(إخواني الزملاء)
هذه سلسلة من المقالات التي قرأتها في تعريف الالحاد اقتطفتها من بين سطور بعض الكتاب معتقدا أنها ستفتح بعدا فكريا آخر لمفهوم الالحاد:
يقول أحد الملحدين:
عدم الاعتقاد لا يعني بالضرورة "إنكار" وجود الآلهة.
ولكنه غالبا ما يعني أن الملحد لا يجد دليلا مقنعا على وجود الآلهة،
هذا التعريف يعني أن هذه الفكرة هي "نفي" للاعتقاد، وليست اعتقادا قائما بذاته.
ما هو الإعـتـقــاد إذا افترضنا أن "اليقين" هو أكثر درجات الحقيقة تأكيدا،
فالاعتقاد هو أقل من ذلك.
أحيانا يكون الاعتقاد بشيء مهما،
كالاعتقاد بصحة أخبار الحرب المتوقعة قريبا..
وأحيانا يكون الموضوع غير مهم،
مثل الاعتقاد بصحة وجود إنسان الثلج "يتي".
أحيانا يكون الاعتقاد بشيء مهما جدا،
فيسميه المعتقد به ايمانا.
أي أنه ليس يقينا، ولكن محتوى هذا الايمان مهم جدا لهذا الشخص.
ومعظم الناس لا يعتقد بمعظم الأشياء غير الحسية،
ومعهم حق في ذلك، لأن معظم الأشياء غير الحسية غير مهمة بالنسبة لهم،
فمن يعتقد بوجود الغول،
أو البعبع،
أو "سانتا كلوز"،
أوغير ذلك؟
ولكنهم سيستغربون إن سألتهم عن برهانهم عن عدم وجود ذلك.
فهو بديهي بالنسبة لهم،
لأن "الأصل في الأشياء العدم"،
ولن يبذلوا جهدا كبيرا في البرهان على ما سألتهم،
لعدم أهمية الموضوع..
لو أخذنا فكرة ما، مثل إنسان الثلج "يتي".
وحاولنا البرهان على عدم وجوده.
فكيف نفعل؟
يمكننا أن نقوم برحلة الى التيبت، ونحاول البحث عنه.
لقد تم بالفعل تجهيز أكثر من بعثة بهذا الشكل ولم تجده.
ولكن هذا لا يعني أنه غير موجود.
يمكننا كشف التزوير الذي حصل للصور التي يدعي أصحابها أنهم التقطوها له.
ويمكننا أن نثبت أن القصص التي يتداولها سكان التيبت هي خرافات،
وأحدا منهم لم يره رؤية العين.
ولكن هذا لا يعني أنه غير موجود.
فهناك من يؤمن حتى الآن بوجود الـ"يتي".
بعضهم يربطه بالصحون الطائرة والفضاء الخارجي.
هذا يعني أنه علينا تقليب الكون حجرة حجرة باحثين عنه،
وإذا لم نجده في كل الأمكنة وفي كل الأزمان،
وقتها يكون بامكاننا اعتباره غير موجودا..
فهل نعتقد بوجوده،
فقط لصعوبة اثبات العكس؟
بينما برهان وجوده سهل،
من حيث المبدأ،
يكفي أن نمسك بفرد واحد من هذا النوع،
ونريه لمجموعة من العلماء.
الأفضل أن ندرس حياته،
نصوره على أفلام،
ونتعرف على أكثر من فرد واحد،
ونراقبهم عبر أكثر من جيل،
ونفهم كيف يعيش ويأكل ويتزاوج.
ندرس بنيته التشريحية، ومورثاته،
ويكون ذلك مجالا مفتوحا للمزيد من البحوث
عندها نصل الى المعرفة واليقين..
ســــــــــــــؤال لماذا لا نرى جميع سكان الأرض يتفكرون باله المسلمين؟
لماذا لا يجمعون ليل نهار البراهين على عدم وجود هذا الاله؟
ليستطيعوا البقاء على عقيدتهم.
السبب بسيط،
وهو أن "هذا" الموضوع غير مهم بالنسبة لهم.
ليس هناك ما يشغل بالهم على الاطلاق بالنسبة لهذا الموضوع.
والاستثناءات القليلة تؤكد القاعدة.
للسبب نفسه لا نجد مسلما يحاول التفكير بصحة المبدأ الهندوسي في الخلق.
أو يتعب نفسه في دراسة آلاف الكتب والأديان قبل أن يعلن اسلامه.
ما يحدث عادة هو أن بعض الشك تتم معالجته ضمن العقيدة الموروثة.
وقلما يخرج المرء عن هذا الاطار.
اللادرية و الالحاد
مفهوم اللاأدرية والالحاد (حسب تعريفي) غير متعارضين،
فالالحاد ليس ايمانا، بل هو عدم الاعتقاد.
واللاأدري لا يعتقد أيضا.
اللاأدرية هي موقف معرفي.
أي تأكيد على عدم المقدرة على الوصول إلى حقيقة وجود الآلهة.
بينما الإلحاد الذي أكتب عنه هو موقف فكري.
أي أن يعيش الإنسان حياته معتبرا تلك الآلهة غير موجودة،
لأنه لم يحصل على دليل مقنع على وجودها.
ولكن هناك نواحي أخرى تؤثر في اختيار التسمية،
فلفظة الـ "لاأدري"، هي بكل بساطة "ألطف"،
فلا تستفز المؤمنين، بل تترك لهم مجالا للمناورة،
واستشفاف قاعدة مشتركة.
وأحيانا تكون تسمية الـ"لاأدري"،
هي فقط محاولة هروب من مسئولية التفكير الشخصي،
ومحاولة الحفاظ على "شعرة معاوية" مع الموروث العقائدي.
فإن قال لي صديق أن سمكة في حوض الأسماك الذي يزين غرفته تتكلم،
فهل أقول أنني "لا أدري" تجاه ظاهر السمك المتكلم،
لأنني لم أر سمكة تتكلم،
ومع ذلك لا أستطيع البرهان على عدم وجود سمك يتكلم؟؟؟
فليس من الممكن "البرهان على نفي"
وهو يرفض أن يريني تلك السمكة العجيبة،
ويريدني أن أعتمد على ثقتي به للتصديق بالموضوع.
بالنسبة لي أنا أقول أنني لا أعتقد بوجود سمك يتكلم،
لأنني أعتبر وجوده لا يتناسب مع معرفتي عن السمك،
ومنهجي في تفسير ظواهر الطبيعة.
حتى يريني صديقي تلك السمكة العجيبة،
وأعيد فهم البيولوجيا والبنية التشريحية للحبال الصوتية،
والمراكز الدماغية المسئولة عن النطق.
مبدأ اللاأدرية (agnosticism) هو موقف عقلي متوازن،
يتم اتخاذه بعد كثيرمن البحث والتمحيص،
وليس مجرد "نقطة علام" على الطريق.
ولكن محتوى هذا الموقف هو "عدم وجود موقف" تجاه قضية وجود الله أو عدمه.
والسبب الأساسي يكون عادة عدم كفاية الأدلة،
وإحدى نتائجه هي اعتبار احتمال وجود الاله غير كبير.
والالحاد قد يكون متطرفا فيدعي أصحابه امكانهم البرهان على عدم وجود الله،
والفرق هنا هو في تقييم مفهوم "البرهان".
منقول بتصرف...
Bookmarks