هذا جواب مختصر لشيخ الاسلام ابن تيمية في التعريف بدليل الكمال و تفصيل الاعتراضات عليه أضعه على هامش الحوار في نفس الموضوع ليستفيد منه المتحاوران على هذا الرابط
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=19293
مع التنبيه ان الدليل و تفصيل مفاهيمه و توضيحا مبثوث في بقية كتبه و كتب حجة الاسلام الغزالي على الخصوص...
سئل شيخ الاسلام قدس الله روحه
قال السائل المسؤول من علماء الاسلام والسادة الاعلام احسن الله ثوابهم وأكرم نزلهم ومآبهم ان يرفعوا حجاب الاجمال ويكشفوا قناع الاشكال عن ( مقدمة ( جميع أرباب الملل والنحل متفقون عليها ومستندون فى ارائهم اليها حاشا مكابرا منهم معاندا وكافرا بربوبية الله جاحدا
وهى ان يقال ( هذه صفة كمال فيجب لله اثباتها وهذه صفة نقص فيتعين انتفاؤها ( لكنهم فى تحقيق مناطها فى افراد الصفات متنازعون وفى تعيين الصفات لاجل القسمين مختلفون
( فأهل السنة ( يقولون اثبات السمع والبصر والحياة والقدرة والعلم والكلام وغيرها من ( الصفات الخبرية ( كالوجه واليدين والعينين والغضب والرضا و ( الصفات الفعلية ( كالضحك والنزول والاستواء صفات كمال وأضدادها صفات نقصان ( و الفلاسفة ( تقول اتصافه بهذه الصفات ان أوجب له كمالا فقد استكمل بغيره فيكون ناقصا بذاته وان اوجب له نقصا لم يجز اتصافه بها
و ( المعتزلة ( يقولون لو قامت بذاته صفات وجودية لكان مفتقرا اليها وهى مفتقرة اليه فيكون الرب مفتقرا الى غيره ولانها اعراض لا تقوم الا بجسم والجسم مركب والمركب ممكن محتاج وذلك عين النقص
ويقولون أيضا لو قدر على العباد اعمالهم وعاقبهم عليها كان ظالما وذلك نقص وخصومهم يقولون لو كان فى ملكه ما لا يريده لكان ناقصا و ( الكلابية ومن تبعهم ( ينفون صفات افعاله ويقولون لو قامت به لكان محلا للحوادث والحادث ان اوجب له كمالا فقد عدمه قبله وهو نقص وان لم يوجب له كمالا لم يجز وصفه به
و ( طائفة منهم ( ينفون صفاته الخبرية لاستلزامها التركيب المستلزم للحاجة والافتقار وهكذا نفيهم ايضا لمحبته لانها مناسبة بين المحب والمحبوب ومناسبة الرب للخلق نقص وكذا رحمته لان الرحمة رقة تكون فى الراحم وهى ضعف وخور فى الطبيعة وتألم على المرحوم وهو نقص وكذلك غضبه لان الغضب غليان دم القلب طلبا للانتقام وكذا نفيهم لضحكه وتعجبه لان الضحك خفة روح تكون لتجدد ما يسر واندفاع ما يضر والتعجب استعظام للمتعجب منه و ( منكروا النبوات ( يقولون ليس الخلق بمنزلة ان يرسل اليهم رسولا كما ان اطراف الناس ليسوا اهلا ان يرسل السلطان اليهم رسولا
و ( المشركون ( يقولون عظمة الرب وجلاله يقتضى ان لا يتقرب اليه الا بواسطة وحجاب فالتقرب اليه ابتداء من غير شفعاء ووسائط غض من جنابه الرفيع
هذا وان القائلين بهذه ( المقدمة ( لا يقولون بمقتضاها ولا يطردونها فلو قيل لهم ايما اكمل ذات توصف بسائر انواع الادراكات من الشم والذوق واللمس ام ذات لا توصف بها كلها لقالوا الاولى اكمل ولم يصفوا بها كلها الخالق و ( بالجملة ( فالكمال والنقص من الامور النسبية والمعانى الاضافية فقد تكون الصفة كمالا لذات ونقصا لاخرى وهذا نحو الاكل والشرب والنكاح كمال للمخلوق نقص للخالق وكذا التعاظم والتكبر والثناء على النفس كمال للخالق نقص للمخلوق واذا كان الامر كذلك فلعل ما تذكرونه من صفات الكمال انما يكون كمالا بالنسبة الى الشاهد ولا يلزم ان يكون كمالا للغائب كما بين لا سيما مع تباين الذاتين
وان قلتم نحن نقطع النظر عن متعلق الصفة وننظر فيها هل هى كمال او نقص فلذلك نحيل الحكم عليها باحدهما لانها قد تكون كمالا لذات نقصا لاخرى على ما ذكر وهذا من العجب أن ( مقدمة ( وقع عليها الاجماع هى منشأ الاختلاف والنزاع فرضى الله عمن بين لنا بيانا يشفى العليل ويجمع بين معرفة الحكم وايضاح الدليل انه تعالى سميع الدعاء واهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل
فأجاب رضى الله عنه
تحية أطيب..سأضع الجواب و ان كان الأخ ناصر او الأخ المشرف يرى ان فيه طولا نتوقف ..و ستلاحظ ان كنت وصلت للجزء الثالث من قراءة التأملات مدى التشابه في تناول هذا الدليل الهام...و ارجو لك و للجميع قراءة ممتعة
الحمد لله الجواب عن هذا السؤال مبنى على مقدمتين:
احداهما ان يعلم ان الكمال ثابت لله بل الثابت له هو اقصى ما يمكن من الاكملية بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه الا وهو ثابت للرب تعالى يستحقه بنفسه المقدسة وثبوت ذلك مستلزم نفى نقيضه فثبوت الحياة يستلزم نفى الموت وثبوت العلم يستلزم نفى الجهل وثبوت القدرة يستلزم نفى العجز وان هذا الكمال ثابت له بمقتضى الادلة العقلية والبراهين اليقينية مع دلالة السمع على ذلك
ودلالة القرآن على الامور نوعان :
أحدهما :خبر الله الصادق فما اخبر الله ورسوله به فهو حق كما أخبر الله به
و الثانى :دلالة القرآن بضرب الامثال وبيان الادلة العقلية الدالة على المطلوب فهذه دلالة شرعية عقلية فهى شرعية لان الشرع دل عليها وارشد اليها و عقلية لانها تعلم صحتها بالعقل ولا يقال انها لم تعلم الا بمجرد الخبر..واذا اخبر الله بالشىء ودل عليه بالدلالات العقلية صار مدلولا عليه بخبره ومدلولا عليه بدليله العقلى الذى يعلم به فيصير ثابتا بالسمع والعقل وكلاهما داخل فى دلالة القرآن التى تسمى ( الدلالة الشرعية (
وثبوت ( معنى الكمال ( قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة دالة على معانى متضمنة لهذا المعنى فما فى القرآن من اثبات الحمد لله وتفصيل محامده وان له المثل الاعلى واثبات معانى اسمائه ونحو ذلك كله دال على هذا المعنى
وقد ثبت لفظ ( الكامل ( فيما رواه ابن ابى طلحة عن ابن عباس فى تفسير ( قل هو الله أحد
الله الصمد ( ان ( الصمد ( هو المستحق للكمال وهو السيد الذى كمل فى سؤدده والشريف الذى قد كمل فى شرفه والعظيم الذى قد كمل فى عظمته والحكم الذى قد كمل فى حكمه والغنى الذى قد كمل فى غناه والجبار الذى قد كمل فى جبروته والعالم الذى قد كمل فى علمه والحكيم الذى قد كمل فى حكمته وهو الشريف الذى قد كمل فى انواع الشرف والسؤدد وهو الله سبحانه وتعالى
وهذه صفة لا تنبغى الا له ليس له كفؤ ولا كمثله شىء وهكذا سائر صفات الكمال ولم يعلم احد من الامة نازع فى هذا المعنى بل هذا المعنى مستقر فى فطر الناس بل هم مفطورون عليه فانهم كما انهم مفطورون على الاقرار بالخالق فانهم مفطورون على انه اجل واكبر واعلى واعلم واعظم واكمل من كل شىء...
وقد بينا فى غير هذا الموضع ان الاقرار بالخالق وكماله يكون فطريا ضروريا فى حق من سلمت فطرته وان كان مع ذلك تقوم عليه الادلة الكثيرة وقد يحتاج الى الادلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة واحوال تعرض لها
واما لفظ ( الكامل ( فقد نقل الاشعرى عن الجبائى انه كان يمنع ان يسمى الله كاملا ويقول الكامل الذى له ابعاض مجتمعة
وهذا النزاع ان كان فى المعنى فهو باطل وان كان فى اللفظ فهو نزاع لفظى
و ( المقصود هنا ( ان ثبوت الكمال له ونفى النقائص عنه مما يعلم بالعقل
ل
وزعمت ( طائفة من أهل الكلام ( كابى المعالى والرازى والامدى وغيرهم ان ذلك لا يعلم الا بالسمع الذى هو ( الاجماع ( وان نفى الآفات والنقائص عنه لم يعلم الا بالاجماع وجعلوا الطريق التى بها نفوا عنه ما نفوه انما هو نفى مسمى الجسم ونحو ذلك وخالفوا ما كان عليه شيوخ متكلمة الصفاتية كالاشعرى والقاضى وابى بكر وابى اسحاق ومن قبلهم من السلف والائمة فى اثبات السمع والبصر والكلام له بالادلة العقلية وتنزيهه عن النقائص بالادلة العقلية
ولهذا صار هؤلاء يعتمدون فى اثبات هذه الصفات على مجرد السمع ويقولون اذا كنا نثبت هذه الصفات بناء على نفى الافات ونفى الافات انما يكون بالاجماع الذى هو دليل سمعى والاجماع انما يثبت بأدلة سمعية من الكتاب والسنة قالوا والنصوص المثبتة للسمع والبصر والكلام اعظم من الايات الدالة على كون الاجماع حجة فالاعتماد فى اثباتها ابتداء على الدليل السمعى الذى هو القرآن أولى وأحرى
ل
والذى اعتمدوا عليه فى النفى من نفى مسمى التحيز ونحوه مع انه بدعة فى الشرع لم يأت به كتاب ولا سنة ولا اثر عن احد من الصحابة والتابعين هو متناقض فى العقل لا يستقيم فى العقل فانه ما من أحد ينفى شيئا خوفا من كون ذلك يستلزم ان يكون الموصوف به جسما الا قيل له فيما أثبته نظير ما قاله فيما نفاه
وقيل له فيما نفاه نظير ما يقوله فيما اثبته كالمعتزلة لما أثبتوا أنه حى عليم قدير وقالوا انه لا يوصف بالحياة والعلم والقدرة والصفات لان هذه اعراض لا يوصف بها الا ما هو جسم ولا يعقل موصوف الا جسم
فقيل لهم فأنتم وصفتموه بأنه حى عليم قدير ولا يوصف شىء بأنه عليم حى قدير الا ما هو جسم ولا يعقل موصوف بهذه الصفات الا ما هو جسم فما كان جوابكم عن الاسماء كان جوابنا عن الصفات فان جاز ان يقال بل يسمى بهذه الاسماء ما ليس بجسم جاز ان يقال فكذلك يوصف بهذه الصفات ما ليس بجسم وان يقال هذه الصفات ليست اعراضا وان قيل لفظ الجسم ( مجمل ( او ( مشترك ( وان المسمى بهذه الاسماء لا يجب ان يماثله غيره ولا ان يثبت له خصائص غيره جاز ان يقال الموصوف بهذه الصفات لا يجب ان يماثله غيره ولا ان يثبت له خصائص غيره
وكذلك اذا قال نفاة الصفات المعلومة بالشرع او بالعقل مع الشرع كالرضا والغضب والحب والفرح ونحو ذلك هذه الصفات لا تعقل الا لجسم قيل لهم هذه بمنزلة الارادة والسمع والبصر والكلام فما لزم فى احدهما لزم فى الاخر مثله
وهكذا نفاة الصفات من الفلاسفة ونحوهم اذا قالوا ثبوت هذه الصفات يستلزم كثرة المعانى فيه وذلك يستلزم كونه جسما او مركبا قيل لهم هذا كما اثبتم انه موجود واجب قائم بنفسه وانه عاقل ومعقول وعقل ولذيذ وملتذ ولذة وعاشق ومعشوق وعشق ونحو ذلك
فان قالوا هذه ترجع الى معنى واحد قيل لهم ان كان هذا ممتنعا بطل الفرق وان كان ممكنا امكن ان يقال فى تلك مثل هذه فلا فرق بين صفة وصفة والكلام على ثبوت الصفات وبطلان اقوال النفاة مبسوط فى غير هذا الموضع
والمقصود هنا ان نبين ان ثبوت الكمال لله معلوم بالعقل وان نقيض ذلك منتف عنه فان الاعتماد فى الاثبات والنفى على هذه الطريق مستقيم فى العقل والشرع دون تلك خلاف ما قاله هؤلاء المتكلمون
وجمهور اهل الفلسفة والكلام يوافقون على ان الكمال لله ثابت بالعقل والفلاسفة تسميه التمام وبيان ذلك من وجوه .
( منها ( ان يقال قد ثبت ان الله قديم بنفسه واجب الوجود بنفسه قيوم بنفسه خالق بنفسه الى غير ذلك من خصائصه والطريقة المعروفة فى وجوب الوجود تقال فى جميع هذه المعانى
فاذا قيل الوجود اما واجب واما ممكن والممكن لابد له من واجب فيلزم ثبوت الواجب على التقديرين فهو مثل ان يقال الموجود اما قديم واما حادث والحادث لابد له من قديم فيلزم ثبوت القديم على التقديرين والموجود اما غنى واما فقير والفقير لابد له من الغنى فلزم وجود الغنى على التقديرين والموجود اما قيوم بنفسه واما غير قيوم وغير القيوم لابد له من القيوم فلزم ثبوت القيوم على التقديرين والموجود اما مخلوق واما غير مخلوق والمخلوق لابد له من خالق غير مخلوق فلزم ثبوت الخالق غير المخلوق على التقديرين ونظائر ذلك متعددة
ثم يقال هذا الواجب القديم الخالق اما ان يكون ثبوت الكمال الذى لا نقص فيه للممكن الوجود ممكنا له واما ان لا يكون والثانى ممتنع لان هذا ممكن للموجود المحدث الفقير الممكن فلأن يمكن للواجب الغنى القديم بطريق الاولى والاحرى فان كلاهما موجود والكلام فى الكمال الممكن الوجود الذى لا نقص فيه
فاذا كان الكمال الممكن الوجود ممكنا للمفضول فلأن يمكن للفاضل بطريق الاولى لأن ما كان ممكنا لما هو فى وجوده ناقص فلأن يمكن لما هو فى وجوده اكمل منه بطريق الاولى لا سيما وذلك افضل من كل وجه فيمتنع اختصاص المفضول من كل وجه بكمال لا يثبت للافضل من كل وجه بل ما قد ثبت من ذلك للمفضول فالفاضل احق به فلان يثبت للفاضل بطريق الاولى
ولان ذلك الكمال انما استفاده المخلوق من الخالق والذى جعل غيره كاملا هو احق بالكمال منه فالذى جعل غيره قادرا اولى بالقدرة والذى علم غيره اولى بالعلم والذى احيا غيره اولى بالحياة والفلاسفة توافق على هذا ويقولون كل كمال للمعلول فهو من اثار العلة والعلة اولى به
واذا ثبت امكان ذلك له فما جاز له من ذلك الكمال الممكن الوجود فانه واجب له لا يتوقف على غيره فانه لو توقف على غيره لم يكن موجودا له الا بذلك الغير وذلك الغير ان كان مخلوقا له لزم ( الدور القبلى ( الممتنع فان ما فى ذلك الغير من الامور الوجودية فهى منه ويمتنع ان يكون كل من الشيئين فاعلا للاخر
ل
وهذا هو ( الدور القبلى ( فان الشىء يمتنع ان يكون فاعلا لنفسه فلأن يمتنع ان يكون فاعلا لفاعله بطريق الاولى والاحرى
وكذلك يمتنع ان يكون كل من الشيئين فاعلا لما به يصير الاخر فاعلا ويمتنع ان يكون كل من الشيئين معطيا للاخر كماله فان معطى الكمال احق بالكمال فيلزم ان يكون كل منهما اكمل من الاخر وهذا ممتنع لذاته فان كون هذا اكمل يقتضى ان هذا افضل من هذا وهذا افضل من هذا وفضل احدهما يمنع مساواة الاخر له فلان يمنع كون الاخر افضل بطريق الاولى
وايضا فلو كان كماله موقوفا على ذلك الغير للزم ان يكون كماله موقوفا على فعله لذلك الغير وعلى معاونة ذلك الغير فى كماله ومعاونة ذلك الغير فى كماله موقوف عليه اذ فعل ذلك الغير وافعاله موقوفة على فعل المبدع لا تفتقر الى غيره فيلزم ان لا يكون كماله موقوفا على غيره
فاذا قيل كماله موقوفا على مخلوقه لزم ان لا يتوقف على مخلوقه وما كان ثبوته مستلزما لعدمه كان باطلا من نفسه وايضا فذلك الغير كل كمال له فمنه وهو احق بالكمال منه ولو قيل يتوقف كماله عليه لم يكن متوقفا الا على ما هو من نفسه وذلك متوقف عليه لا على غيره
وان قيل ذلك الغير ليس مخلوقا بل واجبا اخر قديما بنفسه فيقال ان كان أحد هذين هو المعطى دون العكس فهو الرب والاخر عبده
وان قيل بل كل منهما يعطى للآخر الكمال لزم ( الدور فى التأثير ( وهو باطل وهو من ( الدور القبلى ( لا من ( الدور المعى الاقترانى ( فلا يكون هذا كاملا حتى يجعله الاخر كاملا والاخر لا يجعله كاملا حتى يكون فى نفسه كاملا لان جاعل الكامل كاملا احق بالكمال ولا يكون الاخر كاملا حتى يجعله كاملا فلا يكون واحد منهما كاملا بالضرورة فانه لو قيل لا يكون كاملا حتى يجعل نفسه كاملا ولا يجعل نفسه كاملا حتى يكون كاملا لكان ممتنعا فكيف اذا قيل حتى يجعل ما يجعله كاملا كاملا
وان قيل كل واحد له اخر يكمله الى غير نهاية لزم ( التسلل فى المؤثرات ( وهو باطل بالضرورة واتفاق العقلاء فان تقدير مؤثرات لا تتناهى ليس فيها مؤثر بنفسه لا يقتضى وجود شىء منها ولا وجود جميعها ولا وجود اجتماعها والمبدع للموجودات لابد ان يكون موجودا بالضرورة
فلو قدر ان هذا كامل فكماله ليس من نفسه بل من اخر وهلم جرا للزم ان لا يكون لشىء من هذه الامور كمال ولو قدر ان الاول كامل لزم الجمع بين النقيضين واذا كان كماله بنفسه لا يتوقف على غيره كان الكمال له واجبا بنفسه وامتنع تخلف شىء من الكمال الممكن عنه بل ما جاز له من الكمال وجب له كما اقر بذلك الجمهور من اهل الفقه والحديث والتصوف والكلام والفلسفة وغيرهم بل هذا ثابت فى مفعولاته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وكان ممتنعا بنفسه او ممتنعا لغيره لما ثم الا موجود واجب اما بنفسه واما بغيره او معدوم اما لنفسه واما لغيره والممكن إن حصل مقضيه التام وجب بغيره والا كان ممتنعا لغيره والممكن بنفسه اما واجب لغيره واما ممتنع لغيره
وقد بين الله سبحانه انه احق بالكمال من غيره وان غيره لا يساويه فى الكمال فى مثل قوله تعالى ( افمن يخلق كمن لا يخلق أفلاتذكرون ( وقد بين ان الخلق صفة كمال وان الذى يخلق افضل من الذى لا يخلق وان من عدل هذا بهذا فقد ظلم وقال تعالى ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شىء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون ( فبين ان كونه مملوكان عاجزا صفة نقص وان القدرة والملك والاحسان صفة كمال وانه ليس هذا مثل هذا وهذا لله و ( ذاك ( لما يعبد من دونه
وقال تعالى ( وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شىء وهو كل على مولاه اينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ( وهذا مثل اخر فالاول مثل العاجز عن الكلام وعن الفعل الذى لا يقدر على شىء والاخر المتكلم الامر بالعدل الذى هو على صراط مستقيم فهو عادل فى امره مستقيم فى فعله
فبين ان التفضيل بالكلام المتضمن للعدل والعمل المستقيم فان مجرد الكلام والعمل قد يكون محمودا وقد يكون مذموما فالمحمود هو الذى يستحق صاحبه الحمد فلا يستوى هذا والعاجز عن الكلام والفعل
وقال تعالى ( ضرب لكم مثلا من انفسكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم انفسكم كذلك نفصل الايات لقوم يعقلون (
يقول تعالى اذا كنتم انتم لا ترضون بأن المملوك يشارك مالكه لما فى ذلك من النقص والظلم فكيف ترضون ذلك لى وانا أحق بالكمال والغنى منكم وهذا يبين انه تعالى احق بكل كمال من كل احد وهذا كقوله ( واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون ام يدسه فى التراب الا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون ( حيث كانوا يقولون الملائكة بنات الله وهم يكرهون ان يكون لأحدهم بنت فيعدون هذا نقصا وعيبا
والرب تعالى احق بتنزيهه عن كل عيب ونقص منكم فان له ( المثل الاعلى ( فكل كمال ثبت للمخلوق فالخالق احق بثبوته منه اذا كان مجردا عن النقص وكل ما ينزه عنه المخلوق من نقص وعيب فالخالق اولى بتنزيهه عنه
وقال تعالى ( هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( وهذا يبين ان العالم اكمل ممن لا يعلم وقال تعالى ( وما يستوى الاعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور ( فبين ان البصير اكمل والنور اكمل والظل اكمل وحينئذ فالمتصف به اولى ( ولله المثل الاعلى (
وقال تعالى ( واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الم يروا انه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين ( فدل ذلك على ان عدم التكلم والهداية نقص وان الذى يتكلم ويهدى اكمل ممن لا يتكلم ولا يهدى والرب احق بالكمال
وقال تعالى ( قل هل من شركائكم من يهدى الى الحق قل الله يهدى للحق أفمن يهدى الى الحق احق ان يتبع أم من لا يهدى الى ان يهدى فمالكم كيف تحكمون ( فبين سبحانه بما هو مستقر فى الفطر ان الذى يهدى الى الحق احق بالاتباع ممن لا يهتدى الا ان يهديه غيره فلزم ان يكون الهادى بنفسه هو الكامل دون الذى لا يهتدى الا بغيره
واذا كان لابد من وجود الهادى لغير المهتدى بنفسه فهو الاكمل وقال تعالى فى الاية الاخرى ( افلا يرون ان لا يرجع اليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ( فدل على ان الذى يرجع اليه القول ويملك الضر والنفع اكمل منه
وقال ابراهيم لابيه ( يا ابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا ( فدل على ان السميع البصير الغنى اكمل وان المعبود يجب ان يكون كذلك
ومثل هذا فى القرآن متعدد من وصف الاصنام بسلب ( صفات الكمال ( كعدم التكلم والفعل وعدم الحياة ونحو ذلك مما يبين ان المتصف بذلك منتقص معيب كسائر الجمادات وان هذه الصفات لا تسلب الا عن ناقص معيب واما ( رب الخلق ( الذى هو اكمل من كل موجود فهو احق الموجودات بصفات الكمال وانه لا يستوى المتصف بصفات الكمال والذى لا يتصف بها وهو يذكر ان الجمادات فى العادة لا تقبل الاتصاف بهذه الصفات
فمن جعل الواجب الوجود لا يقبل الاتصاف فقد جعله من جنس الاصنام الجامدة التى عابها الله تعالى وعاب عابديها
ولهذا كانت ( القرامطة الباطنية ( من اعظم الناس شركا وعبادة لغير الله اذ كانوا لا يعتقدون فى الههم انه يسمع او يبصر او يغنى عنهم شيئا
والله سبحانه لم يذكر هذه النصوص لمجرد تقرير صفات الكمال له بل ذكرها لبيان انه المستحق للعبادة دون ما سواه فأفاد ( الاصلين ( اللذين بهما يتم التوحيد وهما اثبات صفات الكمال ردا على اهل التعطيل وبيان انه المستحق للعبادة لا اله الا هو ردا على المشركين )
والشرك فى العالم اكثر من التعطيل ولا يلزم من اثبات ( التوحيد ( المنافى للاشراك ابطال قول اهل التعطيل ولا يلزم من مجرد الاثبات المبطل لقول المعطلة الرد على المشركين الا ببيان اخر
والقرآن يذكر فيه الرد على المعطلة تارة كالرد على فرعون وامثاله ويذكر فيه الرد على المشركين وهذا اكثر لان القرآن شفاء لما فى الصدور ومرض الاشراك اكثر فى الناس من مرض التعطيل وايضا فان الله سبحانه اخبر ان له الحمد وانه حميد مجيد وان له الحمد فى الاولى والاخرة وله الحكم ونحو ذلك من انواع المحامد
و ( الحمد نوعان ( حمد على احسانه الى عباده وهو من الشكر وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله وهذا الحمد لا يكون الا على ما هو فى نفسه مستحق للحمد وانما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال وهى امور وجودية فان الامور العدمية المحضة لا حمد فيها ولا خير ولا كمال
ومعلوم ان كل ما يحمد فانما يحمد على ماله من صفات الكمال فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق والذى منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد فثبت انه المستحق للمحامد الكاملة وهو احق من كل محمود بالحمد والكمال من كل كامل وهو المطلوب "
Bookmarks