أشكر المشرف الكريم مشرف 4 على تفضله بتنظيم الحوار على النسق الرائع الذي طرحه، وأعلن موافقتي على جميع ما ذكره، وهو عين ما كنت سأرد به على الزميل (المفتري).
ولا بد من التوكيد على ثلاثة أمور لا بد من بيانها وقد وضحها أخي مشرف 4 كأنه قد اطلع على ما نفسي، فلله درُّ فراسته، وهذه الأمور الثلاثة:
أولا: مطالبة الزميل (المفتري) بتبيين اعتراضه على ذكري لنقطة من نقاط الاتفاق، مع أني سبق أن وضحت ذلك في موضعه من ردي عليه، وكلامه الذي عارض فيه ذكري نقطة من نقاط الاتفاق بيننا هو قوله:
إلى آخر كلامه.عزيزي. ألم أتحدث أنا عن موضوع عدم الإجبار هذا؟
طيب أعمل إيه؟
خلاص. أنا سأكتبها بالأحمر و بالخط الكبير لعلها تثبت في أذهان القارئين:
أنا لا أؤمن أن الله يجبرنا على شيء
لو سمحت يا عزيزي لا تذكر لي هذه النقطة. الإشكال أعلى بكثير من كون الإنسان مجبر أم لا. بكثير. أنا لا يهمني إذا كان الإنسان مجبر أم مخير. لا يهمني. ليست هذه القضية. هل رأيتني أسأل: كيف يجبر الله الناس على الأفعال؟
ولهذا قلت في ردي عليه:
وكررت التنبيه عليه فيما بعد، ولهذا ضمنته مطالبي وجعلته أولها، فإن قال الزميل إن ما ذكره ليس من الاعتراض على نقاط الاتفاق وإنما هو شيء آخر مهما سمَّاه، فلا يهمني من جميع رده إلا التصريح بالتزام هذا المطلب فيما يأتي، وهو مطلب منصف لا أظنه يواجه بالرفض من عاقل.وأحب أن ألفت نظرك إلى أنه ليس جميع ما ذكرته يكون بالضرورة مخالفا لما تقوله، وإنما قد يكون من الحقائق التي توافقني عليها، وإنما أحتاج إلى ذكرها لتوضيح الجواب على نقاط الاختلاف بيننا، فلا يكون هناك من حاجة لمطالبتك بعدم ذكرها لأنك لا تخالف فيها، فأرجو أن لا يضيق صدرك كلما رأيت ذكر نقطة اتفاق بيننا.
ثانيا: اعترض الزميل على مطالبتي له في استشكالاته الشخصية على المعتقد الإسلامي في الإيمان بالله بأن يلتزم أحد موقفين، فإما أن يورد إشكالاته الشخصية على ما تقرره العقيدة الإسلامية، أو يتحول الحوار إلا مناقشة الموضوع من منطلقه اللاأدري، والفرق بينهما أن الأول يكون موقفه فيه أن يبين التعارض والتخالف والتناقض الذي يتصوره هو في ما تقرره العقيدة الإسلامية، فيقول مثلا:
العقيدة الإسلامية تقرر أن الله موصوف بالكمال المطلق - وليس مطلق الكمال كما يعبر به الزميل- ويشكل علي التوفيق بين ذلك وبين إقرار العقيدة الإسلامية بتخليد عذاب أهل النار، أو لا أفهم الحكمة من خلق أهل النار.
أما الثاني فيكون موقفه أن يتسائل عن طريق العلم بوجود الله وكماله ودلائله، وهنا نحتاج إلى مناقشته في حقيقة موقفه اللاأدري قبل مناقشة تلك الأسئلة، إذ كل لاأدري حالة مختلفة عن بقية اللاأدريين.
ويتحدد على هذا إذا اختار الزميل الطريق الأول أنه لا يصح أن يعترض بأن الله غير موجود أو غير كامل أو غير حكيم، لأن الإشكال هنا لا يكون واردا على العقيدة الإسلامية، وإنما هو خارج عن مناقشة ما تقرره العقيدة الإسلامية أصلا، فليست هناك مناقشة لمقررات العقيدة الإسلامية حتى يكون هناك إشكالات واردة على مقرراتها.
ويصير محصورا في إشكالاته بالمطالبة بفك التعارض والاشتباه الذي يطرأ له عند تأمل مقررات العقيدة الإسلامية في الإيمان بالله تعالى.
فالله حكيم كما تقرره العقيدة الإسلامية، وهي تقرر أيضا إمكان معرفة حكمة الله تعالى في كثير من الأمور، وتقرر أنه لا يحيط بجميع حكمة الله تعالى أحد من خلقه، وأن هذا من كمال الله تعالى، وأن العقل يقبل هذا ويقرره بل يستلزمه، وأن الإنسان له أن يسأل ويبحث عن حكمة الله تعالى، ولكنه إذ عجز عن معرفة بعض الحكمة فلا يجوز له أن يحكم بعدم الحكمة لأن عدم العلم ليس علما بالعدم، ولأن العقل يقرر ثبوت حكمة الله تعالى بشهادة ما يثبته من براهين حكمته في خلقه.
فكيف يصح أن يعترض على هذا بأنك لست مؤمنا بحكمة الله تعالى كما فعلت سابقا في ردك على ردي الأول، وهل أنت تؤمن بوجود الله أصلا؟! فكما لا يصلح أن تعترض بعدم معرفتك بوجود الله تعالى ولا علمه فكذلك لا يصح اعتراضك بعدم معرفتك لحكمة الله تعالى ورحمته وعدله.
ولهذا لا يصح أن يعترض بمثل قوله السابق:
ويتحدد على هذا إذا اختار الزميل الطريق الثاني وهو الحوار على أساس موقفه اللاأدري لا على مقررات معتقدنا الإسلامي أن نناقشه في منهج المعرفة وطرقها أولا، ثم نتحدث عن معرفة العقائد الإسلامية ثانيا، ثم إذا كانت هناك إشكالات نناقشها أخيرا.ثبوت صفة الحكمة؟
صديقي، أنا "لا أدري" و لست مسلماً لكي تقول لي "ثبوت" الحكمة. أنا أريد اثبات أن الله حكيم و لا أتعامل على أن هذه حقيقة واقعة.
أنا لا أفترض أن الله حكيم و رحيم ثم أبني استنتاجاتي على هذا الأساس. أنا أقارن المعلومات المتوفرة لدي عن أفعاله و أقارنها بما أعتقد أنه حكمة و عدل و رحمة.
ثالثا: لقد زعم الزميل المفتري أني لن أتنازل عن طريقة مناقشة الأفكار لا العبارات، وهذا غير صحيح، ولو رجع إلى كلامي لعرف أني أفضل طريقة مناقشة الأفكار وتلخيصها بدل مناقشة العبارات، ومع ذلك فقد نصصت على موافقتي على محاورة الزميل على طريقته بشرط نقل جميع ردودي إلى موضوع مستقل لا علاقة له بهذه المناظرة ووضعي ردا على مشاركته الأولى وفقا لطريقة الاقتباسات التي هي أسهل عليَّ وأيسر بكثير وأنسب لوقتي وانشغالي الشديد.
فما أسهل أن أكتفي بمناقشته في عبارات ذكرها ونقاط مقتصرة على ما كتبه هو، وما أيسر ذلك عليَّ، فإن شاء ذلك فعلته وهو هين عليَّ، ولكني أراه سيقصر فائدة الحوار على مناقشة إشكالات فرد لا عرض فكرة من جميع جوانبها التي لا بد منها في مناقشتها.
فهذا ما أردت بيانه في شأن المطالب الثلاثة، فليبد الزميل رأيه بالموافقة أو الرفض، ثم يفسر رفضه إن كان رافضا لشيء منها، وإن لم يكن لديه إشكالية مع هذه المطالب فليشرع في كتابة ملخص لأهم نقاط الاتفاق، وأهم نقاط الاختلاف بإيجاز، كما فعلت سابقا.
ويتبين مما سبق أن ما تفضل به المشرف الكريم موافق للعدل والإنصاف، وأن ما تفضل به موافق تماما لما سبق ذكره في مواضع من الحوار، ويدل على درايته التامة بالحوار ومساراته، فجزاه الله خيرا وبارك فيه، ويسعدني تشريفه الحوار بتنظيمه له ومتابعته له.
Bookmarks