الماركسي حول التخلف:



ان ربط ظاهرتي الاستعمار و التخلف يبدو لنا طبيعيا و ضروريا..و لقد اعتقدنا في عملنا السياسي و النظري ان نجعل الظاهرة الاولى علة للظاهرة الثانية و تأصل هذا الربط بين الاثنينن في وعينا الى حد لم نجعل فيه ضرورة اطلاقا للتوقف عند هذه المشكلة!
بل لم تعد هدة المشكلة تحثنا على التفكير الجدي ــ اي العلمي ــ بها..لانها ظهرت لنا بداهة..فانعدمت بظهورها البديهي كمشكلة..غير ان العقل العلمي يحذر البداهه و لا يقبلها الا اذا اثبتت فصارت حقيقة!
فالحقيقة العلمية ليست في الظهور بل في الاثبات و التحقيق..و كثيرا ما تكون البداهة من حيث هي ظهور الحقيقة مشوهة لها و مخفية لبنيتها..و ما اكتفى بالظهور البديهي الا عقل كسول خاف ان يسلك طريق الحقيقة و اجتنب مخاطرها فشلت بذلك حركته..
لقد بهرنا وضوح هذا الارتباط السببي بين الاستعمار و التخلف..الى حد كاد يعمي به نظرنا..و ليس المهم ان تلوك السنتنا هذه المقولة ..بل ان نتساءل عن هذا الارتباط و اسبابه البنيوية بين ظاهرتين هما قاعدة مجتمعنا و تطوره التاريخي.
ان المشكلة لا تكمن في تحديد الاستعمار كسبب للتخلف بل في تحديد نوعية هذه السببية التي تربط التخلف بالاستعمار..و هل هذه المشكلة لا يكمن ابدا في تدوين الواقع كما يظهر لنا..بل عن طريق تبديد هذا الظهور و تخطيه نحو جوهر الواقع!
و لا يمكن هذا الا بايجاد الادوات النظرية التي بامكانها وحدها ان تعطينا المعرفة العلمية للواقع في صيرورته..و هذه الادوات النظرية هي ما نسميه بالمفاهيم..و هي نتاج للنشاط النظري للفكر..و اود القولان هذه المفاهيم لا توجد الا في الحقل النظري للماركسية.
و ان اردنا فعلا فهم ظاهرة التخلف لابد ان ننطلق في هذا التحليل من العلاقة الكولونيالية كعلاقة انتاج اساسية بين نظامي انتاج مختلفين..اي كعلاقة سيطرة بين نوعين من البلدان..مختلفين في بنيتهما الاجتماعية..ان التحديد النظري للعلاقة الكولونيالية لحركة تطورها التاريخي شرط اساسي لتحديد ظاهرة التخلف نظريا..ان الارتباط بين الكولونيالية و التخلف ليس ارتباط تتاع زمني فقط ..بل هو قبل كل شيء ارتباط بنيوي .و ان التاكيد على التتباع الزمني مع اهمال العلاقة البنيوية يؤدي الى فهم خاطئ يفصل بين هاتين الظاهرتين و يجعل كلواحدة منهما خارجة عن الاخرى..و بذلك يستحيل فهم العلاقة السببية بينهما..الا اذا اردنا ان نفهم السببية بشكل تجريبي ميكانيكي يبعدنا كثيرا عن الواقع التاريخي الذي نحن بصدده..ليست الكولونيالية سببا للتخلف لانها سابقة له زمانيا بل لان لها معه ارتبات بنيوي يجعلها تسببه..اي تنتجه باستمرار بحركة صيرورتها بالذات ..و الصعوبة ليست في التاكيد على وجود ارتباط بنيوي بين هاتين الظاهرتين بل في تحديد شكل هذا الارتباط تحديدا علميا..ان الصعوبة تكمن في تحديد نوع السببية الخاص الذي يربط الكولونيالية بالتخلف!
ان كان فهم الكولونيالية شرطا لفهم التخلف وجب علينا ان ننطلق من ماركس لان في مؤلفات ماركس و خصوصا ((راس المال)) ملاحظات قيمة..ربما ساعدتنا على معالجة مشكلتنا.
و هنا نتوقف لنقوم بملاحظة هامة تتعلق بطريقة قرائتنا لماركس..ان ماركس لا يعالج مسألة الكولونيالية كمشكلة قائمة بذاتها ..بل هو يتطرق اليها بشكل عرضي تفرضه عليه ضرورة دراسته للراسمالية..ان الهم النظري الرئيسي لماركس هو تحديد القوانين العلمية لتطور الراسمالية التاريخي..فهو اذن لا يتعرض للكولونيالية الا لتوضيح بعض الوجوه في تطور الراسمالية.
و رغم ذلك فان دراسة مجتمعاتنا المتخلفة في هذا التحليل عن يخرج عن نطاق الخط الذي رسمه ماركس على العموم..و هذا الاختلاف في واقع الكولونيالية يؤدي بالضرورة الى اختلاف النظر فيه.
ان ماركس و من بعده لينين يعتبر الكولونيالية بشكلها العام ضرورة تاريخية لتطور الراسمالية ذاتها..بل هو اذا صح القول ينظر اليها كضرورة تاريخية و منطقية في الوقت ذاته..معنى ذلك ان الراسمالية في حركة تطورها التاريخي..تميل بالضرورة الى التوسع اللانهائي..ان عن طريق الاستعمار المباشر للبلدان الخارجة عن نطاقها او عن السوق الخارجية كسوق عالمية لها..و هذا الميل التوسعي وهو ضرورة ملازمة لحركة سيرورتها..و عدم تحقق هذه الضرورة في بعض الظروف بشكل ملائم لا ينفي مطلقا وجودها..بل يوضح بشكل خاص كيف ان تطور الراسمالية في هذه الظروف يعجز عن تحقيق ضرورته المنطقية الواقعية هذه..كما كانت الحال في المانيا..و هنا يكمن السبب الرئيسي للحروب الامبريالية.
ان تطور النظرية له ضرورته و هو يخضع لمنطق داخلي لا علاقة له بالارادة الفردية ..و هذا لا يعني مطلقا فصله عن الواقع و استقلاله التام عنه..بل العكس ..انه في حدود استقلاله النسبي محدد بما يمكن تسميته بالحقل الفكري..اي بمجال نشاط الفكر الذي هو الواقع التاريخي في بنيته و صيرورته..لم يكن لنظرية الراسمالية في حركة تكونها و بالشكل الذي انتجه ماركس..اي امكانية واقعية لتاخذ بعين الاعتبار بنية البلدان المستعمرة في تميزها..لان ذلك لم يكن ضروريا لتكونها..و سبب هذه الاستحالة ليس نظريا بل تاريخيا..لان الراسمالية في حركة توسعها الكولونيالي و توحيدها لاول مرة في تاريخ العالم كانت القوة المحركة لتاريخ الفاعلة له..و ما كانت بقية البلدان الا حقلا للتاريخ تُفعل به لا تفعله!!
فالراسملاية اذن لم تكن تتأثر في حركة صيرورتها ..بتأثير في بنية البلدان التي كانت تمتد اليها و تحولها.او بتعبير ادق اذا كانت الراسمالية تحدث تحويلا جذريا في بنية البلدان التي كانت تخضع..فالتحويل الذي كان يحدث في بنية الراسمالية نتيجة لحركة توسعها التاريخية..لم يكن بالمعنى الصحيح تحويلا..لانه لم يكن الا تحقيقا تاريخيا للامكانيات الواقعية لصيرورة الراسمالية..ان انتقال الراسمالية في حركة تطورها التاريخي الى مرحلة الاستعمار..لا يمكن اعتباره تحويلا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة..في بنية الراسمالية لانه تحقيق لامكانية تحدد الراسمالية في جوهرها..
الى جانب التحديد العام للاستعمار في جوهره كضرورة تاريخية لتطور الراسمالية ..نجد في ((راس المال)) ملاحظات عديدة يعالج فيها ماركس هذه العلاقة الكولونيالية من زوايا مختلفة..و لكن دائما من خلال حركة الانتاج الراسمالي..

ان العلاقة الكولونيالية تظهر قبل كل شيء في تبعية المستعمرات تبعية اقتصادية تامة للبلدان الراسمالية الاستعمارية..هذا الوجه هو الوجه المعروف من هذه العلاقة الانتاجية الخاصة يقول ماركس في معرض حديثه عن التجارة الخارجية للراسمالية..((ان الصناعة الميكانيكية بهدمها عن طريق المزاحمة لليد العاملة الاصيلةفي الاسواق الاجنبية..تحول هذه اليها فهكذا كانت الهند مضطرة لانتاج القطن و الصوف..الخ لبريطانيا العظمى )) ثم يتابع قائلا (( ان تقسيما جديدا عالميا للعمل ..فرضته المراكز الرئيسية للصناعة الكبرى يحول بهذه الطريقة قسما من الكون الى حقل انتاج زراعي للقسم الاخر الذي يصير فعلا حقل انتاج صناعي))..
هذا الوجه من العلاقة الكولونيالية معروف جدا و الحاجة للتاكيد عليه غير انه اخي حمادة اود ان ان اشير ان تقسيم العمل تقسيما عالميا يفترض وجود العالم كوحدة عضوية ..اجزائها على اختلافها و تباينها مترابطة متداخلة..اذن فميزتان اظهرهما هذا النس لماركس هما ان العلاقة الكولونيالية علاقة تبعية اقتصادية..و الوحدة التاريخية للعالم كمنطلق لهذه العلاقة و كنتيجة لها.
و اعود من هنا الى رسم ملامح العلاقة الكولنيالية طبعا بالاعتماد على مفاهيم النظرية الماركسية و سأنتظر بعدها نقدك لهذا التحليل..
قلت ان العلاقة الكولونيالية هي علاقة انتاج ..فما هو المحتوى الاقتصادي لهذه العلاقة؟
ان هذه العلاقة كما يحددها ماركس علاقة استغلال للبلد المستعمَر من قبل البلد الراسمالي..بل الاصح ان نقول انها علاقة فائض استغلال و يرجع السبب في ذلك الى ان العلاقة هي بين بلدين تطورهما غير متكافئ..و من هنا يمكننا القول بأن كل علاقة تربط بلدا راسماليا متطورا ببلد غير متطور او بشكل عام متخلف..ان عن طريق التجارة الخارجية او عن طريق توظيف الرساميل لا بد بالضرورة ان تأخذ طابعا كولونياليا في صالح البلد الراسمالي..لان هذا البلد يتلقى من البلد ((المتخلف)) كمية من العمل على شكل بضائع اكثر من كمية العمل التي يصدرها في منتوجاته اليه..فمبادلة البضائع بين البلدين هي في الحقيقة مبادلة غير متكافئة تكون في صالح البلد الراسمالي..اي في صالح البلد الاكثر تطورا..لانها مبادلة بين كميتين غير متساويتين من العمل!!
و الفرق بيهما يحدد مقدار فائض الاستغلال للبلد المتخلف..و هذا الفرق و ان كان يرجع في لطبقة معينة في البلد الراسمالي اي في للبورجوازية الراسمالية فهو في صالح البلد الراسمالي بمجمله..لانه يساهم في تطور الراسمال في هذا البلد و في توطيده..
و نطرح هنا سؤال جوهري..في صالح من في البلد المتخلف وجود العلاقة الكولونيالية و بقاؤها؟

في صالح اي طبقة في البلد المتخلف بقاء هذه العلاقة و استمرارها ؟
انها في صالح من هو على صلة مباشرة مع الانتاج الراسمالي اي في صالح من تمر به حركة التبادل التجاري الكولونيالي..يعني حركة فائض الاستغلال للبلد المتخلف من قبل الانتاج الراسمالي ان بقاء العلاقة الكولونيالية و استمرارها هو قبل كل شيء في صالح الطبقة البورجوازية المتخلفة كطبقة الا بارتباطها بالانتاج الراسمالي ضمن العلاقة الكولونيالية..هذ يعني ان وجودها الطبقي ليس وجودا مستقلا ..بالمعنى العلم للطبقة..بل هو تمثيل لوجود طبقي اخر..

ما يهمنا في الموضوع هو ان نعلم كيف "فسر" التخلف و كيف فهم؟ اي كيف حُدّد كظاهرة تاريخية عامة تشمل اكثر من ثلثي العالم..و معظم ما قرأناه عن هذه الظاهره على كثرته..لا يتعدى الوصف الخارجي..و قلما يصل الى الاساس..اي الى البنية..اما الادب الاقتصادي الذي يستهدف بنية التخلف.لا مظاهره فهو يرى بشكل عام،الميزة الاساسية لهذه البنية في وجود انقسام داخلها..يفصل بين قطاع اقتصادي ((حديث))..هو القطاع الراسمالي..و قطاع بدائي ((او تقليدي)) اي لا راسمالي..او على الاصح سابق للراسمالية..و هذه النظرية ثنائية لا وحدوية.اي انعها ليست نظرية بنيوية..لانها تضع جنبا الى جنب بنيتين اجتماعيتين مختلفتين لا تضمهما اي وحدة تاريخية..و من الصعب ان يكون لهذه النظرة طابع علمي..فهي نظرة ايديولوجية ترتكز الى اساس نظري خاطئ.
صحيح ان الاستعمار اوجد اختلالا جذريا في البنية الاقتصادية للبلدان التي تمت عليها السيطرة..فالراسمالية بربطها البلدان المستعمرة بحركة تجارتها الخارجية استطاعت ان تحدث في نظام الانتاج السائد في هذه البلدان تفككا داخليا ظهرت اثاره الجانبية في الانقطاع بين قطاع مهم من اقتصاد البلد المستعمر بقي تقريبا في عزلة تامة عن حركة التبادلات العالمية..و قطاع اخر توجه كليا في حركة تطوره نحو ((المتربول)) مركز تاريخه.و كانه جسم غريب في البلد الذي هو فيه ((مثلا قطاع البترول في الشرق العربي..النبيذ في الجزائر..البن في البرازيل..قصب السكر في كوبا..الخ))الا ان هذا الانقطاع بين القطاع الحديث المتطور و القطاع التقليدي المتخلف على عمقه..لا يسمح بتاتا بتحديد الاول كقطاع راسمالي و الثاني كقطاع لا راسمالي اطلاقا.
هذا التصور للتخلف خاطئ..لا لدلالته الايديولوجية و حسب بل لانه غريب عن الواقع التاريخي نفسه..و الحكم عليه من خلال دلالته الايديولوجية لا يكفي لاظهار خطأه العلمي..فلا بد لذلك من الرجوع الى واقع التخلف في بنيته..على هذا الصعيد من التهليل البنيوي للواقع التاريخي يجب اظهار الخطأ النظري. و اساس الخطأ في هذا التصور اي في هذا القول الايديولوجي و هو عدم النظر الى التخلف على انه بنية واحدة..هذا الخطأ الاساسي يقود بدوره الى اخطاء اخرى تزيد في تشويه حقيقة التخلف و تمنع كشفها فالقول مثلا بوجود نوع من الازدواجية البنيوية في بلد كالجزائر يفصل بين شمال راسمالي و جنوب تقليدي..هو قول فيه جهل بالواقع الاجتماعي و بعمق تعقيده..ان اعطاء مفهوم التخلف هذا المعنى من الازدواجية البنيوية الفاصلة يفرغه من معناه المتميز...و يتيح الامكانية لظهور كل التباس و غموض في فهم الواقع الذي يشير اليه و يود فهمه..ففي الادب الاقتصادي المعاصر كثيرا ما نسمع عبارة التخلف لتحديد قسم معين من بلد راسمالي متطور كجنوب ايطاليا او مقاطعة (بريتانيا) في فرنسا مثلا..حين يضم مفهوم التخلف بهذا الشكل الغامض واقعين مختلفين بنيويا متماثلثن ظاهريا..يصير عاما الى حد يفقد به تلك الدقة في المدلول التي يمكنها وحدها ان تجعل منه مفهوما علميا..ان عمومية هذا المفهوم سيئة..اي غير علمية..لانها في مبدئها بالذات.نتاج لعملية اختزال و تبسيط مزدوجة..هي غير شرعية اطلاقا..ففي المرحلة الاولى ينظر الى التخلف هذه الظاهرة البنيوية الشاملة كصاهرة اقتصادية بحتة..و في مرحلة ثانية يُنظر للاقتصاد،في هذه الظاهرة الاقتصادية من زاوية الكم في حجم المنتوجات المجرد لا من زاوية الكيف في بنية العلاقات الانتاجية كعلاقات طبقية.
و الحققية ان الاقتصاد بمعناه العلمي اخي الكريم ليس في هحم المنتوجات المجرد عن علاقات الانتاج الاجتماعية..بل في هذه العلاقات بالذات.و هذه العلاقات هي التي تحدد الاقتصاد في البنية الاجتماعية..كما انها هي التي تحدد كمية الانتاج الاجتماعي و نوعه..ففصل الاقتصاد عن البنية االاجتماعية الشاملة..و تحديده كما على هذا الشكل المبتذل..هو الذي يؤدي الى عدم النظر الى التخلف من خلال البنية التبقية في العلاقات الانتاجية..بهذا الفصل يستحيل اطلاقا فهم التخلف عمليا كظاهرة تاريخية متميزة..كما ان هذه النظرة الكمية اليه كظاهرة اقتصادية بحت..هي اساس عموميته السيئة..انطلاقا من هذه العمومية يظهر التخلف كمجرد ((تأخر)) في التطور الاقتصادي للبلدان التي استُعمِرت.بالنسبة للبلدان الرسمالية ((المتطورة))..على هذا الضوء من المنطق الايديولوجي و حين تتماثل هاتان الفئتان من البلدان في البنية الاجتماعية في تحديد الاقتصاد كاقتصاد مجرد.يظهر منطق التطور الاقتصادي كحركة تراكم مجرد.تتحدد فيها البلدان الراسمالية،حيث يبلغ فيها التراكم الكمي اعلى درجاته كمقياس مطلق للتطور..ان وضع حركة التطور التاريخي على هذا الصعيد الكمي البحت هو في الحقيقة نفي مطلق لها كحركة تميز و تفارق ضمن وحدة شمولها.هذا النفي هو الذي يسهل اجراء عملية التماثل في بنية الصيرورة التاريخية بين هاتين الفئتين من البلدان و عملية التماثل هذه..التي هي اذن في اساسها عملية ((تكميم)) للتاريخ..اي نفي له،هي شرط لتعميم مفهوم التخلف تعميما ايديولوجيا..هذا التماثل الشامل على مستوى الصيرورة يستلزم و يبرز التماثل الجزئي بين قسم متخلف من بلد راسمالي متطور من ناحية..و بلد ((متخلف)) او مستعمر من ناحية اخرى..و حين نقوم بعملية التماثل الجزئي هذه التي تتأسس في امكانيتها على التماثل الشامل يستحيل علينا طبعا فهم التخلف عمليا..و هنا تلمن الايديولوجية في هذا المفهوم غير العلمي :في مقدرته على إخفاء سبب الظاهرة التي تعبر عنها.
هذا الخطأ المنهجي هو الذي قاد الباحث اليقظ كايف لاكوست..الى التساؤل في احدى كتبه عن مصدر التخلف..رافضا اعتباره نتاجا تاريخيا للاستعمار..مع ان هذا الباحث يريد بكل وضوح ان يؤكد ان الاختلاف البنيوي بين صيرورة البلدان ((المتخلفة)) و صيرورة البلدان الراسمالية..لكن بقراءة تحليلاته ((اعتقد انها موجودة في الانترنت)) قراءة متأنية ناقدة..و جدنا انه في النهاية يصل الى نتيجة تناقض بالضرورة الفكرة التي اراد اثباتها.هذه النتيجة هي كما سنرى تماثل صيرورتي البلدان ((المتخلفة)) و البلدان الراسمالية..او بشكل ادق وجود هاتين الصيرورتين في افق تاريخي تماثلي.
يؤكد لاكوست على ما يسميه بالاسباب الداخلية ((للتخلف)) و التي ترجع..حسب رأيه الى طبيعة البنية الاجتماعية التي كانت تميز البلدان ((المتخلفة)) قبل سيطرة الاستعمار عليها..و يكمن السبب الاساسي لنجاح هذه السيطرة الاستعمارية كما يقول لاكوست في هذه البنية الاجتماعية السابقة للاستعمار..اما تحليل هذه البنية فيقوم به انطلاقا من المفهوم الماركسي ((لنظام الانتاج الاسيوي)) يقول المفكر ايف لاكوست في كتابه ((جغرافية البلدان ((المتخلفة))))..((ان الحروب الكولونيالية كانت صراعات بين مجتمعات مختلفة بنيويا فانتصر فيها المجتمع الذي كانت قواه احسن تماسكا..فكانت اذن الاشد تجمعا)) و في مقال عنوانه ((اسباب الاستعمار و التخلف)) اورده المؤلف بكامله في كتابه السابق الذكر..فجعل منه قاعدته النظرية.نقرأ ما يلي:
(( يظهر الفتح الكولونيالي كنتيجة للاختلافات الكبيرة التي كانت موجودة بين بنيات نوعين كبيرين من المجتمعات...و ضعف المجتمعات التي كانت ستستعمر كان راجعا في قسم كبير منه.الى بقاء بنيات اجتماعية قديمة جدا.توقف تطورها منذ قرون عديدة..فلو استمر هذا التطور لما كان في الامكان استعمار هذه المجتمعات.و لما تطورت بعد ذلك نحو التخلف)).في الجملتين الاخيرتين من هذا النص..يبين لنا المؤلف بكل وضوح ان الاستعمار هو اثر تاريخي للبنية الاجتماعية السابقة لالستعمار اكثر منه نتاج للتطور الداخلي للراسمالية الغربية.هذه هي الفكرة الاساسية لكتابه المذكور الذي صدر بعد صدور مقاله ((السابق الذكر))..و هي فكرة على الرغم من اهميتها و جديتها لا يمكن القبول بها بلا مناقشة و تحقيق.و قبل البدء بفحصها و التدقيق في صحتها..اود ان اتوقف قليلا عند منطق التفكير الذي اوصل اليها فالشك كما يبدو لنا في حركة هذا المنطق الذي اتبعه الكاتب في وصوله الى فكرته هذه منطق فرضي..نتساءل فعلا عن مدى شرعية استعماله في مجال كالتاريك يستحيل فيه اثبات صحة الفردية..يقول لاكوست ان ضعف المجتمعات التي استعمرت هو ضعف بنيوي اي ضعف في بنيتها السابقة للاستعمار..و سبب هذا الضعف توقف تطورها التاريخي..و لا عيب في هذا القول..فمنطقه سليم لانه منطق الواقع ذاته..ثم يصف الكاتب بالمقارنة المجتمعات الاوروبية بالقوة.و القوة فيها تظهر له في تماسك بنيتها و بالتالي في مقدرتها على التطور التاريخي..و منطق هذا القول سليم لانه منطق الواقع...غير ان هذين القولين و من مقارنتهما لا يمكن اطلاقا ان نخرج بالقول ان البنية الاجتماعية للمجتمعات التي استعمرت هي السبب التاريخي لاستعمارها..ان في هذا القول خروجا عن بينا عن منطق الواقع لا يسمح به منطق القولين السابقين..فلابد اذن من كشف العيب المنطقي في الوصول الى هذا الاخير..و العيب هنا هو في الانتقال من منطق الواقع الى منطق الافتراض..مع الاخذ بهذا المنطق الاخير كمنطق للواقع اي بلا اي تحقيق تاريخي.لاستحالة ذلك مبدئيا.ففي جملته الاخيرة ((لو استمر هذا التطور لما كان في الامكان استعمار هذه المجتمعات و لما تطورت بعد ذلك نحو التخلف)) يقوم الكاتب بافتراض لا يصح في منطق التاريخ لانه مجرد تصور خيالي يختلف في اساسه عن الفرضية العلمية..اد كيف يمكن في هذا المجال اثبات صحة هذا الافتراض او خطأه..طالما ان الواقع التاريخي بحكم بنية زمانه..لا يقبل التجربة بمعناها الفيزيائي؟
حين يستحيل التحقيق تنعدم علمية الفرضية..فتصبح بذلك فعلا للخيال لا للعقل..و مأخذنا الاساسي على الكاتب لا ينحصر في لجوئه الى هذا النوع من الافتراض الخيالي فصهب بل يتوجه بخاصة الى خروجه من هذا الافتراض اللاشرعي في التاريخ..بتعليل للواقس التاريخي..ان حركة هذا المنطق في التفكير تعتمد اساسا على تماثل الواقع الافتراضي اي الخيالي مع الواقع الفعلي.و كان الافتراض ليس افتراضا بل تاكيد على واقع فعلي.((اكتفي بهذا القدر من نقد هذه المقولة اللاكوستية))
و اعود من جديد الى العلاقة بين التخلف و الاستعمار..و انا من اخذت لاكوست في هذا الموضوع الا لانه من كبار المحللين الذين تناولوا هذه الظاهرة بفكر علمي رغم النواقص التي فيه..فهو يبقى صرحا فكريا لا يمكن تجاوزه.
غير ان السببية الميكانيكية التي جعلت مفكرين اخرين يربطونن الاستعمار و التخلف انطلاقا منها..كمنهج للفكر النظري هي التي تؤدي الى فصل ((التخلف)) عن الاستعمار.اي الى استحالة فهمه كما ان واقع التخلف في هذا الشكل من ظهوره للوعي يستلزم بالضرورة فكرا تجريبيا يعتمد السببية الميكانيكية في تعليله لهذا الواقع.
ان التخلف في نظري و اؤكد على ذلك هو نتاج تاريخي للاستعمار..و حين اؤكد هذا لا اعطي اطلاقا لمفهوم النتاج المفهوم الذي قد يعطى للاثر الذي تحدث عنه لاكوست في افق السببية التجريبية او الميكانيكية..فالمفهوم الاخير لا معنى له الا اذا كان كانت العلاقة بين الصيرورة التاريخية للراسمالية..في شكلها الاستعماري..و الصيرورة التاريخية للتخلف علاقة خارجية،و هذا ما يساعدنا على فهم التمييز الذي يقوم به لاكوست..و بين الاسباب الاساسية و الاسباب الظاهرة للتخلف..و شرط هذا التمييز تلك العلاقة الخارجية..هذا النوع من العلاقة السببية بين الاستعمار و ((التخلف)) كبنيتين متميزتين.ينفي الانفصال بينهما و استقلال حركة تطورهما..بل هو يستلزم بالضرورة ارتباطهما الداخلي في هركة تاريخية واحدة..هي حركة انتاج بنيوي مستمر يكون فيها وجود البنية الراسمالية الاستعمارية..في حركة تطورها محددا لوجود البنية ((التخلفية)) و منتجا لها..كما ان وجود البنية التخلفية يكون محددا لوجود البنية الراسمالية الاستعمارية..معنى ذلك ان الاستعمار كشكل تاريخي لتطور الراسمالية..شرط اساي لوجود التخلف و بقائه كما و ان ((التخلف)) شرط اساسي لوجود الاستعمار و بقائه..في هذه العلاقة السببية يظل النتاج (الاثر) مرتبطا بسببه و يستقل عنه بمجرد حدوثه..فالعلاقة بين الاستعمار و التخلف اذن حركة تسبب مستمر اي حركة تنتج الاثر باستمرار في ارتباطه البنيوي بالسبب..هذه السببية التي تربط بين بنيتين لا بين حدثين،في وحدة بنيوية تكون فيها بنية السبب حاضرة في بنية النتاج لا في ذاتها..بل في اثارها اي في غيابها..لانها وحدة تفارقية و هذه السببية من نوع جديد يمكن تسميتها بالسببية البنيوية..و هي الاساس النظري لفهم علاقة الاستعمار بالتخلف كعلاقة انتاج بنيوي.
اذن في نظري من خلال هذا التحليل ارى انه لفهم علاقة الاستعمار بالتخلف يجب فهم علاقة الانتاج البنيوي..و هذه نقطة هامة..هي في الحقيقة حركة تفارق بنيوي..و هذا التفارق البنيوي شرط مطلق لوجود ((التخلف))..فكيف يمكننا اذن على هذا الضوء ان نقبل بالعمومية الخاطئة لمفهوم التخلف..؟و النقد الموجه لافكار لاكوست في هذا الصدد هو نقد ضروري لتكوين المفهوم العلمي..ان الطريقة التي بها يحاول بها فهم التخلف ((العمومية الخاطئة)) تجعل هذا الفهم مستحيل نظريا..معنى ذلك ان مفهوم التكلف ليس مفهوما علميا..فهو لا ينتج معرفة نظرية للبلدان التي يشير اليها..بل ينتج معرفة ايديولوجية ..انه ينتج تضليلا لانه نتاج لعملية تضليل..و بالفعل دخل هذا المفهوم في الادب الاقتصادي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية اي بعد دخول الشعوب المستعمرة مسرح التاريخ كقوة فاعلة له..لا كقوة منفعلة به..في حركة نضالها التحرري ضد الاستعمار غير ان دخول التاريخ بالنسبة لاغلبية هذه الشعوب..كان انتقالا من الاستعمار الى التخلف..فكان من الضرورة ان يظهر ((التخلف ))للوعي الاجتماعي لنتاج للاستعمار..كما هو في الواقع..حتى تتم حركة هذا النضال فتحقق امكانية تطورها الداخلية..و كان على هذا الضوء بالذات من الضرورة كذلك بالنسبة للقوى الاستعمارية ان تنتفي في الوعي علاقة السببية بين الاستعمار و الواقع البنيوي لبلدان ((العالم الثالث)) كي تفشل حركة التطور كنضال ضد الاستعمار ،من هنا.اي من هذا((الجهد التضليلي لاليديولوجية البورجوازية)) حسب تعبير بتلهايم في كتابه ((التخطيط و النمو المتسارع)) جاء مفهوم التخلف فكان مفهوما ايديولوجيا يهدف الى اخفاء حقيقية الواقع الذي يعكسه..و بمعنى اخر.ان ايديولوجية هذا المفهوم تكمن قبل كل شيء في اخفائه لعلاقة السببية (((البنيوية)) التي سبق ذكرها في الرد الاول.

و اعود من جديد الى نقطة الانطلاق في عملية النقد لمفهوم التخلف..و كما سلف فواقع التخلف لا يمكن حصره في هذا الانقسام الازدواجي الذي يضم في وحدة ميكانيكية تراكمية بنيتين مختلفتين..كلا منهما غريبة خارجة عن الاخرى..فهو اكثر تعقيدا من ذلك..بهذه النظرة السطحية التي هي سجينة الظاهر..لا نهدم الوحدة البنيوية التي تميز ((التخلف)) فحسب بل نهدم الوحدة التي تميز ((التطور)) ايضا..و كذلك وحدة التشامل البنيوية لهاتين الوحدتين البنيويتين في حركة تفارقهما الواحدة.و التي تعطي للتاريخ المعاصر طابع عنفه..ان الاختلال الداخلي الذي احدثه الاستعمار في بنية البلدان المستعمرة لا يكمن في وجود بنيتين مستقلتين في هاته البلدان..بل في وجود بنية واحدة شاملة..هي بنية مختلة لانها نتاج تاريخ لحركة التوسع الاستعمارية في صدامها المفكك العنيف مع مع بنية ما قبل الاستعمار..فالاختلال البنيوي راجع..منذ البدء الى الشكل التاريخي لتكون بنية التخلف في وحدتها..لا شك ان هذه البنية الجديدة التي تميز نظام انتاج البلدان ((المتخلفة)) هي نتاج للتطور التاريخي لبنية ما قبل الاستعمار..غير ان تفكك هذه البنية الاخيرة لم يكن بتأثير تناقضاتها الداخلية وحدها..بل كان خاصة بتأثير قوة خارجية هي التوسع الاستعماري..معنى ذلك ان الانتقال من بنية ما قبل الاستعمار الى بنية التخلف لم يكن بالضرورة في منطق التطور التاريخي للبنية الاولى..فحدوثه كان تغييرا في منطق هذا التطور..لا تحقيقا له ..و هنا يكمن اساس االختلال البنيوي الذي سبق ذكره..و من المستحيل ان نعتبر الاختلال ازدواجا بنيويا..انما هو في وحدة بنيوية تكونت في اساسها انطلاقا من تغيرا حدث بالعنف في منطق التطور التاريخي للبنية الاجتماعية السابقة للاستعمار..فاعتباره ذلك يمنع اطلاقا فهم حركة التوسع الاستعماري كحركة تفكيك بنيوي..ان حركة الاستعمار ليست في ايجاد قطاع راسمالي ياخذ مكانه.في البلدان المستعمرة الى جانب القطاع التقليدي بصورة تراكمية..انها قبل كل شيء حركة تفكيك لبينة هذه البلدان..و لو تم تفكك هذه البنية بتأثير تناقضاتها الداخلية لما حدث..على الاغلب الاختلال في البنية الجديدة ـــ فالراسمالية في الغرب مثلا و التي خرجت من تفكك الاقطاع بل و من احشائه حسب تعبير ماركس..لم يظهر في الاختلال البنيوي الذي ظهر في ((الراسمالية التخلفية)) لانها كانت نتيجة للمنطق الداخلي للتطور التاريخي للاقطاع.اما (( التخلف)) فكان في وحدة بنيته اختلالا بنيويا..لانه تكون تاريخيا في افق التعبير العنيف الذي احدثه الاستعمار في منطق التطور التاريخي للبلدان المستعمرة..لهذا السبب و على ضوء تكونه التاريخي..لا يمكن اعتباره ازدواجا في البنية..بل بنية واحدة مختلة.
و لنفترض الان مثلا ننا نحاول..ذهنيا قطع هذه البنية عموديا الى قسمين..فمن المستحيل ان نجد على جانبي خط هذا القطع بنيتين مستقلتين منفصلتين..بنية ((متطورة)) تتماثل مع بنية الراسمالية الغربية و بنية ((بدائية)) او ((تقليدية)) تتماثل مع ذاتها..اي مع بنية ما قبل الاستعمار..معنى ذلك ان هذه العملية الذهنية مستحيلة في ذاتها و سبب استحالتها كون ((التخلف)) بنية واحدة معقدة..اما في فرضية الازدواج البنيوي فهي ممكنة تماما..لان هذه الفرضية تحدد الاختلال الداخلي ((للتخلف)) كوجود بنيتين مستقلتين في اطار واحد..و هذا كما نجد مخالف للواقع التاريخي في حقيقته..فالاستعمار لم ينتج في البلد ((المتخلف)) القطاع الاقتصادي الحديث فقط بل كان في الوقت نفسه ينتج بانتاجه لهذا القطاع..القطاع التقليدي ايضا..ان بقاء هذا القطاع الاخير مماثلا مع نفسه منعزلا عن اي تطور تاريخي..لم يكن الا بايقاف تطوره الى وجود القطاع ((المتطور)) بقدر ما يرجع في الحقيقة الى وجوده هو بالذات..في وحدة بنيوية هي ((التخلف)) فالقطاع ((التقليدي)) في نظام الانتاج السابق للاستعمار ليس القطاع ((التقليدي)) نفسه في نظام ((الانتاج الكولونيالي)) و ان كان في الظاهر بين القطاعين تماثل تام..ان الاختلاف البنيوي بين هذين النظامين من الانتاج يمنع في الحقيقة تماثل القطاعين..لان القطاع منهما لا وجود له الا في انصهاره في بنية الانتاج..كوحدة شاملة.لا في استقلاله عنها..فالوجود للبنية ككل لا للقطاع كجزء..و تماثل هذين القطاعين اذن نتيجة لعزلهما عن بنية الانتاج الاجتماعي..و هذا غير جائز اصلا ففي هذا العزل او التجريد اساس الاختلماف بينهما..هذا من ناحية و من ناحية اخرى.يمكننا القول ان بقاء القطاع ((التقليدي)) او بالاحرى الابقاء عليه في الانتاج..الكولونيالي..هو نتيجة لحركة الاستعمار كحركة تفكيك بنيوي و توجيه للانتاج الاستعماري في افق التبعية الراسمالية الاستعمارية..ان دخول حركة الاستعمار في تاريك البلدان المستعمرة خلق ظرفا تاريخيا جديدا..فبعد ان كان هذا القطاع يخضع لمنطق الانتاج السابق للاستعمار..في حركة تكراره كمعاودة لانتاجه..اي في بقائه مماثلا مع ذاته صار يخضع بالضرورة لمنطق الانتاج الاستعماري في وجوده في البلدان المستعمرة معنى ذلك ان القطاع ((التقليدي)) بعد ان كان منطلقا للتطور الاستعماري ..صار نتاجا تاريخيا له لذلك يصح القول في ان هذا القطاع في البلدان المتخلفة هو نتاج لتطور العلاقة الكولونيالية و بالتالي..جزء لا يتجزأ من بنية ((التخلف)) مختلف عنه في البنية السابقة للاستعمار..هذا الاختلاف البنيوي الذي هو نتيجة للصيرورة التاريخية لحركة الاستعمار..يمنع اطلاقا نظرة ازدواجية البنية في البلد ((المتخلف)).ىاذا كان القطاع ((التقليدي)) في البلد ((المتخلف)) لا ينتمي الى بنية الانتاج السابق للاستعمار.و لا يتماثل معه فان القطاع ((المتطور)) في هذا البلد ايضا لا ينتمي الى بنية الانتاج الراسمالي كما هو موجد في الغرب و لا يتماثل معه..و السبب في ذلك ان هذا القطاع ((المتطور)) بتوجه اساسا في هركة انتاجه نحو التصدير لا يدخل في حركة التطور الداخلي للراسمالية الغربية و يلتحم بها الا لانه ملتحم داخليا ببنية ((التخلف)) في وحدتها الشاملة..فانتماؤه الى هذه البنية شرط اساسي لامكانية انخراطه في حركة التطور الراسمالي..و بمعنى اخر ان القوة التي تجذبه الى صيرورة الراسمالية ((المتطورة)) و تربطه بها باستمرار هي ان صح التعبير القوة البنيوية للتخلف..اي انتماؤه الى ((التخلف)) و عجزه كقطاع متطور بالذات عن تطوير الانتاج الاجتماعي بتخطي ((التخلف)) بذلك..يكون تماثل القطاع ((المتطور)) في الظاهر مع الانتاج الراسمالي نتيجة لاختلافه عنه و تفارقه معه..لان الشرط الاساسي لتطوره..كقطاع ((راسمالي)) هو في الحقيقة ((تخلف)) الانتاج الاجتماعي و تقدمه بشكل سريع هائل..لم يكونا في الغرب الا بتطور الراسمالية فالتماثل اذن ظاهري بين البنية الراسمالية لبلد ((متطور))و البنية الراسمالية للقطاع ((المتطور)) في بلد متخلف..و هو في الحقيقة يخفي اختلافا جذريا بين البنيتين..فالاولى هي بنية راسمالية استعمارية..اما الثانية فهي بنية ((راسمالية))مستعمرة لهذا السبب، لا يمكن ان تكون عمومية مفهوم ((التخلف)) الا خاطئة غير علمية لانها في اساسها مبنية على اغفال هذا الاختلاف الجذري بين البنيتين..فلا ننس ان جنوب ايطاليا ((المتخلف)) مثلا هو نتاج لتطور الراسمالية في ايطاليا ككل..اما شمال الجزائر فهو نتاج ((لتخلف)) الجزائر ككل..ان التفاوت في التطور التاريخي للبنية الاجتماعية لا يكون الا ضمن وحدة هذه البنية..فوجود البنية في وحدتها شرط اساسي لوجود التفاوت في تطورها..و قد يكون هذا التفاوت في التطور بين بنيتين..كما هو الامر بين الاستعمار و التخلف..الا ان امكان وجوده في هذه الحالة..مشترط بالضرورة بضم هاتين البنيتين في وحدة بنيوية..اما ان يكون بين اجزاء بنيتين منفصلتين لا تربطهما اي وحدة بنيوية.ففي هذا استحالة مطلقة..و جهل عميق بهذا المبدأ الاساسي للفكر العلمي حتى و ان كان بين البنيتين وحدة ارتباط..فتفاوت التطور لا يكون بين اجزائهما..بل بينهما كبنيتين.