بقلم الكاتبات:

رانية باحكم -أمل باوزير - عفاف بن قبوس .



قرأنا ما طالعتنا به الأخت الكاتبة ثريا الشهري في جريدة الشرق الأوسط في تاريخ 26/محرم/1426هـ ، مصدرة مقالها بالإحتفاء البالغ بيوم المرأة العالمي ، نادبةً ما حصل من إهمال لهذا اليوم في أوساطنا العربية

وصفت عدم التعريج على هذا اليوم بأنه خسارة !!

فنقول : أختنا الكاتبة .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

ابتداءً: قال تعالى : { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } ( الزمر 15 ) هذا هو مقياس الخسارة عندنا ، فكلمة الخسارة كلمة عظيمة لا تُطلق على كل فائت خاصة لو كان تافهًا .

* ثانيًا : لا بد أن لا يخفى عليك أختنا الكاتبة حكم الاحتفال بمثل هذا اليوم شرعًا ، إذ أنه ليس للمسلمين إلا عيدين : عيد الفطر و عيد الأضحى ، و هذا اليوم ما دام أنه يتكرر في كل عام ، و له يوم معين و ملابسات معينة فقد أتُخذ عيدًا يُعاد على أصحابه كل سنة و هذا أمر لا يجوز شرعًا ، بالإضافة إلى أننا لا نستورد أعيادنا من الغرب أو تُفرض علينا و تُقرر من الأمم المتحدة " و من تشبه بقوم فهو منهم " أخرجه أبو داود و صححه الألباني . فالأعياد متصلة بالعقائد و الأديان ، و لكلٌ عيده ، فلا يرضى الغرب بالاحتفال بعيد الشرق كما لا يرضى الشرق بالاحتفال بعيد الغرب .. و أما إن نازعتنا الأخت في هذا اليوم الذي أسمته بيوم المرأة العالمي بأنه ليس بعيد ، إنما هو إحياء لذكرى هؤلاء العاملات التي وصفتهن الكاتبة بقولها باسلات ، فنقول :

· أولا : صحيح أنه ليس بعد الكفر ذنب ، و لا نحاسب هؤلاء العاملات على قتلهن لأنفسهن ، لأنهن في ابتداء الأمر كافرات ، و لكن نحاسبك أخية لأنك تشهدين بأن لا إله إلا الله و أن محمدًا رسول الله كيف تصفين من قتل نفسه بأنه باسل ، و قد قال الله تعالى : { و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما و من يفعل ذلك عدوانًا و ظلمًا فسوف نصليه نارًا و كان ذلك على الله يسيرا } ( النساء 28 ، 29 ) و قد قال صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه : " من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، و من شرب سمًا فقتل نفسه ، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، و من تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا " رواه مسلم . فإن لم تريدي الذم فليس هناك داعيًا للمدح لأنه ينبئ عن قبولك لهذا الفعل ، و مراضي العبد عند مراضي ربه .. أليس كذلك أختنا الكاتبة ؟؟

· ثانيًا : قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) )ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}

·

· قال تعالى { و لقد كرمنا بني آدم } ذكر الله تعالى في الآية الكريمة أنه كرم بني آدم على سائر المخلوقات ، ثم خص من بني آدم المسلمين و ميزهم على غيرهم ، بل جعلهم خير أمة ، قال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } فأمة محمد خير الأمم و أنفع الناس للناس ، و كذلك فإن الأمة المسلمة متميزة في كل شيء عن غيرها في عقائدها و أحكامها و معاملاتها .. و حريّ بمن ميزه الله عن غيره و كرمه أن لا يتنازل عن هذا التميز و التكريم ليساوي من هو أنزل منه ، و لا يليق بعاقل رُفع مكانةً أن يصر على مساواة من هو أقل منه . و هكذا فإن المرأة المسلمة متميزة عن غيرها ، و قد بوّأها الإسلام مكانة لم تكن عند غيرها و أحاطها بسياج من الرعاية و الإهتمام لم تكن لتحظى به قبل الإسلام ، و كانت هذه المرأة المسلمة و لا زالت مُصانة محمية الحقوق عبر العصور و لم يأت زمان انتهك فيه حقها ، و إن كان ذلك فهو فعل أفراد لا ينسب للإسلام ، بل لا يقره الإسلام أصلا . . . و بعد هذا التكريم هل ترضى المرأة المسلمة أن تساوى بغيرها من غير المسلمات في الغرب أو الشرق أو تدخل في احصائياتهم ؟ .

و أما ما ذكرته من قولك : [ و هل يعاني وجودنا كنساء عربيات من قطيعة مع منظومة نساء العالم ] فنقول : لا ، بل يحظى بتميز على منظومة نساء العالم ، فلا يقارنَّ نهر سراب بنهر حقيقة.

* ثالثًا : قولك أختنا الكاتبة : [ فتمثيل المرأة في برلمانات العالم ما زال زهيدًا جدًا بالرغم من كل الادعاءات بمبادئ الديمقراطية ] لا بد أن يُعلم لديك أختنا الكاتبة ورود حديث شريف عن النبي صلى الله عليه وسلم في أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى و هو صحيح البخاري و لك أن تراجعي الحديث و تراجعي شروحاته ، و هو قول البخاري رحمه الله : حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال : أنه سمع من الرسول صلى الله عليه و سلم ه لما بُلّغ أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى ، قال صلى الله عليه و سلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قال الخطابي : في الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة و لا القضاء ، و فيه أنها لا تزوج نفسها و لا تلي العقد على غيرها . و المنع من أن تلي الإمارة و القضاء قول الجمهور .( فتح الباري )

فالمرأة ليس لها أن تتولى هذه المناصب في برلمانات و نحوها ، و هذا ليس تقليلا من شأنها ، بل هو رفعة لشأنها و ذلك أن المرأة بطبعها عاطفية ، و هذه الأماكن كثيرًا ما يحدث فيها المشادات و لا يخفاك ما يُرى و يُسمع في الأخبار من ضرب و نحوه . و كذلك المرأة لا تستطيع الحكم أو اتخاذ القرارات في كل الأوقات بشكل صائب و متزن ، لأنها تتعرض إلى ضغوطات عاطفية و اضطرابات فسيلوجية قد بُسط ذكرها في كتب الطب - و لك أن تسألي المختصين عن ذلك - بالمقارنة مع جنس الرجال فقد وُجدت في فطرهم الصلافة و القوة في اتخاذ القرارات دون الخضوع للعواطف أو التغيرات التي تطرأ للمرأة { فتبارك الله أحسن الخالقين } ( المؤمنون 14 ) { و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن و سئلوا الله من فضله } (النساء 32 )

إضافة إلى أن دخول المرأة في هذه الأوساط سيؤدي إلى كثرة الخلطة و التحدث مع الرجال و هذا يصادم كثيرًا من التعاليم الشرعية ، منها قول الله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن } (النور 30 ، 31 ) و أمر الرسول صلى الله عليه و سلم المسلمات بأن لا يتوسطن الطريق ، بل يكن على جانب الطريق فأصبح الصحابيات رضوان الله عليهن تتعلق ثيابهن بالجدران من كثرة التصاقهن بها . أين هذا كله ، و كيف يمكن تحقيقه عندما تبارز المرأة الرجل بدخولها في البرلمانات و ما إلى ذلك ؟

بالإضافة إلى أن المرأة ستخسر كثيرًا عند خروجها من بيتها و تقلدها مثل هذه المناصب ، لأنه لا داعي للتغافل عن أن هذا الأمر أمر شاق مشغل ، فهي في حال مزاولتها لهذا العمل ستهمل أبنائها و زوجها و تفقد بالتالي مكانها كمدبرة و صاحبة قرارات في مملكتها و رعيتها الحقيقية ..

و اعلمي أختنا الكاتبة أن المرأة إن كان مقصدها من المشاركة في البرلمانات الإصلاح حقيقةً ، و ابداء الآراء الموصلة إلى النتائج المرجوة فإن ذلك يتسنى لها بعدة صور منها :

· أولا : في تربيتها لأبنائها و توجيهها لهم ، و كما يقال : وراء كل رجل عظيم امرأة .

· ثانيًا : بإسدائها المشورة لزوجها كما كانت تفعل أمهات المؤمنين كخديجة و عائشة و أم سلمة ، عندما كن يشرن على الرسول صلى الله عليه و سلم فيعمل بمشورتهن .

· ثالثًا : إن كان لها أي رأي أو اقتراح يمكن أن توصله إلى المسؤولين عن طريق أحد محارمها أو عن طريق الهاتف أو الفاكس أو البريد فسبل التواصل قائمة .

* رابعًا : مما لاحظناه في كلام أختنا الكاتبة ، و صفها مهنة الخدمة بالعبودية ، و شتان بين الأمرين ، فإن هناك فوارق عديدة بين مهنة الخدمة و بين العبودية .. منها أن الخادمة تأخذ أجرًا على خدمتها و أما الأمة فلا ، و أن الخادمة متى ما أرادت أن تنهي عقد عملها فلها ذلك أما الامة فلا ، و أن الخادمة لا يجوز وطئها أما الأمة فلسيدها وطئها ، و كذلك فإن الخادمة أموالها ملكًا لها أما الأمة فلا. و من المعلوم أن أنس رضي الله عنه خدم الرسول صلى الله عليه و سلم عشر سنوات ، فهل يعني ذلك أن أنس كان عبدًا عند الرسول صلى الله عليه و سلم ؟!

فبالتالي لا يحق لك أختنا الكاتبة أن تساوي مهنة الخدمة بالعبودية ..

* خامسًا : ذكرت أختنا الكاتبة في مقالك [ فإذا عرفنا أن الفقر قد تأنث نتيجة إحصائية تقول إن 70% من مجموع فقراء العالم هم من النساء ، و مع هذا فإنهن يعولن 35% من مجموع الأسر في العالم ] فنقول : إن المرأة المسلمة لم تضطرها ظروف حياتها أن تخرج لتعمل و تكدح لجلب لقمة العيش ، لأنها مُنفق عليها ابنةً و أمًا و زوجة ، و في ديننا يجب على ولي أمرها النفقة قال تعالى : { و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف } قال القرطبي : { و على المولود له } الأب { رزقهن و كسوتهن } الرزق في هذا الحكم الطعام الكافي و الكسوة اللباس. و في هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه و عجزه . ثم قال : و أجمع العلماء على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم .

و للمرأة النفقة و السكنى و الكسوة ، و من أقوال العلماء في ذلك :

· قال الشافعي في كتابه الأم : و في قول الله تبارك و تعالى في النساء { ذلك أدنى أن لا تعولوا } بيان أن على الزوج ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة و كسوة وسكنى .

· قال ابن رشد في كتابه بداية المجتهد و نهاية المقتصد : و اتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج النفقة و الكسوة ، لقوله تعالى { و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف } ، و لما ثبت من قوله عليه الصلاة و السلام " و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف " ... فأما النفقة فاتفقوا على وجوبها .

· قال ابن قدامة في الكافي : يجب للمرأة من النفقة قدر كفايتها بالمعروف ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم لهند : " خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف " متفق عليه . و قال في العمدة : و على الإنسان نفقة والديه و إن علو و أولاده و إن سفلوا ، و من يرثه بفرض أو تعصيب إذا كانوا فقراء و له مال ينفق عليهم .

فمن ما سبق يتجلى لنا أن المرأة المسلمة استوعبت في ظل شريعتنا الإسلامية في جميع مراحلها العمرية ، إن كانت أمًا فحقها ثلاث على الأب ، و إن كانت زوجة فنفقتها على زوجها ، و إن كانت ابنة فنفقتها على وليها سواء كان والدها أو أخيها فلم تُكلَّف المرأة في مرحلة من مراحلها العمرية بالنفقة على نفسها فمن أين لها الفقر إذن ؟

و الآن أختي الكاتبة .. ألا تشعرين أنك وجدت ضالتك ، و قد ذكرت من ايجابيات العولمة أنها استوعبت المرأة في جميع مراحلها العمرية ، و ذكرت من سلبياتها ما ذكرت ، أما ترين أن كل ما تريدينه قد أُمّن لك في ظل الشريعة الإسلامية ، فحريّ بك بعد ذلك أن لا تدعي الأمة إلى الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة كما وصفت ، بل عليك أن تدعي الأمة إلى الاستقامة على هذا الدين القويم ، و المنهج المستقيم ، الذي ضمن للجميع حياة آمنة متوازنة تنعم فيها المرأة برعاية و تكريم في جميع جوانب حياتها .