النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: إثبات وجود الخالق و دعاوى الملحدين

  1. #1

    افتراضي إثبات وجود الخالق و دعاوى الملحدين

    إثبات وجود الخالق و دعاوى الملحدين

    أ.د. عمر عبد العزيز

    مقدمة:

    لقد أراد المولى عز وجل أن يبتلى بني آدم حتى يمحص عباده، فضَلّ كثير من بني آدم وكفروا بالمولى عز وجل، فكان أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأعطى كل رسول من الآيات ما يعينه على أداء رسالته فتبعه من تبعه، وأصر على الكفر الكثير. وقد اختلفت الآيات من رسول لآخر – عليهم السلام – وكانت آية خاتم الأنبياء المرسل للناس كافة القرآن الكريم .. معجزة دائمة، يتجدد إعجازه في كل زمان، وكان لزامًا على من تبعه وآمن به أن يحمل الرسالة من بعده ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور وينقذهم من عذاب الآخرة.


    واستمر المسلمون حينًا من الدهر يحملون التكليف، فحملوا الرّسالة للصين شرقًا وإلى الأندلس غربًا، ثم توقف المد الإسلامي المنظم وراح ينتشر بفضل التجارة والمهاجرة، ثم تكالبت بلاد الكفر على خلافة المسلمين وبلادهم حتى انزوى الإسلام في العبادات والأحوال الشخصية؛ ونحمد الله بأنّ زماننا هذا قد شهد بداية الصحوة الإسلامية وعودة الوعي الإسلامي المتكامل للدين والدولة.

    والنظرة العالمية للإسلام تحتم علينا أن نتوقف للتفكر في حال الأمم الموجودة حاليًا وتوجهاتها العقائدية لاستقراء الحجج والتفكر في أسلم الطرق للدعوة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث في بحثنا هذا سيختصر على شريحة من البشر اضلهم الشيطان فكفروا بالمولى عز وجل، وأنكروا وجوده تمامًا معتمدين في ذلك على فرضية اتخذوها دينًا. ولربما يتساءل سائل ألا يجدر بنا أن نتفكر في حالنا الآن ونسعى لنواجه التحديات الخارجية والداخلية؟ ولمثل هذا نتذكر معًا غزوة الخندق حيث تحرك الكفار بعدتهم وعتادهم وكبر أعدادهم يريدون محمدًا صلى الله عليه وسلم وصحبه في المدينة... قريش وغطفان من الخارج وبنو قريظة من الداخل وهنالك زُلزل المؤمنون ... ومن كانوا؟ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البشر (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا) (الأحزاب: 10-11). فاقترح سلمان الفارسي – رضي الله عنه – حفر الخندق حول المدينة حيث وافقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند الحفر اعترضت الصحابة صخرة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وحمل المعول وسمى الله وهوى على الصخرة، ثم هتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرًا:


    "الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، وإن أمتى ظاهرة عليهم". ثم رفع المعول وهوى به على الصخرة مرة ثانية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


    "أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منها قصورها الحمراء وإن أمتي ظاهرة عليها" وبلا شك فإنّ المنافقين في المدينة كان لسان حالهم يقول أي ورطة نحن فيها ومحمد صلى الله عليه وسلم يحلم بقصور كسرى والروم، (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا) (الأحزاب: 12). ولكن هو وعد الله الحق...، (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) (الصف: 8). وقد اختار الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جواره، وترك فينا القرآن والسنة، وحمل كل من آمن بالله ورسوله عبء التبليغ عنه. ولذا كان لزامًا علينا أن نتفكر في كل حين في حال الأمم في هذا الزمان، ونعد لهم ما استطعنا من قوة لنخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله تعالى.


    البشرية والدعوة الإسلامية:

    لقد بدأ الله – سبحانه وتعالى – إعداد رسوله صلى الله عليه وسلم للدعوة منذ صغره، حيث اصطفاه من خيار قريش نسبًا ثم جعله صادقًا أمينًا هينًا لينًا حتى لا ينفض الناس عنه قبل سماع دعوته. وعندما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته جمع قريش وقال لهم "أرأيتم إن حدثتكم أنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، قال: "فإني نذير لكم من بين عذاب شديد"(1). وقد قالوا قولهم هذا لأنهم ما عهدوا عليه كذبًا أو سوء خلق، وهذه هي القاعدة الأولى للداعية التي أوضحها الله لنا في رسوله، فيجب أن يتصف من يدعو لله سبحانه وتعالى بحسن الخلق والصدق سواء أن كان شخصًا أم دولة. وأذكر في هذا الخصوص حادثة صغيرة حدثت في محطة "يوستن" بلندن وأنا أجلس على أحد مقاعد المحطة، وعلى مقربة مني تجلس امرأة إنجليزية تقارب الستين عامًامن عمرهاولم تمر لحظات حتى رأيت شابًا أفريقيًا، حليق الرأس والذقن يضع على رأسه قبعة ويرتدي "جاكيت وبنطلون" ويحمل في يديه كوبًا من الشاي وبالأخرى أغراضًا له، وجلس هذا الشاب بقرب تلك المرأة وحياها وبدأ حديثًا عامًا معها وبعد قليل سألها عن دينها فقالت انها مسيحية فقال لها بأنه مسلم وليس هنالك فرق بين الإسلام والمسيحية وأننا نعبد نفس الإله مع وجود اختلافات. فسألته من أين هو؟، فأجاب بأنه "......." ثم سألته عما أتى به لإنجلترا، فقال لها بسبب الحروب الدائرة في بلاده "بين المسلمين" ثم راح يحدثها عن الإسلام وهي تجيب عيله باقتضاب وامتعاض يعرف معناه كل من عاشرهم لمدة، فلسان حالها يقول: مالي وإسلامك الذي فعل بك ما فعل!.


    وهكذا فإن مصداقية حديثه عن الإسلام قد كذبها واقعه وحاله وواقع بلاده، فما كان من تلك المرأة إلا أن تنصرف عنه. ومعظم المسلمين الموجودين بالغرب والشرق كانوا يعكسون أسوأ صورة للإسلام وللمسلم، وإن كان حالهم الآن قد تغير كثيرًا في اتجاه الإسلام الحق.

    والخارج من بلاد الإسلام يجد مللاً كثيرة لا تختلف عما كان عليه حال البشر العقائدي في بدايات رسالة الإسلام. وكان البشر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقسمون للأقسام العقائدية الآتية:


    1- مؤمنون بمبدأ الألوهية ووجود الخالق

    أ‌- المسلمون :

    - مؤمنون

    - منافقون (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) (الحجرات:14)، (بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا) (النساء:138).


    ب‌- الكفار:


    - أهل الكتاب: (واذكر كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) (البقرة: 109).


    - المشركون: عبدة الأصنام: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) (التوبة: 17).


    - عبدة الشياطين والنار والأشخاص: (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحًا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين)(القصص: 38).


    2- غير مؤمنين بمبدأ الألوهية أو وجود الخالق:


    (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) (الجاثية:4).


    ورغم أن أعداد البشر الآن قد بلغت أكثر من "6" مليار نسمة فإننا نجد أنهم لم يختلفوا كثيرًا في أقسامهم العقائدية، وأنّ حوالي ربعهم من المسلمين وربعهم من أهل الكتاب، والبقية إما أنهم لا يؤمنون بالله البتة أو أشركوا به. بمعنى آخر فإنّ الله سبحانه وتعالى في مخاطبته للبشر في القرن السابع الميلادي كان يعلم بأن خطابه عز وجل سيكون مستمرًا لنفس الفئات إلى يوم القيامة.


    ومن هذا الكم الهائل من البشر الذين لا يؤمنون بالله نسبة كبيرة تتخذ من الداروينية وغيرها ذريعة جدلية للتهرب من حقيقة وجود الخالق، وربما مجموعة كبيرة ممن يطلق عليهم أهل الكتاب قد كفروا بالله واتبعوا تفسير هذه النظرية هروبًا من رجالات دينهم.


    وقد حاول كثير من المنظمات والأفراد خوض سبل الدعوة في بلاد الغرب والشرق الكافرة، ولكن مازالت ثمار مجهوداتهم ضعيفة للغاية؛ والمستوى العلمي والاقتصادي لأهل تلك البلاد يتطلب دراية أكبر بأحوالهم وطرق النقاش معهم حتى يمكن للمسلم توصيل وجهة نظره، وهذا بلا شك يستدعي العمل على إزالة الحواجز لإيصال كلمة المولى عز وجل لخلقه، وإعداد ما استطعنا من قوة لذلك.

    وبعض المسلمين أنفسهم يفتقرون إلى هذا البعد العلمي وعلى أعلى المستويات العلمية، فقد حدث في ندوة نظمتها جمعية الطلبة المسلمين بمانشستر عن الإعجاز العلمي في القرآن، وتطرق فيها للداروينية، حدث أن قال طالب دكتوراه في التاريخ الإسلامي من قطر عربي: وماذا يهمنى كمسلم هذا الإعجاز، فأنا والحمد لله أؤمن بالله ومتبع الإسلام ولا حاجة لي لإضاعة وقتي في هذه الأمور؟ وكان رد منظم الندوة عليه بأنّ الأمر كله للدعوة في سبيل الله ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم اتبع نفس المنطق لما خرج الإسلام من مكة.

    وقد صارت الداروينية دينًا للبعض لا يقبل الجدال فيها، فهذا عميد إحدى كليات الطب الغربية في مؤتمر يعرض أبحاثًا عن انتقال الكهارل في غشاء الخلايا.. يقف ليقول هنالك مجال لم نتطرق له البتة وهو كيف نفسِّر كل هذه التغيرات وفقًا لنظرية الاختيار الطبيعي وهي النظرية التي اعتمد عليها داروين في تفسير التطور. وهذا يمثل قمة الصرح العلمي في الجامعة ورغم ذلك فهو لإيمانه بالداروينية لا يرى مفسرًا لكل مجريات الكون وغيرها.



    ........يتبع

  2. #2

    افتراضي القرآن والحجج

    القرآن والحجج:


    لقد حث الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجتهد في الدعوة ويبشر وينذر (يا أيها المدثر، قم فأنذر) (المدثر: 1-2).

    وقصّ عليه من القصص ما يؤيد استعمال الحجج في الرد على الكفار فسيدنا موسى – عليه السلام – طلب من المولى عز وجل أن يرسل معه هارون لأنه أفصح منه في المخاطبة (وأخي هارون هو أفصح منى لسانًا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون) (القصص:34).

    وسيدنا إبراهيم – عيله السلام – قد حاج الملك:

    (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) (البقرة:258). وقد دعانا المولى عز وجل للجدال بالتي هي أحسن: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) (العنكبوت:46).


    ودعانا ألا نسب الذين يدعون من دون الله (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) (الأنعام:109).

    مما سبق يتضح جليًا أنّ استعمال الحجج القرآنية أمر رباني وسنة نبوية يجب اتباعه في سبيل الدعوة لله وأنه أحد الأساليب المكملة للطرح العملي للإسلام.


    القرآن والتفاسير:


    أورد د. محمد حسين الذهبي دراسة تفصيلية للتفسير والمفسرين نقتطف ونختصر منها الآتي:


    إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفهم القرآن جملة وتفصيلا. وتفاوت الصحابة في فهمهم لمعاني القرآن الكريم، وأوضح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير منه، كما اجتهدوا في فهم بعض المعاني وأخذوا من أهل الكتاب بعضها. واستعانوا في اجتهادهم بمعرفة أوضاع اللغة وأسرارها، ومعرفة عادات العرب، ومعرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن، زيادة على قوة فهمهم وسعة إدراكهم، ومن مميزات التفسير في هذه المرحلة ندرة الاستنباط العلمي للأحكام الفقهية من الآيات القرآنية نظرًا لإتحادهم في العقيدة. ثم جاء التابعون واتبعوا نفس الأسس السابقة، إلا أنه قد ظهر فيهم من يُعمل عقله في تفسير بعض الآيات ودخلت في التفاسير كثير من الإسرائيليات والنصرانيات.

    وتلى ذلك عهد التدوين للتفسير في بداية العهد الأموي. وفي العهد العباسي دونت تفاسير؛ اختلط فيها الفهم العقلي بالتفسير النقلي حتى كاد يقتصر تفسير من برع في فن من فنون العلم على العلم الذي برع فيه، فصاحب النحو تراه لا هم له إلا الإعراب، وصاحب العلوم العقلية تراه يُعنى في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة كالفخر الرازي.

    واعتمدت التفاسير المأثورة الموجودة حاليًا كجامع البيان في تفسيرالقرآن للطبري، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير لما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نقل عن الصحابة والتابعين. وقد كان الطبري لا يؤيد المفسرين برأيهم. والمراد بالرأي الاجتهاد بعد معرفة المفسر لكلام العرب ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالاتها ووقوفه على أسباب النزول ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن.


    وقد اختلف العلماء من قديم الزمان في جواز التفسير بالرأي، ووقف المفسرون إزاء هذا الموضوع موقِفَين متعارضين:

    - الأول: لا يجوز لأحد تفسير شيء من القرآن وإن كان عالمًا أديبًا متسعًا في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار، وإنما له أن ينتهي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الذين شهدوا التنزيل من الصحابة رضي الله عنهم، أو من الذين اخذوا عنهم من التابعين. ودليلهم على ذلك قول الله تعالى في سورة الإسراء: (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"(2).

    - الثاني: جواز التفسير بالاجتهاد لقول الله تعالى:

    (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (محمد:24)، وقوله (ولو ردوه إلى الرسول وألي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (النساء:8)، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا لابن عباس فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه تأويله".

    والرأي المأخوذ به أنّ الجمود على المنقول تقصير وتفريط والخوض في التفسير لكل انسان غلو وافراط.


    لقد اشترط العلماء لمن يريد أن يفسر برأيه أن يكون ملمًا بالعلوم الآتية:

    اللغة والنحو الصرف والاشتقاق وعلوم البلاغة والقصص والناسخ والمنسوخ والأحاديث المبينة للتفسير والموهبة، ومن أمثلة التفاسير بالرأي الجائز "مفتاح الغيب" للفخر الرازي، وتفسير "الجلالين".


    وقد بدأ التفسير العلمي للقرآن من قديم الزمان وهو التفسير الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية، وكان منهم الغزالي وجلال الدين السيوطي، وأضاف المؤلف بأن العلوم متغيرة، ويقين اليوم العلمي قد يدخله الشك في المستقبل بسبب تطور النظريات، وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه وبين ماجدَّ من نظريات وقوانين علمية. ومن التفاسير العلمية تفسير الشيخ طنطاوي جوهري "1870-1940" "الجواهر في تفسير القرآن الكريم" حيث عني المؤلف بإظهار الظواهر الكونية والعلمية بالتفصيل على حسب ما ظهر في زمانه من علوم، وأراد بذلك لفت الأنظار للكم الهائل من الآيات الكونية "سبعمائة"، ولم يجد تفسيره القبول من الكثيرين. وربما في تفسير سيد قطب "في ظلال القرآن"(3) نجد البعد عن الغلو في الجانبين، حيث نجد الكاتب رحمه الله استند على المأثور وأخذ من الرأي المقبول بغير أن يجزم بمراد الله – سبحانه وتعالى – من آياته.


    وكان لذكر هذا أهمية كبيرة في موضوعنا هذا، حيث يتبين لنا الطريق في استعمال آيات القرآن بالصورة الجائزة، ونسأل الله أن يهدينا سواء السبيل فيما أردنا أيضاحه من الحجج القرآنية.

    ......يتبع

  3. #3

    افتراضي

    الإلحاد والداروينية:


    تنتسب الحركة الفكرية الداروينية إلى الباحث الإنجليزي تشارلز داروين(4)(5) الذي صاحب رحلة السفينة "بيقل" من سنة 1831 إلى 1836م كعالم طبيعة، مما أتاح له الفرصة لمراقبة الأحياء المختلفة في الماء واليابسة، وكان نتاج ذلك كتابه "أصل الأنواع" الذي صدر في عام 1859م الذي طَرَح فيه نظريته في النشوء والإرتقاء، معتبرًا أنّ أصل الحياة كان خلية في مستنقع آسن قبل ملايين السنين، أي أنّ منشأ الحياة كان في الماء حيث تكونت الخلية الأولى ثم تطورت لكائنات ذات خلايا متعددة، واستمرت في التطور من أحياء صغيرة إلى أكبر وخرجت من الماء، وبدأت تقفز ثم تكونت لها أرجل ولبعضها أجنحة حتى ظهر الإنسان على الأرض.


    وتفترض هذه النظرية الآتي:


    1- أصل كل الأحياء من الماء.

    2- بدأت الحياة بتكوين خلية ذات تركيب سهل ثم ارتقت في تكوينها لتكوِّن الكائنات الأخرى.

    3- أن الأنواع المختلفة جميعها من منشأ واحد.

    4- استمرارية الحياة وتطورها اعتمد على التنافس من أجل الحياة وكان البقاء للأحسن تبعًا للاختيار الطبيعي "Natural Selection" معتمدًا في ذلك على نظرية مالتوس في التطور السكاني.

    5- الفروق الفردية داخل النوع الواحد تنتج أنواعًا جديدة مع مرور الأحقاب.

    6- الطبيعة تعطي وتحرم بخبط عشواء.

    وفكرة التطور هذه قد سبقه عليها العالم الفرنسي مارك بخمسين عامًا، وربما كانت بدايات التفكير فيها منذ القرن السادس الميلادي. ووجد داروين دعمًا يهوديًا لنشر نظريته، ورغم أنّ داروين لم يكفر بوجود الله إلا أنّ نظريته كما علق عليها العالم الفرنسي قريس: "هي أكبر النظريات المادية المضادة للدين، كما أنّ داروين لم يقل بأنّ أصل الإنسان قرد؛ بل هي فكرة عالم آخر يدعى هيقل أدخلها في عام 1868. ووجد كارل ماركس في كل هذا ضالته لينفي وجود الله عز وجل، ويفسر كل الكون على المادية المعتمدة على الكفر بالله.

    وقد وجدت هذه النظرية رواجًا في أوربا المسيحية أيضًا؛ نسبة لانفكاك الناس من سلطان الكنيسة في ذلك القرن، ولتضارب آراء الكنيسة الدينية مع بعض الأساسيات العلمية. وقد تعرضت هذه النظرية لكثير من النقد العلمي مما حذا بمروجيها للتغيير فيها وإدخال قانون الطفرات "Mutation" لتفسير تطور الأنواع المختلفة، كما أرغموا على الاعتراف بوجود أصول عدة للأنواع المختلفة.


    من أسوأ ما تمخضت عنه هذه النظرية هو استعمالها في إنكار وجود الخالق، ورغم انحسار الاقتناع بها إلا أنّ معظم علماء العلوم الأوربية وتابعيهم قد اتخذوها دينًا لا يقبل النقاش، وإنّ التخلي عنها يعني بالنسبة لهم قبول ما رفضوه أولاً وهو وجود الله – سبحانه وتعالى –، وكتاب الأحياء الجزيئية المرجع الأساس في الجامعات الأوربية؛ يعتمد على النظرية في تفسير الظواهر الصحية في الإنسان ويسب الإنجيل والتوراة في مُقَدِّمتهِ، كما أنّ البديل لرفض النظرية هو قبول مبدأ الخالق كما قال أحدهم "إنّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علميًا ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا أنّ الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاص المباشر"(6)، والناظر للنظرية بتجرد يجد أنها مجهود جبار في البحث والاستنباط. فإقراره بأن أصل الأحياء الماء أمر فيه كثير من الصحة، إذ أنّ الماء يعنى الحياة في كوكبنا ورغم انّ كل الأحياء يمثل جزءًا كبيرًا من تركيبها "60% من الإنسان" ولكن لا يعنى هذا بأنها كلها نشأت في الماء.


    وقد أخبرنا المولى عز وجل بذلك: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) (الأنبياء:30) (والله خل كل دابة من ماء) (النور: 45) (ألم نخلقكم من ماء مهين) (المرسلات:20).


    والفرق واضح بأن الأمر ليس تطورًا بل خلق. كما أنّ إقراره بأن أصل الأحياء خلية واحدة فيه أيضًا جانب من الصحة، إذ ليس كل الأحياء أصلها خلية واحدة، بل أصل كل نوع خلية واحدة، فالإنسان يبدأ بخلية واحدة من تلقيح البويضة بالحيوان المنوي، ولا يحتاج الأمر لأكثر من تسعة أشهر وعشرة أيام لتكوّن إنسان آخر، أي بمعنى أنه بطريقة تواجده هذه من خلية واحدة لم يحتاج لملايين السنين وهذا زيادة في الإعجاز. ويجب ألا يستهان بأمر الخلية.. فالسؤال الأساسي كيف تكونت الخلية، فالناظر للخلية وطريقة تركيبها وعملها، بداية من نواتها والجينات التي بها وصناعة البروتينات وانتقالها، وتنظيم الكهارل وتنظيم عمل الغشاء والمحافظة على مكوناتها بالطرق الموزونة المختلفة ونهاية بانقسامها، يجد أن التحدي في تكوين الخلية، وليس في تكوين الحيوان من الخلية، ومع ما يحدث الآن من تلقيح خارجي للبويضات قد يأتي اليوم الذي توضع فيه البويضة الملقحة خارج رحم المرأة لتنتج بشرًا آخر، وحتى الاستنساخ بدأ بخلية من جسم الحيوان. وكل التفسيرات التي وضعت لتفسير بداية الخلية وجيناتها أمر افتراضي خيالي لا غير، وقد كان تحدي المولى عز وجل ليس في خلق الإنسان فقط بل في أساس خلق الإنسان من خلية: (أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) (الواقعة:58-59).


    والحديث عن تطور الخلية الأحادية للمتعددة ثم للأحياء المختلفة؛ أمر افتراضي اعتمد على تفسير ظاهرة الموجود مع اكتشافات الحفريات ومعرفة تاريخها، فقد وجدت الخلايا الأحادية قبل بليون عام أو أكثر، وظهرت اللافقاريات قبل "500 – 600" مليون سنة مع الديدان والحشرات، وبدأت الفقاريات في الظهور قبل 450 مليون سنة ومثلها الأسماك، وظهرت الفقاريات البرية قبل 350 مليون سنة، وظهرت الثديات قبل 180 مليون سنة والطيور قبل 135 مليون سنة، وأول إنسان قبل حوالي 6 مليون سنة على حسب ما ذكر في نتائج حفرياتهم. وحاليًا في عالم الحيوانات فقط يوجد حوالي 1.5 مليون نوع(7). وبلا شك فإنّ الخلايا الأحادية مازالت موجودة حتى الآن كالباكتريا من غير أن نرى لها تطورًا، وأنّ هنالك من الأحياء ما هو موجود بصورته التي وجد بها في سحيق الزمان، وهذه المعلومات يمكن أن يستنبط منها بالتأكيد بأن الحيوانات في الأرض لم تظهر دفعة واحدة بكل أنواعها، وقد قال المولى عز وجل: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شيء قدير) (العنكبوت:20).

    ولكن لا يمكن أن نستنتج من غير برهان بأن الأنواع الأخيرة كانت نتاج تطور الأنواع الأولى بالطفرات والصدفة، بدليل تواجد الأحياء ذات الخلايا الواحدة حتى يومنا هذا.

    وقانون الاختيار الطبيعي أمر يرفضه الواقع، إذ أنّ التنافس قد يكون بين النوع الواحد فمثلاً لا توجد علاقة بين غذاء النباتات وغذاء الحيوانات، ولا علاقة بين غذاء معظم الحشرات وغذاء الإنسان، فعلام التنافس إذن؟! وقد أوضح موريس بكاي بأنّ الغلبة ليست دائمًا للأقوى، فقد يقتل الحيوان الضعيف الحيوان القوي وقد يتزاوج القوي مع أضعف الإناث، وفي كل الأحوال فقد أثبت بأن أحياء النوع الواحد على حسب جيناتها لا يمكن أن تتحول لنوع آخر بالسهولة الموضوعة بها نظرية الطفرات، حيث إنّ التغييرات الطبيعية الناتجة في الأفراد في الغالب لا تنتقل للأبناء ولا يمكن لعاقل أن يتخيل بأن كل هذا النظام الكوني قد كان نتاج الصدفة وخبط عشواء.

    وما يهمنا هنا ليس إثبات النظرية أو دحضها، فستأتي نظريات وتذهب أخرى، ولكن المهم في الأمر استعمال هذه النظرية أو غيرها في نفس وجود الخالق عز وجل. وتكليفنا بحمل الرسالة للناس كافة يحتم علينا التفكُر فيها، إذ بسببها سيهلك كثير من الناس في عذاب جهنم وقد كان هَم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنقاذ الناس من النار.

    وقد تصدى كثير من المسيحيين لهذه النظرية ورفضوها، وتصدى لها بعض المسلمين منهم مالك بن نبي(8) ووحيد الدين خان(9) والشهيد سيد قطب، وقد تحدث عنها الشهيد سيد قطب في كتابه خصائص التصور الإسلامي ومقوماته فقال "ولكن السادة الوضعيين حين كفروا بإله الكنيسة ثم كفروا بإله العقل لم يذهبوا لما هو أهدى.. لقد اقاموا من الطبيعة إلهًا.. ولكن ما هي هذه الطبيعة، ما هي هذه الطبيعة التي خلقت "العقل" والتي كما يقولون "تنقش الحقيقه في العقل"؟ أهي كائن محدد؟ أهي ذات كلية؟ أم هي هذه الأشياء المتفرقة من أجرام وأشكال وحركات وهيئآت؟؛ أهي شيء له حقيقة مستقلة عن تصور العقل الإنساني لها؟؛ أم هي الصورة التي تنطبع في العقل عن المحسوسات التي يدركها؟، أهي شيء له حقيقة في ذاته؟؛ وما ينطبق في العقل قد يطابق حقيقتها وقد لا يطابقها؟" وإذا كانت هذه الطبيعة قد خلقت العقل البشري فهل هي "خالق" له إيجابية الخلق من العدم؟ ولماذا إذن خلق العقل في الإنسان ولم تخلقه في الحيوان أو النبات؟ أهي ذات إرادة مميزة مختارة؟ تختار كائن بعينه من الكائنات لتمنحه هذه المنحة الفريدة؟ أم إذا كانت حقيقتها لا تتجلى إلا في الفكر البشري افلا يكون ظهور هذه الحقيقة إذن متوقفًا على وجود العقل البشري؟ فكيف تكون هذه الطبيعة خالقة له بينما هي لا تظهر إلا فيه؟.

    وكل هذه التساؤلات بنيت على أساس أنّ من يؤمنون بوجود الإنسان نتاج الطبيعة قد جعلوا منها إلهًا.. وهم لم يفعلوا.. وقد جنحوا لتفسير مبدأ الخلق بالطبيعة هروبًا من الإقرار بوجود خالق ذي عقل وكينونة، ويضعون عقولهم بعد ذلك فوق الطبيعة ومتحكمة في متغيراتها.

    .
    ......يتبع

  4. #4

    افتراضي القرآن والخالق:

    القرآن والخالق:

    إن المتدبر لكلام المولى عز وجل يجد أنه قد خاطب عقول الناس بكل مستوياتها، حيث لفت أنظارهم لأمور عامة مرئية أمامهم، تنطبق تفاصيلها على كل خصوصيات الحياة ويكون كل جديد من العلم فيها زيادة في تفاصيل إعجازها حتى يستمر المثل المذكور في القرن السابع الميلادي يحمل نفس مقدرات الإعجاز في كل الأزمان. وهذه حكمة المولى عز وجل، ولو أراد الناس ألا يعملوا عقولهم لفعل، ولما كان لنا الاختيار بمشيئته، ولكنه عز وجل اختار لنا منهج الاختيار ووهبنا الأفئدة وأرسل لنا الرسل مبشرين ومنذرين، ووجه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجاهد بالقرآن (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا) (الفرقان: 52).

    فإذا نظرنا للآيات الخاصة بالدعوة لله سبحانه وتعالى، نجد أن معظمها يقيم الحجة على كل من ينكر وجود الخالق سواء اعتمد في ذلك على النظرية الداروينية أم لا؛ وقد أذهل الغربُ بعض المسلمين بتفوقه المادي وراحوا يحاولون التوفيق بين النظرية وبعض الآيات القرآنية(10)(11)(12) مثل ما ورد في سورة نوح (مالكم لا ترجون لله وقارًا، وقد خلقكم أطوارًا، ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا، وجعل القمر فيهن نورًا وجعل الشمس سراجًا، والله أنبتكم من الأرض نباتًا) (الآيات: 13-17). فتمسكوا بقوله عز وجل "أطوارًا" على أنه يعني التطور، وغاب عنهم أساس الخلاف بأن الله سبحانه وتعالى قد قال "خلقكم" أي بقدرته وحكمته أوجدنا من العدم في أطوار من نطفة لعلقه لمضغة حتى يكتمل تكوين الإنسان.

    وقد حاول د. كريم الدين حسنين التوفيق بين ما هو مشاهد من حقائق علمية وما هو غير معروف مطلقًا في تفسيره لآيات سورة (العنكبوت: 19-20) (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير، وقل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) حيث اشار إلى أنّ البدء المُطلق للخلق أمر لم يشهده الله لأحد من خلقه بينما عملية النشوء أو النشوئية كما سماها فهي ما خاطبنا فيه الله بـ(أولم يروا كيف يُبدئ...) وفسّرها بعملية التطور والنشوء بطريقة متطورة الإبداء ثم الإعادة أي النشوئية والتي توافق نظرية التطور الداروينية، أما خلق الإنسان فيدخل في نطاق مُطلق القدرة الإلهية الذي لا يرتبط بالتطور (ثم الله ينشئ النشأة الآخرة...)(13).

    والداروينية تنكر وجود مدبر لحركة التطور، والأهم من ذلك أن الله سبحانه وتعالى لو أراد لنا أن نوجد في هذا الكون بطريقة التطور لفعل، ولكنه خلق آدم ومنه حواء وجعل منهما ذرية البشر. وقد كان من قدرته أن عكس مجرى النظرية فجعل من بعض البشر قردة وخنازير (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانًا وأضل عن سواء السبيل) (المائدة: 60)، (فلما عتو عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) (الأعراف: 166).

    فالأمر الأساسي الذي يهمنا ليس التطور؛ وإنما إنكار الخالق باستعمال النظرية أو غيرها. وسنحاول أن نتفكر في بعض الحجج والظواهر التي بينها المولى عز وجل في قرآنه الكريم بالخطوات الآتية:

    1- ذكر الظاهرة.

    2- عرض معظم الآيات القرآنية التي ذكرت فيها الظاهرة كحجة وذلك حتى يثبين أهميتها.

    3- تفسير إحدى الآيات التي تؤكد الظاهرة من أحد التفاسير المأثورة "ابن كثير" ثم ذكر تفسيرها من ظلال القرآن.

    4- محاولة تحليل الظاهرة كحجة علمية كدليل على وجود الخالق.

    (سنريهم أياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) (فصلت: 53).


    1/ الذكر والأنثى:

    1. (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج) (الحج: 5).

    2. (أولم يروا إلى الارض كم أنبتا فيها من كل زوج كريم) (الشعراء:7).

    3. (وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) (لغمان: 10).

    4. (وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) (ق:7).

    5. (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) (النساء:1).

    6. ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) (المؤمنون:27).

    7. (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) (الذاريات: 49).

    8. (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) (النجم: 45).

    9. (فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) (القيامة: 39).

    10. (والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) (الزخرف: 12).

    11. (وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجًا من نبات شتى) (طه: 53).

    12. (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجًا) (الشورى: 11).

    13. (وخلقناكم أزواجًا) (النبأ: 8).

    وقال المولى عز وجل في سورة يس: 36:

    14. (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنتب الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) وورد في تفسير ابن كثير(14) (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) أي من زروع وثمار ونبات (ومن أنفسهم) فجعلهم ذكر وأنثى (ومما لا يعلمون) أي مخلوقات شتى لا يعرفونها وفي ظلال القرآن(15) ورد الآتي:

    "ويلتفت عنهم بعد هذه اللمسة الرقيقه ليسبح الله الذي أطلع لهم النبت والجنان وجعل الزرع أزواجًا ذكرانًا وإناثًا كالناس وكغيرهم من خلق الله الذي لا يعلمه سواه. وهذه التسبيحة تنطلق في أوانها في موضعها وترتسم معها حقيقة ضخمة من حقائق هذا الوجود، حقيقة وحدة الخلق، وحدة القاعدة والتكوين فقد خلق الله الأحياء أزواجًا، النبات فيها كالإنسان ومثل ذلك غيرهما "مما لا يعلمون" وإنّ هذه الوحدة لتشي بوحدة اليد المبدعة التى توجد قاعدة التكوين مع اختلاف الأشكال والأحجام والأنواع والأجناس والخصائص والسمات في هذه الأحياء التي لا يعلم علمها إلا الله، ومن يدري فربما كانت هذه قاعدة الكون كله حتى الجماد".

    والناظر لهذا الكم من الآيات التي يقرر فيها المولى عز وجل حقيقة مرئية لنا من أنفسنا وربما لا نراها في بعض خلقه وهي أنه أمامنا ذكر وأنثى من كل حي يجعلنا نتساءل إذا كان المولى عز وجل قد ذكر هذه الآيات كدلالة على الخلق وبالتالي وجود الخالق، فما يد القدرة الدالة على الخالق في ذلك؟.

    وحملت هذا السؤال للكمبيوتر بجامعة مانشستر أبحث عن تفسير وجود الذكر والأنثى على الأرض وفقًا لنظرية التطور وفي كل المراجع التي وجدتها لا يوجد أي تفسير، إلا تفسير واحد هو افتراض يدعو للسخرية فقد تخيل الكاتب بأنه في مبدأ الكون كانت هنالك خلايا صغيرة وأخرى كبيرة، وفي سبيل البحث عن الغذاء اخترقت الخلايا الصغيرة الخلايا الكبيرة وبدأ التزاوج، ولا يوجد تفسير لما تلى هذه الخطوة الخيالية التي لا برهان عليها البته، أي بمعنى أنّ وجود الذكر والأنثى معضلة لا يمكن حلها بنظرية التطور أو بأي خيال آخر لأن المعنى البسيط لوجود الذكر والأنثى واختلاف طرق التناسل في الحيوانات المختلفة والنباتات يحتم وجود مبرمج ومخطط يعرف نهايات الأشياء الناتجة منذ بدايتها، ويعلم أنّ استمرارية النوع يتطلب توالده فجعل له زوجًا مكملاً ليتم التناسل بطريقة معينة ينتج عنها أحياء جدد. وبالطبع فإن ذلك لا مجال للصدفة فيه بقدرة الخالق، فكان حقًا أنّ يقول: (سبحان الذي خلق الأزواج كلها).

    وربما يتساءل أحدهم: فما بال الباكتريا تنقسم؟ والإجابة البسيطة: وهل ندري كل شيء عن الباكتريا حتى نقر بأنه ليس فيها الذكر والأنثى؟. وقد حدثنى محاضر في علم الباكتريا بأنه في البحث عن أسباب انتقال صفات الباكتريا المضادة للمضادات الحيوية لبعضها البعض وجد بأنه ينطلق من الباكتريا نتوء ليلتصق بالباكتريا الأخرى ثم تنتقل المعلومات بينهم "Conjugation" ولربما كان ذلك بداية اكتشاف الأزواج في الأحياء أحادية الخلايا.


    إنّ المولى عز وجل يوضح لكل الناس بأنه من ينكر وجود الخالق فليفسر لنا وجود الأزواج في هذه الأرض. (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمفعه فاذا هو زاهق) (الأنبياء:18)، والله أعلم بما يريد في آياته.


    2/ الرزق: الغذاء:


    1. (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) (الروم:40).

    2. (وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات) (غافر:64).

    3. (أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض) (النمل: 64).

    4. (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) (العنكبوت: 60).

    5. (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا) (النحل: 73).

    6. (وفي السماء رزقكم وما توعدون) (الذاريات: 22).

    7. (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (الذاريات: 58).

    وقد قال المولى عز وجل في سورة (هود الآية:6)

    8. (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين).

    وفسرت في تفسير ابن كثير(16) بأن الله سبحانه وتعالى قد أخبر بأنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها، وأنه يعلم مستقرها أي يعلم أين منتهى سيرها في الأرض وأين تأوي إليه من وكرها وهو مستودعها.

    وقال صاحب الظلال(17) وهذه صورة أخرى من صور العلم الشامل المرهوب، هذه الدواب وكل ما تحرك على الأرض فهو دابة من إنسان وحيوان وزاحفة وهامة، ما من دابة من هذه الدواب التي تملأ وجه البسيطة وتكمن في باطنها وتخفى في دروبها ومساربها، ما من دابة من هذه الدواب التي لا يحيط بها حصر ولا يكاد يلم بها احصاء إلا وعند الله علمها وعليه رزقها وهي تعلم أين تستقر وأين تكمن، من أين تجيء وأن تذهب، ويزيد على مجرد العلم تقدير الرزق لكل فرد من أفراد هذه الحشد الذي يعجز عن تصوره الخيال حتى أنّ بعضها يتناول رزقه دمًا حيًا مهضومًا كالبعوضة والبرغوث".

    إنّ أنواع الأغذية المختلفة باختلاف أنواع الأحياء أمر يدعو للدهشة والتساؤل: كيف كان لكل هذه الأحياء أن يتوفر لها الغذاء المناسب؟ قال تعالى: (والأرض مددناها وألقينا في رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) (الحجر: 19)، والنباتات تتغذى بالتمثيل الضوئي ومحاليل الأرض، والحيوانات تتغذى على النباتات واللحوم، والطيور بعضها يتغذى على النباتات وبعضها على اللحوم، والحشرات بعضها يتغذى على الرحيق وعصارات النباتات وبقايا أكل الإنسان وبعضها يتغذى على الدماء! فإذا كان الغذاء الأول للخلايا الأولى من الوفرة بحيث أنها تكون خلايا متعددة فلم التنافس إذن؟ وإذا كان كل نوع غذاؤه يختلف عن الآخر، فكيف علمت الخلية التي ستنتهي لنبات بأنّ غذاؤه سيكون متوفرًا، والتي ستنتهي لضفدعة بأن الحشرات ستكون متوفرة لها؟ إنّ هذا أمر يستحيل حدوثه بالصدفة والتنافس وإنما يتطلب مدبرًا يعرف بأنّ وجود النحلة يستدعي وجود غذاء لها، ووجود الزهور يستدعي وجود غذاء مختلف، ووجود غذاء للجميع يحتاج لمكونات وأساسيات يجب توفرها في الأرض والسماء مثل الماء والكربون والأكسجين. فلذلك ذكر المولي عز وجل آيات الرزق كدليل واضح على قدرته وعلى أن هذا النظام يستدعي وجود خالق.. (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ).

    وقد يختلف الغذاء حتى في النوع الواحد وبين الذكر والأنثى، وهذا ما نراه في أمر البعوض فإنّ أنثى البعوض تتغذى على الدم بينما الذكر يتغذى من الزهور! رغم أنّ بيضة البعوضة توضع في الماء وتكون حتى اكتمال نموها ذات غذاء واحد.. كما نجد بأن أنثى البعوض لها تركيب فمي يمكنها من غرز خرطومها في جلد الإنسان أو الحيوان بينما ينعدم ذلك عند الذكر.. فكيف حدث أن الظروف الطبيعية الواحدة أنتجت أحياء ذات طرق غذائية مختلفة في النوع الواحد؟ ولذلك ما كان لله أن يستحي أن يضرب مثلاً بالبعوضة (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيرًا ويهدي به كثيرًا وما يضل به إلا الفاسقين) (البقرة: 26).

    والنباتات رغم أنواعها المتعددة؛ إلا أن غذاءها في معظم الأحوال واحد. (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون) (الأنعام: 95)، (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفًا أكله والزيتون والرمان متشابهًا وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأنعام: 141)، (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (الرعد: 4).

    وحتى النوع المسقي بالماء الواحد ينتج أشكالاً مختلفة.. فكيف يفسر ذلك من غير خالق؟.


    ثم لماذا كل هذا الجمال في الزهور والخضرة في الأشجار.. (من كل زوج بهيج).. وإلى أي مغزى يتجه التطور بالنواحي الجمالية في النباتات.. التناسل.. أمر يحدث في الصبار كما يحدث في الزهور.. وحتى لو كان لهذا السبب فمن أدرى الزهور بأنها ستجذب النحل؟؛ وهل كانت الزهور حين كانت خلية واحدة تعلم بما سيحيط بها؟ إنه بلا شك صنع العزيز القدير.



    3/ الحياة والموت:


    1. (وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا) (النجم: 14).

    2. (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم) (البقرة ).

    3. (إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير) (فصلت: 39).

    4. (وأنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) (الحجر: 23).

    5. (أنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير) (ق: 43).

    6. (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) (يس: 12).

    7. (والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير) (آل عمران: 56).

    8. (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) (الملك: 2).

    9. (لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله) (الأعراف: 158).

    10. (إن الله له ملك السماوات والأرض) (التوبة: 116).

    11. (هو يحيي ويميت وإليه ترجعون) (يونس: 56).

    12. (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي ويميت) (الحج: 6).

    13. (وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار) (المؤمنون: 80).

    14. (هو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار) (غافر: 68).

    15. (لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين) (الدخان: 8).

    16. (له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت) (الحديد: 2).

    17. (يحييكم ثم يميتكم ثم إليه ترجعون) (البقرة: 28).

    18. (وجعلنا من الماء كل شيء حي) (الأنبياء: 30).

    19. (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها) (الروم: 19).

    20. (الم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم قإنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين).

    وقد ورد في تفسير ابن كثير(18) "(ربي الذي يحيي ويميت) أي إنما الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها، وعدمها بعد وجودها، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له".

    وقال صاحب الظلال في نفس الآية(19) "والإحياء والإماتة هما الظاهرتان المكررتان في كل لحظة المعروضتان لحس الإنسان وعقله وهما في الوقت نفسه السر الذي يحير، والذي يلجئ الإدراك البشري إلجاء إلى مصدر آخر غير جدي وإلى أمر غير أمر المخاليق ولا بد من الالتجاء إلى الألوهية القادرة على الإنشاء والإفناء لحل هذا اللغز الذي يعجز عنه كل الأحياء".

    وقد حدث أن دار نقاش مع فتاة انجليزية عن العقائد فقالت بأنها لا تؤمن بوجود خالق وإنما هي حياتها الدنيا وتريد أن تعيشها بمطالبها، فقلت لها سؤال بسيط لو استطعت أن تجيبي عليه يمكنك أن تعيشي حياتك كما تشائين فقالت ما هو؟ فقلت لها: أين كنت قبل أربعين عامًا.. وأين ستذهبين بعد الموت؟ فقالت: لا أدري فقلت لها ألا يدعوك هذا للتفكر في ماهية الحياة.. وكيف أنت الآن حية.. ولم تموتين؟ فقالت لا يهمني كثيرًا.. فقلت لها: ولكن يهمني أنا أمرك لأنني أعلم أين كنت وإلى أين ستذهبين وحينها رأيت الحيرة والاضطراب عليها.. فأضفت لِمَ لا تعطين لهذا الأمر قدره من التفكير.. وإن توصلت بأن هذه الحياة لا بد لها من واهب فتذكري بأنّ الإسلام هو طريق النجاة.. وهذه نفس الحجة أن الله يحيي ويميت.. أمر اختص به ولا أحد يشاركه فيه.

    وإذا نظرنا للخلايا.. نجد أنّ تجمعها في أعضاء وأحياء لا يعني البتة بأنها ستكون كائنًا حيًا رغم حياة الخلايا، فبعث الحياة في الكائن الحي مختلف تمامًا عن حياة الخلايا.. ويتضح هذا في نقل الأعضاء، فنجد إنسانًا يعيش بقلب رجل آخر متوفي.. فقلت المتوفي مازال يعمل كخلايا وعضو، والقول بأنّ تطور الأحياء كان من خلايا لا يمكن أن يحدث إلا أن تبعث فيه الحياة، ولا يمكن أن تفسر إلا بوجود قوة أخرى غير مادية.. وأمر الموت أعجب، فلو قارنت بين ميت وحي بقربه لن تتمكن أن تعرف كيف مات هذا وما مصدر حياة الآخر.. وعلى حسب نظرية الاختيار الطبيعي فإن البقاء للأقوى.. ولكن القوي قد يموت قبل الضعيف، أي بمعنى أن فناء الخلايات لا يقترن بصحتها فقط، إنما بوجود قوة غير مادية بداخل ذلك الحي. أليس هذا بدليل كاف بأن أمر الحياة والموت لا يقتصر على مادة الأبدان فقط؟ وأليس هذا بدليل أن الحياة والموت من أمر الحي القيوم؟ ولله العزة والجلال.

    4/ الطير:

    1. (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) (النحل: 79).

    2. (وسخرنا مع داؤود الجبال يسبحن والطير) (الأنبياء: 79).

    3. (الم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) (النور: 41).

    4. (وورث سليمان داؤود وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير) (النمل: 16).

    5. (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير) (النمل: 17).

    6. (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد) (النمل: 20).

    7. (ولقد آتينا داؤود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير) (سبأ: 10).

    8. (والطير محشورة كل له أواب) (ص: 19).

    وقال تعالى في سورة الملك الآية: 19:

    9. (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير).

    وورد في تفسير ابن كثير(20): "أي تارة يصففن أجنحتهن في الهواء وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا "ما يمسكهن" أي في الجو "إلا الرحمن" اي بما سخر لهن من رحمته ولطفه".

    وقال صاحب الظلال(21) في الآية: "وهذه الخارقة التي تقع في كل لحظة تنسينا بوقوعها المتكرر ما تشي به من القدرة والعظمة ولكن تأمل هذا الطير وهو يصف جناحيه وفردهما ثم يقبضهما وهو في الحالين يظل في الهواء والرحمن يمسكهن بنواميس الوجود المتناسقة".

    الناظر لهذه الآيات يستنتج بأن الطير أمة مثلنا ومثل كل أمم الأحياء وإنهم يسبحون ويعبدون الله وأن لهم لغة علمها الله عز وجل لسليمان – عليه السلام –. وهذه حقائق تصديقها يستدعى الإيمان بالله.. والباحث في تطور الطيور يجد خيالاً لا سند له فإذا كان تطور الخلية مقرونًا بوجود الغذاء لها فما الحاجة لأن يطير المسافات الخيالية، ولماذا نجد كل هذا الاختلاف في الأشكال والأنواع بين النعام والعصافير والنسور.. كلها طيور وغذاؤها يختلف وشكلها يختلف وحجمها يختلف.. ثم لم الهجرة من مكان لآخر، وكيف تعرف طريقها ذاهبة وآتية؟ وفي طائر "الموتون" كما ذكر موريس بكاي(22) أمر يستدعى التعجب فهو طائر يوجد باستراليا.. ويبدأ هجرته من ساحل استراليا ويتجه شرقًا في الباسفيك ويلتف حول شاطئ اليابان وبعد راحة قليلة في إحدى الجزر يتجه جنوبًا إلى الشاطئ الغربي لأمريكا حتى يصل كالفورنيا ومن هناك ينطلق حتى يرجع إلى استراليا.. في رحلة ستة اشهر يقطع فيها قرابة 15.000 ميل لا تتغير في خط سيرها أو زمانها والأعجب من ذلك أنها تترك صغارها لوحدهم باستراليا وما أن يقوى عودهم حتى يبدأوا نفس الرحلة بغير دليل، فمن علمهم الطريق.. ومن وضع فيهم كل هذه المعلومات عن الأماكن المختلفة والمسافات والزمن.. لا يمكن أن تكون الصدفة (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير).

    5/ الحيوانات:

    1. (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) (النحل: 5).

    2. (وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين) (النحل: 66).

    3. (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه) (فاطر: 28).

    4. (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك، لا إله إلا هو فأنى تصرفون) (الزمر:6).

    5. (جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ومن الأنعام أزواجًا..) (الشورى:11).

    6. (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون) (غافر: 79).

    7. (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا فهم لها مالكون) (يس: 71).

    8. (وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) (الجاثية: 4).

    وقال تعالى في سورة النور الآية: 45:

    9. (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير).

    وجاء في تفسير ابن كثير(23): "يذكر الله قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلق أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد (فمنهم من يمشي على بطنه) كالحية وما شاكلها (ومنهم من يمشي على رجلين) كالإنسان والطير (ومنهم من يمشي على أربع) كالأنعام وسائر الحيوانات ولهذا قال: (يخلق الله ما يشاء)".

    ورد في ظلال القرآن(24): "وهذه الحقيقة الضخمة التي يعرضها القرآن بهذه البساطة حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء قد تعني وحدة العنصر الأساسي في تركيب الأحياء جميعًا، وهو الماء وقد تعني ما يحاول العلم الحديث أن يثبته من أن الحياة خرجت من البحر ونشأت أصلاً في الماء ثم تنوعت الأنواع وتفرعت الأجناس، ولكننا نحن على طريقتنا في عدم تعليق الحقائق القرآنية الثابتة على النظريات العلمية القابلة للتعديل والتبديل لا نزيد على هذه الإشارة شيئًا بإثبات الحقيقة القرآنية، منها الزواحف تمشي على بطنها، ومنها الإنسان والطير يمشي على قدمين، ومنها الحيوان يمشي على أربع، كل أولئك وفق سنة الله ومشيئته وليس فلتة ولا مصادفة".

    ورغم أن وجود الأنعام والحيوانات ككل دليل قاطع على وجود المدبر.. إلا أنني توقفت كثيرًا عند هذه الآية متفكرًا في أمر هذا المشي لم ذكره الله سبحانه وتعالى من دون حركات الجسم.. فلولا المشي والحركة بوضع هذه الدنيا لفنيت معظم الحيوانات.. فكيف تجد غذاءها؟ وكيف تتناسل؟ وكيف تحتمي؟ ولهذا أعطاها الخالق قدرة الحركة وأعطاها الوسيلة لذلك، ولو كانت قد تطورت من خلية بالصدفة لانتهت لنوع واحد من طرق الحركة.. ولننظر ما قاله موريس بكاي(25) في كتابه ما هو أصل الإنسان: "إنه من الصعوبة في بعض الأحيان التمييز بين التغيير في الشكل النافع والضار، فمثلاً لقد فقدت الثعابين أطرافها ولكن لا يعني هذا بأنها وضعت في مرتبة أقل حيث أن فقدان الأطراف قد صاحبه تغيير هيكلي وحشوي كبيران ونجد أن علماء الحيوانات في حيرة من تفسير هذه التغييرات وفقًا للداروينية".

    حقًا إنها معضلة بالنسبة لهم ولذلك ذكرها المولى عز وجل... وستكون معضلة لكل من يريد أن يهرب من الإفراد بوجود خالق.. لأن وجوده أمر حتمي لظهورها.

    وفي ذكر الحيوانات هدانا المولى عز وجل للنظر في خلق نواع واحد منها (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) (الغاشية: 17)، فلماذا الإبل بالذات؟ والعرب كانت لديهم الأغنام والبقر والخيل.. وقد ورد في تفسيرها عند ابن كثير(26): "يقول الله تعالى آمرًا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالةعلى قدرته وعظمته.. فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب فإنها في غاية القوة والشدة وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل وينتفع بفروها ويشرب لبنها وتبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل". وقال صاحب الظلال(27): "والإبل حيوان العربي الأول، عليها يسافر ويحمل ومنها يشرب ويأكل ومن أوبارها وجلودها يلبس وينزل، فهي مورده الأول للحياة، ثم إن لها خصائص تفردها من بين الحيوان فهي على قوتها وضخامتها وضلاعة تكوينها ذلول يقودها الصغير فتنقاد.. "أفلا ينظرون إلى خلقها وتكوينها ثم يتدبرون كيف خلقت على هذا النحو المناسب لوظيفتها المحقق لغاية خلقها المتناسق مع بيئتها ووظيفتها جميعًا! إنهم لم يخلقوها وهي لم تخلق نفسها فلا يبقى إلا أن تكون من إبداع المبدع المتفرد بصنعته التي تدل عليه وتقطع بوجوده كما تشؤ بتدبيره وتقديره".

    واختيار الدعوة للنظر للإبل ليست قاصرة على العرب فقط.. وقد اكتشف لنا غير العرب من خصائصها العجيبة ما يدل على استمرارية الدعوة للإعجاز، فنجد مثلاً أنها يمكن أن تشرب كميات كبيرة من الماء في وقت قصيرة كما يمكنها أن تصبر على عدمه لأمد طويل.. وكيف تخزن هذا الماء وكيف تعيد استعماله.. أمر يحير.. ثم إن لها مقدرة على المحافظة على درجة حرارتها تتذبذب فيها درجة الحرارة بطريقة تختلف عن بقية الحيوانات وفوق هذا لا نجد لها شبيهًا في تسلسل الحيوانات لنقول بأنها تطورت من ذلك، فجعلها الله آية لكل البشر لينظروا فيها ويبحثوا في تركيبها ووظائفها وتوالدها ليكتشفوا من الأسرار التي تثبت وجود الخالق ولا شك.

    6/ الجن:

    1. (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) (الحجر: 27).

    2. (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) (الرحمن: 74).

    3. (يا معشر الجن والإنس الم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي) (الأنعام: 130).

    4. (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) (الأعراف: 179).

    5. (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات: 56).

    6. (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) (الرحمن: 33).

    7. (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنًا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به) (الجن: 1).

    8. (وإنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) (الجن: 5).

    9. (وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا) (الجن: 6).

    10. (وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (السجدة: 13).

    11. (الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) (الناس: 6).

    وقد قال المولى عز وجل في سورة الرحمن الآيات: 15-16:

    12. (وخلق الجان من مارج من نار، فبأي آلاء ربكما تكذبان).

    وورد في تفسير ابن كثير(28): "(من مارج من نار) من لهب النار من أحسنها.. وكيفية خلقه من نار مسألة خارجة عن حدود العلوم البشرية والمصدر الواحد فيها هو هذا القرآن". وقال صاحب الظلال(29): "والمارج المشتعل المتحرك كألسنة النار مع الرياح! وللجان القدرة على الحياة في هذه الأرض مع الإنس ولكنا لا ندري كيف يعيش الجان وقبيله، وأما الأمر المستيقن فهو أنهم مخاطبون بهذا القرآن".

    لقد كان العرب يؤمنون بالجن، وكان ركبهم قبل الإسلام حين يحل بواد يستأذن صاحب الوادي من الجن، وبعضهم قد عبد الجن لذلك عندما تحدث الله سبحانه وتعالى عن الجن كان خطابه اقراريًا توضيحيًا لأمر لم ينكروه مع عدم رؤيتهم له.. وفي هذه الآية عرفنا مم خلق.. من نار.. ربما ضوء وحرارة فما هي أهمية ذلك؟، إن وجود مخلوقات أو أحياء غير مادية بالنسبة لموضوعنا هذا يعني هدم كل النظرية، وبلا شك فإن كفر من تبع النظرية بوجود المولى عز وجل تلاه انكار وجود الملائكة والجن من الأحياء التي لا نراها، فهل إن أثبتنا وجود هذه الأحياء من الجن سيبقى شيء من النظرية؟ بلا شك لا، ولكن كيف السبيل؟ وهل يجوز ذلك؟، وإننا لنعرف من القرآن الكثير عن الجان فإنه يسمع ويرى ولهم قلوب، ومنهم الصالح والطالح، ومنهم الرجال، ومكلفون مثلنا تمامًا وسيحاسبون؛ وبعضهم يدخل الجنة وبعضهم يدخل النار أي أنه لا فرق بيننا وبينهم.. فتخيل مخلوق مثلك له آذان وأعين وقلب ويسمع ويرى ويؤمن ويكفر ويتخاطب ويأكل ورغم ذلك لا نراه بعين ولا بمجهر وقد أفرد الله سورة كاملة لهم "الجن" وخاطبهم مع الإنس في كل سورة الرحمن (فبأي آلاء ربكما تكذبان).

    وربما ذلك بسبب دعوة سيدنا سليمان – عليه السلام – .. ولكن لم يحجر التعاون مع الجن، وجوز ابن تيمية الاستعانة بالصالحين منهم في عمل الخير كالعلاج وغيره.. وهذا يعني إمكانية الاتصال بهم.. فهل هناك طريقة لإثبات وجودهم؟ وفي نقاش دار بين مسلم وكافر متبع للداروينية سأل المسلم الكافر: هل تؤمن بالجن؟ فقال: لا فقال له: ما رأيك أن آخذك إليه، فاضطرب الكافر الأوربي اضطرابًا شديدًا لأن إثبات وجود أحياء غير مادية يعني بلا شك أن تطوى صفحات النظرية إلى يوم البعث والحساب.. وحسبنا أن نعلم أن وجود مخلوقات أخرى تتفق معنا في كل الوظائف والتكاليف وتختلف عنا تمامًا في التركيب أمر لا يمكن أن يوجد إلا بوجود خالق وجب علينا أن نعبده.. وتبارك الله أحسن الخالقين.

    7/ الحشرات:

    1. (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها) (البقرة: 26).

    2. (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) (الأعراف: 133).

    3. (خشعًا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر) (القمر: 7).

    4. (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) (العنكبوت: 41).

    5. (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون) (النحل: 68).

    6. (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) (النمل: 18).

    ولنبدأ بقول الكاتب الفرنسي موريس بكاي(30) عن الحشرات:

    "إن الحشرات من الأحياء التي لم يحدث لها أي تطور منذ ظهورها على الأرض أوليس هذا أمر عجيب! لقد توقفت عند ذكر الله سبحانه وتعالى للحشرات.. البعوض والجراد والقمل والعنكبوت والنحل والنمل والذباب حتى أن ثلاث سور من القرآن مسماة على أسماء حشرات.. وكان للإقرار السابق بأنّ الحشرات لم يلاحظ فيها أي تطور مدعاة للتفكر في هذه المخلوقات التي ذكرها الله – سبحانه وتعالى – في كتابه مدللاً على مقدرته. وسنكتفي بالحديث عن الحشرات الاجتماعية.. النمل والنحل، فقد جاء في تفسير ابن كثير(31) في تفسير قوله تعالى: (حتى آتوا على وادي النمل...) أي حتى إذا مر سليمان – عليه السلام – بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل، قالت، نملة يا أيها النمل... اي خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم، ففهم ذلك سليمان منها...

    وقد روى ابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان – عليه السلام – يستسقى فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى لنا عن سقياك وإلا تسقنا تهلكنا.. فقال سليمان ارجعوا فقد سُقِيتُم بدعوة غيركم".

    وقال صاحب الظلال(32): "قالت نملة لها صفة الإشراف والتنظيم على النمل السارح في الوادي – ومملكة النمل كمملكة النحل دقيقة التنظيم تتنوع فيها الوظائف وتؤدي كلها بنظام عجيب يعجز البشر غالبًا عن اتباع مثله على ما أوتوا من عقل راق وإدراك عال – قالت هذه النملة للنمل بالوسيلة التي تتفاهم بها أمة النمل وباللغة المتعارفة بينها قالت للنمل: ادخلوا مساكنكم كي لا يحطمكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون بكم... ونقف هنا أمام خارقتين لا خارقة واحدة خارقة إدارك سليمان لتحذير النملة لقومها، وخارقة إدارك النملة أن هذا سليمان وجنوده، فأما الأولى فهي مما علمه الله لسليمان وسليمان إنسان ونبي، فالأمر بالقياس إليه أقرب من الخارقة الأخرى البادية في مقالة النملة، فقد تدرك النملة أن هؤلاء خلق أكبر، وأنهم يحطمون النمل إذا داسوه وقد يهرب النمل من الخطر بحكم ما أودع الله فيه من القوى الحافظة للحياة، أما أن تدرك النملة أن هذه الشخوص هي سليمان وجنوده فهي تلك الخارقة التي تخرج على المألوف وتحسب في عداد الخوارق في مثل هذه الحال.

    والمتدبر لهذه الآية يرى بأن الله – سبحانه وتعالى – قد أخبرنا بأن النمل أمة مثلنا تؤمن بالله وتعرف الرسل، وأن النمل يعيش حياة اجتماعية، أي يعيش معيشة تكافلية توزع فيها المهام فمنها الملكة ومنها الشغالات والذكور وبعض النمل يخزن غذاءه وزرعه، وبعضها يرعى في ذلك الموكب الرهيب والجيوش الجرارة المتحركة.. اختار لنا الله – سبحانه وتعالى – حديث نملة لا يعنينا أمرها ولا يهمنا إن تحطمت مساكنها، ولكن يهم المولى عز وجل أن يظهرها لنا في هذا الموقف ككائن له كينونته المقدرة وله حياته ومخاوفه.. ليلفت نظرنا إلى أممه الأخرى.. ولكن تصديق هذا الأمر يستدعى الإيمان بالله عز وجل.. وذكر المولى عز وجل هذه الحشرة لأمر يستدعى التفكر .. فإنها حشرة لم يعرف عنها أي تطور وتعيش حياة اجتماعية تماثل حياة أرقى الأحياء.. فكيف ظهرت للوجود.. وكيف يعقل بأن تكون أكثر رقيًا في نظامها من كل الحيوانات.. بل كل هذا من الحق.. المولى عز وجل؛ فأمر هذه النملة في الدعوة لله مثل جيش سليمان السائر ليقاتل من أجل إعلاء كلمة الله .

    والنحل لا يختلف عن النمل فهي حشرات اجتماعية.. وفي تفسير ابن كثير(33) عن الآية؛ (وأوحى ربك إلى النحل ...) المراد بالوحي هنا الإلهام والهداية والإرشاد للنحل أن تتخذ من الجبال بيوتًا تأوي إليها ومن الشجر ومما يعرشون، ثم أذن الله تعالى لها إذنًا قدريًا تسخيريًا أن تأكل من كل الثمرات وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى مذللة لها أي سهلة عليها حيث شاءت من هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة ثم تعود كل واحدة منها إلى خليتها فتبني الشمع من أجنحتها وتتقيأ العسل من فيها ثم تعاود نشاطها إلى ما شاء الله.

    والنحل يعيش في مجموعات اجتماعية قد يصل عددها في الخلية الواحدة إلى (80.000) من النحل والعمل تقوم به إناث النحل واستمرار الخلية يعتمد على استمرار الملكة.. وتقوم الشغالات بالدفاع عن الخلية.. أي كأنها دولة قائمة بذاتها، أمر لا يمكن أن يعقل بأنه نتاج تطور.. كيف علمت النحلة الأولى بأنها ستجد من يرافقها في رحلة حياتها وينتظم معها في كل هذا التنظيم؟ لابد لهذا من مدبر (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون).

    والتحدي الذي وصفه الله تعالى لكل من يدعي الخلق.. كان أيضًا حشرة (يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له، إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) (الحج: 73).

    وقال ابن كثير(34): "يقول تعالى منبهًا على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها (يا أيها الناس ضرب مثل) أي لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به (فاستمعوا له) أي أنصتوا وتفهموا (إن الذين..) أي لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك".

    وعلق صاحب الظلال(35) على ذلك: "وخلق الذباب مستحيل كخلق الجمل والفيل لأن الذباب يحتوي على ذلك السر المعجز سر الحياة فيستوي في استحالة خلقه مع الجمل والفيل ولكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير لأن العجز عن خلقه يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل!" فلكل من يدّعي بأنه ليس هناك خالق.. أو أن هنالك طريقة للخلق غير الله عز وجل.. فليخلق ذبابة.. ولنطبق ذلك على الداروينية:

    1. الذباب حشرة.. ولم يوجد أي تطور في الحشرات!

    2. الذبابة تتغذى على أنواع مختلفة .. ولها أشكال مختلفة.

    3. الذبابة ذكر وأنثى.. وتتناسل فكيف يفسر التطور ذلك!

    4. الذبابة حية .. تطير وتأكل وتتبرز وتموت.. فما سر ذلك؟.

    فهذه الحشرة الصغيرة لوحدها تؤكد بأن لها خالق وأنها حجة لمن يدعي وجودها بالصدفة.. وحقًا قول المولى عز وجل: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم).

    8- خلق الإنسان وخلق السموات والأرض:

    وهذا يترك للقارئ للبحث والتفكر والتدبر للإجابة. من كل ما ذُكر سابقًا هل يمكن للإنسان والسموات والارض أن تظهر لحيز الوجود بالصدفة، حتى نطرح في تفكر آخر الدعوة لله من خلالها.


    الخلاصة:

    إن الدعوة لله تعالى بواسطة العلوم الطبيعية لها أثر في غاية الضرورة في هذا العصر الذي يثق بالعلم ثقة كبيرة، ولا ريب أن التجربة والبرهان لهي من أصدق الأدلة وأظهرها في إثبات الحقائق والإقرار بها، ولهذا كان استخدام الحجج القرآنية والبرهنة عليها من الأهمية بمكان في هذا المضمار، ولا شك أن العلوم الطبيعية ولا سيما علم الأحياء، يمكنها أن تساهم مساهمة إيجابية في مسائل العقيدة والتوحيد، فهي التي تشكل مرتكزًا محسوسًا يومئ بالحقائق القرآنية ويدل على الرؤى العقدية عند المسلمين والتي يمكن عبرها دحض دعوى الملحدين والمنكرين للخالق ووجوده.



    ----------

    (1) الحديث، رواه البخاري.

    (2) رواه الترمذي.

    (3) سيد قطب: تفسير القرآن العظيم.

    (4) الموسوعة المبشرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، ص 211.

    (5) موريس بكاي: ما هو أصل الإنسان، ص 34.

    (6) عبد السيد الزبير: كتاب الإيمان بين العلم والقرآن، ص 39.

    (7) موريس بكاي: ما أصل الإنسان، ص 28.

    (8) الظاهرة القرآنية.

    (9) وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى، مدخل علمى إلى الإيمان.

    (10) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، ص 217.

    (11) مُلخص إدريس وعلي موسى: الكون والحياة: من العدم حتى ظهور الإنسان.

    (12) محمد شحرور: الكتاب والقرآن، قراءة مُعاصرة.

    (13) د. كريم حسين: الخلق بين العنكبوتية والداروينية والحقيقة القرآنية، ص 263، 2001.

    (14) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، المجلد الثاني، ص 700.

    (15) في ظلال القرآن، الجزء الخامس ص 2967.

    (16) تفسير ابن كثير المجلد الثاني، ص 538.

    (17) في ظلال القرآن الجزء الرابع، ص 1856.

    (18) تفسير القرآن العظيم لابن كثير المجلد الأول، ص 388.

    (19) في ظلال القرآن، الجزء الأول، ص 297.

    (20) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، المجلد الرابع، 470.

    (21) في ظلال القرآن، الجزء الثالث، ص 3642.

    (22) موريس بكاي: ما هو أصل الإنسان، ص 74.

    (23) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، المجلد الثالث، ص 371.

    (24) في ظلال القرآن، الجزء الرابع، ص 42.

    (25) موريس بكاي، ما أصل الإنسان، ص 42.

    (26) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، المجلد الرابع، ص 597.

    (27) في ظلال القرآن، الجزء الثالث، ص 389.

    (28) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، المجلد الرابع، ص 321.

    (29) في ظلال القرآن، الجزء السادس، ص 3451.

    (30) موريس بكاي: ما هو أصل الإنسان، ص 49.

    (31) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، المجلد الثالث، ص 445.

    (32) في ظلال القرآن، الجزء الخامس، ص 2636.

    (33) تفسير القرآن العظيم لان كثير، الجزء الثاني، ص 710

    (34) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، الجزء الثاني، ص 295.

    (35) في ظلال القرآن.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الفيزياء ووجود الخالق (2) : أدله وجود الخالق
    بواسطة صادق في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 12:19 AM
  2. إثبات وجود الخالق و دعاوى الملحدين
    بواسطة العزه لله في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-12-2011, 02:09 PM
  3. إثبات وجود الخالق
    بواسطة د. هشام عزمي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: 10-31-2007, 05:33 PM
  4. قانون الصدفة - إثبات رياضي ضد الملحدين
    بواسطة عبدالكريم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 01-20-2007, 01:14 AM
  5. إثبات وجود الله
    بواسطة كمال عزالدين في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 05-24-2006, 06:04 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء