فيما يخص النقطة المتعلقة بضرورة اقناع العرب بأولوية الانتماء العقدى على القبلى فلكى يقنعهم بصدق نبوته لابد أنه يكون هو فى داخله مؤمنا بهذا إذ أن فاقد الشىء لا يعطيه وهذا يجرنا للحديث عن ضرورة التسليم بصدقه واخلاصه كما هو حتى قول الدارسين فى الغرب بوجه عام وفقا لما ذكره ريتشارد بيل ومونتجمرى وات (1) وكذا وفقا لقول برنارد لويس المؤرخ اليهودى المشهور : أن المؤرخ العصرى لن يقبل بأن دينا عظيما وذا شأن كالاسلام ابتدأه دجال أنانى **
وقول مونتجمرى وات بأن صدق النبى واخلاصه لابد ان يقبله المؤرخ العصرى لان هذا وحده يمكن أن يفسر نشوء دين عظيم كالاسلام ***
بل حتى وفقا لبعض اللاهوتيين المسيحيين ورجال الدين المسيحى من أمثال الأسقف الأنجليكانى Kenneth Cragg وعالم اللاهوت الشهير John Macquarrie
2
وهذا ينسف دعوى القمنى من أساسها من ان الاسلام هو مشروع قصد به بنو هاشم ان تكون لهم السيادة على العرب وأن النبى ادعى النبوة لتحقيق مجد دنيوى زائل وهذا يعنى أن كلام القمنى هذا كمال يقال " out of fashion " أو موضة قديمة .
وقد بسطت الكلام على ذلك فى مقال بعنوان " دلائل النبوة العقلية "
أما الكلام عن كون التشريعات الاسلامية مصدرها زيد بن عمرو بن نفيل وكذا كون القرآن منحول من أشعار أمية بن الصلت فهذا إن دل على شىء دل على سذاجة هذا الافاق وسطحيته فى الطرح فالتشريعات الاسلامية إنما جاءت لتعالج واقع تعيشه الجماعة الإسلامية وتمثل انعكاسا لهذا الواقع الذى كان زيد بن عمر بن نفيل بمعزل عنه ( مات قبل البعثة النبوية ) وهنا يذكر تاريخ الإسلام لجامعة كامبريدج أن الدين فى حالة النبى هو استجابة النبى الكلية للواقع الكلى الذى وجد نفسه فيه فهو لم يكن فقط يستجيب لما يسميه الغربى الجوانب الدينية والفكرية للواقع بل ايضا للضعوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية * ثم لمن يشرع عمرو بن نفيل تشريعات تفصيلية ـ بتقدير أنه فى مقدوره ذلك ـ وهو لا يتطلب منه واقعه ذلك فليس هو بمتبوع ولا قائد لجماعة تدعوه الضرورة لسن هكذا تشريعات لتنظم شئون تلك الجماعة !!
لكن القمنى " يجعل من الحبة قبة " فلمجرد أنه قرأ فى السيرة أو فى كتب الحديث أنه اعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان وأنه أدرك شباب النبى وأن النبى لقيه فى بلدح أسفل مكة فقدم له النبى سفرة فيها لحم فقال لا آكل مما يذبحون على انصابهم ..
فلاشك اذا أنه مصدر التشريعات التى شرعها النبى لأمته وأنه لعب دورا هاما فى صياغة أفكاره الدينية !!
والمعلوم أن مثل ذلك عند اهل الكتاب وهو فى شريعة التوراة وعنهم أخذ عمرو بن زيد بن نفيل وأصاب من علمهم ولقى احبارهم إلا أنه لم يقنع بدينهم فكان على ملة ابراهيم
وهذا يردنا الى مسألة اخرى هى العلاقة بين القرآن واسفار اهل الكتاب ودعوى ان بعض المبادىء والافكار التى ودرت فى القرآن تمثل انعكاسا لبعض ما ورد فى تلك الاسفار وهذه مسألة ليس هذا موضع بسطها إنما ما يهمنا هنا تفنيد دعوى القمنى حول علاقة زيد بن نفيل بالتشريعات الاسلامية
اضافة الى ذلك فكما هو معلوم فزيد بن عمرو بن نفيل هو والد الصحابى الجليل سعيد بن زيد وعم الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه فكيف لم يعلما أن التشريعات الاسلامية هى منحوله مما " شرعه " زيد بن نفيل ان كانت لزيد بن نفيل شريعة ؟!!
فكيف اذا امنوا به وصدقوه لو كانوا يعلمون عنه ذلك ولا شك انهم كانوا سيعلمون لو كان حقا ان شريعة الاسلام هى مجرد انتحال لما سبق وان شرعه زيد بن نفيل
و قد اخرج الإمام احمد بن حنبل في مسنده (1648) و الحاكم في مستدركه (3/440) و ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (9/417) و صححه الأستاذ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد :
أن سعيد بن عمرو بن نفيل و عمر بن الخطاب قالا لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أنستغفر لزيد بن عمرو ؟ قال : نعم ، فإنه يبعث أمة وحده
وكذا الكلام على أشعار امية بن الصلت فلو كان القرآن منحولا منها لعلم ذلك القاصى والدانى فليست أشعار امية بن ابى الصلت بمجهولة لدى عرب الجاهلية ولكان هذا مطعن فى القرآن ولمزيد من التفصيل حول هذه المسألة يمكن الرجوع الى مقال للدكتور ابراهيم عوض بعنوان " القرآن وأمية بن أبى الصلت أيهما أخذ من الآخر "
وفيه يذكر ان تلك الاشعار المنسوبة اليه والتى يوجد تشابه بينها وبين بعض آيات القرآن هى اشعار ملفقة مكذوبة وضعت فى فترة تدوين السير والدواوين الشعرية ولا أفضل ههنا من تعليق سيد قطب رحمه الله " لو كان قادرا على مثله ليظهرن به لنفسه "
-------------------------------------
• Cambridge History of Islam , p. 30
• ** The Arabs in History, Lewis,p.45-46
• *** The Cambridge History of Islam (1970), Cambrdige University Press, p.30
• (1) Bell’s Introduction to Qur’an , p.18
• (2) Kenneth Cragg , The Call Of The Minaret,P.75 ,,, John Macquarrie , Mediators , p. 130
Bookmarks