لدقة العلمية.. في الأمثال النبوية


روى الإمام البخاري بسنده عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا, فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا, فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا, فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا)
وفي رواية للإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ, كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا, فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ, وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي)
شرح الحديث:

تعريف الجنادب عند أهل اللغة:
قال أبو السعادات: الجنادب جمع جندب ـ بضم الدال وفتحها وهو ضرب من الجراد وقيل هو الذي يصر في الحر. وفي المعجم الوجيز: الجندب: نوع من الجراد يصر ويقفز ويطير
قال النووى : أَمَّا (التَّقَحُّم) فَهُوَ الإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الأُمُور الشَّاقَّة مِنْ غَيْر تَثَبُّت. وَ(الْحُجْز) جَمْع حُجْزَة وهِيَ مَعْقِد الإِزَار وَالسَّرَاوِيل.

وَمَقْصُود الْحَدِيث أَنَّهُ شَبَّهَ تَسَاقُط الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتهمْ فِي نَار الآخِرَة، وَحِرْصهمْ عَلَى الْوُقُوع فِي ذَلِكَ، مَعَ مَنْعه إِيَّاهُمْ، وَقَبْضه عَلَى مَوَاضِع الْمَنْع مِنْهُمْ، بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا لِهَوَاهُ، وَضَعْف تَمْيِيزه، وَكِلاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلاكِ نَفْسه، سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ
الحقيقة العلمية :

انجذاب الحشرات للضوء:
هي ظاهرة مؤكدة علمياً حيث إن الفراشات Moths والجنادب (Katydids) من فصيلة (عائلة)Family : Tettigoniidae
ينجذبوا إلى الاشعة تحت حمراء والضوء الذى يشع من اللهب على سبيل المثال


والضوء هو شكل من أشكال الطاقة وهو جزء من الموجات الكهرومغناطيسية والتي تبدأ من الأشعة الكونية الشديدة القصر، ويزيد طول موجتها حتى تصل إلى الموجات اللاسلكية الطويلة التي تستخدم في الإذاعة. والعين في الإنسان تستطيع رؤية الموجات بين 400 (نانومتر وهو الطول الموجى للضوء البنفسجي) -700 نانومتر وهو الطول الموجى للضوء الأحمر(النانومتر يساوي 1/106 مليمتر). ولا تستطيع عين الإنسان رؤية الموجات الكهرومغناطيسية المتبقية وهي ما فوق أو تحت التردد المذكور وهي الأشعة الكونية، أشعة جاما، أشعة أكس، الأشعة فوق البنفسجية ، الأشعة تحت الحمراء، أشعة الرادار، والموجات الدقيقة الصغرى، والأشعة الراديوية.

وجه الإعجاز العلمي في الحديث:

شبه علماؤنا سقوط الْجَاهِلِينَ والعصاة فِي نَار الآخِرَة بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا لِهَوَاهُ، وَضَعْف تَمْيِيزه، وَكِلاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلاكِ نَفْسه، سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ، ولكن بعد هذه الحقائق العلمية السابقة فمن الممكن أن نقول:
إن الفراش لا ينجذب إلى النار لضعف تمييزه أو لجهل منه فقط بل ينجذب للأشعة تحت حمراء التي تثيره لعمل عملية التزاوج ويصر عليها لكنه يفاجىء بمصيره الحتمي بوقوعه في النار.
وكذلك حال العاصين والمخالفين للرسول فانجذابهم للنار التى كما فى الحديث " حُفت بالشهوات " بسبب غواية الشهوات لهم، وهم لا يرون الأشياء على حقيقتها كالفراش لا يرى النار الحارقة على حقيقتها لكن يراها بعين ترى الأشعة تحت حمراء فقط فيرى النار بشكل مختلف تجعله ينجذب إليها، بينما المخالفين تحجبهم رؤية الشهوات والاستمتاع المؤقت بها عن رؤية نار يوم القيامة. وينطبق على المشبه والمشبه به المثل القائل: رب نفس عشقت مصرعها
وخلاصه القول إن لنار الآخرة جاذبية تجذب إليها الخارجين على حدود الله والمنفلتين من سياج الشريعة بسبب حبهم لمتع الدنيا المحرمة وجهلهم بعواقب أمورهم، كما أن لنار الدنيا جاذبية تجذب إليها الجنادب والفراش بسبب إدراكهم المحدود وعدم المامهم بعواقب الأمور. وفي هذا الحديث العظيم نلحظ لونا من الإعجاز البلاغي: وهو دقة التشبيه النبوي بين حالة مادية محسوسة مشاهدة وبين حالة معنوية وجه الشبه فيهما يكاد يكون متطابقا .
أما بالنسبة لضعف تمييز تلك الحشرات ، وتشبيهه بحال المشركين من اهل النار ، فيذكر فى سبب انجزاب الفراش للضوء كالضوء المنبعث من النار أن الفراش فى طيرانه يستخدم ما يسمى " التوجيه السماوى " Celestial Navigation فمن خلال الابقاء على زاوية ثابتة بين مسارها و مسار الضوء الصادر من مصدر ضوء سماوى كالقمر تستطيع الفراشات الطيران فى خطوط مستقيمة ولان مصادر الضوء السماوية بعيدة جدا فان تلك الزاوية لا تتغير بمقدار ملموس حتى بعد قطع مسافات طويلة كما أن مصدر الضوء يظل فى الجزء العلوى من مجال الرؤية فإذا ما صادفت مصدرا أرضيا قريبا " كالنار أو اللهب " فانها ترتبك وتتخذه كبديل للمصدر السماوى وتعمل على تصحيح المسار لتحافظ على زاوية ثابتة بين مسارها ومصدر الضوء وكلما تحركت تغيرت الزاوية فتلجأ لتصحيح المسار لتحافظ على الزاوية فيدفعها ذلك لأن تتخذ بطريقة أو بأخرى مسار حلزونيا حتى تسقط فى النار أو على مصدر الضوء

وكذا اجتماع ضعف التمييز وتتبع الشهوات وأثره فى ايراد النفس موارد التهلكة فيذكر أيضا بحسب المرجعين .[10] و [11] فى تفسير انجذاب الفراش للهب ، وهو تفسيرقائم على حاسة الشم ، أن الشم فى بعض الاحيان يكون من خلال الاطياف تحت الحمراء للمواد والاطياف التحت الحمراء المنبعثة من اللهب يحدث أن يكون لبعض خطوط الانبعاث emission lines التى تحتويها نفس معدلات التذبذب لطيف مادة الفيرومون pheromone الخاصة بإناث الفراش ومن ثم تنجذب الذكور بشدة للهب .

10

11


منقول بتصرف