صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 16 إلى 28 من 28

الموضوع: نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية

  1. افتراضي

    قلت: لكن محمداً نبي المسلمين لا يقول هذا.
    قال: ماذا يقول إذاً؟
    قلت: يقول: إن الإسلام هو دين الله؛ الذي جاء به جميع الأنبياء قبل محمد؛ بمن فيهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، تقول الآية الكريمة:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[22] .
    قال: وما معنى هذا؟
    قلت: معناه أن نبي المسلمين لم يأت بدين جديد، وأن ما جاء به لا يتناقض أبداً مع ما جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى؛ بل هو يدعمه ويشهد له. وإن الإله الذي عبده محمد ودعا الناس إلى عبادته؛ هو الإله ذاته الذي عبده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ودعوا الناس إلى عبادته، ولهذا تجد في القرآن الكريم ذِكراً طيباً لجميع أنبياء الله منذ آدم وحتى محمد بن عبد الله عليهم السلام، وتجد فيه إشارات لبعض ما جاؤوا به، وبخاصة أساس دعوة دين الله على مر العصور والأزمان؛ وهو التوحيد: أن لا إله في السموات والأرض إلا الله سبحانه، وعلى هذا اتفقت دعوة جميع الأنبياء والرسل.
    - وفي هذا يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «أما الوحي القرآني الذي نزل عقب ستة قرون من المسيح، فقد احتفظ بالعديد من تعاليم التوراة والإنجيل اللذين أكثر من ذكرهما، بل وفرض على كل مسلم الإيمان بالكتب السابقة (سورة 4 آية 136) كما أبرز المكانة المهمة التي شغلها في تاريخ الوحي رسل الله – كنوح وإبراهيم وموسى؛ وعيسى الذي كان له من بينهم مقام مرموق؛ وقد أظهر القرآن ولادته – كما في الإنجيل – كحدث معجز، كما كرم والدته مريم تكريماً خاصاً وأطلق اسمها على السورة رقم /19/. ولا مفر من الاعتراف بأن هذه التعاليم الإسلامية مجهولة على العموم في بلادنا الغربية، وقد يعجب البعض من هذا! ولكن سرعان ما يزول ذلك إذا ذكرنا الطريقة التي لُقن بها العديد من الأجيال – الغربية – قضايا الإنسانية الدينية، والجهالة التي تُركوا فيها تجاه كل ما يخص الإسلام..»[23].
    - وفي هذا يقول العالم اليوغوسلافي (د. ويلسون) في محاضرة له: «إننا إذا لم نعتبر محمداً نبياً، فإننا لا نستطيع أن ننكر أنه مرسل من الله، ذلك أنه ليس هناك غيره قد راح يفسر النصرانية الأولى تفسيراً رائعاً صادقاً، وإن دينه الذي جاء به لا يعارض الديانة النصرانية، وكل ما جاء به حسن»[24].
    - ويقول (كارل ماركس) في كتابه (الحياة): «إن الرجل العربي الذي أدرك خطايا النصرانية واليهودية، وقام بمهمة لا تخلو من الخطر بين أقوام مشركين يعبدون الأصنام؛ يدعوهم إلى التوحيد، ويزرع فيهم أبدية الروح، ليس من حقه أن يُعدَّ بين صفوف رجال التاريخ العظام فقط، بل جدير بنا أن نعترف بنبوته، وأنه رسول السماء إلى الأرض».
    - ويقول د. رالف لنتون في كتابه (شجرة الحضارة): «وبكل تأكيد كانت تعاليم محمد أكثر صراحة وفهماً مما كان عليه الحال في الديانة الزرادشتية أو الديانة النصرانية وهما الديانتان اللتان كانتا تنافسان الإسلام منذ نشأته»[25].
    - بل إن عالم اللاهوت السويسري (د. هانز كنج) يعلن قائلاً: «إن النبي محمداً نبي مرسل، ويحمل الهدى للبشرية جمعاء، وإنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وإن الإنجيل بشَّر به قبل التحريف، وإن القساوسة هم أول من يُقبلون على الإسلام ويعتقدونه إذا ما صدقوا»[26].
    قال جورج: إذا كان الأمر كما تقول وأن الأنبياء قبل محمد قد جاؤوا بالإسلام دين الله، فما الحاجة إلى بعثة محمد؟
    قلت: ذلك لأن الناس حرفوا الدين الذي جاء به الأنبياء وخرجوا به عن التوحيد الخالص إلى الشرك، فالعرب أتباع ملة إبراهيم حرفوا ما جاء به إبراهيم وصاروا يعبدون الأوثان والأصنام ويشركونها مع الله سبحانه، واليهودية والنصرانية حُرِّفتا ودخل عليهما من الطقوس والعبادات والعقائد ما لم يأت به موسى ولا عيسى عليهما السلام. فكان لا بد من بعثة نبي يجدد دعوة الأنبياء قبله ويعيدها إلى مسارها الصحيح في الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه؛ الوحدانية النقية الخالصة من كل شرك. ولهذا بُعث نبي المسلمين خاتم الأنبياء.
    قال: ومن يشهد لما تقول؛ من النخبة الذين تحدثني عنهم؟
    قلت: يقول المفكران (هنري توماس و دانلي توماس) في كتابهما (القادة الدينيون): «في القرن السابع – الميلادي – حين بدا على الدنيا أنها قد أصيبت بالجفاف، وحين فقدت اليهودية مولدها، واختلطت النصرانية بموروثات الأمم الرومانية والبربرية؛ ينبع في الشرق فجأة ينبوع صاف من الإيمان ارتوى منه نصف العالم»[27].
    - ويقول الباحث الأمريكي الكبير (د. مايكل هارت) في كتابه (المئة الأوائل): «ولسوء الحظ إن الأناجيل يناقض بعضها بعضاً أحياناً في نقاط متعددة»[28].
    - أما الفيلسوف الفرنسي الشهير (فولتير) فيقول مخاطباً بني قومه: «لقد قام النبي بأعظم دور يمكن لإنسان أن يقوم به على الأرض.. إن أقل ما يقال عنه أنه قد جاء بكتاب، وجاهد، والإسلام لم يتغير قط، أما أنتم ورجال دينكم؛ فقد غيرتم دينكم عشرين مرة»[29].
    - ويقول الفيلسوف الإنكليزي (برنارد شو): «لقد أقام محمد فوق اليهودية والنصرانية ودين بلاده القديم؛ ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية»[30].
    - ويقول المؤرخ الشهير (ول ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «وترى اليهودية والنصرانية والإسلام أن أهم ما يحتاج إليه المجتمع السليم هو الإيمان بان هذا الكون خاضع لحكم أخلاقي مسيطر على شؤونه.. غير أن المسيحية قد أضافت إلى هذه العقيدة أن الله الواحد يظهر في ثلاثة أقانيم مختلفة، أما اليهودية والإسلام فتريان أن هذا الاعتقاد ليس إلا شِركاً مقنعاً، وتعلنان وحدانية الله بأقوى الألفاظ وأشدها حماسة. وفي القرآن سورة خصصت كلها لهذا الغرض هي السورة /112/»[31].
    - ويقول المستشرق الأمريكي البحاثة (سنكس) في كتابه (ديانة العرب): «إن محمداً عليه السلام لم يأت لمكافحة التوراة والإنجيل، بل إنه كان يقول: إن هذين قد أنزلا من السماء لهداية الناس إلى الحق مثل القرآن، وإن تعاليم القرآن جاءت مصدقة لهما، ولكنه لم يأخذ منهما.. وقد رفض محمد نبي الإسلام جميع الرموز والأساطير، ودعا إلى عبادة إله واحد قادر رحمان رحيم كما يصفه القرآن في كل سورة من سوره»[32].
    - ويقول العلامة الفرنسي (لوزون) أستاذ علم الكيمياء والفلك، في كتابه (الله في السماء): «وليس محمد نبي العرب وحدهم؛ بل هو أفضل نبي قال بوحدانية الله، وإن دين موسى وإن كان من الأديان التي أساسها الوحدانية إلا أنه كان قومياً محضاً وخاصاً ببني إسرائيل، أما محمد فقد نشر دينه بقاعدتيه الأساسيتين: وهما الوحدانية والبعث، وقد أعلنه لعموم البشر في أنحاء المسكونة، وإنه لعمل عظيم يتعلق بالإنسان جملة وتفصيلاً عند من يدرك معنى رسالة محمد».
    - ويقول العلامة الفرنسي الكبير (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «وللإسلام وحده أن يباهي بأنه أول دين أدخل التوحيد إلى العالم»[33].
    يُتبع...

  2. افتراضي

    - ويقول المؤرخ الإسباني المستشرق (د. ريتين) في كتابه (تاريخ سوريا ولبنان): «دين محمد قد أكَّد إذاً من الساعة الأولى لظهوره، وفي حياة النبي، أنه عامٌّ. فإذا كان صالحاً لكل جنس؛ كان صالحاً بالضرورة لكل عقل، ولكل درجة من درجات الحرارة».
    - ويقول المفكر (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): «لقد دعا عيسى إلى المساواة والأخوة، أما محمد فقد وفق إلى تحقيق المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته»[34].
    - وتقول المستشرقة والأستاذة الجامعية (د. لورافيشيا فاغليري) في كتابها (دفاع عن الإسلام): «دعا الرسول العربي عبدة الأوثان وأتباع نصرانيةٍ ويهوديةٍ محرَّفتين، إلى أصفى عقيدة توحيدية.. إذ كان واثقاً من أن كل عاقل لا بد أن يؤمن آخر الأمر بالإله الواحد، الواجب الوجود»[35].
    وتقول: «هناك من يقول: إن الإسلام لم يقدم أيما عنصر جديد لتصوير العلاقة بين الإنسان والله. ولكن أية قيمة لمثل هذا النقد إذا عرفنا أن محمداً نفسه لم يزعم أنه جاء بأفكار جديدة، ولكنه أعلن في جلاء أن الله أرسله ليعيد ملَّة إبراهيم – التي حُرِّفت من بعده – إلى أصلها، وليؤكد ما كان الله قد أوحى به إلى انبيائه السابقين مثل موسى ويسوع المسيح؟ لقد كان هو آخر الأنبياء حملة التشريع؛ ليس غير»[36].
    وتقول: «وبفضل الإسلام هُزمتْ الوثنية في مختلف أشكالها.. لقد أدرك الإنسان آخر الأمر مكانته الرفيعة.. لقد هوى الكهان وحفظة الألغاز المقدسة الزائفون، وسماسرة الخلاص، وجميع أولئك الذين تظاهروا بأنهم وسطاء بين الله والإنسان، والذين اعتقدوا بالتالي أن سلطتهم فوق إرادات الآخرين. نقول لقد هوى هؤلاء كلهم عن عروشهم. إن الإنسان أمسى عبداً لله وحده.. وأعلن الإسلام المساواة بين البشر»[37].
    ثم تقول: «إن أول واجبات الإنسان أن يتدبر ظواهر الطبيعة، وأن يتأمل فيها لكي ينتهي إلى الإيقان بوجود الله. وانطلاقاً من هذا المبدأ الرئيس ينشأ الإيمان بالأنبياء وبالكتب المنزلة، وللإسلام في كتابه المنزل شيء أعجوبي؛ إن معجزة الإسلام العظمى هي القرآن.. وقد أثبت أنه ممتنع على التقليد والمحاكاة حتى في مادته.. ولا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي، في الحقيقة التالية: وهي أن نصه ظل صافياً غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنـزيله ويوم الناس هذا»[38].
    ثم تقول: «ليس من شروط صلاة المسلم أن تؤدى في معبد، لأن أيما مكان في الأرض، شرط أن يكون نظيفاً، هو قريب إلى الله، وبالتالي ملائم للصلاة، وليس المسلم في حاجة لا إلى الكهان، ولا إلى القرابين، ولا إلى الطقوس لكي يسمو بقلبه إلى خالقه. والشرط الوحيد الذي ينبغي توفره في الصلاة لكي تكون مقبولة هو طهارة الجسد والنفس والثياب والمكان»[39].
    - ويقول المفكر والفيلسوف الفرنسي (ديكارت) في كتابه (مقالة الطريقة – ترجمة جميل صليبا): «نحن والمسلمون في هذه الحياة، ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب، لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان».
    - ويقول المستشرق الألماني (تيودور نولدكه) في كتابه (تاريخ القرآن): «نزل القرآن على نبي المسلمين، بل نبي العالم؛ لأنه جاء بدين إلى العالم عظيم، وبشريعة كلها آداب وتعاليم، وحري بنا أن ننصف محمداً في الحديث عنه؛ لأننا لم نقرأ عنه إلا كل صفات الكمال، فكان جديراً بالتكريم»[40].
    - ويقول المستشرق الفرنسي (إدوار مونته) في كتابه (حاضر الإسلام ومستقبله): «إن الانقياد لإرادة الله يتجلى في محمد والقرآن، بقوة لا تعرفها النصرانية».
    - أما (توماس كارليل) فيقول في كتابه (الأبطال): «وقد زعم (براديه) وأمثاله أن القرآن طائفة من الأخاديع والتزاويق لفقها محمد لتكون أعذاراً له عما كان يرتكب ويقترف، وذرائع لبلوغ مطامعه وغاياته، ولكنه قد آن لنا أن نرفض جميع هذه الأقوال، فإني لأمقت كل من يرمي محمداً بمثل هذه الأكاذيب، وما كان ذو نظر صادق ليرى قط في القرآن مثل ذلك الرأي الباطل»[41].
    وهنا قال جورج: ليتني أعرف عالماً ذا نظر صادق على حد قول كارليل ليخبرني الخبر اليقين عن القرآن.
    قلت: على رسلك؛ فحاجتك مقضية.
    قال: كيف؟
    قلت:
    - يخبرك بهذا العلامة (شيريل) عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا، إذ قال في مؤتمر الحقوق سنة /1927/: «إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها؛ إذ أنه برغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة»[42].
    - ويقول الأب (د. ميشيل لولونج) عندما سئل عن القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم فقال: «لا بد من احترام القرآن، واحترام الرسول، لا بد أن أفهم ماذا يقول الله لي في القرآن، وما يقول الرسول، وأنا أعتقد أن القرآن من عند الله، وأن محمداً مرسل من الله»[43].
    - ويقول المستشرق النرويجي (د. أينربرج) – وهو من مترجمي القرآن الكريم – عندما سئل أيضاً عن القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم: «لا شك في أن القرآن من الله، ولا أشك في ثبوت رسالة محمد.. وإني عندما ترجمت القرآن الكريم كنت أشعر أن الله ساعدني على ذلك»[44].
    وأردفت: أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟
    قال: حسبي.
    قلت: بل لأزيدنك واحدة تزيد على ما سبق؛ أترى رجلاً كذاباً مشعوذاً ملفقاً؛ يعلن للناس جميعاً أنه أعجز من أن يستطيع نفع نفسه أو الإضرار بها! وبالتالي فهو أعجز من أن يستطيع نفع غيره أو الإضرار به، ثم يعلن للناس جميعاً أنه بشر مثل غيره من بني البشر لا يعلم الغيب.. وأن ذلك كله مرده إلى الله سبحانه؛ مردداً الأمر الإلهي الذي أوحي إليه في القرآن الكريم: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[45] . أترى هذا كلام مشعوذ ملفق؟
    قال جورج: لا.
    قلت: ولهذا قال المؤرخ الشهير (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «ولم يدَّع النبي في يوم من الأيام أنه قادر على معرفة الغيب»[46].
    وقبل ديورانت قال الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين) في كتابه (السفر إلى الشرق): «لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق»[47].

    يتبع...

  3. افتراضي


    3- تهمة المرض:

    قال جورج: لكن إن أنا آمنت بعد كل ما سمعت منك؛ أن محمداً لم يكن كذاباً ولا مشعوذاً ولا ملفقاً، فهناك من يتهمه بأنه كان مريضاً[48].
    قلت: ألا ترى بعد كل شهادات النخبة التي أسلفتها لك؛ أن تهمة المرض هذه تهمة باطلة؟
    فتروَّى جورج قليلاً ثم قال: أجل.
    - قلت: ومع هذا فلآتينك بشهادة جديدة على بطلانها؛ يقول المؤرخان المدققان (غودفرواميين - و - بلانونوف) في كتابهما (تاريخ العالم): «غاية ما نقدر أن نجزم به هو تبرئة محمد من الكذب والمرض، إنما كان محمد رجلاً ذا مواهب إلهية عليا؛ ساد بها أبناء عصره؛ وهي رباطة الجأش، وطهارة القلب، وجاذبية الشمائل، ونفوذ الكلمة. وكان عابداً عظيماً»[49].
    - وتزكي هذه الشهادة شهادة أخرى للمؤرخ الشهير (فنلي) إذ قال: «إن نجاح محمد كمتشرع بين أقدم الأمم الآسيوية، وثبات نُظُمه مدى أجيال طويلة في كل نواحي الهيكل الاجتماعي؛ دليل على أن هذا الرجل الخارق قد كوَّنه مزيج نادر من أكبر العبقريات»[50].
    - وتزكي هاتين الشهادة شهادة ثالثة للمؤرخ والأستاذ الجامعي (ألين نيكوسين) في كتابه (سيرة غير معروفة للنبي محمد) إذ يقول: «لم يحمل التاريخ لنا حتى اليوم، وربما بعد اليوم؛ عقلية فذة استطاعت أن تغير المفاهيم السياسية في العالم؛ بقدر ما حظيت به عقلية رسول الإسلام». أتكون هذه العقلية عقلية رجل مريض يا جورج؟.
    قال جورج: لا؛ وأود أن أنتقل إلى تهمة أكبر من تهمة المرض، بل لعلها تناقضها.
    قلت: وما هي؟

    4- تهمة الشهوانية:
    قال: هناك من يتهم محمداً نبي المسلمين بأنه كان رجلاً شهوانياً مغرماً بالنساء، وأنه تزوج نساءً عدة، وأنه اجتمع عنده منهن تسع زوجات.
    قلت: على رسلك يا جورج؛ أتعرف قصة زيجاته؟
    قال: لا.
    قلت: سأحدثك عنها، وسأروي لك أولاً نصاً لباحثة غربية تحدثت عن هذا الموضوع بشيءٍ من التفصيل من وجهة نظر غربية معتدلة. ثم سأحدثك بإيجاز عن الواقع التاريخي لهذه الزيجات كما ورد في المصادر الصحيحة.
    قال: حسناً؛ هات ما عندك.
    قلت: تقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد): «لقد أثار موضوع زوجات النبي تأملات كثيرة في الغرب، تتسم بالبذاءة والصفاقة، وبكثير من مشاعر الحسد التي فشل الكتَّاب في إخفائها؛ على نحو ما رأينا في الفصل الأول الذي بينتُ فيه أن محمداً كثيراً ما اتهم بالميل إلى الشهوة الجسدية. وقد فرض القرآن فيما بعد ألا يزيد عدد زوجات المسلم على أربع، ولو أن محمداً قد سُمح له باعتباره نبياً بأكثر من ذلك. والواقع أن الاقتصار على زوجة واحدة لم يكن يعتبر من الأعراف المستحبة في بلاد العرب إلا من جانب قلة لا تذكر، وبعد سنوات كثيرة عندما أصبح محمد من سادة العرب العظماء، كانت زوجاته الكثيرات من دلالة منزلته الرفيعة.
    ويغلب أن يكون تعدد الزوجات هو العرف السائد في المجتمع القبلي، ولا يجد الكتاب المقدس – أي التوراة – غضاضة على الإطلاق في الحديث عن الإنجازات الجنسية للملك داود، أو الزوجات اللائي لا يحصى عددهن للملك سليمان، ويعتبر عدد زوجات النبي محمد، بالقياس إلى زوجاتهما، ضئيلاً إلى درجة كبيرة. والواقع أنهما كانا يعيشان، مثل النبي محمد، في مجتمع يمر بفترة انتقالية من الحياة القبلية إلى حياة المدينة، ولكن يخطئ من يظن أن محمداً كان ينعم بالملاذ في حديقة من المتع الدنيوية، بل إن كثرة زوجاته كانت أحياناً، على نحو ما سوف نرى، نعمة ونقمة معاً..»[51].
    وأردفتُ: هذا ما قالته الباحثة البريطانية، جزاها الله عن المسلمين خيراً، فقد حاولت رد التهم الباطلة عن نبي المسلمين ما استطاعت.
    أما الواقع التاريخي لزيجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنستطيع أن نُلمَّ به من تتبع السيرة النبوية في مصادرها الموثوقة.[52]
    فماذا نجد في تلك المصادر؟
    في ذروة مرحلة الشباب المتأجج المضطرم بالشهوة الجنسية العارمة؛ في سن الخامسة والعشرين؛ يتزوج محمد من امرأة في سن الأربعين – أي كان من الممكن أن تكون في سن أمه لو تزوجت وهي في سن الخامسة عشرة – ولم تكن امرأة بكراً كما يطمح الشباب في بيئته؛ بل كانت سبق لها أن تزوجت قبله مرتين؛ كما أسلفت لك.
    أهذا يدل على شهوانية يا جورج؟
    قال: لا.
    قلت: وعاش محمد معها، وأنجبت له بنين وبنات.. حتى بلغ هو سن الخمسين، وبلغت هي سن الخامسة والستين، أي أنه عاش معها حياة زوجية هانئة طيلة خمس وعشرين سنة، أي قضى معها مرحلة شبابه كلها، وكان في أثناء ذلك مثال الزوج المخلص الوفي القانع.
    وفي هذه السن توفيت فصار من حق محمد أن يبحث عن زوجة جديدة، ولو لم تُتَوَفَّ لما بحث عن غيرها، مع أنها صارت عجوزاً بعرف بيئته.
    وبعد سن الخمسين يا جورج؛ لا تكون الشهوانية مطمع الرجل؛ حتى إن كان قبلها شهوانياً، فما بالك بمن لم يكن كذلك كما بينت لك.
    وبين الخمسين والستين حصلت زيجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ التي اتهمه بعض الجهلاء لأجلها بالشهوانية.
    قال جورج: لماذا تقول بعض الجهلاء؟
    قلت: لأنهم لو لم يكونوا جهلاء لقرؤوا في السيرة النبوية عن أحوال هؤلاء النسوة اللواتي لم يكنَّ من غرض الرجل الشهواني.
    قال: لِمَ؟
    قلت: لأنه لم تكن منهن فتاة بكر سوى عائشة، أما سائرهن فقد كنَّ ثيبات سبق لهن أن تزوجن بغير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تخطين ميعة الصبا. أما السيدة عائشة فقد كانت سنها عندما تزوج بها تسع سنوات فقط، أي أنها كانت صغيرة ولم تظهر منها بعد المفاتن التي يصبو إليها الشهواني. وهو لم يتزوجها إلا تكريماً لأبيها أبي بكر الصديق أقرب أصحابه إليه.
    قال جورج بعد أن تروَّى قليلاً: إن في هذا الكلام مَقنع؛ لكن إن أنا آمنت معك بأن زيجات محمد لم تكن عن شهوانية؛ فبماذا تفسرها لي؟
    قلت: لو قرأتَ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مصادرها الصحيحة التي سبق أن أشرت إليها، لوجدت أنه عندما تزوج بعد سن الخمسين لم يأت إلى داره بمجموعة من ملكات الجمال الغانيات اللواتي تصبو إليهن نفوس أصحاب الشهوات.. إنما جاء إلى داره بمجموعة من الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن لأسباب مختلفة[53]، ثم لم يتقدم إليهن الكفء الذي يعولهن ويصلح حالهن. فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صار يضمهن إلى داره عن طريق الزواج صوناً لهن، تلك الدار التي كانت تمر عليها أيام وليس فيها ما يكفي للنفقة عليهن! فأين هنَّ من التنعم الدنيوي فيها. ولقد جاء يوم اجتمعن فيه وعزمن على تقديم الاحتجاج لزوجهن مطالبات بالنفقة التي تكفيهن! ومن أين يأتيهن بما يكفيهن؟ إذا كان هو ذاته يلجأ أحياناً إلى ربط حجر على بطنه عندما ينزل به الجوع!
    وهنا استبق جورج الكلام وقال: وكيف تصرف محمد في هذا الموقف؟
    قلت: لقد تفكر في الأمر قرابة شهر، وهو ينتظر أن يوحي إليه الله سبحانه بما يفرج كربه. وفي نهاية ذلك الشهر نزلت الآيات القرآنية تقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً{28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}[54].
    لقد أمره الله سبحانه أن يخير أزواجه بين الطلاق الذي يحصلن فيه على كافة حقوق المطلقات، فيما إذا كن يفضلن متاع الدنيا وزينتها، وبين البقاء معه طلباً للفوز بالدار الآخرة وما أعد الله سبحانه فيها للمحسنات من ثواب.
    قال جورج: وماذا اختارت نساء محمد؟
    قلت: لقد اخترن البقاء مع زوجهن والفوز بثواب الآخرة، ورفضن الدنيا وزينتها.

  4. افتراضي

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    جزاك الله خيرا أخي الكريم، أبا عمر الأنصاري، أستئذنك في نقل بعض الاستشهادات من هذا الموضوع، لأني أحتاج إلى أراء أناس ليسوا مسلمين، في نبينا و سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، و بارك الله فيكم.

  5. افتراضي

    قال جورج وقد أشرق وجهه: ما دار محمد هذه بدار رجل من أصحاب الشهوات، وما نساء هذا الرجل اللواتي اخترن الآخرة على الدنيا إلا قديسات!.
    قلت: أتود أن تقرأ وصفاً لنبي المسلمين في داره هذه يا جورج.
    قال: حبذا؛ على أن يكون هذا الوصف بقلم أحد النخبة من علماء الغرب الذين عرفوه ودرسوه.
    قلت: لك هذا؛ يقول (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «كانت حياة النبي غاية في البساطة، فقد كانت المساكن التي أقام بها واحداً بعد واحد؛ كلها من اللبِن، لا يزيد اتساعها على /12-14/ قدماً، ولا يزيد ارتفاعها على /8/ أقدام، سقفها من جريد النخل، وأبوابها ستائر من شعر المعز أو وبر الإبل، أما الفراش فلم يكن أكثر من حشية تفرش على الأرض ووسادة. وكثيراً ما كان يشاهَد وهو يخصف نعليه، ويرقع ثوبه، وينفخ النار، ويكنس أرض الدار، ويحلب عنزة البيت في فِنائه، ويبتاع الطعام من السوق.. ولم يتعاط الخمر.. وكان لطيفاً مع العظماء، بشوشاً في أوجه الضعفاء، عظيماً مهيباً أمام المتعاظمين المتكبرين.. وكان يرفض أن يوجَّه إليه شيء من التعظيم الخاص، يَقبل دعوة العبد الرقيق إلى الطعام، ولا يطلب إلى عبد أن يقوم له بعمل يجد لديه من الوقت والقوة ما يمكنانه من القيام به بنفسه.. أما ما كان ينفقه على نفسه فكان أقلَّ من القليل، وكان يخص الصدقات بالجزء الأكبر مما يرد إليه من المال..»[55].
    وأزيدك قول المستشرق (بودلي) يصف حياة نبي المسلمين فيقول: «كانت حياة محمد بسيطة كحياة السيد المسيح، فكان طعامه الثريد والتمر واللبن، وكان يتناول أحياناً حساء ضأن وخُضر، وربما شرب بعض العسل، وكان غالباً ما يقتصر على التمر واللبن، وأياً كان الطعام فقد كان يتناوله على حصير فوق الأرض، وكانت ثيابه بسيطة كطعامه؛ فكان يرتدي فوق جسمه مباشرة قميصاً له أكمام من الصوف الخشن والقطن، وفوقه بردة، وكان باستطاعته لو أراد؛ أن تساق له الدنيا بأجمعها، ولكنه كان يكتفي من كل شيء بالكفاف، وقد صغُرت في عينيه الحياة؛ لأنه كان أكبر من كل ما في الحياة! هذه البساطة لا تحتاج إلى أدنى دليل على أن صاحبها ليس إلا من عند الله»[56].
    - وأزيدك قول المستشرق (سييل) في مقدمة ترجمته للقرآن الكريم عن نبي المسلمين: «كانت طريقته مرْضيَّة، وكان الإحسان إلى المساكين شيمته، وكان يعامل الجميع بالخلق الحسن، وكان شجاعاً مع الأعداء، وكان يعظم اسم الله تعظيماً قوياً، وكان يشدد على المفترين – الذين يرمون البرآء – والزناة والقتلة وأهل الفضول والطامعين وشهود الزور تشديداً بليغاً، وكان كثير الوعظ في الصبر والود والبر والإحسان، وتعظيم الأبوين والكبار وتوقيرهم وتكريمهم، وكان عابداً..»[57].
    - وأزيدك قول المؤلف الاسكتلندي المشهور (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال) ملخصاً كل ما سبق عن تهمة الشهوانية: «وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً، وشدَّ ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوياً لا همَّ له إلا قضاء مآربه من الملاذ. كلا؛ فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أيةً كانت، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله. وكان طعامه عادة الخبز والماء، وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار.. وكان يصلح ويرفو ثوبه بيده، فهل بعد هذا مكرمة ومفخرة؟ فحبذا محمد من رجل خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الله، قائم النهار ساهر الليل، دائب في نشر دين الله، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال من رتبة أو دولة أو سلطان، غير متطلع إلى ذِكْر أو شهرة كيفما كانت، رجل عظيم وربكم»[58]. إلى أن يقول: « إني لأحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقل الرأي لا يعوِّل إلا على نفسه، ولا يدعي ما ليس فيه، ولم يك متكبراً، ولكنه لم يكن ذليلاً ضارعاً، فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراده، يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة»[59].
    - وأزيدك أخيراً قول المستشرق والمؤرخ البريطاني (وليم موير) في كتابه (حياة محمد): «كانت السهولة صورة من حياة محمد كلها، وكان الذوق والأدب من اظهر صفاته، كما أن التواضع والعطف والصبر والإيثار والجود من أخلاقه الحسنة. ما كان يرفض هدية مهما صغرت، وما كان يتعالى في مجلسه، ولا يُشعر أحداً أنه لا يخصه بإقباله.. لقد امتاز محمد بوضوح كلامه ويُسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول! ولم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن؛ كما فعل نبي الإسلام.
    كان محمد لا يطمع قط بالثراء، وكان ملهماً بروح ناعمة وبذوق لطيف، وكان يحيا حياة التحنث، وتأملاته تشغل دون شك كل ساعات لهوه، مع أن أترابه كانوا يقضونها في اللهو المحرم والحياة المنطلقة من كل قيد. وهذه الشهرة الحسنة والسلوك الشريف خولاه احترام معاصريه، ولذا كان الإجماع عليه حتى لقب بالأمين».
    وأردفت: أمثل هذا يكون شهوانياً يا جورج؟
    قال جورج والإشراقة تنير وجهه: إن رجلاً يصفه (ديورانت و بودلي و سييل و كارليل و موير) بهذا الوصف؛ حري بأن يكون نبياً.
    قلت: حياك الله يا جورج، لكن أزيدك وضوحاً حتى تكون على بينة من أمرك.
    قال: وما ذاك؟
    قلت: إن من يتعرف نظرة الإسلام إلى المرأة، يتبين له أن المرأة لم تكن في عرف النبي صلى الله عليه وسلم أداة للمتعة وقضاء الشهوة؛ إنما كانت إنسانة قبل كل شيء، ولها أن تتمتع بكافة حقوقها التي تجعلها مكافئة للرجل، يقول القرآن الكريم عن النساء: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[60] أي لهن من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات.. وكذلك الرجال.
    ويقول القرآن الكريم: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}[61] أي كلٌ من الرجل والمرأة يعطى من الميزات بحسب الدور الذي يؤديه في المجتمع.
    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»[62] وهل يتميز الأشقاء فيما بينهم إلا بالدور الذي يؤديه كل منهم.
    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً الرجال: «إن الله يوصيكم بالنساء خيراً؛ فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم»[63].
    أما العلاقة الزوجية التي تربط بين الرجل والمرأة؛ فاسمع يا جورج ماذا قال عنها القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه على محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[64] أي أن المرأة والرجل في أصل خلقهما شيء واحد؛ فإذا اقتضت المادة فصل هذا الشيء إلى جزأين، أي زوجين، جاءت الروح عن طريق المودة والرحمة فضمتهما من جديد، وبهذا تصير المرأة سكناً للرجل، ويصير الرجل سكناً للمرأة.
    وقد أكَّد القرآن الكريم على هذا المعنى في أكثر من موضع؛ تقول آية أخرى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[65].
    أما النبي صلى الله عليه وسلم فيوجه عناية الأزواج إلى الحقوق المتبادلة بين الزوجين، ويدعو الرجال إلى مراعاة وحفظ حقوق النساء بعامة إذ يقول: «أيها الناس؛ إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم عليهن حق.. فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً»[66].
    وأردفت: أتتبين في هذه النصوص شيئاً من الشهوانية أو النظرة الدون إلى المرأة مما يجعلها مرتعاً للغريزة الجنسية فقط.
    قال جورج وقد تنبهت عقلانيته: عجباً لبني قومي من الغربيين كيف فاتتهم هذه النظرة الإسلامية السامية للمرأة؛ وأشاعوا فيما بينهم نقيضها تماماً؟! حتى ليظن الجاهل أن المرأة في الإسلام بؤرة للجنس لا غير.
    قلت: ليس جميع الدارسين للإسلام من الغربيين وقعوا في هذا الخطأ، إنما الذين وقعوا فيه هم المبشرون فقط؛ الذين همهم تشويه الإسلام حتى لا يعتنقه الباحثون عن الراحة النفسية من الغربيين، الراحة النفسية التي يوفرها هذا الدين لمعتنقيه نساءً ورجالاً.
    أما غير المبشرين من الدارسين الغربيين - للإسلام ولنبي الإسلام – المعتدلين، فهاك أمثلة مما أوصلتهم إليه دراساتهم:
    - يقول الفيلسوف الشهير (جورج برنارد شو): «رأيت في دراستي لسيرة النبي العربي؛ أنه كان من أكبر أنصار المرأة الذين عرفهم التاريخ، وقد كان للمرأة أكبر الأثر في عظمته»[67].

  6. افتراضي سؤال عن المراجع

    الزميل أبو عمر المحترم:

    هل الأرقام بين قوسين مضلعين هي أرقام لمراجع؟
    إذا كانت كذلك فهل يمكن ذكر هذه المراجع؟ لقد بحثت عنها في الشريط و لم أجدها

    مع التحية
    التعديل الأخير تم 10-12-2009 الساعة 04:42 PM

  7. افتراضي

    نعم هي للمراجع

    سأضع الإحالات التي وصلت لها لحد الآن ثم سأكمل


    [1] في تاريخ الطبري أنه كان في الثانية عشرة من عمره.
    [2] كان أكبرهم في سن الزواج عند اقتران النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة.
    [3] 1/340 ترجمة د. أحمد فخري.
    [4] ص117.
    [5] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) لمحمد عثمان عثمان ص110.
    [6] هذا تاريخ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين اتبعوه فقد سبقوه في الهجرة.
    [7] 2/341.
    [8] ص84.
    [9] ص47.
    [10] انظر كتاب (محمد والإسلام) تعريب عمر أبو النصر ص81 ط. المكتبة الأهلية بيروت 1934.
    [11] ص37.
    [12] ص80.
    [13] ص160.
    [14] ص58-60 ترجمة محمد السباعي – ط. دار الكاتب العربي.
    [15] عن كتاب (شمس الحضارة تسطع على الغرب) زيغريد هونكه ص465.
    [16] ص13.
    [17] ص17.
    [18] عن كتاب (الإسلام نهر يبحث عن مجرى) د. شوقي أبو خليل ص15.
    [19] ص18.
    [20] ص59 ترجمة عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي.
    [21] ص152 ترجمة فتحي زغلول ط. مصر.
    [22] الشورى 13.
    [23] ص7.
    [24] عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) ص97 لخليل ياسين.
    [25] 2/343 تعريب د. أحمد فخري.
    [26] عن كتاب (محمد نبي الهدى والرسول الخاتم) لمحمد بهي الدين سالم.
    [27] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) ص110 محمد عثمان عثمان.
    [28] ص31.
    [29] عن كتاب (غوته والعالم الغربي) كاتارينا مومزن ص181-355.
    [30] عن كتاب (قصة الحضارة) لديورانت 7/47.
    [31] 7/53.
    [32] عن كتاب (محمد رسول الإسلام) لمحمد فهمي عبد الوهاب – ط. تونس ص43.
    [33] ص125 – تعريب عادل زعيتر – القاهرة – ط3 البابي الحلبي.
    [34] ص343 – تعريب د. عبد الحليم محمود.
    [35] ص43.
    [36] ص54.
    [37] ص45.
    [38] ص56.
    [39] ص67.
    [40] ص83.
    [41] ص80 ترجمة محمد السباعي.
    [42] عن (محمد في الآداب العالمية) ص156 لمحمد عثمان عثمان.
    [43] عن كتاب (حوارات مع أوربيين غير مسلمين) لعبد الله أحمد الأهدل.
    [44] المصدر السابق.
    [45] الأعراف 188.
    [46] 7/43.
    [47] ص277.
    [48] جاء في كتاب (حياة محمد) إميل درمنغم – تعريب عادل زعيتر – ط2: « ذهب سبرنجر إلى أن محمداً كان مصاباً بالخُباط (الهيستريا) ثم نقض بابينسكي ذلك، وقرر مسيو ماسينيون أنه كان متزناً». ص11.
    [49] عن كتاب (محمد بن عبد الله) تعريب عمر أبو النصر ص59.
    [50] عن كتاب (محمد والإسلام) تعريب عمر أبو النصر – ط. المكتبة الأهلية.
    [51] ص219 ترجمة د. فاطمة نصر - د. محمد عناني – ط. شركة صحارى.
    [52] من مصادر السيرة الموثوقة: سيرة ابن هشام – عيون الأثر لابن سيد الناس – جوامع السـيرة لابن حـزم الظاهري – زاد المعاد لابن قيم الجوزية – السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري.
    [53] لا يتسع هذا البحث لذكرها هنا فانظرها في السير النبوية الصحيحة د. أكرم العمري فصل أمهات المؤمنين.
    [54] الأحزاب /28-29/.
    [55] 7/45.
    [56] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص145.
    [57] ص6 من النسخة المطبوعة عام /1805م/.
    [58] ص83.
    [59] ص85 ترجمة محمد السباعي.
    [60] البقرة 228.
    [61] النساء 32.
    [62] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 2863.
    [63] المرجع السابق رقم 2871.
    [64] الروم 21.
    [65] الأعراف 189.
    [66] انظره في خطبة الوداع في سيرة ابن هشام – وانظر حديث «استوصوا بالنساء خيراً» في البخاري ومسلم.
    [67] عن مجلة (العربي) العدد 203 سنة 1975م – مجلة (نهج الإسلام) العدد /40/ 1410هـ - مقالة د. صفاء خلوصي.

  8. افتراضي

    - ويقول الكاتب القبطي النصراني (واصف باشا بطرس غالي) في كتابه (فروسية العرب المتوارثة): «كان محمد يحب النساء ويفهمهن، وقد عمل جهد طاقته لتحريرهن، وربما كان ذلك بالقدوة الحسنة التي استنها فوق ما هو بالقواعد والتعاليم، وهو يُعد بحق من أكبر أنصار المرأة العمليين إن لم يكن عظيم الاحترام والتكريم لهن، ولم يكن ذلك منه خاصاً بزوجاته، بل كان ذلك شأنه مع جميع النساء على السواء»[68].
    - ويقول الروائي الألماني المعروف (ويلكي كوكنـز) في كتابه (جوهرة القمر): «لقد جاء محمد بصيانة النساء وحثهن على العفة»[69]. فهل يحث الرجل الشهواني النساء على العفة؟
    - ويقول الكاتب الإنجليزي (جون أروكس) في كتابه (عظماء التاريخ): «لم نعلم أن محمداً تسربل بأية رذيلة طيلة حياته، لذلك نراه عظيماً»[70].
    - ويقول المستشرق والمؤرخ الأمريكي (أورينج) في كتابه (الحياة والإسلام): «كان النبي الأخير بسيطاً خلوقاً، ومفكراً عظيماً ذا آراء عالية، وإن أحاديثه القصيرة جميلة ذات معان كثيرة، فهو إذاً مقدس كريم».
    أيكون الشهواني مقدساً كريماً يا جورج؟.
    قال: لا.
    قلت: وتقول المستشرقة الإيطالية (لورافيشيا فاغليري) في كتابها (دفاع عن الإسلام): «وحاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله ببعض التهم المفتراة، لقد نسوا أن محمداً كان قبل أن يستهل رسالته؛ موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته». ثم تقول ملخصة هذه التهمة والرد عليها: «لقد أصر أعداء الإسلام على تصوير محمد شخصاً شهوانياً ورجلاً مستهتراً، محاولين أن يجدوا في زواجه المتعدد شخصية ضعيفة غير متناغمة مع رسالته. إنهم يرفضون أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه الحقيقة؛ وهي أنه طوال سني الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون.. لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير.. وأنه ظل طوال /25/ سنة زوجها المحب المخلص، ولم يتزوج كرة ثانية إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره، لقد كان لكل زيجة من زيجاته سبب اجتماعي أو سياسي.. وباستثناء عائشة تزوج محمد من نسوة لم يكنَّ لا عذارى ولا شابات ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية؟!»[71].
    - ويقول المستشرق السويسري (جون وانبورت) في كتابه (محمد والقرآن): «بقدر ما نرى من صفة محمد الحقيقية بعين البصيرة والتروي في المصادر التاريخية الصحيحة؛ بقدر ما نرى من ضعف البرهان وسقوط الأدلة لتأييد أقوال الهجو الشديد، والطعن القبيح الذي انهال عليه من افواه المغرضين والذين جهلوا حقيقة محمد ومكانته، ذلك الرجل العظيم عند كل من درس صفاته العظيمة، كيف لا وقد جاء بشرع لا يمكننا أن نتهمه فيه».
    وأردفت: أأزيدك يا جورج؟
    قال: حسبي.
    قلت ألا ترى يا جورج أن من كانت هذه حاله يكون إنساناً متميزاً؟
    قال: بل يكون رجلاً عظيماً.
    قلت: لقد سبقك بعض النخبة من علماء الغرب إلى هذا الحكم.
    قال: من؟
    قلت: يقول الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين): «إن محمداً هو أعظم رجل بجميع المقاييس التي وُضعت لوزن العظمة الإنسانية؛ فإذا كان مقياس العظمة الإنسانية هو إصلاح شعب متدهور، فمن الذي يطاول محمداً في هذا المضمار؟
    وإذا كان مقياس العظمة هو توحيد الإنسانية المفككة الأوصال؛ فإن محمداً أجدر الناس بهذه العظمة؛ لأنه جمع شمل العرب بعد تفكك شامل.
    وإذا كان مقياس العظمة هو إقامة حكم السماء في الأرض؛ فمن ذا الذي ينافس محمداً الذي محا مظاهر الوثنية، وثبت عبادة الله وقوانينه في عالم الوثنية والقوة»[72].

    سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
    قال جورج: أشهد أن هذه الشهادات التي أوردتها على مسامعي قد شوقَتْني إلى أن أطالع سيرة محمد لو وجدت إليها سبيلاً.
    قلت: أتود أن تعرف ما قالته النخبة من العلماء الغربيين عن سيرة محمد[73] صلى الله عليه وسلم؟
    قال: أجل.
    قلت: يقول (برنارد شو): «لقد درست سيرة محمد فوجدته بعيداً عن مخاصمة المسيح، ويمكن بحق أن نعتبر محمداً (منقذ الإنسانية) وأعتقد أن رجلاً مثله لو حكم العالم بإيثاره وخُلُقه لجلب للعالم السلام والسعادة»[74].
    ويقول المؤرخ البريطاني الشهير (أرنولد توينبي) في كتابه (مدخل تاريخي للدين): «الذين يريدون أن يدرسوا السيرة النبوية العطرة، يجدون أمامهم من الأسفار ما لا يتوافر مثله للباحثين في حياة أي نبي من أنبياء الله الكرام».
    - ويقول المستشرق الإيطالي الكونت (ليوني كاتياني) في كتابه (تاريخ الإسلام): «أليس الرسول جديراً بأن نقدم للعالم سيرته حتى لا يطمسها الحاقدون عليه وعلى دعوته التي جاء بها لينشر في العالم الحب والسلام؟! وإن الوثائق الحقيقية التي بين أيدينا عن رسول الإسلام ندر أن نجد مثلها، فتاريخ عيسى وما ورد في شأنه في الإنجيل لا يشفي الغليل».
    - ويقول المستشرق (غوستاف لوبون) في كتابه (حياة الحقائق): «نعرف ما فيه الكفاية عن حياة محمد، أما حياة المسيح فمجهولة تقريباً، وإنك لن تطمع أن تبحث عن حياته في الأناجيل»[75].
    - ويقول المستشرق (ر. ف. بودلي) في كتابه (حياة محمد): «لا نعرف إلا شذرات عن حياة المسيح، أما في سيرة محمد فنعرف الشيء الكثير؛ ونجد التاريخ بدل الظلال والغموض»[76].
    قال جورج: هل لك أن تلخص لي حياة محمد في جملة واحدة؟
    قلت: لقد لخصها أحد علماء الغرب من النخبة، وهو المستشرق الإسباني (جان ليك) في كتابه (العرب) فقال: «لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} كان محمد رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق»[77].
    وأردفت: أما المستشرق (بوسورث سميث) في كتابه (محمد والإسلام) فلم يستطع أن يلخص حياة النبي صلى الله عليه وسلم بجملة واحدة فقال: «إنه لمن المستحيل لأي شخص درس حياة محمد العربي العظيم وشخصيته، وعرف كيف عاش وكيف تعلم، إلا أن ينحني لهذا الرسول المبجل القوي، الذي هو واحد من أعظم رسل الله. ومهما أقل لكم؛ فإني سأقول أشياء كثيرة معروفة للجميع، ولكن حينما أعيد قراءتها أشعر بمزيد من التقدير والإعجاب، أشعر بمشاعر جديدة من الاحترام والتبجيل لهذا المعلم العربي العظيم»[78].
    وأردفت: وإكراماً لك يا جورج؛ فإليك ملخصاً بقلم شهير غربي كبير؛ لكل ما سلف من أقوال؛ يقول (أرنست رينان) في كتابه (تعليقاتي على تواريخ الأديان): «لقد دلتني تحرياتي العلمية والتاريخية على أنه لا صحة مطلقاً لما أريد إلصاقه بالنبي محمد من كذب وافتراء مصدرهما بعض المباينات العرفية، والعادات القومية، التي أراد بعض المتحاملين أن يتوجهوا بها إلى الناحية التي تشفي سقام أذهانهم الوقحة، وتعصبهم الذميم.. مع أن محمداً وكما أثبتت الوثائق التاريخية، وشهادات أكابر علماء التاريخ كان على العكس من ذلك؛ بريئاً من روح الكبرياء، متواضعاً، أميناً، لا يحمل الحقد لأحد، وكانت طباعه نبيلة، وقلبه طاهراً، ورقيق الشعور»[79].
    وأردفت: بل أزيدك ملخصاً آخر بقلم كاتب كثيراً ما تحامل على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه (محمد مؤسس الدين الإسلامي) لكنه لم يستطع في نهايات كتابه هذا إلا أن ينطق بالحق، إنه الكاتب الأمريكي (جورج بوش - /1796-1859/م) فقد قال عند كلامه عن موت النبي صلى الله عليه وسلم: «وهكذا انتهت مهمة محمد على ظهر الأرض، هكذا انتهت مهمة واحد من أبرز الرجال وأكثرهم جدارة بالالتفات على الإطلاق.. وتزداد دهشتنا أكثر وأكثر إذا تركنا نجاحه السياسي وتحدثنا عن صعود دينه وانتشاره السريع، واستمراره ورسوخه الدائم. والحقيقة أن ما حققه نبي الإسلام والإسلام لا يمكن تفسيره إلا بأن الله كان يخصهما برعاية خاصة؛ فالنجاح الذي حققه محمد لا يتناسب مع إمكاناته، ولا يمكن تفسيره بحسابات بشرية معقولة.
    لا مناص إذاً من القول أنه كان يعمل في ظل حماية الله ورعايته، لا تفسير غير هذا لتفسير الإنجازات ذات النتائج الباهرة»[80].
    أما (برنارد شو) فقد قال في تلخيصه لحياة محمد: «قرأت حياة رسول الإسلام جيداً مرات ومرات فلم أجد فيها إلا الخلُق كما يجب أن يكون، وأصبحت أضع محمداً في مصاف؛ بل على قمم المصاف من الرجال الذين يجب أن يُتَّبعوا. ولما قرأت دين محمد أحسست أنه دين عظيم»[81].
    وأردفتُ قائلاً: وبسبب هذه السيرة العطرة لنبي المسلمين؛ التي شهد بها هؤلاء السادة النخبة، صار يحق له أن يدعى (سيد وِلد آدم).
    قال جورج: على رسلك؛ سيد ولد آدم هذه تقولون بها أنتم المسلمين؛ أما غيركم فلا يقول بها.
    قلت: أتود أن أتحفك بشهادة عليها ممن ترتضيهم أنت يا جورج؟.
    قال: أَوَتوجد مثل هذه الشهادة؟!
    قلت: أحدِّثك، ثم لك أن تحكم.
    قال: هاتِ ما عندك.
    قلت: أقرأتَ كتاب الباحث الأمريكي (د. مايكل هارت) الموسوم بـ(المئة الأوائل)؟
    قال: سمعت به ولم أقرأه.
    قلت: لقد استعرض هذا الباحث تاريخ البشرية كله؛ منذ أن وصلتنا عنه أخبار مؤكدة حتى اليوم.. ثم استخلص منه أعظم مئة رجل تركوا تأثيراً دائماً في حياة البشر.. ثم صنف هؤلاء المئة بحسب أهميتهم ليعطي كلاً منهم الدرجة التي يستحقها في السلَّم الذي وضعه وحدده بمقاييس علمية..
    أتدري يا جورج من كان صاحب الدرجة الأولى في رأس سلَّم الأوائل هؤلاء؟
    قال: مَنْ؟.
    قلت: لقد كان صاحب الدرجة الأولى في رأس سلَّم هؤلاء الأوائل؛ هو نبي المسلمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم!!.
    وأردفتُ: لقد كان هؤلاء المئة هم النخبة الأوائل من البشر، وكان نبي المسلمين أول هؤلاء الأوائل المئة وسيدهم! ألا يكون د. مايكل هارت قد شهد بهذا أن نبي المسلمين هو سيد البشر؟
    فتفكر جورج وتروى ثم قال: أجلْ؛ هذا ما يقوله العقل.
    لكنه أردف قائلاً: وبماذا نال محمد هذه الدرجة عند د. هارت؟.
    قلت: لقد أجاب هو عن سؤالك هذا فقال: «إن الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً؛ مما يخوِّل محمداً أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية»[82].
    قال جورج: لكنْ لماذا لم يجعل د. هارت هذه الدرجة للسيد المسيح؛ مع أنه من أتباعه؟!
    قلت: لقد أجاب هو عن سؤالك هذا أيضاً فقال: «المسيح لم يترك آثاراً كتابية.. إن معظم المعلومات التي نعرفها عن يسوع المسيح هي غير مؤكدة، وإن سنة ميلاده أيضاً غير معروفة، وكذلك سنة وفاته»[83].

  9. افتراضي

    السلام عليكم
    بارك الله بكم.. موضوع في قمة الروعة ..
    هل يجوز لي أن انقل هذا الموضوع بحلقاته لى منتدى أخر ؟؟

  10. افتراضي

    الأخ الفاضل المهندس مسلم طبعا يحق لك ذلك

  11. افتراضي

    حقيقة الدين الإسلامي ودحض الافتراءات والتهم الباطلة:

    1- تهمة الهمجية والتخلف:
    قال جورج: أما سيرة محمد؛ فلا بد لي من قراءتها ذات يوم في نصوصها الصحيحة الموثوقة[84]. لكن إذا أنا آمنت مع النخبة من علماء الغربيين الذين عرضتَ علي أقوالهم؛ بأن محمداً بريء من كافة التهم والنقائص التي ألصقت به زوراً وبهتاناً، فهناك من يتهم رسالة محمد؛ التعاليم الإسلامية التي جاء بها محمد، أي ما تسمونه دين الإسلام.
    قلت: كيف؟
    قال: هناك من يتهم دين الإسلام بالهمجية والتخلف.
    قلت: في هذا سأحيلك إلى تعاليم الإسلام بنصوصها في القرآن والحديث النبوي لتجيبك؛ فإن العقل السليم يتلقفها ولا يحتاج معها إلى تزكيتها. فأنصت إلي:
    أترى أن ديناً يأمر أتباعه منذ أكثر من /1400/ سنة أن يغسلوا أطرافهم المكشوفة والمعرضة للتلوث؛ خمس مرات كل يوم طلباً للنظافة. وأن ينظفوا أسنانهم بالفرشاة مرات عدة كل يوم طلباً للنظافة. وأن يغسلوا الجسد كله بعد الجنابة طلباً للنظافة.. هذا كله عدا عن الاغتسال الأسبوعي الواجب على كل مسلم. أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟!
    قال جورج: لا؛ لكن أين تجد هذا في دين الإسلام؟
    قلت: تقول الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ}[85] أي توضؤوا عند كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة عليكم كل يوم، واغتسلوا من الجنابة.
    ويقول الحديث النبوي: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»[86]. ويقول حديث نبوي آخر: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب»[87].
    ويقول الحديث النبوي: «حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً، يغسل فيه رأسه وجسده»[88].
    قال جورج: حسبي هذا في النظافة.
    قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه أصول التزاور فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{27} فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[89] أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ الحشمة بين أفراد الأسرة فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ.. وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}[90]. أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ العلاقات الاجتماعية السليمة، ويأمرهم بنبذ واجتناب العادات الذميمة فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً}[91] أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ العلاقات الإنسانية العامة بين مختلف الأمم والشعوب فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[92]. أي أن الغاية من تعدد الأمم والشعوب هي التقارب والتصالح، وليس التنابذ والتناحر. وأفضل الناس عند الله ليس الملوك ولا الحكام ولا الأغنياء ولا الفقراء بل هو الإنسان الذي يؤمن بالله ويطيعه ولا يعصيه؛ مهما كان منبته.
    أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يربي أتباعه على مبدأ المساواة بين جميع الأمم والشعوب، فلا عصبية ولا عنصرية؛ بل قيمة كل فرد تنبع من مدى صلته بالله سبحانه وطاعته له، فيقول نبي هذا الدين مخاطباً أتباعه: «أيها الناس؛ إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى»[93].
    أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟.
    قال جورج: لا.
    قلت: أأزيدك؟
    قال: حسبي
    قلت: أتكون بهذا رسالة الإسلام همجية أم حضارية؟
    قال: بل حضارية.
    قلت: لقد سبقك إلى هذا الحكم حكماء قومك من الغربيين.
    قال: كيف؟
    قلت: يقول المستشرق الإنكليزي (مارجليوث): «ورسالة محمد طافحة بالحضارة والتعاليم التي تخدم البشرية وتوليها زمام الحياة.. وخير ما فيها طابع صلاحية البقاء مع الزمن مهما طال وامتد»[94]
    - ويقول المؤرخ الإنكليزي (ويلز): «كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عُرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام.. ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات ومناهج علمية، وقوانين اجتماعية، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخُلُق وتاريخ، وإذا طُلب مني أن أحدد معنى الإسلام؛ فإني أحدده بهذه العبارة: الإسلام هو المدنية»[95].
    - ويقول المستشرق (روم لاندو) في كتابه (الإسلام والغرب): «إن الحضارة الغربية مدينة للحضارة الإسلامية بشيء كثير؛ إلى درجةٍ نعجز معها عن فهم الأولى إن لم تتم معرفة الثانية»[96].
    - ويقول الفيلسوف (نيتشه): «إن المدنية الإسلامية لم تتنكر يوماً للحياة»[97].
    - ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدَّنوا أوربة مادة وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علَّم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين»[98].
    - ويقول المستشرق الأمريكي (سنكس) في مقدمة كتابه (ديانة العرب): «إن الفكرة الدينية الإسلامية أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلَّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان».
    - أما العالم الأمريكي (هاكنج) فيقول في كتابه (روح السياسة العالمية): «وأنا أدرك بنظرة واقعية أن الشريعة الإسلامية تحتوي على كل المبادئ والأصول اللازمة للرقي والتكامل»[99].
    - ويقول المستشرق الفرنسي (لوازون) في كتابه (الشرق): «مهما تحدثنا عن محمد فليس بالكثير في حقه، لأنه جاء إلى العالم بدين جمع فيه كل مل يصلح للحياة»[100].
    فهل الدين الذي فيه كل ما يصلح للحياة يكون همجياً متخلفاً يا جورج؟.
    قال جورج: لقد أجبتك عن هذا، وأنا أتفق مع جميع هذه الشهادات التي أوردتها للنخبة من بني قومي. لكن إذا انا آمنت بأن الإسلام بريء من تهمة الهمجية والتخلف، فهناك تهمة أخرى.
    قلت: وما هي؟.

    2- تهمة العنف:
    قال جورج: هناك من يتهم الدين الإسلامي بالعنف.
    قلت: وفي هذا أيضاً سأحيلك أولاً إلى تعاليم الإسلام بنصوصها لتجيبك.
    أترى أن ديناً يرسم لأتباعه الصورة المثلى التي يجب أن يكونوا عليها فيقول: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً{65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{66} وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً{67} وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{70} وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً{71} وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً{72} وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً{73} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً{74} أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً}[101].
    وأردفتُ: عباد الرحمن هؤلاء؛ الذين وصفتهم هذه الآيات الكريمة؛ هم المثل الأعلى الذي يسعى كل مسلم للوصول إليه.. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يعلِّم النبيَّ الذي جاء به كيفية مواجهة خصومه؛ فيقول في القرآن الكريم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[102]. أي إذا أساء إليك خصمك؛ فأحسن أنت إليه. أتراه ديناً يدعو إلى العنف يا جورج؟
    قال: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يعلِّم ويربي فيه الأب ابنه فيقول في القرآن الكريم: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{17} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[103]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يعلم النبيَّ الذي جاء به كيفية دعوة الناس إلى الله فيقول في القرآن الكريم: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[104]. أتراه ديناً يدعو على العنف؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يحذر النبيَّ الذي جاء به؛ من عاقبة العنف والقسوة والفظاظة فيقول له في القرآن الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[105]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه كيفية الاقتصاص من المعتدي فيقول في القرآن الكريم: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}[106]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
    قال جورج: لا.
    قلت: أترى أن ديناً يأمر أتباعه باختيار الكلام الحسن، وأن لا يخاطبوا من كان على غير دينهم إلا بالكلام الحسن فيقول: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[107].
    ويقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[108]. وأهل الكتاب الذين ذكرتهم الآية الكريمة هم اليهود والنصارى. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
    قال جورج: لا.
    قلت: إذا كان دين الإسلام يرفض العنف في الكلمة؛ فكيف يرضاه بغير الكلمة؟!
    قال جورج: صدقتَ؛ وحسبي هذا من النصوص القرآنية.
    قلت: فمن تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم لهذه النصوص؟
    قال: هات وأوجز.
    قلت: لو قرأتَ السيرة النبوية في مصادرها الموثوقة لوجدت أن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في بدء الدعوة الإسلامية يَلقون من كفار مكة مختلف ألوان الاضطهاد والتعذيب.. فلم يأمرهم النبي بمواجهة العنف بالعنف، بل أمرهم بالهجرة من مكة، فصاروا يهاجرون إلى الحبشة فراراً بدينهم من العنف.
    ولو تابعت قراءة السيرة النبوية لوجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد صلحاً مع كفار مكة في السنة السادسة للهجرة سمي (صلح الحديبية) حقق فيه الكفار مطالبهم؛ برغم التفوق العسكري الواضح في جيش النبي فيما لو خاض معهم قتالاً، ولم يكن نصيب المسلمين في ذلك الصلح سوى تجنب العنف وعدم دخول مكة عن طريق القتال. وكان هذا بناء على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي قال آنذاك قولته المشهورة: «لا تدعوني قريش – وهم كفار مكة – لخصلة فيها تعظيم حرمات الله إلا أجبتهم إليها»[109]. برغم المعارضة القوية من أصحاب النبي لهذا الصلح.
    وأردفت: أترى من يختار هذه الاختيارات التي تتجنب العنف؛ يوصف بالعنف يا جورج؟
    قال: لا.
    قلت: إذاً اسمع ما تقوله النخبة من علماء الغربيين عن العنف الذي اتهم به الدين الإسلامي، ونبي المسلمين:
    - تقول البريطانية الباحثة في علم الأديان (كارين أرمسترونج) في مقدمتها لكتابها (سيرة النبي محمد): «من الخطأ أن نظن أن الإسلام دين يتسم بالعنف أو بالتعصب في جوهره، على نحو ما يقول به البعض أحياناً، بل إن الإسلام دين عالمي، ولا يتصف بأي سمات عدوانية شرقية أو معادية للغرب»[110].
    - ويقول المستشرق الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه (الدين والحياة): «لقد كان محمد ذا أخلاق عالية، وحكمة ورقة قلب، ورأفة ورحمة، وصدق وأمانة»[111].
    - ويقول المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر) في كتابه (الشرقيون وعقائدهم): «كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلِّ الصفات التي تحملها النفس البشرية؛ هما: العدالة والرحمة».
    - ويقول المستشرق (إميل درمنغم) في كتابه (حياة محمد): «إن محمداً قد أبدى في أغلب حياته اعتدالاً لافتاً للنظر، فقد برهن في انتصاره النهائي، على عظمة نفسية قلَّ أن يوجد لها مثال في التاريخ؛ إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً ويقول لهم: إن نفساً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراءً»[112].
    ويضيف (درمنغم) في حاشية ص362: (قال روبرتسن في كتابه (تاريخ شارلكن): «إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين التسامح والدعوة إلى الإسلام». وقال القسيس ميشون في كتابه (رحلة دينية إلى الشرق): «إن من المؤسف حقاً أن علَّم المسلمون أمم النصرانية التسامح الديني الذي هو دعامة المحبة بين الأمم»)[113].
    - ويقول الفيلسوف الألماني الشهير (غوته) في كتابه (أخلاق المسلمين وعاداتهم): «ولا شك أن المتسامح الأكبر أمام اعتداء أصحاب الديانات الأخرى، وأمام إرهاصات وتخريفات اللادينيين، التسامح بمعناه الإلهي، غرسه رسول الإسلام في نفوس المسلمين، فقد كان محمد المتسامح الأكبر، ولم يتخذ رسول الإسلام موقفاً صعباً ضد كل الذين كانوا يعتدون عليه بالسب أو بمد الأيدي أو بعرقلة الطريق وما شابه ذلك، فقد كان متسامحاً؛ فتبعه أصحابه وتبعه المسلمون، وكانت وما زالت صفة التسامح هي إحدى المميزات والسمات الراقية للدين الإسلامي، وللحق أقول: إن تسامح المسلم ليس من ضعف؛ ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته»[114].
    - ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «والإسلام من أعظم الديانات تهذيباً للنفوس، وحملاً على العدل والإحسان والتسامح»[115].
    - أما الباحث السويسري (جناد أقنبرت) فقد عكس الأمر وصرح بأن أعداء محمد هم المتعصبون ضده؛ إذ قال في كتابه (محمد والإسلام): «كلما ازداد الباحث تنقيباً في الحقائق التاريخية الوثيقة المصادر؛ فيما يخص الشمائل المحمدية، ازداد احتقاراً لأعداء محمد الذين أشرعوا أسنة الطعن في محمد قبل أن يعرفوه، ونسبوا إليه ما لا يجوز أن ينسب إلى رجل حقير، فضلاً عن رجل كمحمد؛ الذي يحدثنا التاريخ أنه رجل عظيم».
    وأردفت: أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟

    3- تهمة انتشار الإسلام بالسيف:
    قال جورج: بل حسبي. لكن إذا أنا آمنت مع هؤلاء النخبة الذين درسوا الإسلام بأنه دين لا يؤمن بالعنف، فلماذا كان انتشاره بين الناس بالسيف؟
    قلت: ومن قال هذا؟
    قال: كثيرون من الغربيين قالوا هذا وكتبوا عنه.
    قلت: أأحدثك عن كيفية انتشار الدعوة الإسلامية في أقطار الأرض، منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، أم تكفيك أقوال وشهادات النخبة من العلماء الغربيين الذين عرفوا ذلك ودرسوه؟
    قال: بل تكفيني أقوال هؤلاء النخبة.
    قلت: يقول الكاتب والباحث الفرنسي (ديسون): «من الخطأ أن يصدق المرء ما يروِّج له البعض من أن السيف كان المبشر الأول في تقدم الإسلام وتبسطه، ذلك أن السبب الأول في انتشار الإسلام يعود إلى هذه الأخوة الدينية الفريدة، وإلى هذه الحياة الجديدة الاجتماعية التي دعا إليها ومكَّن لها، ثم إلى هذه الحياة الشريفة الطاهرة التي راح يحياها محمد وخلفاؤه من بعده، والتي بلغت من العفة والتضحية حداً جعل الإسلام قوة عظيمة لا تغلب»[116].
    - وتقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد): «إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخلِّص أنفسنا من بعض أحقادنا القديمة، ولعل شخصاً مثل محمد يكون مناسباً للبدء، فقد كان رجلاً متدفق المشاعر.. وقد أسس ديناً وموروثاً حضارياً لم يكن السيف دعامته، برغم الأسطورة الغربية، وديناً اسمه الإسلام؛ ذلك اللفظ ذو الدلالة على السلام والوفاق»[117].
    - ويقول المستشرق الهولندي (دوزي) في مقدمة كتابه (ملحق وتكملة القواميس العربية): «إن ظاهرة دين محمد تبدو لأول وهلة لغزاً غريباً! ولا سيما متى علمنا أن هذا الدين الجديد لم يفرض فرضاً على أحد».
    - ويقول (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال): «إن اتهام محمد بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته؛ سخف غير مفهوم!! إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس أو يستجيبوا لدعوته»[118].
    - ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «لقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل.. ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط»[119]. ويقول: «إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار الإسلام، فقد ترك العربُ المغلوبين أحراراً في أديانهم»[120].
    أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟.
    قال جورج: بل حسبي؛ لكن إن أنا آمنت مع النخبة من العلماء الغربيين أن الإسلام لم ينتشر بالسيف بل بالدعوة إلى الله عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة. فهناك من يتهم الإسلام بأمر على غاية من الأهمية في هذه الأيام.

  12. #27

    افتراضي

    بارك الله فيك ورفع في الصالحين قدرك
    متابعة

  13. افتراضي موضوع قيم

    جزاك الله خيرا
    استأذن أيضا في الاستعانة ببعض الفقرات و المراجع في منتديات أخرى
    وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. إعلان: مناظرة حول المواريث والحضارة العلمية في الإسلام
    بواسطة أبو حب الله في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 06-10-2014, 08:26 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-22-2009, 03:59 AM
  3. القواعد الأربع التي تفرق بين دين المسلمين ودين العلمانيين
    بواسطة حازم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-29-2009, 08:43 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء