لقد اعتنى الاسلام بالالفاظ عناية بليغة وذلك لأن الاسماء والالفاظ قوالب للمعاني فالاسم هو يسمى به الرجل فهو بمثابة علامة ووسم لصفة هذا الرجل من اخلاق وتواضع فمثلا بدل ان كان رجل ذا علم وهيبة ووقار فبدل ان يقول له "يا صاحب العلم والوقار والهيبة اتسمح لي ان.....
"يقول له شيخ او يا فاضل او يا استاذ ...الخ

وعكسه اذا كان رجل متعد لحدود الله والعياذ بالله سارق شارب للخمر سيئ الخلق ...الخ فبدل ان يناديه او يعرف به بهذه الصفات تختصر بكلمة فاسق

يقول الله " بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون " 11الحجرات



قال القرطبي:
"أي بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته قاله ابن زيد وقيل : المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق وفي الصحيح : [ من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ] فمن فعل ما نهى الله عنه من السخرية والهمز والنبز فذلك فسوق وذلك لا يجوز..."


وفي مختار الصحاح: ل ف ظ : لَفَظَ الشيء من فمه رماه وذلك الشيء المرمي لُفَاظَةٌ و لَفَظَ بالكلام و تَلَفَّظَ به تكلم به...ا.ه

وهذا يشعرك انه اختصر ما بنفسه بكلمات وجيزة وهي التي تسمى البلاغة وهي كلمة تحمل في طياتها معان كثيرة على سبيل المثال منها

الحب: فحدث عما يندرج تحتها من معان

الخير والشر

ومن البلاغة النبوية قوله عليه الصلاة والسلام"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
رواه النسائي والترمذي وصححه

وقوله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" الترمذي وحسنه


ومن البلاغة ما رواه الامام مسلم بسنده الى النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي عمرو - وقيل أبي عمرة - سفيان ابن عبد الله رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسال عنه أحدا غيرك قال" قل آمنت بالله ثم استقم ] رواه مسلم



قال ابن دقيق العيد:.

"في هاتين الكلمتين معاني الإسلام والإيمان كلها فإنه أمره أن يجدد إيمانه بلسانه متذكرا بقلبه وأمره أن يستقيم على أعمال الطاعات والإنتهاء عن جميع المخالفات : إذ لا تأتي الإستقامة مع شئ من الإعوجاج فإنها ضده وهذا كقوله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } الآية أي آمنوا بالله وحده ثم استقاموا على ذلك وعلى الطاعة إلى أن توفاهم الله عليها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : استقاموا والله على طاعته ولم يروغوا روغان الثعلب..."

فإذا عرفنا هذا فكان حقا علينا ان نعرف الاسماء الحسنة من القبيحة والاسماء التي نهينا ان نتكنى بها والالفاظ التي ظاهرة الرحمة وباطنها الشر المحض واعطاء المعاني الالفاظ التي تليق بها وعدم التموييه فيها وتسميتها بغير اسمها والله الموفق


بعض الصور التي قالها الله في القران الكريم في هذا الصدد:.

1-"وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" البقرة11

فجاء الرد: "ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" البقرة12

ومن هنا تعلم دور هذه الكلمات التي تنطلي على اكثر الناس مثل الاستعمار- الاستخراب- الثقافة- التعدي على الاخلاق والتمرد على كل ما هو بدهي-,الفوائد-الربوية- المشروبات الروحية,خطيبتي على وزن فطيرتي(العشيقة والمحبوبة والصديقة وقد يمتد ذلك الى مالا يعلمه الا الله بإسم المخطوبة حتى يخفف وطئت ذلك) الحرية,توحيد الأديان ,الاخوة الانسانية ,مات جراء نيران صديقة, حرب ضد الارهاب, حتى اصبح الواحد منا اذا ذكرت كلمة الارهاب وأغمض عينيه قليلا او عمد الى فكره تخيل صورة رجل ذا لحية كثة وثوب قصير ومسواك في فمه وكشر الوجه!!!

فمثل هذه العبارات منها ما هو حق اريد به باطل او باطل محض.


2-قول ربنا" يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم " البقرة 104

قال ابن كثير:
"نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقامهم وفعالهم وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم لعائن الله فإذا أرادوا أن يقولوا اسمع لنا يقولون راعنا ويورون بالرعونة" ا.ه

(أي الحمق والاسترخاء ورجل أرْعَنُ وامرأة رَعْنَاءُ بينا الرعونة ...قبحهم الله حيثما حلوا واينما وجدوا اعداء الله والرسل فنهينا عن ذلك لئلا نتشبه بهم ولا نجعل للشيطان مدخلا في ذلك)


بعض الصور في السنة النبوية:

1- عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة
قال جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني ان جده حزن قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ما اسمك " قال اسمي حزن قال " بل أنت سهل " قال ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي قال ابن المسيب فما زالت فينا الحزونة بعد" بخاري

لا تعليق!!

2-وفي الموطأ مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للقحة تحلب من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال الرجل مرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال حرب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال يعيش فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم احلب "


قال ان عبد البر في التمهيد:وهذا عندي والله أعلم ليس من باب الطيرة لأنه محال أن ينهي عن شيء ويفعله وإنما هو من باب طلب الفأل الحسن وقد كان أخبرهم عن شر الأسماء أنه حرب ومرة فأكد ذلك حتى لا يتسمى بها أحد والله أعلم

وقال " عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وحارث وهمام حارث يحرث لدنياه وهمام يهم بالخير وشر الأسماء حرب ومرة"

وهذا مما قلنا من باب الفأل لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الاسم الحسن والفأل الحسن وكان يكره الاسم القبيح لأنه كان يتفاءل بالحسن من الأسماء"ا.ه


3-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن" متفق عليه
( الكرم قلب المؤمن ) الكرم بدلا من العنب لما جاء في رواية لا تسموا العنب كرما" فكانوا يطلقونها على الخمر فوضع النبي صلى الله عليه وسلم الكرم موضعه وهو قلب المؤمن وسدا لإنفتاح شهوة الخمر بهذه الكلمة فتأمل!

4-عن أبو مالك الأشعري
: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" ابو داود وصححه الالباني وبهذا علم ان المسميات لا تغير من المعاني شيئا فالحكم واحد


5- وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل ما اسمك فقال جمرة فقال بن من فقال بن شهاب قال ممن قال من الحرقة قال أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا قال فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه



قال أبو عمر"بن عبد البر في الاستذكار"

لا أدري ما أقول في هذا إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون بعدي محدثون فإن يكن فعمر وقال علي - رضي الله عنه ما كنا نعد أن السكينة تنطق على لسان عمر
وقد وافق ظنه ورأيه نزول تحريم الخمر وكذلك آية فداء الأسرى وآية الحجاب ومقام إبراهيم
وقد يوجد هذا في من دون عمر من الذكاء وحسن الظن حتى لا يكاد يخطئه ظنه" ا.ه

يقول ابن القيم" والله سبحانه قد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الإسم الحسن ومحبته وميل نفوسهم إليه وكذلك جعل فيها الإرتياح والاستبشار والسرور باسم السلام والفلاح والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر والغنم والربح والطيب ونيل الأمنية والفرح والغوث والعز والغنى وأمثالها فإذا قرعت هذه الأسماء الأسماع استبشرت بها النفس وانشرح لها الصدر وقوى بها القلب وإذا سمعت أضدادها أوجب لها ضد هذه الحال فأحزنها ذلك وأثار لها خوفا وطيرة وأنكماشا وانقباضا عما قصدت له وعزمت عليه فأورث لها ذلك ضررا في الدنيا ونقصا في الإيمان ومقارفة للشرك ..."


فتأمل كيف ان الاسماء تبعث الشؤم(على خلاف اهل العلم في الشؤم والتفاؤل ) في قلوب أصحابها وفي اذان السامعين حتى تحسب ان الرجل هذا ليس فيه خيرا وان الخير قد فقد
حينما تسمع الفاظ وكنى يتبجح بها الهجرع من القوم

اليك بعضها" ابو ريحة!,احمد الطنط, رشيد ابو ريالة!!, سالم حبوشكة,
طلال الفر, حمزة الجربوع, السحلية, ابو الليل, بروسلي, ابوشاكوش!!!" وهذه زهرة من بستان!! والا ما خفي أعظم
ووالله ما ادري اذا كان هؤلاء في ذاك الزمن اسيقال له احلب
وما ادري ما سيكون طعمه اذا حلبه الملقب "بالسحلية"!! بل سيقال له اقلب...



ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وامره بتغيره:.

1-عن أنس قال نادى رجل رجلا بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " بخاري.


طبعا على خلاف هل النهي للتحريم ام لتنزيه وهل هو فقط على عهده صلى الله عليه وسلم حتى يكون مميزا ب أبا القاسم ام هو مستمر الى بعد وفاته؟
وفي رواية"تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإني أنا أبو القاسم أقسم بينكم"بخاري


ولكن في سنن أبو داود باب الرخصة في الجمع بينهما عن محمد ابن الحنفية قال
قال علي رحمه الله قلت يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك ؟ قال " نعم "
وعلق أبو الطيب في"عون المعبود" فيه أن النهي مقصور على زمانه صلى الله عليه وسلم فيجوز الجمع بينهما بعده وبه قال مالك قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال صحيح"وصححه
الالباني فالحمد لله زال الاشكال


2-عن سمرة بن جندب قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تسم غلامك رباحا ولا يسارا ولا أفلح ولا نافعا) وفي رواية"ولا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول أثم هو(أي هل هو موجود في المنزل) ؟ فلا يكون فيقول :لا " بخاري


وهذا النهي لتنزيه لا للتحريم ولله اعلم ذلك حتى يقصر صلى الله عليه وسلم باب الطيرة والتشاؤم مثال ذلك" إسلام موجود ,لا والله غير موجود" فيتلقفها المتطير فيقول" غيروا ملتهم !!) الى غير ذلك من خرافات العوام مثل" دق على الخشب, حكة في الحواجب واليد , واذا عض احدهم لسانه يعتبر ان جائزة او هدية قادمة اليه مع ان الهدية قد نالها منذ قليل!!)


3-عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال : أنت جميلة"بخاري


4-عن محمد بن عمرو بن عطاء قال سميت ابنتي برة فقالت لي زينب بنت أبي سلمة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم وسميت برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم ) فقالوا بم نسميها ؟ قال ( سموها زينب) بخاري


5-عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك" متفق عليه


أي أذله وأوضعه من الخنوع وهو الذل
وفي رواية اخنى"أي أي أفحشه وأقبحه من الخنا بمعنى الفحش



6- عن هانئ بن يزيد أنه : لما وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنيت بأبي الحكم قال لا ولكن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين قال ما أحسن هذا ثم قال مالك من الولد قلت لي شريح وعبد الله ومسلم بنو هانئ قال فمن أكبرهم قلت شريح قال فأنت أبو شريح ودعا له ولولده .." الادب المفرد 811 وصححه الالباني


7-وسمع النبي صلى الله عليه وسلم يسمون رجلا منهم عبد الحجر
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما اسمك قال عبد الحجر قال لا أنت عبد الله
" الادب المفرد 811 وصححه الالباني



واخيرا هل يجوز للمرأة والصبي الصغير أن يكنى:.


1-حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن مولى للزبير عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم كل أزواجك كنيته غيري "قال فأنت أم عبد الله" رواه بن ماجه وابوداود وصححه الالباني
فأنت أم عبد الله كناها باسم بن أختها عبد الله بن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر


2-وعن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير وكان له نغر ( طائر صغير ) يلعب به فمات فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرآه حزينا فقال " ما شأنه ؟ " قالوا مات نغره فقال " يا أبا عمير ما فعل النغير" رواه البخاري وغيره وهذا لفظ ابوداود
صلى الله على الرحمة المهداة هذه حاله صلى الله عليه وسلم مع النساء والصبيان بل حتى مع اصحاب العقول الخفيفة

ووالله ان من اعظم المصائب التي حلت بالأمة هي فقدانه صلى الله عليه وسلم اسئل الله ان يجمعنا به في الفردوس الاعلى ويقر أعيننا به وان يثبتنا حتى نلقاه على ما يرضاه