من يكبل يدي المرشد الأعلى؟
بقلم الجنرال وفيق السامرائي:
نقل عن المرشد الإيراني الأعلى منعه سفر متطوعين إيرانيين للقتال الى جانب الفلسطينيين في غزة، بدعوى أن إيران مكبلة اليدين، فيما قيل انه ظهر باكيا على شاشات التلفزيون لما يجري في تلك الحرب الدامية. كما سبق أن تمنى قائد الباسداران وجود سفارة أميركية في طهران ليقوم هو ومقاتلوه باحتلالها، ولم يخف قائد آخر في وقت سابق تسليح إيران جيوش الحرية في العالم.
فيما تقف إيران متفرجة، تظهر التناقضات حادة بين الفعل والعمل، أو هكذا تسقط الأقنعة عن نوايا التسلح الإيراني الضخم، ويتضح المستهدف به، وبات على المخدوعين والمغفلين من العرب الإفاقة من سباتهم وغلفتهم.
دعم غير نزيه
بصرف النظر عن موقف حماس أو أي منظمة أخرى، لها ظروفها الخاصة، فإن الدعم الإيراني لكل الحركات المسلحة لم يكن مبنيا على أسس إنسانية أو فكر ومعتقد ديني، بل بني على أسس مصالح إيران وأهدافها ومشاريعها المثيرة لقلق العالم والمنطقة، والمتمثلة في ثلاث نقاط، هي: برنامجها النووي، والتوسعين الأفقي والنوعي في عمليات التسلح، خصوصا الصواريخ البعيدة المدى، وثالثة النقاط التدخلات السافرة في العالم العربي. وأن يقوم طرف ما، بدعم طرف للتصدي لطرف ثالث، لا يعني بالضرورة دعما مخلصا ونزيها، بل لتحقيق هدف يدخل ضمن مفهوم القتال بالإنابة، وهنا لا يمكن اتهام حماس بقتال الإنابة، لأن لها أهدافها الخاصة، وقد تكون مضطرة الى ما آلت إليه الأمور من علاقات مع إيران شكلت هاجسا عربيا مثيرا للقلق.
يدان مكبلتان!
تمتلك إيران قوة صاروخية ضخمة، حسبما تعلن، وقد جربتها علنا، أصبحت مدعاة لغرورها، كما ادعت أنها صنعت طائرات بعيدة المدى يمكنها تفادي الكشف الراداري، وهددت مرارا برد ساحق على إسرائيل إذا ما هاجمت مواقعها، ولم تستثن دول الخليج العربي من تهديداتها الحماسية وغلق مضيق هرمز، وضرب وإغراق السفن..الخ، فما الذي كبل يديها؟ وفي وسعها مثلا رشق إسرائيل بصواريخ شهاب وسجيل، أو شن غارات بطائراتها الخفية (التي لا وجود لها)، أو التلويح بهما، لو كانت صادقة في ما تقول. وهذه ليست دعوة لها للقيام بذلك، لأن المنطقة بحاجة للتهدئة لا التثوير، والعرب ليسوا في حاجة الى ضربات تكسب إيران دعاية على حسابهم، وحتى ولو كانت نزيهة. وعلى سبيل النقاش، فإن أي رد فعل إسرائيلي على ضربات إيرانية سيأخذ طابعا مماثلا تكون فيه القوات الإيرانية في أعلى درجات الاستعداد، وتكون تأثيراته ضمن حدود التوقعات، لا تساوي شيئا مقابل مغامرة (فاشلة) لغلق مضيق هرمز.
متطوعون للدعاية
الكل يعلم أن غزة محاصرة من كل الاتجاهات ويستحيل وصول المتطوعين اليها، والجنوب اللبناني غير مسموح العمل منه، ليس بسبب وجود القوات الدولية فقط، بل بموجب قرار لبناني، بما في ذلك «حزب الله». فما مبرر استقبال المرشد الأعلى للمتطوعين او التحدث إليهم، إذا كانت الحال كذلك؟ لا شك في أنها عملية دعائية يراد بها إلقاء اللوم بشكل أو آخر على الدول العربية، لعدم فتح حدودها، ولعدم خوضها حروبا جديدة، لأن لا شيء يخدم السياسات الإيرانية حاليا غير إثارة الاضطراب في الدول العربية تحديدا، والمنطقة عموما، وإثارة الصراعات الدولية، فكلما تفجرت بقع وحصلت توترات مضافة كف العالم عن متابعة البرامج الإيرانية. وهو ما تسعى إليه إيران من خلال استهدافها مصر أولا بمختلف الوسائل الدعائية والسرية.
قطع النفط
من المطالب الإيرانية، أن تقوم الدول العربية بوقف تصدير النفط، طبعا لغرض إحداث ضغط دولي على إسرائيل لوقف الحرب، وهو مطلب دعائي وزائف، إضافة الى تخطيط مريب، لعدة أسباب منها:
* بعيدا عن العواطف ومشاعر الألم، ان هدف إيران استمرار حرب غزة الى أقصى فترة زمنية، عسى أن تتمخض عنها مواقف واضطرابات تخدم أهدافها، وليس وقفها، لذلك يظهر الجانب الدعائي واضحا حتى لعموم الناس.
* النفط سلعة عالمية يتضرر بقطعها العالم أجمع، وفي المقدمة منهم الفقراء، ولا تجوز معاقبة الناس بهذا الشكل، كما أن الدول العربية في أمس الحاجة لدولارات النفط لمواجهة الأزمة المالية، التي وصلت الى جزئيات حياة اقتصاداتها.
* قطع النفط يثير اضطرابا، ويجعل الدول الغربية تعيد النظر في علاقاتها مع الدول العربية، وهو هدف استراتيجي إيراني، يراد به إضعاف الموقف العربي. أما علاقاتها هي، فكما يقول المثل «المفلس في القافلة أمين». وحسنا فعل العرب في تجاهل الدعوة الإيرانية.
* ربما هناك من يقول انها فرصة لإعادة ارتفاع كبير في أسعار النفط، وواقع الحال يشير الى أن الارتفاعات الكبيرة في سعر النفط تعمق الأزمة المالية العالمية، لم تنج منها البلاد المصدرة للنفط، وأي ارتفاع لن يكون طويل الأمد.
غدر ونوايا
هكذا يبدو الغدر واضحا، غدر في الإغواء وغدر في التخلي، غدر في الظهور بمظهر الحليف القوي الأمين والتخلي في زمن الأزمات، وغدر في وضوح النوايا وهذا درس كبير وحاسم للعرب والمنطقة ينبغي الوصول منه الى استنتاجات تؤكد التصورات المسبقة لكل من سلط الضوء على المواقف الإيرانية المريبة، ومن هذه الاستنتاجات التي تحولت الى حقائق ثابتة:
* للسياسة الإيرانية أهدافها القومية المباشرة، وهي لا تنطلق من أي معتقدات من معادلات السماء ونزاهة العلاقات، لذلك لا ينبغي التعويل عليها صديقاً وحليفاً في زمن الأزمات.
* عمليات التسلح الإيراني موجهة بشكل رئيسي (وربما كليا) لتحقيق أهداف إيرانية مباشرة على حساب دول الجوار، خصوصا الجوار العربي، لذلك لم يعد مبررا عدم أخذ المخاطر على محمل الجد، ومن الضروري مشاركة الدول العربية في اجتماعات دول 5 + ألمانيا، لدراسة الملفات الإيرانية عموما، والنووية تحديدا، وفقا للدعوة الموجهة اليها.
* على المنظمات والأحزاب العربية ووسائل الإعلام، أن تضع نصب أعينها أن العلاقات العميقة مع إيران تثير قلقا مشروعا لدى الدول العربية والغربية، فيما تكمن مصالحها ضمن المحيط العربي والدولي المواجه للسياسات التوسعية الإيرانية.
ولا يذهب بعيدا من يقول إن ما حصل في غزة فرصة ثمينة لمخططي السياسة الإيرانية ليقولوا لأميركا وإسرائيل: ألم نثبت لكما أن سلاحنا ليس ضدكما؟ فتعالوا نتصالح مصالحة وفق مصالح نجعلها مشتركة. لكنهم سيفشلون، لأن المحيط العربي والخليج أهم من مناورات وأبقى.
هل يستفيق السبات والمولعون بالشعارات الإيرانية من دروس غزة القاسية؟ المفترض وفق أسوأ الاحتمالات: نعم.
Bookmarks