النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الحكمة من إرسال الرسل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الحكمة من إرسال الرسل

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الحكمة من إرسال الرسل

    ( منهج الرسل في الدعوة إلى الله ، الطريقة المثلى في الدعوة إلى الله )
    لفضيلة الشيخ العلامة
    عبد الرزاق عفيفي رحمه الله

    المقَدّمَة
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولى المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالحق بشيراً ونذيراً؛ ليخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد، صلي الله عليه وعلى إخوانه النبيين والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.
    وبعد؛ فإن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلماً، سبحانه له الحكمة البالغة والقدرة الشاملة والإرادة النافذة، لم يخلق عباده عبثاً، ولم يتركهم سدى، بل بعدله قامت السماوات والأرض، وبحكمته وتشريعه وإرسال رسله قامت الحجة، وسعد من اتبعهم وسلك طريقهم في الدنيا والآخرة وخاب وخسر من سلك غير سبيلهم، واتبع هواه بغير هدى من الله، قال تعالى (أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)
    وقال (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).
    وقال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ*أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ * كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).


    لا يليق بعاقل رشيد عرف كمال حكمه الله وسعة رحمته، وعرف واقع الناس وما هم فيه من هرج وفساد وضلالة؛ أن ينكر حاجة البشر إلي قيادة رشيدة، عمادها وحى الله وشريعته، تعتصم به، وتدعو الناس إليه وتهديهم إلى سواء السبيل.
    فإن الإنسان قد يقصر عقله فى كثير من أحواله وشؤونه عن التميز بين الحسن من الأفعال وقبيحها، ونافعها وضارها، وقد يعجز عن العلم بما يجب عليه علمه، لأنه ليس في محيط عقله ولا دائرة فكره، مع ما في علمه به من صلاحية وسعادة، كمعرفته بالله واليوم الآخر والملائكة تفصيلاً، فكان في ضرورة إلي معين يساعده في معرفة ما قصر عنه إدراكه أو عجز عنه فهمه، ويهديه الطريق في أصول دينه. وقد يتردد الإنسان في أمر من شؤون حياته وتتملكه الحيرة فيه، إما لعارض هوى وشهوة من الحيرة، ويكشف له حجاب الضلالة بنور الهداية، ويخرجه من الظلمات إلي النور، ويكمله بمعرفة ما عجز عنه فكره وفهمه، ويوقفه على حقيقة ما تردد فيه أو عجز عنه عقله ، ويدفع عنه غائلة الألم والحيرة ومضرة الشكوك والأوهام.
    إن تفاوت العقول والمدارك ، وتباين الأفكار ، واختلاف الأغراض والمنازع ،ينشأ عنه تضارب الآراء وتناقض المذاهب وذلك مما يفضي إلي سفك الدماء ، ونهب الأموال ، والاعتداء على الأعراض وانتهاك الحرمات ، والجملة ينتهي بالناس إلي تخريب وتدمير ، لا إلي تنظيم وحسن تدبير ، ولا يرتفع هذا إلا برسول يبعثه الله بفضل الخطاب ليقيم به الحجة ، ويوضح به المحجة ، فاقتضت حكمة الله أن يرسل رسله بالهدى ودين الحق ، رحمة منه بعباده وإقامة للعدل بينهم ، وتبصيراً لهم بما يجب عليهم من حقوق خالقهم وحقوق أنفسهم وإخوانهم ، وإعانة لهم على أنفسهم ، وأعذاراً إليهم ، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن سعد بن عبادة قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ( أي بحده لا بصفحته )فبلغ ذلك رسول الله  فقال " أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير منى ، ومن أجل غيره\ة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة ).
    بهذا يتبين أن إرسال الله لرسل إلي الناس مبشرين ومنذرين هو مقتضي حكمته ، وموجب فضله وإحسانه ورحمته بعباده والله عليم حكيم.
    ومن شاهد أحوال الناس وعرف واقعهم المرير الصاخب وعرف أن الله لم يرسل الرسل لمصلحة تعود إليه أو مضرة يدفعها عن نفسه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً بل أرسلهم لمصالح البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة، أقول من عرف ذلك عرف فساد مذهب البراهمة ، لمناقصته مقتضي الحكمة والرحمة ، ومجافاته لواقع الناس.
    إن إرسال الله للرسل ليس مستحيلاً في نفسه ، ولا عبثاً حتى يجافى حكمة الله ، بل هو جائز عقلاً داخل في نطاق قدرة الله الشاملة وإرادته النافذة ، فإنه سبحانه لا مانع لما أعطى ، ولا معطى لما منع ، ولا راد لما قضي ، وهو على كل شيء قدير ، يشد بهذا سنة الله في تدبيره لشؤون خلقه وتصريفه لأحوالهم في عقولهم ومداركهم وفي أبدانهم وأرزاقهم ، وفي وجاهتهم ومراكزهم في الحياة.
    فإنا نشاهد أن الله سبحانه خلق عباده على طرائق شتى في أفكارهم ومذاهب متباينة في مداركهم ، فمنهم من سما عقله،واتسعت مداركه حتى وصل بثاقب فكره وانتهت به تجاربه إلي أن اخترع للناس ما رفع أولو الألباب إليه أبصارهم من أجله ، إعجاباً به ، وشهادة له بالمهارة وأنكره عليه صغار العقول فعدوه شعوذة وكهانة ، أو ضرباً من ضروب السحر ، ولا يزالون كذلك حتى يستبين لهم بعد طول العهد ومر الأزمان ما كان قد خفى عليهم فيذعنوا له ويوقنوا بما كانوا به يكذبون.
    ومنهم من ضعف عقله ، أو ضاقت مداركه ، فعميت عليه الحقائق ، واشتبه عليه الأمر الواضح ،فأنكر البديهيات ورد الآيات البينات ، بل لمنهم من انتهى به انحراف مزاجه وضعف عقله إلي أن ينكر ما تدركه الحواس كالسوفسطائية ، وكما ثبت التفاوت بين الناس في العقول والأفهام ، ثبت التفاوت بينهم أيضاً في قوة الأبدان وضعفها وسعة الأرزاق وضيقها ، ونيل المناصب العالية ، والاستيلاء على زمام الأمور ، وقيادة الشعوب والحرمان من ذلك إما للعجز أو القصور ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ، وإما لحكم أخرى علمها مدبر الكائنات وربما كشف عن كثير منها الغطاء لمن تدبر القرآن ، وعرف سيرة الأنبياء وعرف تاريخ الأمم وما جرى عليها من أحداث.
    فمن بعضاً سخرياً ، وإما لحكم أخرى علمها مدبر الكائنات ، وربما مداركهم وإرادتهم وسائر قواهم وغير ذلك من أحوالهم ، لم يسعه إلا أن يستسلم للأمر الواقع دون جدل أو مراء ، ويستيقن بأن الله الواهب النعم ، المفيض للخير له سبحانه أن يختص بعض عباده بسعة الفكر ، ورحابة الصدر وكمال الصبر ، وحسن القيادة وسلامة الأخلاق ليعدهم بذلك لتحمل أعباء الرسالة ، ويكشف لهم عما أخفاه عن غيرهم ، ويوحى إليهم بما فيه سعادة الخلق ، وصلاح الكون رحمة للعالمين ، وأعذارً للكافرين وإقامة للحجة على الناس أجمعين ، فإنه سبحانه بيده ملكوت كل شيء لا يرد قضاؤه ، ولا يمنع عطاؤه بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير.
    قال الله تعالى (َرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) ، وقال : (ُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً).
    إن الفطر السليمة التى فطر الله عليها الناس لا تستبعد أيضاً ما مضت به سنة الله في عباده ، و قضت به حكمته وعدله في خلقه من إرساله سبحانه رسلاً مبشرين ومنذرين ، بل أذعنت له ، وأيقنت به ، استجابة لمقتضي العقول الرشيدة ، بل اعترف الكفار بذلك مع انحرافهم وسلوكهم غير المنهج القويم ، ولم ينكروا الرسالة نفسها ، ولم يستبعدوا حاجتهم الهداية من الله عن طريق روح طيبة يختارها الله لوحيه أو نفس طاهرة يصطفيها الله لتبليغ شرعه، لكنهم استبعدوا أن يكون الرسل من البشر ، وظنوا خطأ أنها إنما تكون من الملائكة ، زعماً منهم أن البشرية تنافي هذه الرسالة فإنه مهما صفت روح الإنسان وسمت نفسه ، واتسعت مداركه ، فهو في نظرهم أقل في نظرهم أقل شأناً من أن يوحى الله إليه ، وأحقر في زعمهم من أن يختاره الله لتحمل أعباء رسالته ، وإبلاغ شريعته.
    ومن نظر في الكتب المنزلة ، وتصفح ما رواه علماء الأخبار ، اتضح له اعترافهم بإمكان الوحى وحاجتهم إليه حتى الكفار فإنهم إنما استبعدوا أن يختار الله لوحيه رسولاً من البشر ، قال الله تعالى (َلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) وقال تعالى (َذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * )فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * )أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) ، وقال تعالى ()وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) الآيات . وقال تعالى ()وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ* إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُون ) الآيات : وقال تعالى : )قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) .
    وقال تعالى (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) * قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
    إلي غير ذلك من الآيات والأخبار التى تدل على أن إنكار الأمم لم يكن لأصل الرسالة ولا لحاجتهم إليها إنما كان لبعث رسول إليهم من جنسهم.
    ولو قال قائل ، إن أئمة الكفر ، وزعماء الضلالة ، كانوا يوقنون بإمكان أن يرسل الله رسولاً من البشر ، غير أنهم جحدوا ذلك بألسنتهم حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ، وتمويهاً على الطغام من الناس ، وخداعاً لضعفاء العقول ، وتلبيساً عليهم خشية أن يستجيبوا إلي مقتضى الفطرة ، ويسارعوا إلي داعى الدين ومتابعة المرسلين – لو قال ذلك قائل التى تؤيد ذلك وتصدقه وسبق إلي لسانهم ما يرشد البصير إلي ما انطوت عليه نفوسهم من الحسد والاستكبار أن يؤتى الرسل ما أوتوا دونهم وأن ينالوا من الفضيلة وقيادة الأمم لي الإصلاح ما لم ينل هؤلاء قال تعالى : (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )
    وقال تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)
    وقال تعالى (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وقال تعالى : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ).
    وقال تعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

    هذا وليس بدعاً أن يختار الله نبياً من البشر ، ويبعث إليهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، بل ذلك هو مقتضي الحكمة وموجب العقل . فإن الله سبحانه قد مضت سنته في خلقه أن يكونوا أنواعاً مختلفة على طرائق شتى ، وطبائع متباينة ، لكل نوع غرائزه وميوله أو خواصه ومميزاته التي تقضي الأنس والتآلف بين أفراده ، وتساعد على التفاهم التعاون بين جماعاته ليستقيم الوجود ، وينتظم الكون ، فكان اختيار الرسول من الآمة أقرب إلي أخذها عنه ، وأدعى إلي فهمها منه ، وتعاونها معه لمزيد التناسب ومكان الألف بين أفراد أنوع الواحد. لو كان عمار الأرض من الملائكة لاقتضت الحكمة أن يبعث الله إليهم ملكاً رسولاً وقد أرشد الله إلي ذلك في رده على من استنكر أن يرسل إلي البشر رسولاً منهم . قال تعالى (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً)
    ولكن شاء الله أن يجعل عمارة الأرض من البشر ، فاقتضت حكمته أن يرسل إليهم رسولاً من أنفسهم ، بل اقتضت حكمته ما هو أخص من ذلك ليكون أقرب إلي الوصول للغاية وتحصيل المقصود من الرسالة. فكتب على نفسه أن يرسل كل رسول بلسان قومه قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )
    ولو قدر أن الله أجاب الكفار إلي ما طلبوا من إرسال ملك إليهم لجعل ذلك الملك في صورة رجل ، ليتمكنوا من أخذ التشريع عنه والاقتداء به فيما يأتى ويذر ، و يخوض معهم مادين الحجاج والجهاد. وإذ ذاك يعود الأمر سيرته الأولى ، كما لو أرسل الله رسوله من البشر ، ويقعون في لبس وحيرة جزاء وفاقاً قال تعالى (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ)
    ومن نظر في آيات القرآن وعرف تاريخ الأمم تبين له أن سنة الله في عباده أن يرسل إليهم رسولاً من أنفسهم . قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
    وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً)
    .أفكاره
    هذا وأرجو أن أكون قد بينت بهذه الكلمة الموجزة بعض الدواعي التي تقضي إرسال الرسل ، وجوانب من حكمة الله في إعدادهم واصطفائهم لتلقي الوحي عنه ، وتحمل أعباء البلاغ. وقيادتهم الأمم إلي ما فيه الصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ، كما أرجو أن أكون قد أوضحت الحكمة في اختيار الرسل إلي البشر من جنسهم ، وبلسان أممهم ، والرد علي من يخالف في أصل إرسال الرسل ، أو يمنع أنى يكون رسل الله إلي البشر من جنسهم ، ويخيل إليه اختصاص ذلك بالملائكة والله الهادى إلي سواء السبيل ، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وإخوانه النبيين والمرسلين ومن اهتدى بهديهم وسلك منهجهم القويم.

    يتبع ...
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    منهج الرسل في الدعوة إلى الله


    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أنبيائه ورسله وآلهم أجمعين، وبعد:
    فلم يكن الله سبحانه ليدع عباده سدىّ ويتركهم هملاً دون أن ويأمرهم وينهاهم ويجزيهم على ما كسبت أيديهم.
    قال تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون 115 :116) وقال تعالى: ( أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36) (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) (القيامة:37) (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) (القيامة:38) (َجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) (القيامة:39) (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40)
    فأرسل وسبحانه والرسل وشرع الشرائع؛ رعاية لمصالح عباده في معاشهم ومعادهم فضلاً منه ورحمة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107)، وأبان الدليل وأوضح السبيل وبشر وأنذر ؛ إقامة للحجة عليهم ، وأعذاراً إلي من حقت عليه كلمة والعذاب منهم فاتبع وهوامه بغير هدى زمن الله ؛ حكمة منه وعدلاً.
    قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)
    وقال تعالى : (وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى. )وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) (طـه:134) ) (طـه:133)

    وفي " الصحيح " : ط ان سعد بن عبادة قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح . فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " تعجبون من غيره سعد ؟ والله لأنا أغير من سعد ، والله أغير منى ، ومن أجل غيره الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة "".
    ومن تمتم رحمة الله بعباده ، وعمته عليهم ، وكمال حكمته في إقامة الحجة ، والأعذار إلي من سبق عليه القول منهم ؛ أن جعل شريعة كل رسول من رسله شاملة كل ما تحتاجه أمته ، جامعة لما ويصلح شأنها ،وينهض بها فى إقامة دولتها وبناء مجدها وتقويم أودها وحفظ كيانها ، ويجعلها مثلاً أعلى في جميع شؤونها ، سعيدة في الدنيا والآخرة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما بعث نبى ؛ إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم " ، بل تضمنت فوق ذلك ما يكمل الضروريات والحاجيات والتحسينات على خير حال وأقوم طريق.
    قال تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب:40)
    وقال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: من الآية3)
    وقال : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(النحل: من الآية89)

    وعن أبي هريرة ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى وبيتاً ، فأحسنة وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ، ويقولون : هلا ووضعت هذه اللبنة ! قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين ".
    وقال أبو ذر رضي الله عنه : " لقد توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً ".
    وقال عمر رضي الله عنه : " قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاماً ، فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه ، ونسيه من نسيه ".
    وقال مالك بن أنس : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ثم ذكر قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3. ثم ثال : فما لم يكن يؤمئذ ديناً ، فلا يكون اليوم ديناً ".
    ولا عجب في أن يشرع الله شريعة عامة دائمة لعالم يطول عهده ويتجدد خلقه وتتطور أحواله ، ويكون التدرج في شرعها أيام رسولها ، ثم تستقر بعد وفاته إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ؛م فإن الله سبحانه أحاط بكل شيء علماً ، ووسع كل شيء رحمة وإحساناً وحكمة وعدلاً ، وخلق كل شيء فقدره تقديراً ، فهو عليم بكل شؤونه الظاهرة والباطنة ، وما يصلح حله في عاجله وآجله ، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14) )وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) (مريم:64)
    إنما يستنكر ذلك زمن البشر ونحوهم من المخلوقات ؛ لأن أفكارهم محدودة ومداركهم قاصرة ، مع استيلاء الهوى عليهم وتمكن العصبية منهم 000 إلي غير ذلك مما يوجب كثرة اللغط في آرائهم ، والاضطراب والتناقض في مذاهبهم في أصول التشريع وفروعه عن قصد وغير قصد ، وخاصة تفاصيل التوحيد والمعاد والعبادات والمعاملات ، قال تعالى : )أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82)
    الأمم الماضية لما كانت تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وكان الوحى مستمراً ، جرت فيهم سنة التطور فى التشريع والتدرج في الأحكام ، وكان الكثير من التفاصيل وفروع الشريعة مؤقتاً ، فنسخت الشريعة اللاحقة من أحكام الشريعة السابقة ما اقتصت المصلحة نسخة ؛ تنشئة للأمة ، وتربية لها ، وسداً لحاجتها، أو عقوبة لها على ظلمها وتمردها على شرائع ربها.
    قال تعالى في رسالة عيسي عليه السلام : (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ )(آل عمران: من الآية50)
    وقال تعالى في محمد عليه الصلاة والسلام : (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:156) )الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157) وقال : ()فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً) (النساء:160) )وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء:161) أما هذه الأمة المحمدية ؛ فشريعتها خاتمة الشرائع ، ورسولها خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا نبى بعده ؛ فاقتضت حكمه الله أن تكون شريعته فيهم عامة دائمة إلي يوم القيامة ، كفيله بجميع مصالحهم الدينية والدنيوية ، منظمة لنواحي حياتهم المختلفة ، مغنية لهم عما سواها في جميع أمورهم وشؤونهم ، ولو طال بهم الأمد ، واختلف أحوالهم على مر الأيام والعصور حضارة وثقافة ، وتباينت أفكارهم ذكاء وغباوة وحالتهم قوة وضعفاً وغني وفقراً.
    وجاءت تكاليف هذه الشريعة جملتها وتفصيلها قواعدها وجزئياتها بتحقيق مقاصد التشريع الضرورية التى لا بد منها في قيام مصالح العباد الدينية والدنيوية ، ولا تستقيم أحوالهم إلا بها ، وذلك يرجع إلي ما يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وأنسابهم وعقولهم وأموالهم ، وبتحقيق مقاصده الحاجية التى تيسر عليهم طريق العمل للوصول للغاية المنشودة ، وتجعلهم في سعة وسهولة ، وتدفع عنهم المشوقة والحرج ، وبتحقيق ما يجمل حالهم ، ولو كان من عند غير الله ، لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
    وصحيفة الوجود وواقع الحياة في تاريخ الأمم أصدق شهيد بذلك . فمن ابتغيت الهدى في غير شريعة الله من النظم والقوانين الوضعية أصله الله ، ومن حكم غيرها في عقيدته أو عبادته أو معاملاته ؛ فهو مبتدع فيه جاهلية ، سيئ الظن بربه ، معجب بفكر نفسه أو أفكار من اتخذهم من زعمائه أرباباً في التشريع ، يشرعون له ما يضاهي به شريعة الله ، بل يؤثر قوانينهم مع قصورهم وتقصيرهم على شريعة أحكم الحاكمين ، وكفي بذلك زيغاً وضلالاً وكفراً وطغياناً.
    قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
    وقال : ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (لأعراف:3)
    وقال : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
    وقال : )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)
    وقال : ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (الأنعام:116) وقال ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات:7)
    . إلي وغير ذلك من النصوص التى جئت على العمل بكتاب الله وهدى رسوله عليه الصلاة والسلام ، وحذرت من الحيدة عن ذلك والإعراض عنه تباعاً للآراء ونحاتة الأفكار دون بينة من الله أو حجة عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
    وإليك كلمات في أركان الشريعة والسياسة والبلاغة ، وأمثلة من نصوص الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين ، يتبين لك منها سعة الشريعة وغناها بالنصوص والقواعد العامة والجزئيات الخاصة ، التى تشرح حق الله على عبده ، وحق العبد على ربه ، وحق الراعي والرعية ، وتحدد موقف الدولة في السلم والحرب ، والعلاقة بين أفراد الشعب وجماعاته ، بل بينت حقوق الحيوانات والعجماوات على راعيها ، وحدت من تسخيره لها وتسلطه عليها على وجه من العدالة يكفل لها البقاء، وحل جميع ما يجد من المشاكل العامة والخاصة على أقوم طريق وأهدى سبيل.
    للشريعة أصول إليها ترجع ، ودعائم عليها تقوم ، فشريعة الصلاة والصيام والزكاة ونحوها من العبادات لا يستقيم أداؤها ولا التنسك بها إذا عرف العابد أن من يتقرب إليه غنى كريم ، قوى متين ، غافر الذنب وقابل التوب ، شديد العقاب ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، إلي غير ذلك من صفات الجلال والإنعام وقوة البأس وشدة الانتقام ، فإنه إذا عرفه العباد بذلك ؛ أشربت قلوبهم حبه ، واستشعرت كمال الذل له والخوف منه ، فأسلموا وجوههم إليه ، وعبدوه عبادة من يعلم أنه يسمعه ويراه ويراقبه في كل شؤونه وأحواله ؛ رجاء رحمته ، وخشية عذابه.
    وشريعة المعاملات لا تعدو ذلك النهج – نهج العبادات - ؛ فإن استقامة الناس في أخلاقهم ، وعدلهم في رضاهم وغضبهم ، وإنصافهم لأوليائهم وأعدائهم ، ونصحهم في بيعهم وشرائهم وجميع معاملاتهم يتوقف على شعور القلب بهيمنة قوة غيبية فوق قوى العالم ، قوة رب قادر يخفض ويرفع ويعطى ويمنعه على سنن قويم من الحكمة والعدالة ، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع ، ولا راد لما قضى ؛ بذلك الشعور يستقيم حال الإنسان وينتظم أمره في سره وعلنه ، فيرعى الحقوق لعذابه ونقمته ، وبذلك الشعور وحده يجتمع شمل العالم ويعم الأمن والسلام جميع مرافق الحياة.
    أضف إلي ذلك أن ثبوت الشريعة في ذاتها عند المكلفين والإيمان بها يتوقف على معرفة مصدرها والثقة بطريق بلاغها ، فيجب إذن على العباد أن يعلموا أولاً أن لهم رباً خلاقاً عليماً حكيماً ، بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجعون ، إلي غير ذلك مما تفرد به من صفات الربوبية ، ويؤدوها على وجهها ؛ استمداداً لفضل الله ورحمته ، ودفعاً للتى استوجبت إخلاص العبادة منه ، ليسلموا وجوههم إليه مكوناً وشرعاً ويعبدوه مخلصين له الدين رغبة ورهبة ، وأن يعلموا ثانياً أنه تعالى يرسل رسله ليبلغوا عنه شريعته رحمة منه وفضلاً ، ويؤيدهم بالمعجزات ، ويعصمهم في البلاغ حكمة منه وعدلاً ، ليميز الكاذب من الصادق والمبطل من المحق ؛ فيثق العباد بشريعة ربهم ، ويأمنوا عليها من الدخل والافتراء ، وتقوم عليهم بها الحجة ، قال تعالى : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (الحاقة:47) لهذا بدأت الرسل دعوتها بالتوحيد وإثبات الرسالة والجزاء يوم المعاد ، فجرت على موجب العقل ومقتضي الفطرة.
    وكان لزاماً على الدعاة أن يبدؤا بما بدأ به الرسل ، ويتبعوا ذلك القول في الفروع وتفاصيلها وسائر ما يكمل الأصول ويحمى حماها حسب الأهمية ، وما يشعر به الدعاة من حاجة المدعوين شعوباً وأفراداً.
    سلكت الرسل في إثبات وجود الله وتوحيده وصدقهم في دعوى الرسالة وخبرهم عن اليوم الآخر مسلك الإقناع بالحجة والبرهان وضرب الأمثال ، وجمعت في ذلك بين مناجاة العقل والتأثير على العاطفة والتذكير بما جبلت عليه النفوس وفطر عليه الخلق من الإقرار بالحق والميل إلي العدل والإنصاف ، مع لين الجانب ، والرفق في الخطاب ، والصفح الجميل في غير ذله ولا مواربة أو مداهنة ؛ فلا عنت في القول ولا تعسف ، ولا فرض لحكم على الأمة دون بينة من الله وسلطان.
    ففي إثبات وجود الله اكتفوا بالاستدلال عليه بالإشارة ، مع دقة المأخذ وسهولة العبارة ، لقلة من أنكر وجوده تعالى ممن مسخت فطرهم ووضح للعقلاء جهلهم ومجافاتهم الحق وتنكبهم طريق الصواب ، قال تعالى :أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور:36) ؛ فأنكر تعالى أن يكونوا خلقوا بلا خالق ضرورة أن الأثر يحتاج في حدوثه إلي مؤثر ، كما شهد بذلك العقل والفطرة والحس ، وأنكر أن يكونوا خالقين لأنفسهم ؛ لما يلزمه من التناقض ، وأنكر أن يكونوا خالقين للسماوات والأرض ؛ لشهادة تاريخ وجود الأمم والكونيات الأخرى بأن خلق السماوات والأرض قد كان قبل خلق ما بينهما من الأنس والجن ونحوهم ؛ فكيف يخلق المتأخر في الوجود شيئاً قد سبقه وتقدم عليه ؟ !
    وقد أخذ جماعة من العلماء هذا الدليل الخبرى العقلي ، وأدخلوا عليه شيئاً من التكلف والصناعة الكلامية ، فقالوا : إن نسبة الممكن إلي طرفيه الوجود والعدم على السواء ، فلو وجد بدون سبب خارج عن ذاته وحقيقته ، لزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح ، ولو أوجد نفسه ، لزم مع ذلك أن يكون متقدماً على نفسه باعتباره خالقاً لها ، متأخراً عنها باعتباره مخلوقاً لها ، وتقدم الشيء على نفسه وتأخره عنها باطل بالضرورة لما فيه من التناقض الواضح ؛ فثبت أن العالم لا بد له من موجد غير ذاته وحقيقته ، ولا بد أيضاً أن يكون واجب الوجود لذاته ، مختلفاً عن العالم في خواصه وصفاته ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) ، ذلك ليصح أن يستند إليه العالم في وجوده بدء ودواماً ، إذ لو كان مستحيلاً لما صح أن يكون منه خلق أو تقدير ؛ لأن المستحيل عدم محض ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، ولو كان ممكناً ، لافتقر إلي من يرجح على عدمه كما سبق بيانه ، فإن استمرت الحاجة فاستند كل في حدوثه إلي نظير له من الممكنات ؛ لزم إما الدور القبلي وإما التسلسل في المؤثرات ، وكلاهما باطل باتفاق العقلاء
    وإذا انتفى عنه الإمكان والاستحالة ، ثبت له وجوب الوجود لذاته ، ضرورة أن أقسام الحكم العقلي ثلاثة : الوجوب ، والإمكان ، والاستحالة ، وقد انتفى اثنان ، فتعين الثالث ، وهو وجوب الوجود.
    قال تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد:3) ومن نظر فيما ترشد إليه الآيات نظراً ثاقباً ، وفكر فيما توحى به سنن الله في المخلوقات – من عجائب خلقها – من عجائب خلقها ، وحسن تنسيقها ، وشد أسرها – تفكيراً عميقاً ، وبحث في أحاكمها وبديع صنعها بحثاً برئياً من الهوى والحمية الجاهلية ، وأنصف مناظره من نفسه – فلم يمنعه من فهم ما عرض عليه من الحق والإذعان له كبر يرديه ، ولا عناد يطغيه - ؛ اتضح له الهدى ، واضطره ذلك أن يؤمن من أعماق قلبه بأن للعالم رباً خلاقاً فاعلاً مختاراً حكيماً في تدبيره وتقديره ، أحاط بكل شيء علماً ، وهو على كل شيء قدير.
    ومع قيام الدليل ووضوح السبيل ، تعامى بعض الناس عن الحق ، ومن أولئك : فرعون موسى ؛ فإنه أنكر بلسانه ما استيقنت به نفسه وشهدت به الفطرة وقام عليه الدليل ، من وجود واجب سبحانه ، فأقام موسى عليه الحجة بدلالة الأثر على المؤثر والصنعة على الصانع ، فوجود الخلق وعظم شأنه دليل على وجود الخالق وعظم قدرته وقدره ، وسعة علمه وكمال حكمته ، فألقمه الحجر.
    وذلك بين فيما حكاه الله عنهما من الحوار والسؤال والجواب ، قال تعالى : (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:16) ( قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء:29)
    ؛ فانظر كيف وقف موسى موقف من يصدع بالحق ويقيم عليه الحجة والبرهان ، وكيف وقف فرعون من موسى موقف السفهاء لا يملك إلا الشتم والسباب والسخرية والاستهزاء والتهديد بأليم العذاب !
    وقال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (الاسراء:102)
    وقال تعالى : (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل:14) فبين تعالى أنه آتى موسى الآيات التى تنير البصائر وتجلو الشكوك ، وأن موسى ثبت في ميدان الدعوة ثبات مؤمن بما جاء به موقن بنصر ربه ، فلم يرهبه جبروت فرعون ، ولم يأخذ من نفسه مأخذاً مع وحدته وضعف قومه ، أما فرعون ؛ فقد بهرته الآيات ، وأخذت عليه صولة الحق الطريق ، فلم يجد لديه سلاحاً يحفظ به ملكه في زعمه ويدافع به عن باطله إلا الخداع والتمويه على قومه ، وإنذار موسى ومن آمن وبه أن يذيقهم أليم عذابه ، وأنى له ذلك والله من ورائهم محيط ، وقد كتب على نفسه أن يجعل العاقبة للمتقين.
    ( فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الاسراء:104)
    ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طـه:50)
    إلا أنه أجمل وأوجز في الاستدلال بهذه الآيات ، وفصل في تلك.
    وقد ورث ذلك الزيغ والإلحاد أناس ظهروا في عصور متعاقبة بأسماء مختلفة ، واشتهروا بألقاب متنوعة ، فتارة يسمون بالدهريين ، وأخرى برجال الحقيقة ووحدة الوجود ، وأحياناً بالشيوعيين ، وآونة بالبهائيين 000 إلي غير ذلك من العبارات التى اختلفت حروفها ومبانيها وائتلفت مقاصدها ومعانيها ، فكلها وترمى إلي غرض واحد ، وتدور حول محور واحد : هو أنه ليس للعالم رب يخلق ويدبر ولا له إله يقصد ويعبد، وقد تبين بما تقدم وأمثاله فساد مذهبهم وخروجه عن مقتضى العقل والفطرة وما أيد ذلك وصدقه بعد أدلة السمع.
    فإن زعم بعد ذلك زاعم أن وجود العالم وليد الصدفة والاتفاق ، أو أنه نشأت أطواره عن تفاعل عناصر المادة فتفرقت إلي وحدات بعد اجتماع أو اجتمعت بعد تفرق واختلاف ، وصار لتلك الوحدات أو المركبات من الخواص ما لم يكن لها قبل ذلك من التفاعل ، وبذلك تجددت الظواهر وحدث ما نشاهد من تغير وآثار مع جريانها على سنة لا تتبدل وناموس لا يختلف ولا يتغير.
    قيل له : من الذي أودع تلك المادة طبيعتها وأكسبها خواصها ؟
    فإنها إن كانت لها من ذاتها ومقتضى حقيقتها ، لم تقبل التغير والزوال ؛ لأن ما بالذات لا يتغير ولا يزول ، وقد رأيناها تتغير وتزول ، فلا بد لها إذن من واهب يهبها وفاعل مختار عليم حكيم يوجدها ويدبرها ويضعها مواضعها ، وليس ذلك المادة أو خواصها وطبيعتها ، فإنها مع حدوثها وحاجتها ليس لها من سعة العلم وكمال الحكمة وشمول المشيئة وعظمك القدرة ما ينتظم معه الكون مع ما نشاهده من إحكام تبهر العقول دقته وجماله ، ومن إبداع يأخذ بمجامع ما فيه من شدة وقوة الرباط بين وحداته ، وكمال التناسب بين أجزائه ، وقيام كل من الآخر مقام الخادم من سيدة والراعي من رعيته.
    آلا إن الطبيعة صماء لا تسمع ، بكماء لا تنطق ، عمياء لا تبصر ، جاهلة لا تعلم ، مسخرة لمن أودعها المادة ، خاضعة لتصريفه وتقديره ، سائرة على ما رسم لها من سنن ملا تعدوها ونواميس لا تخرج عنها ؛ فأنى يكون لها خلق وإبداع ، أو إليها تنظيم وتدبير ، أو منها وحي وتشريع ! إنما ذلك إلي الله الذي شهد العقل والفطرة بوجوب وكمال علمه وحكمته وغناه وقدرته ، إلي غير ذلك من صفات جلاله ، تعالى الله عما يقول الملحدون علواً كبيراً.
    وقال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) (الملك:5) ولا يعيب الحق بعد ذلك أن يقل من سلك طريقه ، وأن يزيغ عنه من انتكست بصيرته وفسدت فطرته ، فاتخذ إله هواه وأضله الله على علم ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، ولا يضير الدعاة إليه أن عدل عن الصراط المستقيم من انحراف مزاجه أو غلبته شهوته فخشى أن تحد الشريعة ممن نزعاته الخبيثة وتحول دون نزواته الدنيئة ، أو أطغاه كبره وسلطانه وخاف أن تذهب الشريعة بزعامته الكاذبة وسلطانه الجائر ، فوقف وفي سبيلها وصد عنها ولج في خصامها بغياً وعدواناً ، فإن الله ناصر دينه ومؤيد رسله وأولياؤه.
    ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج: من الآية40)
    ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(محمد: من الآية7)
    ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(الشعراء: من الآية227)

    يحكى عن أبي حنيفة رحمه الله : " أن جماعة من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير الربوبية ، فقال لهم : أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة ، تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيرهما بنفسها ، وتعود بنفسها فترسي بنفسها ، وتفرغ وترجع ، كل ذلك من غير أن يدبرها أحد. فقالوا : هذا محال لا يكون أبداً. فقال لهم : إذا كان هذا محالاً في سفينة ؛ فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله ؟؟ ! ".
    وقد قال مثل هذه المقالة جماعة معه من العلماء ، وقولهم ليس حجة لصدوره عنهم ، بل لصحته في ذاته وشهادة الواقع له.
    شهدت الفطرة بأن الله وحده خالق كل شيء ومليكه ، وإليه يرجع الأمر كله من التصريف والتدبير ؛ فهو الذي يحيى ويميت ، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، وهو الذي يرسل الرسل ، ويشرع الشرائع ليحق الحق بكلماته ويقيم العدل بين عباده شرعاً وقدراً ، إلي غير ذلك مما لا يحصيه العد ، ولا تحيط به العبارة.
    وقام على ذلك أيضاً دليل السمع ، وأقر به كل مكلف حتى المشركون.
    قال تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) (الزخرف:12) وقال تعالى : ()قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (النمل:60) )إلي أن قال ( أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل:64)
    فأنكر سبحانه أن يكون معه إله فعل شيئاً منة ذلك ،وقررهم بتفرده بكل شيء من الخلق والتدبير والتصريف والتقدير ؛ ليجعل من ذلك ونحوه دليلاً على توحيد العبادة الذي هو المقصود الأول من بعثة الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع – كما سيجيء.
    ونظائر ما ذكر من الآيات كثير ، ولم يعرف عن طائفة بعينها القول بوجود خالقين متكافئين في الصفات والأفعال ، ومن نقل عنهم من طوائف المشركين نسبة شيء من الآثار والحوادث إلي غير الله ، كقوم هود ، حيث قالوا فيما حكى الله عنهم : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (هود:54) ، فإنما نسبوه إلي آلهتهم لزعمهم أنها وثيقة الصلة بالله ، وأنها تملك الشفاعة عنده سبحانه لمن عبدها وتقرب إليها بالقرابين ، فهى في زعمهم تملك لهم جلب النفع ودفع الضر ، لكن عن طريق الشفاعة لهم عند الله.
    ومن أجل هذه الشائبة من الشرك نبه الله سبحانه على بطلانه ، وأنكر على من زعمه ؛ فقال تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (المؤمنون:92) فبين سبحانه أنه لو كان معه إله يشركه في استحقاق العبادة ؛ لكان له خلق وتقدير وملك وقهر وتدبير ؛ إذ لا يستحق العبادة إلا من كان كذلك ليرجى خيره ونفعه ؛ فيطاع أمره ، ويقصد قصده ، ويخشى بأسه ؛ فلا يعتدى على حدوده ، ولا ينتهك حماه ، ولو كان له خلق وتقدير وملك وتدبير ، لعلا على شريكه وقهره إن قوى على ذلك ليكون له الأمر وحده ، ولذهب كل بما خلق وتفرد بتدبيرك ما ملك إن لم يكن لديه من القوة ما يفرض بها سلطانه على الجميع ؛ فإن من صفات الرب كمال العلو والكبرياء والقهر والجبروت.
    وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً) ، على تقدير أن المراد : لاتخذوا سبيلا إلي مغالبته وقهره ، أو الخروج عليه والتفرد عنه بما خلقوا وملكوا.
    أما إن كان المعنى المراد : لاتخذوا سبيلاً إلي عبادته والقيام بواجب حقه رجاء وخوف عقابه ؛ فالآية في توحيد الإلهية ، كقوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) (الاسراء:57) وقد استخلص بعض العلماء من ذلك دليلاً سموه دليل التمانع ، وجعلوا جل همهم إثبات توحيد الربوبية به ؛ قالوا : لو جاز أن يكون للعالم ربان سبخلقان ويدبران أمره ، لأمكن أن يختلفا ، بأن يريد أحدهما وجود شيء ويريد الآخر عدمه ، أو يريد أحدهما حركة شيء ويريد الآخر سكونة ، وعند ذلك إما أن ينفذ مرادهما ، وذلك محال لما يلزمه الجمع بين النقيضين ، وإما أن لا ينفذ مراد كل منهما ، وذلك محال لما يلزمه من رفع النقيضين وعجز كل منهما ، وإما أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر ، فيكون الذي نفذ مراده هو الرب دون الآخر لعجزه ، والعاجز لا يصلح أن يكون رباً.
    ولو أن هؤلاء عُنوا بتوحيد الإلهية ، وصرفوا همتهم إلي بيان تفاصيله ، وأجملوا القول في توحيد الربوبية والاستدلال عليه اكتفاء بشهادة الفطرة وإقرار العبادة به وعلمه بالضرورة ، وجعلوا البحث فيه وسيلة إلي توحيد العبادة ودليلاً عليه ، لكانوا بذلك قد سلكوا طريقة القرآن ومنهج الرسل عليهم الصلاة والسلام.
    وقصاري القول أن انتظام العالم علوه وسفله ، وإحكام صنعه وحسن تنسيقه ، وشدة الأسر وقوة التماسك بين أجزائه ووحداته ، دليل واتضح على تفرد الله سبحانه بالربوبية ووحدانيته في أفعاله ،وبرهان قاطع على إثبات ما أثبته لنفسه من كمال الأسماء والصفات ، أو أثبتته له الرسل عليهم الصلاة والسلام من ذلك إثباتاً صريحاً مفصلاً ، لم يدع مجالاً للشك أو التأويل ولا سبيلاً إلي الريب أو التعطيل ، فزالت به الشبهة ، وحصل به اليقين.
    وعلى ذلك اجتمعت شهادة الفطرة والعقل الصريح والنقل الصحيح وصدق كل منهما الآخر.
    وقد ذكر ابن القيم في " مدارج السالكين " هذين الطريقين : طريق الوحى والخبر ، وطريق الحس والعقل ، وإليك نبذة من ذلك :
    فمن الأول قوله : " ومن تأمل كيفية ورود آيات الصفات في القرآن والسنة ، علم قطعاً بطلان تأويلها بما يخرجها من حقائقها ؛ فإنها وردت على وجه لا يحتمل معه التأويل بوجه.
    فانظر إلي قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (الأنعام:158) ؛ هل يحتمل هذا التقسيم والتنويع تأويل إتيان الله جل جلاله بإتيان ملائكته أو آياته ؟ وهل يبقي مع هذا السياق شبهة أصلاً أنه إتيانه بنفسه ؟
    وكذلك قوله : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) ؛ ففرق بين الإيحاء العام والتكليم الخاص وجعلهما نوعين ، ثم أكد فعل التكليم بالمصدر الرافع لتوهم ما يقوله المحرفون.
    وكذلك قوله : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى:51) ؛ فنوع تكليمه إلي تكليم بواسطة وتكليم بغير واسطة ، وكذلك قوله لموسى عليه السلام : (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي (لأعراف:144) ، ففرق بين الرسالة والكلام ، وإنما تكون الرسالة بكلامه.
    وكذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام : " إنكم ترون ربكم عياناً كما ترون القمر ليلة البدر في الصحو ، ليس ةدونه سحاب ، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب " ، والاحتراز ينافي إرادة التأويل ، ولا يرتاب في هذا من له عقل ودين".
    ثم قال : " الطريق الثاني لإثبات الصفات : هو دلالة الصنعة عليها ، فإن المخلوق يدل على وجود خالقه ، على حياته وقدرته وعلى علمه ومشيئته ،فإن الفعل الاختياري يستلزم ذلك استلزاماً ضرورياً وما فيه من الإتقان والإحكام ، ووقوعه على أكمل الوجه يدل على حكمه فاعله وعنايته ، وما فيه من الإحسان والنفع ووصول المنافع العظيمة إلي المخلوق يدل على رحمة خالقه وإحسانه وجوده ، وما فيه من آثار الكمال يدل على أن خالقه أكمل منه ، فمعطى الكمال أحث بالكمال ، وخالق الأسماع والأبصار والنطق أحق بأن يكون بصيراًَ متكلماً ، وخالق الحياة والعلوم والقدر والإيرادات أحق بأن يكون هو كذلك في نفسه ، فما في المخلوقات من أنواع التخصيصات هو من وأدل شيء على إرادة الرب سبحانه ومشيئته وحكمته التى اقتضت التخصيص ".
    إلي أن قال : " والإحسان إلي المطيعين والقرب إليهم بالإكرام وإعلاء درجاتهم يدل على محبته ورضاه ، وعقوبته للعصاة والظلمة وأعداء رسله بأنواع العقوبات المشهودة تدل على صفة الغضب والسخط ، والإبعاد والطرد والإقصاء يدل على المقت والبغض ، فهذه الدلالات من جنس واحد عند التأمل.
    ولهذا دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلي الاستدلال بذلك على صفاته ، فهو يثبت العلم بربوبيته ووحدانيته ، وصفات كماله بآثار صفته المشهودة ، والقرآن مملوء بذلك ، فيظهر شاهد اسم الخالق من نفس المخلوق ، وشاهد اسم الرزاق من وجود الرزق والمرزوق ، وشاهد اسم الرحيم من شهود الرحمة المبثوثة في العالم ".
    إلي أن قال : " وهكذا كل اسم من أسمائه الحسنى له شاهد في خلقه وأمره ، يعرفه من عرفه ، ويجهله من جهله ، فالخلق والأمر من أعظم شواهد أسمائه وصفاته ، وكلا سليم العقل والفطرة يعرف قدر الصانع وحذقه وتبريزه على غيره وتفرده بكمال لم يشاركه فيه غيره من مشاهدة صنعته ؛ فكيف لا تعرف صفات من هذا العالم العلوي والسفلي وهذه المخلوقات من بعض صنيعه ؟ !.
    وإذا اعتبرت المخلوقات والمأمورات وحدتها بأسرها كلها دالة على النعوت والصفات وحقائق الأسماء الحسنى ، وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى بمكابرة ، ويكفى ظهور شاهد الصنع فيك خاصة ، كما قال تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات:21)
    فالموجودات بأسرها شواهد صفات الرب جل جلاله ونعوته وأسمائه ؛ فهى كلها تشير إلي الأسماء الحسنى وحقائقها ، وتنادى عليها ونخبر بها بلسان النطق والحال ، كما قيل :
    تأمل سطور الكائنات فإنـــــها------------من الملك الأعلى إليك رسائل
    وقد خط فيها لو تأملت خطها------------ألا كل شيء ما خلا الله باطل
    تشير بإثبات الصفات لربــــها------------فصامتها يهدى ومن هو قائل
    فلست ترى شيئاً أدل على شيء من دلالة المخلوقات على صفات خالقها ونعوت كماله وحقائق أسمائه.
    وقد تنوعت أدلتها بحسب تنوعها ؛ فهى تدل عقلاً وحساً وفطرة ونظراً واعتباراً ، وفي هذا المعنى قال الشاعر :
    تأمل في نبات الأرض وانظر-----------إلي آثار ما صنع المليك
    عيون مـن لجين شاخصـــات-----------بأحداق هي الذهب السبيك
    على قضب الزبرجد شاهـدات-----------بأن الله ليس له شريك

    وإذا ثبت بدلالة الصنعة على الصانع وبأدلة السمع والفطرة وجود الله ووجوب زوجوده وتفرده بكمال الصفات والأفعال ؛ وجب على العباد أن يخلصوا له العبادة ، وأن يسلموا وجوههم إليه في السراء والضراء ، وأن ويدعوه وحده رغبة ورهبة ، خفية وجهرة ، فهذا هو مقتضي الفطرة وموجب العقل السليم ، وبه جاء النقل الصحيح.
    قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ؛ فجعل سبحانه تفرده بالربوبية خلقاً للحاصرين والسابقين ، ووضعه الأرض للأنام ، وتذليله إياها ليمشوا في مناكبها وينعموا برزقه ، ورفعه السماء بغير عمد يرونها ، وإنزاله الأمطار من السماء ليحيى بها الأرض بعد موتها ، ويخرج بها من الثمرات رزقاً لعباده ، باباً إلي توحيد الإلهية و، وآية بينة على استحقاقه وحده العبادة ، وهذا هو الطريق الفطري في الحجاج ( أعنى الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية ) ؛ فإن قلب الإنسان يتعلق أولاً بمصدر خلقه ومنشأ نفعه وضره ، ثم ينتقل بعد ذلك إلي الوسائل التى تقربه إليه وترضيه عنه وتوثق صلته به.
    فتوحيد الربوبية باب إلي توحيد الإلهية ، ومن أجل ذلك أجنح الله به على المشركين وقررهم به ، وأرشد إليه رسله وأمرهم أن يدعوا به أممهم.
    قال تعالى : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) ؛ فاستدل بتفرده بالربوبية وكمال التصرف وحماتيه ما يريد أن يحميه على استحقاقه وحده العبادة ووجوب تفرده بالإلهية.
    وهذا النوع من التوحيد هو المقصود الأهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب ، وهو الذي بدأت به الرسل دعوتها ووقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم ، وهو الذي شرع من أجله الجهاد وقامت الحرب على ساقها بين الموحدين والمشركين.
    وقال تعالى : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل:1) ؛ فأخبر أن البعث آت لا محالة ، ونزه نفسه عما زعمه المشركون من الشركاء ، ثم استدل على ذلك بآياته الكونية ؛ فقال : (خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)الآيات إلي قوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)
    فأخبر سبحانه عن البعث والتوحيد ، ثم أقام على ذلك الحجة بآياته الكونية التى لا يشاركه فيها أحد باعترافهم ، وثم ختم البحث بنتيجته الاستدلال ، وهو التوحيد والقدرة على البعث ، وذلك قوله : (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )(النحل: من الآية22).
    وقال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس:31) )قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس:35) ؛
    فقررهم سبحانه بما لا يسعهم إنكاره ، ولا مخلص لهم من الاعتراف به من تفرده بالرزق والملك والتدبير والإحياء والإماتة والبدء والإعادة ، والإرشاد والهداية ، ليقيم به عليهم الحجة في وجوب طاعته دون سواه ، وينكر عليهم حكمهم الخاطئ وشركهم الفاضح وعكوفهم على عباده من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
    وكذلك ما تقدم من قوله: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) إلي قوله (أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل:64) ؛ فأنكر سبحانه أن يكون معه من خلق ودبر وصرف وقدر، أو من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، أو يولى ويعزل وينصر ويخذل ، أو ينقذ من الحيرة ويهدى من الضلالة ، أو من يبدأ الخلق ثم يعيده ويبسط الرزق لمكن يشاء ويقدر ، إلي غير ذلك مما استأثر الله به ، وهذا مما استقر في فطرهم واستيقنت به أنفسهم ، ونطقت به ألسنتهم ، وقامت به عليهم الحجة فيما دعت إليه الرسل من توحيد العبادة.
    وقال: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) إلي أن قال: (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (سـبأ:27) فأمره سبحانه أن يسلك في دعوته لقومه طريق الفطرة والعقل؛ فيستدل بتفرد الله بالآيات الكونية على توحيد الإلهية، وأن يلين لهم الجانب في غير ذلة ولا مداهنة، ويتلطف معهم في الدعوة والاستدلال من غير كذب ولا خداع ، حتى لا تأخذهم العزة بالإثم ، وذلك بين في قوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
    فهذا من منهج القرآن والرسل في الدعوة حجاج واستدلال، ورفق في القول، وأمر بالعرف ، وحسن في السياسة من غير مدارة تذهب بالحق ، وفي معنى هذه الآية كثير ، كمناظر إبراهيم ونوح وموسى وإخوانهم من النبيين لأممهم عليهم الصلاة والسلام.
    ومن سلك طريق القرآن في الدعوة والاستدلال، واهتدى بهدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الحجاج وحسن السياسة؛ قوى يقينه وخصم مناظره ؛ فإن في ذلك الحجة والبرهان من جهتين :
    الأولي: الخبر عن المعصوم.
    والثانية: أنه موجب الفطرة ومقتضى العقل الصحيح.


    يتبع .......
    التعديل الأخير تم 10-06-2009 الساعة 02:18 PM
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الحكمة من تعدد الرسل والرسالات وختم النبوة
    بواسطة ناصر الشريعة في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 02-05-2014, 07:13 PM
  2. إرسال الرسل لازمٌ عقلاً
    بواسطة الإصبع الذهبي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-20-2011, 07:01 AM
  3. الحكمة في القرآن (الحكمة ضالة المؤمن)
    بواسطة عساف في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 03-04-2010, 05:17 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء