وهناك قاعدة معلومة أريدك ان تعرفها وهي بأن التوحيد لا يكون في معتقد وثني، فالوثنيات كلها تقول إما بالتثنية او التثليث أو التربيع أو التخميس أو أكثر فعلم بأن الشرط الأول المتفق عليه بيني وبينك يستبعد كل الديانات الوثنية أو المختلطة بالوثنية ... ولا وجود للتوحيد إلا في اليهودية والإسلام، فإن نظرنا في اليهودية نراها دينا عنصريا لا يقبل إلا من كان منحدرا من أم يهودية، فضلا عن ان كتابهم المحرف نسب العديد من النقائص لله عز وجل، فعلم بأن الشرط الثاني المتفق عليه يستثني اليهودية، فلم يبق غير الإسلام... وعليه فالشرط الأول والثاني والثالث موجودان بالإسلام، اما الرابع فبيانه كالآتي:
الشمول في الإسلام: ويقصد به كخاصية من خصائص الإسلام اشتمال تصوره على كل الحقائق المتعلقة بالألوهية والكون والإنسان والدنيا والآخرة، في كل مترابط قائم على الإحكام والانسجام، ويتجلى شمول الإسلام في عدة صور يأتي في مقدمتها وأساسها رد هذا الوجود إلى الله عز وجل بكل ما يحتوي عليه من ظواهر ويطرأ فيه من مستجدات وتغيرات، فحقيقة الألوهية عرضها القرآن بكل خصائصها وصفاتهها باعتبارها الحقيقة الأساسية والعظمى، وحقيقة العبودية باعتبارها معنى يشمل الكون والحياة والإنسان.
وحقيقة الإنسان باعتباره كائنا متميزا أُنيطت به أمانة الاستخلاف على هذه الأرض وحقيقة الكون الذي خلقه الله ليكون مجالا رحبا لخلافة الإنسان بما يحويه من كنوز وطاقات ووسائل وإمكانيات سخرت كلها لأجل ذلك. ويتجلى أحد أبعاد الشمول في نظرة الإسلام إلى الانسان باعتباره وحدة يتلاحم فيها الجسد والروح وإلى الفرد والمجتمع ضمن علاقة تبادلية قائمة على التفاعل، ونفس الحكم ينسحب على تصور الإسلام للدنيا والآخرة، فقد جعل الأولى معبرا للثانية ومزرعة لها، بحيث يجني الإنسان في الدار الآخرة ثمار ما قدمت يداه في الدنيا إن خيرا فخير، او شرا فشر.
فهذا الشمول تفتقد إليه اليهودية التي نحت منحى ماديا صرفا، والنصرانية التي نحت منحى روحيا محضا تجلى في رهبانية ابتدعوها وما رعوها حق رعايتها، رهبانية تقوم على إماتة الجسد ومغالبة الشهوات الفطرية. وقد كان لابد أن تؤدي هذه النزعات المتطرفة إلى الفساد والانحراف واختلال التوازن في النفس والمجتمع على حد سواء.
والإسلام يا إستالين جنب اللإنسان هذا المصير المشؤوم، بدعوته إياه إلى إعطاء كل جانب حقه، قال تعالى : { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }.
كما يتجلى شمول الإسلام في ترابط العقيدة والشريعة والأخلاق في كل منسجم ووحدة متلاحمة تؤتي أكلها على صعيد التكوين النفسي والبناء التربوي، كما يتجلى في احتوائه على المبادئ والأحكام والقواعد التي تنظم المجتمع في جوانبه السياسة والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والجنائية التي يعتبر توجيهها السديد قوام الحضارة الراشدة.
الواقعية في الإسلام: وتعني التعامل مع الحقائق الموضوعية في وجودها وأثرها الواقعي الإيجابي، لا من تصورات عقلية مجردة لا علاقة لها بالواقع، وتتجسد واقعية الإسلام في كون التصميم الذي يضعه للحياة البشرية يحمل طابع الواقعية، لأنه قابل للتحقق الواقعي في الحياة الإنسانية.
* ففيما يتعلق بقضية الألوهية - الحقيقة الكبرى- نجد الإسلام يعرضها أمام العقل البشري من خلال آثارها الإيجابية وفاعليتها الواقعية الملموسة التي تفهمها الفطرة ببساطة ويسر، على خلاف ما عليه الأمر في الأديان الأخرى التي جنحت في التعقيد، وأغرقت في الكهانة والغموض إلى الحد الذي جعلها تفقد التأثير والفاعلية، بل وتؤدي إلى إرباك العقول وإصابة النفوس بالحيرة والاضطراب. فالإله في الإسلام يتميز مفهومه بالوضوح الذي تتجاوب معه الفطرة وتجد فيه إشباعها واستقرارها وسكينتها، غنه الله تعالى الذي يصف نفسه بجميع صفات الكمال وأسمائه الحسنى التي يجد الإنسان آثارها ودلائلها فيما يحيط من ظواهر في جلائها وكامل أبعادها:
{ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الروم 17- 27]
Bookmarks