أنت تتحدث عن العلم و التقدم العلمي و كأنه أوصلهم إلى شيء, لكن الحقيقة و الواقع غير ما يتبادر إلى ذهنك تماما و الكلام عن الكنيسة و الدين المسيحي بتلك الطريقة يشبه كلام العلمانيين المعاديين للدين, لكن الحقيقة مرة أخرى غير ذلك, و أنا لا أدافع هنا عن الدين المسيحي لكن أفرق بين الدين و التدين, و أفرق بين المتدينين و رجال الدين بالمعنى المعروف في الأدبيات العلمانية لرجال الدين, يكفيك أن تعلم أن أب "علم الوراثة" كان عالما و رجل دين, أي كان قسيس, كما أن العقل الذي يقف وراء نظرية الانفجار الكبير هو فيزيائي بلجيكي و كان أيضا قسيسا. إن انتقاد العلمانية لموقف حكم كنائسي من فلسفات علمية كشكل الأرض, حركتها .. وراءها حقيقة أخرى هي أن هؤلاء الجهلاء الغافلين يعتقدون بوجود تعارض و تنافر بين التفكير العلمي أو العلم و الايمان بالله أو الدين, و هذه ليست حقيقة, بل إن العلماء الكبار مؤمنين و إن لم يكونوا متدينين أو العكس, و حتى من لم يتوقف قراره على شيء تراه ينظر إلى الوجود بغية الحقيقة و قد تابعت مرة حوارا تلفزيونيا مع فيزيائي أمريكي يُقال عنه أنه ملحد و لكن بعد أن استمعت اليه لم أرى فيه أي شيء يفيد الإلحاد, بل كلامه كله يوضح أنه رجل يبحث بالنظر العلمي عن الحقيقة و أنه ما زال يبحث عنها, و هذا الانسان يُنسب عدوانا و ظلما إلى الكفر بالله و الدين!!
يعني يا أخي, سأقول لك إن معاداة الكنيسة لبعض النظريات العلمية ليس راجع الى مشكلة أو معضلة في الدين, فالدين المسيحي و إن جهلنا مصادر كتبه و صحتها أو التمييز بين كل سقيم و صحيح فيها, إلا أنها تبقى ديانة تعترف بالحقائق الكبرى: الله - النبوة/الوحي - اليوم الآخر. موقفهم من بعض الفلسفات العلمية كانوا يعتقدون أنها تعارض التفسير الانجيلوتوراتي راجع إما الى فهمهم المعوج للنصوص أو أن النصوص الدينية اختلط فيها الحق بالباطل لذلك لا حاجة لتصديقهم و لا لتكذيبهم, و إنما نقول لهم نؤمن بما أُنزل إلينا و أنزل إليكم و الهنا و الهكم واحد و نحن له مسلمون ... ثم هناك سبب آخر و هو الأهم و لكن العلمانيون يخرفون و يستهزئون بأنفسهم عندما خلطوا بين معادات العلم و معادات الفلسفات الطبيعية على أساس النتائج العلمية .. هناك فرق كبير, لكن اللادينيون يتعمدون بخرافاتهم عدم التمييز هذا, يعني من كان يعادي حرية المرأة لتفعل ما تشاء بجسدها و كما تريد يعادي الفكر العلمي, على سبيل المثال. هناك شيء اسمه استغلال ايديولوجي للعلم و يجب أن تبحث في هذا الأمر جيدا و أكبر ما فعلته محاكم التفتيش الكنائسية فعلته محاكم التفتيش الشيوعية بالعلماء و بالعلم عندما حاولوا ما من مرة اسقاط خزعبلات علمية على اساس النتائج العلمية على اكثر من ناحية اجتماعية ...... اليوم الأمر لم يختلف, أنا كنت أبحث في ايمان الاوروبيين في الداروينية فوجدت أن معرفتهم بالداروينية هي تلك القشور الايديولوجية (يعني الاستغلال الايديولوجي لنظرية التطور) فتجدهم يتحدثون عن نشوء الحياة و هذا ليس موضوع النظرية, و تجدهم يؤمنون بأن آباءهم كانوا قرودا و هذا لا تقوله لا النظرية و لا الفرضية العلمية, بل هناك فرضية تخمينية تفترض تطور الانسان و القرود من أصل واحد أي لا تقول أن الانسان تطور من القرد, لكن هؤلاء المساكين يؤمنون بما يسمعون من المفكرين أي الذين يفكرون عوضهم, يعني لاشيء تغير حقيقة على هذا المستوى فالآخر يؤمن أن الله أرسل إبنه و صلبه محيا للخطايا لأن قساوستهم قالوا ذلك, و هم لم يبحثوا, و هؤلاء آمنوا بكثير من الخزعبلات و الخرافات التي تُقال باسم العلم لأن هناك مفكرين (ينسبون ظلما إلى العلم) يقولون ذلك!!
هؤلاء المفكرين هم مجرد حفنة من المجرمين و الخرافيين الذين يدعون العلم و يتكلمون باسم العلم و البحث العلمي, و العلم منهم بريء, هم مجرد مرتزقة من الكُتاب, السياسيين, الأدباء, المؤرخين, الفلاسفة, الاجتماعيين, الاقتصاديين و كثير من المتخلفين الذين يلعبون بالانسان في مختبراتهم و كأنه أرنب يجربون فيه جهالاتهم الاجتماعية السياسية و الاقتصادية ... أما العلماء الذين ساهموا في صناعة آلة تساعد الانسان في معيشته فهم مجموعة قليلة من العباقرة و العقلاء تختبئ وراءهم تلك الكومة من الظالمين من الفلاسفة و الايديولوجيين و علماء النفس و علماء الخزعبلات .. الخ.
و كل تلك الآلات إنما هي حلقة من سلسة من التجارب واحدة تلو الآخر, خطأ يُعلم الخطأ الآخر, و نجاح يُشجع التجارب و المحاولات الأخرى حتى يصل الإنسان إلى شيء يشتغل, فالحاسوب مثلا لم يبدأ في العشرينيات كما يدعي الكثير لكن بدأ يوم استعمل الانسان الحصى للحساب و تحديد الكم و المقدار, مرورا بحاسوب الاباكيوس الذي صنعوه في الصين و في الحضارات القديمة عند البابليين و غيرهم, و هكذا يتعلم الانسان و يبحث و يجرب و يحاول حتى يصل لشيء ... هذا هو العلم, و ما عداه من النظريات و الحسابات و الأفكار التي تُقال باسم العلم أو البحث العلمي مجرد ظنون لا تغني من الحق شيئا, لكن للأسف هذه الظنون يستغلها المجرمين الايديولوجيين.
أما العلم الحقيقي, التجربة العامة و الخاصة .. الآلات ففي الحقيقة هذا العلم لم يقدم شيء للانسان الغربي و الكافر بشكل عام, إن تقدم الآلات كان دوما في صالح الحمير و البغال, فهي التي استراحت من عناء السفر و النقل و الحرث, أما الانسان فبقي هو هو الجاهل الحقود المتخلف المتكبر العاند الكافر الكاذب الكذَّاب العابد للهوى الغافل ... لم يتغير ... و ماذا غير فيهم العلم؟؟؟ هل المجتمعات القديمة التي لم تعرف أشياء مُقرفة تسمى "نظريات علمية" استعملوا قنبلة نووية؟ أم عاشوا حروب عالمية و أوبئة و أمراض سببها الانسان و فساد كسبته أيدي الانسان المتكبر؟؟
و ماذا عن هذا التقدم (تقدم الآلات)؟ هل كان بسبب إنساني أم مادي؟ الكنيسة رفضت بعض الافكار قيلت يوما باسم العلم لأنه على الاساس كان عندهم سبب ثقافي و انساني لامادي دفعهم لذلك, فماذا عن التقدم؟ إنه لم يحصل تقدم إلا بسبب واحد: المنافسة .. هذا ينافس الاخر, هذا يحسد الآخر, و الآخر يريد أن يكون الأقوى و يحكم الآخر .. الاستقرار النسبي السياسي جاء بعد حروب عالمية مدمرة و كان لابد منه ليستقر التنافس, لكن استقرار التنافس هذا دفع بالمجتمعات الى الرفاهية المادية, و كان ذلك على حساب الاستقرار العالمي و الأهم أنه كان على حساب الهناء الذي هو أهم من الرفاهية بل لا تكتمل الرفاهية بدون هناء و لا هناء بدون رفاهية و ذلك لأن الانسان ليس جسد فقط, بل جسد و عقل و روح و قلب و ضمير .. و هذا ما تفتقد إليه تلك المجتمعات و لا غرابة أن يتجه الناس الى الهاء أنفسهم طوال الوقت بالأفلام و الألعاب و القمار و الزنا و كل القذرات حتى وصلت الى الزواج المثلي بل تعدت ذلك الى مباشرة البهائم و الحياونات !! أقصد أن تلك الملاهي لابد منها و من لايستطيع إلى تلك الملاهي سبيلا لسبب من الأسباب كافتقاد الاصدقاء نظرا لسبب من الاسباب لعدم امتلاكه لروح اجتماعية أو لأي شيء آخر, قد يكون الملل, إلا أن الملل هذا قد يٌعوض فالألعاب متعددة بالأولوف و الافلام بالملايين و أبواب الفواحش و المناكير منتشرة في كل مكان و عبر شتى آلات الاتصال و التواصل .. إلا أن الملل قد يأتي بنوع آخر و هو ملل المفهوم بشكله العام فلا يرى المرء مثلا أي فرق بين كرة القدم و السباحة, أو بين فيلم أكشين و كوميديا .. ففي هذه الحالة سوف يصاب المرء بمرض نفسي خطير و مزمن (اكثر الامراض انتشارا) أو ينتحر و قد يكون الانتحار هذا كليا أو جزئيا و قد تجد من يمل الحياة و يسمح في أمواله و مستقبله و تعليمه فيتجه نحو المظاهر القديمة يلبس البسة قديمة, و يعيش معيشة الفئران, أو متنقلا من هنا الى هناك .. أو الانتحار الكلي و هو قتل النفس, إلا أن هذا الانتحار قد يأتي من زاوية أخرى كمواجهة مشاكل ما, و في الصيف هذا العام لم يمر يوم لم أقرأ فيه خبر حول الانتحار بعد أن يقتل الرجل زوجته أو صديقته خانته ثم يقتل نفسه, أو تقتل المرأة رجلا أ صديقا خانها ثم تضع نهاية لحياتها, و الله لم يمر يوم واحد لم أقرأ مثل هذه الأخبار أو ما يدور حولها.
هناك اختلاط كبير عند الايديولوجيين و من يسير في أثرهم بدون أن يفهم السياق التاريخي الذي عادت فيه الكنسية ما سُمي علما آنذاك, و هناك اختلاط كبير و سوء فهم فظيع للعلم و التفكير العلمي عند العامة في أكثر المجتمعات تقدما ناهيك عن المجتمعات المستعمَرَة, لذلك أرجو أن تصحح نظرتك و تنظر الى الحقائق من زاوية تساعدك للوصول الى الحقيقة, و شكرا.
التعديل الأخير تم 10-02-2009 الساعة 03:47 AM
الفلسفة الإنسانية أو علمنة الفلسفة و العلم وراء الكارثة الحديثة التي تسبب اللاوعي و الإحباط كنتيجة للصراع بين المتناقضات, فعلى سبيل المثال لا الحصر, تصور الحياة على أنها عبثية -أو نتيجة عملية عبثية- من جهة, و من جهة ثانية إبعاد صفة العبث عن هذا التصور و عن أي محاولة فلسفية فكرية متتالية في إثبات هذا التصور!!
Bookmarks