صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 32

الموضوع: العذاب الأبدي بين رحمة الله وعدله

  1. #1

    افتراضي العذاب الأبدي بين رحمة الله وعدله

    السلام عليكم جميعا.

    أحد الاعتراضات التي أقرأها في أدبيات الملحدين هي عن النار والعذاب الأبدي فهم يقولون لماذا يعاقب الله من يكفر به للأبد وبطريقة يعتقدون أنها سادية لا تدل على رحمة ولا عطف!

    بداية إن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان في هذه الحياة الحرية التامة في الإيمان أو الكفر به, فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. لكن من حق الله سبحانه وتعالى على الإنسان, الذي خلقه أساسا ووهبه كل شئ من عقل ورزق, أن يحاسبه إن أخطأ في حقه. لا يوجد جدال في هذه النقطة. وأي خطأ أعظم من إنكار الإنسان لوجود خالقه والتمرد عليه وإنكار كل النعم التي أنعمها الله عليه؟ إنه ذنب ما بعده ذنب.

    ولأن الله مطلق وغير محدود, إذن فالكفر به وإلغاء وجوده كأنه لم يكن, هو أيضا ذنب غير محدود. وبما أن العدل يقتضي أن الجزاء يكون على حجم الفعل أو الذنب المرتكب, إذن فالعدل يقتضي أن يعاقب المنكر لوجود الله بعقاب غير محدود. وهذا العقاب غير المحدود هو الخلود في النار (عذاب غير محدود ولا يوصف) للأبد (فترة زمنية غير محدودة).

    وقد يرد أحد الإستلحاديين النصاري ويقول: فما الفرق إذن بينكم وبين النصارى الذين يقولون أن الله قد أرسل إبنه (تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك) ليكفر عن آدم وذريته بسبب معصيته لله. فآدم عليه السلام قد عصى الله, وهذا في عرفهم خطيئة غير محدودة! ولذلك استوجب الأمر كفارة غير محدودة! وهذه الكفارة غير المحدودة لا يمكن إلا أن تكون الله المتجسد في الإبن (تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك).

    والرد على هذا بسيط جدا, فهناك فرق شاسع بين الكفر بالله وإنكار وجوده كأنه لم يكن, وبين معصية أمر من أوامره مع الإيمان به تعالى. فالعدل يقتضي كما قلنا أن يكون الجزاء على مقدار الفعل أو الذنب, ولا مقارنة أساسا بين الكفر بالله تعالى وإنكار وجوده وبين معصية أمر من أوامره, وهو ذنب صغير, مع الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى. إذن فموضوع الكفارة غير المحدودة بسبب خطيئة آدم هو أمر غير عادل وغير منطقي البتة وبدعة أتى بها بولس. فالله سبحانه وتعالى قد عفا عن آدم عليه السلام بعد أن تاب آدم إليه وهذا ما يقوله القرآن الكريم وحتى توراة اليهود إلى يومنا هذا! فهذا هو العدل يا سادة وهكذا تكون بأن يكون الجزاء على مقدار الذنب.

    بالتالي يتضح لنا أن الخلود الأبدي في النار وآيات العذاب التي تجعل الإنسان يشفق على مصير كثير من الملحدين لا تنافي رحمة الله سبحانه وتعالى لأنها الجزاء العادل على ما ارتكبوه, والعدل لا ينفي الرحمة بتاتا بل هما صفتان متلازمتان.

    أتمنى أن أرى تعليقات وردود الأعضاء مؤمنين وملحدين.
    والسلام عليكم.
    التعديل الأخير تم 05-25-2009 الساعة 11:10 AM

  2. افتراضي

    جزاك الله خيرا على هذا الموضوع والطرح الرائع والهادف ...

    واريد ان اذكر وانووه بأن رحمة الله سبحانه وتعالى

    قدمها على غضبه .

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    ( إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي ) رواه البخاري ومسلم.

    فماارحمك يارب العالمين ...


    قال تعالى:{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }.

    قال تعالى:{ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ }.



    سبحانك ياربي الحليم ...

    فانت ارحم من انفسنا وخطايانا ...

    سبحانك وانت الغني عن العالمين .

    فما اعدلك يالله وماارحمك ياحليم على خلقك وخطاياهم....

    فسبحانك يامن جعلة باب التوبة مقتوح لغرغرة الرووح .

    وانا هنا اقول لكل من ظلم نفسه ...في غياهب الظلمات

    انجو بنفسك قبل الموت والخلود في العذاب ...فالله غفور رحيم

    قبل ان تأخذك العزة بالاثم وتقول لما العذاب الاليم والخلود في النار وانت تستحقه بكفرك ..

    فان كنت ظالما فالله سبحانه وتعالى يبسط يده لكل من تاب وعاد مهما كان

    ذنبه ... فرحمته وسعة كل شيء سبحانه وتعالى ويخرج عن اطار الرحمه الكافر والمشرك والملحد ...فهؤلاء لاتشملهم الرحمه

    لانهم لايستحقونها منه لكفرهم واشراكهم والحادهم ...

    فانجو بنفسك وكن موحدا يعبد خالقه ... فغرور عقلك سيهلكك الا الابد ...

    وهذا رد لكل من يتكلم بالظلم ويكذب العدل والتكرم من الله سبحانه وتعالى على خلقه .

    فمن رفض الخضوع للحق !!!

    ورفض طلب الرحمة من الله !!!

    فهو الذي ظلم نفسه بكفره وهو الذي جنى على نفسه بنفسه بالخلود بعذاب النار .



    قال تعالى ((وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم )) "هود" 101 آيه

    قال تعالى ((وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )) "النحل" 33آيه
    التعديل الأخير تم 05-26-2009 الساعة 05:43 AM

  3. #3

    افتراضي

    جزاك الله خيرا على هذا الموضوع والطرح الرائع والهادف ...
    أشكركم على إطرائكم الذي أخجل تواضعي.

  4. #4

    افتراضي

    وعليكم السلام والرحمة اخي نيلز بوهر ( تخصصي فيزياء بالمناسبه )

    اخي جوابك قد يفحمني

    لكن الحقيقه انه لا يقنعني

    يبقى الله ارحم الرحمين .. اريد ان اعرف اكثر عن رحمتهِ التي لا تتعارض مع العذاب الابدي

    جزيك خيراً
    ( لإن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين )

  5. #5

    افتراضي

    دعونا لا ننسى ان مسالة العذاب الابدي غير مفطوع بها
    فمن المسلمين من قال بفناء النار كابن القيم رحمه الله
    و ساق الادلة في كتابه حادي الارواح فمن شاء فليطلع عليها
    و معا ان هذا الراي مرجوح الا انه يبين احتمال ضئيل ان الله قد يخرج من النار حتى الكفار بعد ان يذوقوا العذاب بما يتناسب مع كفرهم
    اخيرا
    نحن مملوكين لله و الله يفعل بنا مايشاء سبحانه و اعتراض
    لاننا لا نملك اساسا حق الاعتراض

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,604
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    يا أبا أيمن لم يقل أحد ان الله سيخرج الكفار من النار لا ابن تيمية ولا ابن القيم و انما قالا ان النار ستفنى بمن فيها بعد آماد لايعلمها إلا الله فالكفار لا يخرجون ابدا من النار بل سيبقون فيها ما بقيت فإن فنيت فنوا معها و كما قلت انت ان هذا قول مخالف لما هو عليه جماهير علماء المسلمين .
    إذا كنتَ إمامي فكن أمامي

  7. #7

    افتراضي

    هذا ما فهمته اخي من كتاب ابن القيم
    خاصة عندما يسوق الادلة على سعة رحمة الله وانها صفة لازمة له بعكس العذاب
    و التفرقة بين الوعد و الوعيد ,,,, الخ
    عموما
    الا ترى ان قول سيدنا ابراهيم يفيد انه يامل في ان تعم رحمة الله حتىالمشركين حين قال (( فمن تبعني فانه مني و من عصاني فانك غفور رحيم ))
    او قول سيدنا عيسى (( ان تعذبهم فانهم عبادك و ان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم ))
    و كما قلت
    هذا راي مرجوح و انا لا اتبناه

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,604
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    هذا ما فهمته اخي من كتاب ابن القيم
    خاصة عندما يسوق الادلة على سعة رحمة الله وانها صفة لازمة له بعكس العذاب
    و التفرقة بين الوعد و الوعيد ,,,, الخ
    عموما الا ترى ان قول سيدنا ابراهيم يفيد انه يامل في ان تعم رحمة الله حتىالمشركين حين قال (( فمن تبعني فانه مني و من عصاني فانك غفور رحيم ))
    او قول سيدنا عيسى (( ان تعذبهم فانهم عبادك و ان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم ))
    و كما قلت هذا راي مرجوح و انا لا اتبناه
    المشكلة انك تقول ابن القيم ما لم يقله و انت فهمك خاطئ تماما بعيد جدا عما أراده بعد السماء عن الارض او بعد الاسلام عن الكفر فما تقوله انت هو كفر صريح فمن اعتقد ان الكافر سيخرج من النار و يدخل الجنة هذا كافر ولا شك عند جميع المذاهب الاسلامية قاطبة ...و ابن القيم و معه ابن تيمية قالا ان الكفار خالدون في النار لا يخرجون منها ابدا و إذا أفنى الله النار أفناهم معها و فرق كبير جدا بين ما يقولا به و ما تنسبه لهما .
    إذا كنتَ إمامي فكن أمامي

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    3,251
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا، فستعلمون من هو في ضلال مبين}


  10. #10

    افتراضي

    هذا كلام ابن القيم


    فناء النار وحدها فقد أوجدنا كم من قال به من الصحابة و تفريقهم بين الجنة و النار فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع مع انه لا يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين فقولكم انه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم و آرائهم و اختلافهم قالوا و القول الذي يعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله و سنة رسوله و إجماع الأمة أما الصحابة أو من بعدهم و أما قول يوافق الكتاب و السنة و أقوال الصحابة فلا يعد من أقوال أهل البدع و أن دانوا به و اعتقدوه فالحق يجب قبوله ممن قاله و الباطل يجب رده على من قاله و كان معاذ بن جبل يقول الله حكم قسط هلك المرتابون أن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال و يفتح فيها القران حتى يقرؤه المؤمن والمنافق والمرآة والصبي والأسود والأحمر فيوشك أحدهم أن يقول قد قرأت القران فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع بدلهم غيره فإياكم و ما ابتدع فان كل بدعة ضلالة و إياكم و زيغة الحكيم فان الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة و أن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فان على الحق نورا قالوا و كيف زيغة الحكيم قال هي الكلمة تروعكم و تنكرونها و تقولون ما هذه فاحذروا زيغته و لا تصدنكم عنه فانه يوشك أن يفيء و أن يراجع الحق و أن العلم و الإيمان مكانهما إلى يوم القيامة و الذي اخبر به أهل السنة في عقائدهم هو الذي دل عليه الكتاب و السنة و اجمع عليه السلف أن الجنة و النار مخلوقتان و أن أهل النار لا يخرجون منها و لا يخفف عنهم من عذابها العذاب و لا يفتر عنهم و انهم خالدون فيها و من ذكر منهم أن النار لا تفنى
    أبدا فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها و لم يبلغه تلك الآثار التي تقدم ذكرها قالوا و أما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فأخبار عن العقل بما ليس عنده فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق و أما اصل الثواب و العقاب فهل يعلم بالعقل مع السمع أول لا يعلم إلا بالسمع وحده ففيه قولان لنظار المسلمين من اتباع الأئمة الأربعة و غيرهم و الصحيح أن العقل دل على المعاد و الثواب و العقاب إجمالا و أما تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع و دوام الثواب و العقاب مما لا يدل عليه العقل بمجرده وأنما علم بالسمع و قد دل السمع دلالة قاطعة على دوام ثواب المطيعين و أما عقاب العصاة فقد دل السمع أيضا دلالة قاطعة على انقطاعه في حق الموحدين و أما دوامه و انقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن كان السمع من جانبه فهو اسعد بالصواب وبالله التوفيق فصل و نحن نذكر الفرق بين دوام الجنة و النار شرعا و عقلا و ذلك يظهر من وجوه أحدها أن الله سبحانه و تعالى اخبر ببقاء نعيم اهل الجنة ودوامه و انه لا نفاد له و لا انقطاع و انه غير مجذوذ و أما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها فيها و عدم خروجهم منها و انهم لا يموتون فيها و لا يحيون و إنها مؤصدة عليهم و انهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها و أن عذابها لازم لهم و انه مقيم عليهم لا يفتر عنهم و الفرق بين الخبرين ظاهر الوجه الثاني أن النار قد اخبر سبحانه و تعالى في ثلاث آيات عنها بما يدل على عدم أبديتها الأولى قوله سبحانه و تعالى قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله أن ربك حكيم عليم و الثانية قوله خالدين فيها ما دامت السموات و الأرض إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد الثالثة قوله لابثين فيها أحقابا و لولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة و دوامها لكان حكم الاستثنائين في الموضعين واحدا كيف وفي الايتين من السياق ما يفرق بين الاستثنائين فانه قال في أهل النار أن ربك فعال لما يريد فعلمنا أنه الله سبحانه و تعالى يريد أن يفعل فعلا لم يخبرنا به و قال في أهل الجنة عطاء غير مجذوذ فعلمنا أن هذا العطاء و النعيم غير مقطوع عنهم أبدا فالعذاب موقت معلق و النعيم ليس بموقت و لا معلق الوجه الثالث انه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين الذين يخرجهم الله من النار و أما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط و لا يعذب إلا من عصاه الوجه الرابع انه قد ثبت أن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يوم القيامة يسكنهم إياها و لا يفعل ذلك بالنار و أما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله و أما النار فينشئ الله لها خلقا آخرين فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث و إنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه و أما الجنة فينشئ الله لها خلقا آخرين ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا و هذا والمقصود انه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق يوضحه الوجه الخامس أن الجنة من موجب رحمته و رضاه و النار من غضبه و سخطه و رحمته سبحانه تغلب غضبه و تسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه انه قال لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي و إذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه و ما هو من موجب غضبه ممتنعا يوضحه الوجه السادس أن ما كان بالرحمة و للرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات و ما كان من موجب الغضب و السخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو مسبوق مغلوب مراد لغيره و ما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه يوضحه الوجه السابع و هو انه سبحانه و تعالى قال للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء و عذابه مفعول منفصل و هو ناشئ عن غضبه و رحمته ههنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن فههنا أربعة أمور رحمة هي وصفه سبحانه وثواب منفصل هو ناشىء عن رحمه وغضب يقوم به سبحانه و عقاب منفصل ينشا عنه فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلان يغلب ما كان بالرحمة لما كان بالغضب أولى و أحرى فلا تقاوم النار التي نشأت عن الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة يوضحه الوجه الثامن أن النار خلقت تخويفا للمؤمنين و تطهيرا للخاطئين و المجرمين فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فان تطهرت ههنا بالتوبة النصوح و الحسنات الماحية و المصائب المكفرة لم يحتج إلى تطهير هناك و قيل لها مع جملة الطيبين سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و أن لم ننطهر في هذه الدار و وافت الدار الأخرى بدرنها و نجاستها و خبثها أدخلت النار طهرة لها و يكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن و الخبث و النجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار و الله سبحانه خلق عباده حنفاء و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها فلو خلوا و فطرهم لما
    نشؤا إلا على التوحيد و لكن عرض لا كثر الفطر ما غيرها و لهذا كان نصيب النار اكثر من نصيب الجنة و كان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلا الله فأرسل الله رسله و انزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي فطرهم عليها فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما جاءت به الرسل و نزلت به الكتب بالفطرة الأولى فتوافق عندهم شرع الله و دينه الذي أرسل به رسله و فطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة المنزلة و الفطرة المكملة أن تكتسب نفوسهم خبثا و نجاسة و درنا يعلق بها و لا يفارقها بل كلما ألم بهم شيء من ذلك و مسهم طائف من الشيطان اغاروا عليه بالشرعة و الفطرة فأزالوا موجبه و أثره و كمل لهم الرب تعالى ذلك باقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون تمحص عنهم تلك الآثار التي شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا قابلا مستعدا لها ليس فيه شيء يدافعه فقال ههنا أمرت و ليس لله سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب كما قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما و استمر الأشقياء مع تغيير الفطرة و نقلها مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد و تم التغيير فاحتاجوا في ازالة ذلك إلى تغيير آخر و تطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله المتلوة و المخلوقة و أقداره المحبوبة و المكروهة في هذه الدار فأتاح لهم آيات آخر وأقضية و عقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث و النجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العذاب و سببه زال العذاب و بقي مقتضى الرحمة لا معارض له فان قيل هذا حق و لكن سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا كمعاصي الموحدين أما إذا كان لازما كالكفر و الشرك فان أثره لا يزول كما لا يزول السبب و قد أشار سبحانه إلى هذه المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها قوله تعالى و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فهذا إخبار بان نفوسهم و طبائعهم لا تقتضي غير الكفر و الشرك و إنها غير قابلة للإيمان أصلا ومنها قوله تعالى و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا فاخبر سبحانه أن ضلالهم و عماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل و إذا كان العمى و الضلال لا يفارقهم فان موجبه وأثره و مقتضاه لا يفارقهم ومنها قوله تعالى و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو اسمعهم لتولوا و هم معرضون و هذا يدل على انه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة و لو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره و يدل على انهم لا خير فيهم هناك أيضا قوله اخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير فلو كان عند هؤلاء أدنى ادنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين قيل لعمر الله أن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسئلة و أن الأمر لكما قلتم و أن العذاب يدوم بدوام موجبه و سببه و لا ريب انهم في الآخرة في عمى و ضلال كما كانوا في الدنيا و وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا و العذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك و لكن هل هذا الكفر والتكذيب و الخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل أم هو امر عارض طارئ على الفطرة قابل للزوال هذا حرف المسئلة و ليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله و انه أمر ذاتي و قد اخبر سبحانه و تعالى انه فطر عباده على الحنيفية و أن الشياطين اجتالتهم عنها فلم يفطرهم سبحانه على الكفر و التكذيب كما فطر الحيوان البهيم على طبيعته و إنما فطرهم على الإقرار بخالقهم و محبته و توحيده فإذا كان هذا الحق الذي قد فطروا عليه وقد خلقوا عليه قد أمكن زواله بالكفر و الشرك الباطل فإمكان زوال الكفر و الشرك الباطل بضده من الحق أولى و أحرى و لا ريب انهم لو ردوا على تلك الحال التي هم عليها لعادوا لما نهوا عنه و لكن من أين لكم أن تلك الحال لا تزول و لا تتبدل بنشأة أخرى ينشئهم فيها تبارك و تعالى إذا أخذت النار مأخذها منهم و حصلت الحكمة المطلوبة من عذابهم فان العذاب لم يكن سدى و إنما كان لحكمة مطلوبة فإذا حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب و لا غرض يقصد و الله سبحانه ليس يشتفي بعذاب عباده كما يشتفى المظلوم من ظالمه و هو لا يعذب عبده لهذا الغرض و إنما يعذبه طهرة له و رحمة به فعذابه مصلحة له و أن تألم به غاية الألم كما أن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة لأربابها و قد سمى الله سبحانه و تعالى الحد عذابا و قد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داء دواء يناسبه و دواء الضال يكون من اشق الأدوية و الطبيب الشفيق يكون المريض بالنار كيا بعد كي ليخرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة و أن رأى قطع العضو اصلح للعليل قطعه و أذاقه اشد الألم فهذا قضاء الرب و قدره في إزالة مادة غريبة طرأت على الطبيعة المستقيمة بغير اختيار العبد فكيف إذا طرا على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد و اراداته و إذا تأمل اللبيب شرع الله تبارك و تعالى و قدره في الدنيا و ثوابه و عقابه
    في الآخرة وجد ذلك في غاية التناسب و التوافق و ارتباط ذلك ببعضه البعض فان مصدر الجميع عن علم تام وحكمة بالغة و رحمة سابغة و هو سبحانه و الملك الحق المبين و ملكه ملك رحمة و إحسان و عدل الوجه التاسع أن عقوبته للعبد ليست لحاجته إلى عقوبته لا لمنفعة تعود إليه و لا لدفع مضرة و ألم يزول عنه بالعقوبة بل يتعالى عن ذلك و يتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب و النقائص و لا هي عبث محض خال عن الحكمة و الغاية الحميدة فانه أيضا يتنزه عن ذلك و تعالى عنه فأما أن يكون من تمام نيعم أوليائه و أحبابه و أما أن يكون من مصلحة الأشقياء و مداواتهم أو لهذا ولهذا و على التقادير الثلاث فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل لا قصد الغايات و المراد أن الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها و نعيم أوليائه ليس متوقفا في اصله و لا في كماله على استمرار عذاب أعدائه و دوامه مصلحة الأشقياء ليست في الدوام و الاستمرار و أن كان في اصل التعذيب مصلحة لهم الوجه العاشر أن رضى الرب تبارك و تعالى و رحمته صفتان ذاتيتان له فلا منتهى لرضاه بل كما قال أعلم الخلق به سبحان الله وبحمده عدد خلقه و رضى نفسه و زنة عرشه و مداد كلماته فإذا كانت رحمته غلبت غضبه فان رضى نفسه أعلى و اعظم فان رضوانه اكثر من الجنات و نعيمها و كل ما فيها و قد اخبر أهل الجنة انه يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا و أما غضبه تبارك و تعالى و سخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل و لا يزال غضبان و الناس لهم في صفة الغضب قولان أحدهما انه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله و الثاني انه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به وعلى القوانين فليس كالحياة و العلم و القدرة التي يستحيل مفارقتها له و العذاب إنما ينشا من صفة غضبه وما سعرت النار إلا بغضبه و قد جاء في اثر مرفوع أن الله خلق خلقا من غضبه و أسكنهم بالمشرق و ينتقم بهم ممن عصاه فمخلوقاته سبحانه نوعان نوع مخلوق من الرحمة و بالرحمة و نوع مخلوق من الغضب وبالغضب فانه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه و منها انه يرضى و يغضب و يثيب و يعاقب و يعطي و يمنع و يعز و يذل و ينتقم و يعفو بل هذا موجب ملكه الحق و حقيقة الملك المقرون بالحكمة و الرحمة و الحمد فإذا زال غضبه سبحانه و تعالى و تبدل برضاه زالت عقوبته و تبدلت برحمته فانقلبت العقوبة إلى رحمة بل لم تزل رحمة و أن تنوعت صفتها و صورتها كما كان عقوبة العصاة رحمة و إخراجهم من النار رحمة فتقلبوا في رحمته في الدنيا و تقلبوا فيها في الآخرة لكن تلك الرحمة يحبونها و توافق طبائعهم و هذه رحمة يكرهونها و تشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يضع لحم المريض و يلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة فان قيل هذا اعتبار غير صحيح فان الطبيب يفعل ذلك بالعليل و هو يحبه و هو راض عنه و لم ينشا فعله به عن غضبه بغضبه عليه و لهذا لا يسمى عقوبة و أما عذاب هؤلاء فانه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم و هو عقوبة محضة قيل هذا حق و لكن لا ينافي كونه رحمة بهم و أن كان عقوبة لهم و هذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فانه عقوبة و رحمة و تخفيف و طهرة فالحدود طهرة لأهلها و عقوبة و هم لما أغضبوا الرب تعالى و قابلوه بما لا يليق أن يقابل به و عاملوه اقبح المعاملة و كذبوه و كذبوا رسله و جعلوا اقل خلقه و اخبثهم و امقتهم له ندا له و إلهة معه و اثروا رضاهم على رضاه و طاعتهم على طاعته و هو ولي الإنعام عليهم و هو خالقهم و رازقهم و مولاهم الحق اشتد مقته لهم و غضبه عليهم و ذلك يوجب كمال أسمائه و صفاته التي يستحيل عيله تقدير خلافها و يستحيل عليه تخلف آثارها و مقتضاها عنها بل ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها و كلا التعطيلين محال عليه سبحانه و تعالى فالمعطلون نوعان أحدهما عطل صفاته والثاني عطل أحكامها و موجباتها و كان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه و دواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران فإذا زال الغضب بزوال المادة الفاسدة بتغيير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الاحقاب عليها وحصلت الحكمة التي اوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها و طلبت أثرها من غير معارض يوضحه الوجه الحادي عشر و هو أن العفو احب إليه سبحانه من الانتقام و الرحمة احب إليه من العقوبة و الرضا احب إليه من الغضب و الفضل احب إليه من العدل و لهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه و قدره و يظهر كل الظهور لعباده في ثوابه و عقابه و إذا كان ذلك احب الأمرين إليه و له خلق الخلق و انزل الكتب و شرع الشرائع و قدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما وتلك المواد الردية الفاسدة مرض من الأمراض و بيده سبحانه و تعالى الشفاء التام و الأدوية الموافقة لكل داء و له القدرة التامة و الرحمة السابغة و الغنى المطلق بالعبد اعظم حاجة إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر و المشقة و قد عرف العبد انه عليل و أن دواءه بيد الغني الحميد فتضرع إليه و دخل به عليه و استكان له و انكسر قلبه بين يديه و ذل لعزته و عرف أن الحمد كله له و أن الحق كله له و انه هو الظلوم الجهول وان ربه تبارك و تعالى عامله بكل عدله لا ببعض عدله و أن له غاية الحمد فيما فعل به و أن حمده هو الذي أقامه في هذا المقام و أوصله إليه و انه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه بل ذلك محض فضل الله و صدقته عليه و انه لا نجاة له مما هو فيه إلا بمجرد العفو و التجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم و عيب و نقص و ربه تعالى أولى بكل حمد و كمال و مدح فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه و رحمته و كماله و حمده الذي أوجب لهم ذلك فطلبوا مرضاته و لو بدوامهم في تلك الحال و قالوا أن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد وما اوضان الى هذه الحال الا طلب مالا يرضيك فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية ما نقصده و ما لجرح إذا أرضاك من ألم و أنت ارحم بنا من أنفسنا و اعلم بمصالحنا و لك الحمد كله عاقبت أو عفوت لانقلبت النار عليهم بردا و سلاما و قد روى الإمام احمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع أن النبي قال يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا و رجل أحمق و رجل هرم و رجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام و ما اسمع شيئا و أما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والضبيان يحذفوني بالبعر واما الهرم فيقول ربى لقد جاء الاسلام و ما اعقل شيئا و أما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا و سلاما و في المسند أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله و قال فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و من لم يدخلها يسحب إليها فهؤلاء لما رضوا بتعذيبهم و بادروا إليه لما علموا أن فيه رضى ربهم و موافقة أمره و محبته انقلب في حقهم نعيما و مثل هذا ما رواه عبد الله بن المبارك حدثني رشدين قال حدثني ابن انعم عن أبي عثمان انه حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال أن رجلين ممن دخلا النار يشتد صياحهما فقال الرب جل جلاله أخرجوهما فإذا أخرجا فقال لهما لاي شيء اشتد صياحكما قال فعلنا ذلك لترحمنا قال رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار قال فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها الله سبحانه عليه بردا و سلاما و يقوم الآخر فلا يلقي فيقول له الرب تبارك و تعالى ما منعك أن تلقي نفسك كما القى صاحبك فيقول رب إني أرجوك أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها فيقول الرب و تعالى لك رجاؤك فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله و ذكر الاوزاعي عن بلال بن سعد قال يؤمر بإخراج رجلين من النار فإذا خرجا و وقفا قال الله لهما كيف وجدتما مقيلكما و سوء مصيركما فيقولان شر مقيل و أسوا مصير صار إليه العبد فيقول لهما بما قدمت ايديكما و ما أنا بظلام للعبيد قال فيؤمر بصرفهما إلى النار فأما أحدهما فيغدوا في أغلاله و سلاسله حتى يقتحمها و أما الآخر فيتلكا فيؤمر بردهما فيقول للذي غدا في أغلاله و سلاسله حتى اقتحمها ما حملك على ما صنعت و قد خرجت منها فيقول إني خبرت من وبال معصيتك و ما لم اكن أتعرض لسخطك ثانيا و يقول للذي تلكأ ما حملك على ما صنعت فيقول حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن لا تردني إليها فيرحمهما جميعا و يأمر بهما إلى الجنة الوجه الثاني عشر أن النعيم و الثواب من مقتضى رحمته و مغفرته وبره كرمه و لذلك يضيف ذلك إلى نفسه و أما العذاب و العقوبة فإنما هو من مخلوقاته و لذلك لا يسمى بالمعاقب و المعذب بل يفرق بينهما فيجعل ذلك من أوصافه و هذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة كقوله تعالى نبئ عبادي إني أنا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الأليم و قال تعالى اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم إن ربك لسريع العقاب و انه لغفور رحيم و مثلها في آخر الأنعام فما كان مقتضى أسمائه و صفاته فانه يدوم بدوامها و لا سيما إذا كان محبوبا له و هو غاية مطلوبة في نفسها و أما الشر الذي هو العذاب فلا يدخل في أسمائه و صفاته إن ادخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفنني بخلاف الخير فانه سبحانه و تعالى دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا و هو قديم الإحسان ابدي الإحسان فلم يزل و لا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام منتقما على الدوام فتأمل هذا الوجه تأمل ففيه في باب أسماء الله و صفاته يفتح لك باب من أبواب معرفته و محبته يوضحه الوجه الثالث عشر و هو قول اعلم خلقه به و اعرفهم بأسمائه و صفاته و الشر ليس إليك و لم يقف على المعنى المقصود من قال الشر لا يتقرب به إليك بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه لا في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله و لا في أسمائه فان ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه و صفاته كلها صفات كمال و يحمد عليها و يثنى عليه بها و أفعاله كلها خير و رحمة و عدل و حكمة لا شر فيها بوجه ما و أسماؤه كلها حسنى فكيف يضاف الشر إليه بل الشر في مفعولاته و مخلوقاته و هو منفصل عنه إذ فعله غير مفعول ففعله خير كله و أما المخلوق المفعول ففيه الخير و الشر و إذا كان الشر مخلوقا منفصلا غير قائم بالرب سبحانه فهو لا يضاف إليه و هو لم يقل أنت لا تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله و إنما نفى إضافته إليه وصفا و فعلا و أسماء و إذا عرف هذا فالشر ليس إلا الذنوب و موجباتها و أما الآخر فهو الإيمان و الطاعات و موجباتها و الإيمان و الطاعات متعلقة به سبحانه و لاجلها خلق الله خلقه و أرسل رسله و انزل كتبه و هي ثناء على الرب تبارك و تعالى و إجلاله و تعظيمه و عبوديته و هذه لها آثار تطلبها و تقتضيها فتدوم آثارها بدوام متعلقها و أما الشرور فليس مقصودة لذاتها و لا هي الغاية التي خلق لها الخلق فهي مفعولات قدرت لامر محبوب و جعلت وسيلة إليه فإذا حصل ما قدرت له اضمحلت و تلاشت و عاد الأمر إلى الخير المحض الوجه الرابع عشر انه سبحانه و تعالى اخبر إن رحمته وسعت كل شيء فليس شيء من الأشياء إلا و فيه رحمته ولا ينافي هذا انت ترحم العبد بمات يشق عليه ويؤلمه وتشتد كراهته له فان ذلك من أيضا كما تقدم و قد ذكرنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه آنفا و قوله تعالى لذينك الرجلين رحمتي لكما إن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار و قد جاء في بعض الآثار إن العبد إذا دعى لمبتلى قد اشتد بلاؤه و قال اللهم ارحمه يقول الرب تبارك و تعالى كيف ارحمه من شيء به ارحمه فالابتلاء رحمة منه لعباده و في اثر الهي يقول الله تعالى أهل ذكر أهل مجالستي و أهل طاعتي أهل كرامتي و أهل شكري أهل زيادتي و أهل معصيتي لاقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ابتليهم بالمصايب لاطهرهم من المعايب فالبلاء و العقوبة قدرته لإزالة أدواء لا تزول إلا بها و النار هي الدواء الأكبر فمن تداوى في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في الآخرة و إلا فلا بدله من الدواء بحسب دائه و من عرف الرب تبارك و تعالى بصفات جلاله و نعوت كماله من حكمته و رحمته وبره و إحسانه و غناه و جوده و تحببه إلى عباده و إرادة الأنعام عليهم و سبق رحمته لهم يبادر لا إنكار ذلك إن لم يبادر إلى قبوله يوضحه الوجه الخامس عشر إن أفعاله سبحانه لا تخرج عن الحكمة و الرحمة و المصلحة و العدل فلا يفعل عبثا و لا جورا و لا باطلا بل هو المنزه عن ذلك كما ينزه عن سائر العيوب و النقائص و إذا ثبت ذلك فتعذيبهم إن كان رحمة بهم حتى يزول ذلك الخبث و تكمل الطهارة فظاهر و إن كان لحكمة فإذا حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب و ليس في الحكمة دوام العذاب أبدا الآباد بحيث يكون دائما بدوام الرب تبارك و تعالى و إن كان لمصلحة تعود إلى أوليائه فان ذلك اكمل في نعيمهم فهذا لا يقتضي تأبيد العذاب و ليس نعيم أوليائه و كماله موقوفا على بقاء آبائهم و أبنائهم و أزواجهم في العذاب السرمد فان قلتم إن ذلك موجب الرحمة و الحكمة و المصلحة قلتم ما لا يعقل و إن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة و لا تطلب له حكمة و لا غاية فجوابه من وجهين أحدهما إن ذلك محال على احكم الحاكمين و اعلم العالمين إن تكون أفعاله معطلة عن الحكم و المصالح و الغايات المحمودة و القرآن و السنة و أدلة العقول و الفطر و الآيات المشهودة شاهدة ببطلان ذلك و الثاني انه لو كان الأمر كذلك لكان بقاؤهم في العذاب و انقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته سواء و لم يكن في انقضائه ما ينافي كماله و هو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب و انه لا نهاية له و غاية الأمر على هذا التقدير إن يكون من الجائزات الممكنات الموقوف على حكمها على خبر الصادق فان سلكت طريق التعليل بالحكمة و الرحمة و المصلحة لم يقتض الدوام و إن سلكت طريق المشيئة المحضة التي لا تعلل لم تقتضه أيضا و إن وقف الأمر على مجرد السمع فليس فيه متن يقتضيه الوجه السادس عشر ان رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فانه أنشأهم برحمته و رباهم برحمته و رزقهم و عافاهم برحمته و أرسل إليهم الرسل برحمته و أسباب النقمة و العذاب متأخر عن أسباب الرحمة طارئة عليها فرحمته سبقت غضبه فيهم و خلقهم على خلقة تكون رحمته إليهم اقرب من غضبه و عقوبته و لهذا ترى الأطفال الكفار قد آلت عليهم رحمته فمن رآهم رحمهم و لهذا نهى عن قتلهم فرحمته سبقت
    غضبه فيهم فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم و ابتلائهم و إذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وان عارضها اثر الغضب و السخط فذلك لسبب منهم و أما اثر الرحمة فسببه منه سبحانه و تعالى فما منه يقتضي رحمتهم و ما منهم يقتض عقوبتهم و الذي منه سابق و غالب و إذا كانت رحمته تغلب غضبه فلان يغلب اثر الرحمة اثر الغضب أولى و أحرى الوجه السابع عشر انه سبحانه و تعالى يخبر عن العذاب انه عذاب يوم عقيم و عذاب يوم عظيم و عذاب يوم اليم و لا يخبر عن النعيم انه نعيم يوم و لا في موضع واحد و قد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة و المعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم و الله سبحانه جعل العذاب على ما كان في الدنيا و أسبابها و ما أريد به الدنيا ولم ولك يرد به الله فالعذاب على ذلك و أما إن كان للآخرة و أريد به وجه الله فلا عذاب و الدنيا قد جعل لها اجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به و أما ما أريد به وجه الله و الدار الآخرة فقد أريد به ما لا يفنى و لا يزول فيدوم بدوام المراد به فان الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول ما لم يزل ما تعلق بها بخلاف الغاية المضمحلة الفانية فما أريد به غير الله يضمحل و يزول بزوال مراده و مطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا و انقطعت أسبابها و انتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال و الذوات و انقلب عذابا و آلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم الوجه الثامن عشر انه ليس في حكمة احكم الحاكمين إن يخلق خلقا يعذبهم ابد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له و لا انقطاع أبدا و قد دلت الأدلة السمعية و العقلية و الفطرية على انه سبحانه و تعالى حكيم و انه احكم الحاكمين فإذا عذب خلقه عذبهم بحكمة كما يوجد التعذيب و العقوبة في الدنيا في شرعه و قدره فان فيه من الحكم و المصالح و تطهير العبد ومداواته و إخراج المواد الردية عنه بتلك الآلام ما تشهده العقول الصحيحة و في ذلك من تزكية النفوس و صلاحها و زجرها و ردع نظائرها و توقيفها على فقرها و ضرورتها الى ربها و غير ذلك من الحكم و الغايات الحميدة ما لا يعلمه إلا الله و لا ريب إن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب و لهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا ذهبوا و نفوا أذن لهم في دخول الجنة و معلوم إن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا يصلح إن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين فإذا عذبوا في النار عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الخبث و الوسخ و الدرن كان ذلك من حكمة احكم الحاكمين و رحمته و لا يتنافى الحكمة خلق نفوس فيها شر يزول بالبلاء الطويل و النار كما يزول بها خبث الذهب و الفضة و الحديد فهذا معقول في الحكمة و هو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدا و عذابها لا انتهاء له فلا يظهر في الحكمة و الرحمة و في وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء أعنى ذواتا هي شر من كل وجه ليس فيها شيء من خير أصلا و على تقدير دخوله في الوجود فالرب تبارك و تعالى قادر على قلب الأعيان و إحالتها و إحالة صفاتها فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس و الحكمة المطلوبة من تعذيبها فالله سبحانه قادر إن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة و يرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة يوضحه الوجه التاسع عشر و هو انه قد ثبت إن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يسكنهم إياها و لم يعملوا خيرا قط تكون الجنة جزاء لهم عليه فإذا اخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه و بلغت العقوبة مبلغها فانكسرت تلك النفوس و خضعت و ذلت و اعترفت لربها و فاطرها بالحمد و انه عدل فيها كل العدل و إنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه و لو شاء إن يكون عذابهم اشد من ذلك لفعل و شاء كتب العقوبة طلبا لموافقة رضاه و محبته و علم إن العذاب أولى بها و انه لا يليق بها سواه و لا تصلح إلا له فذابت منها تلك الخبائث كلها و تلاشت و تبدلت بذل و انكسار و حمد و ثناء الرب تبارك و تعالى لم يكن في حكمته إن يستمر بها في العذاب بعد ذلك إذ قد تبدل شرها بخيرها و شركها بتوحيدها و كبرها بخضوعها و ذلها و لا ينتقض هذا بقول الله عز و جل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فان هذا قبل مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث و إنما هو عند المعاينة قبل الدخول فانه سبحانه و تعالى قال و لو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهذا إنما قالوه قبل إن يستخرج العذاب منهم تلك الخبائث فأما إذا لبثوا في العذاب أحقابا و الحقبكما رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي امامة رضي الله عنه عن النبي انه قال الحقب خمسون ألف سنة فانه من الممتع إن يبقى ذا الكبر و الشرك و الخبث بعد هذه المدد المتطاولة في العذاب الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول الله الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما و هو الفحم المحترق بالنار و ظاهر السياق انه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فان لفظ الحديث هكذا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط فهذا السياق يدل على إن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير و مع هذا فأخرجتهم الرحمة و من هذا رحمته سبحانه و تعالى للذي أوصى أهله إن يحرقوه بالنار و يذروه في البر و البحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه و تعالى فهذا قد شك في المعاد و القدرة و لم يعمل خيرا قط و مع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت قال خشيتك و أنت تعلم فما تلافاه إن رحمه الله فلله سبحانه و تعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر و قد ثبت في حديث انس رضي الله عنه إن رسول الله قال يقول الله عز و جل اخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام قالوا و من ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر به يوما واحدا و لا خافه ساعة واحدة و لا ريب إن رحمته سبحانه و تعالى إذا أخرجت من النار من ذكره وقتا أو خافه في مقام ما فغير بدع إن تنفى النار و لكن هؤلاء خرجوا منها و هي نار الوجه الحادي و العشرون إن اعتراف العبد بذنبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السواء و الظلم و اللوم إليه من كل وجه و نسبة و عدل و الحمد و الرحمة و الكمال المطلق إلى ربه من كل وجه يستعطف ربه تبارك و تعالى عليه و يستدعي رحمته له و إذا أراد إن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه و الرحمة معه و لا سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك المعاودة لما يسخط ربه عليه و علم الله إن ذلك داخل في قلبه و سويدائه فانه لا تتخلف عنه الرحمة مع ذلك و في معجم الطبراني من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن سليمان بن عامر عن أبي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبطن كالغلام يضربه أبوه و هو يفر منه يعجز عنه عمله إن يسعى فيقول يا رب بلغ بي الجنة و نجني من النار فيوحي الله تبارك و تعالى اليه عبدي إن أنا نجيتك من النار و أدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك و خطاياك فيقول العبد نعم يا رب و عزتك و جلالك إن نجيتني من النار لاعترفن لك بذنوبي و خطاياي فيجوز الجسر فيقول العبد فيما بينه و بين نفسه لئن اعترفت له بذنوبي و خطاياي ليردني إلى النار فيوحي الله إليه عبدي اعترف لي بذنوبك و خطاياك اغفرها لك و أدخلك الجنة فيقول العبد لا و عزتك و جلالك ما أذنبت ذنبا قط و لا أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه عبدي إن لي عليك بينة فيلتفت العبد يمينا و شمالا فلا يرى أحدا فيقول أي رب ارني بينتك فينطق الله تعالى جلده بالمحقرات فإذا رأى ذلك العبد يقول يا رب عندي و عزتك العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا اعرف بها منك اعترف لي بها اغفرها لك و أدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة ثم ضحك رسول الله حتى بدت نواجذه يقول هذا أدنى أهل الجنة منزلة فكيف بالذي فوقه فالرب تبارك و تعالى يريد من عبده الاعتراف و الانكسار بين يديه و الخضوع و الذلة له و العزم على مرضاته فما دام أهل النار فاقدين لهذه الروح لروح فهم فاقدون الرحمة فإذا أراد عز و جل إن يرحمهم أو من يشاء منهم جعل في قلبه ذلك فتدركه الرحمة و قدرة الرب تبارك و تعالى غير قاصرة عن ذلك و ليس فيه ما يناقض موجب أسمائه و صفاته و قد اخبر انه فعال لما يريد الوجه الثاني و العشرون انه سبحانه و تعالى أوجب الخلود على معاصي الكبائر و قيده بالتأبيد و لم يناف ذلك انقطاعه و انتهاؤه فمنها قوله تعالى و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و اعد له عذابا عظيما و منها قول النبي من قتل نفسا بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و هو حديث صحيح و كذلك قوله في الحديث الآخر في قاتل نفسه فيقول الله تبارك و تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة و ابلغ من هذا قوله تعالى و من يعص الله و رسوله فان له نار جهنم خالدا فيها أبدا فهذا وعيد مقيد بالخلود و التأبيد مع انقطاعه قطعا بسبب العبد و هو التوحيد فكذلك الوعيد العام لأهل النار لا يمتنع انقطاعه بسبب ممن كتب على نفسه الرحمة و غلبت رحمته غضبه فلو يعلم الكافر بكل ما عنده من الرحمة لما يئس من رحمته كما في صحيح البخاري عنه خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة و قال في آخره فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم يياس من الجنة و لو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار الوجه الثالث و العشرون انه لو جاء الخبر منه سبحانه و تعالى صريحا بان عذاب النار لا انتهاء له و انه ابدي لا انقطاع له لكان ذلك وعيدا منه سبحانه و تعالى و الله تعالى لا يخلف وعده و أما الوعيد فمذهب اهل السنة كلهم إن إخلافه كرم و عفو و تجاوز يمدح الحرب تبارك و تعالى به و يثنى عليه به فانه حق له إن شاء تركه و إن شاء استوفاه و الكريم لا يستوفي حقه فكيف بأكرم الاكرمين و قد صرح سبحانه و تعالى في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف وعده و لم يقل في موضع واحد لا يخلف وعيده و قد روى أبو يعلى الموصلي ثنا هدبة بن خالد حدثنا سهيل بن أبي حزم ثنا ثابت البنائي عن انس بن مالك رضي الله عنه إن رسول الله قال من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه و من واعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار و قال أبو الشيخ الاصبهاني ثنا محمد بن حمزة ثنا احمد بن الخليل ثنا الأصمعي قال جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال يا أبا عمرو يخلف الله ما وعده قال لا قال افرايت من اوعده الله على عمله عقابا أيخلف الله وعده عليه فقال أبو عمرو بن العلاء من العجمة أتيت يا أبا عثمان إن الوعد غير الوعيد إن العرب لا تعد عارا و لا خلفا إن تعد شرا ثم لا تفعله ترى ذلك كرما و فضلا و إنما الخلف إن تعد خيرا ثم لا تفعله قال فاوجدني هذا في كلام العرب قال نعم أما سمعت إلى قول الأول
    و لا يرهب ابن العم ما عشت سطوتي ... و لا اختشي من صولة المتهدد ...
    و إني و إن اوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي و منجز موعدي ... قال أبو الشيخ و قال يحيى بن معاذ الوعد و الوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم إذا فعلوا كذا و إن يعطيهم كذا و من أولى بالوفاء من الله و الوعيد
    حقه على العباد قال لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فان شاء عفا و إن شاء اخذ لان حقه و أولاهما بربنا تبارك و تعالى العفو و الكرم انه غفور رحيم و مما يدل على ذلك و يؤيده خبر كعب بن زهير حين اوعده رسول الله فقال نبئت إن رسول الله اوعدني ... و العفو عند رسول الله مأمول ...
    فإذا كان هذا في وعيد مطلق فكيف بوعيد مقرون باستثناء معقب بقوله إن ربك فعال لما يريد و هذا أخبار منه انه يفعل ما يريد عقيب قوله إلا ما شاء ربك فهو عائد اليه ولا بد ولا يجوز ان يرجع الى المستثنى منه وحده بل اما ان يختص بالمستثنى او يعود اليهما وغير خاف ان تعلقه بقوله الا ما شاء ربك أولى من تعلقه بقوله خالدين بخالدين فيها و ذلك ظاهر للمتأمل و هو الذي فهمه الصحابة فقالوا أتت هذه الآية في وعيد القران و لم يريدوا بذلك الاستثناء وحده فان الاستثناء مذكور في الأنعام أيضا و إنما أرادوا انه عقب الاستثناء بقوله إن ربك فعال لما يريد و هذا التعقيب نظير قوله في الأنعام خالدين فيها إلا ما شاء ربك إن ربك حكيم عليم فاخبر إن عذابهم في جميع الأوقات و رفعه عنهم في وقت يشاؤه صادر عن كمال علمه و حكمته لا عن مشيئة مجردة عن الحكمة و المصلحة و الرحمة و العدل اذ يستحيل تجرد مشيئته عن ذلك الوجه الرابع و العشرون إن جانب الرحمة اغلب في هذه الدار من الباطلة الفانية الزائلة عن قرب من جانب العقوبة و الغضب و لولا ذلك لما عمرت و لا قام لها وجود كما قال تعالى و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا بظلمهم ما ترك عليها من دابة و قال و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة فلولا سعة رحمته و مغفرته و عفوه لما قام العالم و مع هذا فالذي أظهره من الرحمة في هذه الدار وانزله بين الخلائق جزء من مائة جزء من الرحمة فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار و نالت البر و الفاجر و المؤمن و الكافر مع قيام مقتضى العقوبة به و مباشرته له و تمكنه من إغضاب ربه و السعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة و تسعين ضعفا و قد اخذ العذاب من الكفار مأخذه و انكسرت تلك النفوس و نهكها العذاب و أذاب منها خبثا و شرا لم يكن يحول بينها و بين رحمته لها في الدنيا بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة و الغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب و العقوبة و قوى جانب الرحمة أضعاف اضعاف الرحمة في هذه الدار و اضمحل الشر و الخبث الذي فيها فأذابته النار و أكلته و سر الامر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب و اظهر و اكثر من أسماء الانتقام و فعل الرحمة اكثر من فعل الانتقام و ظهور آثار الرحمة اعظم من ظهور آثار الانتقام و الرحمة احب إليه من الانتقام و بالرحمة خلق خلقه و لها خلقهم و هي التي سبقت غضبه و غلبته و كتبها على نفسه و وسعت كل شيء وما خلق بها فمطلوب لذاته وما خلق بالغضب فمراد لغيره كما تقدم تقرير ذلك و العقوبة تأديب و تطهير و الرحمة إحسان و كرم و جود و العقوبة مداواة و الرحمة عطاء و بذل الوجه الخامس و العشرون انه سبحانه و تعالى لا بد إن يظهر لخلقه جميعهم يوم القيامة صدقه و صدق رسله و إن أعداؤه كانوا هم الكاذبين المفترين و يظهر لهم حكمه الذي هو اعدل حكم في أعدائه و انه حكم فيهم حكما يحمدونه هم عليه فضلا عن أوليائه و ملائكته و رسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب العالمين و لذلك قال تعالى و قضى بينهم بالحق و قيل الحمد لله رب العالمين فحذف فاعل القول لإرادة الإطلاق وان ذلك جار على لسان كل ناطق و قلبه قال الحسن لقد دخلوا النار و إن قلوبهم لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبيلا و هذا هو الذي حسن حذف الفاعل من قوله قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها حتى كان الكون كله قائل ذلك لهم إذ هو حكمه العدل فيهم و مقتضى حكمته و حمده و أما أهل الجنة فقال تعالى و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فهم لم يستحقوها بأعمالهم و إنما استحقوها بعفوه و رحمته و فضله فإذا اشهد سبحانه وتعالى ملائكته و خلقه كلهم حكمه العدل و حكمته الباهرة و ضعه العقوبة حيث تشهد العقول و الفطر و الخليقة انه أولى المواضع و أحقها بها و إن ذلك من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه و صفاته و إن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة لا يليق بها غير ذلك و لا يحسن بها سواه بحيث تعترف بها هي من ذواتها بأنها اهل ذلك و إنها أولى به حصلت الحكمة التي لاجلها وجد الشر و موجباته في هذه الدار و تلك الدار و ليس في الحكمة الإلهية إن الشرور تبقى دائما لا نهاية لها و لا انقطاع أبدا فتكون هي و الخيرات في ذلك على حد سواء فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسئلة و لعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب فان قيل فإلي أين أنهى قدمكم في هذه المسئلة العظيمة الشأن التي هي اكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة قيل إلى قوله تبارك و تعالى إن ربك فعال لما يريد و إلى هنا قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر دخول الجنة الجنة و أهل النار النار و ما يلقاه هؤلاء و هؤلاء و قال ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء بل و إلى هنا ههنا انتهت أقدام الخلائق و ما ذكرنا في هذه المسئلة بل في الكتاب كله من صواب فمن الله سبحانه و تعالى و هو المان به وما كان من خطا فمني و من الشيطان و الله ورسوله بريء منه

  11. #11

    افتراضي

    طبعا كلام ابن القيم واضح
    و الآن زميل متروي
    عليك ان تاتي بالادلة على ان من يقول بان الكافر قد يدخل الجنة بعد تعذيبه في النار هو كفر بواح

    الا ان كنت توجب على الله شيئا مخالفا لقوله سبحانه (( ان ربك فعال لما يريد ))

  12. #12

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فطرة التوحيد مشاهدة المشاركة
    واريد ان اذكر وانووه بأن رحمة الله سبحانه وتعالى قدمها على غضبه .
    نعم و في القرآن أعتقد أن "الخلود الأبدي في الجنة" ذُكرت أكثر من "الخلود الأبدي في جهنم".

    ما تحاور فيه أنت أخي أبو أيمن ممكن يدخل في الحوار العام عن معاني الخلود و الأبدية و الأولية و الآخرية و الأزلية..

    الخلود في جهنم تتعارض مع الرحمة لكن لا تتعارض مع الله, فالله ليس رحيم فقط, بل عادل و جبار و شديد العقاب أيضا, فإن لم يظهر عدله و جبروته و عقابه الشديد في الكافر الذي استكبر في الدنيا بغير حق, فتظهر في من إذن؟؟ إن الذي أعطاك العقل لتفكر هو الذي أعطى لك الحرية لتختار, فمن دفعك للكفر؟ طيب تريد اله على خاطرك يعني؟؟ الاله إما يكون أو لا يكون ما فيه اله على هوايَ و لا لاأدري فالحق واضح لكل ذي بصيرة فالأرض الصماء المُحدَثَة (أي وجدت بعد أم لم تكن) و الطبيعة العمياء المتغيرة و المادة الجوفاء الميتة لا تخلق مفكرا و لا انسانا و لا أخلاقا و لا نظاما .. لابد و أن يكون هناك إله .. إذا طلع واحد و قال لي هذا الإله ""محبة"" فسأكذبه, فأنا لا أرى في الكون ""محبة"" فقط بل أرى كوارث و زلازل و حروب و أمراض .. و أرى الإنسان يستطيع أن يتفكر و يعقل و يريد .. إذن لابد و أن يكون خالق هذا الكون فعال لما يريد و جبار و متكبر و ذول الطول المقتدر و ودود و حكيم و عظيم و رحيم.... و أيضا معبود, فمن صفاته تعالى أنه معبود و لا يكون الخالق إلا معبودا و إلا كيف يعمل المخلوق و يتصرف في خصائصه و وجوده؟؟ هل الشمس تجري في مقر لها طاعة لأمر الله و تقديره في ما خلق في أرجاء الكون أم طاعة لنفسها؟؟ هي ما خلقت نفسها لتعبد نفسها فهي لم تكون موجودة ثم أوجدت... إن كل شيء في الوجود يعبد الله أي يعمل و يتصرف طبقا لإرادة الله .. إلا الإنسان لأن الانسان هو المخلوق الوحيد الذي يملك الحرية (على حسب علمنا فربما هناك المليارات او ما لانهاية من المخلوقات تملك الحرية) و يختار العبادة أو الشرك, فسواء اختار التوحيد أو اختار الشرك فهذا لا يؤثر في الله فهو عزيز حكيم و هو معبود سواء عبدته أنت أو لم تعبده.. الله لا يحتاج لعبادتنا و لا لدخولنا النار و لا لدخولنا الجنة, كما لا تحتاج الشمس إلى النور الذي تقذفه على الأرض فتنير لنا الأرجاء لنعيش النهار, بل النور هذا من صفاتها و هذه الصفة تتحق و تظهر في حدود نظاقها... أما الله فلا يحده حد.. و لله المثل الأعلى.
    التعديل الأخير تم 04-13-2010 الساعة 02:19 AM
    الفلسفة الإنسانية أو علمنة الفلسفة و العلم وراء الكارثة الحديثة التي تسبب اللاوعي و الإحباط كنتيجة للصراع بين المتناقضات, فعلى سبيل المثال لا الحصر, تصور الحياة على أنها عبثية -أو نتيجة عملية عبثية- من جهة, و من جهة ثانية إبعاد صفة العبث عن هذا التصور و عن أي محاولة فلسفية فكرية متتالية في إثبات هذا التصور!!

  13. افتراضي

    احب ان انوه باستعمال الاخوة للمصطلحات فالخلود ليس كالابدية ..

    الخلود من خلد كمن يقول خلد سواد لحيته فهو البقاء الى مدى طويله
    اما الابد فهو الى ما لانهاية والا لما قال تعالى ( خالدين فيها ابدا )


    "فالذي في قلبه ولو ذرّة من إيمان فأنّه سيخرج من جهنّم ويكون مصيره بعد لبث ٍ فيها, إلى الجنة, ليستقر فيها, باستثناء الكفار والمنافقين الذي لا حد لمكوثهم في النار وبقاءهم فيها. يقول تعالى: (( وما هم بخارجين من النار )) (البقرة:167).
    وللمزيد من التفاصيل في مسألة الخلود في الجنة والنار يمكن مراجعة تصحيح الاعتقاد, ص 95-97 ).
    وإذا اعترض معترض بأن العذاب الدائم في النار مقابل خطايا وذنوب ومعاصي جزئيّة ارتكبها الإنسان في عمره القصير, لا يتناسب مع العدل الإلهي, ففي جوابه نقول: إنّ الخلود في النار لأهل النار لا يكون في مقابل ما ارتكبوه من ذنوب ومعاصي جزئيّة صدرت عنهم, وإنما يكون جزاءٌ لأمرٍ ثابت ترسّخ فيهم في الحياة الدنيا, ولم يزل بحال, وهذا الأمر يتمثل في الكفر الذي انطبعوا عليه والعناد والشقاء الذاتي"

    على كل الحال الله عادل وهو اعلم بخلقه منا...

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,604
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اولا ابا ايمن اعلم ان ابن القيم له في هذه المسالة قولان و القول المتأخر هو ما ذكره في
    كتابه الوابل الصيب (وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء المتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث ولما كان الناس على ثلاث طبقات طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض)
    فما نقلته انت عن ابن القيم من كلام طويل خلطت فيه بين ما فيه الكلام عن العصاة الذين لا يختلف في أمرهم احد
    أدخلت النار طهرة لها و يكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن و الخبث و النجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار و الله سبحانه خلق عباده حنفاء و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها
    فهذا الكلام ينطبق على العصاة من هذه الامة ممن ثقلت موازينهم فهؤلاء الذين يمكثون في جهنم ما شاء الله لهم .

    ثم انظر الى ما لونته بالاحمر من كلام ابن القيم الذي يدخل في الافتراضات و ليس في التقريرات
    و العذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك
    فالله سبحانه قادر إن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة و يرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة
    فهذه امور لا يختلف فيها احد فالله قادر على كل شيء و لا يرد حكمه و قضاءه احد لكن الاشكال هل قدر الله هذا الامر ام قدر ضده و هل ابن القيم حكم ان الله قدر هذا الامر ام هو بصدد الاخذ و الرد حول جميع الاقوال فالمحاور قد يفترض امورا كثيرة و لا يتبناها و انما لمجرد تبيين وجه المسألة و هذه أمور لا تعرف بالعقل و إنما تعرف بالشرع و قد نقلت لك قول ابن القيم من قبل.

    ثم انظر مرة اخرى كيف تخلط بين الكلام عن الموحدين و الكلام عن الكفار
    فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون
    فهذا الحديث مجمع عليه بين علماء المسلمين قاطبة انه يتحدث عن عصاة الموحدين فكيف بك تنقله من الموحدين الى الكفار؟؟؟؟؟؟

    و هذا ايضا
    ذكرني يوما أو خافني في مقام قالوا و من ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر به يوما واحدا
    فالخائف من ربه المقصود بالحديث متفق عليه انه موحد فكيف جعلته مشرك ؟؟؟؟؟

    و أما الوعيد فمذهب اهل السنة كلهم إن إخلافه كرم و عفو و تجاوز يمدح الحرب تبارك و تعالى به و يثنى عليه به
    و هذا لا خلاف حوله لكن الخلاف في انزاله على الكفار الذين تقول النصوص بخلودهم ففي النار و باستحالة دخولهم الجنة قال تعالى (ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) و قال (واما الذين فسقوا فماواهم النار كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) فإخلاف الوعيد للمؤمنين أم ابليس و فرعون فهل هناك من يقول انهما سيدخلان الجنة فضلا عن ان يخرجوا من النار ؟؟؟؟؟

    فاخبر إن عذابهم في جميع الأوقات و رفعه عنهم في وقت يشاؤه صادر عن كمال علمه و حكمته لا عن مشيئة مجردة عن الحكمة
    رفع العذاب لا يعني دخول الجنة و قد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العذاب يخفف عن عمه ابي طالب ففرق بين الجملتين لا يصح اسقاط احادهما على الاخرى
    قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك ، فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : ( هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) .
    الراوي: العباس بن عبدالمطلب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3883
    خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

    عفوه لما قام العالم و مع هذا فالذي أظهره من الرحمة في هذه الدار وانزله بين الخلائق جزء من مائة جزء من الرحمة فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار و نالت البر و الفاجر و المؤمن و الكافر مع قيام مقتضى العقوبة به و مباشرته له و تمكنه من إغضاب ربه و السعي في مساخطته فكيف لا يغلب جانب الرحمة في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة على ما في هذه الدار تسعة و تسعين ضعفا و قد اخذ العذاب من الكفار مأخذه و انكسرت تلك النفوس و نهكها العذاب و أذاب منها خبثا و شرا لم يكن يحول بينها و بين رحمته لها في الدنيا بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة و الغضب بها فكيف إذا زال مقتضى الغضب و العقوبة و قوى جانب الرحمة أضعاف اضعاف الرحمة في هذه الدار و اضمحل الشر و الخبث الذي فيها فأذابته النار و أكلته و سر الامر إن أسماء الرحمة والإحسان اغلب و اظهر و اكثر من أسماء الانتقام و فعل الرحمة اكثر من فعل الانتقام و ظهور آثار الرحمة اعظم من ظهور آثار الانتقام و الرحمة احب إليه من الانتقام و بالرحمة خلق خلقه و لها خلقهم و هي التي سبقت غضبه و غلبته و كتبها على نفسه و وسعت كل شيء
    فاين هنا الكلام عن ادخالهم الجنة فالرحمة قد تعني رفع العذاب او الافناء لكن لا تعني دخول الجنة مع المؤمنين ( افنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون).
    فان قيل فإلي أين أنهى قدمكم في هذه المسئلة العظيمة الشأن التي هي اكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة قيل إلى قوله تبارك و تعالى إن ربك فعال لما يريد و إلى هنا قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر دخول الجنة الجنة و أهل النار النار و ما يلقاه هؤلاء و هؤلاء و قال ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء بل و إلى هنا ههنا انتهت أقدام الخلائق و ما ذكرنا في هذه المسئلة بل في الكتاب كله من صواب فمن الله سبحانه و تعالى و هو المان به وما كان من خطا فمني و من الشيطان و الله ورسوله بريء منه
    فاين ذكر دخول الكفار الى الجنة من هذه الخلاصة بعد هذا الكلام الطويل ؟؟؟؟؟؟؟ إذن لم يبقى إلا الظن و الظن لا يغني من الحق شيئا .
    و الآن زميل متروي
    عليك ان تاتي بالادلة على ان من يقول بان الكافر قد يدخل الجنة بعد تعذيبه في النار هو كفر بواح
    ما قولك فيمن قال لك ان ابليس سيدخل الجنة بعد العذاب ؟؟؟؟؟؟
    إذا كنتَ إمامي فكن أمامي

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,604
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    من البديع في هذه المسألـة ما حصل للعلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله , صاحبُ أضواء البيان , حين نقله عنهُ أحد أعيان تلاميذه وملازميه وهو الفقيه الأصولي أحمد بن أحمد المختار الجكني الشنقيطي.

    ولقد أقبل المسؤولون على فضيلة الشيخ محمد الأمين بغاية التقدير والاحترام، وكان هناك مصريٌّ حَضَريٌّ أزهري من أصحاب الشهادات المبروزة، وكان قبل قدوم الشيخ يُعتبر كأنه كبيرُ المدرسين ولما رأى حفاوة المشايخ بفضيلة الشيخ دونه لعل ذلك أخذ بخاطره ـ ولا أظن إلا خيراً ـ، فصار يتحين الفرص له.

    أخبرني شيخي عليه رحمة الله، قال:
    عندما كنت خارجاً من فصلٍ كنتُ فيه في درس تفسير، ودخلتُ غرفة استراحة المدرسين، وكان الشيخان: سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ وأخوه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم، كانا موجودين في غرفة استراحة المدرسين، الأول مفتي الديار السعودية، والثاني المدير العام للمعاهد والكليات، فعندما دخلتُ غرفة الاستراحة، إذا ذلك المصري يقول: يا شنقيطي سمعتك تقرر في الدرس أن النار أبدية، وعذابها لا ينقطع؟.

    قلتُ: نعم.

    فقال: كيف تسمح لنفسك يا شنقيطي! أن تعلم أولاد المسلمين أن النار أبدية، وعذابها لا ينقطع، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية والمجدد محمد بن عبد الوهاب يقرران أنها تخبو وينبت في قعرها الجرجير؟؟.

    قال الشيخ:
    وكنتُ آنذاك حديثَ عهد بالصحراء أغضبُ إذا استغضبت، فقلتُ له:
    يا مصري! من أخبرك أن الرسول الذي أرسل إليَّ، ووجب عليَّ الإيمان بما جاء به اسمه محمد بن عبد الوهاب؟

    إن الرسول الذي أرسل إليَّ ووجب عليَّ الإيمان بما جاء به اسمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولد بمكة ولم يولد بحريملا، ودفن بالمدينة ولم يدفن بالدرعية، وجاء بكتاب اسمه القرآن، والقرآن أحمله بين جنبيَّ، وهو الذي يجب عليَّ الإيمان بما جاء به؛ ولما تأملت آياته وجدتها مطبقةً على أن النار أبدية، وأن عذابها لا ينقطع، علمتُ ذلك لأولاد المسلمين لمَّا ائتمنني وليُّ أمر المسلمين على تعليمهم، أسمعتَ يا مصري؟؟.

    قال: فقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم: سَمْ؟! وهي بلهجة أهل نجد من مدلولها ما تقول ؟.

    فقال الشيخ الأمين: فقلتُ لهُ: ذاك إنسان يعي ما يقول!.
    قال: وكان (أي: ابن إبراهيم رحمه الله) رجلاً عاقلاً، وقد علم أني مُحْتَدٌ.
    فقال سماحته: أطال الله عمرك، منك نستفيد ـ يعني أفدنا ـ.
    قال الشيخ الأمين:

    إني قلت ما قلت بعد أن اطلعتُ على ما استدل به ابن القيم تقريراً لمذهب شيخه.
    لقد استدل بآية النبأ(لابثين فيها أحقابا* لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا * إلا حميماً وغساقا)، وبآية هو ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد).
    واستدل بأربعة أحاديث ثلاثة منها في غاية الضعف، ولا يمكن الاحتجاج بها، والرابع حديث طاووس عن عبد الله: (يأتي على النار زمان تخفق أبوابها، وينبت في قعرها الجرجير) ، وهو حسن السند صالح للاحتجاج به.
    واستدل ببيت شعر هو قول الشاعر:
    لمخلف إيعادي ومنجز موعدي.....

    قال: لا مانع من أن يكون ما يجمل عند العرب كله موجود في القرآن، والعرب يجمل عندهم إخلاف الوعيد وإنجاز الوعد، فلا مانع إذا من إخلاف وعيده لأهل النار بالخلود.

    قال: وذكر ابن القيم سفسطةً للدهريين هي قولهم: إن الله أعدل من أن يعصيه العبد حقباً من الزمن فيعاقبه بالعذاب الأبدي، قالوا: إن الإنصاف أن يعذبه قدر المدة التي عصاه فيها.

    وأنا أُجِلُّ ابن القيم عن أن يكون ذكر هذه السفسطة للاحتجاج بها، وإنما ذكرها استطراداً.

    أقول أنا متروي
    فكلام ابن القيم في الاستدلال مثلما نقلت انت لا يعني انه يتبناه و انما هي طريقته في الحوار يعرض فيها مختلف الاحتمالات العقلية لا الشرعية فقط
    فقال سماحته: أفدنا أطال الله في عمرك.

    قال شيخنا: فقلتُ له:

    إني أصبحت وإياك على طرفي نقيض، أنتم تمثلون طائفة من المسلمين تقول بفناء النار وانقطاع عذابها، وأنا أمثل طائفة من المسلمين تقول النار أبدية وعذابها لا ينقطع، والله تعالى يقول: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) إلى قوله تعالى (ذلك خير وأحسن تأويلا).
    فقد أصبحنا يا سماحة الشيخ بمثابة المتناظرين، ولا بد للمتناظرين من حَكَمٍ يُحكمانه بينهما يرجعان إليه لئلا يتسع الخلاف.

    قال سماحته: فماذا ترى أن نحكم بيننا؟.

    قال شيخنا: أرى أن نحكم بيننا كتاب الله تلاوةً لا تأويلا، معناه أنه لا يقبل من أحدنا الاستدلال إلا بآية يشهد له منطوقها بدلالة المطابقة.

    قال سماحة الشيخ محمد: فقد حكمنا بيننا كتاب الله تلاوة لا تأويلا.

    فقال الشيخ الأمين: إذا شاء سماحتكم بحثنا هذه المسألة بالدليل الجَدَلي المعروف بالسبر والتقسيم، والذي أتى به صاحب مراقي السعود ـ المسلك الرابع من مسالك العلة ـ حيث يقول:

    والسبر والتقسيم قسم رابع ** أن يحصر الأوصاف فيه جامع
    ويبــطـــل الذي لها لا يصلح ** فما بقي تعـــيينه متضح

    ومعنى البيتين: أن يجمع المتناظران أو المتناظرون الأوصاف التي يحتمل أن تكون مسألة النزاع متصفة بها، فإن اتفقا أو اتفقوا أنَّ أوصاف المسألة محصورة فيما جمعوا، شرعوا في سبرها، أي: في اختبارها، أي: بعرضها واحدة بعد واحدة على المحكم، فما رد منها المحكم وجب رده، وما بقي تعيَّن الأخذ به.

    فقال سماحة الشيخ محمد: وافقنا على بحث المسألة بالسبر والتقسيم.

    قال شيخنا: قيدوا ما تتفقون عليه من احتمالات للمسألة لتتمكنوا من عرضها على المحكم واحدة بعد الأخرى،

    فمثلاً:
    يحتمل: أن النار تخبو.
    ويحتمل: أنها تأكل من أُلقي فيها حتى لا يبقى من أهلها شيء.
    ويحتمل: أنهم يخرجون منها فراراً منها.
    ويحتمل: أنهم يموتون فيها، والميت لا يحس ولا يتألم.
    ويحتمل: أنهم يتعودون حرَّها فلا يبق يؤلمهم.
    ويحتمل: أنه لا يقع شيء من ذلك كله، وأنها أبدية وعذابها لا ينقطع.

    ولمّا اتفق الحضور على أنه لا يوجد احتمال بعد هذه الاحتمالات الستة المقيدة، ابتدؤوا بعرض الاحتمالات على المحكم.

    أقول أنا متروي
    لاحظ يا ابا ايمن انه لا يوجد احتمال دخول الجنة فالخروج من النار فرارا لا يعني مطلقا الدخول الى الجنة
    قالوا: يحتمل أنها تخبو، فإذا المحكم يقول: (كلما خبت زدناهم سعيراً)، ومعلوم أن (كلما) أداة من أدوات التكرار بلا خلاف، فلو قلت لغلامك: كلما جاءك زيد أعطه كذا من مالي، فإذا منعه مرة ظلمه بلا خلاف.

    وقالوا: يحتمل أنها تأكلهم حتى لم يبق منهم شيء، فإذا المحكم يقول: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب)، فلم يبق لهذا الاحتمال نصيب بموجب هذه الآية.


    وقالوا: يحتمل أنهم يخرجون منها هاربين، فإذا المحكم يقول: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها)، ويقول: (وما هم منها بمخرجين)، فلم يبق لهذا الاحتمال أيضاً نصيب من الاعتبار.

    وقالوا: يحتمل أنهم يموتون فيها والميت لا يحس ولا يتألم، فإذا المحكم يقول: (إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحي)، ويقول: (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت)، فلم يبق لهذا الاحتمال نصيب من الاعتبار.

    وقالوا : يحتمل أنهم يتعودون حرها فلم يبق يؤلمهم لتعودهم عليه، فإذا المحكم يقول: (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا)، ويقول: (إن عذابها كان غراماً)، والغرام: الملازم، ومنه جاء تسمية الغريم، ويقول المحكم: (فسوف يكون لزاما)، فلم يبق لهذا الاحتمال أيضاً نصيب من الاعتبار.


    قال شيخنا: فلم يبق إلا الاحتمال السادس، وهو أنها أبدية وعذابها لا ينقطع، وقد جاء ذلك مبيناً في كتاب الله العزيز في خمسين موضعاً منه.

    فسردها لهم مرتبة بحسب ترتيب مصحف عثمان رضي الله عنه، وكأنها جاءت مسرودة في صفحة واحدة.

    قلت أنا الفودري سبحان الله سرد الشيخ رحمه الله خمسين آية في مسألة واحدة من أول القرآن إلى آخر القرآن وكأنها في صفحة واحدة بارك الله في ذاكرة العلماء وجعلني الله وإياكم ممن يتمتعون بذاكرة مثلهم

    وعند ذلك قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، قال: آمنا بالله وصدقنا بما جاء في كتاب الله.

    فقال شيخنا على رحمة الله: وعلينا أن نجيب عن أدلة ابن القيم، وإلا تركنا المسلمين في حيرة، ولنجيبنَّ عليها بالكتاب تلاوة لا تأويلا، فنقول:

    أما آية النبأ، فلا دليل فيها لما يريد الاستدلال بها عليه، إذ غاية ما تفيده آية النبأ هذه، هو: أن أهل النار يمكثون أحقاباً من الزمن في نوع من العذاب هو الحميم والغساق، ثم ينتقلون منه إلى آخر بدليل قوله تعالى في : (هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج)، ومعلوم أن عذاب أهل النار أنواع، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.

    وأما استدلاله ببيت الشعر فإن ما قاله يمكن اعتباره لولا أننا سمعنا الله تعالى يقول في كتابه: إن وعيده لأهل النار لا يخلف، قال في (ق): (قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد)، وقال أيضاً في نفس السورة: (كل كذب الرسل فحق وعيد).
    وأما سفسطة الدهريين التي ذكرها استطراداً، فقد تولى الله تعالى الجواب عنها في محكم تنزيله، وهو الذي يعلم المعدوم لو وجد كيف يكون، وقد علم في سابق علمه أن الخُبث قد تأصل في أرومة هؤلاء الخبثاء بحيث إنهم لو عذبوا القدر من الزمن الذي عصوا الله فيه، ثم عادوا إلى الدنيا لعادوا لما يستوجبون به العذاب، لا يستطيعون غير ذلك، قال تعالى في سورة الأنعام: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).
    فيبقى لدينا من أدلة ابن القيم آية هود، وهي قوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد)، وحديث أبي داود وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على النار زمان تخفق أبوابها وينبت في قعرها الجرجير)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإنهما دليلان صالحان للاحتجاج بهما، فيجب علينا البحث والتنقيب عن وجه يمكن به الجمع بين الأدلة، لأن إعمال الدليلين أولى من طرح أحدهما كما هو مقرر في فن الأصول، قال في مراقي السعود:
    والجمع واجب متى ما أمكنا ** إلا فللأخير نسخ بينا

    إن عندنا أدلة على أن النار أبدية ولا ينقطع عذابها، وهذه الآية التي من سورة هود وهذا الحديث الحسن دليلان يفيدان أن النار تفنى، فما العمل؟.

    والجواب: أننا نرى إمكان الجمع بين هذه الأدلة، بحمل آية هود وحديث أبي داود على الدَّرك من النار المخصص لتطهير عصاة المسلمين، فإنه يخرج منه آخر من بقلبه مثقال ذرة من إيمان، ويخبو وتخفق أبوابه وينبت في قعره الجرجير، أما دركات النار المعدة سجناً وعذاباً للكفار فهي أبدية وعذابها لا ينقطع.
    وهنا تنسج الأدلة الشرعية في بوتقة واحدة لا تعارض بينها، ولا يكذب بعضها بعضا، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

    فقال سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ: (يا عبداللطيف ـ يعني أخاه المدير العام للمعاهد والكليات ـ الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، من الآن قرروا أن النار أبدية، وأن عذابها لا ينقطع، وأن تلك الأدلة المراد بها الدرك من النار المخصص لتطهير عصاة المسلمين)،
    إذا كنتَ إمامي فكن أمامي

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. التقليد الفقهي بين الجواز وعدمه
    بواسطة الحمد لله في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-14-2007, 02:30 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء