بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.
أما بعــــد:
لاريب أن بعض الشبهات تجــد لها بيئة جيدة - إما نظرًا لجهل العامة بمحتوى الكلام (نظرًا لخصوصيته) أو لفساد العقيدة عند صاحبها أو لفساد العقيدة نفسها (كما هو الحال في النصرانية – الإله نجار, ويُجرعلى حمار ويُدق في الخشب بمسمار ولم ينفعه الفرار من خلقه الأشرار. مثل هذا الإله, يجهل حتى موسم التين فلا يحيط بمواقع النجوم ولا موقع الإلكترون له معلوم, ومن معرفة كمية حركته محروم!. فيا عجبي!!! كم هذا الاله بالوهيته مظلوم).
محاولة سحب مثل هذا الكلام على الله سبحانه وتعالى - إن دلت على شيء فإنما هي تدل على خبث النية وسوء الطوية والإحساس بالقهر والدونية.
وسَنُبين بإذن الله, بما لا يدع مجالً للشك مدى تفاهة السؤال, وكان أولى بصاحبه أن يحاول صياغته بشكلٍ أكثر دقة (ولو فعل لأستحى وما قدمه). من طريقة تقديم الطرح ومنطوق السؤال يُفهم قلة عقل صاحب الكلام.
-----------------------
النسبية (والسقف الأعلى)
قبل ظهور الفيزياء النسبية وفي العصر الذهبي لفيزياء نيوتن كان الإعتقاد بأن كل التأثيرات لحظية. ولكن النظرية النسبية وضعت فرض أن سرعة الاشارات محدودة بسقف أعلى مساويٍ لسرعة الضوء.
بكلام عام, هذا يعني أن أي شيء ماديًا كان أو غير مادي لا يستطيع الإنتقال بين نقطتين بشكل لحظي (في لازمن). دعنا نفترض أن عمر الأنسان لن يتجاوز 200 سنة. ودعنا نفترض أن هذا الأنسان سيستطيع التحرك بسرعة الضوء. لاحظ أن كلا الفرضين مبالغ فيهما بشكل لا يقبله عاقل ومع هذا سنجد مثل هذا الأنسان محصور داخل كرة نصف قطرها 200 سنة ضوئية لن يخرج منها أبدًا حيّا. طبعًا الحدود العملية هي أكثر من ذلك بكثير (ولكن هذا لا يهمنا). إذًا نحن مقيدون في هذه الكرة.
وهذه النجوم التي نراها, هل هي كما نراها؟. لا!. هذا حالها من ملايين السنين الضوئية وبعضها أختفى وأندثر - وحالها اليوم لن نعلمه ولو ركبنا طبقًا عن طبق ولا يبقى لنا إلا "علم" الإحتمالات!. فماذا يقول ربُ البرية:
{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)} الواقعة
والآن دعنا نسفه عقلنا – كما فعل صاحب الإفتراء "بعقله" – ونطبق هذه القوانين على خالق هذا الكون!.
في الكون ما بين ١٠٠ و ١٠٠٠ مليار مجرّة و كل واحدة منها تحوي ما بين ٢٠٠ و ٥٠٠ مليار من النجوم يتراوح حجم النجم الواحد ما بين العُشر والعشرة أضعاف من حجم الشمس. هذا يعني أن هذا الإله لكي يتنقل في مُلكه (بين نجمٍ ونجم مثلاً) فإنه سيحتاج لملايين السنيين الضوئية. وأن هذا الإله لن يعلم إلا بعد ملايين السنين الضوئية أنه فقد نجمًا أو مجرة. اليس هذا التفكير سخيف حقًا؟.
إذًا لو سألنا حتى قليل العقل وضيق الخيال لقال - أكيد أن هذا الخالق سيتنقل بسرعات لا نهائية (كما في الفيزياء الكلاسيكية). ولكن لو سألنا مسلمًا ماذا سيقول؟. سيقول ربي ليس كمثله شيء, ربي لا تحكمه القوانين الفيزيائية بل هو قيومًا عليها وهي لا تصح بدونه نهائيًا.
{... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ, لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}الاية
--------------------------
فيزياء الكم (والسقف الادنى):
أولاً دعنا نوضح المسألة ونأخذ مثال توضيحي مبسط.
لنفترض أن أحدهم يريد تقدير بُعد حائط عنه, برميه بحجر وتقدير المسافة عن طريق التأخير في وصول صوت إرتطام الحجر بالحائط.
والآن لنعيد نفس التجربة ولكن لتقدير بعد كرة بليارد بنفس الطريقة.
ما هو الفرق بين المثال الأول والثاني؟. في المثال الأول الحائط لن يتحرك من مكانه نتيجة إرتطام الحجر به. والخطأ الناتج في القياس هو خطأ ناتج من دقة طريقة القياس نفسها.
هل هذا هو ما يحدث بالضبط في الطريقة الثانية؟؟؟
لا!. لأننا سنلاحظ أنه بجانب خطأ طريقة القياس هناك مشكلة اخرى. كرة البليارد تحركت من مكانها وتغيرت سرعتها!. والصوت القادم إلينا يتناسب مع مكانها السابق وليس الحالي.
هذا بالضبط ما يحدث مع الجسيمات الدقيقة. عندما نريد قياس مواضعها نقوم برميها بفوتون (كما رمينا كرة البليارد بالحجر) ولكن هذه الجسيمة ستتحرك من مكانها بالضبط كما حدث مع كرة البليارد. وقاعدة عدم التيقن تقول كلما أردنا معرفة مكان هذه الجُسيمة بدقة أكثر كلما جهلنا كمية حركتها بخطأ أكبر والعكس صحيح. ومن هنا أصبحت معرفتنا لهذا العالم هو معرفة تقريبية إحتمالية.
مثالٌ ثانٍ:
هب أنك بحوض سباحة داخل الماء. وهناك كرة تطفو على سطح الماء بوسط الحوض. الآن تريد قياس المسافة من ركن الحوض إلى الكرة العائمة. تمسك شريط قياس المسافة وتثبته في ركن الحوض ثم تتحرك في إتجاه الكرة, فماذا سيحدث؟.
طبعًا ستتحرك الكرة من مكانها وستجدها في مكان "قريب" نوعًا ما من مكانها الأول ولكن ليس فيه.
هل المولى عزّ وجلّ لكي يعلم أماكن الجسيمات يضطر لرميها بفوتون؟؟؟. طبعُا لا, فالله هو القيوم ولا شيء بدونه يقوم. هو يحكم الطبيعة وقوانينها وليست هي تحكمه – كما ظنَ هذا المخبول.
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} الأنعام
(اللطيف فى اللغة لها ثلاث معانى أحدها أن يكون عالما بدقائق الأمور.)
بالفعل آينشتين عارض فكرة المعرفة الإحتمالية من مبدأ أن كل شيء يسير وفق نظام بديع وأحتج بقدرة الخالق. إلا أن آينشتين أرتكب خطأ!. فمبدأ عدم التيقن هو تحديد لقدرات البشر وناتج عن قصورهم وليس تحديد لقدرات الخالق. ومبدأ عدم التيقن (مع أنها تخص الموقع وكمية الحركة للجسيمة إلا أن) لها معنى عام فهي أحد القوانين الاساسية في الفيزياء. حتى أن الأمر ليتعدى ذلك بكثير. نحن لا نعلم أي شيء – إلا بدقة محددة. كل ما يخطر على بالك: طولك وزنك لون بشرتك..... إلخ, كله بالتقريب. هذا يقول لنا إنه قد حُرم على البشر بلوغ اليقين - بذاتهم وماهم ببالغيه - إلا أن يُؤتى من عند ربِ العالمين:
" وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"
وكما أوضحنا سابقًا – محدودية البشر في نطاق المسافة للخارج (في الإتجاه الماكرو - السقف الأعلى) هنا نجدهم محدودين للداخل (في الإتجاه الميكرو – السقف الادنى). وكما لا نستطيع رؤية حالة نجم في ذات اللحظة كذا لا نستطيع معرفة مكان الإلكترون بالدقة. وهنا لا يسعني أن لا أذكر قول الحبيب عليه الصلاة والسلام:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء:
"اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة، أنت آخذ بناصيتها. اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر"
إذًا مبدأ عدم التيقن دليل قوي لصالح الإيمان, والانسان خُلق ضعيفا, ولا يقوم الخلق إلا بالحي القيوم.
والآن لنضع سؤال الجاهل:
فأين هى الدقة التى يحتج بها المؤمنون بالله ويعتبرونها دليلا على وجوده ؟؟؟؟!!!
آتعرفون لماذا لم يسألنا عن عشوائية مواقع حبيبات الرمل بسبب العواصف وعن قطرات المطر؟
فهو وإن أخذته العزة بالإثم وأصبح يفاجر بكفره فهو يعرف تفاهة السؤال!
إذًا نحن لسنا بمضطرين للإجابة وقد جعل من محدودية البشر دليل على محدودية الخالق. وكأن الإله يرمي بالحجر ويتنقل بالحمار!, ولكننا نجيبه بخير الكلام:
{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) } الحاقة
استغفر الله العظيم,
تعالى ربي علوًا كبيرًا عما يقولون,
وسبحانه عما يصفون,
وأخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
Bookmarks