النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شبهة " التردي من رؤوس شواهق الجبال"

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي شبهة " التردي من رؤوس شواهق الجبال"

    عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال اقرأ فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق - حتى بلغ - علم الإنسان ما لم يعلم } ) . فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال ( زملوني زملوني ) . فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال ( يا خديجة ما لي ) .

    وأخبرها الخبر وقال ( قد خشيت على نفسي ) . فقالت له كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد ابن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة أي ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال ورقة ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره النبي صلى الله عليه و سلم ما رأى فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل على موسى ياليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أو مخرجي هم ) .

    فقال ورقة نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه و سلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا . فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك

    قال الحافظ أحمد حجر « إن القائل (فيما بلغنا) هو الزهرى وعنه حكى البخارى هذا البلاغ، وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الكرمانى: وهذا هو الظاهر» (فتح الباري12/359).
    هذا هو الصواب وحاش أن يقدم رسول الله وهو إمام المؤمنين على الانتحار أو حتى على مجرد التفكير فيه.
    وعليه فهذا الخبر مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف، وخاصة مرسل الزهري؛ لكونه من صغار التابعين، ولغير ذلك.


    فهذا البلاغ ورد مطلقا غير موصول. ولم يصرح به بالتلقي عن عروة عن صحابي كما في أول سند هذا الحديث.

    ومعلوم أن التابعي إذا لم يصرح باسم الصحابي في الرواية تكون الرواية منقطعة فكيف إذا وردت هكذا مطلقة من دون أي تصريح بأي راو؟"


    "قال يحيى القطان : ( مرسل الزهري شر من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ ، وكلما يقدر أن يسمي سمى ؛ وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه ! ) انظر ( شرح علل الترمذي ) لابن رجب 1 / 284 فإذا كان هذا حال المرسل ؛ فكيف يكون حال البلاغ ؟

    - رواية ابن مردوية التي ذكرها الحافظ في ( فتح الباري ) 12 / 359 - 360 ، وأنها من طريق محمد بن كثير ، عن معمر بإسقاط قوله : ( فيما بلغنا ) فتصير الرواية كلها من الحديث الأصلي ؛

    والجواب:
    - هذه الرواية ضعيفة أيضاً لا يحتج بها ؛ لأن محمد بن كثير هذا هو المصيصي ، وهو كثير الغلط كما في ( التقريب ) 6291
    - رواية ابن عباس رضي الله عنهما عند الطبري في ( التاريخ ) 2 / 300 - 302 ، والتي ذكرها ابن حجر في ( الفتح ) 12 / 361 ؛ فإنها واهية جداً بل موضوعة ، فالحمل فيها على محمد بن حميد الرازي ، وهو متهم بالكذب بل كذبه صراحة أبوزرعة الرازي ، وهو أعرف به من غيره فلا قيمة لروايته أصلاً .

    - كما أن هذا ليس من المتن. هذه الزيادة ليست مسندة، وإنما علقها البخاري من قول الزهري، وغالب روايته عن تابعين. ومن المتفق عليه أن مرسل الزهري ضعيف لأنه يرسل عن متروكين.

    - أخرج البخاري هذا الحديث في عدة مواضع بدون هذه الزيادة. فكأنه أشار إلى بطلانها. ثم إنها ليست من الحديث، وإنما معلقة. وليست كل المعلقات صحيحة.

    هذا هو الصواب ، وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام المؤمنين ـ على الانتحار ، أو حتى على مجرد التفكير فيه.
    وعلى كلٍ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بشراً من البشر ولم يكن ملكاً ولا مدعيًا للألوهية.

    والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم يعتنى بها ، وقد قال القرآن الكريم فى ذلك : ( قل سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولاً )
    ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - فى علوم عصرنابالضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليه ؛ لأنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم.
    وحين فتر (تأخر) الوحى بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى المكان الذى كان ينزل عليه الوحى فيه يستشرف لقاء جبريل ، فهو محبّ للمكان الذى جمع بينه وبين حبيبه بشىء من بعض السكن والطمأنينة " المفصل في شرح آية لا إكراه في الدين- علي الشحود

    قال الالباني في الضعيفة 1052
    " ضعيف .
    رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 1/1/130 ـ 131 ) : أخبرنا محمد بن عمر ; قال :
    حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي موسى عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف عن
    ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الوحي .. إلخ .

    قلت : و هذا سند واه جدا ، محمد بن عمر هو الواقدي و هو متهم بالكذب على علمه
    بالمغازي و السير ، و شيخه إبراهيم بن محمد بن أبي موسى لم أعرفه ، و لكني
    أظن أن جده أبي موسى محرف من أبي يحيى ، فإن كان كذلك فهو معروف و لكن بالكذب ،
    و هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق المدني ، كذبه جماعة .
    و يرجح أنه هو ; كونه من هذه الطبقة و كون الواقدي الراوي عنه أسلميا مدنيا
    أيضا ، و قد قال النسائي في آخر كتابه " الضعفاء و المتروكون " ( ص 57 ) :
    " و الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة :
    1 - ابن أبي يحيى بالمدينة .
    2 - و الواقدي ببغداد .
    3 - و مقاتل بن سليمان بخراسان .
    4 - و محمد بن سعيد بالشام ، يعرف بالمصلوب .
    فهذا الإسناد من أسقط إسناد في الدنيا ، و لكن قد جاء الحديث من طريق أخرى من
    حديث عائشة في صحيح البخاري و غيره ، بيد أن له علة خفية ، فلابد من بيانها
    فأخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( رقم 22 ـ ترتيب الفارسي ) من طريق ابن
    أبي السري :
    حدثنا عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن الزهري : أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة
    قالت : أول ما بدىء برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة
    يراها في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب له الخلاء ،
    فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ... حتى فجأة الحق و هو في غار حراء ، فجاءه الملك
    فيه فقال : اقرأ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت : ما أنا بقارىء
    ... الحديث إلى قوله : قال ( يعني ورقة ) : نعم لم يأت أحد قط بما جئت به إلا
    عودي ، و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم ينشب ورقة أن توفي و فتر
    الوحي فترة ، و زاد : حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا
    لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال ، فلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها تبدى
    له جبريل ، فقال له جبريل ، فقال له : يا محمد ! إنك رسول الله حقا ، فيسكن
    لذلك جأشه و تقر نفسه فيرجع ، فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا
    أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل ، فيقول له مثل ذلك .
    و ابن أبي السري هو محمد بن المتوكل و هو ضعيف حتى اتهمه بعضهم ، و قد خولف في
    إسناده فقال الإمام أحمد في " مسنده " ( 6/232 ـ 233 ) : حدثنا عبد الرزاق به .
    إلا أنه قال :
    حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا خزنا غدا منه .. إلخ ، فزاد
    هنا في قصة التردي قوله :
    " فيما بلغنا " .
    و هكذا أخرجه البخاري في أول " التعبير " من " صحيحه " ( 12/311 ـ 317 ) من
    طريق عبد الله بن محمد و هو أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الرزاق به بهذه
    الزيادة ، و أخرجه مسلم ( 1/97 ـ 98 ) من طريق محمد بن رافع : حدثنا عبد الرزاق
    به ، إلا أنه لم يسق لفظه ، و إنما أحال فيه على لفظ قبله من رواية يونس عن ابن
    شهاب ، و ليس فيه عنده قصة التردي مطلقا ، و هذه الرواية عند البخاري أيضا في
    " التفسير " ( 8/549 ـ 554 ) ليس فيها القصة ، فعزو الحافظ ابن كثير في تفسيره
    الحديث بهذه الزيادة للشيخين فيه نظر بين ، نعم قد جاءت القصة في الرواية
    المذكورة عند أبي عوانة في " مستخرجه " ( 1/110 ـ 111 ) : حدثنا يونس بن
    عبد الأعلى قال : أنبأنا ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد به ، و فيه قوله :
    " فيما بلغنا " ، فهذه الرواية مثل رواية أحمد و ابن أبي شيبة عن عبد الرزاق
    تؤكد أن إسقاط ابن أبي السري من الحديث قوله : " فيما بلغنا " خطأ منه ترتب
    عليه أن اندرجت القصة في رواية الزهري عن عائشة ، فصارت بذلك موصولة ، و هي في
    حقيقة الأمر معضلة ، لأنها من بلاغات الزهري ، فلا تصح شاهدا لحديث الترجمة
    المذكورة أعلاه ، قال الحافظ ابن حجر بعد أن بين أن هذه الزيادة خاصة برواية
    معمر ، و فاته أنها في رواية يونس بن يزيد أيضا عند أبي عوانة ، قال :
    ثم إن القائل : " فيما بلغنا " هو الزهري ، و معنى الكلام أن في جملة ما وصل
    إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة ، و هو من بلاغات
    الزهري ، و ليس موصولا ، و قال الكرماني : هذا هو الظاهر و يحتمل أن يكون بلغه
    بالإسناد المذكور ، و وقع عند ابن مردويه في " التفسير " من طريق محمد بن كثير
    عن معمر بإسقاط قوله : " فيما بلغنا " ، و لفظه " فترة حزن النبي صلى الله عليه
    وسلم منها حزنا غدا منه " إلخ ، فصار كله مدرجا على رواية الزهري و عن عروة عن
    عائشة ، و الأول هو المعتمد .

    و أشار إلى كلام الحافظ هذا الشيخ القسطلاني في شرحه على البخاري في " التفسير
    " و اعتمده ، و محمد بن كثير هذا هو الصنعاني المصيصي قال الحافظ في " التقريب
    " : صدوق كثير الغلط .
    و أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال : ضعفه أحمد .
    قلت : فمثله لا يحتج به ، إذا لم يخالف ، فكيف مع المخالفة ، فكيف و من خالفهم
    ثقتان عبد الرزاق و يونس بن يزيد ، و معهما زيادة ؟ !
    و خلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف لا يصح لا عن ابن عباس و لا عن عائشة ،
    و لذلك نبهت في تعليقي على كتابي " مختصر صحيح البخاري " ( 1/5 ) على أن بلاغ
    الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغتر أحد من القراء بصحته لكونه في "
    الصحيح "

    وقال في الدفاع عن الحديث النبوي " قلت : ونستنتج مما سبق أن لهذه الزيادة علتين :
    الأولى : تفرد معمر بها دون يونس وعقيل فهي شاذة
    الأخرى : أنها مرسلة معضلة فإن القائل : ( فيما بلغنا ) إنما هو الزهري كما هو ظاهر من السياق وبذلك جزم الحافظ في ( الفتح ) ( 12 / 302 ) وقال : ( وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا )


    لو سُلّم بصحة الحديث فقد

    قال حافظ في الفتح "قال الإسماعيلي: موه بعض الطاعنين على المحدثين فقال كيف يجوز للنبي أن يرتاب في نبوته حتى يرجع إلى ورقة ويشكو لخديجة ما يخشاه، وحتى يوفى بذروة جبل ليلقي منها نفسه على ما جاء في رواية معمر؟ قال: ولئن جاز أن يرتاب مع معاينة النازل عليه من ربه فكيف ينكر على من ارتاب فيما جاءه به مع عدم المعاينة؟

    قال: والجواب أن عادة الله جرت بأن الأمر الجليل إذا قضى بإيصاله إلى الخلق أن يقدمه ترشيح وتأسيس، فكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك، فلما فجئه الملك فجئة بغتة أمر خالف العادة والمألوف فنفر طبعه البشرى منه وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه وينفر طبعه منه حتى إذا تدرج عليه وألفه استمر عليه، فلذلك رجع إلى أهله التي ألف تأنيسها له فأعلمها بما وقع له فهونت عليه خشيته بما عرفته من أخلاقه الكريمة وطريقته الحسنة، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة لمعرفتها بصدقه ومعرفته وقراءته الكتب القديمة، فلما سمع كلامه أيقن بالحق واعترف به، ثم كان من مقدمات تأسيس النبوة فترة الوحي ليتدرج فيه ويمرن عليه، فشق عليه فتوره إذ لم يكن خوطب عن الله بعد أنك رسول من الله ومبعوث إلى عباده، فأشفق أن يكون ذلك أمر بدئ به ثم لم يرد استفهامه فحزن لذلك، حتى تدرج على احتمال أعباء النبوة والصبر على ثقل ما يرد عليه فتح الله له من أمره بما فتح قال: ومثال ما وقع له في أول ما خوطب ولم يتحقق الحال على جليتها مثل رجل سمع آخر يقول: "الحمد لله " فلم يتحقق أنه يقرأ حتى إذا وصلها بما بعدها من الآيات تحقق أنه يقرأ، وكذا لو سمع قائلا يقول: "خلت الديار" لم يتحقق أنه ينشد شعرا حتى يقول: "محلها ومقامها" انتهى ملخصا.


    ثم أشار إلى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة أن يكون سببا في انتشار خبره في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي إليه، وطريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا على محله، قال: وأما إرادته إلقاء نفسه من رءوس الجبال بعدما نبئ فلضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوة، وخوفا مما يحصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعا، كما يطلب الرجل الراحة من غم يناله في العاجل بما يكون فيه زواله عنه ولو أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلا، حتى إذا تفكر فيما فيه صبره على ذلك من العقبى المحمودة صبر واستقرت نفسه. قلت: أما الإرادة المذكورة في الزيادة الأولى ففي صريح الخبر أنها كانت حزنا على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة وأما الإرادة الثانية، بعد أن تبدى له جبريل وقال له إنك رسول الله حقا فيحتمل ما قاله، والذي يظهر لي أنه بمعنى الذي قبله، وأما المعنى الذي ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجيء جبريل، ويمكن أن يؤخذ مما أخرجه الطبري من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب فذكر نحو حديث الباب وفيه: "فقال لي يا محمد أنت رسول الله حقا قال فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل " أي من علوه."

    من الذي منع محمداً من تحقيق هذه المحاولة ؟ولماذا لم يفعل؟
    إن العصمة متحققة في هذه الحالة ، ووجه ذلك أن الله سبحانه وتعالى صرف عنه هذا السوء ...


    قلت وقد قال الله عن يوسف صلى الله عليه " كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)" يوسف

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "دقائق التفسير": (3 / 272-273): "الهم: اسم جنس تحته نوعان، كما قال الإمام أحمد: الهم همان: هم خطرات، وهم إصرار. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه، وإذا تركها لله كتبت له حسنة... ويوسف هم هما تركه لله، لذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه... وأما ما ينقل من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة، وأنه رأى صورة يعقوب عاضا على يده، وأمثال ذلك، فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله، وما لم يكن كذلك فهو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبا على الأنبياء وقدحا فيهم، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله. لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفا واحدا"

    قال القرطبي " والسوء الشهوة، والفحشاء المباشرة.
    وقيل: السوء الثناء القبيح، والفحشاء الزنى.
    وقيل: السوء خيانة صاحبه، والفحشاء ركوب الفاحشة.
    وقيل: السوء عقوبة الملك العزيز.
    قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " المخلصين " بكسر اللام، وتأويلها الذين أخلصوا طاعة الله."


    وقرأ الباقون بفتح اللام، وتأويلها: الذين أخلصهم الله لرسالته، وقد كان يوسف صلى الله عليه وسلم بهاتين الصفتين، لأنه كان مخلصا في طاعة الله تعالى، مستخلصا لرسالة الله تعالى."

    قال السعدي " وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه."

    قال ابو بكر الجزائري " هكذا نصرف عن يوسف السوء فلا يفعله والفحشاء فلا يقربها ، وعلل لذلك بقوله إنه من عبادنا المخلصين أي الذين استخلصناهم لعبادتنا ومحبتنا فلا نرضى لهم أن يتلوثوا بآثار الذنوب والمعاصي"

    قلت ومن تأمل بعثة الانبياء وابتلاء الله لهم في دعوتهم الخالصة له جل في علاه علم حفظه لمن اصطفى لعباده فمن تأمل ابراهيم صلوات الله عليه وفتنته مع أبيه وقومه وموسى وفرعون ومحمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم صلوات الله عليهم وما وقع منهم من امور دالة على الفطرة البشرية , كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح " فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح

    فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم

    فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرهن أبو حيان في الحديث نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى

    فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ابن مريم

    فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله قط ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد ..."


    فالسوء والفحشاء مصروف عن الانبياء , اذ كيف يقبل دعوة رجل الى الطهر والعفاف وتوحيد الله وهو مخالف في ذلك وقد تلبس بالرذائل ؟
    فكيف يقبل منه بل حري لمن دعاه ان يقول له ابدا بنفسك فنهها عن غيها فان انتهت فانت حكيم لا تنه عن خلق وتأت مثله عار عليك اذا فعلت عظيم

    فتعالى الله عن ذلك وملائكته وانبياؤه صلوات الله عليهم اجمعين
    التعديل الأخير تم 09-29-2013 الساعة 09:33 AM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    1,842
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جواب جامع و ان كان الرأي ان الامام البخاري و ان كان أعلم الناس بالعلل و بما في مراسيل الزهري و بلاغات الواقدي و عنعنات ابن اسحاق و أمثالهم الا أنه كان من أفضل الخبراء ممن يحسن أن يفرق بين مناهج اهل السير و المغازي و بين مناهج المحدثين المتشددة , و ما أورده تعليقا الا لان كتابه أصلا مخصص لأحاديث الأحكام العلمية و العملية الكبرى و اصول الاسلام فلا يصح دخول هذا الخبر في صلب كتابه اذ لا يستنبط منه أصل من الأصول و لا هو على شرطه الشديد فيها , و ان كان لاينفي ان يكون للخبر صحة عند البخاري في غير شرطه كما هو معروف من سيرته في التعاليق كرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده التي قامت عليها حروب طاحنة بين المحدثين في اتصالها و تحديد موقف البخاري منها و خلافهم في اشتراطه ثبوت السماع

    و لهذا ربما كان الاقتصاد في استيعاب البخاري للصحيح ربما قول من قال من خبراء الحديث ان كل حديث ينشئ اصلا من الأصول و لم يورده البخاري الا و له علة قادحة تمنع من الاحتجاج به و ان كان يرى صحته خارج الصحيح على غير نهج المحدثين اذ رأيه من رأي الامام احمد و غيره من كبار المختصين و الله أعلم أن نهج المحدثين انما يربط بالاصول العملية و العلمية الكبرى للاسلام المحددة للمصالح و المفاسد المنظمة للحلال و الحرام و الشاملة نفعها و دفعها تكرارا يوميا لأغلب المسلمين ...

    اما غيرها من الحوادث و الأخبار و الفتن والملاحم و التفسير و المغازي فلا ...لكون الحاجة اليها اقل و خطرها اقل و بالتالي منطقيا بديهي ان لا تأتي في العملية الطبيعية للنقل بنفس القوة و لا ان تكون لها دعامات و اصول نقلية قوية كالأولى - و هذا مما بين الشيخ الكوثري رحمه الله جنايات بعض المحدثين الشافعية من المتكلمين المتأخرين على نهج الحنفية فيه مع أنه من صلب نهج المحدثين الأوائل- و هذا المهيع هو من الأصول العقلانية المهمة لعلم المصطلح الحديثي القديم و من اصول علم العلل عندهم المبين لعظمة فقههم في المواءمة بين علوم العقل و النقل و تكوين نظرية المعرفة في المرويات الشفهية,و بمثله يستضاء في هذا الحديث الذي يسلم فعلا ان البخاري لا يرى صحته على الموجه المرضي في ابواب الأصول و الحلال و الحرام و لكن لا ينفي اعتقاده لنوع صحة اصله بل و الاحتجاج به في غير الحلال و الحرام و اصول الاسلام , و الا فايراده من البخاري على ما عرف من سيرته اشارة منه الا وجود أصل له بل و الاحتجاج بنوع من العلم فيه , و هذا في نظري هو الصواب اذ هذا الحديث حجة على اهل الكفر و الالحاد من حيث ظنوا انه حجة لهم

    فما في الخبر هو أدل دليل على واقعية هذه الملحمة النبوية , و على واقعية علوم النقل عند المسلمين , اذ كما اورد الامام المتقن الاسماعيلي -و هو من القلة التي جمعت الجلالة في الفقه و الحديث- بفهمه القوي الذي عرف عن أهل جرجان من محدثين وفقهاء و لغويين , و كلامه هنا انما كان يدور حول تبسيط مراد البخاري من ايراده في التعليق لما عرف عن شيخ الاسلام الاسماعيلي من تحريه لفقه الامام البخاري و طريقته في الاجتهاد حتى عابه البعض لذلك, و خلاصة طريقته في هذا الحديث ضرب عصافير عدة بحجر واحد :

    اولها : تحقيق معنى العصمة و ان لا عاصم لأحد و لا عصمة الا لله و لا يخلو احد من النقص و الفقر البشري حتى الأنبياء أنفسهم الذين لا يبلغ أحد مبلغهم من الكمال ... فيسد الباب تماما على عباد البشر من الملحدين الذي يعرضون عن العبادة عن الله و اعتقاد الكمال فيه فما يلبثون ضرورة حتى يعتقدون وعيا او لا وعيا بكمال غيره ممن هو ادنى منه من البشر مفكرين او دولا او انظمة او فكرا او حجرا او كواكبا او ظواهر طبيعية او حتى انانية معتقدة لكمالها ....

    ثانيها :تحقيق قول الله سبحانه ان براهينه و ادلته هي كما انها سكينة و شفاء لصدور المؤمنين فانها فتنة و مضلة للكافرين الملحدين الذين استبطنوا في انفسهم رغبة اعلان موت الاله فما من دليل واضح الا و كان فتنة لهم تزيدهم في عمايتهم لعبادة انفسهم و اتخاذ بعضهم بعضا اربابا من دون الله , بينما من آمن بضعف نفسه و صدق في البحث عن اخضاع نفسه و تزكيته بذلك الخضوع لتحقيق حريتها من كل نفس مغرورة ظالمة جاهلة مثلها فانه يرزق من حيث لا يدري فهما يرى في مثل هذه البراهين و الحجج حجة تجعله فوق الملحد بها و اقوى منه لكون اكثر تحررا من عمايات نفسه منه مادام متنبها الى مكمن الداء من نفسه و ملزما لها بالخضوع و ملتزما بكسرها كلما افلتت منه و اغترت , فما ان يرى كيف ان النبي صلى الله عليه و سلم الأقرب الى العيان و كيف تغلب على طبع نفسه باليقين و الصبر و كيف فعلها يوسف عليه السلام و غلبها بالصبر و اليقين و كيف غلبها ابراهيم عليه السلام و داوود اذ أناب , و انهم لم يسلموا من هذه النوازع البشرية الخفية المظلمة و تطهروا تطهيرا...الا و تعلم ان لا يقنط من الأمل في تجاوز نفسه و لا يامن لشرورها...اذ لا ييأس من روح الله و لا يامن مكره الا القوم الملحدون الكافرون الذين قلنا ان مثل هذه الأدلة تنزل على رؤوسهم فتنة و مكرا و استدراجا الا من صدق منهم و قليل ما هم..

    ثالتها : الدلالة على المنهج النبوي في العلم اذ الحديث اورده في اصول نظرية المعرفة في الاسلام و بيانها و كيف ان العلاقة بين العقل و النقل و الوحي و الرأي تبتدئ دائما باشكالية الشك و انها ليس فقط علاقة عقلية برهانية كما يقول غلاة الوضعيين المغترين بما اوتوا من العلم قديما و حديثا و انما هي كما يقول اهل الابستمولوجيا الحديثة بعد صراع كبير بين التجريبيين و البرهانيين و الداروينيين و المثاليين و الاجتماعيين ان "أن الحياة هي كلها تجربة عملية تفاعليه لاكتساب المعرفة تدخل فيها القدرات المعرفية الانسانية كلها" كما يقول فلاسفة العلوم و السلوك المتأخرين ككارل بوبر و كونراد لورنتس..لهذا كان الامام البخاري هنا دقيقا و يبدو لي انه كان يرد هنا على السجالات المشهورة بين الوضعيين من المعتزلة و سلفهم من الجبرية الطبيعيين من الجهمية الذين كانوا يجعلون للعقل فقط العصمة و يجعلون اليقين العقلي المرجعية المطلقة العاصمة من الزلل و يجعلون الشك او النظر الواجب الاول بينما هنا الامام البخاري يرد من سيرة النبي صلى الله عليه و سلم في اول تجربة للمعرفة التي سيؤسسها الاسلام ان نفس المعاينة الحواسية التي تؤسس للمرجعية العقلية و منها يستقي العقل مادته اليقينية هي ايضا معرضة لغول الشك و النقض و ان هذه النظرة هي مثالية تنقص من حرية الفكر الحقيقية التي ينشدها الاسلام بجعل شيء ناقص كما لو انه كامل و مرجعية تامة

    و بالتالي تأليهه تأليها خفيا و لهذا ما تم للنبي صلى الله عليه و سلم و لغيره من الأنبياء تجاوز هذه الاشكالية الا باخضاع جميع قدراتهم المعرفية اخضاعا يعترف بنقصها كلها بما فيها العقل او الحدس او الكشف او ما كان مخلوقا ظاهرا و باطنا-وعيا او لا وعيا بتعبيرنا الحديث- لمن هو اعلى منها و لهذا كان اول واجب عندهم هو هذا الخضوع الضامن للحرية و كان اول واجب هو شهادة لا اله الا الله التي ثبت تواترا لا يغفل عنه مثل هذا الامام الألمعي البخاري انها فقط ما كان يطلبه النبي صلى الله عليه وسلم من كل من أراد دخول الاسلام كونها الشعار الأول للتحرر من اي مرجعية بشرية يمكن ان تستعبد و تستغل الفكر الفردي و الجماعي....


    رابعها : دلالة الامام البخاري (ذلك ان كتاب العلم عنده مسبوق بكتاب بدء الوحي و كتاب الايمان الذين هما اول كتابين في الصحيح اشارة الى أنهما المرحلتين التأسيسيتن لنظرية المعرفة الاسلامية..مرحلة الاتصال و مرحلة الخضوع و الايمان الذي يجمع معنى الامانة و الصدق في طلب الدليل و الوسطية توازنا بين النقل و العقل و الغيب و المادة او الشاهد و لكونها من اصول الاسلام لم يورد فيها هذ الحديث الخداج و أجله الى باب التعبير و ربطه بنفس الحديث المذكور في المرحلة حتى لا يفهم انه يخرج من مرحلة الاستئناس الى مرحلة الاحتجاج و مجرد الاشارة الى ان كل من تعمقوا في نظرية المعرفة و ادبياتها و مسرحياتها و اطروحاتها السيكولوجية قديما و حديثا الا و كان اساسهم في نقض الثقة المطلقة بالعقل او الحدس هو ضرب مثال الأحلام و النوم و معلوم ان الصحيح رتب ليدل على هرم الثقافة الاسلامية في جميع مناحيها ترتيبا عبقريا على حسب ما فقهه البخاري من أهميتها مما ورثه عن كبار ادمغة العلم ممن سبقه و ستجد هذا النفس العميق في البناء على هذا الأساس الوجودي ملغزا و مشفرا في كل تراجم ابواب الصحيح يظهر مرة و يخفو مرة أخرى و هي تراجم عبقرية صيغت في اغلب ظني محاكاة على الترتيب الوقفي للسور القرآنية بشكل جامع لنظرة و فلسفة البخاري العلمية و الاجتماعية و القانونية بشكل دافنشي ما زلنا نفك ألغازه لليوم)

    على اثر هذه البدايات في نظرية المعرفة التي عايشها و اختبرها النبي صلى الله عليه و سلم اثرها في تأسيس النظرية المعرفية التي ستدير و تؤثر على جميع العلوم الاسلامية فيما بعد حتى تخترقها فيروسات العلوم اليونانية و الفارسية و الهندية و الهيلينية و الحرانية و التي سيسري فيها داء الأمم من قبلنا مع تمادي الأمد و طوله و تتجمع كفيروسات سرطانية تنمو مع بحبوحة الدنيا و استئناس خضراء الدمن و حب الدنيا و كراهية الموت و التنافس على الأبهات و المظاهر الى ان تتشكل و تؤسس طواغيت فكرية و علمية و عملية من داخل هذه العلوم التي اتتنا بيضاء نقية جامعة لجوامع الكلم الطيب المؤسس للصحيح الفطري لكافة المجالات ...حتى ستعيد هذه العلوم مرة أخرى نسخة منقحة مزيدة من العلوم القديمة علوم الأوائل الجامدة القليلة الحرية و الكثيرة التقليد و الجدل و الجدال و قلة الابتكار و النفع..و التي يحاول بعثها اليوم غلاة المتكلمين و غلاة المقلدة و الصوفية و الرافضة و و غلاة الحداثيين و الفلاسفة باعادتنا الى طاغوت من هذه الطواغيت و محاولة تأسيسها او تمتينها او المد من اجل صلاحيتها في الوعي المسلم المعاصر و بالتالي تمديد امد امراض و سرطانات الديكتاتورية و الاستبداد فيه التي تجد اثرها من المعاملات اليومية بين الأسرة الواحدة و حتى اعلى المعاملات بين الأحزاب و الفرق و الحكام و الدول....

    خامسها : الدلالة على كون كل ذلك من عند الله اذ لو كان محمد مدعيا لكان في نفسه ممن يخفي ذلك فالعادة انه ان كان هذا الرجل قد اخترع الوحي من عند نفسه لحرص على ان يظهر مظهر الواثق و لا شيء يدعوه للشك او ان يظهر بمظهر الضعيف الحائر الضال و ان يحدث الناس ان الله وجده ضالا فهدى ووجده عائلا فأغنى ...بل من يدعو الى نفسه و يسعى للمجد الى نفسه فانه عادة ما يحرص على ان يظهر بمظهر الواثق بما يقول حتى يتسنى له التلاعب بالعقول كيفما يشاء و هذا المعروف من سير الطغاة و الظلمة و هو الذي جعل من لا يعترف بنبوته ان يعترف بهذا الاشكال اذ سيرة الأنبياء لا تدل على انها نفس سيرة غيرهم من الظلمة و الظغاة الديكتاتوريين الذين لو كان محمد فعلا راعيا يتيما اراد المجد فصنع كل هذا لأخفى هذا كما قالت عائشة و ما كان ليتحدث به و لا ان يظهر بهذا المظهر البشري و يقول للناس انه مثلهم و لا سلطة له عليهم و لا انه عليهم بمسيطر و له مثلهم لا يعلم ما سيفعل به و لا بهم و انه لا حكم له عليهم و انه ليس الا مبلغا عليه البلاغ فقط فما لم يكن من البلاغ فيمكنهم نقده مثل اي واحد منهم و يمكنهم ان يردوا عليه خطأه و انهم اعلم منه في امور دنياهم ما لم يات بلاغ فيها ممن له الحكم على الكل و لا حكم الا له...فهذا الحديث و امثاله و الآيات التي تكلمت عن الضعف البشري في الأنبياء هي من البينات على ان الأنبياء صادقون في دعواهم و انهم لم يريدوا الا الاصلاح ما استطاعوا .

    سادسها : أن النبي صلى الله عليه و سلم على خطى الأنبياء قبله كان علميا بالدرجة الأولى..نعم..بهذا المعنى الاصطلاحي الحديث كان الرسول حتى اخر لحظة في عمره باخطائه البشرية التي صوبت له و بتجربته المعرفية كان ذا طابع علمي واقعي في علاقة الوحي بالانسان او العقل او الحدس او الحواس يضرب مثالا على ان هذه المعرفة هي جدلية في طرفيها اليقين و الشك و الظن...اي ليس كل ما هو نقل فهو يقيني او ظني و لا كل ما هو عقل انساني هو يقيني او ظني..و لهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم سيتذكر كل حياته هذه الدروس في المنهجية العلمية التي نرى المناهج العلمية الحديث توجه شططها للاقتراب منها شيئا فشيا الى ان لا معصوم من الشك الا الله , افي الله شك فاطر السماوات؟؟

    ففي الواقع المعرفي كل نتيجة قابلة للدخول تحت مجهر الشك و النقد و التجريب و المرجعية الالهية المطلقة هي التي تشكل الميزان الذي يحدد نسب الشك و اليقين تراتبيا بحسب القرب منها من جهة و موافقتها للواقع نفعا و عملا من جهة اخرى في صراع و تدافع لا يعترف بالعصمة لأي شيء الا لمن وضحت عصمته بهذه المرجعية: الرد لله و الرسول كل مرة و كل أن دون قنوط من الأمل في الله ان يفتح من الشك بابا جديدا او أمن مكر الله ان يكون بيقين ما في شيخ او جماعة او عالم او مجاهد او نظام او كتاب قد أغويت و جعلت تعبد احدا من دون الله من ابي بكر و عمر و الصحابة مرروا بمالك و احمد و البخاري الى الأشعري فالغزالي فالرازي فابن تيمية الى ديكارت او سقراط او نيوتن الى المبادئ الفلسفية الاولى للفلك و العقول العشرة الى المنطق الأرسطي , الى نظام تقليد المذاهب الأربعة و الى فقه الولاء و البراء و دور الاسلام و الكفر الى كتب التاريخ و القديمة و تفريعاتها الى كتب العقائد النسفية و الحنبلية و الاعتزالية و السلفية الى الكتب الصحاح و علوم المصطلح الى الداروينية الجديدة الى مقالات البنا و تحريرات و تقريرات ادهم الى كلمات أينشتين و فلسفة ستيفن هوكينغ....فلا مرجعية معصومة من الزلل منها الا تلك المرجعية الوحيدة و بحسب اضفاء كل من هؤلاء العصمة على شيء من هذا من المخلوقات الى و يفرط من شيء من حريته و يترك لغيره ان يستعبده و يستغله و يتلاعب بعقله...و لهذا ما انفك النبي صلى الله عليه و سلم يقول اننا أولى بالشك من ابراهيم


    سابعها : الدلالة على هذا المنهج الواقعي العلمي في ما عبر عنه اهل هذه المرحلة من البحث عما تحته عمل , و ربط البحث العلمي بالواقع المعاش الانتاجي ...برفض التقليد و الاطلاقية و اليقينية في الانتاج البشري و البعد عن النظرة الاختزالية في العلوم التي تقسم كل شيء الى خطأ و صحيح و ضعيف و ضحيح و أبيض و اسود يقينا سواء بالتأييد او الابطال و من جهة اخرى البعد عن الواقعية العلمية الى مثالية غيبية ميتافيزيقية قليلة الأدلة و بعيدة عن الواقع الذي هو ميدان النظر و ميدان المباحثة و بالتالي الغرق في التعصبات الطائفية و السياسية و التحزبات المعرفية المذهبية و ادخال العلم الى هذا النفق و معه الدين الذي اسس بهذا المعنى على العلم...فاعلم انه لا اله الا الله.. فان كان هؤلاء الأنبياء و لم يخلو من لحظات الضعف و الوهن الفكري و النفسي و النقص فلا يمكن اخذ كل ما يقولونه الا ببرهان التبليغ بانه من عند الله فكيف بمن بعدهم ؟؟؟

    و لهذا تواتر عن هذا الجيل الرد على الأمر العتيق و التنفير من التقليد , و في نفس الوقت نقد التعالم دون علم متوارث عن كيف تجلت هذه المرجعية العتيقة في الناس في اختلافهم و اجماعهم و ما حددته من ناسخ و منسوخ من حاجاتهم و هما الجانبين الذين يهلكان المعرفة و اتت على هذه النظومة حتى صاغوا لها لفظي السنة و الجماعة كلاهما مانعان من التقليد و من السير المنبت الخارج عن الجماعة..

    ثامنها : الموضوعية العلمية في المجال العلمي و التعليمي و التطبيقي و النقد الذاتي من انكار المنكر و الأمر بالمعروف و التناصح في دياليكتيكية علمية و تعليمية او ما نسميه المراجعات العلمية اذ من أسسها ايراد المعرفة العلمية كما هي في الواقع سواء كانت الأدلة تظهر لك انها لك او عليك و لهذا كان من منهجهم و قواعدهم ان المنتسب الى الاسلام الحق انما يورد ما له و ما عليه حتى لا يكون فهمه هو ان هذا الدليل ضد الاسلام فهما ديكتاتوريا بظنه انه قد وافق حكم الله و قد لايكون وافقه و بهذا يتعلم الصبر على المخالف و عدم الخوف من الحق و بالتالي عدم ادعاء امتلاك الحقيقة

    تاسعها : بمناسبة التدرج بين الشك و اليقين و الضعف و القوة بحسب القدرة الفردية الانسانية كما هي قدرة الأنبياء فما دونهم احدثت نفس التدرجات في الأصول كما في الفروع و مست سائر العلوم ...فكان تنظيم درجات الاصول بحسب افادتها لليقين من كتاب ثم سنة اقل يقينا ثم اجماع اقل يقينا ثم قياس ثم قول الصحابي ثم اجماع اهل المدينة ثم اجماع الجمهور ثم اجماع اهل المدينة و اهل الشام و اهل العراق ثم اجماع اهل فن من الفنون ثم الاستحسان ثم الذرائع ثم المصالح المرسلة الخ الخ...و في الفروع و التطبيقات الفقهية جعلت الأمور الكبرى على ما رتبت عليه القوانين المدنية الحديثة من القواعد الفقهية الكبرى الضامنة للحقوق الكبرى كحق الحياة و الملكية و الحرية الشخصية و هكذا حتى وصلت الى ادنى شعب الايمان ...

    عاشرها : قي منهج البخاري و ان لم تكن الفائدة من صلب الحديث احترام التخصصات و التدرج فيما بينها فيما بحسب قربها من المرجعية المطلقة فما المنهاج الحديثي في الأحكام كمنهج السير و المغازي و لا هذا بنفس القوة و الخصائص كمنهج اصول اللغة و لا هذا كمنهج التاريخ و الدول و التراجم و لا هذا كمنهج العلوم الطبيعية و لا هذا كمنهج الآداب و الفنون و سائر اللهو بعد ذلك...فكلها ان سبرت كلام القدماء وجدتها متدرجة تسامحا و حزما و حرية و تقنينا بحسب درجاتها فكان هذا الوعي دافعا لحسن تطور العلوم الاسلامية و العقل الاسلامي و سلامته من الجمود و الانفلات و الفوضى لمدد طويلة قبل ان يسقط شان كل موجود يرتفع...

    ما زال في الحديث الكثير من الفوائد ان وضع في سياقه لكن ثمة أمر لا أفهمه....هذه المواضيع حقها ان توضع في قسم الدفاع عن الاسلام و لا ادري لماذا توضع في قسم العقيدة و التوحيد مع ان نفعها يتعدى بل يشمل غير المسلمين اكثر من المسلمين احيانا...فلو نقل الى مثل هذا القسم لكان حسنا
    التعديل الأخير تم 09-29-2013 الساعة 09:30 AM

    " المعرفة الحقة هي الوصول الى التعرف على الذكاء الذي يتحكم في كل شيء...من خلال كل شيء " هرقليطس.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. فضيـحة مدوية لأحد رؤوس القاديانية " البينــــــة " علامة غرفهم الصوتية
    بواسطة اخت مسلمة في المنتدى قسم الحوار عن القاديانية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-04-2012, 01:28 AM
  2. سؤال حول آية "و الجبال اوتادا"
    بواسطة الحمد لله في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-25-2006, 03:02 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء