أولًا : وفد كندة !!
كان ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب تاجرين، وكانا يقولان إنهما من بني آكل المرار من كندة يتعززون بذلك؛ لأن بني آكل المرار من كندة كانوا ملوكًا.
قال ابن القيم رحمه الله:
( قال الزهري وابن إسحاق: كانا - أي العباس وربيعة - تاجرين وكانا إذا سارا في أرض العرب فسئلا من أنتما ؟ قالا: "نحن بنو آكل المرار" يتعززون بذلك ويدفعون به عن أنفسهم؛ لأن بني آكل المرار من كندة كانوا ملوكًا........
وآكل المرار هو: الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن كندة، وللنبي صلى الله عليه وسلم جدة من كندة مذكورة وهي أم كلاب بن مرة) " زاد المعاد، وعزا المحقق كلام الزهري وابن إسحاق إلى "السيرة النبوية" و " البداية والنهاية" كليهما لابن كثير رحمه الله".
فلما مُكّن للإسلام في الأرض ووفدت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فعل العباس وربيعة دافعًا لأن يتقدم الأشعث بن قيس أفضل من في وفد كندة ليسأل عن هذا الأمر (يا رسول الله !! نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار.) "السيرة النبوية لابن كثير".
ولنترك الحكاية كاملة للأشعث بن قيس إذ يقول:
قدِمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدَ كندة ولا يرون إلا أني أفضلهم، قلتُ : يا رسول الله ألستم منا؟!
قال: لا !! نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا !!
فكان الأشعث بن قيس يقول: لا أوتي برجل نفى رجلًا من قريشٍ من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد ."رواه ابن ماجة وحسنه الألباني ".
فالأشعث بن قيس لما سأل كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم بالنفي، وأنه لا يترك النسب إلى الآباء وينتسب للأمهات كما كان يفعل العباس وربيعة، إذ الانتفاء من الآباء والانتساب للأمهات فيه رمي للأمهات بالفجور وإن لم يقصد إليه المرء، وهذين المعنيين يحتملهما لفظ الحديث وسببه إذ ( قفا فلانٌ فلانًا إذا قذفه بما ليس فيه، وقيل معناه: لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمهات) "النهاية في غريب الحديث".
ولما فهم الأشعث الجواب أغلظ القول فيمن ينسب أحدًا من قريش إلى غيرهم اتباعًا لنسب أمه أو جدته وتركًا لنسب الآباء والأجداد..
الخلاصة: كان البعض من قريش ينسب نفسه إلى كندة اتباعًا لأمه أو جدته، فسأل أفضل من في وفد كندة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ونهى عن الانتساب للأمهات دون الآباء، إذ في ذلك رميٌ للأمهات بالفجور وإن لم يقصد المنتسب لأمه ذلك، ففهم الأشعث الأمر وتوعد كل من ينفي رجلًا من قريش ينسبه لأمه بحد القذف !!
أليس هذا واضحًا ؟! أليس هو ظاهر الوضوح ؟!!
فانظروا إلى هذا الجاهل كيف فهم الحديث ..
قال : (* بلغ النبي صلعم أن رجالاً من كندة يزعمون أنهم منه وأنه منهم، فقال إنما كان يقول ذلك العباس وأبو سفيان ابن حرب إذا قدما المدينة فيأمنا بذلك، وإنا لن ننتفي من آبائنا، نحن بنو النضر بن كنانة.......... (*)البداية والنهاية لأبن كثير باب تزويج عبد المطلب أبنه عبد الله ج2ص 316 ).
فنقل الحديث من "البداية والنهاية" وتغاضى عن قول ابن كثير رحمه الله عقبة مباشرة (وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا من حديث مالك، تفرد به القدامي وهو ضعيف.) والكاتب لا يعرف شيئًا عن قواعد التوثيق حتى إنك ستراه - بعد ذلك - يكتفي بحذف الإسناد ووضع (...............) مكانه وكأن الإسناد لغوٌ لا ضير من حذفه !
ولم يكتفِ بنقله لحديثٍ ضعيف وجهله بالحديث المقبول الحسن، بل زاد فعلق فاضحًا جهله بقوله (نجد أن العباس وأبو سفيان ابن حرب قالا أن محمدا من كندة وليس من بني هاشم وأعترف محمد بذلك).
ففهم المسكين الجاهل أن أبا سفيان والعباس كانا ينسبان محمدًا صلى الله عليه وسلم بينما هما كان ينسبان نفسيهما حتى يأمنا على تجارتهما، وفهم المدلس أن النبي صلى الله عليه وسلم اعترف بأن العباس وأبا سفيان كان ينسبانه لكندة، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنهما كانا ينسبان نفسيهما ليأمنا على تجارتهما ورفض النبي صلى الله عليه وسلم فعلتهما .
أرأيت إلى حمقٍ في الفهم كهذا؟! أرأيت خلطًا للأمور كهذا؟! فكيف يفهم مثل هذا؟! وكيف يكتب مثل هذا؟! وكيف يقرأ امرؤ لمثل هذا؟!
Bookmarks