شبهة حول انشقاق القمر
خلال مطالعتى على شبكة المعلومات صادفت مقالا يتحدث فيه أحدهم عن مسألة انشقاق القمر وقد أخذ على عاتقه ما أسماه " تفنيد خرافة انشقاق القمر " وقد استند فى " تفنيده " هذا لحادثة انشقاق القمر على حجتين احداهما أن انشقاق القمر بتقدير وقوعه هو حادث كونى لابد أن يشاهده الناس فى أرجاء المعمورة والأخرى أن الصدوع التى " زعم" بعض المسلمين أنها آثار انشقاق القمر لا يفسر العلماء حدوثها على أنها كذلك كما أنها سطحية و تمتد لمسافات قصيرة نسبيا بمعنى انها لاتطوق القمر كى يكون الادعاء بأنها آثار انشقاق القمر إلى فلقتين ذا وجاهة كما أنه يوجد نظير لها على أقمار كواكب أخرى .
وفى الرد على ذلك يقال أولا : أن الزعم بأن القرآن لم يقصد بالحديث عن انشقاق القمر معنى صحيح البتة هو زعم باطل لا يقول به أحد من العقلاء فيما أعلم لأن انشقاق القمر عاينه الناس وشاهدوه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار مثل صلاة الجمعة والعيدين ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلائلها والاعتبار بما فيها وكل الناس يقر بذلك ولاينكره فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما عند الناس عامة وفي صحيح مسلم ان عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر فقال كان يقرأ فيهما ب قاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ومعلوم بالضرورة في مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لأسرع المؤمنون به إلى تكذيب ذلك فضلا عن أعدائه الكفار والمنافقين ومعلوم أنه كان من أحرص الناس على تصديق الخلق له واتباعهم إياه فو لم يكن انشق لما كان يخبر به ويقرؤه على جميع الناس ويستدل به ويجعله آية له .
وقد انقسم الناس إزاء حادثة انشقاق القمر فمنهم من يجرى النص على ظاهره ويقول بأن القمر انشق إلى فلقتين وهو قول جمهور علماء المسلمين وروى هذا عن ابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك و غيرهم . وعن الحسن وعطاء أن انشقاق القمر يكون عند القيامة واختاره القشيري، وروي عن البلخي. وقال الماوردي: هو قول الجمهور، ولا يعرف ذلك للجمهور .
ويذهب دانييل مارتن فاريسكو Daniel Martin Varisco فى دائرة معارف القرآن تحت بند " القمر " إلى أن شيئا ما حدث بدا وكأنه انشقاق للقمر بينما تنقل أنيمارى شيميل Annemarie Schimmel و روبرت موريسون Robert G. Mourison عن العالم الإسلامى يوسف على صاحب الترجمة المشهورة لمعانى القرآن الكريم إلى الإنجليزية قوله أن المعنى ربما مجازى يقصد به أن الأمر اتضح وضوح القمر .
ويقول ابن عاشور فى التحرير والتنوير : ويجوز أن يكون قد حصل في الأفق بين سمت القمر وسمت الشمس مرور جسم سماوي من نحو بعض المذنبات حجب ضوء الشمس عن وجه القمر بمقدار ظل ذلك الجسم على نحو ما يسمى بالخسوف الجزئي ، وليس في لفظ أحاديث أنس بن مالك عند مسلم ، والترمذي ، ، وابن مسعود ، وابن عباس عند البخاري ما يناكد هذا ...... ويؤيد هذا ما أخرجه الطبراني ، وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : سحر القمر ، فنزلت اقتربت الساعة الآية ، فسماه ابن عباس كسوفا تقريبا لنوعه . اهـ
والمعنى من قول ابن عاشور أن القمر بدا للناظرين مشقوقا إلا أنه يجب التأكيد على أن ما حدث لم يكن أمرا معتادا لأن العرب كانت تميز ظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا حياته فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة . الحديث
ويضيف ابن عاشور : وهذا الوجه لا ينافي كون الانشقاق معجزة لأن حصوله في وقت سؤالهم من النبيء - صلى الله عليه وسلم - آية ، وإلهام الله إياهم أن يسألوا ذلك في حين تقدير الله كاف في كونه آية صدق . أو لأن الوحي إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن يتحداهم به قبل حصوله دليل على أنه مرسل من الله ، إذ لا قبل للرسول - صلى الله عليه وسلم - بمعرفة أوقات ظواهر التغيرات للكواكب . وبهذا الوجه يظهر اختصاص ظهور ذلك بمكة دون غيرها من العالم ، وإما على الوجه الأول فإنما لم يشعر به غير أهل مكة من الأرض ، لأنهم لم يكونوا متأهبين إليه إذ كان ذلك ليلا وهو وقت غفلة أو نوم ، ولأن القمر ليس ظهوره في حد واحد لأهل الأرض ، فإن مواقيت طلوعه تختلف باختلاف البلدان في ساعات الليل والنهار وفي مسامتة السماء .اهـ
ووفقا لإحدي المخطوطات الهندية القديمة والمحفوظة في مكتبة المركز الهندي بمدينة لندن( تحت رقم152/2807 ـ173) ذكر المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور محمد حميد الله في كتابه المعنون محمد رسول الله أن أحد ملوك ماليبار( وهي إحدي مقاطعات جنوب غربي الهند) وكان اسمه شاكرواتي فارماس(ChakarawatiFarmas) شاهد انشقاق القمر علي عهد رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وأخذ يحدث الناس بذلك.
وقد ذكر بن عاشور أيضا أن الآية كان نزولها قبل حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث أنس بن مالك فهو إنذار باقتراب الساعة وانشقاق القمر الذي هو من أشراط الساعة ومع الإيماء إلى أن الانشقاق سيكون معجزة لما يسأله المشركون . ويرجح هذا المحمل قوله تعالى عقبه وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر .
وقد يقال أيضا أن القمر انشق حقيقة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان الانشقاق لا يقتضى أن ينشطر القمر نصفين بل ما حدث قد يكون مجرد صدع ويكون انشق بمعنى انصدع وهذا جائز فما يسمى بـ linear Rilles وهى صدوع faults مستقيمة على سطح القمر يعتقد بعض العلماء أنها نشأت نتيجة اصطدام بعض الاجرام السماوية بالقمر Large Impact events وقد تبدو هيئة هذا الاصطدام كأن القمر انشق نتيجة الظاهرة الضوئية التى تصاحب الاصطدام وبهذا فسر أحد العلماء وهو Jack Hartung ما ورد فى بعض السجلات من انه فى العام 1178 م شاهد خمسة رجال فى كانتربرى ما بدا وكانه انشقاق للقمر ويعتقد أن هذا الاصطدام ربما هو ما نشأ عنه الحفرة Crater التى تسمى Giordano Bruno نسبة للفيلسوف الايطالى الذى يحمل نفس الإسم .
المصادر :
http://lro.gsfc.nasa.gov/
http://www.bbc.co.uk/dna/h2g2/A993297
http://en.wikipedia.org/wiki/Splitting_of_the_moon
Bookmarks