صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 50

الموضوع: خواطر حول صفات الله في الإسلام ..

  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    الدولة
    Qatar
    المشاركات
    36
    المذهب أو العقيدة
    لاأدرى

    افتراضي

    أخي ناصر :

    أحسنت أحسنت طرحاً .... بصراحة .. لم تترك لي مجالاً للكلام ... ما شالله عنك


    ننتهي من هذه النقطة الآن وبشكل نهائي ..

    إلى النقطة التالية : عندما يختار العبد أمراً , فهو يختاره عن طريق قوة أو إرادة هي من خلق الله أيضاً .. والله عندما يخلق تلك الإرادة أو القوة فهو أعلم بما خلق .. لأن تركيبتها وردة الفعل الناجمة عنها هي من صنع يده ... فكيف يمكن أن نشرح هذه النقطة وننفي عن الله صفة إجبار العبد على الاختيار ؟؟؟؟

    مع ألف شكر

    رانيا

  2. #17

    افتراضي

    جزاك الله هدى ونورا يرفعك الله به إلى عزة الحق ونعيم طاعته .

    نأتي الآن إلى : مسألة خلق الله لأفعال العباد مع كونهم أحرارا مختارين لأفعالهم .

    والإشكال هنا يقول : كيف تكون أفعال العباد مخلوقة لله ، وهي مع ذلك أفعال للعباد حقيقة ؟

    وفهم هذه المسألة ينبني على فهم أصولها التي تؤثر فيها ، ومن غلط في هذه الأصول جره ذلك إلى الغلط في النتائج ، ومن غلط في هذه الأصول كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية تسلط عليه أهل الضلال من الملاحدة بقدر ما وقع فيه من الغلط والجهل .

    وهذه الأصول ترجع إلى أصلين جامعين :

    الأصل الأول : التفريق بين الفعل والمفعول .
    ولفهم هذا الفرق لا بد أولا من التفريق بين ما يقوم بذات الله من صفات وأفعال ، وما يقوم بمخلوقاته من صفات وأفعال ، وحرف المسألة أن الصفة لا تقوم إلا بالموصوف ، والفعل لا يقوم إلا بفاعله ، فلا يوصف بالعلم وأنه عالم إلا من قامت به صفة العلم ، ولا يوصف بالقدرة وأنه قادر إلا من قامت به صفة القدرة ، ولا يوصف بالكلام وأنه متكلم إلا من قامت به صفة الكلام .

    ولهذا فلا يصح وصف ذات بما لم يقم بها من الصفات ، ولا نسبة فعل إلى غير فاعله ، كما لا يصح الإخبار عن صفة لا تقوم بموصوف ، وفعل لا يقوم بفاعل . ومع أن هذه الأمور معلومة ببداهة العقل وضرورة اللغة إلا أن هناك من فسد عقله حتى جوز وجود صفة بلا موصوف أو ثبوت صفة قائمة في غير الموصوف بها !! والتزموا تعطيل الله عن معاني أسمائه وصفاته وأفعاله فضلا عن كمال معانيها ، وهؤلاء هم الجهمية ومن وافقهم في كثير أو قليل من قولهم كالمعتزلة والأشاعرة وغيرهم ، فظهر عليهم الملاحدة حينما ظفروا بمخالفتهم ضروريات العقل واللغة والحس والفطرة ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعضهم ما يعم جميعهم : " لا للإسلام نصروا ، ولا للفلاسفة كسروا " .

    فإذا تقرر أن الموصوف لا يوصف إلا بما يقوم به من صفات وأفعال ، تبين أن ما يكون في مخلوقات الله من صفات وأفعال هي صفات للمخلوقات لا للخالق ، وأفعال للمخلوقات لا للخالق ، وذلك لأنها لم تقم بذات الخالق حتى يوصف بها ، وإنما قامت بذات المخلوقات فتكون صفات لهم وأفعالا لا لخالقهم .

    وكما أن الله عز وجل خلق للعباد ألوانا وروائح وأشكالا قائمة بذواتهم هي صفات للعباد لا لخالقها فلا يوصف الله بتلك الألوان والروائح والأشكال ، سبحانه وتعالى عن ذلك ، فكذلك خلق الله لهم أفعالا وإرادات وقدرات قائمة بذواتهم هي أفعالهم وإراداتهم وقدراتهم لا لخالقها ، فلا يوصف الله بتلك الأفعال والإرادات والقدرات المخلوقة .

    وبهذا نعلم أنه كما وجب التفريق بين ما يقوم بذات الله وما يقوم بذات المخلوق من صفات وأفعال ، وجب كذلك التفريق بين فعل الله ، وما هو مخلوق من مفعولات الله في ذوات الخلق وصفاتهم وأفعالهم .

    فتبين أن القول الحق هو :

    التفريق بين فعل الله عز وجل القائم بذاته وبين مفعولاته المخلوقة المنفصلة عنه البائنة عن ذاته ، كما أن صفات الله عز وجل قائمة بذاته الموصوفة بالكمال لا منفصله عنها ولا قائمة في غيره ، فلا يوصف الله بما ليس في ذاته العلية ، وأما مخلوقاته فصفاتها كذواتها غير قائمة في ذات الله تعالى فلا يوصف الله بما يصدر عنها من خير أو شر ، وفعل أو ترك .

    وكما أن العبد تنسب له صفاته وأفعاله القائمة بذاته الصادرة عنه ولا تنسب إليه صفات غيره ولا أفعال غيره ، فمن باب أولى أن لا يوصف الخالق جل وعلا بما في غيره من صفات وأفعال ، ولا يوصف المخلوق بما في ذات الله عز وجل من صفات وما لها من أفعال .

    فإذا علم هذا ، فإن خلق الله لفعل العبد فيه أمران :

    الأمر الأول : فعل الله الذي هو معنى صفة الخلق وهو قائم في ذات الله تعالى ، فهذا فعل لله يوصف به ، وهو غير المفعول المخلوق القائم بالعبد والمتعلق بقدرة العبد .

    الأمر الثاني : المخلوق البائن عن الله ، القائم في ذات العبد المتعلق به ، فلقيامه بالعبد يوصف العبد به ، فيكون فعلا للعبد لا لغيره ، ولا يكون فعلا لله لأنه غير قائم في ذات الله تعالى ، فلا يلزم من كونه مخلوقا لله أن يكون صفة لله أو فعلا له .


    وبهذا الأصل الأول في التفريق بين : ما يقوم بذات الله وما يقوم بذات غيره ، والتفريق بين فعل الله ومفعوله ، وخلقه ومخلوقاته ، وعلمه ومعلوماته ، وقدرته ومقدوراته ، وإرادته ومراداته ، يعلم بهذا الأصل كيف أن أفعال العباد هي أفعال لهم حقيقة وإن كانت مخلوقة لله ، كما أن ذوات العباد هي ذواتهم حقيقة وإن كانت مخلوقة لله .

    فإذا كانت للعباد ذوات حقيقة لهم مع كونها مخلوقة لله ، فلا إشكال في أن تكون لهم أفعال حقيقة وصفات حقيقة مع أنها مخلوقة لله .

    وهذا يعني أن كون الشيء مخلوقا لله لا يلزم منه أن يكون صفة للخالق بل يجب أن يكون صفة للمخلوق :
    فالله خلق السماوات والأرض وهي ليست بصفات لله تعالى ، وخلق لها أشكالا وأفعالا وهيئات وحركات وهذه صفات للسماوات والأرض لا لله تعالى الله عن ذلك ، فلا يقال حينئذ : كيف تكون للمخلوق أفعال حقيقة مع كون الأفعال مخلوقة ؟ كما لا يقال : كيف يكون للمخلوق صفات وألوان مع كون الصفات والألوان مخلوقة ؟ فبطلان هذا السؤال كبطلان ذلك .


    وهكذا يدرك العقل ببداهته بعد التصور الصحيح للمسألة أن خلق الله لفعل العبد لا ينفي فعل العبد القائم بذاته المخلوقة ، ولا ينفي فعل الخلق القائم بذات الله العلية ، وكما لا يصح إنكار ما قام بذات الله تعالى من صفة الخلق وفعلها ، فكذلك لا يصح إنكار ما قام بذات العبد من الأفعال والصفات .

    ومثال ذلك : أن العبد إذا ضحك ، فضحكه حصل في ذات العبد فصار فعلا للعبد ، ولكن حصوله في ذات العبد فعلا له كان بخلق الله للضحك فيه ، وكذلك البكاء والنطق ، ولهذا قال الله عز وجل { وأنه هو أضحك وأبكى } ، وقال تعالى : { وقالوا لجلودهم لم شهدتهم علينا ، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } ، فالضحك والبكاء والنطق قائم في ذات المخلوق فهو فعله وصفته ، والذي أقامه في المخلوق هو خلق الله له في ذات المخلوق ، فيكون الفعل فعلا للعبد ويكون الفعل نفسه مخلوقا لله .

    ومثل خلق أفعال العباد ما يخلقه الله فيهم جزاء لهم بالثواب الحسن أو العقوبة لهم من : هدى وضلال ، وإيمان وكفر ، وصحة ومرض وقوة وضعف ولذة وألم ، فجميعها مخلوقة لله وهي عائدة إلى العباد يوصفون بها فيكون هم : المهتدون أو الضالون ، والمؤمنون أو الكفار ، والأصحاء أو المرضى ...، ولا يوصف الله بذلك ولاتنسب إليه صفة ولا فعلا وإنما هو خالقها فيهم .

    ولدينا هنا في مسألة أفعال العباد ثلاثة أمور :
    ( فعل العبد ) المخلوق ويمكن أن نعبره عنه أيضا بأنه مفعول العبد أي بمعنى فعله .
    و ( فعل الله ) غير مخلوق .
    و ( مفعول الله ) المخلوق الكائن في ذات العبد الذي هو فعل العبد ومفعوله.

    وحاصلها أمران :
    فعل الله القائم بذات الله وهو غير مخلوق .
    ومفعول الله المخلوق في ذات العبد الذي هو في الوقت نفسه فعل العبد .

    وأما في غير أفعال العباد الاختيارية كاللون والشكل فلدينا أمران فقط :
    فعل الله غير المخلوق وهو فعله القائم بذات الله تعالى
    ومفعول الله المخلوق في ذات العبد مما هو من ( صفات العبد لا من أفعاله الاختيارية ) كلون جسده ، فهو مخلوق مفعول في ذات العبد وليس بفعل للعبد لعدم الاختيار .

    وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (8 / 123) ذاكرا القول الحق في المسألة :
    " وأما من قال : خلق الرب تعالى لمخلوقاته ليس هو نفس مخلوقاته ، قال :
    إن أفعال العباد مخلوقة كسائر المخلوقات ، ومفعولة للرب كسائر المفعولات .
    ولم يقل أنها نفس فعل الرب وخلقه ، بل قال أنها نفس فعل العبد وعلى هذا تزول الشبهة .

    فإنه يقال الكذب والظلم ونحو ذلك من القبائح يتصف بها من كانت فعلا له ، كما يفعلها العبد ، وتقوم به ، ولا يتصف بها من كانت مخلوقة له إذا كان قد جعلها صفة لغيره ، كما أنه سبحانه لا يتصف بما خلقه فى غيره من الطعوم والألوان والروائح والأشكال والمقادير والحركات وغير ذلك ؛ فإذا كان قد خلق لون الإنسان لم يكن هو المتلون به ، وإذا خلق رائحة منتنة أو طعما مرا أو صورة قبيحة ونحو ذلك مما هو مكروه مذموم مستقبح لم يكن هو متصفا بهذه المخلوقات القبيحة المذمومة المكروهة والأفعال القبيحة . ومعنى قبحها كونها ضارة لفاعلها ، وسببا لذمه وعقابه ، وجالبة لألمه وعذابه . وهذا أمر يعود على الفاعل الذي قامت به ، لا على الخالق الذي خلقها فعلا لغيره "

    وبهذا يكون خلاصة الكلام في هذا الأصل :
    أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، وهي في الوقت نفسه أفعال للعباد حقيقة لأنها :
    قامت بذواتهم المخلوقة .
    (وما يقوم بالذات من صفات وأفعال ، فهي صفاتها وأفعالها هي ، لا صفات وأفعال خالقها في تلك الذات )

    وأما كيف تكون هذه الأفعال باختيارهم بعد أن ثبت كونها أفعالهم حقيقة فيتبين بالأصل الثاني الذي سأورده في المشاركة التالية في وقت آخر تيسيرا لمطالعته ، ولضيق الوقت .

    والمهم هنا إبطال التمانع بين كون الفعل مخلوقا لله وكونه فعلا للعبد حقيقة

    فإن كان هناك اعتراض على هذا ، وإلا أتبعنا القول بذكر الأصل الثاني بتوفيق الله تعالى .
    التعديل الأخير تم 08-01-2008 الساعة 09:00 PM

  3. #18
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    الدولة
    Qatar
    المشاركات
    36
    المذهب أو العقيدة
    لاأدرى

    افتراضي

    معروف عني دائماً أنني لا أسلّم الأمور بسهولة .... لكن يبدو أن الأخ ناصر قد غيّر رأيي بنفسي ...

    وصدقني أنني من خلال بحثي في الأربع سنوات الماضية , لم أقرأ إجابة عن هذا التساؤل كما قرأت الآن ... أقسم لك على ذلك .... فقولك :

    خلق الله لفعل العبد فيه أمران :

    الأمر الأول : فعل الله الذي هو معنى صفة الخلق وهو قائم في ذات الله تعالى ، فهذا فعل لله يوصف به ، وهو غير المفعول المخلوق القائم بالعبد والمتعلق بقدرة العبد .

    الأمر الثاني : المخلوق البائن عن الله ، القائم في ذات العبد المتعلق به ، فلقيامه بالعبد يوصف العبد به ، فيكون فعلا للعبد لا لغيره ، ولا يكون فعلا لله لأنه غير قائم في ذات الله تعالى ، فلا يلزم من كونه مخلوقا لله أن يكون صفة لله أو فعلا له .
    كلام يسطر بماء الذهب ...

    لن أطيل بالكلام كعادتي ...

    إلى النقطة التالية أخي ناصر مشكوراً مشكوراً مشكوراً ...

    رانيا

  4. #19

  5. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    الدولة
    Qatar
    المشاركات
    36
    المذهب أو العقيدة
    لاأدرى

    افتراضي

    مرورك لطيف جداً أختي ...

    أشكرك من القلب على وقفتك الطيبة معي ...

    رانيا
    لك يا شام في فؤادي حب ما ادعى مثله محب ثان

    يا شام .. أنت الوطن لمن لا وطن له ....

  6. #21

    افتراضي

    جزاك الله بالحق الذي أحققته فرقانا يهديك الله به إلى وحدانيته وكماله وحكمته في خلقه وشرعه .
    وأستغفر الله من تقصيري وزللي ، وأعترف له بعجزي وضعفي ، وأسأل الله الكريم الرحيم أن يرحمني وإياك برحمته الواسعة المقتضية كمال المحبة له والعبودية لجلاله والإخبات لعظمته والسعادة بطاعته والعمل بشريعته .

    وهذه تتمة الكلام في بيان أنه : كيف تكون هذه الأفعال باختيار العباد بعد أن ثبت كونها أفعالهم حقيقة ؟
    وبيانه بشرح الأصل التالي وهو :

    الأصل الثاني : في إثبات حقيقة تأثير الأسباب في إيجاد مسبباتها على غير وجه الاستقلال : كتأثير قدرة العبد في حصول المفعول.

    أهمية هذه المسألة :

    وهذه المسألة من أهم المسائل لما حصل فيها من الضلال في الكلام في القضاء والقدر ، ولأثرها في مسألة حدوث العالم ، حتى أنه حين قالت الأشاعرة بإنكار تأثير الأسباب في مسبباتها مطلقا تسلط عليهم الملاحدة فقالوا إذا كانت المسببات تحصل بغير أسباب ، فلم لا يكون العالم موجودا بغير سبب خالق له ! وهذا إيراد مستند على دعوى إنكار تأثير الأسباب وكونها أسبابا حقيقة وهي دعوى باطلة ، ومثل هذا يرد على منكري الأسباب كالأشاعرة لا على من يثبتها ، ويكثر إيراد الملاحدة له جهلا منهم بالحق ، ومن هؤلاء ديفيد هيوم الهائم على وجهه الجاحد لضروريات العقل والحس .

    وهذا ما يجعل المؤمن على حذر من الأصول الباطلة التي قال بها الأشاعرة كما يحذر من الأصول الباطلة عند غيرهم من الجهمية والمعتزلة والكرامية والكلابية ، فضلا عن باطل الفلاسفة سواء من انتسب منهم إلى الإسلام ومن لم يكن منتسبا إليه .

    ولهذا يجب الحذر عند الاستدلال على وجود الله مما يذكره هؤلاء من الأدلة في كتبهم المبنية على أصول باطلة كالاستدلال بثبوت الجواهر والأعراض ، وتماثل الأجسام ، وأن العرض لا يبقى زمانين ، وأن كل ( متغير ) محدث ، واستحالة حوادث لا أول لها ، إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة أو الألفاظ المجملة أو المعاني المشتبهة .


    القول الحق في تأثير الأسباب بمسبباتها :

    فأما القول الحق في هذه المسألة فهو : أن الله خلق الأسباب مؤثرة بذاتها تأثيرا حقيقيا لكن حصول مسبباتها لا يكون بمجرد تأثير السبب بل بما يخلقه الله معه بمشيئته من الشروط وإزالة الموانع .

    فمجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبَّب ، وإنما لا بد من تمام الشروط وانتفاء الموانع ؛ فكما أن المطر سبب لحصول النبات ، إلا أنه لا يحصل ذلك بمجرد هذا السبب بل لا بد من توفر الشروط ، كأن تكون التربة مما يصلح للزرع ، والبذر قد بذر فيها ، والريح سائقة للمطر إليه بقدر ما ، وحال الجو من حرارة ورطوبة على ما يوافق النماء ، ولا بد من انتفاء الموانع ، بحصول السلامة من الآفات وهي كثيرة ، فمن تصور أن مجرد المطر سبب تام في حصول الإنبات فقد أخطأ خطأ بينا ، ومن أنكر أن يكون للمطر شيئا من الأثر في حصول الإنبات فهو أكثر جحدا للعقل والحس.

    ولهذا فإن الأسباب المخلوقة غير مستقلة بالتأثير في مسبباتها بل هي بعض السبب وجزء منه وشرط من شروط حصول المسبب .

    وأما السبب التام فهو : أن يشاء الله حصول جميع الأسباب مع تحقق شروطها وانتفاء موانعها ، فتؤثر بمجموعها بمشيئة الله تعالى حقيقة في حصول مسبباتها .

    فمن أنكر - مثلا - أثر المطر في حصول الإنبات فقد أنكر ضرورة العقل والحس ، ومن جعل المطر وحده سببا تاما في حصول الإنبات فقد خالف ضرورة العقل والحس أيضا . والجميع مخالف للشرع كذلك .

    والحق : أن يجعل السبب سببا سواء كان في جملة أسباب هو أحدها أو كان سببا له شروط لا بد منها وموانع يجب زوالها لحصول تأثيره . وأنه مع جعله سببا فهو سبب غير تام إلا بأن يخلق الله جميع ما لا بد منه لحصول المسبّب ، ويشاء بحكمته حصوله وكونه سببا لما يحصل عقبه من المسببات .


    علاقة أفعال العباد الاختيارية بتأثير الأسباب في مسبباتها دون استقلال:

    فإذا كان واضحا أن إنكار الأسباب مناقض لضرورة العقل والحس ، وكذلك جعل الأسباب مستقلة بنفسها في التأثير دون ما يخلقه الله بمشيئته الحكيمة من شروط للتأثير وإزالة الموانع .
    = إذا كان ذلك واضحا ، فإن القول في أثر قدرة العبد وإرادته في حصول أفعاله كذلك ، جميعها من باب واحد إلا أن للعبد إرادة واختيارا ليست لبقية الأسباب:

    فالقدرة والإرادة مؤثرة في وجود الفعل ، فلا يوجد الفعل الاختياري بدون قدرة العبد وإرادته ، ولكن تأثير قدرته وإرادته في حصول الفعل هو جزء وبعض من السبب التام ، والسبب التام لحصول فعل العبد يتضمن :
    قدرته وإرادته المخلوقة ، وما يخلقه الله مما لا يحصل الفعل إلا به من الدواعي للفعل ، وتحقق الشروط وإزالة الموانع .

    ولما كانت أفعال العبد تقع بأثر من جملة أمور من بينها إرادته الحرة الجازمة وقدرته التامة كان فعل العبد اختياريا بضرورة العقل والحس بخلاف حركة المرتعش ولون الجسم وطوله الكائنة بغير اختياره .

    فلا إشكال أن العبد يقطع بضرورة عقله وحسه أن صعوده للسلم حاصل باختياره غير مكره عليه ، بخلاف من ألقي من جبل مكتفا مربوطا لا اختيار له في حال سقوطه ، ومن جعل هذا كهذا فقد جحد ضروريات العقل والحس .

    فإذا تقرر أن لإرادة العبد وقدرته أثرا في حصول الفعل ، ثبت بذلك الاختيار والمسؤولية ، وهو المطلوب .

    ولا يمكن إنكار الاختيار بعد الإقرار بأن لإرادة العبد أثرا حقيقيا ضمن السبب التام لحصول الفعل .

    ولا يمكن إنكار ضرورة العقل والحس في أنفسنا وغيرنا من حصول أفعالنا الاختيارية بإرادتنا بغير إكراه ، بل إنكار ذلك جحد لضروريات لعقل والحس بالكلية ، وإنما قد يطلب العبد فهم كيفية ذلك لا إنكارا له وإنما حيرة في تصوره كما يحار العقل في تصور كثير من الممكنات دون حكمه باستحالتها.

    وهذه مسألة أخرى عظيمة القدر خطيرة الشأن بعد أن قطع العقل والحس بإثبات اختيار العبد لأفعاله وما يترتب عليه من المسؤولية والجزاء ، وبعد أن قطع العقل بأن كل ما سوى الله مخلوق من الأعيان وصفاتها ، والعباد وجميع ما يقوم بهم . وهذه المسألة هي :

    كيفية كون العبد مريدا شائيا بمشيئة الله تعالى وحكمته ؟

    وهي من أدق المسائل ، بل هي سر من أسرار قدرة الله تعالى ، فكما أننا لا نحيط بذات الله تعالى فكذلك لا نحيط بصفة من صفاته ، ومن صفاته تعالى القدرة والحكمة والمشيئة والإرادة والخلق ، وجميع هذه الصفات لها أثر لا يحيط به العقل في حدوث أفعال العباد ، ولا يمكن بلوغ نهاية العلم في ما يحصل لإرادة العبد ومشيئته وفقا لمشيئة الله تعالى ما دمنا عاجزين عن الإحاطة بحكمة الله ومشيئته وقدرته وإرادته وخلقه .

    ولكن هناك أمور تهدي العقل إلى بعض العلم الممكن للعبد في هذه المسألة وهي كشعلة السراج بالنسبة للشمس ، وهي كافية في تسليم العقل بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا يحصل بنا من خير إلا برحمته ، ولا يكون بنا من سوء وشر إلا من أنفسنا عدلا من الله وحكمة .

    وهذه الأمور تتبين بمعرفة الحق في المسائل التالية فيما يأتي بتوفيق الله تعالى وهدايته .

    فإن كان هناك اعتراض على تأثير الأسباب في مسبباتها حقيقة دون استقلال ، وإلا انتقلنا إلى الكلام في :
    أنواع قدرة العبد واستطاعته ، ثم إرادة العبد واختياره ، وما يتعلق بها من مسائل وقواعد .
    التعديل الأخير تم 08-02-2008 الساعة 10:49 PM

  7. #22
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    مــصــر
    المشاركات
    292
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزا الله الأخ الكريم ناصر الشريعة بكل الخير ..
    أشهدكم أني أحبه في الله .
    {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } فاطر8

    {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27

  8. افتراضي

    لا فض فوك أخي ناصر الشريعة


    وبارك الله في انقياد أختنا إلى الحق

  9. #24
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    الدولة
    Qatar
    المشاركات
    36
    المذهب أو العقيدة
    لاأدرى

    افتراضي

    ينتابني إحساس أن الأخ ناصر الشريعة هو بروفيسور في علم الفلسفة ... بوركت جهودك يا ناصر ..

    أخي الكريم ناصر الشريعة :
    دخلت الفكرة موضعها المناسب في عقلي .. وتم استيعاب الفكرة وتحليلها والإيمان بها إيماناً مطلقاً أيضاً ...
    وأقول لك : لاداعي للحديث عن أنواع قدرة العبد واستطاعته , فالطرح السابق قد أنهى المسألة من جذورها , فلا داعي لأن تضيع وقتك بهذه النقطة , فقد أصبحت واضحة ومفهومة ..
    أما إرادة العبد واختياره .. لطالما توصلنا إلى نتيجة مفادها أن :
    القدرة والإرادة مؤثرة في وجود الفعل ، فلا يوجد الفعل الاختياري بدون قدرة العبد وإرادته ، ولكن تأثير قدرته وإرادته في حصول الفعل هو جزء وبعض من السبب التام ، والسبب التام لحصول فعل العبد يتضمن :
    قدرته وإرادته المخلوقة ، وما يخلقه الله مما لا يحصل الفعل إلا به من الدواعي للفعل ، وتحقق الشروط وإزالة الموانع .
    فالأمور على ما يرام ولا داعي لذكر التفاصيل في هذه النقطة , لأنها فرع من أصل .. فإذا كان الأصل واضحاً , فالفرع واضح بالضرورة .... مشكور سلفاً أخي العزيز ...

    دعني أنتقل وإياك إلى نقطة أخرى ... سأطرحها برابط آخر نظراً لتغير العنوان ....
    لك يا شام في فؤادي حب ما ادعى مثله محب ثان

    يا شام .. أنت الوطن لمن لا وطن له ....

  10. #25

    افتراضي

    الحمد لله الذي ما بنا من نعمة دينية ولا دنيوية إلا من فيض فضله وكرمه ورحمته ، خالق كل شيء لا رب سواه ، الحكيم في خلقه وأمره ، الذي لا يحيط به علم أحد من خلقه . والحمد لله الذي هدانا بالإسلام ودلائله السمعية والعقلية والفطرية والحسية فلم يحوجنا إلى خطل الخائضين فيما لا علم لهم به باسم الفلسفة ، وقانا الله وإياكم شرها وجهلها وسفهها .

    وإن العبد إذا ثبت عنده بضرورة الشرع والعقل والحس والفطرة :
    أن الله خالق كل شيء لا خالق سواه .
    وأن الله حكيم عليم عدل منزه عن العبث والجهل والظلم .
    وأن قدرة الله الشاملة ومشيئته العامة جعلت لقدرة العبد ومشيئته أثرا في حصول الفعل الاختياري وترتب المسؤولية عليه مع خلق الله لجميع الأسباب والمسببات والدواعي والآثار .

    = إذا استحضر العبد ثبوت ذلك بضرورة الشرع والعقل والحس والفطرة : علم أنه يمتنع بعد ذلك القول بأن أفعال العباد الاختيارية غير اختيارية للعبد !! أو غير مخلوقة لله تعالى !!

    وهذه الضروريات كافية لإبطال كل شبهة من أصلها ، لأن كل ما عارض الضروريات معارضة حقيقة كان باطلا بيقين ، وأما تفسير بطلانه وإطالة القول في ذلك فأمر آخر لا يتوقف إثبات البطلان عليه ، كما أن إنكار الأعمى لإمكان غيره رؤية الشمس وإنكاره وجود الشمس لعدم رؤيته لها مع سفعها وجهه وتعرقه من لهيب حرها لا يوجب توقف بطلان دعواه على تفسير ثبوت الشمس من حيث رؤية العين لها ، وهو أمر لا يعلقه من ولد أعمى لا يبصر المحسوسات.

    فأسأل الله الكريم أن يأخذ بناصيتك إلى التقوى ، ويهديك بعد هدى البيان بهداية التوفيق والإعانة ، فما للإنسان سعادة إلا بالإيمان بخالقه ، والتقرب منه بطاعته التي هي صلاح لدنيا الإنسان وآخرته ، مع إقرار العقول والفطر لصحة هذا الدين الحق دون سائر الأديان الباطلة المناقضة للعقل والفطرة .

  11. #26

    افتراضي

    وجزى الله خيرا الإخوة الذين مروا على هذا النقاش بجميل قولهم وحسن ظنهم وجمعنا الله بهم في مستقر رحمته ودار كرامته .

    وأرجو القارئ الكريم الحريص على مزيد الفائدة وعظيم العائدة أن يجد من الوقت والجهد ما يمكنه من الاستفادة مما قاله أهل العلم في الإيمان بالقضاء والقدر ، والجمع بين الشرع والقدر ، ومن الكتب النافعة في ذلك ما يلي :

    المجلد الثامن من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، جمع فيه عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله ما كتبه ابن تيمية حول ( القدر ) ، ومن أهم ما فيه رسالة بعنوان : " أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل " . وفي سائر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مباحث كثيرة ومهمة في الحكمة والتعليل ، والجمع بين الشرع والقدر .

    والمجلد الثالث من كتاب : "موقف ابن تيمية من الأشاعرة " للدكتور الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود ، عند مباحث القضاء والقدر ، ونحوه كتاب " القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه " للشيخ المحمود أيضا .

    كتاب : " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل " لشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى ، وهو من أجل الكتب وأجملها في هذا الشأن ، وفي سائر كتبه مباحث كثيرة في الحكمة والتعليل والجمع بين الشرع والقدر .

    وشرح ابن أبي العز الحنفي للعقيدة الطحاوية ، وشروح أهل العلم عليه عند مباحث القضاء والقدر المتفرقة في الكتاب .

    وجميع هذه الكتب متوفرة في المكتبات ومرفوعة أيضا على المواقع الإسلامية ، فاحرص عليها بارك الله فيك ، واستفد منها ، وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح .

  12. #27
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    أخي ناصر بارك الله فيك...


    الذي أراه أن تكمل ما بدأت.....ليكون ما تكتبه مرجع للجميع إذ1ا ما أثير الموضوع مرة أخرى
    لا يحزنك تهافت الجماهير على الباطل كتهافت الفراش على النار ، فالطبيب الحق هو الذي يؤدي واجبه مهما كثر المرضى ، ولو هديت واحداً فحسب فقد أنقصت عدد الهالكين


    العجب منّا معاشر البشر.نفقد حكمته سبحانه فيما ساءنا وضرنا، وقد آمنا بحكمته فيما نفعنا وسرّنا، أفلا قسنا ما غاب عنا على ما حضر؟ وما جهلنا على ما علمنا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!


    جولة سياحية في جزيرة اللادينيين!!


    الرواية الرائعة التي ظلّت مفقودة زمنا طويلا : ((جبل التوبة))

  13. #28

    افتراضي

    وفيك بارك الله .

    أما المرجع ففي كلام أهل العلم كفاية للمستهدي والمسترشد . وأما إكمال ما بدأت فسأكمله إن شاء الله تعالى ، على أن يكون في شريط مستقل في قسم العقيدة والتوحيد مع الإكثار من نقل أقوال أهل العلم .

  14. #29
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    الدولة
    مــــــصـــــــــر
    المشاركات
    1,178
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله عنّا خيرا أخ ناصر
    ورفع قدرك
    وأستعملك لنصرة دينه
    ونولك الجنة والحور الحسان
    الله يرضا عليك وينولك حبه
    اّمين .
    تركت كل المنتديات واسأل الله الفرج القريب .
    دردشة مع ملحد لادينى
    تتمة الدردشة
    نـــــور * مدونتى لطلبة العلم **نـــور على نـــور مدونتى لى ولكل التائبين
    رضيت بما قَسم الله لى ، وقلتُ ياقلبى يكفيك الجليل مدبراً لى ولا علم لى فحسبى الله ونعم الوكيل .كلمة أعجبتنى .
    وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع .كلمة أعجبتني .

  15. #30
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    من النقاشات القويّة التي توارت بين طيّات الصفحات....للرفع
    لا يحزنك تهافت الجماهير على الباطل كتهافت الفراش على النار ، فالطبيب الحق هو الذي يؤدي واجبه مهما كثر المرضى ، ولو هديت واحداً فحسب فقد أنقصت عدد الهالكين


    العجب منّا معاشر البشر.نفقد حكمته سبحانه فيما ساءنا وضرنا، وقد آمنا بحكمته فيما نفعنا وسرّنا، أفلا قسنا ما غاب عنا على ما حضر؟ وما جهلنا على ما علمنا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!


    جولة سياحية في جزيرة اللادينيين!!


    الرواية الرائعة التي ظلّت مفقودة زمنا طويلا : ((جبل التوبة))

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. صفات الله لا تشبه صفات غيره
    بواسطة فيصل البتار في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-10-2012, 01:11 PM
  2. إعلان: إعلام الأنام أن صفات الدين الحق تجتمع في دين الإسلام
    بواسطة د.ربيع أحمد في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 12-23-2008, 11:27 AM
  3. توهم كثير من الناس أن صفات الله تماثل صفات المخلوقين
    بواسطة الجندى في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-22-2005, 06:46 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء