النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: تفنيد كتاب الحزب الهاشمى " نواة موضوع بحاجة للنمو والتحسين "

  1. افتراضي تفنيد كتاب الحزب الهاشمى " نواة موضوع بحاجة للنمو والتحسين "

    فى عصور الظلام والنكبات تكثر الخفافيش والبومات , وتزداد نسب الحماقة والسفه والسفالة , ويكون لها اربابها , و بعد عصور النور التى عشناها فى ظل حضارة دولة الاسلام , والتى تطاولت اكثر من الف عام , دارت عجلة الزمن لتظلل بلادنا غيمة الجهل والتخلف والانحطاط , وتعشش فى بيوتنا طيور الظلامية والالحاد , وليس هذا بغريب , فتلك سنة كونية , لكن الغريب ان يدعى هؤلاء المفسدون انهم اصحاب منهج , وارباب رسالة , بل وحملة مشعل التنوير , وقادة التطوير , ومن احد هؤلاء المدعو سيد القمنى , الذى ما فتىء يهاجم الاسلام ويطعن فيه , ويتطاول على رموزه , ولن نهتم كثيرا بتحليل شخصيته وتناول فكره ومنهجه , بل سنعتنى بدراسة عينة من نتاج كتاباته , وهو الكتاب الذى عنونه بعنوان " الحزب الهاشمى .



    وقيمة هذا الكتاب فى نظرى لا تنبع من كونه كتاب علمى منهجى , او انه واسع الانتشار وشديد التأثير , فكل كتابات القمنى وامثاله تكاد ينحصر تأثيرها فى قراء كرخانة روز اليوسف وما لف لفها من المطبوعات , لكن الرد على مثل هذا الكتاب انما نبع من اهتمام النصارى كثيرا بأطروحاته , واحتجاجهم بترهاته وتخريفاته , فعزمت ان افند هذا الكتاب كاشفا زيفه وكذبه , وموضحا خطأه ومبينا تخبطه .



    ان شاء الله سيكون ردنا على الكتاب مقسم لأجزاء ثلاثة :

    الاول يشمل استعراض لغاية الكاتب وللأسس التى بنى عليها فكرته ونظريته واسلوبه المتبع فى سبيل الوصول لغايته

    الثانى هدفه نقد النظرية التى يطرحها الكاتب بحجج عقلية مجردة

    الثالث سنتتبع فيه الاسس التى بنى عليها نظريته بالنقد والرد واظهار الحقائق وكشف الزيف والتدليس فى جوانب كتابه







    اهداف سيد القمنى



    " ان محمدا لم يصنع العرب لكن العرب هم من صنعوا محمد "

    هذه هى الفكرة التى يود سيد القمنى ان يوصلها من خلال كتابه , وهى فكرة قديمة قدم عصور الظلام الفكرى التى نعيشها الان , فهو يود ان يوضح ان الاسلام كعقيدة لا تمثل اى قيمة روحية او فكرية او اجتماعية تنبنى عليها حضارتنا, فما حدث من نهضة اسلامية كبرى فى عصر صدر الاسلام وما تلاه من العصور انما هو نتاج ظروف طرأت على جزيرة العرب , وافرزت الاسلام والرسول عليه الصلاة والسلام وبالتبعية افرزت الحضارة الاسلامية ككل .



    وبالتالى يجب علينا نحن العرب والمسلمين ان نكف عن السعى وراء حلم اعادة الحضارة الاسلامية , وترك كل الصيحات التى تدعو لأصلاح الدنيا بالدين , فكل هذه الافكار مغلوطة , ومبنية على اساس خاطىء , وقراءة مشوشة جامدة للتاريخ الاسلامى , وعلينا ان نبحث فى حاضرنا وظروفنا الحالية عما يعيننا على تغيير واقعنا , كما سعى العرب منذ الف وخمسمائة عام لأيجاد طريقة تغير واقعهم ومستقبلهم .



    ولتحقيق هذه الغايات يقدم القمنى نظريته فى اطار رؤية جديدة لتاريخ العرب فى الجاهلية وصدر الاسلام , قوامها ترتيب الاحداث السابقة للأسلام بصورة تجعل منها مقدمات منطقية لنتيجة حتمية هى ظهور الاسلام , وجعل الاسلام مجرد وسيلة عربية لبلوغ مآرب قومية , فالاسلام هنا محطة وليس قاطرة , وما حدث للعرب من تغير كامل وتحول جذرى فى تاريخهم لم يكن الا نتيجة حتمية للتطور الاجتماعى الذى شهدته الجزيرة العربية فى القرن السابق للأسلام .

    سس النظرية



    احتاج سيد القمنى لتقديم نظريته الى اعادة ترسيم تاريخ جزيرة العرب لخلق الظروف التى يفترض وجودها , فأعتمد على فرضية ان الصحوة القومية العربية قد اخذت فى التصاعد فى كل انحاء الجزيرة نتيجة لحدثين مهمين هما طرد الاحباش من اليمن وانتصار سيف بن ذى يزن عليهم بالاضافة لموقعة ذى قار التى انتصر فيها العرب على الفرس , وجعل من هذين الحدثين الشرارة التى اشعلت الحمية العربية .

    وصاحب تلك الصحوة القومية عملية تحول فى الاوضاع الاقتصادية للجزيرة بصفة عامة , حيث زعم ان الجزيرة تحولت الى ممر تجارى عالمى , تعبر من خلاله كل تجارات العالم من اوروبا الى اسيا الى الهند والصين وشرق افريقيا , فكانت النهضة الاقتصادية الكبيرة المزعومة مصحوبة بالوعى القومى المتصور هما اساس الوحدة العربية اللاحقة .

    لكن لو افترضنا ان الوعى السياسى والنمو الاقتصادى هما اساس قيام اى وحدة حضارية فان هذا لا يصح فى حالة العرب , الذين تمرسوا على الاستقلالية ونشأوا على النزعة القبلية , فكانت الحاجة ملحة لوجود عامل توحيد لهم , يوحد طاقاتهم وغاياتهم , ويستغل كل امكاناتهم , فكان الحل المنطقى حسبما افترضه القمنى هو النبوة .

    لكن فكرة النبوة تحتاج لمقدمات ايديولوجية راسخة , فجعل من الحنيفية هى تلك الايديولوجيا , ورسمها على انها فرقة عقائدية منتشرة فى جزيرة العرب , ولها وضعها المعتبر , ولها غاياتها التى افترض انها تقوم على تنصيب شخص فى مكان النبوة ليكون القائد العربى الذى يوحد كل القبائل .

    ولكى يبرر ظهور النبى فى مكة دون سائر البلدان , رسم لمكة صورة اخرى تقوم على نفس المحاور التى رسمها لجزيرة العرب , فهى كما ادعى ( ترانزيت عالمى ) , تمر من خلالها كل التجارة العالمية , فأكتسبت مكانتها بين العرب من هذا المنطلق وحده , وليس لأنها بلد الله الحرام , او لأن العرب عظموها لوجود الكعبة والحجر الاسود , فتطورت مكة سياسيا بعد نموها الاقتصادى وصارت الاصلح لقيادة العرب ولظهور النبوة فيها .

    ثم بعد ذلك يجعل من بنى هاشم البيت الامثل لظهور النبوة , ففيهم عبد المطلب المصلح الاجتماعى الحنيفى – على حد زعمه – الذى اثر فى الرسول ايما تأثير , وصاحب الفكر السياسى الناضج , الذى مكنه من معرفة حقيقة ان النبوة هى التى ستوحد العرب لا شىء اخر .

    وبعد كل هذه المقدمات , يفرغ الاسلام من كل اتصال له بالوحى والسماء , فيزعم ان فكرة النبوة انما اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم تبعا لتأثره بجده الحنيفى , والتشريعات الاسلامية انما استقاها مما شرعه زيد بن عمرو بن نفيل , اما القران فما هو الا اقتباس من اشعار امية بن ابى الصلت .



    وبعد كل هذا الهذيان يمكن ان يتوصل بكل سهولة الى ان دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انما كانت مجرد تطبيق لطموح سياسى جال بخاطر الهاشميين ونضج فكريا فى ذهن عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم , متزامنا مع الايديولوجيا الحنيفية ومتحالفا معها , وكان الرسول هو المنفذ لا اكثر لكل هذه النظريات والمساعى , ونجاح الدعوة وانتشارها بعد ذلك انما كان بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى جعلت العرب تواقين لحلم الوحدة القومية , لأستغلال كل امكاناتهم التى تساعدهم على بناء امبراطوريتهم .



    وسوف نرد ان شاء الله على كل هذه الفرضيات متتبعين اسسها ومفاصلها التى تقوم عليها لنظهر مدى سقوط هذه القراءة للتاريخ الاسلامى .



    نقد النظرية القمنية



    ان افتراض ان النبوة هى الحل السياسى العبقرى لمعضلة غياب عامل التوحيد الذى يجمع العرب جميعا هو فرض ساقط عقلا , فالنزعة القبلية الاستقلالية كما ترفض اى توحد تحت راية سياسية واحدة كذلك ترفض التوحد تحت اى مسمى اخر حتى لو كان النبوة , فكما سيقول العربى لماذا نخضع لفلان ولا نخضع لرجل من قبيلتنا يمكنه ان يقول ايضا ولماذا لا يكون فينا هذا النبى , بل لقد قالوها فعلا , ولا ادل على ذلك من ظهور الانبياء الكذبة فى اليمامة واليمن ونجد , فقال اهل اليمامة " ان كاذب ربيعة خير عندنا من صادق مضر " , فالتعصب للقبيلة لا يغلب عليه خضوع لأى عامل اخر , وعليه فلا يمكن اعتبار ان النبوة مجرد حل لمعضلة التعصب القبلى .

    وان قال احدهم ان النبى جعل المفاضلة تبعا للأنتماء العقيدى هى الاساس بغرض الغاء هذه العصبية لأغراض سياسية لقلنا ان هذا يستلزم طريقا طويلا يحتاج معه لأقناع الناس بهذا الانتماء العقائدى اولا , وترسيخه بقوة بحيث يصبح اقوى من العصبية القبلية , ولو كان الرسول يتحرك من منطلق سياسى محض – كما يزعم القمنى – فكان الاولى له ان يستخدم معيارا توحيديا موجودا اصلا فى نفوس العرب , ولا شىء فى هذه الحالة افضل من النزعة القومية العربية , فهو بذلك يوحدهم كأمة عربية واحدة , تكون المساواة فيها بين كل العرب هى الاساس , بل ويضمن عدم مخالفتهم اياه ومحاربتهم له فى مسائل الاعتقاد , وكذلك لا حاجة له ليصطدم معهم فى امور الحل والحرام وتقييد شهواتهم , وفوق هذا وذاك لن يساوى بينهم وبين الاجناس الاخرى ,فسيكونوا هم الاحق بكل الحقوق دون غيرهم , ويمكنه ان ينشىء - تبعا لهذا الانتماء القومى - كيانا اشبه بالكيان الرومانى .



    واحد اوجه الخلل المنطقية فى النظرية ايضا كونها قائمة على فرضية هشة , وهى ان العرب سيغيب ان اذهانهم ان دعوة النبوة من قبل الرسول – صلى الله عليه وسلم – بغرض سياسى , فهذا اول ما سيتبادر الى اذهان القوم , ولن تنطلى عليهم هذه الحيلة السياسية , بل انهم ظنوا فعلا فى بادىء الامر ان هذه الدعوة انما لغرض سياسى بغية التملك عليهم , لكن طبع القمنى يرسم عبد المطلب وذريته وكأنهم العباقرة الذين ادركوا مالم يدركه غيرهم من العرب السذج .



    نقطة ثالثة وهى الزعم بأن الاسلام كان دعوة حزبية من بنى هاشم بغرض التسلط على كل العرب , فأسأل لماذا آمن بالاسلام فى اضعف اللحظات واحرجها اناس ذوى مال وجاه وسلطان من بنى امية , المنافس التقليدى للهاشميين كما يحلو للقمنى ان يسميهم , الا يكفى هذا الامر لنسف الادعاء من اساسه ان الاسلام كان وسيلة لتحقيق الاطماع الهاشمية ؟

    يتبع …
    الرجاء المشاركة فى تفنيد هذا الكتاب

  2. افتراضي

    فيما يخص النقطة المتعلقة بضرورة اقناع العرب بأولوية الانتماء العقدى على القبلى فلكى يقنعهم بصدق نبوته لابد أنه يكون هو فى داخله مؤمنا بهذا إذ أن فاقد الشىء لا يعطيه وهذا يجرنا للحديث عن ضرورة التسليم بصدقه واخلاصه كما هو حتى قول الدارسين فى الغرب بوجه عام وفقا لما ذكره ريتشارد بيل ومونتجمرى وات (1) وكذا وفقا لقول برنارد لويس المؤرخ اليهودى المشهور : أن المؤرخ العصرى لن يقبل بأن دينا عظيما وذا شأن كالاسلام ابتدأه دجال أنانى **
    وقول مونتجمرى وات بأن صدق النبى واخلاصه لابد ان يقبله المؤرخ العصرى لان هذا وحده يمكن أن يفسر نشوء دين عظيم كالاسلام ***
    بل حتى وفقا لبعض اللاهوتيين المسيحيين ورجال الدين المسيحى من أمثال الأسقف الأنجليكانى Kenneth Cragg وعالم اللاهوت الشهير John Macquarrie
    2

    وهذا ينسف دعوى القمنى من أساسها من ان الاسلام هو مشروع قصد به بنو هاشم ان تكون لهم السيادة على العرب وأن النبى ادعى النبوة لتحقيق مجد دنيوى زائل وهذا يعنى أن كلام القمنى هذا كمال يقال " out of fashion " أو موضة قديمة .

    وقد بسطت الكلام على ذلك فى مقال بعنوان " دلائل النبوة العقلية "


    أما الكلام عن كون التشريعات الاسلامية مصدرها زيد بن عمرو بن نفيل وكذا كون القرآن منحول من أشعار أمية بن الصلت فهذا إن دل على شىء دل على سذاجة هذا الافاق وسطحيته فى الطرح فالتشريعات الاسلامية إنما جاءت لتعالج واقع تعيشه الجماعة الإسلامية وتمثل انعكاسا لهذا الواقع الذى كان زيد بن عمر بن نفيل بمعزل عنه ( مات قبل البعثة النبوية ) وهنا يذكر تاريخ الإسلام لجامعة كامبريدج أن الدين فى حالة النبى هو استجابة النبى الكلية للواقع الكلى الذى وجد نفسه فيه فهو لم يكن فقط يستجيب لما يسميه الغربى الجوانب الدينية والفكرية للواقع بل ايضا للضعوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية * ثم لمن يشرع عمرو بن نفيل تشريعات تفصيلية ـ بتقدير أنه فى مقدوره ذلك ـ وهو لا يتطلب منه واقعه ذلك فليس هو بمتبوع ولا قائد لجماعة تدعوه الضرورة لسن هكذا تشريعات لتنظم شئون تلك الجماعة !!
    لكن القمنى " يجعل من الحبة قبة " فلمجرد أنه قرأ فى السيرة أو فى كتب الحديث أنه اعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان وأنه أدرك شباب النبى وأن النبى لقيه فى بلدح أسفل مكة فقدم له النبى سفرة فيها لحم فقال لا آكل مما يذبحون على انصابهم ..
    فلاشك اذا أنه مصدر التشريعات التى شرعها النبى لأمته وأنه لعب دورا هاما فى صياغة أفكاره الدينية !!
    والمعلوم أن مثل ذلك عند اهل الكتاب وهو فى شريعة التوراة وعنهم أخذ عمرو بن زيد بن نفيل وأصاب من علمهم ولقى احبارهم إلا أنه لم يقنع بدينهم فكان على ملة ابراهيم
    وهذا يردنا الى مسألة اخرى هى العلاقة بين القرآن واسفار اهل الكتاب ودعوى ان بعض المبادىء والافكار التى ودرت فى القرآن تمثل انعكاسا لبعض ما ورد فى تلك الاسفار وهذه مسألة ليس هذا موضع بسطها إنما ما يهمنا هنا تفنيد دعوى القمنى حول علاقة زيد بن نفيل بالتشريعات الاسلامية
    اضافة الى ذلك فكما هو معلوم فزيد بن عمرو بن نفيل هو والد الصحابى الجليل سعيد بن زيد وعم الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه فكيف لم يعلما أن التشريعات الاسلامية هى منحوله مما " شرعه " زيد بن نفيل ان كانت لزيد بن نفيل شريعة ؟!!
    فكيف اذا امنوا به وصدقوه لو كانوا يعلمون عنه ذلك ولا شك انهم كانوا سيعلمون لو كان حقا ان شريعة الاسلام هى مجرد انتحال لما سبق وان شرعه زيد بن نفيل

    و قد اخرج الإمام احمد بن حنبل في مسنده (1648) و الحاكم في مستدركه (3/440) و ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (9/417) و صححه الأستاذ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد :
    أن سعيد بن عمرو بن نفيل و عمر بن الخطاب قالا لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أنستغفر لزيد بن عمرو ؟ قال : نعم ، فإنه يبعث أمة وحده
    وكذا الكلام على أشعار امية بن الصلت فلو كان القرآن منحولا منها لعلم ذلك القاصى والدانى فليست أشعار امية بن ابى الصلت بمجهولة لدى عرب الجاهلية ولكان هذا مطعن فى القرآن ولمزيد من التفصيل حول هذه المسألة يمكن الرجوع الى مقال للدكتور ابراهيم عوض بعنوان " القرآن وأمية بن أبى الصلت أيهما أخذ من الآخر "
    وفيه يذكر ان تلك الاشعار المنسوبة اليه والتى يوجد تشابه بينها وبين بعض آيات القرآن هى اشعار ملفقة مكذوبة وضعت فى فترة تدوين السير والدواوين الشعرية ولا أفضل ههنا من تعليق سيد قطب رحمه الله " لو كان قادرا على مثله ليظهرن به لنفسه "


    -------------------------------------

    • Cambridge History of Islam , p. 30
    • ** The Arabs in History, Lewis,p.45-46
    • *** The Cambridge History of Islam (1970), Cambrdige University Press, p.30
    • (1) Bell’s Introduction to Qur’an , p.18
    • (2) Kenneth Cragg , The Call Of The Minaret,P.75 ,,, John Macquarrie , Mediators , p. 130



  3. افتراضي

    يقول أحد من تناولوا كتابات القمنى بالنقد أن القمنى اعتمد ما أسماه بـ"المعطى الجاهز له من أهل التاريخ" عن الصراع الهاشمي الأموي قبل البعثة الإسلامية.
    ورغم أن سبب هذا الصراع كما سجله الطبري (مرجع القمني) أن هاشم بن عبد مناف أطعم قومه الثريد "فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف -وكان ذا مال- فتكلف أن يصنع صنيع (عمه) هاشم، فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش، فغضب (أمية) ونال من هاشم".
    ورغم أن أغلب الكتب التراثية التي روت واقعة الصراع قدمت معلومات تشكك في حقيقته، منها أن "هاشم توأم عبد شمس"، و"كان لهاشم يوم مات خمس وعشرون سنة". أي وكان لعبد شمس يوم مات "توأمه" خمس وعشرون سنة. وهي معلومة -كما نرى- تثير تساؤل: كم كان سن أمية يوم مات عمه أخو أبيه وتوأمه؟ (خمس سنوات أو حتى عشرة).



    بل ورغم أن ابن إسحاق وابن هشام وابن سيد الناس وابن كثير سكتوا عن مجرد الإشارة إلى هذا الصراع في مؤلفاتهم التي تصنف ككتب "أصول". فقد تجاهل القمني كل ما سبق حتى لا يشك في تاريخية هذا الصراع الذي انتقاه ليكون "القاعدة الماضوية" والمحرك للمجتمع المكي على جسر "الدين" نحو "الدولة".
    القمنى فى محاولته لكتابة هذه المرحلة من التاريخ الاسلامى لم يعجبه الواقع كما هو فقرر أن يقوم بمعالجة درامية على غرار الافلام والمسلسلات التى تتناول مسائل تاريخية فى السينما والتلفزيون المصرى التى من شأنها أن تزيف التاريخ وتقلب الواقع رأسا على عقب
    فقد رسم فى خياله المريض صورة لما يجب أن يكون عليه الواقع وفقا لأيديولوجيته المادية الماركسية ثم راح يفتش هنا وهناك فى كتب التراث عله يجد ما يعضد به تصوراته تلك لكننانراه يلجأ الى الكذب والتدليس والتحايل على الاخبار الواردة بقطع النظر عن مدى صحتها كى يحملها معان لا تحتملها وكثير مما يصوره هو من عنديات أبيه لا أساس ولا سند له قى المنقول
    أمثله على التحريف:
    يقول نفس الكاتب السابق : في توثيقه لدور عبد المطلب "التأسيسي" للدين "التوحيدي" قطع القمني بأن ما ذهب إليه هو نفس ما يؤكده ابن كثير بما رواه عن عبد الله بن عباس عن "ديانة أبي طالب بن عبد المطلب: هو على ملة الأشياخ. هو على ملة عبد المطلب".



    وبالرجوع إلى مرجع القمني ("البداية والنهاية" - جـ 3 - 170) وجدنا ابن كثير في فصل "وفاة أبي طالب" وفي تعليقه على آية (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) يروي عن عبد الله بن عباس "أنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله أن يقول: لا إله إلا الله. فأبى أبو طالب أن يقولها. وقال: هو على ملة الأشياخ.. هو على ملة عبد المطلب".



    ومن سياق ما رواه ابن كثير (وأخفاه القمني بقصد) نفهم أن الحفيد (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب) روى أن عمه (أبو طالب) رفض أن يقول "لا إله إلا لله". وتمسك (ضد هذا القول التوحيدي) بملة الأشياخ (آباء البيت - الحزب الهاشمي). وتحديدا بملة عبد المطلب التي حسب ظاهر وباطن السياق لا تقول (أي لا تؤمن) بلا إله إلا الله. ورواية الحفيد (ابن عباس) استشهد بها ابن كثير لتأكيد موقفه الذي سجله في أكثر من موضع في كتابه من أن "عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية" (ج2 ص 285).



    ونضيف أن ما فعله القمني من تحريف لما رواه ابن كثير كرّر فعله مع ما نقله عن "السيرة الحلبية" (جـ1 ص73) في توثيقه لما أسماه بـ"علم عبد المطلب اليقيني بنبوة حفيده محمد" وسعيه لتحقيق هذا "اليقين" على أرض الواقع بالزواج من بني زهرة. وأيضا هذا التحريف هو ما فعله مع ما نقله عن كتاب "طوالع البعثة المحمدية" (للعقاد) في توثيقه لشرط "توحيد الأرباب" في أنه كمقدمة لازمة لـ"توحيد القبائل" في دولة، ولشرط "أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيّا مثل داود".

    كل هذه الوقائع (وهي قليل جدّا من كثير جدّا) تؤكد تدخل القمني في نصوص مراجعه "ليجبرها" (بالتحريف والتحوير) على تمكينه (كماركسي - مادي) من تخييل عبد المطلب ليس فقط كقائد لـ"الحزب الهاشمي" في صراعه (الأسطوري) مع "الحزب الأموي". إنما -أيضا والأهم- لتخييله "كمؤسس" للدين (الحنيفية - الإسلام) وللدولة (العربية - الإسلام). وكل هذا لحصر دور حفيده محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في دائرة "التنفيذ". اهـ
    زواج النبى صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة :
    زعم الافاك النجس سيد القمنى أن النبى فى سبيل تحقيق ما اسماه الأمان المالي تزوج "الأرملة الثرية" خديجة بنت خويلد بعد خداع والدها وتغييبه عن الوعي (بالخمر) لانتزاع موافقته التي تنكر لها بمجرد استيقاظه. ووصل الأمر بالأب إلى حد التظاهر ضد هذا الزواج في شوارع مكة. ولتأكيد هذا الخداع أشار القمني وبكل ثقة إلى نقله لهذه المعلومة عن ابن كثير.
    وبالرجوع لابن كثير فى كتاب البداية والنهاية نقرأ أن اخت خديجة رضى الله عنها كلمت اخاهما ان يكلم اباهم فى شأن زواج النبى من خديجة فجاؤه وهو سكران فكلمه فأجابه ثم استيقظ صاحياً فقال‏:‏ ما هذه الحلة‏؟‏ وما هذه الصفرة وهذا الطعام‏؟‏

    فقالت له ابنته هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤه فكلموه‏.‏

    فقال‏:‏ أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة‏؟‏ فبرز له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه قال‏:‏ إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته‏.وليس فى الخبر أن النبى سقاه خمرا كما يزعم هذا المأفون
    ثم ان ابن كثير علق على هذا الخبر بقوله : قال المؤملي‏:‏ المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه، وهذا هو الذي رجحه السهيلي، وحكاه عن ابن عباس وعائشة ‏‏

  4. #4

    افتراضي

    متابع بارك الله فيك.

  5. #5

    افتراضي

    فى بحثى المتواضع اثبات نبوة محمدردود على افكار القمنى
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=3352

    و الفكرة الاساسية التى يحاول تاسيسها القمنى ان محمدا ص كان جزءا من تيار هم الحنفاء , لكن الحقيقة التى يعرفها من درس و بحث ان هذا التيار كان جزءا من محمد , و قد قادهم محمد لتحقيق تغييرات معجزة دون ان يكون له اى ممارسات او اعدادات قيادية تؤهله لهذا الدور
    على ان اثبات اعجاز القران الكريم الذى جاء به محمد يجهز على كل هذه الجهود لاطفاء نور الله
    التعديل الأخير تم 07-24-2009 الساعة 07:19 PM

  6. افتراضي

    نقطتان اضاقيتان
    ان كان القمنى يقصد بقوله ان عبد المطلب اعلن ان العرب وان كانوا قبائل متفرقة الا انهم يرجع نسبهم الى أب واحد هو اسماعيل بن ابراهيم ان وعى العرب بذلك ليس سابقا على عبد المطلب فتلك ترهة اخرى من جملة تخريفاته إذ كيف يخرج على قريش وسائر العرب بهذا النسب هكذا فجأة ودون مقدمات وبناءا على أى أساس قبل العرب منه ذلك ؟؟!!
    كما أن العرب قبل وبعد عبد المطلب لم تزل تفخر بنسبها الى اسماعيل وسجلت ذلك فى اشعارها وسلاسل انسابها وقد وضعت قريش صورة لاسماعيل وابراهيم وهما يستقسمان بالازلام فى الكعبة وقد كذبهم النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك .


    النقطة الاخرى هى ـ وهو ما سجله القرآن ـ ان النبى ما كان يظن أن يوحى إليه قبل نزول الوحى ولا انه سيختار نبيا من قبل الله وهذا ما يتعارض مع ما ورد فى بعض الاخبار من ان هناك من تنبأ أنه سيكون نبى أخر الزمان وانه اخبر جده او عمه بذلك وان هذا الامر لقنه و استقر فى وعيه منذ طفولته بما كان له الاثر بحسب مزاعم القمنى فى ادعائه النبوة

    قال تعالى : وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ .

    قال ابن كثير رحمه الله :

    " وَمَا كُنْت تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْك الْكِتَاب " أَيْ مَا كُنْت تَظُنّ قَبْل إِنْزَال الْوَحْي إِلَيْك أَنَّ الْوَحْي يَنْزِل عَلَيْك " وَلَكِنْ رَحْمَة مِنْ رَبّك " أَيْ إِنَّمَا أُنْزِلَ الْوَحْي عَلَيْك مِنْ اللَّه مِنْ رَحْمَته بِك وَبِالْعِبَادِ بِسَبَبِك فَإِذَا مَنَحَك بِهَذِهِ النِّعْمَة الْعَظِيمَة " فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا " أَيْ مُعِينًا " لِلْكَافِرِينَ " وَلَكِنْ فَارِقْهُمْ وَنَابِذْهُمْ وَخَالِفْهُمْ.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    ارض الله
    المشاركات
    532
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله خيرا

    (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ). [الطور: 35].
    (أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ). [إبراهيم: 10]
    (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ). [يونس: 101]


    للسؤال عن الغائبين

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    ارض الله
    المشاركات
    532
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    احسب ان هذا الموضوع سيكون مفيدا ان شاء الله تعالى


    رابط بالمنتدى لرد الدكتور بجامعة عين شمس وهو مهم جدا جدا


    سيد القمنى الدكتور المزيف ،يكشفه الدكتور الحقيقي بجامعة عين شمس

    أأمل ان يكون مفيدا لدعم الموضوع ان شاء الله

    (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ). [الطور: 35].
    (أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ). [إبراهيم: 10]
    (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ). [يونس: 101]


    للسؤال عن الغائبين

  9. افتراضي

    بارك الله فيكم

    صياغة نهائية للموضوع

    فى عصور الظلام والنكبات تكثر الخفافيش والبومات , وتزداد نسب الحمق والسفه والسفالة , ويكون لها اربابها , و بعد عصور النور التى عشناها فى ظل حضارة دولة الاسلام , والتى تطاولت اكثر من الف عام , دارت عجلة الزمن لتظلل بلادنا غيمة الجهل والتخلف والانحطاط , وتعشش فى بيوتنا غربان الالحاد , وليس هذا بغريب , فتلك سنة كونية , لكن الغريب ان يدعى هؤلاء المفسدين انهم اصحاب منهج , وارباب رسالة , بل وحملة مشعل التنوير , وقادة التطوير , وكل من يعترض عليهم رجعيون ظلاميون يمارسون الارهاب الفكرى ومن هؤلاء الغلام السفيه المدعو سيد القمنى , الذى يهاجم الاسلام ويطعن فيه , ويتطاول على رموزه , ولن نهتم كثيرا بتحليل شخصيته وتناول فكره, بل سأتناول عينة من نتاج كتاباته , وهو الكتاب الذى عنونه ب " الحزب الهاشمى " وهو عينه الكتاب الذى أعطى عليه جائزة الدولة التقديرية فى مجال العلوم الاجتماعية زورا وبهتانا

    وقيمة هذا الكتاب فى نظرى لا تنبع من كونه كتاب علمى منهجى , او انه واسع الانتشار وشديد التأثير , فكل كتابات القمنى وامثاله تكاد ينحصر تأثيرها فى قراء كرخانة روز اليوسف وما لف لفها من المطبوعات , لكن الرد على مثل هذا الكتاب انما نبع من اهتمام النصارى كثيرا بأطروحاته , واحتجاجهم بترهاته وتخريفاته , فعزمت ان ابين جانبا من زيفه وكذبه , وموضحا غلطه ومبينا تخبطه

    وانى لاشارك الاستاذ محمود سلطان فى تساؤله عما إذا كان المدافعون والمعجبون بالقمني من "الأقباط" او متطرفوهم وغلاتهم الذين أصدروا البيانات المؤيدة والمتضامنة معه ضد من يصفونهم بـ"التكفيريين" وحرضوا الأجهزة الأمنية على كل من شارك في الحملة على وزارة الثقافة لحملها على سحب الجائزة منه، وأنزلوه منزلة المفكر العقلاني المستنير الذي انتصر للعقل وأعاد الاعتبار اليه قد اطلعوا على مؤلفاته أو على بعض منها على الأقل حتى يصدروا مثل هذا التقدير للرجل، أم أنهم تحركوا بـ"دافع غريزي" بسبب ما سمعوه ـ فقط ـ من أنه أنكر نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ واعتبر "نبوته" جزءا من "مؤامرة" بني هاشم لفرض الهيمنة السياسية على قريش ومكة فهلا قرأ هؤلاء في كتابه "الأسطورة والتراث" قوله ـ فض الله فاه ـ : " كما أكد ديورانت أن العهر المقدس و نظام المنذورات كان طقسا يمارس فى هيكل بنى اسرائيل (4)، وكان ضمن المنذورات تلك الفتاة اليهودية ، التى أخذت فى المسيحية بعد ذلك دور الام ، وعرفت باسم الالهة مريم فى الديانة المسيحية والتى انجبت الاله الابن يسوع المسيح . " ص 179



    اهداف سيد القمنى

    " ان محمدا لم يصنع العرب لكن العرب هم من صنعوا محمد "



    هذه هى الفكرة التى يود سيد القمنى ان يوصلها من خلال كتابه , وهى فكرة قديمة قدم عصور الظلام الفكرى التى نعيشها الان واجترار لما سبق وأن قاله أساتذته من طلائع الاستعمار ( المستشرقون ) , فهو يود ان يوضح ان الاسلام كعقيدة لا تمثل اى قيمة روحية او فكرية او اجتماعية تنبنى عليها حضارتنا, فما حدث من نهضة اسلامية كبرى فى عصر صدر الاسلام وما تلاه من العصور انما هو نتاج ظروف طرأت على جزيرة العرب , وافرزت الاسلام والرسول عليه الصلاة والسلام وبالتبعية افرزت الحضارة الاسلامية ككل



    وبالتالى يجب علينا نحن العرب والمسلمين ان نكف عن السعى وراء حلم اعادة الحضارة الاسلامية , وترك كل الدعوات لأصلاح الدنيا بالدين , فكل هذه الافكار مغلوطة , ومبنية على اساس خاطىء , وقراءة مشوشة جامدة للتاريخ الاسلامى , وعلينا ان نبحث فى حاضرنا وظروفنا الحالية عما يعيننا على تغيير واقعنا , كما سعى العرب منذ الف وخمسمائة عام لأيجاد طريقة تغير واقعهم ومستقبلهم







    ولتحقيق هذه الغايات يقدم القمنى نظريته فى اطار رؤية جديدة لتاريخ العرب فى الجاهلية وصدر الاسلام , قوامها ترتيب الاحداث السابقة للأسلام بصورة تجعل منها مقدمات منطقية لنتيجة حتمية هى ظهور الاسلام , وجعل الاسلام مجرد وسيلة عربية لبلوغ مآرب قومية , فالاسلام هنا محطة وليس قاطرة , وما حدث للعرب من تغير كامل وتحول جذرى فى تاريخهم لم يكن الا نتيجة حتمية للتطور الاجتماعى الذى شهدته الجزيرة العربية فى القرن السابق للاسلام



    اسس النظرية

    احتاج سيد القمنى لتقديم نظريته الى اعادة ترسيم تاريخ جزيرة العرب لخلق الظروف التى يفترض وجودها , فأعتمد على فرضية ان الصحوة القومية العربية قد اخذت فى التصاعد فى كل انحاء الجزيرة نتيجة لحدثين مهمين هما طرد الاحباش من اليمن وانتصار سيف بن ذى يزن عليهم بالاضافة لموقعة ذى قار التى انتصر فيها العرب على الفرس , وجعل من هذين الحدثين الشرارة التى اشعلت الحمية العربية على حد زعمه



    وصاحب تلك الصحوة القومية عملية تحول فى الاوضاع الاقتصادية للجزيرة بصفة عامة , حيث زعم ان الجزيرة تحولت الى ممر تجارى عالمى , تعبر من خلاله كل تجارات العالم من اوروبا الى اسيا الى الهند والصين وشرق افريقيا , فكانت النهضة الاقتصادية الكبيرة المزعومة مصحوبة بالوعى القومى المتصور هما اساس الوحدة العربية اللاحقة



    لكن لو افترضنا ان الوعى السياسى والنمو الاقتصادى هما اساس قيام اى وحدة حضارية فان هذا لا يصح فى حالة العرب , الذين تمرسوا على الاستقلالية ونشأوا على النزعة القبلية , فكانت الحاجة ملحة لوجود عامل توحيد لهم , يوحد طاقاتهم وغاياتهم , ويستغل كل امكاناتهم , فكان الحل المنطقى حسبما افترضه القمنى هو النبوة



    لكن فكرة النبوة تحتاج لمقدمات ايديولوجية راسخة , فجعل من الحنيفية هى تلك الايديولوجيا , ورسمها على انها فرقة عقائدية منتشرة فى جزيرة العرب , ولها وضعها المعتبر , ولها غاياتها التى افترض انها تقوم على تنصيب شخص فى مكان النبوة ليكون القائد العربى الذى يوحد كل القبائل

    ولكى يبرر ظهور النبى فى مكة دون سائر البلدان , رسم لمكة صورة اخرى تقوم على نفس المحاور التى رسمها لجزيرة العرب , فهى كما ادعى ( ترانزيت عالمى ) , تمر من خلالها كل التجارة العالمية , فأكتسبت مكانتها بين العرب من هذا المنطلق وحده , وليس لأنها بلد الله الحرام , او لأن العرب عظموها لوجود الكعبة والحجر الاسود , فتطورت مكة سياسيا بعد نموها الاقتصادى وصارت الاصلح لقيادة العرب ولظهور النبوة فيها



    ثم بعد ذلك يجعل من بنى هاشم البيت الامثل لظهور النبوة , ففيهم عبد المطلب المصلح الاجتماعى الحنيفى – على حد زعمه – الذى اثر فى الرسول ايما تأثير , وصاحب الفكر السياسى الناضج , الذى مكنه من معرفة حقيقة ان النبوة هى التى ستوحد العرب لا شىء اخر



    وبعد كل هذه المقدمات , يفرغ الاسلام من كل اتصال له بالوحى والسماء , فيزعم ان فكرة النبوة انما اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم تبعا لتأثره بجده الحنيفى , والتشريعات الاسلامية انما استقاها مما شرعه زيد بن عمرو بن نفيل , اما القران فما هو الا اقتباس من اشعار امية بن ابى الصلت



    وبعد كل هذا الهذيان يمكن ان يتوصل بكل سهولة الى ان دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انما كانت مجرد تطبيق لطموح سياسى جال بخاطر الهاشميين ونضج فكريا فى ذهن عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم , متزامنا مع الايديولوجيا الحنيفية ومتحالفا معها , وكان الرسول هو المنفذ لا اكثر لكل هذه النظريات والمساعى , ونجاح الدعوة وانتشارها بعد ذلك انما كان بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى جعلت العرب تواقين لحلم الوحدة القومية , لأستغلال كل امكاناتهم التى تساعدهم على بناء امبراطوريتهم





    نقد النظرية القمنية

    ان افتراض ان النبوة هى الحل السياسى العبقرى لمعضلة غياب عامل التوحيد الذى يجمع العرب جميعا هو فرض ساقط عقلا , فالنزعة القبلية الاستقلالية كما ترفض اى توحد تحت راية سياسية واحدة كذلك ترفض التوحد تحت اى مسمى اخر حتى لو كان النبوة , فكما سيقول العربى لماذا نخضع لفلان ولا نخضع لرجل من قبيلتنا يمكنه ان يقول ايضا ولماذا لا يكون فينا هذا النبى , بل لقد قالوها , ولا ادل على ذلك من ظهور الانبياء الكذبة فى اليمامة واليمن ونجد , فقال طلحة النميرى " كذاب ربيعة خير عندنا من صادق مضر " , فالتعصب للقبيلة لا يغلب عليه خضوع لأى عامل اخر , وعليه فلا يمكن اعتبار ان النبوة مجرد حل لمعضلة التعصب القبلى



    وان قال احدهم ان النبى قام باحلال الانتماء الدينى أو العقدى محل القبلى بغرض تبديد هذه العصبية لأغراض سياسية لقلنا ان هذا يستلزم طريقا طويلا يحتاج معه لأقناع الناس بهذا الانتماء العقدى اولا , وترسيخه بقوة بحيث يصبح اقوى من العصبية القبلية , ولو كان الرسول يتحرك من منطلق سياسى محض – كما يزعم القمنى – فكان الاولى له ان يستخدم معيارا توحيديا موجودا اصلا فى نفوس العرب , ولا شىء فى هذه الحالة افضل من النزعة القومية العربية , فهو بذلك يوحدهم كأمة عربية واحدة , تكون المساواة فيها بين كل العرب هى الاساس , بل ويضمن عدم مخالفتهم اياه ومحاربتهم له فى مسائل الاعتقاد , وكذلك لا حاجة له ليصطدم معهم فى امور الحل والحرام وتقييد شهواتهم , وفوق هذا وذاك لن يسوى بينهم وبين الاعراق والقوميات الاخرى ,فسيكونوا هم الاولى بكل الحقوق دون غيرهم , ويمكنه ان ينشىء - تبعا لهذا الانتماء القومى - كيانا اشبه بالكيان الرومانى

    وفيما يخص النقطة المتعلقة بضرورة اقناع العرب بأولوية الانتماء العقدى على القبلى فلكى يقنعهم بصدق نبوته لابد أنه يكون هو فى داخله مؤمنا بهذا إذ أن فاقد الشىء لا يعطيه وهذا يجرنا للحديث عن ضرورة التسليم بصدقه واخلاصه كما هو حتى قول الدارسين فى الغرب بوجه عام وفقا لما ذكره ريتشارد بيل ومونتجمرى وات (1) وكذا وفقا لقول برنارد لويس المؤرخ اليهودى المشهور برنارد لويس : إن المؤرخ العصرى لن يقبل بالقول بأن دينا عظيما كالإسلام ابتدأه أنانى دجال **


    وقول مونتجمرى وات بأن صدق النبى واخلاصه لابد ان يقبله المؤرخ العصرى لان هذا وحده يمكن أن يفسر نشوء دين عظيم كالاسلام ***

    بل حتى وفقا لبعض اللاهوتيين المسيحيين ورجال الدين المسيحى من أمثال الأسقف الأنجليكانى Kenneth Cragg وعالم اللاهوت الشهير والفيلسوف John Macquarrie

    (2)

    ولقد بسطت الكلام على ذلك فى مقال بعنوان " دلائل النبوة العقلية "

    وهذا ينسف دعوى القمنى من أساسها من ان الاسلام هو مشروع قصد به بنو هاشم ان تكون لهم السيادة على العرب وأن النبى ادعى النبوة لتحقيق مجد دنيوى زائل وهذا يعنى أن كلام القمنى هذا كمال يقال " out of fashion " أو موضة قديمة .



    واحد اوجه الخلل المنطقية فى النظرية ايضا كونها قائمة على فرضية هشة , وهى ان العرب سيغيب عن اذهانهم ان دعوى النبوة من قبل الرسول – صلى الله عليه وسلم – هى بغرض سياسى , فهذا اول ما سيتبادر الى اذهان القوم , ولن تنطلى عليهم هذه الحيلة السياسية , بل انهم ظنوا فعلا فى بادىء الامر ان هذه الدعوة انما جاءت لغرض سياسى بغية التملك عليهم ولذا قال عتبة بن ربيعة للنبى صلى الله عليه وسلم كما ورد فى سيرة ابن هشام : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ..... [ ص: 294 ]



    نقطة ثالثة وهى الزعم بأن الاسلام كان دعوة حزبية من بنى هاشم بغرض التسلط على كل العرب , فأسأل لماذا آمن بالاسلام فى اضعف اللحظات واحرجها ناسا من بنى امية ( كعثمان ابن عفان وعمرو بن سعيد بن العاص، وخالد بن سعيد بن العاص،و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأم حبيبة زوج النبى صلى الله عليه وسلم وبنت أبى سفيان بن حرب ) المنافس التقليدى للهاشميين كما يحلو للقمنى ان يسميهم , وكيف كان من بنى هاشم من يناوىء الدعوة كأبى لهب و كان أول من جهر بعداوة الإسلام لما جهر الرسول عليه الصلاة والسلام بدعوته، ولم يكتف بالمعارضة الصريحة بل عضدها بالعمل والكيد، فقد مارس صور شتى أنواع أذى الرسول وصد الناس عنه. بل إن أبا لهب لم يدخل مع قومه شعب بني هاشم لما حاصرتهم قريش فيه، ولما لم يستطع الخروج مع قريش لقتال الرسول يوم بدر استأجر بدلاً منه العاص بن هشام بن المغيرة بأربعة آلاف درهم وكان له من الابناء عتبة ومعتب وعتيبة وقد أسلم الأولان يوم الفتح، وشهدا حنيناً والطائف، وأما "عُتيبة" فلم يسلم، وكانت "أم كلثوم" بنت رسول الله عنده، وأختها "رُقية" عند أخيه عُتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد، فطلقاهماوتزوجهما فيما بعد عثمان بن عفان ولما أراد "عُتيبة" - بالتصغير - الخروج إلى الشام مع أبيه قال: لآتينَّ محمداً وأوذينَّه فأتاه فقال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل أمام النبي وطلَّق ابنته "أم كلثوم" فغضب ودعا عليه فقال: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فافترسه الأسد. وكذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان ممن شهد قتال يوم بدر مع المشركين ونجا من القتل والأسر[1] وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ـ أرضعتهما حليمة السعدية أياماً ـ وكان يألف رسول الله وكان له ترباً فلما بعث رسول الله عاداه عداوة لم يعادها أحد قط، ولم يدخل الشعب مع بني هاشم وهجا رسول الله وأصحابه، وكان من المجاهرين بالظلم له صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به قبل الهجرة , نهايك عن سائر من خرج لقتال المسلمين فى غزوة بدر من بنى هاشم كالعباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبى طالب وأخيه طالب بن أبى طالب و نوفل بن الحارث . فضلا عن حديث الأئمة من قريش فلو كان الاسلام مشروعا هاشميا لماذا لم يجعل النبى الخلافة فى بنى هاشم ؟ بل جعلها فى قريش لما لقريش من المكانة والهيبة فى نفوس العرب والمعلوم أن الخلفاء الراشدين عدا الامام على ابن ابى طالب لم يكونوا هاشميين بل فيهم الأموى عثمان بن عفان رضى الله عنه . الا يكفى هذا الامر لنسف الادعاء من اساسه ان الاسلام كان وسيلة لتحقيق الاطماع الهاشمية ؟



    أما الكلام عن كون التشريعات الاسلامية مصدرها زيد بن عمرو بن نفيل وكذا كون القرآن منحول من أشعار أمية بن الصلت فهذا إن دل على شىء دل على سذاجة هذا الافاق وسطحيته فى الطرح فالتشريعات الاسلامية إنما جاءت لتعالج واقع تعيشه الجماعة الإسلامية وتمثل انعكاسا لهذا الواقع الذى كان زيد بن عمر بن نفيل بمعزل عنه ( مات قبل البعثة النبوية ) وهنا يذكر تاريخ الإسلام لجامعة كامبريدج أن الدين فى حالة النبى هو استجابة النبى الكلية للواقع الكلى الذى وجد نفسه فيه فهو لم يكن فقط يستجيب لما يسميه الغربى الجوانب الدينية والفكرية للواقع بل ايضا للضعوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية * ثم لمن يشرع عمرو بن نفيل تشريعات تفصيلية ـ بتقدير أنه فى مقدوره ذلك ـ وهو لا يتطلب منه واقعه ذلك فليس هو بمتبوع ولا قائد لجماعة تدعوه الضرورة لسن هكذا تشريعات لتنظم شئون تلك الجماعة !!

    لكن القمنى " يجعل من الحبة قبة " فلمجرد أنه قرأ فى السيرة أو فى كتب الحديث أنه اعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان وأنه أدرك شباب النبى وأن النبى لقيه فى بلدح أسفل مكة فقدم له النبى سفرة فيها لحم فقال لا آكل مما يذبحون على انصابهم ..

    فلاشك اذا أنه مصدر التشريعات التى شرعها النبى لأمته وأنه لعب دورا هاما فى صياغة أفكاره الدينية !!

    والمعلوم أن مثل ذلك عند اهل الكتاب وهو فى شريعة التوراة وعنهم أخذ عمرو بن زيد بن نفيل وأصاب من علمهم ولقى احبارهم إلا أنه لم يقنع بدينهم فكان على ملة ابراهيم

    وهذا يردنا الى مسألة اخرى هى العلاقة بين القرآن واسفار اهل الكتاب ودعوى ان بعض المبادىء والافكار التى ودرت فى القرآن تمثل انعكاسا لبعض ما ورد فى تلك الاسفار وهذه مسألة ليس هذا موضع بسطها إنما ما يهمنا هنا تفنيد دعوى القمنى حول علاقة زيد بن نفيل بالتشريعات الاسلامية

    اضافة الى ذلك فكما هو معلوم فزيد بن عمرو بن نفيل هو والد الصحابى الجليل سعيد بن زيد وعم الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه فكيف لم يعلما أن التشريعات الاسلامية هى منحوله مما " شرعه " زيد بن نفيل ان كانت لزيد بن نفيل شريعة ؟!!

    فكيف اذا امنوا به وصدقوه لو كانوا يعلمون عنه ذلك ولا شك انهم كانوا سيعلمون لو كان حقا ان شريعة الاسلام هى مجرد انتحال لما سبق وان شرعه زيد بن نفيل



    و قد اخرج الإمام احمد بن حنبل في مسنده (1648) و الحاكم في مستدركه (3/440) و ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (9/417) و صححه الأستاذ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد :

    أن سعيد بن عمرو بن نفيل و عمر بن الخطاب قالا لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أنستغفر لزيد بن عمرو ؟ قال : نعم ، فإنه يبعث أمة وحده

    وكذا الكلام على أشعار امية بن الصلت فلو كان القرآن منحولا منها لعلم ذلك القاصى والدانى فليست أشعار امية بن ابى الصلت بمجهولة لدى عرب الجاهلية ولكان هذا مطعن فى القرآن ولمزيد من التفصيل حول هذه المسألة يمكن الرجوع الى مقال للدكتور ابراهيم عوض بعنوان " القرآن وأمية بن أبى الصلت أيهما أخذ من الآخر "

    وفيه يذكر ان تلك الاشعار المنسوبة اليه والتى يوجد تشابه بينها وبين بعض آيات القرآن هى اشعار ملفقة مكذوبة وضعت فى فترة تدوين السير والدواوين الشعرية ولا أفضل ههنا من تعليق سيد قطب رحمه الله " لو كان قادرا على مثله ليظهرن به لنفسه "

    يقول بعض من تناولوا كتابات القمنى بالنقد وهو الكاتب منصور أبو شافعى أن القمنى اعتمد ما أسماه بـ"المعطى الجاهز له من أهل التاريخ" عن الصراع الهاشمي الأموي قبل البعثة الإسلامية.

    ورغم أن سبب هذا الصراع كما سجله الطبري (مرجع القمني) أن هاشم بن عبد مناف أطعم قومه الثريد "فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف -وكان ذا مال- فتكلف أن يصنع صنيع (عمه) هاشم، فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش، فغضب (أمية) ونال من هاشم".

    ورغم أن أغلب الكتب التراثية التي روت واقعة الصراع قدمت معلومات تشكك في حقيقته، منها أن "هاشم توأم عبد شمس"، و"كان لهاشم يوم مات خمس وعشرون سنة". أي وكان لعبد شمس يوم مات "توأمه" خمس وعشرون سنة. وهي معلومة -كما نرى- تثير تساؤل: كم كان سن أمية يوم مات عمه أخو أبيه وتوأمه؟ (خمس سنوات أو حتى عشرة).



    بل ورغم أن ابن إسحاق وابن هشام وابن سيد الناس وابن كثير سكتوا عن مجرد الإشارة إلى هذا الصراع في مؤلفاتهم التي تصنف ككتب "أصول". فقد تجاهل القمني كل ما سبق حتى لا يشك في تاريخية هذا الصراع الذي انتقاه ليكون "القاعدة الماضوية" والمحرك للمجتمع المكي على جسر "الدين" نحو "الدولة".

    القمنى فى محاولته لكتابة هذه المرحلة من التاريخ الاسلامى لم يعجبه الواقع كما هو فقرر أن يقوم بمعالجة درامية على غرار الافلام والمسلسلات التى تتناول مسائل تاريخية فى السينما والتلفزيون المصرى التى من شأنها أن تزيف التاريخ وتقلب الواقع رأسا على عقب

    فقد رسم فى خياله المريض صورة لما يجب أن يكون عليه الواقع وفقا لأيديولوجيته المادية الماركسية ثم راح يفتش هنا وهناك فى كتب التراث عله يجد ما يعضد به تصوراته تلك لكننا نراه يلجأ الى التحريف والتحوير والتحايل على الاخبار الواردة بقطع النظر عن مدى صحتها كى يحملها معان لا تحتملها وكثير مما يصوره هو من عنديات أبيه لا أساس ولا سند له فى المنقول

    أمثله على التحريف:

    يقول نفس الكاتب السابق : في توثيقه لدور عبد المطلب "التأسيسي" للدين "التوحيدي" قطع القمني بأن ما ذهب إليه هو نفس ما يؤكده ابن كثير بما رواه عن عبد الله بن عباس عن "ديانة أبي طالب بن عبد المطلب: هو على ملة الأشياخ. هو على ملة عبد المطلب".

    وبالرجوع إلى مرجع القمني ("البداية والنهاية" - جـ 3 - 170) وجدنا ابن كثير في فصل "وفاة أبي طالب" وفي تعليقه على آية (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) يروي عن عبد الله بن عباس "أنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله أن يقول: لا إله إلا الله. فأبى أبو طالب أن يقولها. وقال: هو على ملة الأشياخ.. هو على ملة عبد المطلب".



    ومن سياق ما رواه ابن كثير (وأخفاه القمني بقصد) نفهم أن الحفيد (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب) روى أن عمه (أبو طالب) رفض أن يقول "لا إله إلا لله". وتمسك (ضد هذا القول التوحيدي) بملة الأشياخ (آباء البيت - الحزب الهاشمي). وتحديدا بملة عبد المطلب التي حسب ظاهر وباطن السياق لا تقول (أي لا تؤمن) بلا إله إلا الله. ورواية الحفيد (ابن عباس) استشهد بها ابن كثير لتأكيد موقفه الذي سجله في أكثر من موضع في كتابه من أن "عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية" (ج2 ص 285).

    وموت ابى طالب على الشرك أمر مفروغ منه وعليه ـ ضمن جملة من الأدلة ـ يدل حديث النبى صلى الله عليه وسلم من ابا طالب كان فى غمرات من النار فأخرج إلى ضحضاح وأنه منتعل بنعلين يغلى منهما رأسه .

    ونضيف أن ما فعله القمني من تحريف لما رواه ابن كثير كرّر فعله مع ما نقله عن "السيرة الحلبية" (جـ1 ص73) في توثيقه لما أسماه بـ"علم عبد المطلب اليقيني بنبوة حفيده محمد" وسعيه لتحقيق هذا "اليقين" على أرض الواقع بالزواج من بني زهرة. وأيضا هذا التحريف هو ما فعله مع ما نقله عن كتاب "طوالع البعثة المحمدية" (للعقاد) في توثيقه لشرط "توحيد الأرباب" في أنه كمقدمة لازمة لـ"توحيد القبائل" في دولة، ولشرط "أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيّا مثل داود".



    كل هذه الوقائع (وهي غيض من فيض ) تؤكد تدخل القمني في نصوص مراجعه "ليجبرها" (بالتحريف والتحوير) على تمكينه (كماركسي - مادي) من تخييل عبد المطلب ليس فقط كقائد لـ"الحزب الهاشمي" في صراعه (الأسطوري) مع "الحزب الأموي". إنما -أيضا والأهم- لتخييله "كمؤسس" للدين (الحنيفية - الإسلام) وللدولة (العربية - الإسلام). وكل هذا لحصر دور حفيده محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في دائرة "التنفيذ". اهـ

    زواج النبى صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة :

    زعم الكذاب الاشر سيد القمنى أن النبى فى سبيل تحقيق ما اسماه الأمان المالي تزوج "الأرملة الثرية" خديجة بنت خويلد بعد خداع والدها وتغييبه عن الوعي (بالخمر) لانتزاع موافقته التي تنكر لها بمجرد استيقاظه. ووصل الأمر بالأب إلى حد التظاهر ضد هذا الزواج في شوارع مكة. ولتأكيد هذا الخداع أشار القمني وبكل ثقة إلى نقله لهذه المعلومة عن ابن كثير.

    وبالرجوع لابن كثير فى كتاب البداية والنهاية نقرأ أن اخت خديجة رضى الله عنها كلمت اخاهما ان يكلم اباهم فى شأن زواج النبى من خديجة فجاؤه وهو سكران فكلمه فأجابه ثم استيقظ صاحياً فقال‏:‏ ما هذه الحلة‏؟‏ وما هذه الصفرة وهذا الطعام‏؟‏



    فقالت له ابنته هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤه فكلموه‏.‏



    فقال‏:‏ أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة‏؟‏ فبرز له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه قال‏:‏ إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته‏.وليس فى الخبر أن النبى سقاه خمرا كما يزعم هذا المأفون

    ثم ان ابن كثير علق على هذا الخبر بقوله : قال المؤملي‏:‏ المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه، وهذا هو الذي رجحه السهيلي، وحكاه عن ابن عباس وعائشة ‏‏

    ‏نقطتان اضافيتان :

    ان كان القمنى يقصد بقوله ان عبد المطلب اعلن ـ وهذا لا اصل له ـ ان العرب وان كانوا قبائل متفرقة الا انهم يرجع نسبهم الى أب واحد هو اسماعيل بن ابراهيم ان وعى العرب بذلك ليس سابقا على عبد المطلب فتلك كذبة اخرى من جملة أكاذيبه إذ كيف يخرج على قريش وسائر العرب العدنانية بهذا النسب هكذا فجأة ودون مقدمات وبناءا على أى أساس قبل العرب منه ذلك ؟؟!!
    كما أن العرب قبل وبعد عبد المطلب لم تزل تفخر بأنسابها وسجلت ذلك فى اشعارها وكان علم الانساب من جملة ما اتقنه العرب وكان فيهم النسابين وقد وضعت قريش صورة لاسماعيل وابراهيم وهما يستقسمان بالازلام فى الكعبة حيث أخرج البخارى قال : حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه . وكذا قرنى الكبش الذى فدا به ابراهيم اسماعيل عليها وعلى نبينا الصلاة والسلام فعن عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عبد الحميد بن شيبة بن عثمان وسألته هل كان في البيت قرنا كبش قال نعم كانا فيه قلت أرأيتهما قال حسبت ولكن أخبرني عبد الرحمن بن بابيه أن قد رآهما قال وغيره ما قد رآهما فيه قال ويقولون إنهما قرنا الكبش الذي ذبح إبراهيم قال بن جريج وقالت صفية ابنة شيبة كان فيه قرنا الكبش وحدثت أن بن عباس قال كانا فيه

    وعبد الرزاق عن بن عيينة عن منصور بن صفية عن خاله عن أمه عن امراة من بني سليم قالت سألت عثمان لم أرسل إليك النبي بعد خروجه من الكعبة قال بعث إلي فقال إني رأيت قرني الكبش فلم آمرك أن تخمرها فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيئ يشغل مصليا ( مصنف الصنعانى )


    النقطة الاخرى هى ـ وهو ما سجله القرآن ـ ان النبى ما كان يظن أن يوحى إليه قبل نزول الوحى ولا انه سيختار نبيا من قبل الله وهذا ما يتعارض مع ما ورد فى بعض الاخبار ، كخبر الراهب بحيرا (3) ، من ان هناك من تنبأ أنه سيكون نبى أخر الزمان وانه اخبر جده او عمه بذلك وان هذا الامر لقنه و استقر فى وعيه منذ طفولته بما كان له الاثر بحسب مزاعم القمنى فى ادعائه النبوة
    قال تعالى : وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ .



    قال ابن كثير رحمه الله



    " وَمَا كُنْت تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْك الْكِتَاب " أَيْ مَا كُنْت تَظُنّ قَبْل إِنْزَال الْوَحْي إِلَيْك أَنَّ الْوَحْي يَنْزِل عَلَيْك " وَلَكِنْ رَحْمَة مِنْ رَبّك " أَيْ إِنَّمَا أُنْزِلَ الْوَحْي عَلَيْك مِنْ اللَّه مِنْ رَحْمَته بِك وَبِالْعِبَادِ بِسَبَبِك فَإِذَا مَنَحَك بِهَذِهِ النِّعْمَة الْعَظِيمَة " فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا " أَيْ مُعِينًا " لِلْكَافِرِينَ " وَلَكِنْ فَارِقْهُمْ وَنَابِذْهُمْ وَخَالِفْهُم .





    ------------ --------- --------- -------



    · Cambridge History of Islam , p. 30

    · ** The Arabs in History, Lewis,p.45-46

    · *** The Cambridge History of Islam (1970), Cambrdige University Press, p.30

    · (1) Bell’s Introduction to Qur’an , p.18

    · (2) Kenneth Cragg , The Call Of The Minaret,P.75 ,,, John Macquarrie , Mediators , p. 130

    · (3) [ حديث ] في سفر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مراهق مع أبي طالب إلى الشام ، وقصة بحيرا , الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: الذهبي - المصدر: ميزان الاعتدال - الصفحة أو الرقم: 2/581 , خلاصة الدرجة: منكر


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    ارض الله
    المشاركات
    532
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    نعم
    بارك الله فيك


    ومقالات الدكتور ابراهيم عوض وردوده تستحق منا القراءة ومنها ما طرحته بمداخلة رقم 8

    جزاك الله خيرا يا استاذ /محمود
    وجزى الله خيرا الدكتور ابراهيم عوض ....

    واحب ان الفت انتباه الجميع ...على انه ظهر في موضوعك حقيقة جديدة ان هناك من الاساتذه والعلماء المتحصصين الغيورين على الدين الكثير ..لا نعرفهم الا عن طريق مثل تلك المعارك الفكرية مع الباطل واهله ...ومن هؤلاء الغيورين الدكتور /ابراهيم عوض ..ولانزكيه على الله
    اتمنى ان يعمل المنتدى على التواصل بطريقة مباشرة مع مثل هؤلاءوالاستفادة من تخصصاتهم .والعمل على عقد لقاءات معهم بالمنتدى ..
    وهذا اقتراح ....


    اعتذر منك يا استاذ محمود فقد تكون المداخلة خروج عن الموضوع

    (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ). [الطور: 35].
    (أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ). [إبراهيم: 10]
    (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ). [يونس: 101]


    للسؤال عن الغائبين

  11. #11

    افتراضي

    وصلة لبرنامج يكفر فيه الشيخ ابو اسحق الحويني بارك الله في علمه وعمله وابقاه لنا نبراسا علميا مميزا ,لسيد القمني

    http://www.youtube.com/watch?v=FUh9DLnJR_g


    تحياتي للموحدين
    أعظَم مَن عُرِف عنه إنكار الصانع هو " فِرعون " ، ومع ذلك فإن ذلك الإنكار ليس حقيقيا ، فإن الله عزّ وَجَلّ قال عن آل فرعون :(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)
    وبُرهان ذلك أن فِرعون لَمّا أحسّ بالغَرَق أظْهَر مكنون نفسه ومخبوء فؤاده على لسانه ، فقال الله عزّ وَجَلّ عن فرعون : (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    ارض الله
    المشاركات
    532
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    Exclamation منقول للاهمية : الرد العلمي على بعض الافتراءات

    الثلاثاء 12 شعبان 1430 - 4 اغسطس 2009



    ردا علي افتراءات سيد القمني :

    القرآن وأميّة بن أبى الصلت: أيهما أخذ من الآخر؟
    * د. إبراهيم عوض

    أمية بن أبى الصلت شاعر مخضرم من قبيلة ثقيف، التى كانت تسكن الطائف. وكان أبوه أيضا شاعرا، كما كانت له أخت تُسَمَّى: "الفارعة"، وبنتان وعدة أبناء بعضهم شعراء، وأخٌ اسمه "هذيل" أُسِر وقُتِل مشركا فى حصار الطائف.
    وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، وأزعجهم التردِّى الخلقى الذى كان شائعا فى الجزيرة العربية، وتطلعوا إلى نبى يُبْعَث من بين العرب، بل إنه هو بالذات كان يرجو أن يكون ذلك النبى. وكان أمية يخالط رجال الدين ويقرأ كتبهم ويقتبس منها فى أشعاره.

    وكان رجل أسفار وتجارة، كما كان يمدح بعض كبار القوم كعبد الله بن جدعان وينال عطاياهم وينادمهم على الخمر، وإن قيل إنه قد حرَّمها بعد ذلك على نفسه. وتُجْمِع المصادر على أنه مات كافرا حَسَدًا منه وبَغْيًا، إذ ما إن بلغه مبعث النبى محمد حتى ترك الطائف فارًّا إلى اليمن ومعه بنتاه اللتان تركهما هناك، وأخذ يجول فى أرجاء الجزيرة ما بين اليمن والبحرين ومكة والشام والمدينة والطائف.

    وتذكر لنا الروايات مع ذلك أنه وفد على النبى ذات مرة وهو لا يزال فى أم القرى واستمع منه إلى سورة "يس" وأبدى تصديقه به مؤكدا لمن سأله من المشركين أنه على الحق. بَيْدَ أن حقده الدفين منعه من أن يعلن دخوله فى الإسلام رسميا وبصورة نهائية رغم أنه، كما جاء فى إحدى الروايات، كان قد اعتزم أن يذهب إلى المدينة للقاء الرسول مرة أخرى وإعلان دخوله فى الدين الجديد، لكن الكفار خذّلوه وأثاروا نار حقده على محمد من خلال تذكيره بأنه قتل أقاربه فى بدر ورماهم فى القليب، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه بعد أن شقّ هدومه وبكى وعقر ناقته مثلما يصنع الجاهليون.

    ثم لم يكتف بهذا، بل رثى هؤلاء القتلى وأخذ يحرض المشركين على الثأر لهم منضمًّا بذلك إلى جبهة الشرك والوثنية ضد الإسلام، وظل هكذا حتى لقى حتفه على خلاف فى السنة التى مات فيها ما بين الثانية للهجرة إلى التاسعة منها قبل فتح النبى الطائف بقليل، وهو الأرجح (شعراء النصرانية قبل الإسلام/ ط2/ دار المشرق/ بيروت/219 وما بعدها، ود. جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ ط2/ دار العلم للملايين/ 1978م/ 6/ 478- 500، وبهجة عبد الغفور الحديثى/ أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره/ مطبوعات وزارة الإعلام/ بغداد/ 1975م/ 46 فصاعدا. وله تراجم فى "طبقات الشعراء"، و"الشعر والشعراء"، و"الأغانى" وغيرها).

    ولأمية ديوان شعر يختلط فيه الشعر الصحيح النسبة له بالشعر المنسوب له ولغيره بالشعر الذى لا يبعث على الاطمئنان إلى أنه من نظمه، وهذا القسم الأخير هو الغالب. وأكثر شعر الديوان فى المسائل الدينية: تأمّلاً فى الكون ودلالته على ربوبية الله، ووصفًا للملائكة وعكوفهم على تسبيح ربهم والعمل على مرضاته، وإخبارًا عن اليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب، وحكايةً لقصص الأنبياء مع أقوامهم، إلى جانب أشعاره فى مدح عبد الله بن جدعان والفخر بنفسه وقبيلته وما إلى ذلك.

    ومن الشعر الدينى المنسو ب إليه ما يقترب اقترابا شديدا من القرآن الكريم معنًى ولفظًا وكأننا بإزاء شاعرٍ وَضَع القرآنَ بين يديه وجَهَدَ فى نظم آياته شعرا. ومن هذه الأشعار الشواهد التالية:
    لك الحمد والنعماء والمُلْك ربنا * فلا شىء أعلى منك جَدًّا وأَمْجَدُ
    مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ * لعزّته تَعْنُو الجباه وتسجدُ
    مليك السماوات الشِّدَاد وأرضها * وليس بشىء فوقنا يتأودُ
    تسبِّحه الطير الكوامن فى الخفا * وإذ هى فى جو السماء تَصَعَّدُ
    ومن خوف ربى سبّح الرعدُ حمده* وسبّحه الأشجار والوحش أُبَّدُ
    من الحقد نيران العداوة بيننا * لأن قال ربى للملائكة: اسجدوا
    لآدم لمّا كمّل الله خلقه * فخَرُّوا له طوعًا سجودا وكدّدوا
    وقال عَدُوُّ الله للكِبْر والشَّقا: * لطينٍ على نار السموم فسوَّدوا
    فأَخْرَجَه العصيان من خير منزلٍ * فذاك الذى فى سالف الدهر يحقدُ
    * * *
    ويوم موعدهم أن يُحْشَروا زُمَرًا * يوم التغابن إذ لاينفع الحَذَرُ
    مستوسقين مع الداعى كأنهمو * رِجْل الجراد زفتْه الريح تنتشرُ
    وأُبْرِزوا بصعيدٍ مستوٍ جُرُزٍ * وأُنـْزِل العرش والميزان والزُّبُرُ
    وحوسبوا بالذى لم يُحْصِه أحدٌ * منهم، وفى مثل ذاك اليوم مُعْتبَرُ
    فمنهمو فَرِحُ راضٍ بمبعثه * وآخرون عَصَوْا، مأواهم السَّقَرُ
    يقول خُزّانها: ما كان عندكمو؟ * ألم يكن جاءكم من ربكم نُذُرُ؟
    قالوا: بلى، فأطعنا سادةً بَطِروا * وغرَّنا طولُ هذا العيشِ والعُمُرُ
    قالوا: امكثوا فى عذاب الله، ما لكمو* إلا السلاسل والأغلال والسُّعُرُ
    فذاك محبسهم لا يبرحون به * طول المقام، وإن ضجّوا وإن صبروا
    وآخرون على الأعراف قد طمعوا * بجنةٍ حفّها الرُّمّان والخُضَرُ
    يُسْقَوْن فيها بكأسٍ لذةٍ أُنُفٍ * صفراء لا ثرقبٌ فيها ولا سَكَرُ
    مِزاجها سلسبيلُ ماؤها غَدِقٌ * عذب المذاقة لا مِلْحٌ ولا كدرُ
    وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها * ولا البصير كأعمى ما له بَصَرُ
    فاسْتَخْبِرِ الناسَ عما أنت جاهلهُ * إذا عَمِيتَ، فقد يجلو العمى الخبرُ
    كأَيِّنْ خلتْ فيهمو من أمّةٍ ظَلَمَتْ * قد كان جاءهمو من قبلهم نُذُرُ
    فصدِّقوا بلقاء الله ربِّكمو * ولا يصُدَّنَّكم عن ذكره البَطَرُ

    * * *
    قال: ربى، إنى دعوتك فى ا لفـــــــــــــــ*ــجر، فاصْلِحْ علىَّ اعتمالى
    إننى زاردُ الحديد على النــــــــــــــــــــــــ*ــاس دروعًا سوابغ الأذيالِ
    لا أرى من يُعِينُنِى فى حياتى * غير نفسى إلا بنى إسْرالِ

    وقد ظنت طوائف المبشرين ممن فقدوا رشدهم وحياءهم أن بمستطاعهم الإجلاب على الإسلام ورسوله وكتابه بالباطل فأخذوا يزعمون أن القرآن مسروق من شعر أمية بن أبى الصلت لهذه المشابهات. والواقع أن عددا من كبار دارسى الأدب الجاهلى، من المستشرقين قبل العرب والمسلمين، قد رَأَوْا عكس هذا الذى يزعمه المبشرون، إذ قالوا بأن هذه الأشعار التى تُنْسَب لأمية مما يتشابه مع ما ورد فى القرآن عن خلق الكون والسماوات والأرض، وعن العالم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب وجنة ونار، وعن الأنبياء السابقين وأقوامهم وما إلى ذلك، هى أشعار منحولة عليه.

    قال ذلك على سبيل المثال تور أندريه وبروكلمان وبراو من المستشرقين، ود. طه حسين والشيخ محمد عرفة ود.عمر فروخ ود.شوقى ضيف ود. جواد على وبهجة الحديثى من العلماء العرب، وإن كان من المستشرقين مع ذلك من يدعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أخذ بعض قرآنه من شعر هذا المتحنّف كالمستشرق الفرنسى كليمان هوار، ومنهم من قال إن الرسول وورقة قد استمدا كلاهما من مصدر واحد.

    وإلى القارئ تفصيلا بهذا: فالمستشرق الألمانى كارل بروكلمان يؤكد أن أكثر ما يُرْوَى من شعر أمية هو فى الواقع منحول عليه، ماعدا مرثيته فى قتلى المشركين ببدر، وأنه إذا كان كليمن هوار المستشرق الفرنسى قد زعم أن شعره كان مصدرا من مصادر القرآن، فإن الحق ما قال تور أندريه من أن الأشعار التى نظر إليها هوار فى اتهامه هذا إنما هى نَظْمٌ جَمَع القُصَّاصُ فيه ما استخرجه المفسرون من مواد القصص القرآنى، وأن هذه الأشعار لا بد أن تكون قد نُحِلَتْ لأمية منذ عهد مبكر لا يتجاوز القرن الأول للهجرة، فقد سماه الأصمعى: "شاعر الآخرة"، كما أراد محمد بن داود الأنطاكى أن يفتتح القسم الثانى فى الدِّينِيّات من كتابه "الزهرة" بأشعار أمية (كارل بروكلمان/ تاريخ الأدب العربى/ ترجمة د. عبد الحليم النجار/ ط4/ دار المعارف/ 1/ 113).
    يريد بروكلمان أن يقول: لولا أنه كان هناك شعر يدور حول الموضوعات الدينية التى ذكرناها قبلا منسوب لأمية منذ ذلك الوقت المبكر لما أطلق عليه الأصمعى هذه التسمية ولما فكر الأنطاكى أن يورد له أشعارا دينية فى كتابه المذكور. ويقول المستشرق براو كاتب مادة "أمية بن أبى الصلت" بـالطبعة الأولى من "دائرة المعارف الإسلامية"، تعليقا على اتهام هوار للقرآن بأنه قد استمد بعض مواده من أشعار أمية، إن صحة القصائد المنسوبة لهذا الشاعر أمر مشكوك فيه، شأنها شأن أشعار الجاهليين بوجه عام، وإن القول بأن محمدا قد اقتبس شيئا من قصائد أمية هو زعم بعيد الاحتمال لسبب بسيط، هو أن أمية كان على معرفة أوسع بالأساطير التى نحن بصددها،


    كما كانت أساطيره تختلف فى تفصيلاتها عما ورد فى القرآن. ثم أضاف أنه، وإن استبعد أن يكون أمية قد اقتبس شيئا من القرآن، لا يرى ذلك أمرا مستحيلا. وهو يعلل التشابه بين أشعار أمية وما جاء فى القرآن الكريم بالقول بأنه قد انتشرت فى أيام البعثة وقبلها بقليل نزعات فكرية شبيهة بآراء الحنفاء استهوت الكثيرين من أهل المدن كمكّة والطائف، وغذّتها ونشّطتها كلٌّ من تفاسير اليهود للتوراة وأساطير المسلمين. ثم يخبرنا براو بما توصَّل إليه تور أندريه من أنه ليس فى قصائد أمية الدينية ما هو صحيح النسبة إليه، وأن هذا اللون من شعره هو من انتحال المفسرين (دائرة المعارف الإسلامية/ الترجمة العربية/ 4/ 463- 464).

    وعند طه حسين أن "هذا الشعر الذى يضاف إلى أمية بن أبى الصلت وإلى غيره من المتحنفين الذين عاصروا النبى وجاؤوا قبله إنما نُحِلَ نَحْلاً. نحله المسلمون ليثبتوا أن للإسلام قُدْمَةً وسابقةً فى البلاد" (فى الأدب الجاهلى/ دار المعارف/ 1958م/ 145). ويرى الشيخ محمد عرفة أنه لو كانت هناك مشابهةٌ فعلا بين شعر أمية والقرآن الكريم لقال المشركون، الذين تحداهم الرسول بأن يأتوا بآية من مثله، إن أمية قد سبق أن قال فى شعره ما أورده هو فى القرآن زاعمًا أنه من لدن الله. لكنهم لم يقولوا هذا، بل اتهموه بأنه إنما يعلّمه عبد أعجمى فى مكة.

    كذلك يؤكد أن شعر أمية لا يشبه فى نسيجه شعر الجاهلية القوى المحكم، إذ هو شعر بيِّن الصنعة والضعف على غرار شعر المولَّدين. ومن هنا كان هذا الشعر المنسوب لذلك المتحنف الطائفى هو شعر منحول عليه ومنسوب زورا إليه (من تعليق الشيخ محمد عرفة على مادة "أمية بن أبى الصلت" فى "دائرة المعارف الإسلامية"/ 4/ 465).

    أما د. عمر فروخ فيؤكد أن القسم الأوفر من شعر أمية قد ضاع، وأنه لم يثبت له على سبيل القطع سوى قصيدته فى رثاء قتلى بدر من المشركين. وبالمثل نراه يؤكد أن كثيرا من الشعر الدينى المنسوب لذلك الشاعر هو شعر ضعيف النسج لا رونق له (د.عمر فروخ/ تاريخ الأدب العربى/ ط5/ دار العلم للملايين/ 1948م/ 1/ 217- 218).

    ويرى د. شوقى ضيف أن المعانى التى يتضمنها شعر أمية مستمدة من القرآن بصورة واضحة، إلا أنه لا يرتب على ذلك أن يكون أمية قد تأثر بالقرآن، بل يؤكد أن الشعر الذى يحمل اسمه هو شعر ركيك مصنوعٌ نَظَمَه بعضُ القُصّاص والوُعّاظ فى عصور متأخرة عن الجاهلية. وردًّا على دعوى هوار بأن القرآن قد استمد بعض مادته من أشعار أمية يقول الأستاذ الدكتور إن ذلك المستشرق لا علم له بالعربية وأساليب الجاهليين، وإلا لتبين له أنها أشعار منحولةٌ بيِّنة النحل، ولما وقع فى هذا الحكم الخاطئ (د. شوقى ضيف/ العصر الجاهلى/ ط10/ دار المعارف/ 395- 396).

    يؤكد د. جواد على فى كتابه "المفصل فى تاريخ العرب" أن بعض أشعار أمية الدينية مدسوسة عليه، ومن ثَمّ لا يمكن أن يكون أميّة قد اقتبس شيئا من القرآن، وإلا لقام النبى عليه الصلاة والسلام والمسلمون بفضحه. وعلى هذا فهو أيضا يرى أن شعره الذى يوافق فيه القرآنَ إنما صُنِع بعد الإسلام صنعا لأنه ليس موجودا فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا غيرهما من الكتب الدينية، اللهم إلا القرآن الكريم، وأن أكثره قد وُضِع فى عهد الحجاج تقربا إليه، وبخاصة أن شعره الدينى يختلف عن شعره المَدْحِىّ والرثائى وغيره، إذ يقترب من أسلوب الفقهاء والمتصوفة ونُسّاك النصارى، كما تكررت إشارات الرواة إلى أن هذا الشعر أو ذاك مما يُعْزَى له قد نُسِب لغيره من الشعراء.

    ثم إنه قد مدح الرسول عليه السلام، كما أن فى الشعر المنسوب له ما يدل على أنه قد آمن به، فكيف يتسق هذا مع رثائه لقتلى بدر من المشركين؟ (المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 491- 496). أما بهجة عبد الغفور الحديثى فإنه يقسم شعر أمية الدينى إلى قسمين: قسم يظهر عليه أثر الحنيفية وكتب اليهود والنصارى، وقسم يظهر عليه أثر القرآن. وهو يميل إلى أن يكون القسم الأول له كما يظهر من أسلوبه ومعانيه، أما الثانى فمنحول عليه بدليل ما يبدو عليه من ركاكة لغته وضعف صياغته، ومن أسلوبه المستمد من القرآن (أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره/ 127).

    وقد بحثت عن طريق المشباك (النِّتّ) فى كتب الأحاديث النبوية الشريفة عن روايات تذكر شيئا من شعر أمية فلم أجد إلا ثلاثة أبيات له فى مُسْنَد أحمد يتحدث فيها عن الشمس وعرش الله بما لم يأت شىء منه فى القرآن، وأن الرسول عليه السلام قد صدّقه فيها، وهذا نصها:

    رجلٌ وثورٌ تحت رجْل يمينه * والنسر لليسرى، وليثٌ مُرْصَدُ
    والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراءَ يصبح لونها يتورّدُ
    تأبَى فلا تبدو لنا فى رِسْلها * إلا مُعَذَّبَةً وإلا تُجْلَدُ

    كما جاء أيضا فى مُسْنَدَىْ ابن ماجة وأحمد أن الشريد بن الصامت قد أنشد النبىَّ ذات مرة مائة بيت من شعر أمية، وكان كلما انتهى من إنشاد بيتٍ قال النبى عليه الصلاة والسلام: "هِيهْ"، يستحثه على الاستمرار فى الإنشاد، ثم عقّب صلى الله عليه وسلم فى النهاية قائلا: "كاد أن يُسْلِم"، وفى رواية أخرى فى مسند أحمد أن النبى لم يعلّق فى نهاية الإنشاد بشىء، بل سكت فسكت الشريد بدوره.
    وهذا كل ماهنالك، فلم نعرف من الحديث ما هى الأبيات التى أنشدها الصحابى الكريم على مسامع رسول الله، ولا مدى مشابهتها للقرآن. على أن هاهنا نقطة لا بد من تجليتها قبل الانتقال إلى شىء آخر، إذ لا أظن الصحابى الجليل قد قصد عدد المائة تحديدا، فليس من المعقول أنه كان يعدّ الأبيات التى كان ينشدها على مسامع النبى أوّلاً بأوّل وهو يتلوها. ذلك أمر غير متخيَّل، والأرجح بل الصواب الذى لا أستطيع أن أفكر فى غيره أنه أراد الإشارة إلى أنه قد أنشد سيّدَ الأنبياء عددا غير قليل من الأبيات.

    كذلك رجعتُ إلى تخريجات القصائد المشابهة للقرآن الكريم التى قام بها بهجة الحديثى فى رسالته عن أمية، فلفت انتباهى أن هذه القصائد، أو على الأقل الأبيات التى يوجد فيها ذلك التشابه، لم تَرِدْ فى أىٍّ من كتب الأدب واللغة والتاريخ والتفسير المعتبرة ككتاب "جمهرة أشعار العرب" لأبى زيد القرشى، أو "طبقات الشعراء" لابن سلام، أو "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، أو "الأغانى" للأصفهانى، أو "تاريخ الرسل والملوك" أو "جامع البيان فى تفسير القرآن" للطبرى مثلا. بل إن كثيرا من هذه الأشعار لم تَرِدْ فى طبعة الديوان الأولى، فضلا عن أن بعضها قد نُسِب فى ذات الوقت إلى غيره من الشعراء.

    ونقطة أخرى مهمة جدا: لماذا لم يُثِرْ علماؤنا المتقدمون قضية التشابه بين شعر أمية والقرآن الكريم باستثناء محمد بن داود الأنطاكى، الذى كان يردّ، فيما يبدو، على من اتهم القرآن بالأخذ عن أمية بأن ذلك غير صحيح لأنه عليه السلام لا يمكن أن يستعين فى كتابه بشعر رجل أقر بنبوته وصدّق بدعوته، وأنه لو كان صحيحا رغم ذلك لسارع أمية إلى اتهام الرسول بالسرقة من شعره، وبذلك تسقط دعوته صلى الله عليه وسلم بأيسر مجهود وأقلّه؟ (الزهرة/ تحقيق د. إبراهيم السامرائى ود. نور حمود القيسى/ ط2/ مكتبة المنار/ الزرقاء/ 1406هـ- 1985م/ 2/ 503).
    لقد كان ابن داود الأنطاكى من أهل القرن الثالث الهجرى، فى حين أن صاحب "الأغانى" قد جاء بعده بقرن، فكيف اطمأن المتقدم وشكّ المتأخر، أو فلنقل: كيف أورد المتقدمُ الشعرَ المنسوب لأمية، بينما لم يورده الأصفهانى، الذى جاء بعده بقرن كما قلنا؟ والأحرى أن يكون الوضع بالعكس حيث يكون المتقدم أقرب زمنا إلى صاحب الشعر فيستطيع من ثم أن يحسم الحكم فى مسألة نسبة الشعر إليه، على الأقل قبل تراكم الروايات وازدياد صعوبة غربلتها وإصدار حكم بشأنها.

    بَيْدَ أن مثل هذا الوضع لا غرابة فيه، فعندنا مثلا ابن إسحاق وابن هشام اللذان اشتركا فى كتابة "سيرة رسول الله": تأليفًا بالنسبة لابن إسحاق، ومراجعةً وتعليقًا وتنقيةً بالنسبة لابن هشام، وجاء الأول قبل الثانى بزمن غير قصير كما هو معروف، ومع هذا لم يمنع ابنَ هشام تأخُّرُ زمنه عن النظر فى السيرة التى كتبها سَلَفُه وإجالة قلمه فيما يرى أنه لا بد من تغييره أو تصحيحه أو التعليق عليه بما يرى أنه الصواب أو الأقرب للحق، مثلما فعل عندما أنكر على ابن إسحاق مثلا إيراد أشعار لآدم وثمود والجن، بل لأفراد من قريش ذاتها ممن قال إن أهل العلم لا يعرفون لهم شعرًا أصلا أو ينكرون ما ينسب إليهم من شعر.

    والمسألة بَعْدُ هى مسألة اختلاف فى شخصية الباحث ما بين مطمئنٍ يقبل ما يُرْوَى له ومدقِّقٍ لا يقبل إلا بعد تمحيص وتقليب...وهكذا. ومعروف أن ابن سلام وابن قتيبة وأبا الفرج الأصفهانى هم من النقاد ومؤرخى الأدب القدماء المشهود لهم بالتمحيص والتنقيب وعدم قبول أى شىء على علاته، بينما لا يزيد ما فعله ابن داود الأنطاكى فى كتابه "الزهرة" عن جمع الأشعار وتنسيقها، إلا حين يعلّق بكلمة هنا أو هناك تدور عادةً على شرح لفظة صعبة أو تحليل جانب من جوانب عاطفة الحب التى ألف كتابه عنها.

    إن هذا كله من شأنه أن يعضّد القول الذى سمعنا كبار دارسى الأدب العربى من مستشرقين وعرب يرددونه من أن القصائد التى تتشابه مع القرآن من الشعر المنسوب لأمية هى فى الواقع قصائد منحولة. ولقد نبهنى هذا الاكتشاف إلى ما أحسست به عند مراجعتى لديوان أمية مؤخرا من أنى لا أستطيع أن أتذكر قراءتى لأىٍّ من هذه الأشعار فى الكتب التى أومأتُ إليها لِتَوِّى. وهذا هو السبب فى أننى قد استبدّ بى الاستغراب أثناء مطالعتى لذلك النوع من قصائد أمية حين فكرت فى الكتابة عن هذه القضية بالرغم من كثرة ما قرأت عن الرجل من قبل فى "الأغانى" و"طبقات الشعراء" و"الشعر والشعراء" مثلا، وكذلك فى كتب تاريخ الأدب العربى التى ألفها باحثون معاصرون ممن تكلموا فى هذه القضية، لكنهم لم يوردوا شيئا من الأشعار محل الخلاف والمناقشة مكتفين بالكلام النظرى فيها.


    وبالمثل كان الانطباع الذى شعرتُ به بمجرد قراءة تلك الأشعار هو أنها أقرب إلى النظم الذى وضع صاحبُه أمام عينيه آياتِ القرآن الكريم وأخذ يجتهد فى تضمينها ما ينظم من أبيات: فالكلام مهلهل وغير مستوٍ، وفيه فجوات يملؤها الناظم بما يكمّل البيت بأى طريقة والسلام، على عكس شعر أمية فى رثاء قتلى المشركين ببدر مثلا أو مدائحه لعبد الله بن جدعان.

    وغنى عن القول ألاّ وجه لمقارنة هذا الشعر بأسلوب القرآن وما يتسم به من فحولة وجلال وشدة أسر وسحر ينفذ إلى القلوب نفوذا غلابا قاهرا، وهو ما يجعل القول بتأثر شعر أمية بالقرآن لا العكس هو ما يمليه المنطق وتَهَشّ له العقول والضمائر إذا صحَّت نسبة هذه الأشعار له. ومع ذلك كله فلسوف أسلك الطريق الصعب فأفترض أن تلك الأشعار محلَّ الخلاف هى أشعار صحيحة قالها أمية فعلا، وأن الأحداث التى رافقت نظم هذه القصائد هى بالتالى أحداث صحيحة وقعت هى أيضا.

    والآن لو تتبعنا أهم الأحداث فى حياة المصطفى وأمية مما يتصل بهذه القضية فماذا نجد؟ أول كل شىء أن شاعرنا كان، كما جاء فى الروايات التى تحدثت عنه، يتوقع أن يكون هو النبى المنتظر، وأنه حين علم أن النبوة تجاوزته لم يستطع صبرا على المُقام بالطائف على مقربة من الرجل الذى كان حُكْم القدر أن ينزل عليه وحى السماء، فأخذ ابنتيه وهرب إلى اليمن. ومعنى ذلك أنه هو الذى كان مشغولا بمحمد لا العكس.


    وهذا أحرى أن يجعله متنبها لكل ما يتعلق بمحمد، وعلى رأسه القرآن، الذى كان يتمنى بخلع الضرس بل بِفَقْءِ العين أن يكون هو النبى الذى يتلقاه ويبلغه للناس، حرصا منه على الشهرة والسمعة والمكانة بين قومه، جاهلا فى غمرة حماقته وحسده الأسود العقيم أنه سبحانه وتعالى "أعلم حيث يجعل رسالته". ومن المنطقى جدا، كما أومأنا، القول بأنه لم يستطع أن يتجاهل الرسول رغم غيظه، بل قل: بسبب غيظه من عدم اختياره هو نبيا للعرب، وأنه كان يتصيد الآيات والسُّوَر التى تنزل على الرسول ويضعها نصب عينيه وهو يَنْظِم شعره، جَرْيًا على المثل الشعبى القائل: "إن فاتك المِيرِىّ تمرَّغْ فى ترابه".

    إنه "عبده مشتاق" الجاهلى، الذى يمكن أن نرى فيه رائدا لـنظيره فى كاريكاتير جريدة "الأخبار" القاهرية، مع بعض التلوينات المختلفة هنا وهناك تبعا لاختلاف طبيعة الدور الذى يريد كل من هذين العبدين أن يؤديه والظروف التى يتحرك فى نطاقها! ولقد فاتته النبوة، فليضمّن نصوصَ وحيها إذن شعره، فهذا أفضل من أن "يخرج من المولد بلا حمّص"! وهو حين يصنع هذا إنما كان يجرى على عادته قبل سطوع بدر الإسلام من العكوف على الكتب الدينية السابقة والاقتباس منها فيما يَنْظِم من أشعار.
    فهو إذن لا يفترع طريقا جديدا حين يقتبس من القرآن، بل يستمر فى سبيله القديم. والطبع غلاب كما يقولون! ولا أدرى فى الواقع لماذا، بدلا من هذا الهروب غير المجدى من الطائف، لم يواجه محمدا ويقول له فى وجهه إنه قد سبقه فى شعره إلى ما يقوله هو فى قرآنه، وإن هذا دليل على أنه ليس نبيا حقيقيا، ومن ثم فهو أفضل منه، على الأقل من ناحية العلم والحكمة.

    ألم يكن هذا هو ما يقتضيه المنطق لو كان عند أمية ذلك الدليل القاهر الذى يلوّح به بعض المستشرقين ويتابعهم عليه، فى غباءٍ لا يليق بمن عنده مسكة من عقل، مبشّرو آخر الزمان، ومن خلفهم ذيول المسلمين الذين فقدوا كل معنى من معانى الكرامة والرجولة؟ ومن الواضح أن الرجل كان يحب الظهور بمظهر العالم الحكيم، هذا الوصف الذى وصفه به خطأً بعض من ترجموا له من القدماء، إذ لو كانت الحكمة من صفاته حقا لما ترك الحسدَ يطوّحه ويقلقله فى بلاد العرب جنوبا وشمالا وشرقا وغربا كراهيةَ أن يكون على مقربة من الرجل الذى آثرته السماء عليه فى مسألة النبوة (وإن ذكرتْ بعضُ الروايات، حسبما رأينا، أنه وفد عليه فى مكة واستمع إلى ما تلاه عليه من قرآن وقال كلاما طيبا فى حقه)، ولأَقْبَلَ بدلا من ذلك عليه بجْمْع قلبه وإخلاصه ما دام يرى أنه على الحق كما يشير إلى ذلك الشعر الذى يتحدث فيه، قبل البعثة النبوية، عن حاجة البلاد لنبى يأخذ بيدها فى طريق الهداية، وكذلك القصيدة التى قالها فى مدحه عليه الصلاة والسلام والدين الذى أتى به.


    بَيْدَ أنه، لحَِظّه التعيس، لم يحزم أمره، وظل مترددا يقترب بقلبه حينًا بعد حينٍ من الدين الجديد، لكنه سرعان ما تثور به عقارب الحقد فيبتعد عنه...إلى أن أقبل أخيرا فى نوبة قوية بعض الشىء من نوبات يقظته الخلقية والروحية ليعلن إسلامه رسميا، فوقفت قريش فى طريقه وأخبرته بأن المسلمين قتلوا عُتْبة وشَيْبة ابنى ربيعة وغيرهما من رجالات الطائف ممن كانوا يمتّون إليه بواشجة القرابة، فما كان منه إلا أن لوى عِنَان فرسه مبتعدا عن طريق النور والسعادة حاكما بذلك على نفسه ببؤس المصير إلى الأبد، وهو ما يدل بأجلى بيان على أنه لم يحزم أمره يوما، وهذه هى مشكلته المزمنة مع نفسه، فأين الحكمة هنا إذن؟


    أما العلم فإن نصيبه منه لا يخرج، فيما هو واضح، عن نقل النصوص والقصص من كتب الأمم السابقة إلى شعره دون الانتفاع الحق بها، فهو إذن كالحمار يحمل أسفارا، وإلا فلماذا لم يستفد بها فى اتّباع الحق الذى كان يؤمن به فى أعماق قلبه، وفضّل عليه الانحياز إلى الوثنية ممثلةً فى أقاربه الذين رثاهم ومجَّدهم حين سقطوا وهم يحاربون تحت رايتها ضد التوحيد، وزاد فشقّ جيوبه عليهم وبكى وجدع أنف ناقته كما كان يفعل أهل الجاهلية الجهلاء حسبما ذكرت كتب السيرة وتاريخ الأدب (د.جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 479)، وهو الذى طالما صدّع أدمغتنا من قبل بالحديث عن الحنيفية؟ ولْنقارن بين موقفه هذا وموقف النبى عليه السلام حين أسلم وَحْشِىّ قاتل عمه الغالى وأخيه من الرضاع حمزة بن عبد المطلب، وكذلك هندٌ آكلة الأكباد ومدبّرة مقتله المأساوى رضى الله عنه.

    لقد قَبِلهما النبى فى دينه، وكأن شيئا لم يكن، رغم الجرح الغائر الذى خلّفه موت سيد الشهداء فى قلبه، وذلك نزولا على مبدئه العظيم القائل بأن "الإسلام يَجُبّ ما قبله".

    أو لماذا لم يقم هو بالدعوة إلى ما كان يؤمن به (حسبما نقرأ فى الشعر المنسوب إليه)، ولو فى أضيق نطاق بين قومه فى الطائف فقط ما دام ادعاء النبوة سهلا إلى هذا الحد كما فعل محمد، الذى لم يكن قارئا كاتبا مثله؟ فانظر وقارن يتبين لك الفرق بين النبوة والحسد الذى يأكل قلب صاحبه أكلاً فلا يتركه يهنأ بحياته أبدا!

    أما المحطة الثانية التى نحب أن نقف عندها فهى ذهاب رسول الله إلى الطائف حين شعر أن مكة تستعصى على دعوته بغباء غريب ما عدا القليلين الذين دخلوا فى دعوته رغم التضييق والعنت الشديد والأذى المتواصل، فحَسِبَ أن الطائف قد تكون أحسن استقبالا للدين الجديد، لكن أهلها للأسف لم يكونوا أفضل حالا من قومه فى مكة. ترى لو كان أمية قد سبق القرآن إلى تناول الموضوعات التى نقرؤها فى ذلك الكتاب بنفس الألفاظ والعبارات فى كثير من الأحيان، ومن ثم أخذ محمد بعض قرآنه من شعره، أكان يفكر مجرد تفكير فى السفر إلى بلد ذلك الشاعر معرضا نفسه للسخرية والاتهام من جانب أهلها بدلا من إقبالهم عليه ودخولهم فى دينه؟

    إنه إذن لـ"كالمستجير من الرمضاء بالنار" كما جاء فى أمثال العرب، أو كمن "جاء يُكَحِّلها فأعماها" كما يقول المثل الشعبى! ولم يكن الرسول يوما بالشخص الذى يمكن أن يقع فى مثل هذا التصرف الأخرق العجيب، بل لم يتهمه أحد من أَعْدَى أعدائه بشىء من ذلك قط! ثم فلنفترض بعد هذا أنه قد ارتكب هذا التصرف الأحمق (وأستغفر الله العظيم على هذا التعبير الذى اقترفتُه لأكون فى غاية السماحة مع "الأنعام" الذين لهم قلوب لكن لا يعقلون بها، ولهم أعين لكن لا يبصرون بها، ولهم آذان لكن لا يسمعون بها!)،

    فكيف فات الطائفيين الأمرُ فلم يجابهوه ويجبهوه بهذه السرقة التى كانت كفيلة بقصم ظهر الدعوة التى أتى بها بدلا من إغرائهم صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم بمطاردته بالحجارة فى شوارع المدينة حتى أخرجوه منها منتهكين بتصرفهم الوحشىّ هذا ما توجبه التقاليد العربية الراسخة القاضية بإكرام الضيف الوافد، واضطروه إلى اللجوء إلى بستانٍ لعُتْبة وشَيْبة ابنى ربيعة حيث قابل هناك خادمهما عداس، الذى قدّم له قِطْفا من العنب يتقوّت به ويزيل عن نفسه التعب، ثم أقبل عليه فى حب وإجلال حين رآه يسمّى الله قبل الطعام وعرف شيئا من دينه على ما هو معروف لقارئى السيرة النبوية؟

    ثم هناك قدوم أمية على النبى ومدحه إياه بقصيدة يقرّه فيها على دعوته ويثنى عليه ويصدّق به. ويبدو أن ذلك كان بتأثير الأسئلة التى من المؤكد أنها كانت توجَّه له ممن حوله، إذ لا بد أن يثور فى أذهانهم التساؤل عن السبب، يا ترى، الذى يمنعه من الإيمان بمحمد ما دام يردد ما يقوله تقريبا ويضمّن شعره بعض ما جاء فى قرآنه! أقول هذا رغم أن فى نفسى من صحة هذه القصيدة شيئا للأسباب التى سأذكرها من فورى، لكننى قلتُه على الشرط الذى وضعتُه حين بينتُ أنه لكى نقبل أشعار أمية التى تشابه القرآن الكريم لا بد أن نقبل معها الأحداث التى صاحبتها حسبما أوردتها الروايات. على أية حال هأنذا أورد جُلّ أبيات القصيدة أولا، ثم ننظر فيها بعد ذلك:

    لك الحمد والمنّ رب العبا * د. أنت المليك وأنت الحَكَمْ
    ودِنْ دين ربك حتى التُّقَى * واجتنبنّ الهوى والضَّجَمْ
    محمدًا ارْسَلَه بالهدى * فعاش غنيا ولم يُهْتَضَمْ
    عطاءً من الله أُعْطِيتَه * وخصَّ به الله أهل الحرمْ
    وقد علموا أنه خيرهم * وفى بيتهم ذى الندى والكرمْ
    نبىُّ هدًى صادقٌ طيبٌ * رحيمٌ رءوف بوصل الرَّحِمْ
    به ختم الله من قبله * ومن بعده من نبىٍّ ختمْ
    يموت كما مات من قد مضى* يُرَدّ إلى الله بارى النَّسَمْ
    مع الأنبيا فى جِنَان الخلو * دِ، هُمُو أهلها غير حلّ القَسَمْ
    وقدّس فينا بحب الصلاة * جميعا، وعلّم خطّ القلمْ
    كتابًا من الله نقرا به * فمن يعتريه فقدْمًا أَثِمْ
    (أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره" لبهجة عبد الغفور الحديثى/ 260- 264)
    وقد رفض د. جواد على هذه القصيدة على أساس أن ما فيها من إيمان قوى بالنبى ودينه يتناقض مع ما نعرفه من تردد أمية بالنسبة للإسلام وافتقار قلبه إلى الإيمان العميق، وأنه يشير فيها إلى وفاة الرسول التى لم تقع إلا بعد موت أمية أوّلا (المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 497- 498). لكن بهجة الحديثى لا يشك فى القصيدة، بل يرى أنها تمثل خطرة من الخطرات التى كانت تنتاب أمية، فالمعروف أنه لم يكفر بالرسول تكذيبا بل حسدا، إذ كان فى دخيلة نفسه مصدِّقا بما جاء به، بل همّ أن يعلن إسلامه فعلا.

    كما أن الأنطاكى، الذى كان يعيش فى القرن الثالث الهجرى، قد أكد أنها موجودة فى شعره ومفهومة عند أهل الخبرة به (أمية بن أبى الصلت/ 78- 79). والحق أن الحجة الأخيرة تكاد تكون العقبة الوحيدة التى تمنعنى من القطع بزيف هذه القصيدة رغم ما فيها مما يدابر المنطق: فهى تتحدث عن اختتام النبوة بمحمد عليه السلام، وهى قضية لم تكن قد طُرِحَت بعد، لأن القصيدة لا بد أن تكون قد سبقت غزوة بدر على آخر تقدير حيث حسم أمية أمره بعد تلك الغزوة وشقَّ جيوبه وعقر ناقته وتراجع نهائيا عن الدخول فى الإسلام، على حين أن الإشارة إلى أن نبوة محمد هى خاتمة النبوات قد وردت فى سورة "الأحزاب"التى نزلت بعد ذلك بزمن طويل على ما هو معروف.


    أما ما جاء فى القصيدة من ذكر موت النبى فلا يعنى بالضرورة أنه قد مات فعلا، إذ الكلام يحتمل هذا، كما يحتمل أنه سيموت كسائر البشر حسبما جاء فى قوله تعالى: "إنك ميتٌ، وإنهم ميتون" (الزُّمَر/ 30)، إذ أتى الفعلُ الدالّ على الموت فى القصيدة فى صيغة المضارع لا الماضى كما لا بد أن يكون القارئ قد لاحظ، رغم أن فى ذكر الموت فى حد ذاته فى هذا السياق كثيرا من الغرابة والخروج على مقتضيات المديح.

    كذلك فوصف الرسول بأنه "رحيم رءوف" هو صَدًى لوصفه فى القرآن فى الآية قبل الأخيرة من سورة "التوبة" بهاتين الصفتين، وإن جاءتا فى القصيدتين بعكس ترتيبهما فى السورة، والآية المذكورة تنتمى لمرحلة زمنية متأخرة عن تاريخ نظم القصيدة. ‏كذلك ففى القصيدة صَدًى لقول رسول الله فى حديث أبى هريرة: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيَلِج النار إلا تحلَّة القسم"، والمقصود الإشارة إلى قوله تعالى فى الآية 71 من سورة "مريم": "وإنْ منكم إلا وارِدُها.كان على ربك حتما مقضيًّا"، ومعروف أن أبا هريرة إنما أسلم فى المدينة فى السنة السابعة للهجرة، أى بعد نظم أمية قصيدته بأعوام، فكيف يمكن أن يتأثر أمية بحديث كهذا لم يكن قد قيل إلا بعد ذلك ببضع سنوات؟

    وأنا هنا، كما يلاحظ القارئ، أنطلق من أن القصيدة هى التى تأثرت بالقرآن لا العكس ما دام أمية قالها فى مدح النبى والتصديق بدعوته، إذ معنى هذا أنه لم يكن يرى فى القرآن أى أثر لشعره، وإلا ما فكر فى مدحه عليه السلام بتاتًا، بل فى هجائه وفَضْحه. ثم إن فى النظم هَنَاتٍ لا يقع فيها جاهلىٌّ عادة: فقد جاءت كل من كلمتى "أرسله" و"الأنبياء" فى القصيدة بهمزة، وهو ما يحدث اضطرابا فى موسيقى البيتين اللذين وردت الكلمتان فيهما، إلا إذا حذفنا الهمزتين كما فعلت أنا هنا، فعندئذ نشعر على الفور أننا بإزاء شعر إسلامى صوفى مما يصعب انتماؤه للعصر الأموى أو حتى بدايات العباسى.

    لكن هل يمكن أن يكون هذا قد فات ابن داود الأنطاكى؟ تلك هى المعضلة. إلا أننا لو استحضرنا فى المقابل أن كبار مؤرخى الأدب ونقاده فى تلك الفترة، وهم العلماء الذين شغلتهم قضية الانتحال فى الشعر الجاهلى والمخضرم كابن سلام وابن قتيبة والجاحظ وأبى الفرج وابن هشام، لم يَرْوُوا شيئا من هذا الشعر لأمية، لوجدنا أنها ليست بالمعضلة التى تستعصى على الحل. وأيا ما يكن الأمر فكما قلت: إن من يريد منا أن نقبل نسبة الأشعار محل الدراسة لأمية فلا بد أن يقبل معها الأحداث المصاحبة لها فى الروايات التى أوردتْها لنا.

    ومما تقوله الروايات عن النبى وأمية أيضا ذلك اللقاء الذى تم بينه صلى الله عليه وسلم وفارعة أخت الشاعر حينما جاءته عند دخوله الطائف فى السنة التاسعة للهجرة وحكت له قصة أخيها وأنشدته من شعره بناءً على طلبه، وما عقَّب به عليه السلام قائلا: "يا فارعة، إن مَثَل أخيك كمَثَل من آتاه الله آياته فانسلخ منها" (ابن حجر/ الإصابة فى معرفة الصحابة/ مطبعة مصطفى محمد/ القاهرة/ 1939م/ 4/ 363، والاستيعاب فى معرفة الأصحاب/ مطبعة مصطفى محمد/ القاهرة/ 1939م/ 4/ 379).

    هل يعقل أنه صلى الله عليه وسلم يسعى إلى فتح ملفّ أمية ويقول فيه هذه الكلمة القارصة، وعلى مسمع من أخته، وفى أشد اللحظات على أهل الطائف وطأةً لأنها لحظة انكسار وانهزام، لو كان قد استمد شيئا من قرآنه من شعر الرجل؟ إنه فى هذه الحالة كمن يمد يده فى جحر الثعابين والعقارب معرِّضا نفسه لخطر الهلاك الوَحِىّ دونما أدنى داع، ومعاذَ الذكاء المحمدى أن يفوته عليه السلام ما ينتظره من الخطر فيقدم على التصرف بمثل هذا التهور! ونفس الشىء نقوله عن موقفه من الشريد بن الصامت، إذ لماذا يشجعه صلى الله علي وسلم على الاستمرار فى إنشاد الشعر الذى من شأنه أن يفضح دعواه لو كان أمية قد قاله فعلا قبل القرآن، واستمد هو قرآنه منه؟ بل لماذا ينشد سويد أمامه شعر أمية أصلا لو كان متطابقا مع القرآن هذا التطابق الذى يدل على استمداده منه؟ بل كيف لم يتنبه لهذا التشابه ولم يختلج على الأقل ضميره بالشكوك والوساوس؟

    ولنفترض بعد ذلك كله أنه صلى الله عليه وسلم قد أقدم على هذا التصرف الخاطئ فى الحالين، فكيف لم يصدر عن الطرف الآخر أى شىء يُلْمِح إلى أسبقية شعر أمية على القرآن أو حتى إلى مجرد المشابهة بين النصين ولو على سبيل فلتات اللسان؟

    وعندنا من الثقفيين، غير فارعة أخت شاعرنا، كنانة بن عبد ياليل، وكان رئيس ثقيف فى زمانه، واشترك مع أبى عامر الراهب العدو اللدود للإسلام فى التآمر على الدين الجديد وصاحبه، ولم يتركا سبيلا إلا وسلكاه لبلوغ هذه الغاية حتى إنهما ذهبا إلى قيصر للاستعانة به ضد الإسلام. ولما فشلا بقى أبو عامر فى الشام، وعاد ابن عبد ياليل بعد تطواف هنا وهناك وأعلن إسلامه.

    ويقال إنه كان من بين المرتدين، ثم رجع إلى الإسلام مرة أخرى. والسؤال الذى يتبادر إلى الذهن لو كان الرسول قد أخذ شيئا من شعر أمية هو: كيف سكت مِثْلُ كنانة فلم يتخذ من هذا الأمر سلاحا يوجهه إلى قلب الإسلام فى مقتل فيريح نفسه وقومه والعرب جميعا من هذا البلاء الذى أرَّقهم وأزعجهم بدلا من الضرب فى الآفاق والاستعانة بمن يساوى ومن لا يساوى؟ أليس هذا هو ما كان ينبغى أن يمليه المنطق على مثل ذلك الزعيم القبلى؟ لكنه لم يفعل، فعلام يدل هذا؟ أيعقل أن يكون بيده ذلك السلاح الحاسم ولا يفكر فى استخدامه على طول ما حارب الإسلام وكثرة ما تآمر ضده؟ (ابن حجر/ الإصابة فى معرفة الصحابة/ 2/ 496، و3/ 305).

    وكان عروة بن مسعود الثقفى قد بكَّر بالدخول فى الإسلام قبل قومه بزمن، فأراد من حبه لهم أن يهديهم الله على يديه، فاستأذن الرسولَ عليه السلام أن يأتيهم فيدعوهم إلى الدخول فى دين التوحيد، لكنه صلى الله عليه وسلم حذره من أنهم سيقتلونه. إلا أنه لم يكن يتصور أنهم يمكن أن يعادوه ويتأبَّوْا عليه اعتقادا منه أنهم يحبونه ويكرمونه أشد الإكرام، فعاود الاستئذان، والرسول يحذره، ثم أذن له فى الثالثة ليذهب إليهم ويلقى المصير الذى حاول الرسول أن يجنبه إياه، إذ ما إن بدأ يدعوهم إلى الإسلام حتى اجتمعوا إليه من كل جانب ورَمَوْه بالنبل فقتلوه، رضى الله عنه (أبو نعيم الأصفهانى/ دلائل النبوة/ ط2/ حيدر أباد الدكن/ 1950م/ 467).
    أولو كان الرسول قد أخذ قرآنه من أمية ابن الطائف التى طال استعصاؤها على الإسلام إلى وقت متأخر، أكان عروة يدخل فى دينه مخالفا قومه بهذه البساطة؟ بل أكان الرسول يرضى أن يذهب إليهم هذا المندفع الذى لا يفكر فى العواقب، ومعروف أن أول ماسيجيبونه به هو: أوقد نسيت أن الرسول الذى تدعونا إلى الإيمان بدينه ليس سوى سارق لشعر شاعرنا، أخذه وزعم أنه قرآن يُوحَى إليه من السماء؟ وحتى لو لم يفكر أى منهما فى تلك النتيجة التى لا يمكن أن يتجه الذهن إلى أى شىء غيرها، أكانت ثقيف تدع تلك الفرصة السانحة دون أن تتهكم بعروة على غفلته وتحمسه لدين يقوم على هَبْش النصوص الشعرية من الشعراء الآخرين والزعم بأنه وحى من عند رب العالين؟


    وهناك أيضا من مشاهير الثقفيين الشاعر أبو محجن، الذى كان مدمنا للشراب، وكان يتأرجح بين عشقه المتوله للخمر وتحرجه الدينى، وإن كان للعشق الغلبة فى بداية أمره حتى لقد حُدَّ فيها مرارا، ونفاه عمر إلى إحدى الجزر...إلى أن جاءت حرب القادسية، وقصته فيها معروفة، إذ كان ساعتها فى القيد فى بيت سعد بن أبى وقاص (قائد المسلمين فى تلك المعركة) بسبب الخمر انتظارا لإيقاع الحدّ عليه، فأخذ يلحّ على امرأة سعد من وراء زوجها أن تحل وثاقه كى يستطيع المشاركة فى الجهاد فى سبيل الله، ولها عليه عهد الله أن يعود من تلقاء نفسه بعد المعركة فيضع رجليه فى القيد كرة ثانية، حتى نجح فى إقناعها فأطلقته فحارب وأبلى فى الحرب بلاء حسنا وانتصر المسلمون، فكان عند كلمته وعاد فوضع رجليه فى القيد، ثم أعلن توبته النهائية عن أم الخبائث بعد أن أبدى سعد إعجابه به ووعده أنه لن يحده أبدا، إذ صرَّح قائلا إنه يستطيع الآن أن يقلع عنها دون الخوف من أن يقول أحد عنه إنه تركها خشية العقاب. ولا يزال ديوانه يمتلئ بالأشعار التى يتغزل فيها فى بنت الكَرْم متمردا على تحريمها فى دين محمد.

    بل إنه كان أحد الذين دافعوا عن الطائف أثناء حصار المسلمين لها عقب فتح مكة، وأصاب سهمه فيها ابنًا لأبى بكر (الزركلى/ الأعلام/ ط3/ 5/ 243، ودائرة المعارف الإسلامية/ الترجمة العربية/ 2/ 597- 598، وديوان الشاعر، وبهجة عبد الغفور الحديثى/ أمية بن أبى الصلت/ 42- 43). والسؤال هنا أيضا: كيف لم يتحدث مثل هذا الشاعر عن استعانة الرسول بشعر ابن قبيلته ولو فى نوبة من نوبات تهتكه وتمرده على تحريم الإسلام الصارم لأم الخبائث، أو فى شعره قبل دخوله فى الإسلام؟

    ثم لدينا من الثقفيين أيضا الحجاج بن يوسف، الذى كان معلما للقرآن فى بداية حياته كأبيه لا يبتغى بذلك مالا، بل احتسابًا عند الله، ثم أصبح فيما بعد أحد عمال بنى أمية الكبار.

    وهو الذى أدخل على نظام الكتابة العربية المزيد من الإتقان والضبط، إذ عهد إلى نصر بن عاصم بإعجام الخط، أى وَضْع النقاط للتمييز بين الأحرف المتشابهة كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء...طلبًا لمزيد من الدقة والتسهيل فى قراءة القرآن، الذى يدَّعى بعض الرُّقَعاء أنه مقتبَس فى بعض مواضعه من شعر أمية. كما كان، رغم كل ما قيل عن قسوته أيام ولايته على العراق، من المداومين على قراءة القرآن. وكذلك كان يشجع بكل وسيلة على حِفْظه، ويُدْنِى منه حُفّاظه (أحمد صدقى العَمَد/ الحجاج بن يوسف الثقفى- حياته وآراؤه السياسية/ دار الثقافة/ بيروت/ 1975م/ 86- 87، 96، 474، 477- 478، وهزاع بن عيد الشّمّرى/ الحجاج بن يوسف الثقفى- وجه حضارى فى تاريخ الإسلام/ دار أمية/ الرياض/ 44).

    والآن ألا يحق لنا أن نتساءل: ما الذى جعل الحجاج يتحمس لدين محمد كل هذا التحمس لو كان هناك ولو ذرة واحدة من الشك تحوم حول مصدر هذا الكتاب، وبخاصة أن المصدر فى هذه الحالة لن يكون شيئا آخر غير شعر ابن القبيلة التى يعتزى هو إليها؟ لا ليس ابن قبيلته فقط، بل هو ابن خالة جده الرابع لأمه: معتب بن مالك (انظر فى نَسَبه "الحجاج بن يوسف الثقفى- وجه حضارى فى تاريخ الإسلام" لهزاع بن عيد الشّمّرى/ 15).

    ولا يظنَّنّ أحد أن شعر أمية لم يكن يهم الحجاج لانشغاله بالسياسة وما يتصل بها، فقد رُوِىَ عنه قوله: "ذهب قوم يعرفون شعر أمية، وكذلك اندراس الكلام" (د. جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 483 )، أى أن نصوص الشعر والأدب إنما تضيع بذهاب من يحفظونها. وههنا نقطة مهمة جدا، ألا وهى أن شعر أمية قد ضاع، على أقلّ تقدير،ٍ جانبٌ كبير منه قبل الحجاج، فكيف وصلنا إذن كل هذا الشعر الذى يشابه القرآن إذا كان واحد من أقرب من تصله به رابطة الدم يشكو من ضياعه على هذا النحو؟
    وأهم من ذلك كله دلالةً على ما نريد من أن القضية التى يثيرها الفارغون الجهّال من المبشرين ومَنْ لَفَّ لفَّهم من أبناء المسلمين الذين ختم الله على قلوبهم وعقولهم وأعينهم، فهم لا يفكرون ولا يستمعون إلا لكل مغرض ممن يريد أن يقضى عليهم وعلى أمتهم، إنما هى زوبعة فى كستبان لا أكثر، أن الفارعة أخت أمية، وأبناءه القاسم وأمية وربيعة ووَهْبًا، قد دخلوا مع ثقيف كلها فى الإسلام، وكان القاسم وأمية وربيعة يقولون الشعر، ولم يُؤْثَر عن أى منهم ولا من غيرهم ممن كان يمتّ بصلة نسب إلى أميّة أية كلمة تومئ مجرد إيماء إلى أن الرسول يمكن (يمكن فقط) أن يكون قد استفاد من شعر ذلك الشاعر على أى نحو من الأنحاء.
    دعك من أن مجرد اعتناقهم الإسلام هو فى حد ذاته برهان على تكذيبهم بأبيهم وانحيازهم إلى محمد، وهو ما ينقض ما يهرف به الأغبياء المحترقون حقدًا على دين محمد من أن القرآن هو فى بعض جوانبه اقتباس من شعر متحنّف الطائف. كما أن كثيرا من العرب قد ارتدّ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكان لكل قبيلة تعلاتها السخيفة التى تحاول أن تسوّغ بها هذه الردة، لكننا لم نسمع قطّ أن أحدا ممن ارتدّ قد فتح هذا الموضوع. بل إن قبيلة ثقيف قد هَمَّتْ بالارتداد، لولا أن عثمان بن العاص كرّه إليهم الإقدام على مثل ذلك التصرف الذى لا يليق، فما كان منهم إلا أن فاؤوا إلى رشدهم ولم يعودوا إليها، بل كان منهم كثيرون حاربوا المرتدّين بكل إخلاص.

    وهنا أيضا لم نسمع أية نأمة حول الاستفادة المحمدية المزعومة من شعر أمية! ليس ذلك فحسب، فهناك، كما أشار د. جواد على (فى كتابه: "المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام"/ 6/ 493)، يوحنا الدمشقى مثلا، وهو من أوائل من كتب من النصارى مهاجما الإسلام، وكان معاصرا لدولة بنى أمية. أفلو كان لهذه الشبهة أىّ ظل من الحقيقة مهما ضَؤُل، أكان هذا الراهب المتعصب على الإسلام، والذى يريد أن يهدمه على رؤوس أصحابه ويثبت بكل وسيلة أن محمدا لم يكن نبيًّا صادقًا، يُفْلِت تلك السانحة الغالية ويسكت فلا يستخدم هذه الورقة الجاهزة والرابحة بكل يقين؟

    بهذا تكون القضية قد ظهرت على وجهها الحقيقى: فلا أمية ولا أى واحد من أبنائه أو أقاربه أو قبيلته أو حتى من العرب، بل ولا من النصارى واليهود الذين عاصروا النبى أو جاؤوا بعده بقليل، قد أثار هذا الأمر على أى وضع. أليس لنا الحق بعدئذ فى أن نصف من يفتح هذا الموضوع الآن بالرقاعة والوقاحة؟

    إن ذلك بمثابة رفع دعوى من غير ذى صفة، بل من شخص لا يستند إلى أى توكيل من أىٍّ من أصحاب الشأن رغم أن الظروف كلها من شأنها أن تدفع أصحاب الشأن هؤلاء إلى الكلام لو كان لتلك المزاعم أساسٌ أىّ أساس! خلاصة القول إنه ليس أمامنا فى هذه المسالة إلا أمران: فإما قلنا بزيف نسبة هذه الأشعار إلى أمية، وإما قلنا إنه قد نظمها تقليدا لما جاء فى القرآن.

    لكن د. جواد على يرفض الاحتمال الثانى ولا يرى إلا احتمالا واحدا هو زيف الأشعار المعزوّة إلى أمية. ومن بين ما اعتمد عليه فى هذا الرأى أن النبى عليه السلام لم يتهم أمية بالأخذ منه (المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/491).

    وأنا، وإن كنت أميل إلى رأى الأستاذ الدكتور، لا أستطيع أن أنبذ الرأى الآخر مائة فى المائة لعدم توفر دليل قاطع على صحته، ولكيلا أترك فرصة لأى جَعْجَاع يريد أن يُجْلِب على القرآن والرسول، فكان لا بد أن أسدّ هذه الثغرة. ومن هنا فإنى أجيب على الحجة التى ساقها د. جواد بالقول إن النبى عليه السلام أكبر من أن يقف عند هذه الأشياء، وبخاصة أنه قد نزل عليه القرآن كى يفيد منه الناسُ أيا كان نوع تلك الإفادة لا ليشمخ به عليهم. ثم إن القرآن ليس ملكا للرسول بل هو كتاب الله، فماذا كان يمكن للرسول أن يقول لأمية فى هذه الحالة، وبالذات إذا علمنا أن أمية لم يواجهه بل اكتفى بالازورار؟

    وحتى هذا الازورار لم يكن كاملا، فقد جاء فى بعض الروايات أنه وفد عليه ذات مرة واستمع منه إلى سورة "يس"، وشهد له بالحق، وأنه، عند عودته من الشام، قد أخذ طريقه إلى المدينة ليعلن الدخول فى دين محمد لولا تحريض المشركين له بإثارة نقمته على الرسول جرّاء مقتل بعض أقاربه على يد المسلمين فى بدر حسبما جاء فى "الإصابة" لابن حجر و"مجمع البيان" للطَّبَرْسِىّ وغيرهما (د. جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 486).


    أما إذا كان لا بد من أن يردّ عليه النبى رغم ذلك كله، أفلا يكفينا ما رُوِىَ عنه صلى الله عليه وسلم من قوله فيه: "آمن شعره، وكفر قلبه" أو "آمن لسانه، وكفر قلبه" (صحيح مسلم من كتاب "الشعر". وقد أورده الدكتور جواد نفسه فى "المفصّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام "/ 485)؟ إذ معنى "آمن شعره أو لسانه" أنه كان يأخذ ما جاء فى القرآن ويردّده فى شعره ترديد المؤمن به، لكن حسده له عليه السلام قد منعه أن يعلن ذلك بصفة رسمية ونهائية، وهذا معنى كفران قلبه.

    أما الاحتمال الثالث الذى طرحه بعض المستشرقين، كالمستشرق الألمانى شولتس ناشر ديوان أمية، من أن النبى وأمية قد استقيا كلاهما من مصدر ثالث مشترك فهو احتمال ليس له رِجْلان يمشى عليهما، إذ أين ذلك المصدر المشترك؟ ولِمَ لَمْ يظهر طوال كل هاتيك القرون؟ وكيف وقع كل منهما عليه، وبينهما كل هذا البعد المكانى والنفسى؟ ثم لماذا هما وحدهما بالذات من دون العرب كلهم بل من دون العالم أجمع؟

    * مفكر مصري واستاذ بجامعة عين شمس



    Ibrahim_awad9@yahoo.com



    http://awad.phpnet.us/



    http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9


    --------------------------------------------------------------------------------
    [COLOR="Magenta"][SIZE="5"]
    روابط المقال

    1-

    http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?t=16800

    2-
    ["http://www.moheet.com/newsPrint.aspx?nid=279294"]/SIZE][/COLO



    -
    التعديل الأخير تم 08-04-2009 الساعة 09:43 PM

    (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ). [الطور: 35].
    (أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ). [إبراهيم: 10]
    (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ). [يونس: 101]


    للسؤال عن الغائبين

  13. #13

    افتراضي

    جزاك الله خيرا

  14. افتراضي

    السلام عليكم
    الرد التفصيلى على هذا القمنى الوثنى هنا إن شاء الله
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...E1%DE%E3%E4%EC

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. سؤال: أريد تفنيد لشبهات المدعو (ابن اقرناس) فى كتابه "أحسن القصص"
    بواسطة أحمد المصرى في المنتدى خنفشاريات
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 08-27-2010, 07:56 PM
  2. معاريف: مئات اليهود في "إسرائيل" يشهرون إسلامهم سنويًا
    بواسطة عبد الله بن أدم في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 03-20-2010, 07:38 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء