تحياتي للجميع :
كلما حاول أحدنا الاقتراب من ماهية الله أكثر ... كلما غرق ببحر الأسئلة أكثر وأكثر ... فإن حاول أن يتعرف على موجد الله .. فإنه سيقع بإشكالية ما يسمى بالتسلسل .. تسلسل لا نهاية له ... فإن ظن أن الله أوجده إله آخر .. لوقع بسؤال رديف لسابقه .. من أوجد هذا الإله الآخر ؟؟ والأسئلة على هذه الشاكلة كثيرة جداً .... بصراحة ... هذه مسلمات لا شك ..
لكن .. ماذا لو بحثنا فيما يسمى بالصفات الإلهية ... ومن منظور المفهوم الإسلامي .... كالإرادة والعلم والعدل والقدرة وووووو ... فأنا شخصياً ... وقعت بمشكلة الكمال في الصفات الإلهية ... ما أقصده بالكمال هنا ... هو أن الصفات هذه هي صفات كاملة في الله لا يعوزها نقص ... فلا يمكن أن نقول أن الله يعلم بنسبة 99 % ... ولا قادر بنسبة 99 % ... وهذا ما يدفعني لحيرة وتعثر ......
علماء المسلمين كافة يتفقون على أن الله هو خالق كل شيء ... وكلمة شيء تدل على ظاهر الشيء وباطنه .. والشيء هو كل ما يمكن أن يراه الإنسان أو يتلمسه أو يشعر به ظاهراً أوباطناً ....
ماذا عن العلم ؟؟؟
القرآن يصف الله بأنه عليم .. على وزن فعيل .. وعلام .. على وزن فعّال ... ما يؤدي بالضرورة إلى يقين الله الكامل بعلمه تجاه الأشياء ....
حاولت أن أربط ما بين النقطتين .... فرأيت أن الله يعلم منذ الأزل كل شيء سيقع في الدنيا ... كل حركة وكل همسة وكل فعل ... دون استثناء .... ويعلم بأفعال عباده كلها ... وسيكتب للعبد مذ يخلقه الله أشقي هو أم سعيد ... أليس كذلك ؟؟؟
إذا حاولنا الربط بين علم الله في هذا الصدد وبين كونه هو الخالق لكل شيء ... فإن هذا سيؤدي حتماً إلى أن الله هو أيضاً خالق أفعال العباد التي علم بها سابقاً في الأزل ...
فيخطر التساؤل في بالي الذي يقول :
كيف يمكن أن يحاسبني الله على فعل خلقه لي وقدره لي ومعلوم عنده في الأزل بالكيفية والحتمية المطلقة ؟؟؟؟
ناقش علماء المسلمين والفلاسفة هذا الأمر كثيراً عبر التاريخ ... واختلفت الرؤى واختلفت الآراء ... وتعددت فيه المذاهب والملل ...... فنرى علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة يقولون :
// بأن أفعال العباد هي خلق الله وكسب العباد , بمعنى أن أفعالهم هذه هي من خلق الله باعتباره خالق كل شيء , لكن العبد يكتسبها ويتسببها بنفسه هو .. الله أوجدها وقدرها , وأنت اكتسبتها وباشرت بها فتصير بها طائعاً أو عاصياً حسب الفعل المكتسب هذا //
ولكن هذا الكلام أيضاً يدفع لتساؤل آخر يطرح نفسه فيقول : عندما يكتسب العبد شيئاً .. فهو يقوم بعملية الاكتساب .. فما هو الاكتساب ؟؟ ومن علم العبد اكتساب الأشياء ؟؟؟ وهل يكتسب العبد فعلاً بقدرته هو ؟؟ أم بقدرة خلقها له الله داخله ؟؟؟؟؟؟؟
نرى على الطرف الآخر من يسمون أنفسهم بفرقة المعتزلة ....... يؤمنون أن أفعال العباد اختيارية، بل زادوا على ذلك، وقالوا: هم الذين خلقوا أفعالهم، والله لا يقدر على أفعالهم، لا يقدر الله على خلق أفعال العباد، فالعباد هم الذين خلقوا الطاعات والمعاصي، وخلقوا الخير والشر، وباشروها وخلقوها وأوجدوا أفعالهم ...
وتعددت المذاهب بين مذهب الجبرية والقدرية وما إلى هؤلاء ..... وكل منهم يصف حسب ما فهم .....
تعدد الأفكار والمذاهب يدعونا لأن نتسائل ... لماذا كل هذا الاختلاف ؟؟؟ هل الغموض في القضية هو الذي دفع العلماء والمفكرين والفلاسفة لأن يختلفوا برأيهم ؟؟؟؟؟؟؟
أنا لا أدري بأي جهة أقف ...... ولكني سأناقش القضية بمنظار العقل ونرى إن كنت قد أخطأت باختيار المنظار أم لا .......
معظم الإجابات في عقولكم الآن تنطلق من مبدأ أن الله بعلمه الأزلي لفعل عباده ليس له علاقة بفعل العبد إن كان خيراً أو شراً ........ وكثيراً ما سمعنا الأمثلة التي تطرح في هذا الصدد .... والتي أذكر منها :
// رجل من الناس عنده ولد سيء الخلق ... الأب يعرف أن ابنه يذهب ليلاً مع أصدقائه لممارسة أشياء لا يرضى بها عاقل ولا سليم الخلق .. جاء يوم وحصل أن الولد هذا كان معه مبلغاً لا بأس به من المال ... الأب بمعرفته المسبقة بابنه هذا , سيتنبأ بأن ابنه سوف يذهب الليلة ليصرف هذا المال في أمر سيء أو شيء من هذا ... وبالفعل ذهب هذا الولد وحصل ما كان قد توقعه الأب , فهل يمكن عقلاً أن نقول بأن الأب هو الذي دفع ابنه وأجبره ليذهب إلى هذا المكان ؟؟؟ حتماً لا ...//
الكلام جيد ومقبول , ولكن المغالطة الكبرى تكمن بطرح مثال على البشر لإثبات أو نفي شيء عن الإله ... هذه مغالطة كبيرة جداً .. وأستطيع بكل بساطة أن أقول بأن علم الله أزلي مبني على اليقين , أما علم البشر لحظي مبني على الشك ... ما أقصده .. هو أن علم البشر حتى ولو كان سابقاً لأوانه ( كالمثال السابق ) مبني على الشك , أي أنه ليس يقينياً , حتى لو كانت نسبة الصحة فيه كبيرة جداً .... يعني , الأب هذا عندما تنبأ مسبقاً بأن ولده سيفعل أمراً سيئاً , كان على يقين بهذا حتماً , لكنه ليس يقيناً كاملاً ... أقصد بأنه حتى ولو كان نسبة احتمال ذهاب ابنه هي 99 % , يبقى هناك 1 % شك ... فهو ليس يقيناً كاملاً .. لأنه ربما ولو احتمال ضعيييييف جداً أن لا يذهب هذا الولد , ربما يعدل عن رأيه بلحظة من اللحظات ... بينما على الطرف الآخر , علم الله مبني على يقين كامل لا يحتمل ولا حتى نسبة 0.0000000001 % من الشك .. فهو يقين كاااااااامل .... واليقين الكامل لا يأتي إلا إذا كان المتيقن على صلة بالشيء الذي تنبأ به ...
لا شك أن العلم المسبق لا علاقة له بالنتائج , ولكن هذا العلم يتبعه شك دائماً عندما نقيسه على البشر , بينما لا يصلح هذا مع الله أبداً ...
الله عندما علم مسبقاً بأن فلان من الناس سيفعل كذا وكذا , كان قد خلق له سابقاً الفعل وردة الفعل والحركة والعقل والتفكير وكل شيء , وعندها .. كان الله على يقين كامل بأن فلاناً من الناس سيفعل كذا باعتباره من صنعة يده (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) .. بينما الرجل الذي تنبأ بفعل ابنه , لم يخلق له فعلاً ولا ردة فعل ولم يخلق له عقلاً ولا شيء من هذا , إنما بنى تنبؤه هذا بناء على معرفته بطبيعة ابنه , ولاحظوا معي هنا كلمة ( معرفته ) وليس ( خلقه ) .. فأنت تعرف عن الشيء لكنك لم تصنعه بيديك ... إذاً علمك به قائم على شك دائماً وأبداً ........أنا أعرف العمل على الحاسوب , ولكنني لم أصنعه بيدي , ومهما وصلت بعلمي في الحاسوب , فإنني لن أضاهي صانعه ومخترعه , أليس كذلك ؟؟؟
قد يقول البعض أن الله خلق للإنسان عقلاً كي يميز به طريق الخير من طريق الشر ... وهذا أمر صحيح لا يقبل الشك ... ولكن لازالت الحيرة قائمة ... وباختصار شديد جداً ... كي لا أطيل أكثر ... هناك دوامة أغرق بها دائماً بين سؤال وجواب أطرحهما على نفسي دائماً .... والدوامة باختصارما يلي :
الله خلقني وخلق لي أفعالي ... وأنا اكتسبت هذا الفعل وقمت به ولا علاقة لله بعملي إن عملت شراً ...
ولكن عندما عملت شراً , كنت قد عملت الشر هذا بإرادة مني ... والإرادة التي في نفسي هي من خلق الله ........
إجابة : ولكن الله لم يجبرك على عمل الشر , بل قمت به بنفسك ....
ولكن عندما قمت به , قمت به بقوة ما دفعتني لأريد هذا الشيء أو ذاك , وخالق تلك القوة هو الله ؟؟
إجابة : ومع ذلك فأنت المكتسب للفعل وليس الله ........
ماذا عن قوة الاكتساب وخلقها .. أليست من خلق الله ؟؟؟
إجابة : نعم هي من خلق الله ولكن الله زودك بالعقل لكي تفكر به وتميز به الخير من الشر .......
وماذا عن تركيبة العقل وخلاياه ؟؟ أليست هي من خلق الله أيضاً ؟؟؟ فالله خلق العقل للناس وجعل عقولهم تتفاوت في تحديد الصواب من غيره , فمنهم من يفعل صواباً وهو يعلم أنه يفعل صواباً , ومنهم من يظن أن هذا الصواب هو خاطئ بحد ذاته كما نرى اليوم من اختلاف العقليات ومنهجيات التفكير بين الناس وخصوصاً على مستوى المذهب والملة ووووووووو كل الفرق .... وبالتالي يكون العقل هو نتاج خلق الله وليس من أمر العبد شيء ........
إجابة : أنا الآن أكتب , وباستطاعتي أن أترك الكتابة في الوقت الذي أشاء وبالتالي فأنا من يقوم بالفعل ويتركه وليس الله .........
ولكن علم الله اليقيني بفعلي منذ الأزل يجعلني أقول أن الله لو لم يكن هو خالق هذا الفعل قدرة واكتساباً لما علم هذا الأمر ..
وهنا .. أقف في مكان لا أجد له حلاً .. ولا أستطيع بنفس الوقت أن أصف الله بالظلم إن افترضت أنه هو المتحكم بفعل عباده ..... لأن هذا ينسب إلى الله الظلم ... وهذا غير مقبول ..
ماذا إذاً ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أتمنى من كل قلبي أن أجد منكم إجابة ........ وأن تكون قريبة من العقل وبعيدة عن التسليم ....... أقصد أن مثل هكذا نقطة ليست من المسلمات ... بل هي تستوجب التفكر والمناقشة .... شرط المنهجية والموضوعية في الحوار ... وبعيداً عن الهجومية في الأسلوب ...... فأنا لا أتهجم ولا أصارع ... أنا طالبة علم مثلكم تماماً ...... نتعلم من بعضنا ونستفيد من أخطاءنا ............ أليس كذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بانتظار إجابة الأخ الكريم ....
شكراً لحسن الإصغاء ....
رانيا العظم .
Bookmarks