الاولى عن الحدث نفسه اي فعله وهو ما قام به روح القدس جبريل فتمثل لها بشراً سوياً , الى اخر الحدث - عن الحاضر وقتها -
والاخرى عن البشرى لها فبشرتها الملائكة باصطفاء الله لها والبشرى بعيسى عليه السلام : إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين . وقد أخبر الله تعالى ايضا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام فقال : ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل . - عن المستقبل وقتها -
فجاءت لها البشرى قبل ان تخرج مريم من محرابها الذي كانت تعبد الله تعالى فيه وجاءت لها البشرى فيه وقبل أن يرسل الله إليها جبريل عليه السلام في شكل بشر .
هذا هو ظاهر الايات الكريمة بانها عدة بشارات متتالية
وحيث ان الملاك جبريل هو من الملائكة وحيث ان الله يوحي للبشر بالملاك جبريل الذي هو الوحي المرسل منه للبشر , فلذلك قيل أن الله أطلق اسم الملائكة وأريد به جبريل عليه السلام فهو من باب تسمية الخاص بالعام تعظيما ( المجاز المرسل ) أي تعظيما له , وتعظيما لها بأن يبشرها بأن الله اختارها من بين سائر النساء وخصَّها بالكرامات ومنها { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله } (آل عمران : 37) وطهرها من الأدناس والأقذار ومما ستتهم به من قبل اليهود فقد أنطقه الله ليرد فرية اليهود على أمه العذراء { قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّاً قال إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حيّاً وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّاً والسّلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّاً} (مريم: 28-33). واصطفاها الله اصطفاءً ثانياً أي اختارها على سائر نساء العالمين لتكون مظهر قدرته في إنجاب ولد بدون أب ثم يتتابع الإيحاء كما قال تعالى يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) آل عمران43 . أي لازمي عبادة الرب وطاعته شكراً على ذلك الاصطفاء, وأن اسجدي لله لأنه طهرك, واركعي مع الراكعين للاصطفاء الثاني, وما كان ذلك إلا تثبيتاً لقلبها الشريف مما يوحى إليها.
ثم تكون معجزة الله الثانية بأن يوحى إليها بالبشارة بكلمة الله المسيح وصفاته التي توضحها الآية الكريمة: ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) آل عمران 45 . أي أن الله أوحى لها عبر الملائكة أن الله يبشرها بمولود يحصل بكلمة من الله وسماه لها فاسمه عيسى بن مريم ولقبه المسيح ونسبه إلى أمه لأنه سيولد من أم بدون أب وصفاته سيداً معظماً في الدنيا والآخرة ومن المقربين عند الله.
ثم كانت معجزة الله الثالثة وهي أن ذلك المولود سيكلم الناس في المهد قبل وقت الكلام وكهلا بكلام النبوة كما أنه سيكون من كاملي الصلاح والتقى بدليل الآية الكريمة: ( ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين ) آل عمران 46.قال المفسرون: وكل ذلك الإيحاء لتثبيت فؤادها أثناء تهيئتها للولادة المعجزة ويتابع القرآن الكريم سرد محاورتها للوحي بقولها: ( قالت ربي أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ) أي كيف يكون لي ولد ولست بذات زوج فتجاب وحياً ( قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) آل عمران 47. أي هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء يخلق ما يريد بسبب أو بلا سبب لأنه جلت قدرته إذا أراد شيئاً حصل بمجرد الإرادة قبل اللفظ بكن فيكون.
ثم يتابع القرآن معجزات صفات المولود بمعجزة الله الرابعة بقوله تعالى: ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ) آل عمران 48. أي يعلمه الكتابة والسداد من القول ويجعله يحفظ التوراة والإنجيل الذي يعطيه إياهما و أنه سيكون رسولاً لبني إسرائيل بقوله تعالى: ( ورسولاً إلى بني إسرائيل ) آل عمران 49. وهي معجزة الله الخامسة. ثم نصل إلى الولادة المعجزة وأحداثها.
قصة ولادتها عليها السلام لسيدنا المسيح عليه السلام:
بعد كل ما سبق ذكره من تهيئتها عليها السلام في مرحلة التمهيد والإعداد تأتي مرحلة التنفيذ للولادة فيذكر الله تعالى ذلك بقوله: ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكان شرقيا) مريم 16. قيل في ذلك أنها كانت تخرج من مكان عبادتها في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لابد منها من استسقاء الماء أو لبعض شؤونها وكان ذلك المكان شرق بيت المقدس في مكان مستور عن أعين قومها. ومرة ظهر لها الملاك لقوله تعالى: ( فأرسلنا إليها روحناً فتمثل لها بشراً سوياً ) مريم 17 . وتلك كانت معجزة الله السادسة إذ جاءها جبريل عليه السلام بصورة البشر التام الخلقة لتستأنس بكلامه ولا تفزع ولا تنفر عنه فلمَّا رأته قالت كما جاء بالآية الكريمة : ( قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ) مريم 18. أي فلما رأته فزعت وخافت وخشيت أن يكون أرادها بسوء لذلك احتمت والتجأت إلى الله وأخبرته بذلك وقيل أن جواب الشرط محذوف وتقديره إن كنت تقياً فاتركني ولا تؤذني قال الشارحون إن استعاذتها بالله دليل على عفافها وطهرها وورعها. فأجابها جبريل عليه السلام حسب الآية الكريمة: ( قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً ) مريم 19 . قال المفسرون إن قول جبريل عليه السلام إنما أنا رسول ربك لتهدئه روعها من الخوف منه ثم أخبرها بأنه مرسل من عند الله تعالى ليهب لها غلاماً طاهراً من الذنوب. قيل إن كان الغلام طاهرا من الذنوب فأمه من باب أولى طاهرة أيضا ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً ) مريم 20 . أي وعلى أي صفة يوجد هذا الغلام مني ولست بذات زوج ولست بغية فيجيبها جبريل عليه السلام: ( قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضياً ) مريم 21 .
وحذرت الآيات من الغلو في عيسى عليه السلام {يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } (النساء :171)، فهذه هي حقيقة المسيح، فهو لم يدع ألوهية نفسه قط { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب *ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } (المائدة : 116-117 )، فعيسى بشر رسول.
وأما مذاهب النصارى فيه فهي افتراء { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} (مريم : 34)، ومن افترائهم قولهم الذي كفّرهم الله به: { وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم } (التوبة : 30)، وذمّت قول آخرين :{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً} ( المائدة : 17).
للحق وجه واحد
ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"
Bookmarks