[size="5"][color="darkslateblue"][b]حدثني صديق من بلد شقيق قال في كل عام نقوم بأداء صلاة الاستسقاء في كل أقاليم البلاد بتحريض من رموز الدين الأجلاء ومع هذا فلم أرى أن الطقس يعبأ قط بهذه الصلوات فهطول الأمطار له نمط ثابت لم يتغير أبدا فكل ثلاث أو أربع سنين تجود الطبيعة علينا بسخاء وفي ما عدى ذلك لا يصيبنا سوى رذاذ متقطع خلال فصل الشتاء.
وأردف: كنا ذات صبيحة وقوفاً على أهبة الانخراط في صلاة الاستسقاء فنظرت إلى السماء فإذا الغيوم وقتها تعوم في الأجواء وغرقنا في الصلاة بخشوع الأتقياء وبعد ما سلم الأمام رفعة رأسي فما رأيت الغمام.
طبعا أنا لا أصدق أن الصلاة أحدثت عكس الأثر المأمول منها لأن أمور الطقس والظواهر الطبيعية بعمومها لا تتأثر بصلاة أو صيام.
ولكننا نسمع ونقرأ الكثير من الأحاديث حول أهمية صلاة الاستسقاء وكيفية أدائها وما يستحب فيها من دعاء وحركات كتحويل الرداء ومعناه ووقته وما إلى ذلك. (1)
ومع هذا فالثابت أنه حتى في حياة محمد كان الجدب هو الأغلب وكانت هناك أعوام مجاعة ففي غزوة الخندق – حين كان المسلمون في أشد الحاجة إلى الغيث - كان الصحابة يشدون الحجر إلى بطونهم من شدة الجوع (2). ولم يرد أن الأمطار كانت تأتي بشكل جيد ومتواتر ولو لبضع سنين.
إعادة صياغة التقاليد
ومما ورد في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب كان إذا أشتد القحط يستسقى بالعباس بن عبد المطلب فيقول: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتسقينا ، و إنا نتوسل إليك اليوم بعم نبينا صلى الله عليه وسلم فاسقنا. (3)
والاستمطار ببركة الصالحين هو تقليد جاهلي يشير إليه عنترة بقوله:
وإن كان لوني أسوداً فشمائلي --- بياضٌ ومن كفََّيَّ يُستنزل القَطْرُ
والعرب في الجاهلية كانوا يعتقدون بالعلاقة بين الغيث ومنازل النجوم (الأنواء) كما كان لبعضهم أسلوب غريب للاستمطار " فكانوا إذا تتابعت عليهم الأزمان وركد عليهم البلاء واشتدَّ الجَدْب، واحتاجوا إلى الاستمطار، اجتمعوا وجمعوا ما قدروا عليه من البقر ثم عقدوا في أذنابها وبين عراقيبها السَّلَع والعُشَر، ثم صعدوا بها في جبل وَعْرٍ وأشعلوا فيها النيران، وضجُّوا بالدُّعاء والتضرُّع" (4)
من هذا يبدو أن فكرة الاستسقاء في الأصل جاهلية ولكن الإسلام غير من كيفيتها بحيث يقطع صلتها بالأنواء ويضعها في هيئة أكثر تهذيباً. وتقديم البدائل للتقاليد الجاهلية أمر حرص عليه الإسلام إبان تطور المعتقد الجديد لتحاشي رجوع الناس إلى ما كانوا عليه سابقاً تحت وطأة الحاجة إلى أمل.
(...)
لماذا لا يستجيب السحاب؟
والأطفال في مرحلة التعليم الابتدائي اليوم على بينة من دورة الأمطار فهم يعلمون أن السحب تتكون نتيجة تبخر مياه البحار والأنهار والمسطحات المائية بالإضافة إلى البخر الطفيف الحادث مما تنشر النساء على حبل الغسيل وعند انخفاض درجة الحرارة يتكاثف السحاب ليسقط تحت تأثير الجاذبية الأرضية كمطر .
ومن سخرية الواقع أن معظم البخر يحدث في ديار مسلمة عريقة في إسلامها حيث تقام أنواع الصلوات بينما يصيب أغلب الغيث دياراً كافرة عريقة في كفرها. ربما أن الرياح تواطأت مع الكفار فهي تسوق السحاب إلى ديارهم حيث درجة الحرارة المناسبة للانهمار.
المشكلة أن علماء الدين والوعاظ ينحون باللائمة على العامة في وجود هذه الظاهرة الطبيعية!
المشائخ والوعاظ يعزون ذلك إلى تفاقم الذنوب والمعاصي في المجتمع المسلم مما ينشر الشعور بالذنب بين الناس مع أن عهد الرعيل الأول (خير العصور كما قيل) لم تنعم - كما أسلفت - بالربيع المطرد بل كان السائد هو القحط والأجداب.
(...)
----------------------------------------------------------
1. أنظر – مثلاً - سنن البيهقي ، كتاب صلاة الاستسقاء.
2. ابن كثير ، البداية والنهاية، الجزء الرابع، ص 56 .
3. الجامع الصحيح ،حديث رقم 119291 ، الصفحة 1010
4. د. الحافظ عبدا لرحيم، تشكل الصورة الأسطورية في الشعر الجاهلي.( نقلاً عن كتاب الحيوان للجاحظ)
Bookmarks