وقال الرازي: " إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ" : المعنى لانفرد على ذلك كلُّ واحدٍ من الآلهة بخلقِه الذي خَلَقَه واستبَدَّ به، ولرأيتم مُلكَ كلِّ واحدٍ منهم مُتمَيِّزاً عن مُلكِ الآخَر، ولَغَلَبَ بعضُهم على بعضٍ كما ترَوْن حالَ مُلوكِ الدنيا ممالكهم متميِّزةٌ وهم مُتغالِبُون، وحيث لم ترَوْا أثَرَ التمايُز في الممالِك والتغالُب؛ فاعلموا أنه إلهٌ واحدٌ بيدِه مَلَكُوتُ كل شيء". [تفسير الرازي 11/203].
وزاد ابن كثير الأمرَ بياناً فقال رحمه الله: "أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهةٌ غيرُه لفسدَت السمواتُ والأرض، فقال : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ" أي: في السماء والأرض " لَفَسَدَتَا. كقوله تعالى : مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [تفسير ابن كثير 5/337]
وقال رحمه الله: "يُنزِّه تعالى نفسَه عن أن يكونَ له ولدٌ أو شريكٌ في الملك، فقال : مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. أي: لو قُدِّر تعدُّدُ الآلهة؛ لانفرَدَ كلُّ منهم بما يخلق؛ فما كان ينتظم الوجود. والمشاهَد أنَّ الوُجودَ مُنتظِم مُتسِق، كل من العالم العلوي والسفلي مُرتَبِط بعضُه ببعضٍ في غايةِ الكمال " مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ" ثم لَكان كلٌّ منهم يطلبُ قهرَ الآخَرِ وخِلافَه؛ فيعلو بعضُهم على بعض.
والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبَّرُوا عنه بدليلِ التمانع، وهو أنه لو فُرِضَ صانعان فصاعدا، فأراد واحدٌ تحريكَ جسمٍ وأراد الآخر سُكُونَه، فإن لم يحصلْ مُرادُ كلِّ واحدٍ منهما كانا عاجِزَيْن، والواجبُ لا يكون عاجزًا، ويمتنعُ اجتِماعُ مُرادَيْهما للتضاد.
دليل التمانع : (( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ... ))
وهذا الدليل مبني على انتظام أمر الكون بالمشاهدة فبمقتضى التمانع والمغالبة لو كان في الكون ربان لما وجد هذا الانتظام في الكون فإن الانتظام دليل على الإرادة الواحدة ولو كان هناك إرادتان لانشطر الكون وإليه الإشارة بقوله : عز وجل (( إذا لذهب كل إله بما خلق )) . وأيضا لو افترضنا أن أحد الربين يريد تحريك جسم ما والآخر يريد تسكينه فإما أن تمضي إرادتهما وهذا مستحيل عقلا لما فيه من اجتماع النقيضين . أولا تمضي إرادة أحد منهما وهو مستحيل عقلا أيضا لما فيه من ارتفاع النقيضين أو تمضي إرادة أحدهما دون الآخر فهو الذي يصلح ربا وإلى هذا المعنى أشار جل وعز بقوله : (( ولعلا بعضهم على بعض )) وأصح الأدلة العقلية التي استعملها القرآن كدليل التمانع المشار إليه بهذه الآية الكريمة .
ويبرهن ابن رشد علي وحدانية الله بنفس الايات الكريمة إذ يقول :
1) (لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا)
يعبر عن معني بديهي يكاد يكون فطرة في الناس لانهم يرون انه لو وجد ملكان في مدينة واحدة لما أمكن ان يؤدي وجودهما الي صلاحها و بقائها الا إذا كان احداهما ملكا فعليا لا يلقي معارضة أو مقاومة من الاخر الذي يستكين له و لا يعمل عملا يمكن ان يكون علي غير ارادة الأول و لا يمكن ان يطلق علي مثل هذا العاطل اسم ملك فضلا عن اله.
2) (ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من اله , إذا لذهب كل اله بما خلق و لعلا بعضهم علي بعض , سبحان الله عما يصفون)
فأنها تنكر الابن أولا ثم تدل علي استحالة وجودة كثرة من الآلهة لكل الهة منهما افعال تختلف عن افعال الاخر اذ لا يمكن ان تؤدي هذه الافعال المتضاربة الي موجود واحد تتجلي فيه الصفة الدقيقة و الحكمة العميقة و ينقض فكرة وجود الهة كثيرة تختلف و تتضارب افعالها و هو وجود عالم واحد قد احكمت صنعته.
3) (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلي ذي العرش سبيلا)
هي برهان علي استحالة وجود الهين أو عدة الهة تتفق افعالها بمعني ان يكون في استطاعة تلك الالهة ان تخلق العالم و لو امكن ذلك لوجب ان تكون هذه الالهة سواء في الاستيلاء علي العرش مما يؤدي الي وجود عدد منها في مكان لا يتسع الا لواحد فقط من بينهم
هكذا يؤكد بن رشد علي ان عقيدة تعدد الآلهة لا يمكن ان تنهض بنفسها لانها تؤدي الي اما الي الاعتراف بعجز هذة الآلهة جمعيها عن خلق العالم و الاحتفاظ له بوجوده الذي لا قدر له و اما الي التسليم بان هذا العالم فاسد فكأنه قال (لو كان فيهما الهة الا الله لوجد العالم فاسدا الان ثم استثني انه غير فاسد فوجب الا يكون هنا الا اله واحد)
الله تعالى إله واحد ليس له شريك ، ولا له مثيل في ذاته أو صفاته أو أفعاله
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كُفُواً أحد
Bookmarks