استخدام المجاز ####phor فى التوصيف العلمى كأداة لتقريب المفاهيم إلى الأذهان هو حقيقة واقعية ولقد آمن كثير من العلماء البارزين بدور المجاز فى صياغة الأفكار العلمية وتاريخ العلم ملىء بأمثلة على ذلك نذكر منها مصطلح القبة السماوية Celestial Sphere وهذا تعبير مجازى فلا يوجد قبة على وجه الحقيقة إلا أن السماء تبدو هكذا للراصد ومن ثم فقد وظف الفلكيون هذا المفهوم لتيسير رصد وضع و حركة الأجرام السماوية عبر السماء بصرف النظر عن كونها حركة حقيقية أو ظاهرية نتيجة دوران الأرض ، والنسيج الكونى Cosmic web ، و نموذج طومسون Plum-Pudding model للذرة حيث كان تصوره عن الذرة أنها كالزبيب فى طبق " الحلوى " حيث الزبيب يمثل الإلكترونات والحلوى تمثل النواة ، ومصطلح caput medusae وهو علامة على ارتفاع ضغط الوريد البابى portal vein حيث تحتقن أوردة ( para-umbilical veins ) من حول السرة فتبدو كهئية رأس مسخ أسطورى يسمى Medusa وغير ذلك كثير .
ولقد وظف القرآن الكريم الأسلوب ذاته فى وصف الخلق و الظواهر الكونية لنفس الغرض ومن هذا الباب قوله تعالى فى سورة الرعد : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ. (2)
والمراد من رفع السماوات هاهنا يتضح إذا ما علمنا أن السماوات توصف فى آيات أخرى بأنها بناء قال تعالى : الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء ( غافر : 64 )
ومن هنا فقوله رفع السماوات أى طوّل بناءها وفى المعجم الوسيط مادة " رفع " : (رَفَعَ) القومُ -َ رَفْعًا: أصعدوا في البلاد. و - البعيرُ ونحوه في سيره: بالغ فيه وأسرع. و - الشيءَ رَفْعًا، ورِفاعًا: أَعلاه، وفي التنزيل العزيز: وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ . و - البناءَ: طوّله. وفي التنزيل العزيز: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
والمعلوم أن بناء السماوات أو النسيج الكونى cosmic web يمتد إلى مليارات السنوات الضوئية فى كافة الأبعاد. وهو المقصود فى الآية الأخرى فى سورة النازعات : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها . الآية
ويروى ابن جرير الطبرى عن ابن عباس قوله : ( رفع سمكها ) يقول : بنيانها
وفى محيط المحيط فى شأن السَمْك : وقيل : هو من أَعلى البيت إلى أَسفله . والسَّمْكُ : القامَة من كل شيء بعيد طويل السَّمْكِ ; وقال ذو الرمة
نَجائِبَ من نِتاجِ بني عُزَيْرٍ طَِوالَ السَّمْكِ مُفْرِعةً نِبالا
ورفعها بغير عمد للعلماء فيه قولان ; الأول : أنه لها عمد لكن ليست بالكيفية المعهودة وبالتالى لايمكن أن نراها لأن من طبيعتها ألا تكون مرئية لنا ، والآخر أنه ليس لها عمد أصلا .
والحاجة أمس للعمد إذا طال البناء وعلا وتعددت طوابقه والله تعالى طول البناء إما بلا عمد مرئية أو بلا عمد أصلا.
قال ابن كثير : فعلى هذا يكون قوله : ترونها تأكيدا لنفي ذلك ، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها كذلك ، وهذا هو الأكمل في القدرة اهـ .
والمقصود ان البناء بحاجة الى عمد والحاجة أمس إذا طال وعلا وتعددت طوابقه فالمرأ قد يبنى البيت من طابق أو طابقين بلا أعمدة وفى هذه الحالة يمكن للحوائط أن تحتمل الأسقف لكن اذا طال البناء وعلا وتعددت طوبقه فهناك حاجة للاعمدة .والله رفع السماوات أى طول بنيانها بلا عمد معهود على أقل تقدير .
والعمد : جمع عمود على غير قياس ، ومنه قول نابغة ذبيان :
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
والصفاح بالضم والتشديد : الحجر العريض ( ذكره صاحب أضواء البيان )
والحاصل نفى العمد المعهود .
والقوى التى تعمل على انهيار البنيان على الأرض ، أى الجاذبية ، هى نفسها التى تعمل على انهيار بنيان السماء لولا القوى التى تلغى أثرها . وقوى الجاذبية فى الكون تعتمد على كثافة وضعط المادة فى الكون ، بينما القوى التى تلغى أثرها ، والتى من الممكن أن تكون هى العمد المقصود فى الآية ، هى القصور الذاتى أو العزم Momentum الناتج من قوة الإنفجار التى تدفع الكون للتمدد فضلا عن ما يسمى بالطاقة المظلمة Dark Energy وهى نمط من المادة ذو ضغط سالب Negative Pressure والتى يعتقد أنها تؤدى إلى تسارع التمدد الكونى .
ولدى علماء الفلك نموذجان لمصير الكون الأول وهو الانسحاق العظيم Big Crunch والآخر التمدد اللانهائى .
والمحك بين الاحتمالين هو هل كثافة المادة فى الكون تتجاوز ما يسمى بالكثافة الحرجة Critical Density أم لا .
فإذا تجاوزت كثافة المادة فى الكون هذه الكثافة الحرجة فهذا يعنى أن قوى الجذب سوف تتغلب على قوى التمدد مما يؤدى إلى انهيار collapse الكون على نفسه الى النقطة التى بدأ منها التمدد وهو ما يسمى Big Crunch وإذا كانت كثافة المادة فى الكون أقل من الكثافة الحرجة فهذا يعنى أن قوى التمدد ستتغلب وبالتالى يظل الكون يتمدد إلى الأبد .
وبهذه القوى ونحوها فإن الله تعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه كما فى الآية : وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ . ( الحج )
مثلما يمسك الطير فى جو السماء كما فى الآية : ألم يرو إلى الطير مسخرات فى جو السماء ما يمسكهن إلا الله .
فهو يمسك الطير بقوة رد فعل الهواء على جسد الطائر كما هو معلوم من قانون نيوتن الثالث : لكل فعل رد فعل مساو فى المقدار ومضاد فى الاتجاه
فعندما يؤثر الطائر بقوة على الهواء نتيجة رفرفة الأجنحة فإن الهواء يؤثر عليه بقوة مساوية فى المقدار ومضادة فى الاتجاه وبالتالى يرتفع الطائر ويحلق . أى أن الله يمسكها بواسطة ، تماما مثلما أن الله يسوق السحاب بقوة الرياح .
المصادر :
http://map.gsfc.nasa.gov/universe/uni_fate.html
Bookmarks