هناك تساؤلات طالما تتردد على ألسنة المشككين ومن جملة هذه التساؤلات لماذا لم يرسل الله رسلا إلا إلى منطقة محدودة جيوغرافيا أو على حد تعبيرهم لماذا لا توجد " ظاهرة " النبوة إلا فى الأديان الإبراهيمية وربما يستدرك أحدهم بالقول " إلا فى الشرق الأوسط " ، وإذا كانت الرسالات السابقة قد تم تحريفها لماذا " انتظر " الله مئات السنين كى يبعث رسولا يصلح به الملة العوجاء و يحصل به تقويم عقائد الناس وتصوراتهم ؟ وإذا قلنا أن الله بعث فى كل أمة رسول بدليل قوله تعالى : ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدو الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة . الآية ، قالوا لماذا لا نجد للنبوة أثر عند هذه الأمم ولماذا لا نجد لأمور مثل قصة آدم وإبليس أثر إلا فى " الأديان الإبراهيمية " بل قيل لماذا لانجد ذكرا للحجر الأسود فى الديانات الإبراهيمية الأخرى فضلا عن أثر فى ذاكرة سائر الأمم !
ونحن نقول أن رسالة المسيح اعتراها التبديل والتغيير بشكل تدريجى حتى اندرست معالمها ولم تستحكم الضلالات إلا بمجىء قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى وقد ظلت هناك جماعة من أتباع المسيح على الحق من بعده وكان لها حضورها لفترة طويلة ، وهى جماعة اليهود المتنصرون Jewish christians والتى كانت تقول ببشرية المسيح وانه نبى وتلتزم بالناموس ولا تقول بوجود المسيح السابق على ميلاده إلا أنها كانت قد تلاشت تقريبا وقت بعثة النبى صلى الله عليه وسلم فلم يكن يوجد إلا القليل منهم ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب .
فالحق إذا لم يزول ولم ينقطع من الأرض ولكن كان مهمشا والهداية كانت ممكنة لا مستحيلة وكل من أراد أن يكون على الحق وأجهد نفسه فى طلبه كان سيدركه بدليل وجود اناس من أمثال عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل وسلمان الفارسى وطائفة الصابئين وكان معهم من الحق ما تحصل به النجاة والمعافاة من الموآخذة والإنسان مطالب بالاجتهاد فى إلتماس الحق ويوآخد على تركه اى الاجتهاد .
ثم إن هناك من الناس من لم تصل إليه دعوة الحق واستفرغ الطاقة فى طلب الحق ولم يعلم ولم تقم عليه الحجة وهؤلاء يسمون بأهل الفترة ولهم حكم خاص كما فى الحديث الذى أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في " مسنده " والبيهقي في كتاب " الاعتقاد " ـ وصححه ـ عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعة يمتحنون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئًا ، ورجل أحمق ، ورجل هرِم ، ورجل مات في فترة ، فأما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا ، وأما الأحمق فيقول : رب لقد جاء الإسلام والصبيان يقذفوني بالبعر ، وأما الهرِم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا ، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول ، فيأخذ مواثيقهم ليطيعونه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار ، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن لم يدخلها يسحب إليها . وأهل الفترة هم من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة .
أما الغاية من بعثة النبى هو ظهور الحق بعد أن كان مهمشا والتمكين له بعد أن كان مستضعفا
قال تعالى : هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله .الآية
وقد كان ذكر النبى فى أسفار أهل الكتاب وكانوا يستفتحون بالنبى المنتظر على الذين كفروا .
وفى صفته صلى الله عليه وسلم فى سفر أشعياء 42 على الراجح :
هوذا عبدي الذي اعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للامم .
هذا فضلا عن الأمور المستجدة فى هذه الرسالة الخاتمة والتى تميزت بها عن الرسالات السابقة وما ضُمِّنته من من أحكام تجعلها صالحة لكل زمان ومكان .وأصبح الايمان به واجب لدى السماع به أو بلوغ دعوته وفى الحديث الذى رواه مسلم فى كتاب الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته : والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار .
ثم إن الله تعالى لا يقال له لماذا لأنه مالك الملك يتصرف فى ملكه كيفما شاء ونحن وإن كنا نثبت كون أن الله يفعل لحكمة فإن عقولنا قد تكون بل كثيرا ما تكون قاصرة عن إدراك الحكمة من أفعال الله لذا قال تعالى : لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون .
أو كما قال نيلز بور : كف عن أن تقول لله ما يتوجب عليه فعله !
Quit telling God what to do
والقصص القرآنى ليس للتسلية بل لأخذ العبرة وليس هناك داعى ان يخبر موسى او عيسى قومه أنه ثم حجر هبط من الجنة فى جزيرة العرب لانه ليس جزء من شعائر هذه الامم وقد قال الله : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا .
وقصة الخلق ليس بالضرورة اختفت من تراث الأمم لانها قد تكون لم تذكر أصلا للأمم الاخرى وبعض الرسالات بها تفصيلات ليست فى الاخرى .
والله كان يرسل الرسل بالاساس لدعوة الناس لعبادته وخلع ما يعبد من دونه من المعبودات والاوثان وليس ليخبروهم عن قصة الخلق وخبر آدم وإبليس والحجر الذى نزل من الجنة .
أما " ظاهرة " النبوة - على حد تعبيرهم - فلم تكن قاصرة على " الأديان الإبراهيمية " ولا " الشرق الأوسط " ولدينا دليل على أن انسانا يسمى Kan Chung-k’o أو Gan Zhongke خاطب الامبراطور الصينى Ch'eng فى القرن الأول قبل الميلاد بصفته مرسل من رب السماوات وأنه جاء بكتاب سلام عظيم من عنده
a Classic of Great Peace
وكذا فى دائرة المعارف البريطانية موسوم بأنه نبى صينى Chinese Prophet :
Among the less welcome visitors at the Han court had been a certain Kan Chung-k'o. At the end of the 1st century BC he presented to the emperor a “Classic of the Great Peace” (T'ai-p'ing Ching ) that he claimed had been revealed to him by a spirit, who had come to him with the order to renew the Han dynasty.
(1)
وكذا من الممكن أن يقال أن شخصيات من أمثال معبود الهند كرشنا ونبى الفرس زرادشت كانوا أنبياء وحرفت رسالاتهم كما حرفت رسالة المسيح وجمهور المؤرخين الآن على أن المسيح لم يدع الألوهية .
ومن الطبيعى أن لا نجد أثر لأنبياء فى ذاكرة الأمم الجاحدة المكذبة وفى الحديث : عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد . أى لم يؤمن إلا هؤلاء الرهط أو الرجل أو الرجلان أو لم يؤمن أحد .
وهناك نظرية طورها الباحث النمساوى Wilhelm Schmidt مفادها أن ان التوحيد أصيل ثم طرأت عليه الوثنيات وإن كانت لا تحظى بالدعم والتأييد
ومن سكان أمريكا الشمالية الأصليين أمة يقال لها the Iroquois Nation كانت لهم ديانة توحيدية فكانوا يؤمنون بالله والملائكة ويعرفون ابليس وجنوده من الشياطين وأن المرأ عليه أن يختار بين طاعة الله أو الخضوع للشيطان كما كان لديهم مفهوم الحياة الآخرة و خلود الروح وان الروح تخضع للحساب أمام الله وقد تعاقب على ما أقترفه صاحبها.****
وهذا مما يوحى بأنهم أرسل اليهم رسل تدعوهم الى عبادة الله
وكون من هذه الامم من كانوا مشركين فلا يعنى أنهم لم يرسل اليهم رسل بل ارسل اليهم ثم طرأ عليها الشرك أو لم يستجيبوا لدعوة النبى .
-----------------------------
(1) وكذا :
251. Kan Chung-k’o 甘忠可 was a man of the Ch’i commandery who lived in the time of Emperor Ch’eng. He wrote one or two books entitled T’ien-kuan li 天官歷 and Pao-yüan T’ai-p’ing ching 包元太平經in twelve rolls, which said that the Han dynasty had come upon a great ending in Heaven and Earth and must receive anew a mandate from Heaven, and that the Lord of Heaven had sent a saint. The Essence of the Red Lord, Ch’ih-ching-tzu 赤精子, down to teach him this doctrine.
Kan Chung-k’o taught Hsia Ho-liang 夏賀良, Ting Kuang-shih 丁廣世, Kuo Ch’ang 郭昌, and others. Liu Hsiang memorialized that Kan Chung-k’o had false spirits and gods, deceived his superiors and misled the crowd, so Kan Chung-k’o was imprisoned. Before he was sentenced, he died of illness (said to have been in 23 B.C.). Hsia Ho-liang (q.v.) later used his teachings to influence Emperor Ai; Wang Mang was still later impressed by them. Cf. Hs 75.31a,b; 99A.34b; Pelliot, in T’oung Pao XIX, p. 411, n. 366, end; HJAS July, 1936: 200. Ku Chieh-kang , Ku-shih-pien I.474.
انظر هذا الملف ص 47
http://libweb.uoregon.edu/ec/e-asia/read/dubs-99a.pdf
****
http://are.as.wvu.edu/ruvolo.htm
Bookmarks