صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 59

الموضوع: اشكالات فلسفية عن الإله في الإسلام(الدكتور ناصر والزميل المفتري)

  1. #16

    افتراضي

    أفضل أن تعرض ما تخالفني فيه بعد أن تعرف بقية ردي على مشاركتك السابقة، وقد وضعت لك مخطط ردي عليك في المشاركة رقم 8#، وأظنك لا تخسر شيئا إن أرعيت سمعك لما سيقال، ومن جهتي سألخص لك الرد كله في نهايته حتى يمكنك الرد على ما ذكرته وتصوره جيدا إن كانت هناك مشكلة لديك مع إفاضة الشرح.

    وأحب أن ألفت نظرك إلى أنه ليس جميع ما ذكرته يكون بالضرورة مخالفا لما تقوله، وإنما قد يكون من الحقائق التي توافقني عليها، وإنما أحتاج إلى ذكرها لتوضيح الجواب على نقاط الاختلاف بيننا، فلا يكون هناك من حاجة لمطالبتك بعدم ذكرها لأنك لا تخالف فيها، فأرجو أن لا يضيق صدرك كلما رأيت ذكر نقطة اتفاق بيننا.

    وأذكرك بأهمية معرفتك بتكملة الرد، ومن ضمنها الفرعين المتبقيين على المسألة الأولى:
    وترى أن الكافر كالمؤمن عند أول خلقه لا يتميز أحدهم عن الآخر بشيء حتى يكون هناك ما يقتضي تخصيص المؤمن بالنعيم، والكافر بالعذاب، وهذا الفرع الثاني.

    وترى أن الخلاص من هذا الظلم لا يكون للكافر إلا بأن يسمح له الله بالرجوع إلى العدم لا غير، لأنه غير حقيق بدخول الجنة مع ثبوت ظلمه وكفره، وهذا الفرع الثالث.
    ومثل هذين الفرعين هما من أهم ما يتبين بهما الكلام في المسألة الأولى، ويكون ردك على فرع المسألة الأول بدونهما ردا ناقص التصور، وهذا ما لا أظنك ترضاه لنفسك لمجرد العجلة في الرد.

    هداك الله وأرشدك من حيرتك إلى يقين الإيمان بالله تعالى.

  2. #17

    افتراضي

    أنا لست "متعجلاً" على الإجابة. أنا فقط أريد أن أختصر عليم الكثير من الأشياء.

    على العموم، انتهي من ردك كله و سأرد أنا.

    خذ وقتك.

  3. #18

    افتراضي

    الكلام على الفرع الثاني من المسألة الأولى وهو:
    هل الكافر كالمؤمن عند أول خلقهما لا يتميز أحدهما عن الآخر بشيء حتى يكون هناك ما يقتضي تخصيص المؤمن بالنعيم، والكافر بالعذاب؟

    فيقال في جواب ذلك:
    إن بينهما ها هنا موضع اشتراك وتساوي وموضع افتراق واختلاف:

    فأما موضع الاشتراك والتساوي بين المؤمن والكافر فهو:

    - ما جعله الله فيهما من القدرة والإرادة المخلوقتين التي يمكن العبد بهما أن يختار ما يشاء من الخير أو الشر.

    - وما هدى الله به المؤمن والكافر من الدلالة والإرشاد العام إلى تمييز الخير من الشر، والطاعة من المعصية، والهدى من الضلال.
    وهذا الهدى والإرشاد العام حاصل بالحجة الرسالية التي يترتب على التكذيب بها العقاب، وهناك حجج أخرى لا تستقل عن الحجة الرسالية بترتب العقاب عليها بمجردها رغم ظهور الحجة بها، وهي حجة الفطرة، وحجة العقل، وحجة الآيات الكونية.

    فجميع ذلك مشترك بين المؤمن والكافر عموما، وإذا لم يحصل للكافر ذلك فإنه لا يعاقب ولا يعذب وإنما يكون من أهل الفترة، وقد سبق الكلام فيهم هنا وفي غير هذا الموضوع كثيرا.

    وموضع الاشتراك والتساوي هذا هو من مقتضى عدل الله تعالى في خلقه، فإن من عصاه وكفر به لم يفعل ذلك مكرها بغير إرادة منه ولا اختيار، وإنما فعله بإرادته واختياره، وهذا أمر يسلم به الزميل هنا، فيلزمه الإقرار بعدل الله في خلقه الكفار على هذه الصورة التي لا ظلم فيها لهم بعد أن مكنهم مما مكنهم فيه من قدرة وإرادة تامتين يترتب عليهما أفعالهم التي هي باختيارهم وإقدار الله لهم على ذلك.
    وبثبوت هذا القدر المشترك بين المؤمن والكافر لا يكون هناك مجال لنفي عدل الله تعالى في خلقه هذين النوعين.


    وأما موضع الافتراق والاختلاف:

    فهو أن الله عز وجل خصَّ بمقتضى فضله وحكمته من شاء من عباده بقدر زائد على ما هو مشترك بينهم بمقتضى العدل، وهذا القدر الزائد هو فضل الله تعالى، والفضل زيادة على العدل، وليس هو ضدا للعدل ولا نقيضا له حتى يكون ظلما، فإذا تفضل الله على بعض عباده بالتوفيق لطاعته كان ذلك من الله كرم وجود، لا حقا أوجبه عليه أحد من خلقه، فإنه لا يوجب أحد على الله شيئا، وإنما يوجب الله على نفسه ما يشاء تكرما منه وفضلا.

    فمجرد تفضل الله تعالى على من شاء من خلقه لا يترتب عليه ظلم، إذ ما يكون فيه التفضل غير ما يكون فيه العدل والتساوي، وقد ثبت أن موضع الاشتراك والتساوي واقع فيه العدل على كماله، فأما ما هو موضع الفضل فلا يتطرق إليه ظلم البتة.

    فإذا علم أن مجرد تفضل الله على من شاء من عباده لا ظلم فيه، فنقول إنَّ هناك أمرا أعظم من ذلك، وهو أن فضل الله تعالى على من شاء من عباده هو من مقتضى حكمته وعلمه وقدرته ومشيئته، فظهرت هنا للناظر كمالات عظيمة في تفضل الله على من يشاء من عباده، فكيف يقال بعد ذلك إن تفضل الله على المؤمنين ظلم للكافرين؟!

    ومتى كان ما هو فضل من الله حقا لعبد من عباده استحقه العبد لذاته وصفته دون ابتداء فضل من الله عليه؟! وإنما جميع ذلك فضل من الله ابتداء وانتهاء، وكل ما بالعبد من أسباب تجعله محلا لفضل الله تعالى فهو من فضل الله عليه أولا. فهذا في العبد الذي فضله الله كرما منه وجودا، لا يكون مستحقا على الله فضلا لم يتكرم الله به عليه، فكيف يُعترض بعبد آخر لم ينل فضلا أصلا مستحقا له أو غير مستحق حتى يقال أنه مستحق للفضل لذاته ولمجرد وجوده؟! فإذا كان المؤمن لا يستحق لذاته على الله فضلا من غير تكرم الله به عليه، فمن باب أولى أن لا يكون غير المؤمن مستحقا لذلك الفضل على هذه الصفة.

    وما ذكرناه هنا هو موضوع مسألة (هداية التوفيق) وضدها (خذلان الله للكافر والعاصي)، والمقصود بها أن الله:

    - يوفق من شاء من عباده للإيمان والطاعة فضلا منه ورحمة.
    - ويخذل من شاء خذلانه من أهل الكفر والمعصية فيواقعون الكفر والمعصية بمقتضى أنفسهم الأمارة بالسوء المعارضة للشرع المخالفة لأمر الله ونهيه الشرعي.
    ووقوع ذلك منهم هو باختيارهم وإرادتهم وقدرتهم رغم وجود دواعي الإيمان والهدى وقيام الحجة الرسالية عليهم، فأعرضوا عن دواعي الهدى إلى دواعي الردى والكفر والعصيان واتبعوا أهوائهم وفعلوا ما نهاهم الله عنه.



    ولا تخلو هذه المسألة كلها من سر عظيم من أسرار ربوبية الله تعالى وحكمته:

    فإن في تخصيص كل جنس بما هو محل له من الأفعال والأحوال حكمة لا يحيط بها غير العليم الحكيم، وقد كفانا ما علمناه من آيات حكمة الله تعالى في خلقه وشرعه دليلا وبرهانا على حكمة الله تعالى فيما لم تطقه عقولنا، ولم تبلغه مداركنا، وحكمة الله ثابتة لا تنكر، وأما تفصيل حكمة الله في كل شيء فلا يدعي أحد الإحاطة به، ومن ادعى ذلك كفر، لأنه دعوى للغيب والإحاطة به، وهذا مما يختص به من وسع علمه وحكمته كل شيء، فلا إله إلا الله، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله تعالى.




    فإن قال قائل: إنك بذلك تلغي عقولنا، وتأمرنا بأن نسلم بما لا نعقله، وتجيبنا على أسئلتنا عن الحكمة بما لا جواب فيه إلا الإخبار بالجهل والعجز؟
    قلنا: من جهل أتيت، فمن ألغى العقل هنا أو أجاب بالجهل؟! وإنما أعملنا العقل غاية الإعمال في النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فرأينا دلائل حكمته مدَّ البصر، ورأينا منها ما لا يحصيه بشر، وتكررت براهين حكمته حتى تقرَّرت وأيقنت بها قلوب العارفين، فإذا علم العقل كل ذلك ثم خفي عليه وجه من وجوه الحكمة في دقيق الخلق وعظيم الصنع أينقلب العقل عندها عن يقينه بالحكمة التي علمها إلى جحدها وإنكارها؟! أم أنه يعرف بما علمه مما لا حصر له من براهين الحكمة أن ثَمَّ حكمة هناك في الذي قد خفي عليه أمره؟

    فمن يكون هنا معملا عقله:
    - أمن أنكر جميع ما قد أقره العقل من حكمة الله تعالى لأجل جزئية من غيب لم يشهده عقله ولم يصل في شأنه إلى حقيقة أمره؟!
    - أم من سلَّم بما سلم به العقل من براهين حكمة الله تعالى فيما علمه مما لا حصر له ولا عد، ثم وقف عند ما لم يبلغ العقلُ نهايةَ أمره فعرف أن وراء ذلك ما يحاول العقلُ معرفتَه دون أن يقطعَ فيه بشيء إلا أن هناك حكمة مخفية تشهد عليها الحكم الظاهرة في كل مظهر من مظاهر تجلياتها في العالم العلوي والسفلي؟
    بل الآخذ بحكم العقل والمعمل له هو الثاني بلا شك، لأن العقل قد هداه إلى إثبات الحكمة للخالق الجليل فلم يجحد بينة ذلك، وقد هداه عقله أيضا إلى معرفة ما للعقل من قدرة على الإدراك وما لا تتعلق به هذه القدرة مما ينقطع عن بلوغها بشهادة نفسه على نفسه، فردَّ ما لم يبلغه عقله إلى ما عرفه من عدم كمال قدرة العقل، ولم يجحد ما أثبتته براهين الحكمة الظاهرة من عظمة الحكمة المستترة عن الأنام.


    فإن قال قائل: إن حاصل كلامك أنك تجهل حكمة الله تعالى في توفيق عبد للإيمان وخذلان عبد بالكفر؟
    فيقال: ليس الأمر على جميع ما توهمته، وإنما في ذلك تفصيل يتبين به الحق، وهو أننا نعلم من حكمة الله في ذلك ما نعلمه بغير إحاطة بجميع حكمة الله تعالى، فيكون علمنا بما علمناه منها شاهدا من براهين كمال حكمة الله تعالى، ويكون جهلنا لما جهلناه منها وعجزنا عن الإحاطة بها شاهدا من براهين كمال حكمة الله تعالى أيضا، فسبحان الله ما أحكمه فيما أطلعنا عليه من حكمته وفيما أخفاه عنا رحمة بعقولنا الكليلة عن شهود ما لا تطيق حمله أو النظر إليه من أسرار كماله وجماله وسلطانه.


    فإذا تبين هذا ذكرنا التفصيل في المسألة:
    فإن حكمة الله في توفيق عبد للإيمان وخذلان عبد بالكفر إما أن يكون من حيث حصول جنس ذلك، أو من حيث حصول ذلك في أفراد معينين من الجنسين:

    فأما من حيث الجنس فنعلم الحكمة الإجمالية من ذلك، وقد سبق ذكر بعض منها سابقا في قولنا

    فأما الحكمة المتعلقة بخلق جنس أهل النار فإن منها ما هو راجع إلى ثلاثة أمور:


    الأول: ظهور مقتضيات وآثار كمال الله في أسمائه وصفاته وأفعاله:

    فإن كمال الله عز وجل أزلي لله غير مكتسب من خلقه، ولو قدر عدم جميع المخلوقات لما نقص ذلك من كمال الله الذاتي شيء، ولكن كمال الله تعالى يترتب عليه ظهور آثاره في غيره، (ولهذا كان القول بنفي حوادث لا أول لها باطلا، لما يترتب عليه من نفي مقتضيات كمال الله تعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله، مع التوكيد على أن كل حادث من هذه الحوادث مسبوق بعدمه، فلا يكون مع الله ما هو قديم أو أزلي الوجود، وإن قدر قدم النوع، فالنوع ليس بشيء في الخارج، وإنما هو كتقدير زمن أزلي، مع أنه لا وجود في الخارج إلا لحركات حادثة شيئا بعد شيء).

    فإذا علم هذا، علم أن من كمال الله تعالى أن يخلق المتضادات في الوجود والخير والشر والجزاء، وأن في وجود كل ذلك أثرا من آثار كمال الله تعالى، فيكون في خلق أهل النار أثرا مقتضى من كمال الله تعالى في قهره وعدله، فيجري حكم قهره على من هو أهل لوقوع ذلك عليه، كما يجري حكم عدله في عقوبة من أساء وظلم من خلقه، ولا يكون الظهور الكامل لذلك بغير وجود من يستحق الجزاء بالعقوبة الملائمة لجرمه، فإذا كان فضل الله على البشر في الآخرة متمحضا لأهل الجنة، فإن العدل في عقوبة أهل النار أولى أن تتمحض لأهل النار بعد أن لم يكونوا أهلا لفضله.
    والكلام على آثار كمال الله في أسمائه وصفاته وأفعاله ومقتضياتها في خلقه أهل النار كلام طويل جدا يحتاج إلى ذكر كل اسم وصفة وفعل يظهر أثرها في خلق هذا الجنس، ومن تدبر في أسماء الله وصفاته وأفعاله تبين له عظيم كمال الله تعالى في سلطانه وقهره وعدله، وعلم حقيقة قوله تعالى: {مالك يوم الدين} وما تضمنه من مقتضيات ولوازم ملك الله عز وجل في خلقه.


    الثاني: ما يترتب على خلق أهل النار من الخير والصلاح لأهل الإيمان في عاقبة أمرهم:

    فإن في خلق أهل النار وعداوتهم لأهل الإيمان وما بينهم من مقال وقتال خير وصلاح لأهل الإيمان بما يعقبهم إياه صبرُهم وصدق إيمانهم وثباتهم على الحق رغم فتنة الكافرين، وديمومتهم على طاعة الله تعالى مناكفة لوسواس الشياطين من الإنس والجن، وفي خلق أهل النار ابتلاء عظيم للمؤمنين حتى يميز الله الخبيث من الطيب، ويظهر من كان إيمانه عن تصديق لا عن تقليد الأسلاف بلا بينة ولا برهان، ولو لم يخلق الله أهل النار في الدنيا لما كان هناك معنى للأمانة المحمولة من الإنسان في هذه الدار، إذ لا معنى للأمانة إلا إذا قام بها صاحبها وهو يملك أن يخون إذا شاء رغم وجود دواعي الخيانة، أو كان بتلك المثابة عند بعض السامعين، فلا يقال لشخص وضع لديه مال وهو أشل أعمى أبكم أنه حافظ للأمانة، وإنما يقال للمرء أنه أمين إذا لم يخن وهو قادر على الأمرين، ودواعي الأمانة والخيانة قائمة من حوله، أو كان بمثابة ذلك عند السامع، وإذا كان لا يوجد للخيانة معنى ولا أهل، فكيف يقال أنَّ هناك أمانة وأمناء، وهل ذلك إلا كقول أن الحجر أمين لأنه لا يقدر على الخيانة!

    فكان في خلق أهل النار تحقيقا لمعنى العبودية لله تعالى، وإظهار المؤمنين على الكافرين، ونصر أهل الحق على الباطل، وإعزازهم وإعظام أمرهم ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة، وتعظم هذه الحكمة بربطها بالحكمة السابقة حيث يكون في نصر أهل الحق على الباطل ظهورا لآثار أسماء الله تعالى وصفاته المقتضية النصر والتمكين للمؤمنين على الكافرين، وظهور رضاه ورحمته بأهل طاعته، وغضبه ونقمته على أهل معصيته.


    الثالث: تسخير الله لهم كما سخر ما في الأرض لعمارة هذه الدنيا:

    فكما أن الله عز وجل خلق في الدواب والهوام ما هو نافع وضار، وجعل في ذلك حياة الكائنات وتوازنها واعتدال أمرها، فكذلك كان في خلق أهل النار حكمة ظاهرة، لما يترتب عليه من سعيهم بمقتضى البشرية والطبيعة الجبلية إلى السخرة في هذه الأرض لحفظ حياتهم والتكاثر بأملاكهم وأولادهم، فيعمرون الدنيا بخراب آخرتهم، ويبنونها ليسكنها غيرهم بعد فنائهم، ولما أبوا أن يكونوا عبادا لخالقهم، جعلهم عبيدا للأرض ومن عليها، فيكدحون في هذه الدنيا كدحا يضنيهم ويشقيهم من أجل متع فانية، ولذاذات زائلة، وحظوظ ذاهبة.

    فكان خلقهم في الأرض كإيجاد الخادم للدار، يعمرها بكده ونصبه وهو لا يملكها، وتعرض عليه قصورٌ خير من تلك الدار ليسكنها باسمه فيرفضها ويختار عليها البقاء في رسم الخدمة لغيره من المخلوقين الفقراء حيث لا ينتهي كده ولا يرتقي في درجته عن منصب الخادم الأجير للدار الحقيرة! هذا والدار لو قورنت بتلك القصور العظام لصارت أشبه بالخراب بل هي الخراب بعينه!

    فما أنفع خلق أهل النار للأرض، مع ما سخره فيها من دواب الأرض وهوامها النافعة بضررها!


    فتبين بهذه الأمور الثلاثة بعض حكمة الله تعالى في خلق جنس أهل النار، وحكمة الله أوسع من أن يحيط بها علم أحد من خلقه.
    فهذا ما يتعلق بمعرفة الحكمة من توفيق من وفقه الله للإيمان، وخذلان من خذله الله فوقع في الكفر والعصيان، وذلك من حيث الجنس.

    وأما حكمة ذلك فيما يتعلق بأفراد جنس أهل الإيمان وجنس أهل الكفر، فيعلم ذلك من قولنا


    وأما الحكمة المترتبة على خلق كل فرد فرد من هذا النوع الناري
    :

    فهي أوسع من أن يحصى الكلام فيها، إذ أن كل فرد من هذا النوع يظهر في خلقه من حكمة الله تعالى أمور كثيرة هي تفصيل للأمور الثلاثة العامة لجنس الكفار.

    فمن ذلك أننا لو مثلنا للحكمة في ذلك بخلق الله لفرعون، فسيظهر لنا من بعض حكمة الله في خلقه أمور منها:

    ظهور مقتضى اسم الله تعالى (الأعلى) حيث أظهر الله علوه على خلقه بمجازاة من أنكر وجوده وعلوه بالإغراق في اليمّ، معاقبة له على قوله {أنا ربكم الأعلى} فجعله الله الأسفل.

    وما في خلقه من ابتلاء واختبار لبني إسرائيل وأهل مصر، فصار سببا في زيادة ثواب المؤمنين المحسنين، وتمييزا لهم عن المفتونين الخاسرين.

    وما في خلقه من إظهار لعدل الله تعالى في عقوبته على ظلمه وبغيه في الأرض، وعلم أن بطش الكافر لا يحول بينه وبين عاجل نقمة الله عليه.

    كما كان في خلقه لفرعون ظهور فضيلة موسى عليه السلام في مقارعته له بالحجة والآيات، وصموده بالحق أمام كفر الكافرين من علية القوم وأرباب الكفر.

    وكان فيه إظهار عجز الكافر في أمره حتى أنه يسخره لحفظ المؤمن من حيث لا يشعر، فقد ربِي موسى عليه السلام في بيت فرعون أمام عينيه وسط داره وأهله، فإذا نهاية أمره وخاتمة ملكه على يديه.

    وغير ذلك من الحكم الكثيرة التي تتعلق بخلق فرعون، فضلا عن خلق كل واحد واحد من أفراد أهل الكفر.

    فسبحان الله عز وجل ما أحكمه وأعلمه وأقدره، وما أعجز الإنسان عن أن يحيط ببعض حكمة الله تعالى في بعض مخلوقاته فضلا عن جميع ذلك!
    نقلت هذين الاقتباسين لشدة تعلق هذا الموضع من مسألتنا بما ورد في الفرع الأول منها، ولأضيف عليه ما يخص الفرع الثاني منها، وهو:

    أن الحكمة من توفيق عبد أو خذلانه إما أن يتبين لنا شيء منها، أو لا:
    فإن تبين لنا شيء منها في خصوص بعض أفراد الجنس كان ذلك زيادة في العلم والمعرفة.
    وإن لم يتبين لنا شيء منها في خصوص بعض أفراد الجنس أو جميعهم من حيث عين كل فرد منهم كان ذلك عائدًا علينا بالعجز عن المعرفة لا لعدم حكمة الله تعالى وإنما لعدم مكنة العقل من بلوغ أسباب المعرفة في هذا الشأن.
    وإذا استحضرنا براهين حكمة الله تعالى في خلقه لم يعجزنا أن نفهم سبب قصورنا عن الإحاطة بجميع حكمته، ولم يُزِلْ ذلك عن عقولنا حكمه القطعي بثبوت حكمة الله تعالى في جميع خلقه وشرعه، وهذا هو المطلوب.

    وبهذا يعلم أن المطالبة بإحاطتنا علما بحكمة الله تعالى في خلق أهل النار، مطالبة مرفوضة عقلا ومناقضة لكمال حكمة الله تعالى، وإنما يمكن أن يطلب معرفة ما يمكن العقل معرفته من الحكمة في هذا دون جحد لحكمة الله الثابتة لله ببراهين قاطعة تفوق أعداد مخلوقاته، فكل مخلوق يتضمن في نفسه من حكمة الله ما يعجز جميع الخلق عن أن يحيطوا بجميعه، فضلا عن إحاطة مخلوق ضعيف عاجز بحكمة الله العظيم في جميع مخلوقاته وشرعه!

    ويعلم أيضا أن حكمة الله من خلق أهل النار غير منكورة، بل قد ظهر لنا من حكمة الله في خلق أهل النار أمران:

    الأول: ما هو عائد إلى الله عز وجل، وهو حبه ورضاه لما يترتب على خلق أهل النار من ظهور مقتضيات أسمائه وصفاته وأفعاله، وقد سبق توضيح المقصود بذلك.

    الثاني: ما هو عائد إلى بعض خلقه من الانتفاع بخلق أهل النار، لما يترتب عليه من المجاهدة التي تكون سببا في علو درجات المؤمنين، وظهور الصادقين والصالحين، الذين هم حقيقة الوجود البشري وخلاصته، ويكون وجود أهل النار إلى جوارهم وجودا كميَّا لا نوعيا، أشبه بالكثرة المردودة إلى العدم، أو الأصفار التي لا يسندها عدد.

    فيكون إلى جوار خلق أهل النار من الحِكم العظيمة والخير الكثير والرحمة الواسعة ما يكون فيه ضرر أهل النار وشرهم وما ينالهم من العقوبة سببا لوجود ذلك الخير وشرطا لحصوله على تلك الصورة المحبوبة المرضية لله تعالى، ويكون وجود ذلك الشر إلى ذلك الخير كالعدم السلبي في مقابلة الوجود الإيجابي.


    فإن قال قائل: ما الخلاص للكافر من كل هذا؟
    قلنا له: هذا هو موضوع الفرع الأخير من المسألة الأولى، وهو ما سنذكره فيما بعد بإذن الله تعالى .


    يتبع/ الفرع الثالث من المسألة الأولى... بعون الله تعالى وفضله

    التعديل الأخير تم 12-31-2008 الساعة 08:55 PM

  4. #19

    افتراضي

    سأضيف الليلة الرد على الزميل، والمعذرة على الإنشغال عن ذلك في الأيام الماضية.

  5. #20

    افتراضي

    الفرع الثالث: الرد على الزعم بأن:
    - الكافر مظلوم
    - وأن الخلاص من هذا الظلم لا يكون للكافر إلا بأن يسمح له الله بالرجوع إلى العدم لا غير، لأنه غير حقيق بدخول الجنة مع ثبوت ظلمه وكفره.


    فأما زعمك أن هذا ظلم فغير صحيح لما تقدم من أن مقتضى عدل الله قد تحقق في الكافر فيما تجب المساواة فيه بين الناس من القدرة والإرادة والهداية العامة، والظلم إنما هو في وضع الشيء في غير موضعه، والعدل ضده، والحاصل هنا هو مقتضى كمال عدل الله تعالى في خلقه، فانتفى الظلم، وقد سبق بيان هذا مفصلا عند الفرع الثاني.

    وأما زعمك أن الكافر لا خلاص له من أمانة التكليف إلا بأن يعيده الله إلى العدم فهو مناقض لما تقرر من أن الكافر كان له مخلص من النار لو أنه آمن وأطاع الله، مع قدرته على ذلك، وتخيير الله له بين الإيمان والكفر، فالمخلص ثابت متحقق، ولكن سوء اختيار الكافر هو الذي أوبقه، وهو الظالم لنفسه بعد أن عرَّفه الله طريق الإيمان ودله عليه، وحذَّره طريق الكفر ونهاه عنه، فكيف ينسب الظلم إلى غير فاعله؟ وكيف يسلم فاعل الظلم من عاقبة ظلمه؟

    ولعل الزميل يعترض هنا بأن حكمة الله ينبغي أن تمنع خلق الكافر أصلا ما دام أنه علم أنه سيختار الخيار الأسوء، وهذا الاعتراض قد سبق مرارا الرد عليه بما حاصله أن حكمة الله تقتضي خلق الكافر وكفره، وخلق الفاسد وفساده، وخلق المضر وضرره لما يترتب على ذلك من مظاهر الحكمة الكثيرة، وقد عددنا بعضا منها في كلامنا على هذه المسألة وفروعها السابقة، فليراجع ذلك، فإن الزميل كثيرا ما تشكل عليه هذه المسألة فيحصل له التباس فيها رغم وضوحها وتكرار شرحها.

    والذي يهمنا في هذا الفرع هو التأكيد على حقيقة لا يجوز تغافلها، وهي أن الكافر قد مكنه الله من كل ما مكَّن منه المؤمن من حيث وجود القدرة والإرادة والهداية العامة وتوافر دواعي الخير والشر في نفس الإنسان وما حوله، وأن ذلك كله من قدرة الله ومشيئته في خلقه، وكله تابع لحكمته تعالى وموافق لعلمه، فإذا كان الأمر كذلك فلا يصح نسبة الظلم إلى الله تعالى وتقدس عن ذلك لمجرد أن الكافر أعرض عن أمر ربه واتبع هواه في عصيانه وكفره.
    وأن خلق الله للكافر من مقتضى حكمته وعدله، فينتفى زعم الزميل أنه سفه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

    والزميل هنا دخلت عليه شبهة المعتزلة الذين جهلوا عدل الله في خلقه فأوجبوا على الله فعل الأصلح للمكلف، واللطف بالعبد، وأنكروا خلق الله لأفعال العباد، وجعلوا ذلك كله من أصولهم الخمسة وسموه أصل العدل! وهو الجهل لا العدل! فإن الله لا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه على نفسه، ولا بد في هذه المسألة من التفريق بين إرادة الإصلاح شرعا وكونا، وفهم هذه المسألة مترتب على إدراك نوعي الإرادة، وقد سبق بيانهما بقولنا:


    (فإن إرادة الله عز وجل نوعان:
    النوع الأول: الإرادة الشرعية الدينية: وهي خاصة بما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الصالحة، فلا يكون الكفر والعصيان مرادا لله شرعا ودينا، ولكن هذه الإرادة لا تتحقق إلا في الطائع، وأما العاصي فإنه مخالف لإرادة الله تعالى الشرعية ولدينه بما شاءه الله تعالى كونا من إقداره على الاختيار الحر.

    النوع الثاني:
    الإرادة الكونية القدرية: التي بمعنى (كن) فيكون، وهي شاملة لكل ما هو مخلوق سواء كان خيرا أو شرا، ولا يخرج شيء في الوجود عن هذه الإرادة الكونية، ولا يطيعه طائع ولا يعصيه عاص إلا بإذنه وإرادته الكونية القدرية، وهذه المرادات للإرادة الكونية تنقسم إلى محبوب لله مراد له شرعا ودينا، ومكروه لله مبغوض غير مراد له شرعا ولا دينا.)

    فالله أراد شرعا من الكافر وله الصلاح والأصلح ومكنه من ذلك ومن أسبابه، وأحب ذلك وهو يرضاه ويأمر به، ومن أجله أرسل الرسل وأنزل الكتب وأنعم على الإنسان بنعمة العقل وغرس فيه الفطرة.
    ولكنه أراد كونا أن يقع ما هو كائن من خير وشر لما في ذلك من الحكمة العظيمة التي سبق تعديد وجوه منها وبيان عظمة كمال الله تعالى فيما علمنا منها وما لم نعلمه.

    ولو أراد الله كونا ما هو الأصلح بالكافر دائما لما خلقه أو لصيره مؤمنا، بل لا يكفي ذلك حتى يجعله أفضل الخلق!! ولو كان ذلك لبطلت الحكمة المترتبة على خلق العالم على هذه الهيئة المعينة.وكفر الكافر يترتب عليه من الصلاح والحكمة ما لا يتحقق إلا من هذا الطريق، وأن هذا الصلاح أعظم من صلاح الكافر نفسه، كما أن المطر ينفع الخلق ويضر بعضا منهم، ونفعه أعظم من ضرره، والمصالح العامة المترتبة عليه أعظم من المفسدة الخاصة ببعض الأفراد، فكذلك خلق الكافر فيه مفسدة للكافر تخصه ولبعض الخلق، ومصلحة أعظم من وجوه واعتبارات أخرى، وقد سبق بيان بعضها في كلامنا على المسألة الأولى والفرع الأول منها، فليراجع ذلك.


    ولعل الزميل أن يراجع معتقد أهل السنة والجماعة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين وما يترتب عليهما، والرد على إفراط المعتزلة وتفريط الأشاعرة في ذلك، حتى يكون لديه تصور صحيح لهذا الموضوع المهم.



    يتبع/ المسألة الثانية: هل كمال صفات الله تعالى يستلزم تناقضها؟ .... بعون الله تعالى.

  6. #21

    افتراضي

    المسألة الثانية: هل كمال صفات الله تعالى يستلزم تناقضها؟

    اعترض الزميل على إبطالنا كلامه في هذه المسألة حين قلنا ما حاصله:
    (أن من شروط التناقض عدم اختلاف النسب والإضافات والقيود، وأن صفة الرحمة متعلقها غير متعلق صفات القهر، فمتعلق صفة الرحمة من حيث الأشخاص هم من استحقوا الرحمة من الخلق، ومتعلق صفات القهر والغضب هم من استحقوا العذاب من أهل المعصية والكفر)

    فزعم الزميل أن المتعلق واحد! وأن هذا المتعلق هو ذات الله تعالى!!

    وهذا قول يدل على أن الزميل لا يميز بين ما تقوم به الصفة وبين آثار الصفة ومتعلقاتها، ومن هنا دخل عليه اللبس حتى جعل الصفات تتعاند وتتناقض، وجعل كمال الصفة يقتضي نقص غيرها من الصفات! وبنى ذلك كله على الفهم المغلوط لآثار الصفات ومتعلقاتها.



    وإن العاقل يكفيه في معرفة الحق في هذه المسألة أن يدرك الفرق بين قيام الصفة بالذات، وتعلق الصفة بغير الذات:
    - فأما ما تقوم به الصفة: فهو الذات الموصوفة بتلك الصفة، إذ الصفات لا تقوم إلا في الذات، لا تقوم بمفردها، وهي أوصاف للذات التي قامت بها لا لغيرها من الذوات.
    - وأما تعلق الصفة بما هو خارج الذات فهو آثارها المترتبة عليها.

    فيعلم بهذا الفرق بين الأمرين، وأن من خلط بينهما فقد أتي من سوء فهم أو سوء قصد.

    فإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فإن:
    - متعلق صفة الرحمة في الآخرة هم فئة معينة من الناس.
    - ومتعلق صفة القهر والغضب هم فئة مغايرة لها.
    ومع ثبوت هذا التغاير تبطل دعوى التناقض كلها التي اعتمد عليها الزميل اعتمادا تاما، واغتر بها من غير المسلمين من لا يعرف مدخل المغالطة فيها ولا في غيرها، ولكل ساقطة من الأفهام لاقطة من الأغتام.

    وقد ظن الزميل أن مجرد اتفاق الصفات كلها في أنها وصف لذات الله تعالى يعني أنها متناقضة لاتحادها في المحل والنسب والإضافات!! وفي هذا القول مغالطة نكشفها هنا:

    كشف مغالطة في مفهوم التناقض وموضعه:


    فإن محل الصفات الذي يدعى الزميل كفايته في إثبات التناقض واتحاد النسب جميعها وكلها:
    - إما أن يقصد به المحل الذي تتعلق به آثار الصفات وتظهر فيه، وهذا ليس بواحد أصلا بل هو بأعداد الخلق واختلاف أجناسهم وأديانهم، فتبطل دعوى الاتحاد من أساسها مع ثبوت كل هذه الفروق، ويترتب على ذلك انتفاء التناقض المزعوم بالكلية.
    - وإما أن يقصد به المحل الذي تقوم به الصفات وهو الذات فهذا محل واحد، ولكنه ليس سوى اتفاق في نسبة واحدة لا في جميع النسب التي لا بد من اتحادها لإثبات التناقض المزعوم.

    وبيان ذلك من وجوه:

    الوجه الأول:
    أن اتفاق الصفات في المحل الذي تقوم به وهو الذات ليس اتفاقا من كل وجه حتى يكون مستلزما للتناقض كما يتوهم، فإن الأسماء والصفات لها دلالتان اثنتان:

    الدلالة الأولى: دلالتها على ذات الله تعالى، فجميع الصفات تدل على ذات الله تعالى بدلالة التضمن.
    والدلالة الثانية: دلالة كل صفة منها على معنى يخصها من معاني الكمال بدلالة التضمن، فصفة الرضى تدل على معنى الرضى، وصفة الغضب تدل على معنى الغضب اللائق بجلال الله وعظمته.

    والاسم أو الصفة يدلان على (ذات الله) (المتصفة بتلك الصفة) بدلالة المطابقة، كما يدلان على صفات أخرى لله بدلالة اللزوم.
    ومثال هذا:
    أن اسم الله الرحمن يدل على أمرين اثنين بدلالة التضمن:
    فيدل على ذات الله بدلالة التضمن.
    ويدل على صفة الرحمة بدلالة التضمن أيضا.
    ويدل على (ذات الله المتصفة بالرحمة) بدلالة المطابقة.
    كما يدل بدلالة اللزوم على صفات أخرى لله تعالى، مثل: صفة الحياة والعلم والكرم والجود واللطف، لأن صفة الرحمة تستلزم ثبوت تلك الصفات أيضا وغيرها من الصفات.

    فيعلم بهذا:
    أن دلالة الصفات على الذات لا يلغي دلالتها على معانيها المختصة بها.
    خلافا لمن أنكر دلالتها على معاني الكمال من الجهمية والمعتزلة وموافقة الأشاعرة والماتريدية لهم فيما عطلوه من صفات الكمال.

    فإذا ثبت أن اتفاق الصفات في المحل الذي تقوم به ليس اتفاقا من كل وجه، بطلت حينئذ دعوى التناقض بين الصفات لكونها متحدة في المحل كما زعم الزميل، وإنما اختلفت النسب هنا فانتفى التناقض.


    الوجه الثاني:
    أن الاتفاق في الذات لا يلغي التغاير في محل تعلق الصفات:
    فإن محل تعلق الصفات هو الذي يثبت به الفرق في التعلق، وهو الفرق الذي أغفله الزميل مع أنه المانع من دعوى التناقض تلك.

    ومحل تعلق الصفات هذا مختلف: لاختلاف فئة المرحومين عن فئة المعذبين.

    فليس هناك فئة واحدة تعلقت صفة الرحمة بهم وتعلقت صفة العذاب بهم من جهة واحدة باتفاق جميع النسب والإضافات والقيود حتى يقتضى ذلك ما زعمه الزميل من أن يتناقض كمال صفة الرحمة بهم مع كمال صفة الغضب عليهم!! وإذا اختلف المحل بطل التناقض.

    وإذا كان الكافر قد تتعلق به صفة الرحمة في الدنيا في ما أنعم الله به عليه ثم تتعلق به صفة الغضب في وقت آخر من جهة أخرى ولا يكون في جميع ذلك تناقض، فكيف يزعم التناقض لمجرد رحمة الله بالمؤمن وتعذيبه للكافر؟!

    فكيف إذا كانت هناك متعلقات أخرى للرحمة غير ما ذكرناه تنفي شبهة التناقض زيادة على ما سبق.

    فإن الرحمة من حيث نوعها تتباين، فرحمة الله بالإنسان المؤمن غير رحمته بالإنسان الكافر.
    فإن الكافر في النار من جهة تخفيف عذابه عن من هو أشد منه مرحوم رحمة ما، [وإن كان الأولى التعبير بالتخفيف لا بالرحمة هنا مراعاة لزواجر الوعيد وشدة العذاب].

    فيكون الكافر بهذا مرحوما من وجه، ومعذبا من وجه آخر، وعند اختلاف الاعتبارات والتعلقات ينتفي التناقض.


    ولعل الزميل يصحح فهمه لموضوع التناقض بأن يقرأ ما ذكره أهل العلم من شروط تحقق التناقض، وما ذكروه من النسب الثمانية التي إذا لم يحصل الاتحاد في جميعها لم يتحقق التناقض، وكانت دعوى التناقض حينها مغالطة مرفوضة.


    يتبع/ فرع: الفرق بين مطلق الرحمة، والرحمة المطلقة، وإبطال فكرة اللانهائية في الكمال... بعون الله تعالى.

  7. #22

    افتراضي

    فرع: الفرق بين مطلق الرحمة، والرحمة المطلقة، وإبطال فكرة اللانهائية في الكمال:

    إن الزميل في كلامه على هذه المسألة قد أبعد النجعة حين ظن أن (مطلق الرحمة) يساوي في كلامنا (الكمال المطلق في الرحمة)، بينما هو على الضد من ذلك، فإن (مطلق الرحمة) غير (الرحمة المطلقة)، والفرق بينهما:

    - أن (مطلق الرحمة) هو كل ما يصدق عليه وصف الرحمة بغض النظر عن قوة الوصف وكماله أو ضعفه ونقصه، فيدخل في ذلك رحمة البهيمة بولدها، ورحمة الأم برضيعها، ورحمة الطير بفروخه، وما هو أدنى من ذلك وما هو أعظم.

    -وأما (الرحمة المطلقة) فهي الرحمة الكاملة في أكمل تحققاتها ووجودها، وهذا ما كان ينبغي أن يعبر به الزميل إن ابتغى التعبير العلمي السليم.

    وهكذا يقال عموما في الفرق بين (مطلق الشيء) كاملا أو ناقصا و (الشيء المطلق) الكامل التام.

    وأرجو أن لا يكون الزميل ممن لا يبالي كثيرا بتحقيق هذه المصطلحات والمفاهيم، ولا ممن يجري في كلامه مثل هذه الأخطاء كما شاء حيث وقعت، ولا شك أن الزميل هنا إنما أراد أن يصف الرحمة بالكمال التام، لا بمجرد الاتصاف برحمة ما غير كاملة، إلا أن العبارة لم تساعده على مقصوده.

    فإذا تركنا هذا التنبيه بعد وضوحه وانتقلنا إلى مناقشة الفكرة التي أراد الزميل طرحها، فنقول:

    إن الزميل زعم أن كمال صفة الرحمة يعني أنه لا نهائية لرحمة الله تعالى، فيستلزم ذلك في تصوره أن تنال رحمة الله تعالى أهل النار قبل خلقهم فلا يخلقهم.
    ولكلامه هذا ذيول كثيرة ولوازم عديدة مبنية على فكرة لا نهائية الرحمة وكذلك غيرها من الصفات.

    ولكن كل هذا البنيان يتهدم بمعرفة المغالطة أو الخطأ الذي وقع فيه الزميل شاعرا بذلك أو غير شاعر، وهذه المغالطة تتمثل في فساد التصور لمعنى مفهوم الصفة وكمالها.

    فإن الصفة معنى قائم في الذات، وقد تكون لهذه الصفة مع قيامها بالذات تعلقات بما هو خارج الذات، وكمال الصفة أو نقصها لا يحصل منه تعدد في أفراد داخل الذات الموصوفة، وأما التعدد وعدمه خارج الذات فهو ليس من حقيقة الصفة وإنما من تعلقاتها وآثارها، وهذه التعلقات والآثار غير الصفة نفسها القائمة في الذات.

    فإذا علم هذا، علم أن صفة الرحمة الكاملة قائمة في ذات الله عز وجل، وليست هي أفرادا متعددة تزيد بزيادة متعلقاتها وتنقص بنقصان متعلقاتها، فلا يصح أن يقال أن كمال صفة الرحمة يعني لا نهائيتها أي أنه لا حصر لأفرادها، ثم يكون أفرادها متعلقاتها وآثارها!!

    والخطأ هنا:
    أن الزميل ظن أن كمال الصفة يعني أن لا يكون لها نهاية، وهذا باطل. لأن كمال الله ثابت له منذ الأزل فلا يكتسب كمالا لم يكن له من قبل.

    وإنما يكون تجدد الكمالات لله تعالى بمعنى:
    - تجدد تعلقها بمشيئة الله تعالى.
    - أو بمعنى تجدد آثارها ومتعلقاتها.
    لا بمعنى: اكتساب كمالات قائمة في ذات الله تعالى بعد أن لم يكن موصوفا بها ولا مستحقا لها!!

    وهذا هو المقصود بقولنا أن أفعال الله الاختيارية والصفات المتعلقة بالمشيئة من تجددات الكمالات الإلهية:
    فإن ذلك على معنى تجدد الآثار والمتعلقات، أو على معنى آخر وهو قيام تلك الصفات والأفعال في ذات الله تعالى بالنظر إلى تعلقها بمشيئة الله تعالى.

    ومثال ذلك:
    أن استواء الله على العرش فعل ثابت لله تعالى يدل على صفة العلو، والاستواء فعل متعلق بمشيئة الله تعالى، لكنه لا يثبت لله صفة جديدة هي العلو بعد أن لم يكن موصوفا بالعلو!! وإنما العلو وصف أزلي لله تعالى ثابت له قبل استوائه على العرش وبعده، وإنما الذي تجدد هو فعل الاستواء والعلو الخاص على العرش لا صفة العلو الأزلية.

    وهكذا هو القول في جميع أفعال الله تعالى التي تعود إلى صفاته الكاملة القائمة في ذاته جلَّ وعلا، فمع تعلق هذه الأفعال بمشيئة الله تعالى إلا أن تعلقها بالمشيئة لا ينفي اتصاف الله بما دلت عليه من الكمال قبل فعل الله تعالى لها.


    ولهذا يقول أهل العلم أن كل كمال جاز لله تعالى فهو واجب له:
    أي أنه ليس هناك كمال لا يتصف الله تعالى به، بل الله موصوف بكل كمال يليق بجلاله وعظمته.

    ومن هنا نعلم خطأ فكرة الزميل التي يتصور فيها أن معنى كمال الصفة أنها لا نهائية، بمعنى أنها لا زالت سائرة في الطريق إلى الكمال إلى غير حد، وأنها لم تصل ولن تصل إلى نهاية كمالها! فأي كمال يثبت بعد كل هذا؟!
    وهل هذا إلا تعبير عن النقص اللانهائي في صورة موهومة تسمى الكمال اللانهائي؟!

    ولكن الحق أن أسماء الله وصفاته بالغة في الحسن والكمال نهايتها، وليس هناك كمال وراءها لم تبلغه كما يظنه الزميل أو يوهمه كلامه.

    وبهذا تتبين المغالطة الأولى في كلامه وهي ظنه أن الصفة كالرحمة لا نهائية، وظنه أن معنى اللانهائية هو الكمال المطلق بينما هو النقص المطلق!

    ولعل الزميل بعد أن يقرأ هذا الكلام يسارع إلى القول بأنه لم يقصد أبدا شيئا من ذلك، وإنما قصد لانهائية المتعلقات والآثار، فنقول إنك بهذا لم تخرج من المغالطة الأخرى وهي جعلك كمال الصفة مكتسبا من لانهائية متعلقاتها وآثارها!!

    وبيان ذلك:

    أن صفات الكمال ثابتة لله تعالى مع وجود المخلوقات وعدمها:

    فلو قدر عدم جميع المخلوقات لم يكن ذلك مزيلا لكمال صفة من صفات الله تعالى.

    ولو كان ذلك مزيلا لكمال صفة من هذه الصفات لكان هذا خلفا من القول:
    لأن كلامنا عن الخالق الكامل الذي يتنزه عن كل نقص، ولو قدر نقص صفة من صفاته لجاز نقص كل صفة أخرى لتطرق النقص إليه، وجواز ذلك مزيل لوصف الكمال المطلق الذي اختص به الخالق وهذا مع مناقضته لأصل إثبات كمال الخالق يترتب عليه أيضا عدم المخلوقات لعدم الخالق الكامل، وهذا كله باطل محال.

    فإذا علم كمال الله في ذاته وصفاته وغناه عن خلقه من كل وجه، علم أن وجود متعلقات الصفة وآثارها أو لا نهائيتها، أو عدمها أو نهائيتها، ليس ذي أثر في وجود الصفة ولا كمالها، وإنما هو من آثار الكمال لا أنه محدث الكمال ومُكسبه للذات.

    فإذا كان:
    - عدم المتعلقات والآثار ليس ناقضا لثبوت كمال الصفة
    .
    - وكانت الصفة كاملة مع تقدير عدم جميع المتعلقات والآثار.
    - فيكون: ثبوت كمال الصفة أولى تحققا مع ثبوت اختصاص متعلقاتها وآثارها ببعض الخلق دون بعض.

    فتكون صفة الرحمة كاملة مع عدم جميع متعلقاتها وآثارها، وثبوتها أولى بالتحقق مع تعلقها بمن يستحق الرحمة وهم أهل الجنة.

    وكما أن كمال رحمة الله تعالى لا ينتقض بعدم تعلقها بشيء مطلقا، فمن باب أولى أن لا ينتقض كمالها بعدم تعلقها بمن لا يستحقها وهم أهل النار، مع أن رحمة الله تعالى متعلقة بكل مخلوق من وجوه كثيرة أخرى.

    فعلم بهذا أن عدم رحمة أهل النار لا ينفي كمال صفة الرحمة، وكذلك يقال في كل صفة من الصفات التي قد يتوهم فيها هذا الوهم الخاطئ الذي اعترض به الزميل على حكمة الله وكماله في خلقه أهل النار.

    ويعلم أيضا خطأ الزميل في جعله كمال الرحمة مستلزما تعلق الرحمة بغير مستحقيها!!

    وما قوله هذا في الضعف إلا كقول القائل: إن كرم الكريم يستلزم منه أن يكرم من قتل ولده وهتك عرضه واعتدى على شرفه وإلا لم يكن كريما، وأي كرم يبقى بعد هتك الأعراض وضياع الشرف؟!

    أو هو كقول القائل إن الرجل الرحيم لا يكون رحيما حتى يرحم كل سفاك لدماء الأبرياء، وكل مغتصب لأعراض النساء، وحتى يرحم من يبقر بطن الحامل ويستخرج جنينها، فإن لم يرحمه لم يكن رحيما! فأي رحمة هذه حتى تسمى رحمة؟! وهل يبقى بعد ثبوت هذه الرحمة من رحمة؟!

    فإذا كان معقولا لنا أن الرحمة لها أهل ومستحقين، وأن وضعها في غير موضعها ليس من الرحمة في شيء، علم أن الله أولى بأن ينزه عن وضع رحمته في غير موضعها، وأن من رحمهم الله فذلك لصلاحية محلهم لتنزل رحمة الله عليهم، ومن لا يرحمهم فلعدم صلاحيتهم لرحمة الله تعالى ولا استحقاقهم لها.


    يتبع/ الرد على مغالطة الزميل في الأقيسة واقتضاء الكمال آثاره ... بعون الله تعالى.
    التعديل الأخير تم 01-08-2009 الساعة 01:15 AM

  8. #23

    افتراضي

    الرد على مغالطة الزميل في الأقيسة واقتضاء الكمال آثاره

    ذكرنا أن خلق الله للكافر وتعذيبه له في النار هو من مقتضى كمال الله تعالى، وأن كمال الله يقتضي ظهور آثاره في خلقه، وذكرنا تقريبا للفهم مثلا يوضح ذلك، حاصله:
    ( أن الشمس في إفاضتها الضياء على ما حولها لا تكون بذلك محتاجة إلى تلك العواكس لنورها، وإنما انعكاس نورها على من حولها من مقتضيات كمال إضاءتها، فمن باب أولى أن لا يكون ظهور آثار كمال الله تعالى في خلقه من حاجة إليهم، وإنما هو من مقتضيات كمال الله تعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله.)

    وهذا المثل استدلال بقياس الأولى، وهو قياس جائز استخدمه القرآن الكريم في إثبات استحقاق الله لكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وفي نفي كل نقص وعيب عن الله جلَّ وعلا.

    لكنَّ الزميل قد فاتته الحجة حين اعترض على المثال بما اعترض به من فروق غير مؤثرة في وجه القياس، ولكأنه في اعتراضاته هذه يرى أن كل فرق بين مقيس ومقيس عليه يكون مؤثرا! وأن مجرد التشغيب على القياس والمثل يبطله، فأين فيما ذكره من فروق ما يمنع صحة القياس الأولوي الذي لا يجوز غيره في حق الخالق جلَّ وعلا؟!

    ولو أنه أتى بفرق مؤثر يقدح في القياس الذي مثلنا به لكان كلامه مقبولا، وكان له حظ من النظر، أما ما فعله فهو ليس إلا كمنكر تشبيه الشجاع بالأسد لأنه يرى فوارق بينهما عديدة، فيجعل مجرد الفرق مانعا من هذا التمثيل، فيقول: إن الأسد أبخر الفم، والشجاع ليس كذلك، والأسد يمشي على أربع والشجاع ليس كذلك، والأسد له زئير سبع، والشجاع ليس كذلك!! ويمضي في رسم صورة الأسد البهيمية، ويقابلها بصورة الشجاع البشرية عضوا بعضو، وسمة بسمة!! ليقول إن من الباطل أن يقال عن الشجاع أنه كالأسد!
    فهل نفت كل هذه الفروق التي أجهد نفسه في تعديدها شيئا من وجه الشبه بينهما وهو ثبوت الشجاعة لهما، أو صحة التمثيل في أمرهما؟!

    ونحن حين ذكرنا مثل الشمس أخذنا الوجه الذي تصح به حجة القياس الأولوي مع عدم الفارق المؤثر لا مطلق الفارق.
    ووجه القياس هنا هو: عدم استلزام (الحاجة للغير) في (ظهور مقتضى الكمال) في إحدى صوره.
    وهو في الشمس: كمال الإضاءة.
    وفي الخالق جلَّ وعلا: كماله في أسمائه وصفاته وأفعاله.
    وليس من المقصود في شيء أن كمال الشمس ككمال خالقها، تعالى الله عن ذلك، بل الله أكمل وأعظم.
    ولا المقصود أن هذا القياس الأولوي يعني أن الشمس صار لها كل ما لله حتى يعترض الزميل بأن الشمس لا تريد ولا تخلق فلا يصح بذلك المثال عنده؟!!

    ومثل ذلك كل اعتراض على قياس صحيح بذكر فرق غير مؤثر بين المقيس والمقيس عليه في وجه القياس، ومن ذلك:
    اعتراض الجاهلين على مثال يذكر في مسألة (علم الله بأفعال العباد هو صفة كاشفة لا صفة سائقة) وهو مثال:
    علم الأب أو المعلم أو الطبيب بما سيؤول إليه حال المرء من خير أو شر، وأن مجرد علمهم لا يُكره المرءَ على اختيار أو فعل الخير أو الشر الحاصل له.

    فيعترض الجاهلون بأن علم الله لا يتخلف، وعلم المخلوق يتخلف، وأن علم الله ليس ظنيا، وعلم المخلوق ظني! وأن الله حكيم، والمخلوق غير حكيم، ويمضون في تعديد صفات الله وصفات المخلوقين مستكثرين بفروق خارجة عن موضوع القياس، وليس أحد منها يعد فرقا مؤثرا يقدح في وجه القياس، فإن القياس هنا في وجه محدد وهو (أن العلم السابق لا ينفي اختيار العبد) :
    - فتحقق علم الله في العبد لا ينفي حرية العبد
    - وتحقق مطلق (علم) الأب أو المعلم أو الطبيب في المرء لا ينفي حريته.
    ولا يؤثر في صحة القياس من هذا الوجه الفرق في درجة العلم كمالا ونقصا، ولا ذات العالم ولا صفة ذاته، لأن وجه القياس هو مطلق العلم، ومطلق العلم لا يؤثر في ثبوته درجة العلم ولا ذات العالم ولا صفته، لآنها فروق لا تنفي مطلق العلم الذي هو وجه القياس.

    ولو قال قائل: إن علم الله لا يكره العبد على الاختيار بدليل أن الحجارة لا تكره الإنسان على الاختيار.
    لكان الفرق المؤثر المبطل في صحة هذا القياس هو: أن مطلق العلم منتفي عن الحجارة، فلا توصف بالعلم أصلا حتى يصح ذكرها في القياس.

    وهكذا يعترض بالفروق المؤثرة على وجه القياس لا مطلق الفرق كما يظنه الزميل هداه الله تعالى.

    فإن مجرد ذكر الفروق غير كاف، بل لا بد أن يكون الفرق متعلقا بجهة القياس، ثم أن يبين أنه فرق مؤثر بيانا عليه برهان ودليل لا مجرد دعوى، وجميع ذلك مما أخلَّ به الزميل ولم يوفه حقه ولا بعضا منه.

    وهكذا يقال في كل قياس صحيح يعترض عليه بفروق غير مؤثرة في جهة القياس، وما أكثر المغالطات التي يقع فيها من يجهل هذه المسألة، ولا يعرف فيها قبيلا من دبير.


    ولعل الزميل لم يطلع من قبل على كلام أهل العلم في أمر القياس ومسالكه وعلله وقوادحه، فحصل منه هذا الخطأ عن غير دراية ومعرفة منه بوجوه الاعتراض على الأقيسة، وما يصح من الأقيسة في أمر المعتقد وما لا يصح، ولعله يتدارك هذا النقص بتعلم ذلك في مستقبل أمره، فإنه ليس من الحسن أن يتصدى المرء للجدل والمناظرة وهو لم يتقن هذه الأبجديات في المنطق والجدل، وأرجو أن لا تحفظه هذه الملحوظة فإنه لولا أثرها في النقاش لما ذكرتها.


    يتبع/ المسألة الثالثة: هل حرية العبد في اختيار العصيان تعني تنزيه الله عن الظلم والعبث تعالى الله وتقدس عن ذلك؟ ... بعون الله تعالى.

  9. #24

    افتراضي

    المسألة الثالثة: هل حرية العبد في اختيار العصيان تعني تنزيه الله عن الظلم والعبث تعالى الله وتقدس عن ذلك؟

    ذكر الزميل أن حرية العبد في العصيان لا تبرر خلق الله له، مدعيا أن ذلك يتناقض مع حكمة الله تعالى ورحمته، ولا شك أن دعوى التناقض هذه قد صار واضحا الرد عليها مما سبق بيانه، فإن هناك حكم كثيرة من خلق أهل النار، كما أن الرحمة متحققة لمن هم أهل للرحمة، ولا يكون تحقق العدل لأهله مناقضا للرحمة ولا الحكمة، والخلق دائرون بين عدل الله وفضله.

    وإذا علم ما سبق، اتضح أن حرية الإنسان مما يؤكد عدل الله تعالى في خلقه، فإنه لا يعذب إلا من استحق العذاب دون غيره، وأن ذلك من حكمة الله تعالى وهو دائر بين فضله وعدله.

    ولكن الزميل هنا أيد كلامه بعدة أمثلة ذكرها وطالب بالرد عليها مع أنه قد اعتبر فيما يفهم من كلامه أن كل فرق بين مثالين فإنه يكون صالحا لنقض التمثيل من أساسه، وقد بينا أن هذه مغالطة غير صحيحة، وأن الصواب هو تقييد الفرق بالفرق المؤثر.

    فمثل الزميل بشركات التأمين، وقفز الابن أمام أبيه من النافذة أو أمام السيارة، وبإلقاء المرء من بناء عالٍ، وكلها أمثلة على أن الرحمة والعلم والكمال يقتضي عند الزميل أن لا يخلق الكافر وأن لا يقع الكافر في الكفر ولا يعطى الحرية في ذلك.

    وجميع تلك الأمثلة يرد عليها ردا إجماليا بأن ثبوت حرية الإنسان واختياره مع ثبوت حكمة الله تعالى في خلق الكفار وكفرهم يبطل الاعتراض بهذه الأمثلة جميعها:

    فثبوت حرية الإنسان يثبت عدالة الحكم عليه.
    وثبوت حكمة الله تعالى تفسر وجود الكفار وكفرهم وعذابهم.
    وجميع ما ذكره من أمثلة يفتقد جانبي الابتلاء والحكمة، وأحد الأمثلة خارج عن موضوعنا كاملا لافتقاده أصل حرية الاختيار وهو مثال إلقاء المرء من بناء عال، فصار في جميع الأمثلة فرقين مؤثرين جدا وهما الابتلاء والحكمة، ويزيد المثال الثالث بفرق ثالث هو عدم الاختيار أصلا، ومع ثبوت هذه الفروق المؤثرة يبطل التمثيل بها على مسألتنا في خلق الكافر مختارا مريدا ومجازاته بما يستحقه.

    وتفصيل الرد بعد الإجمال السابق فيما يأتي:

    فأما مثال شركة التأمين فيذهب فيه الزميل إلى أمرين :

    الأول: أن إخلاء المسؤولية مبدأ بشري دنيوي يلتزمه الإنسان كما في شركات التأمين خوفا من الضرر، وإذا كان هذا سببه وهو منتف عن الله تعالى لا سيما مع إثبات حكمة الله تعالى ورحمته فينبغي لدى الزميل أن لا يعتذر به في خلق الله للكفار مهما جعلهم أحرارا مسؤولين عن تصرفاتهم.

    وهنا مغالطة: وهي اعتباره مبدأ مسؤولية الإنسان عن أخطائه مبدأ دنيويا، بينما هو مبدأ عقلي صحيح دينيا ودنيويا فلا يترتب على إثباته خطأ.

    فإن القاضي العادل (الذي لا يتضرر بظلم الظالم لغيره) له حق تطبيق الحكم العادل على الظالم بغض النظر عن تضرر القاضي أو عدم تضرره من ذلك، وإذا كانت المسؤولية مناطة بالإرادة الحرة للمكلف فلا يعقل حينها أن يقال أن القاضي بما أنه غير متضرر فينبغي أن يتجاوز عن مسؤولية الظالم فلا يعاقبه!! وهل هذا إلا أعظم الظلم الذي ينزه عنه العادل من البشر فضلا عن الخالق المنزه عن الظلم؟!
    ولعل الزميل بعد تصور هذا واستنكاره يستنكر ما أدى إليه من مقاله الأول.

    وما يريد الزميل أن يقوله بعد كل هذا الشرح المطول الذي لا حاجة له في مثال شركة التأمين، خلاصته أن الله غني عن الخلق غنى مطلقا، فيلزم عند الزميل أن لا يعذب الكفار ولا أن يخلقهم، هذا خلاصة كل كلامه ذلك، وجوابه:

    أنه لا شك في أن غنى الله المطلق لا ينفي حكمته في خلق الكفار وجزائهم، فلا يلزم ما ذكره الزميل.

    وإنما الذي يلزم أن يكون كل ما عدا الله فقيرا إلى الله فقرا ذاتيا لازما، ويكون غنى الله عنهم غنى ذاتيا لازما.

    وقد سبق تفصيل القول في شبهة الاحتياج والرد عليها، فيتبين أن:

    غنى الله لا يلزم منه عدم المخلوقات لا جميعها ولا نوع الكفار منها، ومن باب أولى أن لا يلزم من ذلك عدم أفعال المخلوقات.

    بل إذا كان الله كامل الغني فإن وجود مختلف المخلوقات ومنهم الكفار يكون أدل على غنى الله تعالى لأنه لا يتضرر بوجودهم وكفرهم وفسادهم لكمال غناه، مع احتياجهم هم إلى الله عز وجل حاجة ضرورية لا غنى لهم عن الله طرفة عين.


    الثاني: مما يريده الزميل من هذا المثال أن حكمة الله ورحمته ينبغي عند الزميل أن تمنع إعطاء الإنسان هذه المسؤولية إذا كان استخدامه لها سيكون سيئا.

    وواضح أن هذه المسألة ليست كما ذكره الزميل، فقد سبق الكلام على أن حكمة الله ورحمته تقتضي خلق المؤمنين والكفار، والجنة والنار، فليراجع ذلك لأهميته ولتضمنه الرد على الأمر الثاني وما في معناه.



    وأما مثال قفز الابن من النافذة أو أمام السيارة ففيه مغالطة، وهي إلغاء الفروق المؤثرة، وهي كثيرة ومنها :

    الفرق الأول:
    أن الأب هنا مؤتمن على ابنه وهو مسؤول عنه، وحتى لو كان الابن بالغا راشدا أو لم يكن ابنا له أصلا فإن المسؤولية ما زالت واقعة على الأب والناظر في جميع الأحوال، وهذه المسؤولية مسؤولية شرعية من معنى الأمانة التي كلف الله الإنسان بها.
    بينما الله هو الذي كلف الإنسان بهذه الأمانة، وليس الله مشتركا مع الإنسان في تحمل الأمانة أو المسؤولية حتى يمثل بهذا المثال الخاطئ شكلا ومعنى.
    فيتضح بهذا أن الأب مسؤول عن ابنه، مأمور بأن يمنعه عن الانتحار أو الإضرار بنفسه، وهو ملزم بذلك شرعا وعرفا وعقلا، والله منزه عن أن يكون مسؤولا أو مأمورا أو ملزما بإلزام يشرعه غيره أو يراه غيره.


    الفرق الثاني:
    أن الأب هنا ليس مختبرا لابنه حتى يصح منه تركه له لينتحر أو يتعرض للأذى، فقصد الاختبار والابتلاء فرق مؤثر جدا هنا، وقد تجاهله الزميل في هذا المثال فحصل له اللبس فيه.

    ولو نظر في ما يصح أن يختبر الأب فيه ابنه لكان معقولا، كأن يعطي الأب ابنه مالا ثم ينظر ما سيفعل به ودلالة ذلك على بلوغه الرشد أو عدمه، فهنا يعقل أن يضع الأب ابنه موضع الاختبار حتى لو أخطأ، ولا يكون خطأ الابن خطأ للأب الذي سبق أن أرشده إلى الفرق بين الصواب والخطأ.

    فكيف يقال أن الله عز وجل الذي هدى الكافر بالعقل والفطرة والحجة الرسالية ووضعه موضع الاختبار لا يكون معقولا أن يبتلي الكافر ويختبره، ويحاسبه على اختياراته؟!

    فإن قال الزميل ما الحكمة من ذلك؟
    قلنا له هذا ما كنا فيه منذ أول النقاش وبيناه مرارا فراجعه في مواضعه من هذا النقاش.

    فيتضح بهذا الفرق الثاني وهو:
    تحقق الابتلاء والاختبار في خلق الله للكفار، مع عدم تحقق الابتلاء والاختبار في مثال انتحار الأبن أمام أبيه.


    الفرق الثالث:
    أن خلق الله للكفار يتضمن حكمة، قد سبق بيان بعض منها، بينما ترك الأب ابنه ليضر نفسه ليس فيه حكمة، وإن تصورنا وجود حكمة لفعل الأب فهذا سيؤكد أيضا تصور الحكمة من خلق من يستحق الضرر كالكفار، فكما يتصور أن تكون هناك حكمة ما في ترك المخلوق غيره يضر نفسه باختياراته، فمن باب أولى أن تكون حكمة الخالق أثبت وأولى من حكمة المخلوق في ذلك.

    الفرق الرابع: أن الممثل به وهو الابن الصغير الناقص الأهلية والإدراك والمعرفة كما هو واضح من المثال مخالف أتم المخالفة للمقيس عليه وهو الكافر المدرك المختار الذي قد قامت عليه الحجة الرسالية، ففرق الإدراك هنا فرق مؤثر جدا في إبطال المثال، ولو جعل الزميل المثال على كافر ناقص الإدراك العقلي كالمجنون أو أهل الفترة لكان المثال صحيحا لكن بدون الاعتراض على خلق الله لهم، لأنهم ليسوا كفارا بالضرورة وإنما يكفر منهم من سيختار الكفر في الآخرة كما سبق بيانه في حكم أهل الفترة، فليراجع ذلك أيضا.

    وبهذه الفروق وغيرها يبطل المثال، ويكفي في إبطاله واحد منها، وهو المطلوب.

    وأما مثال إلقاء المرء من بناء عال وأنه مهما كان حاله فهو سيهوي إلى الأرض شاء أم أبى، ففيه مغالطة ظاهرة وإلغاء لفرق مؤثر:
    وهو أن هذا المثال إنما هو في حالة الإكراه والقسر والإلجاء المنافي للحرية والاختيار والإرادة، وكلامنا في عكس هذه الحالة وهي الاختيار والإرادة الحرة.

    فكيف يسوى بين الأمرين مع وجود هذا الفرق المؤثر؟

    فإن الإنسان الذي يلقى من بناء عال سيهوي بالطبع شاء أم أبى، ولكنه لو قيل له في وضع آخر أنت حر مخير في أمر الإيمان أو الكفر فسيجد نفسه مالكا لحرية الاختيار بين أن يؤمن أو يكفر، فشتان بين المثالين والحالين.

    ويضاف إلى هذا الفرق في هذا المثال:
    ما ذكر سابقا من فرقي الابتلاء والحكمة الذين لا يتحققان أصلا في هذا المثال، بينما كلامنا في هذه المسألة متحقق فيه الابتلاء والحكمة بغض النظر عن تعيينها.


    يتبع بعون الله تعالى/ المسألة الرابعة: هل جواب هذه المسائل وضوحا أو غموضا مقياس لصحتها؟

  10. #25

    افتراضي

    المسألة الرابعة: هل جواب هذه المسائل وضوحا أو غموضا مقياس لصحتها؟

    ليس الأمر كذلك دائما.
    فإن العلم فيه: مسائل صغار وكبار، وواضحات وغوامض، ويختلف هذا باختلاف علم الإنسان ومعرفته واختلاف موضوع المعرفة نفسه.

    فإذا كانت المسئلة في كبار العلم وغوامضه، وكان علم الإنسان فيها غير محيط بها ولا مقاربا لذلك، فلا عجب أن يكون الكلام فيها في غاية الدقة على بعض الأفهام.

    وليس لذلك علاقة لازمة بصحة المسألة أو بطلانها.

    وإن كان الفاهم لهذه المسألة من الناس بعد إحسان تصورها يجدها في غاية الوضوح له فيما في وسعه معرفته، ولا يضره أن يقصر علم بعض الناس عن ذلك لضعف أفهامهم أو تقصيرهم في البحث.

    ومسألتنا هذه وهي معرفة أسرار حكمة الله تعالى في أفعاله وخلقه من أعظم المسائل وأدقها، وفيها جانبان:
    أحدهما في غاية الوضوح.
    والآخر في غاية الخفاء الذي لا يحيله العقل ولا يمنعه.

    فأما الجانب الأول الذي هو في غاية الوضوح:
    فهو أن كل ما في هذا الكون كائنا ما كان فهو من آثار قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ومشيئته، فلا يكون شيء إلا بقدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ومشيئته، وهذا الأصل العام واضح غاية الوضوح. فكل ما أشكل على الإنسان أو غمض عليه لا يصل أبدا إلى مرتبة أن يكون شبهة في جوار حكمة الله الواسعة التامة.

    وبراهين هذا تشمل كل ما علم الإنسان فيه مظاهر حكمة الله تعالى وقدرته وعلمه في آياته ومخلوقاته، والحكمة الظاهرة في الكون ثابتة بيقين وإجماع الخلق!! ولكن هناك من يؤمن بالحكيم الفاعل لهذه الأفعال الحكيمة وهم الموحدون وأكثر الناس، وهناك من يجعلها مفعولات بلا فاعل أو ينسبها إلى فاعل لا حقيقة له وهو الصدفة أو الطبيعة التي تجهل ذاتها فضلا عن أن يكون لها صفات وأفعال تخصها، وهؤلاء أقل الناس في كل عصر ومصر.

    وأما الجانب الذي هو في غاية الخفاء الذي لا يحيله العقل ولا يمنعه فهو:
    - الإحاطة بجميع حكمة الله تعالى وعلمه في جميع أفعاله ومفعولاته.
    - أو تعيين حكمة الله تعالى في بعض أفعاله ومفعولاته.

    فأما الأول، فغموضه وعجز الإنسان عنه هو من كمال الخالق الجليل.
    فكما أن الجاهل لا يحيط بعلم العالم أو حكمة الحكيم من البشر، فيكون ذلك لنقص الجاهل لا لعيب راجع إلى العالم أو الحكيم، فمن باب أولى أن يكون عدم إحاطة الإنسان بعلم الله وحكمته راجعا لنقص الإنسان لا لنقص أو عيب راجع إلى علم الله وحكمته تنزه الله عن ذلك.

    وحكمة الله من علم الله وإذا كان الإنسان لا يحيط بعلم الله تعالى فكذلك لا يحيط الإنسان بحكمة الله تعالى، فأين المستنكر هنا؟

    وأما الثاني وهو خفاء تعيين حكمة الله تعالى في بعض أفعاله ومفعولاته، فكذلك الأمر فيه، فالغموض راجع لسبب من الإنسان لا لعيب أو نقص في حكمة الله تعالى.

    وكما أن العالم قد يغمض عليه بعض كلام وفعل من هو أعلم منه وأحكم من الراسخين في ذلك العلم، فيكون ذلك لنقصه وعدم اكتمال علمه، ولسبق أولئك عليه في المعرفة ودقة الفهم، فمن باب أولى أن يكون خفاء تعيين بعض حكمة الله تعالى في بعض أفعاله ومفعولاته عائدا إلى قصور علم الإنسان ونقصه عن الكمال لا إلى عيب أو نقص في حكمة الله وعلمه الذي أحاط بكل شيء علما.

    ثم أنَّ حكمة الله في أفعاله ومفعولاته على قسمين:
    الأول: حكمة ظاهرة بينة لا تخفى على عاقل وناظر، ومعرفة الإنسان لها كافية في هدايته وصلاح أمر دينه ودنياه وآخرته لمن استجاب وآمن.

    الثاني: حكمة خفية ، وهذه الحكمة الخفية يتعلق بها فرعان:

    الفرع الأول: أن خفائها قد يكون مطلقا أو مقيدا، فالمطلق ما كان خافيا عن جميع الخلق كل وقت، وهذا ممكن لكمال حكمة الله تعالى، والمقيد ما كان خافيا عن بعض الخلق ظاهرا لبعضهم، أو كان خافيا في وقت دون وقت.
    وهذا يعني أن خفاء الحكمة في بعض أفعال الله أو مفعولاته لا يلزم منه أن يكون خفاء مطلقا في كل وقت ولكل أحد.
    وبهذا يعلم كثرة براهين حكمة الله تعالى الظاهرة في أفعاله ومفعولاته.


    الفرع الثاني: العلة أو الحكمة من خفاء بعض الحكمة، فمن حكمة ذلك:

    - الابتلاء للناس في التسليم بحكمة الحكيم الذي استقرت في العقول والقلوب براهين حكمته الظاهرة، وما يترتب على هذا الابتلاء من الفرقان بين الناس، ورفعة المؤمنين وظهور آثار أسماء الله تعالى وصفاته في خلقه.

    -الرحمة بعقول الناس وإدراكهم، فإن عقل الإنسان وإدراكه لا يحيط بجميع علوم المخلوقات فضلا عن علم الخالق جلَّ وعلا، وإن معرفة الإنسان بما ينفعه خير له من معرفة ما يضره، فضلا عن معرفة كل ما يعلمه الخالق جلَّ وعلا، ولهذا فإن خفاء بعض الأمور على المخلوق رحمة به، وهو خفاء لا يضره، وإنما الذي يضره أن يخفى عليه ما هو بأمس الحاجة إليه لنجاته في الدنيا والآخرة، وهذا ما قد أرسل الله الرسل ليهدوا الناس إليه ويدلوهم عليه، وجعله الحجة المعتبرة التي يكفر من لا يقبلها ويؤمن بها.

    - دلالتها على اتساع حكمة الله تعالى وكمالها، مع عجز الإنسان وضعفه عن الإحاطة بجميع حكمة الله تعالى، فهي بينة باهرة ظاهرة في الحكمة المخفية على ظهور كمال حكمة الله تعالى.

    فسبحان من جعل في خفاء بعض حكمته ظهورا لكمال حكمته وتمامها!


    يتبع بعون الله تعالى/ خلاصة الردود السابقة، ومطالبات موجهة إلى الزميل.
    التعديل الأخير تم 01-21-2009 الساعة 02:21 AM

  11. #26

    افتراضي

    خلاصة الردود السابقة، ومطالبات موجهة إلى الزميل:

    إن محل النزاع مع الزميل اللاأدري يتمثل في خلق الله للكفار هل هو موافق للحكمة والرحمة والعدل مع وضوح ذلك ويسر فهمه للناس؟

    فذهب هو إلى أنه لا حكمة ولا رحمة ولا عدل في خلق الله للكفار، وأن المسئلة غير مفهومة أبدا.

    ورددنا عليه بشرح مستفيض للحكمة من خلق الكفار، وبينا وجوها كثيرة من الحكمة، وهي شاملة لما قبل خلق الكفار وبعده، لأن حكمة الله موافقة لعلم الله الأزلي السابق على كل شيء.

    ورددنا عليه بشرح مستفيض للرحمة وأن كمالها لا يعني استحقاق الكفار لها، وأن عدم استحقاق الكفار لها كان لكفرهم الذي باختيارهم، وأن عدم تعلق الرحمة بهم مطلقا ليس فيه نقص من كمال الله، لأن الرحمة لها أهل، كما أن الغضب والعقوبة لها أهل، وأن الكفار قد رحموا بأن خلقهم الله وأعطاهم القدرة والإرادة الحرة، ولكنهم كفروا برحمة الله، فلم يستحقوا من رحمة الآخرة شيئا، فهم الذين منعوا عن أنفسهم رحمة الآخرة بكفرهم الذي باختيارهم، فمن كفر بنعم الله الدنيوية لم يستحق نعم الله الأخروية.

    ورددنا عليه بشرح مستفيض للعدل، وبينا أن الله عدل بين المكلفين فساوى بينهم فيما يلزم فيه التسوية وهو نعمة العقل والفطرة والهداية العامة والقدرة والإرادة الحرة، وبعد هذه التسوية انقسم الناس إلى قسمين مؤمن وكافر، وأما قبل ذلك فليس هناك إيمان ولا كفر يعذب به الإنسان، وعلى أساس اختيارات الإنسان تفضل الله على المؤمن بالجنة، وعاقب الكافر بالنار.

    ورددنا عليه بشرح مستفيض لمسألة الفهم، وبينا له تميز العقيدة الإسلامية عن بقية الأديان الباطلة بإعمال العقل في تدبر حكمة الله تعالى في مخلوقاته، وقصرنا جانب الغموض على ما لا يستطيع العقل إدراكه من الغيبيات كمعرفة جميع حكمة الله تعالى في كل شيء أو في بعض الأفراد المعينة، وما عدا ذلك فالحكمة فيه ظاهرة وبينة، وكذلك الأمر في الرحمة والعدل وغيرها من الصفات والأفعال الإلهية، فمن زعم أن مسألتنا مما لا يمكن فهمه فهو مخطئ لم يفهم شيئا مما قيل.

    وقد بينا مغالطات الزميل في الحوار لا سيما في طريقته في مناقشة الأمثلة، وكيف أنه لا يميز بين الفروق المؤثرة في القياس من غيرها، ويظن أن كل فرق يكفي في نقض القياس، كما فعل في مثال اعتراض الابن على ولادة أبيه له، مع أن وجه القياس هو بطلان الاعتراض على نعمة الوجود وهو محل الكلام، فالوجود نعمة فلا يصح الاعتراض عليها كما فعل الزميل، فذهب الزميل يعدد الفروق بين الأب والله!! وكلها فروق خارجة عن نعمة الوجود.

    وقد أجبنا عن كل أسئلة الزميل واعتراضاته، وتركنا التعليق على بعض ما لا فائدة منه، كتبريره الخطأ في التعبير بالاستشارة مكان التخيير بأنه مجاز، مع أن المجاز شيء آخر له شروطه التي لم يوف بها في تعبيراته، وزعمه أن اختيار العبد للعدم على عبادة الله ليس قبحا ولا عصيانا لأنه لم يكلف بعد، مع أن القبح ثابت قبل التكليف كما هو مبين في مسألة التحسين والتقبيح العقليين، والعصيان يكون برفض عبادة الله أصلا لا برفض امتثال صورة من صور العبادة فقط، وللزميل تعبيرات مكررة عن فكرته ترجع في نهايتها إلى ما قد لخصناه في ردودنا ونقضناه بالحجة والبينة كما هو موضح في مواضعه، وربما إذا اقتضى الأمر عدنا إلى نقض تلك التعبيرات من باب التأكيد على الرد لا غير.



    وأما المطالبات المنهجية الموجهة إلى الزميل فهي:

    أولا: أن يقصر اعتراضه على نقاط الاختلاف، فلا يعترض على ذكر نقاط الاتفاق وإنما يفترض أن تكون محل تأييد ووفاق، وقد صرحت بأنني أذكر بعض ما أعلم موافقة الزميل عليه لأهمية ما ذكرته في وضوح الصورة وتكامل الفكرة، فلا معنى للاعتراض عليها أصلا كما فعل سابقا.

    ثانيا: إن النقاش هنا هو حول المعتقد الإسلامي وما يورده الزميل من الإشكالات، وكما أن الزميل يكلمنا على هذا الأساس فيما يتعلق بوجود الله تعالى وكماله، فلا يصح أن يعترض في ثنايا الحوار بأنه لا يؤمن بوجود الله تعالى أو كماله أو حكمته، لأن ذلك يخالف مسار الحوار بيننا وهو مناقشة المعتقد الإسلامي على ما هو عليه، وإيراد الزميل إشكالاته الشخصية على اعتقادنا لا على اعتقاده هو، وقد دعوته سابقا إن كان يريد المناقشة من خلال لاأدريته إلى حوار آخر، وفي شريط آخر، يكون موضوعه موقفه اللاأدري من وجود الله وصحة الدين، فليتنبه الزميل لذلك لأهميته وليحدد موقفه منه.

    ثالثا: جرى في عبارات الزميل ما لا نقبله من الألفاظ في حق الله تعالى، وهو الذي قد وعد بأن لا يفعل ذلك، ثم خالفه مرات حينما تهكم بحكمة الله تعالى في عدة مواضع من كلامه، منها قوله:
    (
    أنت يمكنك أن تعلق كل شيء على شماعة الحكمة هذه بحيث لا يمكن لأحد أن يناقشك)
    وكان يمكنه أن يقول (صفة الحكمة) بدل هذا التهكم بصفة من صفات الله تعالى.

    وقوله: ( هل حكمته تعطي له الضوء الأخضر لكي يخلق من يشاء)
    فهذا تعبير ليس فيه أدب مع الله عز وجل، وكان يمكنه أن يقول: ( هل حكمته تفسر خلقه لكل ما يشاء)
    ولهذا أطالب بتعديل تلك العبارات، ومراعاة احترام المعتقد الإسلامي وعدم التهكم بقصد أو دون قصد من الدين الإسلامي.

    رابعا: أن يدقق الزميل في تعبيراته من حيث المصطلحات ومراعاة اللغة العربية ومراعاة القواعد العلمية والمنطقية في النقاش، حتى يرتقي الحوار ويكون بعيدا عن النقاشات التي تتدني إلى العامية الفكرية واللغوية فلا تكون لها قيمة في النهاية إلا أنها مشاجرات في قارعة الطريق.

    خامسا: أن يكون رد الزميل علي بطريقة مناقشة الأفكار لا التعليق على العبارات، فليفهم كلامي أولا، ثم ليرد عليه، أما تفكيك كل مشاركة وفقرة إلى عدة اقتباسات ومناقشة كل اقتباس بمفرده كما فعل في رد سابق له، فهذا سيحول الحوار إلى مناقشة تعبيرات أكثر منه مناقشة أفكار، وهذا سيطيل الصفحات على حساب الأفكار، وهو أمر أيسر علينا في الرد، ولكنه أقل فائدة للقارئ ولفائدة الموضوع مستقبليا، وفي حال إصرار الزميل على مخالفة هذا فسوف أطالب بنقل ردودي الأخيرة إلى شريط آخر لحفظ فائدتها، وسأعقب على مشاركات الزميل السابقة بالطريقة نفسها، مع اشتراط تحديد عدد الردود وزمن الحوار.

    وأنتظر من الزميل الآن أن يلخص لي نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف التي يراها على ضوء الردود السابقة، وذلك في مشاركة موجزة على غرار تلخيصي لنقاط الاتفاق والاختلاف بيننا، مع أهمية أن تكون تلك النقاط مرتبطة بموضوع الحوار وهو خلق الله للكفار ومنهجية مناقشة الموضوع. وبعد تلخيصه لنقاط الاتفاق والاختلاف سأبدي موقفي منها فإن كانت مسائل خلافية فسوف نواصل معا النقاش فيها فيطرح رده وأعقب على كل مسئلة خلافية مستقلة، وما كان منها نقاط اتفاق تجاوزناها إلى غيرها.




    ولما شعرت أن الزميل اللاأدري لا يدري حقيقة معتقدنا الإسلامي، وأن ذلك سبب له تلك الإشكالات الشخصية، فقد رأيت أن في بسط الكلام فائدة له ولغيره، لعل الله يهدي به من أراد الحق وقصده بقلبه، وسأراعي بعد أن اتضحت هذه المسألة أن يكون ردي موجزا على هيئة السؤال والجواب إلا أن يستدعي الرد شيئا من البسط، فإن الإطالة يناسبها تحديد عدد الردود في المناظرات العامة، أو فتح المجال واسعا للطرفين في الحوارات الخاصة بما ينفع الطرف السائل كما في قسم الحوارات الخاصة.



    والحمد لله على فضله وإنعامه، والشكر له على منِّه وإكرامه.

  12. #27

    افتراضي

    الزميل ناصر الشريعة،

    بداية أنا سعيد بكون الرد طويل و لا يضايقني هذا في شيء بل هو شيء يدل على اهتمامك بالمناظرة و هو بالضبط ما أبحث عنه.

    سأناقش طلباتك قبل البدء في الرد للوصول إلى صيغة نهائية للمناظرة. سأكون مرن في تحفظاتي بقدر المستطاع. أنا الآن فقط أسجل معرفتي أن ردك اكتمل و أرجو منحي بعض الوقت لترتيب كل شيء حتى تخرج المناظرة بصورة مرتبة و واضحة لي و لك و لكل القارئين.

    تحية لك و لمجهوداتك

  13. #28

    افتراضي

    بالنسبة للطلبات التي وجهتها إلي:

    أولا: أن يقصر اعتراضه على نقاط الاختلاف، فلا يعترض على ذكر نقاط الاتفاق وإنما يفترض أن تكون محل تأييد ووفاق، وقد صرحت بأنني أذكر بعض ما أعلم موافقة الزميل عليه لأهمية ما ذكرته في وضوح الصورة وتكامل الفكرة، فلا معنى للاعتراض عليها أصلا كما فعل سابقا.
    أين اعترضت أنا على ذكر نقاط الإتفاق؟

    أنا لم أبدأ في الرد بعد لتقول أنني اعترضت على نقاط الإتفاق أو الإختلاف. أنا لم أقل أي شيء بعد.

    هلا تفضلت و بينت لي ما قصدت باعتراضي على نقاط الإتفاق؟

    انتظر منك توضيح لهذه النقطة.

    ثانيا: إن النقاش هنا هو حول المعتقد الإسلامي وما يورده الزميل من الإشكالات، وكما أن الزميل يكلمنا على هذا الأساس فيما يتعلق بوجود الله تعالى وكماله، فلا يصح أن يعترض في ثنايا الحوار بأنه لا يؤمن بوجود الله تعالى أو كماله أو حكمته، لأن ذلك يخالف مسار الحوار بيننا وهو مناقشة المعتقد الإسلامي على ما هو عليه، وإيراد الزميل إشكالاته الشخصية على اعتقادنا لا على اعتقاده هو، وقد دعوته سابقا إن كان يريد المناقشة من خلال لاأدريته إلى حوار آخر، وفي شريط آخر، يكون موضوعه موقفه اللاأدري من وجود الله وصحة الدين، فليتنبه الزميل لذلك لأهميته وليحدد موقفه منه.
    أنا متفق معك في طلبك هذا و لك كامل الحق فيه. لكن ما الذي يحدد كيفية استخدامك لهذا الحق؟

    يعني أنت تريد أن نتناقش حول المعتقد الإسلامي و ليس المعتقد اللا أدري، هذا كلام جميل، و لكنك قد تقول لي أن المعتقد الإسلامي يقتضي أن تسلم بأن الله مطلق الحكمة و بالتالي لا يمكن مناقشة ما يفعله لأن المعتقد الإسلامي يقتضي بأن لا تتدخل في تصرفات الله.

    و لكن الموضوع أصلاً من الأساس هو "تصرفات الله" ... لا يمكن مناقشته على ضوء المعتقد الإسلامي لأن المعتقد الإسلامي يقول أن هذه الأمور لاتناقش وهي من الغيبيات. و بالتالي فمجرد مناقشتنا لها هو خروج عن المعتقد الإسلامي و طرق لباب المعتقد اللا أدري.

    بمعنى آخر، أنت تقول أن حكمة الله لا تناقش و أنا أقول أنها يجب أن تناقش. و قبولك للبدء في هذه المناظرة يتضمن مناقشتك في حكمة الله لكي تقنعني بها و هو في حد ذاته خروج عن المعتقد الإسلامي الذي يقتضي عدم التدخل في أمور الله.

    و هذا الكلام ليس معناه أنني سأقحم معتقداتي اللاأدرية في الحوار و أبني عليها استنتاجاتي، فنحن في النهاية نناقش الإله الإسلامي و ليس إله من نسج خيالي، و لكن معناه أن الأشياء التي ليس من حقي أن أتكلم فيها هي أشياء محددة و التي من حقي أن أتكلم فيها هي أيضاً أشياء محددة.

    الذي ليس من حقي أن أتكلم فيه هو المعتقدات المبنية على تعاليم الإسلام التي تُحدثنا عن صفات الله. يعني لا يصح أن أقول لك مثلاً أن الله ليس على كل شيء قدير لمجرد أنني اعتقد هذا. إذا كان القرآن يقول أن الله على كل شيء قدير فيجب أن أناقشك و أنا أضع في حساباتي أن الله على كل شيء قدير. ليس من حقي المساس بهذا المعتقد.

    و لكن من حقي أن أقول لك: إذا كنا متفقين أن الرحمة صفة من صفات الله، فلماذا فعل كذا و كذا؟

    و أن أقول: إذا كان الله حكيماً، فكيف يكون حكيماً و يفعل كذا و كذا؟

    و هذا ليس خروج عن المعتقد الإسلامي و إنما هو مناقشة له.

    أنا عندما تكلمت عن الحكمة المطلقة و العلم المطلق لم أقل لك أن الله ليس مطلق العلم مثلاً أو الحكمة (و هو ما يخالف المعتقد الإسلامي) ... و إنما قلت: "كيف يكون مطلق العلم و الحكمة في الوقت ذاته ثم يفعل كذا و كذا؟"

    و هذه هي المناظرة أصلاً. أن تكون هناك نقاط اختلاف و إلا فلماذا هناك مناظرة؟

    لا مكان في هذه المناظرة للتسليم بأمور معتقدية إسلامية و (العمل بها) ... هذه المناظرة هي مناقشة للصفات التي نتفق عليها و ليس محاولة الوصول للصفات نفسها.

    ثالثا: جرى في عبارات الزميل ما لا نقبله من الألفاظ في حق الله تعالى، وهو الذي قد وعد بأن لا يفعل ذلك، ثم خالفه مرات حينما تهكم بحكمة الله تعالى في عدة مواضع من كلامه، منها قوله:
    ([/color][/color]أنت يمكنك أن تعلق كل شيء على شماعة الحكمة هذه بحيث لا يمكن لأحد أن يناقشك)
    وكان يمكنه أن يقول (صفة الحكمة) بدل هذا التهكم بصفة من صفات الله تعالى.

    وقوله: ( هل حكمته تعطي له الضوء الأخضر لكي يخلق من يشاء)
    فهذا تعبير ليس فيه أدب مع الله عز وجل، وكان يمكنه أن يقول: ( هل حكمته تفسر خلقه لكل ما يشاء)
    ولهذا أطالب بتعديل تلك العبارات، ومراعاة احترام المعتقد الإسلامي وعدم التهكم بقصد أو دون قصد من الدين الإسلامي.
    لم أكن أقصد التهكم ... و إن كان كلامي فيه إساءة لك و لإلهك فأنا أعتذر عن هذا و سأحاول ما استطيع أن لا يتكرر. و لكن لا يمكن أن تطلب مني عدم التهكم (من دون قصد). إذا تهكمت من دون قصد سأعتذر كما فعلت لتوي. لكني أوعدك أنني لن أتهكم بقصد.

    رابعا: أن يدقق الزميل في تعبيراته من حيث المصطلحات ومراعاة اللغة العربية ومراعاة القواعد العلمية والمنطقية في النقاش، حتى يرتقي الحوار ويكون بعيدا عن النقاشات التي تتدني إلى العامية الفكرية واللغوية فلا تكون لها قيمة في النهاية إلا أنها مشاجرات في قارعة الطريق.
    سأحاول الإلتزام بهذا كذلك. لكني أيضاً لا أجد من داع لاستخدام عبارات مثل "مشاجرات في قارعة الطريق". ماذا لو اكتفيت بأن تطلب مني الالتزام؟

    خامسا: أن يكون رد الزميل علي بطريقة مناقشة الأفكار لا التعليق على العبارات، فليفهم كلامي أولا، ثم ليرد عليه، أما تفكيك كل مشاركة وفقرة إلى عدة اقتباسات ومناقشة كل اقتباس بمفرده كما فعل في رد سابق له، فهذا سيحول الحوار إلى مناقشة تعبيرات أكثر منه مناقشة أفكار، وهذا سيطيل الصفحات على حساب الأفكار، وهو أمر أيسر علينا في الرد، ولكنه أقل فائدة للقارئ ولفائدة الموضوع مستقبليا، وفي حال إصرار الزميل على مخالفة هذا فسوف أطالب بنقل ردودي الأخيرة إلى شريط آخر لحفظ فائدتها، وسأعقب على مشاركات الزميل السابقة بالطريقة نفسها، مع اشتراط تحديد عدد الردود وزمن الحوار.
    لو أنك تعلم كيف أن هذا طلب صعب بالنسبة لي. عزيزي من قال أن الرد بهذه الطريقة هو مناقشة تعبيرات أكثر من أفكار؟

    و لماذا تناقشني في طريقة ردي؟ ألا تجد من الغريب و الصعب أن تطلب مني أن أرد عليك كما تحب أنت؟

    هذه الطريقة هي مناقشة للتعبيرات و الأفكار معاً. هل تجدني أضيع كل وقتي في الكلام عن اختيارك للكلمات و التعبيرات؟ أنا أفعل هذا فقط لو كانت هناك تعبيرات تحتاج إلى تعليق فقط و بخلاف هذا فأنا أناقش الأفكار على ضوء العبارة المقتبسة. أنا اختلف معك تماما في أن طريقتي لا تناقش الأفكار بشكل واف و أرى أنها تغطي مائة في المائة من الأفكار و التعبيرات و كل ما يخطر لأحد ببال.

    على العموم، أنا واثق أنك لن تتنازل عن طلبك ... لهذا سأتنازل أنا و سأرد بالطريقة التي تريدها. أنا قادر على إيصال أفكاري من دون اقتباسات. و لكن هذا سيتطلب المزيد من الوقت للرد لأنني بالفعل كتبت كل ردودي عليك و هي جاهزة و لكن بالطريقة التي لا تحبها.


    وأنتظر من الزميل الآن أن يلخص لي نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف التي يراها على ضوء الردود السابقة، وذلك في مشاركة موجزة على غرار تلخيصي لنقاط الاتفاق والاختلاف بيننا، مع أهمية أن تكون تلك النقاط مرتبطة بموضوع الحوار وهو خلق الله للكفار ومنهجية مناقشة الموضوع. وبعد تلخيصه لنقاط الاتفاق والاختلاف سأبدي موقفي منها فإن كانت مسائل خلافية فسوف نواصل معا النقاش فيها فيطرح رده وأعقب على كل مسئلة خلافية مستقلة، وما كان منها نقاط اتفاق تجاوزناها إلى غيرها.
    هذا كان في مخططي من البداية. أريد أن أعيد تذكيرك بطلبي منك أن تشير إلي أين اعترضت أنا على ذكر نقاط الاتفاق. لو سمحت لا تتجاهل هذا الطلب.
    التعديل الأخير تم 01-27-2009 الساعة 04:23 PM

  14. #29
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    متابعة إشرافية لتنظيم الحوار:


    بالنسبة للمطلب الأول وهو قصر الحوار على نقاط الاختلاف وعدم الاعتراض على ذكر نقاط الاتفاق: فهو محل اتفاق بين الطرفين، وسيسري العمل به بإذن الله.

    بالنسبة للمطلب الثاني وهو الالتزام بالنقاش على أساس المعتقد الإسلامي وما يورده المحاور اللاأدري من إشكالات عليه : فهو مطلب معقول، بل لا يعقل سير الحوار بدونه، سيما والمحاور اللاأدري اختار اسم موضوعه (اشكالات فلسفية في فكرة الإله الإسلامي)، فمن المسلّم هنا أن الإشكالات تتوجه إلى المعتقد الإسلامي، والمحاور اللاأدري متفق مع محاوره المسلم على هذه الأمر كما ذكر في مشاركته السابقة، وسيسري العمل بهذا المطلب كذلك.

    وما قال المحاور اللاأدري هنا عن (ما الذي يحدد كيفية استخدامك لهذا الحق؟) فهذا أمرٌ واضحٌ لكل من مارس شيئًا من المناظرة، فالعبرة بالدليل، فالدليل يثبت أن هذا الأمر موافقٌ للمعتقد الإسلامي من عدمه، والدليل يميز الإشكال الوارد أهو متوجه إلى المعتقد الإسلامي أم لا.

    أما قول المحاور اللاأدري ( الموضوع أصلاً من الأساس هو "تصرفات الله" ... لا يمكن مناقشته على ضوء المعتقد الإسلامي لأن المعتقد الإسلامي يقول أن هذه الأمور لاتناقش وهي من الغيبيات. و بالتالي فمجرد مناقشتنا لها هو خروج عن المعتقد الإسلامي و طرق لباب المعتقد اللا أدري.) فمردود، إذ إن دعواه أن مجرد مناقشة أفعال الله تعالى خروج عن المعتقد الإسلامي دعوى باطلة لا دليل عليها بل الدليل على خلافها، فالتأمل في صفات الله تعالى والبحث في آثارها من أعظم سبل زيادة الإيمان، والموضوع محل النقاش -وهو معلوم للطرفين- يقوم على إثبات صفات الكمال لله في أفعالٍ بعينها، فليس في الأمر خروجٌ عن المعتقد الإسلامي كما ذكر المحاور اللاأدري.

    أما بقية ما تفضل به المحاور اللاأدري فهو في "مجمله" يمكن وصفه بـ "محاولة" شرح لمعنى المناظرة، ونشكره على هذه المحاولة، إلا أن إيجاز القول في هذا المقام أن هذا المطلب محل اتفاق، والعبرة في تحقيقه بالدليل، وسيسري العمل بهذا المطلب في هذا الحوار بإذن الله.

    المطلب الثالث وهو مراعاة احترام المعتقد الإسلامي وعدم التهكم بالدين الإسلامي فهذا أمر مسلَّم به لا يتم حوارٌ بدونه.

    المطلب الرابع وهو التدقيق في التعبيرات ومراعاة اللغة والقواعد العلمية والمنطقية فمحل اتفاق وسيسري العمل به بإذن الله.

    المطلب الخامس وهو مناقشة الأفكار لا العبارات، فقد أعطى المحاور المسلم فرصةً لمحاوره اللاأدري أن يختار بين تنفيذ هذا المطلب أو عدم تنفيذه مع تحديد عدد الردود وزمن الحوار، فذكر المحاور اللاأدري أنه واثقٌ أن المحاور المسلم لن يتنازل عن طلبه! وبغض النظر عن مصدر هذه الثقة فإن المحاور اللاأدري قد وافق على مناقشة الأفكار لا العبارات، وبالتالي فهذا الأمر سارٍ بإذن الله.


    فهذه قواعد هذا الحوار التي جرى الاتفاق عليها:

    - قصر الحوار على نقاط الاختلاف وعدم الاعتراض على ذكر نقاط الاتفاق.
    - الالتزام بالنقاش على أساس المعتقد الإسلامي وما يورده المحاور اللاأدري من إشكالات على هذا المعتقد.
    - مراعاة احترام المعتقد الإسلامي وعدم التهكم بالدين الإسلامي.
    - التدقيق في التعبيرات ومراعاة اللغة والقواعد العلمية والمنطقية.
    - مناقشة الأفكار لا العبارات.

    المتفق عليه في سير هذا الحوار:

    - تلخيص المحاور اللاأدري نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف في موضوع الحوار ومنهجيته.
    - بعد التلخيص يبدي المحاور المسلم موقفه من هذه التلخيص.
    - ثم يشرع المحاوران في النقاش في كل مسألة خلافية.

    أما مطلب المحاور اللاأدري أن يحدد له المحاور المسلم موضع اعتراض الأول على ذكر نقاط الاتفاق، فيمكن للمحاور المسلم أن يرد عليه في تعقيبه على التلخيص المنتظر كنقطة فرعية.

    ننتظر الآن :

    وضع المحاور اللاأدري لمشاركة يلخص فيها نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف المتعلقة بموضوع خلق الله تعالى للكفار.

  15. #30

    افتراضي

    عذراً (مشرف 4)،

    لماذا ترد بالنيابة عن الزميل ناصر الشريعة؟

    أنا أقدر مداخلتك الإشرافية بهدف تنظيم الحوار، لكنك تخطيت حدود تنظيم الحوار عندما بدأت في الرد على "دعواي" و أبديت تعجبك من مدى ثقتي بما سيفعله الزميل ناصر. و هل أنت الزميل ناصر؟

    أنا أفهم أن دورك الإشرافي هو المفروض دور حيادي و إن كان في نيتك أنك في صف ناصر الشريعة فلتخفي هذه النية بداخلك و لا يظهر منك هذا التحيز الواضح للزميل ناصر الشريعة على أساس أنك مشرف و لست مؤيد للزميل ناصر. لو كان الزميل ناصر هو من وكلك بالرد علي حيث أنه وقته ضيق، فكان من الأحرى أن تذكر هذا التوكيل الذي وكله لك بالرد. و هذا التوكيل بالرد لا يمكن أن أفهمه أنا ضمنياً، و يجب أن يتم التصريح عنه بشكل علني لكي تأخذ الأمور شكل جدي و منظم و واضح. فأنا الآن أجد نفسي في موقف أنا مطالب فيه بالرد على الزميل ناصر الشريعة و عليك أنت أيضاً حيث أنك رددت على "دعواي" و أنا الآن من حقي أن أرد عليك. و هكذا ندخل في مناظرة أخرى. لهذا السبب فمبدأ ردك على دعواي و ابداء العجب و الدهشة منها مرفوض فهذا كما يقول العنوان حوار ثنائي و ليس ثلاثي.

    ثم أنك قمت بوضع القوانين بشكل نهائي حيث أنك ذكرت في نهاية الرد أن المناظرة بانتظار تلخيصي لنقاط الاختلاف و كان من الأحرى بك أن تسألني أولاً إذا كانت لدي أي تحفظات على هذه القوانين أو إذا كان حدث منك سوء فهم لما قصدته أنا أو ما كان يقصده الزميل ناصر للكيفية التي ينبغي أن يسير بها الحوار. و أنا بالفعل عندي بعض التحفظات و لكن لن أبدأ في الكلام عنها حتى يأتيني رد من الزميل ناصر الشريعة بأن كل ما كتبته أنت قام هو بالإطلاع عليه و الموافقة عليه. و هكذا يتأكد لي و للقراء أن الإتفاق و الإختلاف حول قوانين سير المناظرة قامت تحت علم كامل بين الطرفين الأساسيين في الحوار و ليس بالتدخل من طرف ثالث.

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تعليقات: الإيمان والإلحاد -الدكتور نقد والزميل نيرون
    بواسطة محب أهل الحديث في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 228
    آخر مشاركة: 07-05-2012, 09:58 PM
  2. مناظرة: اشكالات فلسفية عن الإله في الإسلام(الدكتور ناصر والزميل المفتري)
    بواسطة المفتري في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 67
    آخر مشاركة: 10-18-2009, 02:08 AM
  3. إشكالات فلسفية في فكرة الإله الإسلامي
    بواسطة Titto Divitto في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 45
    آخر مشاركة: 12-03-2008, 10:12 AM
  4. تبرئة الدكتور النجار وكشف المفتري حمض
    بواسطة someone في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-14-2008, 01:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء