إثبات وجود الخالق و دعاوى الملحدين
أ.د. عمر عبد العزيز
مقدمة:
لقد أراد المولى عز وجل أن يبتلى بني آدم حتى يمحص عباده، فضَلّ كثير من بني آدم وكفروا بالمولى عز وجل، فكان أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأعطى كل رسول من الآيات ما يعينه على أداء رسالته فتبعه من تبعه، وأصر على الكفر الكثير. وقد اختلفت الآيات من رسول لآخر – عليهم السلام – وكانت آية خاتم الأنبياء المرسل للناس كافة القرآن الكريم .. معجزة دائمة، يتجدد إعجازه في كل زمان، وكان لزامًا على من تبعه وآمن به أن يحمل الرسالة من بعده ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور وينقذهم من عذاب الآخرة.
واستمر المسلمون حينًا من الدهر يحملون التكليف، فحملوا الرّسالة للصين شرقًا وإلى الأندلس غربًا، ثم توقف المد الإسلامي المنظم وراح ينتشر بفضل التجارة والمهاجرة، ثم تكالبت بلاد الكفر على خلافة المسلمين وبلادهم حتى انزوى الإسلام في العبادات والأحوال الشخصية؛ ونحمد الله بأنّ زماننا هذا قد شهد بداية الصحوة الإسلامية وعودة الوعي الإسلامي المتكامل للدين والدولة.
والنظرة العالمية للإسلام تحتم علينا أن نتوقف للتفكر في حال الأمم الموجودة حاليًا وتوجهاتها العقائدية لاستقراء الحجج والتفكر في أسلم الطرق للدعوة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث في بحثنا هذا سيختصر على شريحة من البشر اضلهم الشيطان فكفروا بالمولى عز وجل، وأنكروا وجوده تمامًا معتمدين في ذلك على فرضية اتخذوها دينًا. ولربما يتساءل سائل ألا يجدر بنا أن نتفكر في حالنا الآن ونسعى لنواجه التحديات الخارجية والداخلية؟ ولمثل هذا نتذكر معًا غزوة الخندق حيث تحرك الكفار بعدتهم وعتادهم وكبر أعدادهم يريدون محمدًا صلى الله عليه وسلم وصحبه في المدينة... قريش وغطفان من الخارج وبنو قريظة من الداخل وهنالك زُلزل المؤمنون ... ومن كانوا؟ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البشر (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا) (الأحزاب: 10-11). فاقترح سلمان الفارسي – رضي الله عنه – حفر الخندق حول المدينة حيث وافقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند الحفر اعترضت الصحابة صخرة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وحمل المعول وسمى الله وهوى على الصخرة، ثم هتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرًا:
"الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، وإن أمتى ظاهرة عليهم". ثم رفع المعول وهوى به على الصخرة مرة ثانية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منها قصورها الحمراء وإن أمتي ظاهرة عليها" وبلا شك فإنّ المنافقين في المدينة كان لسان حالهم يقول أي ورطة نحن فيها ومحمد صلى الله عليه وسلم يحلم بقصور كسرى والروم، (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا) (الأحزاب: 12). ولكن هو وعد الله الحق...، (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) (الصف: 8). وقد اختار الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جواره، وترك فينا القرآن والسنة، وحمل كل من آمن بالله ورسوله عبء التبليغ عنه. ولذا كان لزامًا علينا أن نتفكر في كل حين في حال الأمم في هذا الزمان، ونعد لهم ما استطعنا من قوة لنخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله تعالى.
البشرية والدعوة الإسلامية:
لقد بدأ الله – سبحانه وتعالى – إعداد رسوله صلى الله عليه وسلم للدعوة منذ صغره، حيث اصطفاه من خيار قريش نسبًا ثم جعله صادقًا أمينًا هينًا لينًا حتى لا ينفض الناس عنه قبل سماع دعوته. وعندما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته جمع قريش وقال لهم "أرأيتم إن حدثتكم أنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، قال: "فإني نذير لكم من بين عذاب شديد"(1). وقد قالوا قولهم هذا لأنهم ما عهدوا عليه كذبًا أو سوء خلق، وهذه هي القاعدة الأولى للداعية التي أوضحها الله لنا في رسوله، فيجب أن يتصف من يدعو لله سبحانه وتعالى بحسن الخلق والصدق سواء أن كان شخصًا أم دولة. وأذكر في هذا الخصوص حادثة صغيرة حدثت في محطة "يوستن" بلندن وأنا أجلس على أحد مقاعد المحطة، وعلى مقربة مني تجلس امرأة إنجليزية تقارب الستين عامًامن عمرهاولم تمر لحظات حتى رأيت شابًا أفريقيًا، حليق الرأس والذقن يضع على رأسه قبعة ويرتدي "جاكيت وبنطلون" ويحمل في يديه كوبًا من الشاي وبالأخرى أغراضًا له، وجلس هذا الشاب بقرب تلك المرأة وحياها وبدأ حديثًا عامًا معها وبعد قليل سألها عن دينها فقالت انها مسيحية فقال لها بأنه مسلم وليس هنالك فرق بين الإسلام والمسيحية وأننا نعبد نفس الإله مع وجود اختلافات. فسألته من أين هو؟، فأجاب بأنه "......." ثم سألته عما أتى به لإنجلترا، فقال لها بسبب الحروب الدائرة في بلاده "بين المسلمين" ثم راح يحدثها عن الإسلام وهي تجيب عيله باقتضاب وامتعاض يعرف معناه كل من عاشرهم لمدة، فلسان حالها يقول: مالي وإسلامك الذي فعل بك ما فعل!.
وهكذا فإن مصداقية حديثه عن الإسلام قد كذبها واقعه وحاله وواقع بلاده، فما كان من تلك المرأة إلا أن تنصرف عنه. ومعظم المسلمين الموجودين بالغرب والشرق كانوا يعكسون أسوأ صورة للإسلام وللمسلم، وإن كان حالهم الآن قد تغير كثيرًا في اتجاه الإسلام الحق.
والخارج من بلاد الإسلام يجد مللاً كثيرة لا تختلف عما كان عليه حال البشر العقائدي في بدايات رسالة الإسلام. وكان البشر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقسمون للأقسام العقائدية الآتية:
1- مؤمنون بمبدأ الألوهية ووجود الخالق
أ- المسلمون :
- مؤمنون
- منافقون (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) (الحجرات:14)، (بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا) (النساء:138).
ب- الكفار:
- أهل الكتاب: (واذكر كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) (البقرة: 109).
- المشركون: عبدة الأصنام: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) (التوبة: 17).
- عبدة الشياطين والنار والأشخاص: (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحًا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين)(القصص: 38).
2- غير مؤمنين بمبدأ الألوهية أو وجود الخالق:
(وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) (الجاثية:4).
ورغم أن أعداد البشر الآن قد بلغت أكثر من "6" مليار نسمة فإننا نجد أنهم لم يختلفوا كثيرًا في أقسامهم العقائدية، وأنّ حوالي ربعهم من المسلمين وربعهم من أهل الكتاب، والبقية إما أنهم لا يؤمنون بالله البتة أو أشركوا به. بمعنى آخر فإنّ الله سبحانه وتعالى في مخاطبته للبشر في القرن السابع الميلادي كان يعلم بأن خطابه عز وجل سيكون مستمرًا لنفس الفئات إلى يوم القيامة.
ومن هذا الكم الهائل من البشر الذين لا يؤمنون بالله نسبة كبيرة تتخذ من الداروينية وغيرها ذريعة جدلية للتهرب من حقيقة وجود الخالق، وربما مجموعة كبيرة ممن يطلق عليهم أهل الكتاب قد كفروا بالله واتبعوا تفسير هذه النظرية هروبًا من رجالات دينهم.
وقد حاول كثير من المنظمات والأفراد خوض سبل الدعوة في بلاد الغرب والشرق الكافرة، ولكن مازالت ثمار مجهوداتهم ضعيفة للغاية؛ والمستوى العلمي والاقتصادي لأهل تلك البلاد يتطلب دراية أكبر بأحوالهم وطرق النقاش معهم حتى يمكن للمسلم توصيل وجهة نظره، وهذا بلا شك يستدعي العمل على إزالة الحواجز لإيصال كلمة المولى عز وجل لخلقه، وإعداد ما استطعنا من قوة لذلك.
وبعض المسلمين أنفسهم يفتقرون إلى هذا البعد العلمي وعلى أعلى المستويات العلمية، فقد حدث في ندوة نظمتها جمعية الطلبة المسلمين بمانشستر عن الإعجاز العلمي في القرآن، وتطرق فيها للداروينية، حدث أن قال طالب دكتوراه في التاريخ الإسلامي من قطر عربي: وماذا يهمنى كمسلم هذا الإعجاز، فأنا والحمد لله أؤمن بالله ومتبع الإسلام ولا حاجة لي لإضاعة وقتي في هذه الأمور؟ وكان رد منظم الندوة عليه بأنّ الأمر كله للدعوة في سبيل الله ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم اتبع نفس المنطق لما خرج الإسلام من مكة.
وقد صارت الداروينية دينًا للبعض لا يقبل الجدال فيها، فهذا عميد إحدى كليات الطب الغربية في مؤتمر يعرض أبحاثًا عن انتقال الكهارل في غشاء الخلايا.. يقف ليقول هنالك مجال لم نتطرق له البتة وهو كيف نفسِّر كل هذه التغيرات وفقًا لنظرية الاختيار الطبيعي وهي النظرية التي اعتمد عليها داروين في تفسير التطور. وهذا يمثل قمة الصرح العلمي في الجامعة ورغم ذلك فهو لإيمانه بالداروينية لا يرى مفسرًا لكل مجريات الكون وغيرها.
........يتبع
Bookmarks