بسم الله الرحمن الرحيم
من كتاب الشيخ الفاضل : حمد العثمان : ( أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة ) - والعناوين مني - :
-الحجة الصحيحة كالسلاح :
قال أبو محمد ابن حزم: " ولا غيظ على الكافرين والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة ، وقد تهزم العساكر الكبار ، والحجة الصحيحة لا تغلب أبداً ، فهي أدعى إلى الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي". ص 47.
- لا تُعاشر متلونًا :
قال ابن عقيل الحنبلي : " احذر ممن إذا غلبت عليه حال من الأحوال ، استحال حتى لم يظهر فيه تقييد العقل عن الشطح ، وإن غضب تأسد ، فلم يبق فيه ما يكفه عن الصول ، وإن اعتراه الهم ، خرج بصورة رخم ساقطاً على ما وجد من المطاعم ، لا يلوي عن تناول المستقذارات في الطبع والمكروهات في الشرع، وإن عرض بها طالب الحق ومقتضى الشرع راغ روغان الثعلب ، لا يمزج روغانه ثبات ، ولا إصغاء على إذعان ،ولا استجابة لهذا الشأن ، فهذا لا يدخر عنده الإحسان ، لأنه كالوعاء المخترق ، ولا يرجى منه الخير.
فاحذر معاشرة أمثاله ، فإنه من أعظم الأخطار ، ومجموع هذا في كلمة : لا تعاشر متلوناً ) .ص 255 .
- دع الجدل هنا :
قال ابن القيم : " فإن المحاجة والمجادلة بعد وضوح الشيء وظهوره نوع من العبث ، بمنزلة المحاجة في طلوع الشمس ) . ص 331 .
- زلات " الأئمة " :
( الأئمة تقع منهم فلتات زولات مما هو من ولازم بشريتهم وانتفاء العصمة عنهم ، وآحاد هذه المسائل ليست أصولاً يلتزمها أولئك الأعلام.
فلا ينبغي لأحد أن يشنع على إمام بسبب زلة أو نادرة وقعت منه ، فإن هذا عنوان الضغينة لأولياء الله ، قال ابن القيم : " وليس تتبع المسائل المستشنعة من عادة أهل العلم فيقتدى بهم في ذكرها وعدها" . اهـ.
وإنما يجمع مثل هذه المسائل المستشنعة من يريد التنفير من مذهب أهل السنة بحكاية هذه النوادر كما هو حال الرافضة ، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية لما حكى مسألة عتق ولد الزنا بالملك، قال : " ومثل هذه المسألة الضعيفة ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين ، لا على وجره القدح فيه ، ولا على وجه المتابعة له فيها ، فإن ذلك ضرباً من الطعن في الأئمة ، واتباع الأقوال الضعيفة ، وبمثل ذلك صار وزير التتر يلقي الفتنة بين مذاهب أهل السنة حتى يدعوهم إلى الخروج عن السنة والجماعة ، ويوقعهم في مذاهب الرافضة وأهل الإلحاد". اهـ.
وهذه المسائل المستشنعة لا تحكي رعاية لحق الأئمة ، لأنها إذا حكيت رما أو حشت القلوب ، وربما استضر بها ضعيف الإيمان وتتبع فيها الرخصة ) . ص 337 .
- سهولة الهدم :
( المستدل لمذهبه يبذل وسعه في إقامة الأدلة على صحة دعواه ، ولابد أن يحشد كل ما يدل لمذهبه على بناء صحيح.
أما معارضة هذه الأدلة وردها ونقضها فهو أسهل من إقامة بنيان وتشييد أركان مذهب ، فحال الهدم أسهل وأيسر من التأسيس والبناء ، ولأنه قد يظهر للمعارض فساد قول حال سماعه دون سابق نظر ، وربما لا يستطيع تصحيح مذهب وإقامة الأدلة عليه دون سابق بحث ونظر.
قال الراغب الأصفهاني :" واعلم أن سبيل إنكار الحجة والسعي في إفسادها أسهل من سبيل المعارضة بمثلها والمقابلة لها ، ولهذا يتحرى الجدل الخصيم أبداً بالدفاع لا المعارضة بمثلها ، وذلك أن الإفساد هدم وهو سهل ، والاتيان يمثله بناء وهو صعب ، فإن الإنسان كما يمكنه قتل النفس الزكية وذبح الحيوانات وإحراق النبات ولا يقدر على إيجاد شيء منها ، يمكنه إفساد حجة قوية بضرب من الشبه المزخرفة ولا يمكنه الاتيان بمثلها ، ولأجل ما قلنا دعا الله سبحانه وتعالى الناس في الحجج إلى الإتيان بمثلها لا إلى السعي في إفسادها فقال تعالى : (فأتوا بسورة من مثله)[البقرة :23]، وقال (قل فأتوا بعشرة سور مثله مفتريات)[هو :13] فرضي أن يأتوا بمال فيه مشابهة له وإن كان ذلك مفترى " . ص 493 .
- اهدم الباطل ثم ابنِ الحق :
( المناظر الذي اختار البدء بالمناظرة وشرع في الاستدلال لمذهبه أولاً ، فإنه يقوم بالبناء وذكر الأدلة والمقدمات لمذهبه.
والمعترض المخالف له لا يمكنه أن يبدأ بالاستدلال لمذهبه هو بعد أن يفرغ المستدل من ذكر أدلته ، فهذا يؤدي إلى تعارض الأدلة ، وسقوطها ، وتعطل المناظرة ، والإخلال بوظائف وحقوق المستدل والمعترض.
وهذا أيضاً لا يحصل به مقصود المناظرة من النصح وتمييز الصحيح من الفاسد ، ورد المخطئ إلى الحق، لأن المعترض لم يبين للمستدل فساد قوله وبطلان أدلته على ما ساقه له.
فإذا واجب المعترض أولاً النقض والرد والهدم ، ثم البناء وتصحيح قوله بذكر أدلته .
قال شيخ الإسلام بان تيمية : " فإن الدليل إن لم تقرر مقدماته ويجاب عما يعارضها لم يتم".
وقال أيضاً : " فإن المبتدع الذي بنى مذهبه على أصل فاسد متى ذكرت له الحق الذي عندك ابتداءاً أخذ يعارضك فيه ، لما قام في نفسه من الشبهة .
فينبغي إذا كان المناظر مدعياً أن الحق معه أن يبدأ بهدم ما عنده ، فإذا انكسر وطلب الحق فأعطه إياه ، وإلا فما دام معتقداً نقيض الحق لم يدخل الحق إلى قلبه ، كاللوح الذي كتب فيه كلام باطل ، أمحه أولاً ، ثم اكتب فيه الحق ) . ص 497-498 .