الخلفية التاريخية :
لقد أثبتت أبحاث علماء الأديان مدعومة بأبحاث علماء الأجناس وعلماء الإنسان وعلماء النفس أثبت هؤلاء جميعهم أن عقيدة الخالق الأكبر أو (فطرية التوحيد وأصالته ) هي أقدم ديانة ظهرت في البشر مستدلين على ذلك بأنها لم تنفك عن أمة من الأمم قديمًا وحديثًا ، وهذا ما تقرره الديانات السماوية إذ تؤكد أن لهذا الكون خالقًا عظيمًا فطرت النفوس على الإقرار بوجوده والسعي لعبادته والتقرب إليه .
والديانات السماوية ظلت مرتبطة بالإنسان منذ وجوده على الأرض حيث إنه لم تخل أمة من الأمم إلا وقد بعث إليها رسولًا يرشدهم إلى الخالق العظيم ويدعوهم إلى عبادته ، وبذلك تتضافر الأدلة التاريخية على وجود الله تعالى .
أولًا : بطلان الرجحان بدون مرجح :
إن هذا الكون الموجود لا يخلو من أحد احتمالات ثلاثة :
1 . أن يكون واجب الوجود .
2 . أن يكون ممتنع الوجود .
3 . أن يكون ممكن {جائز} الوجود .
أما الاحتمال الأول : فباطل لأنه يترتب عليه امتناع انعدام الكون ، وذلك محال عقلًا : فإننا نرى أعيان المخلوقات تموت وتحيا ، وتوجد وتنعدم فلا مانع عقلًا من انعدام الكون .
أما الاحتمال الثاني : فباطل أيضا لأن الكون موجود حقيقة فلو كان ممتنع الوجود لما أمكن وجوده .
إذًا لم يبق إلا الاحتمال الثالث : وهو أنه ممكن الوجود ، أي أنه جائز فيه أن يوجد أو لا يوجد على حد سواء ، ولكن الكون موجود فعلًا فإذا لا بد من وجود مرجح خارجي لأحد الأمرين المستويين : الوجود والعدم . فإن قال قائل : إن الكون هو الذي أوجد نفسه . قلنا : هذا يستلزم الترجيح بدون مرجح لأنه لو أوجد نفسه لكان واجب الوجود ولكننا اتفقنا علي أنه ممكن الوجود فلزم أن يكون قد أوجدته قوة أخرى خارجة عنه ومباينة له في ذاته وصفاته .
فإن قال القائل : يمكن أن تكون قوة أخرى سوى الله تعالى هي التي أوجدته قلنا : سترى بطلان هذا الفرض في الأدلة التالية :
ثانيًا : بطلان التسلسل :
إن احتمال أن تكون قوة أخرى سوى الله تعالى قد أوجدت هذا الكون باطل لأنه يؤدي إلى التسلسل وهو أن تطرد الاحتمالات بصورة مستمرة دون أن يصل العقل إلى شيء يستقر عليه في حكمه . فلو قال القائل : إن الكون يحتمل أن يوجده سوى الله تعالى . قلنا له : وهذا الموجد المفترض ، من الذي أوجده ؟ فإن قال : أوجده موجد غيره . قلنا : إن هذا سيؤدي إلى أن يكون كل واحد في السلسلة علة لوجود غيره إلى ما لا نهاية ، وهذا باطل . فإذًا هذه السلسلة لا بد أن تنتهي إلى ذات موجودة واجبة الوجود ، حتى ينتهي التسلسل وهذه هي الذات الإلهية .
ثالثًا : بطلان الدور :
والدور هو توقف وجود أمر على أمر آخر ، إلا أن هذا الأخير متوقف في وجوده على وجود الأول وهذا باطل غير مستقيم عقلًا . مثاله : لو قلنا : إن وجود البيضة متوقف علي وجود الدجاجة ، إلا أن الدجاجة متوقفة على وجود البيضة لما وجد كلاهما لاستحالة ذلك . وهذا هو الدور, فلو قال القائل : إن الكون حادث وله علة إلا أن هذه العلة المؤثرة في وجوده عبارة عن التفاعلات الذاتية لذراته الأولى والتي استمرت لملايين السنين حتى انتهت إلى هذا الكون أي أن الطبيعة هي التي أوجدته . فنقول له : ما هي العلة الأولى في إيجاد الذرات الأولى المتفاعلة ؟ وما علة التفاعل الذاتي ؟ فإن قال : العلة في تلك الذرات ذاتها أي أنها أوجدت نفسها ثم تفاعلت لتوجد الكون .
قلنا له : إن هذا هو الدور الممنوع ذاته لأنك جعلت الشيء علة لوجود غيره وهذا الغير علة لوجوده هو في ذاته حيث إنه لما كان في العدم المطلق كان وجوده متوقفًا على أن يخرج من العدم فإذا خرج أصبح علة لإيجاد نفسه . ثم نقول له : إنك قلت إن الكون محدث غير أزلي فكيف يكون المحدث علة لنفسه وهو لم يكن موجودًا من قبل والعدم المحض لا يوجد شيئًا فإن الشيء يمتنع أن يكون خالقًا ومخلوقًا في الوقت نفسه .
رابعًا : قانون العلية :
إن التخصيص والنظام يدلان على العلة والحكمة من وراء ذلك التخصيص والنظام . ولا يعقل أن توجد علة أو حكمة بدون مؤثر مدبر لها فلو قلنا : إن هذه الشمس إنما وجدت اتفاقًا وليس من وراء وجودها حكمة وكل ما تقوم به من وظائف حياتية في الكون إنما جاءت بطريق الاتفاق ومحض الصدفة لو قلنا ذلك لما شك أحد -في عصرنا الحاضر- في جنون القائلين به . كما أننا لو قلنا لعالم في وظائف الأعضاء : إن الأجهزة العضوية في الإنسان مثل المخ والكبد والبنكرياس وغير ذلك إنما جاءت اتفاقًا وتهيأت لوظائفها صدفة لما شك ذلك العالم لحظة في جنوننا . فإذا كنا نستنكر أن تكون هذه الجزئيات قد وجدت اتفاقًا فكيف نصدق من يقول : إن الكون بكل موجوداته قد وجد اتفاقًا ؟
وأن النظام الذي فيه ليس له مدبر حكيم من ورائه ، وأن الأحداث المعللة والحكم النافذة في أجزائه قد جاءت اتفاقًا بدون قصد لغايتها ؟
هل يعقل أن يكون مثل هذا الكون المعجز في نظامه وترتيبه وضبط مقاديره قد وجد عبثًا وأن كل تلك الدقة قد جاءت اتفاقًا ، إن المصدق لهذا يكون كالمصدق لمن يقول له : إننا لو أتينا بستة من القرود وأجلسناها إلى ست آلات طابعة لملايين السنين فإنه لا يستبعد أن يخرج لنا أحدها بقصيدة رائعة من روائع شكسبير . هل تصدق هذا القائل؟ إنه بلا شك أعقل من القرود الستة ولكن للأسف ليس حظ القرود في إخراج قصيدة شكسبير بأوفر من حظه هو في أن يكون مثل شكسبير . أليس كذلك ؟
آيات الكون والأنفس شاهدة على وجود الله :
إن الكون المشهود كتاب مفتوح يشهد بوجود الله تعالى الذي خلقه, فالنظام الدقيق والدقة الفائقة في كل أجزائه و موجوداته ، تقر بأنه من صنع مدبر عليم حكيم عظيم قوي متين ، وهذه بعض النماذج التي تنقلك في سياحة مع الكون :
1- آيات الآفاق في الأفلاك .
2- آيات الأنفس في الإنسان ذلك المجهول .
3- عالم الحيوان .
- الكائنات المجهرية - المخلوقات العظيمة .
- النحل أمة أمثالكم - ماذا تعرف عن البحار وما فيها ؟
4- عالم النبات . الله الخالق يتجلى في عصر العلم :
إن كبار الباحثين يمتازون عن غيرهم بأنهم -في غالبهم- يبحثون في الأمور بعقل مدرك ونظر ثاقب متجرد . لذا فإن شهاداتهم تعد ذات اعتبار كبير في الأمور التي يدلون فيها بآرائهم ، ونحن هنا نذكر أقوال بعض من العلماء المشهورين في قضية الوجود والخلق .
1 . ماذا قال عالم الرياضيات مكتشف قانون الجاذبية إسحاق نيوتن ؟ قال نيوتن : إنه لا يمكن أن تأتي إلى حيز الوجود مباهج عالم الطبيعة الزاهرة ومنوعاتها هذه بدون إرادة واجب الوجود أعني به الإله القادر قدرة مطلقة السميع البصير المكتمل الذي يسع كل شيء .
2 . قال هيرشل عالم الفلك الإنجليزي : كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية . فالجيولوجيون والفلكيون والرياضيون و الطبعيون قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم وهو في الواقع صرح عظمة الله وحده .

3 . ويقول وولتر أوسكار لندبرج عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية الأمريكي : أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشف جديد في ميدان من الميادين إذ إن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد إدراكهم وأبصارهم لأيادي الله في هذا الكون .
4 . أما العالم الأمريكي الفسيولوجي أندرو كونواي إيفي فقد قال : إن أحدًا لا يستطيع أن يثبت خطأ الفكرة التي تقول : إن الله موجود كما أن أحدًا لا يستطيع أن يثبت صحة الفكرة التي تقول . إن الله غير موجود ، وقد ينكر منكر وجود الله تعالى ولكنه لا يستطيع أن يؤيد إنكاره بدليل . وأحيانا يشك الإنسان في وجود شيء من الأشياء ولا بد في هذه الحالة أن يستند شكه إلى أساس فكري ، ولكنني لم أقرأ ولم أسمع في حياتي دليلًا عقليًّا واحدًا على عدم وجوده تعالى ، وقد قرأت وسمعت في الوقت ذاته أدلة كثيرة على وجوده ، كما لمست بنفسي بعض ما يتركه الإيمان من حلاوة في نفوس المؤمنين وما يخلفه الإلحاد من مرارة في نفوس الملحدين .
( وفى النهاية أريد أن أوجه سؤال لمنكري وجود الله تعالى أنتم دائما تطلبون أدلة على وجود الله أما الآن فأنا أطالبكم
بإثبات عدم وجوده سبحانه وتعالى بالأدلة وليس بالظنون و الافتراضات هذا تحدى فهل تستطيعون ذلك ؟)