذا ادعى أحدهم أن في الكون قوة ذاتية أخرجته للوجود، فمعنى ذلك رجحان كفة الوجود على العدم دون الحاجة لأي عامل أو مرجح أو قوة، وهذا أمر بين بطلانه وفساده لذوي العقول، فكما أنه يستحيل رجحان كفتي الميزان المتساويتين إلا بوجود قوة كانت سببا في هذا الرجحان بل ويزيد الأمر استحالة عند فرض أن الكفة الثقيلة الراجحة طاشت وأصبحت مرجوحة وتهبط الخفيفة رغم خفتها وكل هذا من غير مرجح، فكذلك الشأن بالنسبة للوجود و العدم، فيبطل رجحان الموجود على العدم من غير مرجح.



    ولأَجعل الدليل أكثر وضوحا وبيانا، أقول: لقد بينت في الموضوع السابق أن العالم يطرأ عليه التغير والحدوث والعدم، وكل ما يطرأ عليه التغير والحدوث والعدم فهو ممكن الوجود، وكل ممكن الوجود وجوده بإيجاد غيره أي أنه لم يوجد نفسه وهذا واضح بَيِّن، فغيره من أوجده، واثبات إمكان وجود العالم إما من الطريقة الأعلى أو من الطريق الأسفل، أي إما أن نثبت أن "الكل" ممكن الوجود، والكل متركب من آحاد فثبت أن الآحاد ممكنة أيضا، إذ ما يثبت للكل يثبت للجزء، وإذا انطلقنا من الآحاد وأثبتنا أنها ممكنة، فالكل واجب أن يكون ممكن الوجود، وكل ممكن فهو باعتبار ذاته جائز أن يوجد وجائز أن لا يوجد وإذا ترجح جانب الوجود على العدم احتاج إلى مرجح، والذي رجح الوجود على العدم هو الله سبحانه وتعالى بإرادته ومشيئته.



    يشير الآمدي إلى هذا المعنى موضحا أن ممكن الوجود وجوده وعدمه جائر: «وعند ذلك فإما أن يكون في وجوده مفتقرا إلى مرجح أو غير مفتقر إليه، فإن لم يكن مفتقرا إلى المرجح فقد ترجح أحد الجائزين من غير مرجح، وهو ممتنع. وإن افتقر إلى مرجح فذلك المرجح إما واجب أو ممكن، فإن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فإما أن يقف على موجود هو مبدأ الموجودات غير مفتقر في وجوده إلى غيره، أو يتسلسل الأمر إلى غير النهاية، فإن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فهو ممتنع»[4]،وانظر في الفصل السابق برهان بطلان التسلسل والدور.




    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] لسان العرب ج2 ص 445 مادة رجح
    [2] هذا القانون هو القانون الأول للحركة الذي وضعه نيوتن ونصه : الجسم الساكن يبقى ساكنا ، والجسم المتحرك يبقى متحركا ... ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تؤثر على حالته .
    [3] بغية المرتاد ج 1 ص 430
    [4] نقلا عن درء التعارض ج 3 ص 89 -99
    حسبي الله ونعم الوكيل
    http://www.isyoutube.com/musicvideo.php?vid=60c095595

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أدلة وجود الله عزوجل - دليل العناية - (3/4)
    بواسطة ياسين اليحياوي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 11-27-2012, 01:46 AM
  2. شيء من أدلة وجود الله
    بواسطة ابو ذر الغفارى في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-23-2012, 04:55 PM
  3. سؤال: ماهي أهم أسئلة الملحدين حول وجود الله عزوجل وماهي الردود العقلية عليه
    بواسطة بو معاذ في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 12-13-2011, 06:04 PM
  4. أدلة وجود الله عزوجل - دليل الحدوث - (1/4)
    بواسطة ياسين اليحياوي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 08-29-2010, 06:23 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء